☰ جدول المحتويات
- رفتن رستم به نخچیرگاه: ذهاب رستم إلى نخشيركاه
- آمدن رستم به سمنگان: مجيء رستم إلى سمنجان
- آمدن تهمینه دختر شاه سمنگان به نزد رستم: مجيء تهمينة ابنة ملك سمنجان إلى رستم
- زادن سهراب از تهمینه: ولادة سهراب من تهمينة
- رزم سهراب با گردآفرید: حرب سهراب و جرد آفريد
- اندر نامه كیكاووس به رستم و آنچه گذشت: ذكر كتاب كيكاوس الى رستم و ما يتصل به
- لشكركشیدن كيكاووس: ذكر جيوش كيكاووس و رستم
- نبرد آوردن رستم با سهراب: حرب رستم مع سهراب
- نوشدارو خواستن رستم از كيكاووس برای بهبودی سهراب: طلب رستم الدواء لشفاء سهراب من كيكاوس
رفتن رستم به نخچیرگاه: ذهاب رستم إلى نخشيركاه
قال صاحب الكتاب: نقل عن عالمهم العارف بتواريخ أيامهم أن رستم بن دستان أصبح ذات يوم مهموما حزينا، و عزم على الصيد، و شدّ عليه منطقته، و ملأ من النشاب تركشه. و سار حتى وصل الى حدود توران، فرأى البرية مملوءة باليعافير. فتهلل وجهه و استبشر، و حرّك رخشه و رمى عدّة منها. ثم أوقد نارا، و قلع شجرة كالسفود، و علق عليها واحدا منها فشواه و أكله حتى أتى على آخره. و استلقى و نام، و أرسل فرسه يرعى فى روضة كانت هناك فاذا بسبعة أو ثمانية من التورانية عابرين على الطريق. فرأوا أثر حوافر الفرس، فتبعوا الأثر الى واد هناك، و رأوا فرسا يرعى و ليس عنده أحد، فأحاطوا به حتى أمسكوه. و قادوه الى بلد لهم هناك يسمى سِمِنجان . فانتبه رستم فطلب الفرس ليركبه فلم يره. فاهتم لفقده و نهض مسرعا و جعل يدور فى طلبه حتى وقع الى تلك المدينة.
آمدن رستم به سمنگان: مجيء رستم إلى سمنجان
و أخبر ملك هذه المدينة بمجئ رستم بن دستان، و أن فرسه قد ضاع منه فى متصيده. فاستقبله الملك و أمراؤه. و حين اجتمع به استخبره عن أمره، و استفظع الحال و استعظمه، و طيب قلبه. و قال: نحن فى هذه المدينة عبيدك، و نفوسنا و أموالنا بحكمك. فقال: إن فرسى غاب عنى فى هذا المرج و لم يكن عليه الجام و لا عذار. و لقد تتبعت أثره فوجدته قد انتهى الى هذه المدينة. فان طلبته و رددته علىّ التزمت بذلك المنة منك، و إلا ضربت رقابا كثيرة بسبب ذلك. فقال له صاحب سِمِنجان : من يتجاسر على أن يمسك فرسك؟ فكن ضيفنا اليوم، و لا تحتد. فان الأمر لا يكون إلا كما تريد. فتبيت هذه الليلة طيب القلب، و مقبلا على الطرب و ملقيا عنك أسباب الهم و التعب، ثم إن فرسك لا تخفى آثار حوافره. فسر رستم بكلامه، و رأى موافقته على ما دعاه اليه. فصار الى داره. و سرمك سمنجان بإجابته له. فأنزله فى قصره و وقف بين يديه، و أحضر لديه الأمراء و الأكابر من أهل بلده. و حضرت السقاة الصباح و المغانى الملاح، و اندفع فى الشرب. فلما ثمل و غلبه النوم أدخلوه الى موضع أعدوه لمنامه. فنام و عند رأسه المسك و ماء الورد.
آمدن تهمینه دختر شاه سمنگان به نزد رستم: مجيء تهمينة ابنة ملك سمنجان إلى رستم
فلما مضت طائفة من الليل سمع حسا فاذا بباب المكان الذي هو فيه قد فتح و وصيفة قد دخلت و بيدها شمعة من العنبر فوضعتها عند رأسه، و اذا بامرأة قد خرجت من وراء الستر كأنها فلقة قمر، متبرجة بين الحلىّ و الحلل، ذات حاجبين كقوسين، و غديرتين تضطربان كحبلين، و كأنها من فرط اللطافة و الملاحة صوّرت من روح.
فلما رآها رستم بهت لما شاهده من جمال وجهها فقال لها من أنت؟ و ما اسمك؟ و ما الذى أخرجك فى ظلام هذا الليل؟
فقالت أنا ابنة ملك سِمِنجان . و ما الى فوق الأرض شبيه، و لا رأى أحد وجهى و لا سمع أحد حسى. و قد بلغنى على لسان السمر أحوالك و أحاديث رجوليتك و شجاعتك. و ذكرتْ ما اختص به رستم من الخلال الشريفة و الأخلاق الحميدة.
و قالت:و قد شغفنى حبك. و كنت طالبة للاجتماع بك. و قد قدّر اللّه تعالى مصيرك الى هاهنا. و عرضت نفسها عليه و قالت: أريد أن يرزقنى اللّه تعالى و منك ولدا يكون مثلك فى قوّتك و نجدتك. و أنا ضامنة أن أدوّخ سِمِنجان لك، و أرد فرسك عليك.
فعقد عليها رستم برضاها و بات معها تلك الليلة. فلما آذنت الشمس بالطلوع أعطاها خرزة كانت مشدودة على عضده، و قال لها: إن رزقت أنثى فاربطيها فى قرونها، و إن رزقت ابنا فشدّيها على عضده. و سيكون مثل سام بن نريمان يستزل العقاب من الهواء، و يسامى الشمس فى كبد السماء. قال: و طلع النهار و جاء الملك و خدمه، و استخبره عن نومه و مبيته، و بشره بوجدان فرسه. فتهلل وجه رستم من الفرح و السرور، و قام و مسح ظهر الرخش و أسرجه و ألجمه. و ركب و خرج مسرورا منشرح الصدر من جهة ملك سِمِنجان حتى عاد الى أرض إيران. و كان لا يزال يحمده و يشكره.
زادن سهراب از تهمینه: ولادة سهراب من تهمينة
قال: ثم لما أتت على ابنة الملك تسعة أشهر ولدت ابنا كالقمر ليلة البدر كأنه رستم بن دستان أو سام بن نريمان. فسمته أمه سُهراب . و كان يشب فى شهر ما يشب غيره فى سنة. و لما بلغ ثلاث سنين لم يكن هناك أحد يقاومه فى قوّته و شجاعته. فجاء الى أمه و قال: مالى أطول من أقرانى قدا، و أوسعهم صدرا، و أشدّهم بأسا؟ و من أبى و جدى و ما اسمعها؟ فقالت أنت ابن رستم من شجرة دستان بن سام و نيرم. و ما استعلاؤك إلا لأن ذلك البيت أصلك.
