رسالة محمد الفاتح إلى إلى شريف مكة بركات بن الحسن لِتبشيره بِفتح القُسطنطينيَّة المؤلف: محمد الفاتح |
وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. رابط تحميل نسخة من الكتاب. |
الحمدُ لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أدام الله علوَّ المقر الكريم السيِّدي السندي الشريفي الأشرفي الأكرمي الأعلمي الأروعي النظامي الأمامي الهمَّامي الأوحدي الأمجدي العالمي العاملي الأعظمي الأولوي الأعلوي العلويّ المشيدي المؤيدي النصيري الظهيري الطاهري مُعلي قواعد الموسم والحرمين حامي مشاهد البقاع الشريفة والمروتين، مُؤسس مواسم العظمة والجلال مُؤكد معاقد المقاصد والأمال مُطلع لوامع العز والتمكين مُظهر مآثر المُلك والدين فلذة أكباد الرَّسول زبدة أحفاد البتول أمير المُسلمين ووليّ المؤمنين خُلاصة أولاد شفيع المُذنبين، وهو السيِّدُ الشريف والقرم المُنيف سُلطان بيت الله تعالىٰ شرَّفهُ الله وحواليه علاء الدولة والملَّة والدين السيِّد الأحسني العجلاني الحسني زاد الله تعالىٰ سعادته وأدام سيادته ولا خلا في دولةٍ لا ينهدمُ دارها ونعمةٌ لا ينفصمُ آثارها ولا زالت أسباب مودته ومحبته مؤكدة وعقود موالاته وهمَّته مُنظمة منضَّدة مدى الدهور والأعوام بحرمة سيد الأولين والآخرين وآله وصحبة أجمعين الطيبين الطاهرين عليه أفضل الصلوٰة والسَّلام.
... وبعد فقد أرسلنا هذا الكتاب مُبشرًا بما رزق الله لنا في هذه السنة من الفُتوح التي لا عين رأت ولا أُذن سمعت وهي تسخير البلدة المشهورة بقُسطنطينيَّة الُملاصقة بمرج البحرين وفي مُقابلتها مدينةٌ أُخرى موسومة بغلطة وفي جانبها الشرقي بلدةٌ أُخرى معلمة بأُسكدار . أمَّا الأولى فكأنَّها ثُعبانٌ له سبع رؤوس من قللها المُشتهرة وتلك القلل سبع رواسي شامخاتٌ حصينةٌ رفيعةٌ مهيأةٌ بأمر الله «عَزَّ وجَلّ» لمقر الخلافة الإسلاميَّة ومرزوقة لنا بتقدير الحكم السُبحانيَّة ولا شك أنها سُلطان البلاد والأخريان من جنبيها يمينًا وشمالًا كخادمين في طرفيّ السُلطان فلمَّا توجهنا وعزمنا عليها هجم علينا الكُفَّار المملوءة فيها خارجًا وداخلًا وحاربوا معنا فقلم المُحاربة بيننا وبينهم قريب شهرين بعد إبائهم عن إعطاء الجزية الشرعيَّة ثم عجزوا عن القتال وهربوا من الجدال فازدحم أهلُ الإسلام وجاهد كلٌّ من المُجاهدين عن البر والبحر حق الجهاد فقربوا من السور وصعد جمٌّ كثيرٌ من الكماه الموحدين فوق منافذ جدرانها المُندرسة من المنجنيق والعرادة فدخلوا في نفس هذه البلدة المُتبركة المنوَّرة بقدوم المُوحدين بالتكبير والتهليل يـوم الثُلثاء والعشرين من شهر جمادى الأولى فقُطع في مبدأ الأوَّل رأس هذه الملاعين، أعني التكفور اللعين أو لحق بجهنَّم مع سائر المقتولين من المُشركين فخربوا دورهم وكسروا صُلبانهم وأغاروا على خزانيهم وأموالهم وأسروا ذرا ريهم وصبيانهم وجعلوا معابدهم القسيسيَّة مساجد الأُمَّة المُحمديَّة وجمع الملة الأحمديَّة وطهَّر تلك المواقع عن الأرجاس الرهبانيَّة والأنجاس النُصرانيَّة ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾.
وأمَّا بقيَّة السُيوف فعفونا عنهم وقطعنا عليهم الجزية السنويَّة سعيًا لبيت المال، فلمَّا تُشرَّف مناب الخطب بشرف ألقابنا العليَّة الباهرة وتزين وجوه الدراهم والدنانير المسكوكة بزينة أسمائنا الجليَّة الطاهرة، جهزنا إلى خدمتكم الشريفة فخر المُقربين وزين حجاج الحرمين خواجة حاجي محمد الزيتوني حفظه الله في الذهاب الإياب ورزقه الوصول والمعاودة بالخير والصواب لتبليغ الرسالة وترسيل البشارة، فالمأمول من مقر عزكم الشريف أن يُبشش بقدوم هذه المسرة العُظمى والموهبة الكُبرى مع سُكَّان الحرمين الشريفين و العُلماء والسَّادات والمُهتدين والزُهَّاد والعباد الصالحين والمشايخ الأمجاد الواصلين والأئمة الأخيار المُتقين والصغار والكبار أجمعين المتمسكين بأذيال سرادقات بيت الله الحرام التي كالعروة الوثقى لا انفصام لها، والمُشرفين بزمزم والمقام والمُعتكفين في قرب جوار رسول الله ﷺ داعين لدوام دولتنا في العرفات متضرعين من الله نُصرتنا أفاض الله علينا بركاتهم ورفع درجاتهم بالنبي النبيه آله وذويه وبعثنا مع المُشار إلية هديَّة لكم خاصَّة ألفيّ فلورى من الذهب الخالص التَّام الوزن والعيار المأخوذ من تلك الغنيمة وسبعة الآف فلورى أُخرى للفُقراء منها ألفان للسَّادات والنُقباء والإلف للخُدَّام المخصوصة بالحرمين الباقي للمُتمكنين المحتاجين في مكَّة المُعظَّمة والمدينة المُكرَّمة زادهما الله شرفًا، فالمرجو منكم التقسيم بينهم بمُقتضى احتياجهم وفقرهم وإشعار كيفية السير إلينا وتحصيل الدعاء منهم لنا دائما باللطف والإحسان أن شاء الله تعالىٰ والله يحفظكم ويُبقيكم بالسعادة الأبديَّة والسيادة السرمديَّة إلى يوم الدين آمين يا رب العالمين، وصلَّى الله على خاتم الأنبياء والمُرسلين وآله وصحبة أجمعين.