الرئيسيةبحث

رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري بشأن عودة الشاهزاده قورقود من مصر

رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري بشأن عودة الشاهزاده قورقود من مصر
المؤلف: بايزيد الثاني
وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. رابط تحميل نسخة من الكتاب.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي اقتضت حكمته البالغة ابتلاء عزيزٍ من عباده المُكرَّمين، فابتلاهُ بِفرقة فلذة كبده زمانًا، فلمَّا بلغ الأمر أشُدَّهُ ومُنتهاه، تعلَّقت إرادته القديمة وعنايته العميمة، ينقضي هذه البحرة ونيله أباه، بعد أن قال إنَّك اليوم مكينٌ أمين مُبين، وعزَّ مقامه وأكرم مثواه، فيُوجِّه من مصر البشير، ولمَّا فصلت العير قال أبوه ﴿إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ﴾ وعليه منَّ الله بِالفضل والجود، فإنَّهُ وجد المفقود، ونال بِالمولود، فقرَّت به عيناه، والصلوٰة والسَّلامُ على سيِّدنا مُحمَّد أبَّان رُتبة مجده قوله تعالىٰ: ﴿سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ﴾ وهو خيرُ البشر وأولاه، وعلى آله وأصحابه الذين أدرك كُلٌ منهم ما يُخبر ويرضاه، وكان عقباه خيرًا وأحسن من أولاه.

وبعد، فإنَّا أصدرنا هذه المُفاوضة الشريفة والمُلاطفة اللطيفة إلى الحضرة العليَّة الأكرميَّة الأفخميَّة الأعظميَّة الأكمليَّة الأكفليَّة الأعلميَّة الأفضليَّة الأعدليَّة العونيَّة الغوثيَّة الغيَّاثيَّة، عضُد الملَّة، كهف الأُمَّة، هو الذي جمع المحاسن كُلُّها وجرت عليه المفاخر ذيلها، وألتقت لديه المغانم مقاليدها، وأرجعت إليه المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المُبجَّلين المُشرَّفين المُعظَّمين، ناصر الإسلام والمُسلمين، ظهير أمير المُؤمنين المُختص بِاللطف الخفيّ من حضرة ربِّ العالمين، لا زال خواطره الشريفة مسرورة، ومواد ابتهاجه موفورة، وأعماله مبرورة، وإيادته مشكورة، ومحامده على الألسُن مذكورة، والخلايق بِنعمه معمورة، وعنايت المُكرَّمات بِغيث لُطفه ممطورة، وما برحت حضرته العليَّة أن يعطف الصادر والوارد عطف العمِّ والوالد، ويأوي الكرام منه إلى رُكنٍ منيعٍ واصل رفيع، ما كدا الصبح والمسا، وجاء الربيع بعد الشتا، يهدي إليه سلامًا ألطف من الشمال، وأعذب من السلسال، وأطيب من روح الوصال، ودُعاءٌ يُشنَّف بِصفائها الآذان، ويُعطَّر بِنوافجها روان الزمان، إنَّ كتابه الكريم الذي هو لسجلِّ اللطف شار، وعن عزَّة الكرم سافر، قد وصل إلينا على يد القاصد الأميري الكبيري الأخصِّي المُقرَّبي المُؤتمني كسباي، أحسن الله وفادته، فتلقيناه بِوجهٍ بسن، ورواءٍ هشٍ، فكرَّمناه كامل التكريم، وسائلناه عن مقامكم العظيم، ثُمَّ فصَّ ختام ذلك الكتاب لدينا، وتلى ما تضمَّنه بين يدينا، فأصغيناهُ حُسن الإصغاء بِسمع الإرادة والرضا، فلمَّا انتبهنا إلى البشارة بِأنَّ الولد الأغرّ الأمجد، والنخل الرشيد الأسعد، نور حدقة السلطنة الزاهرة، ونورُ حديقة الخِلافة الباهرة، تمرة نخلة السعادة السرمديَّة ونخيلة ثمرة الدولة الأبديَّة، المُتحلَّى بِحلية مكارم الأخلاق، الفائز بِالقدح المُعلَّى بِالاستحقاق، والمُختص بِعناية الملك الودود، عَضُد الدولة والدين سُلطان قورقود، جعل الله السعادة مقرونة بِسفره، والسلامة مضمونة بِخبره، آل إلى أصله وانقلب إلى أهله، وانصرف إلى داره وانعطف نحو دياره، وكُتبت مُثوَّبات الصلة في صفحات أعماله، وكُنتُم فائزين معهُ بِتلك المُثوَّبات العُظمى كما ورد في قول النبي "عليه السلام" صلوات الله على قائله: «الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ»، تبلَّجت الدُنيا وتبرَّجت، تعطَّرت الآفاق وتأرَّجت، فتكاثر السُرُور وامتلأ فُؤادنا الوسيع بِالفرحة والحبور ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾، فبسطنا ألسنة الثنا والدُعاء، حتَّى بلغ عنان الشُكر عنان السماء، وحمدنا الله حمدًا مُتزايدًا المقدار، واسعة الأقطار، باقية الآثار، لا تنقضي عدده وتنتهي أمده، على أنَّ الدهر ابتسم بعد عبوسهن ولانت شكيمته بعد بوسه، وطلع نجم الشرف بعد أُفوله، وجرى الماء في عون الإبل بعد ذُيُوله دأب الصَّقر إلى الوكر بعد ذهابه، والتصق الخليجُ بِالبحر بعد انشعابه، فحصلت لنا مسرَّةٌ عظيمة، أعيت عن العدُوِّ لم يقف عند الحدِّ، حتَّى لو حرَّضنا النُفُوس على تعدادها وحصرها، لحرَّضنا بين إحصاء السحايب والقطر.

وكانت بِهُبُوب نسمات هذه المُكرَّمات بقاع المحبَّةِ في عراض صُدُورنا المُنشرحة، وبقاع المودَّة في معاني قُلُوبنا المُنفتحة روضًا حصيبًا، وحلل أزهاره خرزًا مُشببًا وبِأخيه عضًّا طريًّا، ورشحات طلِّه دُرًّا بهيًّا، فصلنا شفاعتكم اللطيفة والجميلة، وصرفنا وُجُوه همَّتنا العليَّة وعنايتنا الجليلة نحو إقباله واطِّراد حاله وتحقُّق أمانيه وآماله كالعِقد يوم نظامه والرّوضِ غب همامه، وتعنُّق أنواره وتبسُّم أزهاره، وفوَّضنا إليه لواء أنطالية، وهي في ممالكنا المحميَّة من الألوية العالية، مُضيفًا إليها لواء علائية، ولواء منوغاد وبان سبها من الإقطاعات والمُضافات على السُنن المعهود العُثماني، والنهج المعروف الخاقاني، وأفضنا شايب الرأفة عليه، فبلغت مراسمه الخاصَّة بِثلثين مائة ألف درهم على ما أُشير إليه، والله يجعلها له ودًّا والزناد ومطمئنة المها. هذا فالقاصد المُومى إليه أدَّى رسالته وبلَّغ أمانته بِأوضح لسان وأملح بيان، وأعدناه بعد أن عاملناه بِمزيد اللُّطف والاحترام، وألبسنا عليه وعلى من معهُ خُلع التشريف والإكرام، وحمَّلناه من التحيَّة والسلام والشوق والغرام عدد قطر الغِمام، والله تعالىٰ يمُدُّكم ويُخلِّد نعمه عليكم ما كرَّ الشُهُور والأعوام. والحمدُ لله الملك العلَّام، والصلوٰة على مُحمَّدٍ سيِّد الأنام.