و منذ خلق اللّه تعالى ما ظهر فارس مثل أبيك. فقال عند ذلك سهراب، مدلا بالانتساب الى ذلك البيت العظيم و الأصل الكريم، لأجمعن عساكر عظيمة من الترك، و لأزعجن كيكاوس عن سرير ملكه، و أقلع آثار عقب طوس من إيران، و أنقل التاج و التخت الى رستم، و أعطف من أرض إيران الى بلاد توران، و أنتزعها من يد أفراسياب. و مهما كان رستم لى أبا و كنت له ابنا فلا ينبغى أن يبقى على وجه الأرض صاحب تاج آخر. و مهما كان الشمس و القمر مشرقين فلن تظهر الكواكب للعين. قال فاجتعمت العساكر بعد ذلك على سهراب من كل جانب لجمعه بين الاصاله و البسالة.
فرستادن افراسياب بارمان و هومان را به نزد سهراب: إرسال أفراسياب بارمان و هومان إلى سهراب
فانتهى الخبر الى أفراسياب بأن سهراب قد ألقى السفينة فى الماء، و تصدّى لاكتساب المجد و السناء، و أنه مع صغر سنه، و مولع بالسيف و مغزم بالضراب و الطعان، و أنه على عزم القتال لكيكاوس، و أنه لا يبالى، بأحد، و قد اجتمع عليه عسكر عظيم. فلما وقف على ذلك أفراسياب ضحك و سر بذلك. فجهز اليه من أمرائه لمعاضدته هومان و بارمان فى اثنى عشر ألفا انتخبهم من عسكره، و أوصاهما فى السر بأن يحتالا على سهراب و يحولا بينه و بين أن يعرف أباه رستم عند الملاقاة.
و قال: لعله اذا التحم القتال أن يقتل ذلك الفارس المقدام على يدى هذا الشجاع الجسور، فيسهل علينا عند ذلك الاستيلاء على ممالك إيران.
و اذا ثم قتل رستم على يدى ابنه سهراب دبرنا عليه، و قال: فمضى الأميران الى سهراب و معهما هدايا أفراسياب اليه من للتاج و التخت و الخيل و البغال.
و كتب اليه كتابا يقول فيه: إنك إذا أخذت أرض إيران استراح الخلق و سكتت الفتن. و ليست المسافة بين المملكتين بعيدة. و ما سِمِنجان و إيران و توران إلا خطة واحدة. فاجلس على التخت، و إنى ممدّك بما تريد من العساكر. و ليس في أرض توران الهذين الأميرين ثالث. و قد نفدتهما اليك ليقيما على رسم الضيافة عندك، و اذا نهضت للقتال كان فى خدمتك و ضيقا الأرض على عدوّك .
رسیدن سهراب به دژ سپید: وصول سهراب إلى سبيددز
قال: فلما وصل الكتاب و الخلعة الى سهراب سار بالعساكر متوجها الى إيران. فانتهى الى قلعة تسمى سبيذدِز . و كانت معقل الايرانيين. و المستحفظ بها رجل شجاع يسمى هجير. و كانت له أخت موصوفة بالفروسية و الشجاعة، مذكورة بالجزأة و البسالة. فلما قرب سهراب من القلعة، و رأى هجير عسكره نزل من القلعة، و ركب و سارع الى القتال، فتطاعن هو و سهراب، و فطعنه سهراب بسنان رمحه فلم يعمل شيئا. ثم قلب رمحه و طعنه بزجه فألقاه من ظهر الفرس. و ترجل عليه ليحتز رأسه فطلب الأمان من سهراب فآمنه على روحه
رزم سهراب با گردآفرید: حرب سهراب و جرد آفريد
و بلغ الخبر الى القلعة بما جرى على هجير فلبست المرأة السلاح، و وارت قرونها تحت الزرد، و وضعت البيضة على رأسها، و نزلت من القلعة مثل الأسد على فرس كالريح المرسلة، و هى تقول أين آساد الرجال و أبناء القتال؟
فلما رآها سهراب تبسم فلبس خَفتانه و أقبل للقتال، فرشقته المرأة بالنشاب، فاحتد و رفع المجن، و ركض اليها.
فتنكبت قوسها و أشرعت الرمح سهراب. فسل سيفه و قطع رمحها. فولت هاربة من بين يديه فركض سهراب فى أثرها. فلما قرب منها ألقت البيضة عن رأسها فانسدلت قرونها، و بان وجهها مستنيرا كالشمس.
فعلم سهراب أن الفارس ليس من الرجال، و أنه من بنات الحجال. فقضى العجب من ذلك. ثم حال الوهق من سموط سرجه، فرماه اليها و حلقه عليها، و استأسرها، و قال: لا تطلبى منى الخلاص، فانه قل ما وقع مثلك فى الحبالة. فلما حصلت فى قبضته احتالت عليه، و قالت: إن العسكر من الجانبين قد رأوا ما جرى بيننا من المبارزة و القتال. و سيعيبون عليك كونك تفرغ وسعك و تبذل جهدك فى مقاتلة امرأة. و الأولى بنا إخفاء الأمر، و أنا اسلم القلعة.
فلما رأى سهراب حسنها و جمالها شغف بها و اغتر بكلامها.
ثم قال لها: لا تحيدى عن هذا الرأى فإنك قد جربتني فى الحرب. و لا تغترى بهذه القلعة فإنى قادر على أن أخربها و أسويها مع وجه الأرض.
فعطفت عنانها، و سهراب معها، عائدة الى القلعة. فلما حصلت وراء الباب أغلقوه فى وجه سهراب. فأشرفت من السور و رأت سهراب على ظهر الفرس فقالت: يا ملك الترك و الصين! لم تعبت و تعنيت؟ فارجع القهقرى وراءك.
ثم قالت على سبيل السخرية: إن الأتراك لا يطمعون فى مزاوجة الايرانية. و فتّك و ما رزقتك. فلا تحزن نفسك على ما فاتك. و أراك لست من نسل الأتراك لما رأى عليك من روعة الأكابر و أبهة الملوك.
و إنك و ان كنت لا تلقى أجدا يساويك فى شدة بأسك و قوّة أعضادك فإنه اذا تناهى الخبر الى كيكاوس بخروجك نهض اليك مع رستم فلا تجد طاقة بمقاومتهما. و الأصوب لك أن ترجع وراءك الى توران، و تحفظ روحك. و لا تركن الى شدّة شوكتك فان الثور اذا سمن فانما يأكل من جنبه. و ربما يبحث الحائن عن حتفه بظلفه.
فلما سمع سهراب مقالتها صعب عليه و غاظه ذلك. و كان تحت القلعة موضع عليه اعتمادها و به قوامها، فأمر بتخريبه، و هجم الليل و حال بينه و بين أخذ القلعة.
