رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري للعفو عن دولتباي نائب طرابلس الشام المؤلف: بايزيد الثاني |
وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. رابط تحميل نسخة من الكتاب. |
الحمدُ لله الذي يغفرُ لمن يشاء وهو الغفور الرحيم، ويتوب الذين ﴿عَمِلُواْ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍۢ﴾ إنَّهُ عزيزٌ حكيم. والصلوٰة والسَّلامُ على النبي الأُميّ العربيّ الهاشميّ مُحمَّد، نزل في شأنه ﴿إِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ﴾، وعلى آله وأصحابه الذين اعتصموا بِحبل الله جميعًا ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ﴾.
وبعد، فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة الشريفة والمُكاتبة اللطيفة إلى الحضرة العليَّة الأعظميَّة الأكرميَّة الأعدليَّة الغوثيَّة الغيَّاثيَّة، مُفيضُ الحسنات مُقيل العثرات، الذي أفاض الخير دواعيه، وحسم الشَّرُ عواديه، وأنام الأنامُ في أيَّام عدله، وعمَّرهم بِإحسانه وفضله، ولان لِأمره كُلَّ مُتعدٍّ، ودان محكمه كُلَّ مُتمرِّد، وهو حامي بيت الحرام، والرّوضة المُطهَّرة والمقام، نصيرُ المُسلمين، ظهيرُ أمير المُؤمنين، المُختص بِالغزو والتمكين، من حضرت ربِّ العالمين، صاحب الممالك، أعزَّ الله أنصاره وضاعف اقتداره، وخلَّدهُ في دولةٍ عاليةٍ وعيشةٍ راضيةٍ، ماسُها الأصاغر والخُدَّام، وعفا عنهم المُلُوك الكرام والسلاطين العظام، تهدي إليه سلام يتأرَّج عُرفًا ويبلَّج وصفًا، ويكادُ يُمازج النسيم لُطفًا، وتُبدي لِعلمه الكريم أنَّ كتابه المُستطاب الذي انتظمت ألطافه كالدُّرر، وحسُنت سُطُوره من الطُّرر على الغُرر، كأنَّ الجواهر نُثرت في أرض القراطيس، ونُشرت عليها أجنحة الطواويس، قد وصل إلينا على يد الأميري الكبيري السيفي الأخصِّي يُونُس الخاصكي الأشرفي، رُزقت سلامته، وفتح لدينا وتلى بين يدينا، وألقينا السَّمع لِإصغاء ما يُنهيه، وأصغينا كُلُّ ما يُخبره ويُنيبه بِرواءٍ مُسفرٍ، ووجهٍ ضاحكٍ مُستبشرٍ، فاضطلعنا على ما فيه من أعلام تقبُّل الشفاعة، وحُسن القبُول على الإشارة التي صدرت من سُدَّتنا العظيمة إلى أبوابكم الكريمة، لِلصفح عن فهوةٍ ظهرت وزلَّةٍ بُذرت، عن الأمير الكبير الباذل الباسل المُجاهد العادل دولتباي دامت معاليه، وفهمنا أنَّ أمير المُومى إليه قد خرج من ضيق السَّخط والسَّطو إلى سعة المرحمة والعفو، وقرن الحافَّة بِالإسعاف، وأُفيض عليه الإنزاف، وسلَّم إليه ما يترجَّاه، بل ما هو أجلُّ منه قدرًا وأعظم أمرًا، وهو نيابة السلطنة بِالممالك الطرابُلسيَّة، فابتهجت نُفُوسنا الرضيَّة، وانشرحت صُدُورنا السُنيَّة، واتسعت قُلُوبنا الزكيَّة، بأنَّ جنابكم العليّ العافي لقد فاز فوزًا عظيمًا بِذلك الإغماض والتعافي، إذ قال النبيّ "عليه السلام": «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ الَّذِي أَجْرُهُ عَلَىٰ اللَّهِ»، فلا يقوم إلَّا العافون على الناس. وكُتبت أيضًا في صحايف أعمالنا مثوباتٍ كثيرة وحسناتٍ كبيرة، كما قال الله تعالىٰ: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ﴾، صدق الله العظيم وصدق رسُولُه الكريم.
ثُمَّ انتهينا إلى ما اندرج في ذيل مُكاتبتكم الجليلة من أحوال الرجُل الذي ظهر في البلاد الشرقيَّة، فهزم واليها وعلا أهاليها وأمطر سحابه مطرًا فنال من حاجته وطرًا، لاحظناه كان كُلُّه مفهومًا وصار بِأسره معلومًا، ونحنُ نستدعي بِالدعوات المُستجابة عقيب الصلوات الخمس والأوقات المُستطابة من الله الملك المُعين، أن يختار الخير لِلمُؤمنين، ويدفع الرِّجز عن المُسلمين، ويُصلح بالهم ويُهذِّب حالهم في كُلِّ حين، ويمُنَّ عليهم بِفضاء كرمه ويُحسن إليهم بِجزيل نعمه ﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍۢ﴾. وأمَّا التحف التي اتحفتموها، فعُرضت علينا بِالإجلال وقوبلت بِالتكريم والإقبال، فوقعت في موقع الرِّضا، ومحل القبول والارتضا، ثُمَّ أعدنا القاصد المُشار إليه، بعد أن عاملناه بِالإكرام وأفضنا عليه خُلع التشريف والاحترام، وحمَّلناه لِمقامكم العالي الكريم، من السلام ما هو أزكى من نشر الحمام، ولو كالته جسمًا لكان لكان أصفى من ماء الغمام. وقَّاكم الله عن المكارة والآلام.
كُتب في أوائل أوَّل الربيعين من شُهُور سنة عشر وتسعُمائة.