نامه گژدهم به نزد كيكاووس: رسالة كزدهم إلى كيكاوس
فرجع الى معسكره، و كتب كزدَهَم أحد من فى القلعة الى الملك كيكاوس يقول له: إنه قد خرج عسكر عظيم من الترك يقدمهم ملك لا يزيد سنه على أسبوعين. يطاول السرو و قدّه ، و يبهر الشمس فى الجوزاء وجهه. اذ انتضى السيف المهند من خلل لم يبال ببحر و لا جبل. و قد تلقاه الفارس الشجاع هجير فما كان أسرع من رجع الطرف أن اختطفه من سرجه، و أوثقه فى أسره. و قد رأيت من فرسان الأتراك كثيرا، و لم أر مثله فارسا جسورا. و إنه إذا أرخى فى مأقط الحرب العنان فليس يشبهه غير سام بن نريمان. و إنه إن توانى الملك فى أمره و لم يستعدّ لحربه تفاقم أمره، و استعضل خطبه. و ختم الكتاب و أنفذه الى الحضرة.
گرفتن سهراب دژ سپید را: استيلاء سهراب على سبيددز
قال: و لما طلع النهار ركب سهراب فى عساكر توران. فلما انتهى الى باب القلعة صادفها خالية من المقاتلين قد هرب منها جميع من كان فيها منهم. فأذعن له من بقى فيها بالطاعة، و سلموا القلعة اليه. قال: و لما وصل الكتاب الى كيكاوس اهتم لذلك فجلس و أحضر أركان دولته و أكابر حضرته مثل طوس و جوذَرز و جِيو و كِشواذ و غيرهم من الملوك و الأمراء، و قرأ عليهم الكتاب فقضوا العجب مما فيه. ثم سارّهم و قال: إن هذا أمر يطول علينا. و سايلهم عن الرأى و التدبير. فاتفقوا جميعا على انفاذ جيو الى بلاد زابل لاستنهاض رستم و استدعائه.
اندر نامه كیكاووس به رستم و آنچه گذشت: ذكر كتاب كيكاوس الى رستم و ما يتصل به
فرستادن كيكاووس نامهای به سوی رستم و خواندن او از زابلستان: ارسال كيكاوس رسالة الى رستم و قرائتها من زابلستان
قال: فأمر بإحضار الكاتب، و بأن يكتب الى رستم. فكتب كتابا صدّره بالثناء عليه، و قال فيه لا زلت ملجأ و ملاذا، و لا كان غيرك فى العالم مستجارا. ثم قال فيه: إن الأكابر اجتمعوا بحضرتنا لما ورد به كتاب كزدَهَم ، فاتفقوا على إنفاذ الكتاب اليك على يد جِيو .
فاذا وقفت على الكتاب فسر الينا فى عساكر زابلستان، و استعدّ لمحاربة فارس توران. فليس أحد غيرك يصلح لملاقاته على ما حكاه كزدهم.
من حاله. ثم أقبل كيكاوس على جيو، و أمره بالاستعجال و المبادرة، و بألا يتلبث عند رستم، بل إن وصل صباحا رجع مساء، و ان وصل مساء رجع صباحا. و أوعز اليه فى حث رستم على المبادرة، و إعلامه بأن الحال لا يحتمل التأخير.
فأخذ جيو الكتاب و ركب و سار حتى وصل الى زابلستان. و استقبله رستم، فلما قرب منه ترجل له جيو، فنزل رستم أيضا. ثم سأله عن الملك كيكاوس و بلاده. ثم ركبا و ذهب به رستم الى إيوانه فسلم اليه جيو الكتاب، و أدّى ما تحمله من الرسالة.
فلما قرأ رستم الكتاب قضى العجب من الحال المذكور، و من ظهور فارس من التورانية يشبه ساما.
ثم قال: إن لى ابنا من ابنة ملك سِمِنجان و هو بعدُ لم يتأهل لمغامسة الحروب، لكنه عن قريب يبلغ الى ذلك. و قد نفذت الى أمه جواهر و أموالا، و أتانى الخبر عنه بما يرجى بلوغه درجة الملوك. و ها نحن ننهض بعد يوم الى حضرة الملك، و نُرى فرسان إيران الطريق فيما دفعوا اليه.
و قال: لعل سعادة جد الملك غير متيقظة فانه ليس هذا الأمر من الصعوبة على الصفة التى تذكرون. و اشتغلوا بالشرب حتى ثملوا.
و لما كان الغد زين المجلس، و اصطبحوا. و كذلك فعلوا فى اليوم الثالث غير مفكرين فى طلبة الملك كيكاوس و ما أمرهم به.
فلما كان اليوم الرابع قال جيو لرستم: إن كيكاوس سريع الغضب شرس الخلق. و ليس يوافقه ما نحن فيه، فإنه قد اشتغل قلبه بهذا المهم حتى هجر من أجله النوم و زايل القرار. فقال له رستم: لا يهمنك ذلك فإنه لم يبق على وجه الأرض من ينازعنا فى الملك. ثم أمر بإسراج فرسه المعروف بالرخش، و ضرب الكوسات، و إعمال البوقات.
خشم گرفتن كيكاووس بر رستم: غضب كيكاوس على رستم
و سار العساكر الى حضرة كيكاوس. فلما مثلوا بين يديه اطّرح الحياء، و صالح على جيو، و قال: من يكون رستم حتى يتوانى فى امتثال أمرى، و يعرض صفحا عنى؟ خذه الساعة و اصلبه، و لا تراجعنى فى أمره. فتحير جيو، و توقف.
فاحتدّ كيكاوس و قال لطوس: خذهما و اصلبهما معا. و قام من مجلسه مضطرما كالنار الموقدة. فأخذ طوس بيد رستم ليخرجه حتى تسكن ثائرة غضب الملك.
فاحتدّ رستم و قال لكيكاوس: خفض عليك، و دع عنك هذه الحدّة . فكل واحد من أمورك أنحس من الآخر. و ليس تليق بك الشهريارية و الملك. و ليكن صلبك لسهراب، و إهانتك لعدوّك إن قدرت. و دفع طوسا و رماه الى الأرض، و خرج غضبان، و ركب رخشه و قال: أنا الذهب للتاج، و مقدّم القوم. فلماذا يحرد علىّ كيكاوس؟ و من كيكاوس؟ و من طوس حتى يمدّ يده الى؟
و أقبل على الإيرانيين، و قال: دبروا أموركم، و احفظوا أرواحكم فان سهراب قد جاء و إنه لا يخلى منكم صغيرا و لا كبيرا. و هأنا رائح و لا يرى وجهى أحد بعد هذا فى أرض إيران. فاهتم من هناك من الأمراء و القوّاد لما سمعوا من رستم على رءوس الأشهاد.
فالتجأوا الى جوذَرز ، و قالوا له: أنت الذى بلطفه ينجبر الكسير، و برأيه يسهل العسير. فادخل على هذا الملك المجنون، فانه لا يسمع غير كلامك، فلعلك تستعطفه لرستم. فدخل جوذَرز مسرعا على كيكاوس، و قال: أى شىء عمل رستم حتى يخاطب بما اضطربت به المملكة؟
و ليس يعدّ من العقلاء من يكون له فارس مثل رستم فيطرده بالجفاء. فندم كيكاوس على ما بدر منه، و اعترف على نفسه، و صدّق جوذرز فيما قال: و قال: لا بدّ للملك أن يكون وافر العقل متنكبا عن الحدّة و الجهل. و قال له: اركب الآن مع الأكابر و الأمراء خلف رستم و ردّوه .
فركب جوذرز، و سار فى جميع أمراء الحضرة حتى لحقوه. فاجتمعوا عليه، و أطلقوا ألسنتهم بالثناء، و دعوا له بالبقاء. و قالوا: إنك تعلم أن كيكاوس خفيف الرأس لا يستقيم كلامه عند الحدّة و الغضب، و أنه يحتدّ ثم يندم من ساعته فيرجع الى أحسن ما كان عليه قبل غضبه. و اذا ضاق صدرك من الملك فأى جرم لسائر الايرانية؟
و الآن قد ندم كيكاوس على ما سبق منه حتى كاد أن يعض على يديه. فأجابهم رستم و قال: مالى حاجة الى كيكاوس. فان تختى السرج، و تاجى البيضة، و لباسى الجوشن، و مركوبى الموت. و سواء عندى كيكاوس و التراب. و قد مللته و سئمته. و لست أفزع منه أبدا، و لا أخاف غير اللّه أحدا. فقال له جوذرز: إن أهل المملكة و فرسان العسكر يحملون هذا على محل آخر. فيقولون: إنما فعل رستم هذا الخوف دخله من هذا العدوّ . و قد تناجوا بشيء من هذا القبيل. و قال: إن كل شيء جرى فلا جانى له سوى سهراب. فلا تخالف الملك و لا توله ظهرك، و لا تمح برجوعك صيتك الذى طبق الآفاق. و اعلم أن العدوّ قد أخذ المخنق، و لم يبق فى الأمر متسع. فلا تنكس تخت السلطنة، و لا تعفر تاجها. فلم يزل جوذرز يستعطف رستم و يسترضيه حتى لانت عريكته، و قرّت بعد الهدير شقشقته. فثنى عنانه عائدا الى حضرة الملك. و لما دخل عليه تلقاه و أخذ يعتذر اليه قائلا: إن أهورمزدا خلقنى شرس الأخلاق، شكس الطباع. و ليس ينبت الشجر إلا كما غرس. و قد امتلأ قلبى من هذا العدوّ ، و جاش صدرى بهجومه، فدعوتك لتكفينى شره.
فلما أبطيت جرى ما صدر منى من الاحتداد.
فقال رستم: العالم لك و كلنا عبيدك و خدمك. و ما جئت إلا امتثالا لأوامرك، و اقتفاء لمراسمك.
فقال كيكاوس: اليوم خمر و غدا أمر. فهلم نطيب العيش ثم نرتب الجيش. فأمر فزين برسم الأنس مجلس شاهنشهى يتهلل إيوانه تهلل الربيع الناضر، و تطنّ أرجاؤه بأصوات العيدان و المزاهر.
لشكركشیدن كيكاووس: ذكر جيوش كيكاووس و رستم
و اصطفت حواليهم روقة الأقمار، و أديرت عليهم كئوس العقار. و أقاموا على ذلك الى نصف الليل. تجييش كيكاوس و رستم الجيوش و الاستعداد للهجوم فلما كان من الغد أمر كيكاوس فشدّت الكوسات على مناكب الفيلة، و فتحت الخزائن، و أفيضت الأرزاق على العبيد و الخدم.
و برزوا و هم زهاء مائة ألف مدجج، فساروا حتى وصلوا الى قرب قلعة سبيذ، فصاح من كان على مرقبها منذرين بالعسكر. و لما علم سهراب بذلك صعد الى سور القلعة، و شاهد العسكر و جعل يريهم بإصبعه هومان أحد أمرائه. فلما رآهم هومان طار قلبه شعاعا، و وجم من الخوف حتى كان لا يستطيع خطابا و لا حوارا.
فقال له سهراب: لا يهمنك ما ترى. فانه ليس فيهم من يقف قدامى، و يثبت دون عصفة حسامى. و إنما هو سواد عظيم و سلاح كثير. و لأجعلن، بسعادة الملك أفراسياب، صحراء المعركة كالبحر الملاطم من دمائهم. و نزل عن القلعة غير مفكر بهم. و طلب م ساقيه جام خمر فشر به، و أمر فأخرجت سرادقاته فضربت فى الصحراء قدام القلعة. فجللت الأرض بالخيم و امتلأت بالخيل و الحشم.
كشتن رستم پهلوان تركستان را: قتل رستم لزند التركي
و لما غابت الشمس عن العيون و أغطش الليل جاء رستم كيكاوس و استأذنه أن يدخل معسكر الترك على سبيل التجسس.
فأذن له فلبس قباء تركيا، و مضى حتى قرب من الحصار، فسمع لغط الأتراك و صياحهم على الشرب، و رأى سهراب كالسرو جالسا على تخته و بين يديه أمراؤه و قوّاده : مثلِ زند و هومان و بارمان، و حواليه مائة من فرسان الأتراك، و قُدّام تخته خمسون و صيفة يرقصن بالدستبنَد . فوقف ينظر اليهم من البعد و يتأملهم و أحوالهم. فقام زند من عند سهراب، و. و خرج لحاجة. فرأى رجلا يطاول السرو قد و طولا.
و لم يكن قد رأى مثله فى عسكرهم. فاستنكره و قال له بحدّة و انتهار: اظهر للضوء حتى نراك. فوكزه رستم بيده وكزة مات منها. ثم إن سهراب تفقد زندا بعد ساعة فأخبر بما جرى عليه. فوثب و أتى مصرع زند، و وقف عليه متعجبا مما جرى، و دعا بالأمراء و الفرسان، و أمرهم أن يتحارسوا و لا يناموا.
فقال: إن ساعدنى خالق الخلق أخذت غدا بثار هذا القتيل. ثم عاد الى مكانه.
و لما رجع رستم من معسكر الترك كان جِيو تلك الليلة. على اليزك. فلما رآه من البعد استل سيفه، و جاء يقصده. فعرفه رستم و كلمه. فعرف جيو صوته فترجل له، و سايله عن خروجه. فقص عليه القصة، و حكى له قتله لزند التركى. ثم جاء الى حضرة كيكاوس، و حكى له صنيعه و ما جرى. و باتوا ينظرون فى ترتيب أمر القتال.
پرسیدن سهراب نام سرداران ایرانی را از هجیر: سؤال سهراب من هجير عن القادة الإيرانيين
فلما طلعت الشمس من الغد لبس سهراب لبوس الحرب، و ركب فأقبل، و اختار نشزا من الأرض فعلاه، و أشرف على عساكر إيران. و استحضر هجير الأسير، و قال: إنى مسائلك عن رجال عسكر إيران فلا تحيدن عن الصدق فى مقالتك، و فان ذلك ينجيك من حبالتك. و اذا صدقتنى خلعت عليك، و أفضت كنوز النعم على. و إن لم تصدقنى بقيت على حالك أبدا مأسورا.
فقال هجير: إنى أصدقك فى كل ما تسألنى عنه. و كيف لا أصدق فى كلامى بين يديك، و أحيد عن الصواب لديك؟
فقال له: أخبرنى عن صاحب سرادق الديباج الملوّن الذى فيه خيمة من جلود النمور، و قدّامه راية تلوح كالشمس المشرقة، على رأسها هلال من الذهب لها غلاف بنفسجى، و قدّامه مائة من الفيلة العظام، و مهد فيروزجى. و موضع ذلك من العسكر فى القلب.
فقال: هو كيكاوس ملك إيران. فهو الذى يكون على بابه الفيلة و الأسد.
ثم قال له سهراب: و أرى فى الميمنة فرسانا كثيرة و فيلة و سرادقا أسود يحيط به العسكر، و قدّامه راية منصوبة على صورة فيل، و على بابه فرسان فى أرجلهم مداسات ذهبية. فقال: ذاك الطوس بن نوذر. ثم قال: و لن ذلك السرادق الأحمر الذى حواليه الفرسان، و قدّامه راية عليها صورة أسد من الذهب قد ركب فيه جوهر يلوح، و وراءها عسكر عظيم أصحاب رماح و جواشن. فقال: ذاك الجوذَرز بن كِشواذ .
ثم قال: و أرى سرادقا أخضر، عنده جيش أرعن لجب، و عليهم رجل طويل القامة يكاد و هو قاعد يطاول القيام، و هو يحيش كل ساعة، و عنده فرس على قدره قد علق من سموط سرجه وهق يكاد يمس الأرض، و بين يديه فيول كثيرة، و رجال عليهم الجواشن، و لا أرى رجلا فى قدّ هذا الرجل، و لا فرسا فى قدّ فرسه، و قدّامه راية تشبه الثعبان، على رأسها صورة أسد من الذهب. فمن هذا الرجل و ما اسمه؟ فقال هجير: ما أعرفه، و لا أعرف اسمه.
ثم قال: إنى كنت فى القلعة، و بلغنى أنه جاء أمير كبير من الصين، و انضم الى عسكر الملك كيكاوس.
فيشبه أن يكون هذا الرجل هذا الرجل ذاك. فاغتم عند ذلك حين لم يقف على أثر من أبيه رستم. و قد كانت أمّه أخبرته من صفة أبيه رستم و أحواله بما قد شاهده. لكن لم يحصل له ما يثق به قلبه. فأراد أن يتعرف من هجير فعساه يعثر من لسانه على ما يسكن إليه قلبه. و قد حال بينه و بين ذلك ما كان مكتوبا على رأسه من القضاء المحتوم، و الأمر المقدور. ثم سايله عن صاحب سرادق آخر و راية أخرى على رأسها صورة ذئب من الذهب.
فقال: هو جيو بن جوذَرز الذى لهو أعلى قومه قدرا، و أرحبهم صدرا: ثم قال: إنى أرى من شرقى العسكر سرادقا أبيض من الديباج الرومى، و قدّامه خيالة كثيرة مصطفة، و معهم رجالة كثيرة أصحاب ترسه و رماح- فى أوصاف ذكرها المؤلف- فقال: ذاك لفريبُرز بن الملك كيكاوس.
ثم سايله عن سراداق آخر فقال: ذاك لرجل يسمى جراز، و هو شجاع بطل. و كان سهراب يتطلب فى سؤاله أن يقع على علامة أبيه. و هجير يكاتمه ذلك و يخفيه لما يأتى ذكره. ثم عاود سهراب السؤال لما فى نفسه من السيد الذى كان مشوقا اليه، و مرفافا بجناح قلبه عليه.
فساءله ثانيا عن السرادق الذى كان فى نفس الأمر سرادق أبيه رستم.
و قال: قل لى لمن ذلك السرادق الأخضر؟ و من ذلك الرجل الطويل الذى هو عنده؟ فقال له عند ذلك هجير: إنى لست أعرف هذا الرجل. فكيف أخبرك عنه؟
فقال له سهراب: مالك قد ذكرت الكل و لم تذكر رستم؟ و كيف يخفى بين هذا العسكر من هو بهلوان العالم؟ أو قد أخبرت أنت أنه مقدم العسكر، و حافظ حوزة الملك.
فقال له هجير: لعله عاد الى زابلستان. فإن هذا فصل الربيع، و أيام الشراب.
فقال سهراب: ما هذا الكلام؟ و اذا كان الملك قد حضر الحرب بنفسه فكيف يقعد عنه رستم و هو نظام أمره، و معتمد حله و عقده، و بهلوان جيشه؟
و بعد فلست أتجاوز بك خطة واحدة. و هى إما أن تصدقنى الخبر عن رستم و لك على ذلك كنوز و أموال أعطيك إياها أولا تفعل فأقطع رأسك، و أريق دمك.
فقال هجير: من سئم ملكه، و مل تاجه و تخته تعرّض لمحاربة رستم الذى يتنكب الفيل الهائج عن مصاولته، و يحجم الليث الكاشر عن مكافحته.
فقال له سهراب: لقد شقى جوذَرز حيث يدعوك ولدا و هذه جرأتك، و رأيك و عقلك.
و أين رأيت الرجال فى مقام الطعن و الضرب؟ و أين سمعت وقع سنابك الخيل فى معترك الحرب؟ حتى تصف رستم بما وصفت.
و إنما تخشى النار حيث لا تكون البحار، و بطلوع طلائع الشمس تنتكس رايات الظلام. قال: و كان هجير يقول فى نفسه إنى لو عرّفت هذا التركى الشديد البأس رستم لم يقصد إلا قصده. و أخشى أن ينكسر رستم بين يديه أو يقتله فلا يبقى فى جميع إيران من يثبت له. فيبتز كيكاوس تاجه، و يسلبه تخته. و الموت على الحفاظ خير من شماتة الأعداء. و إن قتلنى لم يسود النهار، و لم تقم القيامة.
و اذا لم يسلم جوذرز مع السبعين المذكورين من أولاده فلا سلمت و لا بقيت، و اذا قلع السرو الباسق من البستان فلا نبتت شقائق النعمان. و احتد على سهراب و قال: ما لك تكثر السؤال عن رستم؟ كأنك تطمع فى جانبه و الأولى بك ألا تطلب ملاقاته. فإنك لا تطيق مقاومته.
تاختن سهراب بر سپاهیان كيكاووس: هجوم سهراب على جيوش كيكاوس
فأعرض عنه سهراب حين سمع كلامه الخشن، و جاء و لبس خفتانه، و وضع على رأسه خُوذة تركية، و جاش الدم فى عروقه من الحدّة . فركب فرسه، و أخذ رمحه، و أقبل الى المعترك كالفيل الهائج، و ركض نحو سرادق كيكاوس فقوّضه برمحه.
و تفرّق عنه من كان هناك من العسكر تفرّق اليعافير لصولة الضيغم الهصور. و لم يقدر أحد من شجعان ذلك العسكر على مقاومته. فعظم ذلك على كيكاوس فأنفذ طوسا الى رستم ليخبره بصنيع سهراب، و يستنهضه اليه و يستعجله.
فمضى اليه طوس، و ذكر له ذلك. فقال رستم: كل الملوك الذين رأيتهم كان لى منهم يومان: يوم راحة و يوم تعب، سوى كيكاوس فإنه ليس لى من أيامه نصيب غير التعب و العناء.
ثم أمر بإسراج رخشه، و أمر عسكره بالركوب. و جعل جُرجين يقول له: عجل، و هو يشد حزام فرسه و يرتعد، و طوس يشد عليه معاقد جوشنه. و كل واحد منهما يستعجل الآخر. و لما سوى عليه سلاحه و شد عليه منطقته و ركب و أوصى أخاه زواره بألا يبرح مكانه، و يحفظ ما وراءه.
فأقبل الى الحرب، و حملوا لواءه معه. فلما رأى سهراب و شدّة أعضاده، و عظم صدره كأنه سام بن نريمان قضى العجب. ثم قال السهراب: هلم حتى نتنحى الى مكان خارج من الجمعين.
فأجاب سهراب مسرعا، و قال: نخرج الى موضع خال فنتبارز، و لا يكن معك أحد.
ثم قال لرستم: كيف تقدر أن تقاومنى أو تقف قدّامى و أنت و إن كنت طويل القامة، شديد الأعضاء، قوى الأكتاف فإن مرّ السنين قد أثر فيك. فالتفت رستم اليه، و نظر الى قدّه و شمائله، و سرجه و ركابه، و قال: رفقا يافتى رفقا. فكم من وقعة شهدتها مع المشيب، و كم جحفل أرديتهم فى الحروب. و كم من جِنى هلك على يدى. و لم أنكسر قط فى حرب. و إن عشت فسوف تعرفنى.
فقال له سهراب: إنى سائلك فاصدقنى إنى أظنك رستم، و أحسبك من شجرة سام بن نيرم. فقال: ليس كذلك. فإن رستم هو البهلوان و أنا الغلام. فقنط عند ذلك سهراب، و خاب رجاؤه، و أظلم نهاره
نبرد آوردن رستم با سهراب: حرب رستم مع سهراب
و تعجب من قول أمه و ما أخبرته به من صفة أبيه. ثم تناوشا الحرب و تطاعنا حتى انتثرت كعوب رماحهما. فاستل كل واحد منهما سيفه و تضاربا و كأن النار تمطر من سيوفهما. و لم يزالا حتى تكسرت سيوفهما. فمدا أيديهما الى عموديهما، و رفعا هما و جعلا يتضاربان و يتقارعان حتى تمزقت الأدراع الموضونة على أكتافهما، و تقطعت التجافيف على خيلهما.
فضعفا و وقفت دوابهما، و بقيا من العرق غريقين، و من العطش محترقين. فوقف الأب من جانب و الابن من جانب آخر ينظر أحدهما الى الآخر. فيا عجبا كيف انسدّت دونهما أبواب التعارف، و لم تتحرك بينهما عروق التناسب؟ و الإبل مع غلظ أكبادها لتعطف على أولادها، و الطيور فى جوّ السماء و الحيتان فى قعر الماء لا تنكرون أولادها و أفراخها و الانسان من فرط حرصه يخفى عليه فلذة كبده، و يستنكر قرّة عينه، و لا ينزع الى ولده! و قال رستم: لم أر قط قتالا بهذه الصفة. و لقد انقطع رجائى من رجوليتى، و برهان علىّ فى جنبه ما لقيت فى قتالى لملك الجني الأبيض سبيذديو.
ثم إنهما استراحا ساعة. ثم عادا الى القتال، و رشق أحدهما الآخر فما ضر واحد منهما شيء لمظاهرتهما بين الدروع و الجواشن. فمدّ كل واحد منهما يده الى معقد منطقة صاحبه، و جعل رستم الذى لو مدّ يده الى الجبل لاقتلع من حجارته يحتال، و هو آخذ بمعاقد سهراب، أن يحركه من ظهر فرسه. و سهراب كأنه لا خبر عنده من ذلك. ثم إن سهراب أخرج جرزه من حلقة سرجه، و رفعه و أهوى به الى أكتاف رستم، فتألم منه رستم. فضحك رستم سهراب و قال: أيها الفارس كيف تثبت الصدمات الشجعان؟ و إن الشيخ و إن كان عظيم القدّ شديد البأس فمستقبح منه عمل الشبان. ثم إن كل واحد منهما أدركه الضجر و تتاركا. فركض رستم صائلا على صف عسكر توران، و فعل سهراب كفعله فحمل على صف عسكر إيران. فتفرّقت لحملته الفرسان. فالتفت رستم و توهم أن مدّة كيكاوس قد همت بالانقضاء على يد سهراب.
فرجع و صاح عليه صيحة. و قال: أيها المِسعر السفاك، إنه لم يتعرّض بك و لا بدأ بقتالك أحد من الايرانيين حتى تتوسطهم، و تعيث فيهم كما يعيث الذئب فى قطيع الغنم. فقال سهراب: و هكذا عسكر توران لم يبدءوك، ثم إنك حملت عليهم. فبك اقتديت، و على منوالك نسجت. فقال له رستم: قد أظلم الأفق، و هجم الليل فليرجع كل واحد منا الى معسكره. ثم نعود اذا أصبحنا.
بازگشت رستم و سهراب به لشگرگاه: رجوع رستم و سهراب إلى معسكرهما
فرجعا فحكى سهراب لهومان ما جرى بينه و بين رستم. و كذلك رستم حكى لجيو ما جرى له فى يومه. ثم ركب رستم الى خدمة الملك كيكاوس. فلما دخل عليه أجلسه بجنبه، و استخبره عما جرى له. فجعل رستم يحكى له عن سهراب، و يذكر أنه قد أفرغ وسعه، و بذل جهده فى أن يغلبه فلم يقدر عليه. و قال غدا احتال عليه بالمصارعة و اللّه أعلم المنصور منا.
ثم خرج من عنده، و عاد الى مخيمه. فتلقاه أخوه زواره، و استخبره عن حاله فى يومه. فأمره بإحضار الطعام أولا.
فطعم و أقبل عليه، و قال: إياك و التوانى، و عليك بالتيقظ، و انظر فاذا رأيتنى غدا قد ركبت باكرا الى المعترك لملاقاة هذا التركى فاجمع عسكرى، و مر بحمل تختى و لوائى، و مداسى الذهبى، وقف قدّام سرادقى وقت طلوع الشمس. فإنى إن رزقت الظفر لم ألبث ساعة وعدت اليكم عاجلا.
و إن كان الأمر على خلاف ذلك فلا تجزع علىّ و لا تغتم لذلك، و إياكم أن تبقوا فى هذا الموقف ساعة واحدة، و أن تطمعوا فى لقائهم و قتالهم، و لكن عجلوا و ارجعوا منطلقين الى زابلستان، و بادروا نحو دستان، و سلّ قلب أمي فليس يدوم أحد فى هذه الدار، و لا بدّ من التحوّل الى دار القرار. و لو زاد على الألف أيام عمرك فالى الموت مصير أمرك.
و قد خلقنا للموت شبانا و شيبا، و لن يبقى الجديدان خلقا و لا قشيبا. ثم تُوصى دستان ألا يخالف الملك، و لا يفارق طاعته، و لا يتوانى فيما يأمر به من قتال من يريد.
افكندن سهراب رستم را و چیره شدن بر وی در نخستین نبرد ایشان: صرع سهراب لرستم و فوزه عليه في الجولة الأولى
فلما كان الغد ليس رستم سلاحه، و ركب رخشه، و أقبل الى المعركة و لبس سهراب من ذلك الجانب أيضا سلاحه، و ركب و حضر ذلك المكان. فلما رأى رستم ضحك اليه، و سايله عنه مبيته حتى كأنهما باتا معا. و قال له جملة ما قال: كيف أمسيت و كيف أصبحت؟ و ماذا فى قلبك من أمر قتالنا؟ فإنى أرى أن نخلع الجوشن، و نطرح السيف، و نكف عن القتال، و نجلس و نشرب، و نتعاهد باللّه ألا يعاود أحدنا قتال صاحبه. فإن قلبى يميل كل الميل اليك، و إن وجهى ليغمره الحياء منك. فقال له رستم: إنك إن كنت من الشبان فلست من الصبيان، و لا ممن ينخدع بالحيلة و المكر. و قد حلبت الدهر أشطره، و لا بدّ لنا من بذل الجهد. و لا يكون منتهى الأمر و آخره إلا ما أراد اللّه . فترجلا و شدّ كل واحد منهما فرسه بحجر، و تشبث كل واحد منهما بصاحبه يتصارعان كأنهما أسدان يتصاولان، أو جبلان يتناطحان. ثم إن سهراب صرع رستم، و بطحه و جلس على صدره كالأسد اذا افترس فريسة فجثم عليها و افترشها. و استل خنجرا، و أراد أن يحتز رأسه. فلما رأى ذلك رستم احتال عليه و قال: ليس هذا من شأن المصارعة عندنا، بل كل من ساجل شجاعا بالمصارعة فليس يبسط يده الى قتله فى الصرعة الأولى، بل حتى يصرعه ثانيا فحينئذ له ذلك.
فاغتر سهراب بكلامه، و قام عنه، و خلى سبيله، و جاء الى صحراء كانت بين يديه فيها غزلان كثيرة فاشتغل باصطيادها غير مفكر فى رستم و لا محتفل به. فركض اليه صاحبه هومان و استخبره عما جرى بينه و بين رستم. فأخبره بأنه صرعه ثم أطلقه لما قاله له: فقال: أيها الشاب الشجاع إنك قد اقتنصت هزبرا هصورا ثم خليت سبيله، فكأنك قد ملك الحياة و سئمت نفسك. و سترى ما يحدث عليك منه. ثم قطع رجاءه منه، و عاد الى معسكره مهموما و هو يقول: من استصغر عدوّه ، و إن كان أسيرا، فسيرى اليسير عسيرا.
قال: و لما تخلص رستم من يده قصد ماءا جاريا هناك فشرب منه و اغتسل و سجد يسأل اللّه تعالى أن ينصره على عدوّه ، و هو لا يعرف ما فى ضمن ذلك و ما ينساق اليه.
ثم عاد الى مكان المصارعة مصفر الوجه، وجل القلب. و أقبل سهراب يركض فرسه، و فى عضده وهَق ، و بيده قوس. فلما رأس رستم ناداه و قال له: أيها المفلت من مخالب الضرغام! مالك قد أبطأت و تقاعست عن الإقدام؟ و ترجلا و شدا فرسيهما، و تشمرا ثانيا للمصارعة. و كلما غضبت على المراء السعادة لانت فى مساءته الحجارة. فصار سهراب بتلك الأعضاد القوية و المرافق الشديدة كأن القضاء قد قيده، و الشقاء قد صفده. فألقاه رستم على الأرض، و جلس عليه، و سل خنجره مسرعا و شق به نحره. فتنفس سهراب و قال: أنا الذى جنيت هذا الشر على نفسى حين أريتك هذا الباب. ثم قال: إن أمى أخبرتنى بصفة أبى، و حدّثتني عن علامته. و ما كان خروجى إلا لألقاه و أبصر وجهه. و هأنا قد حضرنى الموت قبل أن أراه، و بسحرته أموت. و أنت فلو صوت حوتا فى قعر الماء أو حُلت كوكبا فى جوّ السماء لم تفلت من أبى. و ليأخذن بثارى منك اذا بلغه مصرعى هذا، و يوشك أن بلغه ذلك و لو على لسان واحد من هذا الجمع الكبير. قال: فلما سمع رستم مقالته هذه أظلم نهاره، و غشى عليه. ثم لما أفاق أقبل عليه برنين و حنين، و قال له: أخبرنى عما معك من علامات رستم- لا عاش و لا عهد من نفره- فقال عند ذلك: إن كنت أنت رستم فإنما قتلتنى بسوء خلقك. و كم تعرفت اليك، و تملقت لك، فما تحرك عرقاك و. لا لان قلبك. فحل الآن معاقد جوشنى، و عرّ بدنى. فإن أمى حين و دعتنى شدت على عضدى خرزة، و قالت: هذه تذكرة من أبيك، و لعلك تحتاج اليها. ففعل ذلك رستم. فلما رأى تلك الخرزة رستم فى عضده شق جيبه، و أخذ يضرب صدره، و ينتف شعره، و يندب ولده. فقال سهراب: قتلت نفسك بيدك. و قد وقع المحذور، و مضى المقدور، و ليس ينفعك هذا الجزع.
قال: و لما زالت الشمس على الإيرانيين و لم يروا أثرا من رستم ركب جماعة من فرسانهم فى طلبه. فرأوا فى الصحراء فرسين ليس معهما أحد. فحسبوا أن رستم قتل فأسرعوا الى كيكاوس، و قالوا: خلت المملكة عن رستم. فاضطرب الايرانيون و ضجوا و أخذوا فى البكاء و الرنين. و أمر كيكاوس بإعمال البوقات، و ضرب الكوسات. و استحضر طوسا.
و قال لهم: طيروا هجينا حتى نؤتى بخبر سهراب. فإن كان رستم قد قتل فقد انقطع رجاؤنا من ايران لإعوازنا من يقاتل بعده هذا العدو.
و ليس من الصواب أن توقف فى مثل هذه الحالة، و الأصواب أن نهجم عليهم، و نجعل الأمر حملة واحدة.
قال: فلما سمع سهراب صياح الايرانيين و ضجتهم قال لرستم: قد تغير الحال الآن بعسكر الترك بسبب ما جرى علىّ .
فاجهد كل الجهد فى أن تصرف كيكاوس عن قتالهم. فإنهم من أجلى تجشموا المجيء الى هذه الديار. و كم أمنية كانت لهم معذوقة بأيامى، و كم حاجة كانوا يرتجون نجاحها فى حياتى.
و قد خاب رجاؤهم، و أخفقت ظنونهم. فلا ينبغى أن ينالهم فى عودهم و انصرافهم محذور. فانشر عليهم جناح الأمان، و انظر اليهم بعين الرعاية و الإحسان. فركب رستم و أقبل الى عسكر الايرانيين و دموعه جارية، و أنفاسه متصعدة، محترق القلب على ولده، و قد قتله بيده. فلما رآه الايرانيون ترجلوا و سجدوا شكر اللّه تعالى على رجوعه سالما.
فلما شاهدوه ممزق الثياب مستعيض الرأس عن التاج بالتراب سايلوه عما به. فأخبرهم بحاله العجيبة، و قال لهم: إنه لم يبق لى الآن قلب و لا جسد و لا عقل و لا جلد.
فلا تقاتلوا الأتراك فقد كفاهم ما جرى عليهم على يدى من الشر. و حضر أخوه زواره و قد شق على نفسه ثيابه. فأرسله الى هومان و قال: قد أغمد سيف القتال، و ضرت أنت الآن حافظ عسكر الترك، و هذا زواره قد أمرناه بأن يصحبك حتى تبلغ أنت و من معك الى حافة النهر.
ثم رجع رستم الى مصرع ابنه و معه الأكابر و الأمراء، فاستل خنجرا و همّ بقتل نفسه لفرط ما أصابه من الجزع. فتعلقوا به و هم يضجون و يبكون. و قال له جوذَرز : لو قلبت الأرض ظهرا لبطن، و أصبت نفسك بكل مكروه لم ينفعك ذلك شيئا. و سُهراب إن كان اللّه قد أنسأ فى أجله فسيعافى و تبقيان معا. و ان تكن الأخرى فهوّن عليك، و انظر ذلك من ذا الذى قضى له بالبقاء فى دار الفناء. و كلنا قنص المنون. غير أنا لا ندرى متى يخرج علينا من الكمين.
نوشدارو خواستن رستم از كيكاووس برای بهبودی سهراب: طلب رستم الدواء لشفاء سهراب من كيكاوس
فقال عند ذلك لجوذَرز : تحمل عنى رسالة الى الملك امض اليه، و أبلغه ما بليت به فى ولدى، و قل: إن كنت ترعى حقوق خدمتى، و لا تنسى نصحى و طاعتى فأنفذ الىّ من خزانتك شربة من الدواء الذى يشفى الجرحى، مع جام من الشراب. فلعل سهراب يجد عليه الشفاء بسعادتك، و يصير أحد العبيد الماثلين فى خدمتك. فركب جوذرز و جاء الى الملك، و أبلغه رسالة رستم.
فقال له الملك: ألم تسمع قوله فى ذلك اليوم:من كيكاوس؟ و إن كان هو الملك فمن طوس؟ و امتنع من إسعانه بما طلب.
و رجع جوذَرز الى رستم، و قال: إن خلق الملك السيئ شجرة مثمرة بالجفاء و الخصومة. و الأولى أن تركب بنفسك اليه ليقضى حاجتك.
گریستن رستم بر سهراب: بكاء رستم على سهراب
فأمر رستم فبسطوا على جانب ذلك الوادى فرشا و بُسطا ، و حملوا سهراب و نوّموه عليه. و ركب متوجها نحو سرادق الملك.
و لما توسط الطريق لحقه الخبر بموت سهراب فخر من الفرس، و حثا التراب على رأسه، و جعل يبكى عليه و يندب و يقول: من الذى أصيب بمثل ما به أصبت، و من الذى فجمع بمثل ما به فجعت؟ قتلت ولدى حين شاب رأسى و انقضى عمرى.
ثم أمر بحمل سهراب الى مخيمه، و بإحراق سرادقه و خيمه و تخته و أسلحته و غير ذلك.
ثم جاءه الملك كيكاوس و جميع الأكابر و الأمراء، و جلسوا معه على التراب و أخذوا يعزونه و يسلونه.
و كان من قول كيكاوس له: إن مصير الكل الى الفناء فمن واحد يتقدّم ، و آخر يتأخر. و قد كان من قضاء اللّه أن يزعجه من دياره حتى تكون منيته على يدك. فقال له رستم عند ذلك: إن سهراب قد مضى. و بقى صاحبه هومان نازلا فى هذه الصحراء، و معه جماعة من أمراء الترك و أكابر الصين. فلا يكن فى قلبك عليهم شيء. و زواره.
يسير معهم بإذن الملك حتى يصلوا مأمنهم. فقال له كيكاوس: إنهم و إن خربوا ممالك إيران و كثرت إساءتهم الىّ فقد زال ما فى قلبى عليهم بسبب ما جرى عليك و تألمى لتألمك.
بازگشتن رستم به زابلستان: رجوع رستم إلى زابلستان
ثم ركب كيكاوس راجعا فى عسكره الى بلاد إيران. و أقام رستم هناك حتى رجع أخوه زواره و أخبره بانصراف عسكر توران. ثم رجع إلى زابلستان. و لما سمع به أبوه دستان تلقاه فى جميع أهل سِجِستان . و حين وقعت عينه على تابوت سهراب نزل.
و كان رستم يمشى بين يديه باكيا ممزق الثياب.فلما رآه الأكابر بتلك الصفة حلوا مناطقهم و مزقوا أثوابهم. و دخلوا بالتابوت الى ايوان رستم، و وضعوه بين أيديهم. ففتح رستم رأس التابوت، و نحى عن سهراب أكفانه حتى رأى الحاضرون قدّه و قالبه، و شاهده و كالأسد نائما فى الصندوق. ثم أطبقوا عليه التابوت و أوثقوه، و دفنوه و بنوا عليه تربة من حوافر الخيل. و قال رستم: إنى أعلم أنى لو حشوت قبره بالمسك، و بنيت تربته من الذهب و الفضة فالى الفناء مصيره و لا يبقى شيء من ذلك على مر الدهور و كر العصور
شنیدن مادر سهراب به كشته آمدن وی: سماع أم سهراب بقتله علي يدي رستم
قد حذف المترجم هذا الفصل.