→ مقدمة الإشراق الأول | رجوم الشياطين الإشراق الأول، السماء الأولى المؤلف: محمد كريم خان الكرماني |
السماء الثانية ← |
السماء الأولى
في معرفة الله سبحانه، وفي هذه السماء نجوم:
اعلم انه من البديهيات ان المواليد التي تتولد في هذا العالم لمتكن ثم كانت و لايجهل ذلك ذو حس فجميع الجمادات المركبة من العناصر تامة و غير تامة و النباتات القائمة علي سوقها و غير القائمة و الحيوانات الكاملة كالدواب و غير الكاملة كالحشار و جميع الاناسي المخلقة و غير المخلقة و برازخ هؤلاء كلها حادثة لمتكن ثم كانت لايشك في ذلك جاهل فضلا عن العالم و كلها مؤلفة من عناصر هذا العالم و لميكن لها تعين في العناصر قبل بدئها و هي يفسد كونها و تعود الي بسايطها كما تشاهد بالحس الظاهر.
ان هذه العناصر التي منها تتركب المواليد ليست تبقي بعد التركيب علي عباطتها الاولية بل تستحيل و يقع بينها تفاعل و انفعالات حتي يحدث من جميعها شئ خامس ليس بنار و لا هواء و لا ماء و لا تراب بعباطتها و ان كان مركبا منها الاتري الدخان مثلا و الذهب و المرجان و الخشب و اللحم و العظم مثلا ليست بنار عبيطة كما كانت و لا هواء عبيط و لا ماء عبيط و لا تراب عبيط بل هي شئ آخر حادث حاصل منها و لايشك في ذلك عاقل بل و لا جاهل فتستحيل النار عن كيانها و يفسد كونها و يستحيل الهواء و الماء و التراب و يفسد كونها و يصير المجموع شيئا آخر بالبداهة ثم يفسد المولود الحاصل و يرجع الي الاصول فيحدث تراب جديد باستحالة المولود بعد فساده في التراب و يحدث ماء جديد او هواء جديد بتبخير رطوباته و استحالة بخارها مطرا او هواء و ذلك مشهود بالعين لاينكره عاقل بل و لا جاهل هذا مع ما يشاهد ان التراب يصير ماء سيالا باستحالته الي الملح اول و انحلال الملح ماء سيالا ثم يستحيل ذلك الماء و كل المياه بخارا و يستحيل هواء و ذلك مشهود بالحس و لمنذكر استحالة النار لخفائها و كذلك يعود الهواء ماء كما يقطر القرعة الخالية ماء و يستحيل الماء ترابا اذا عقد في اجزاء ترابية حتي غلظ و جمد كالسطريط المحسوس و الملح و ما يجمد من الماء في الآبار و الانهار كالسجيل و اللؤلؤ و امثالها فاستحالة هذه العناصر بعضها الي بعض و فساد اكوانها و تجددها محسوس مدرك بالعيون لاتحتاج الي دليل ازيد من النظر و الرؤية بعد التنبيه .
نجمان السموات ايضا اجسام لها طول و عرض و عمق و كم و كيف و جهة و رتبة و مكان و زمان كالاجسام السفلية غاية الامر انها في الجهة العليا و الطف في الصفات المذكورة و ان انكر منكر وجود سموات فلاينكر وجود الكواكب فانها كسرج مشتعلة جسمانية غاية الامر انها اعظم و الطف لا غير و لايراد بالجسم الا هكذا و ليس الجسم الا هذا و تري مشاهدا انها متحركات بحركات متضادة من المشرق الي المغرب و من المغرب الي المشرق و من الهبوط و الاستعلاء و يسلب انوار بعضها ثم يستنير ثانيا و لها الوان مختلفة و طبايع متفرقة من البرودة و الحرارة و الرطوبة و اليبوسة و تجتمع حينا و تتفرق حينا كساير الاجسام السفلية الا انها الطف و اعلي فلايشك في ذلك ذو بصر .
نجمان نفوس هذه المكونات الجسمانية مختلفة علي حسب اختلاف هذه المكونات و لكل نفس خصوصية و تشاكل مع جسدها و لاجل ذلك ينشأ من كل نفس اثر خاص لايصدر عن غيره اما الجمادات فلها ارواح و نفوس جسدانية تستخرج بالصناعات الفلسفية و يشاهد ان كل روح و نفس غير الاخري و لكل واحدة حدود غير حدود الاخري عيانا و كلها مركبة مؤلفة من العناصر الجسمانية كاجسادها و اما النباتات فلكل واحد نفس تخصه و تنشأ عنها آثار و خواص لاتنشأ عن غيرها فنفوسها و ان لمتشاهد و لكن آثارها محسوسة و تري عيانا ان اثر نفس الفلفل غير اثر نفس البنفسج بالبداهة و تختلف جاذبة كل واحد منها و هاضمتها و دافعتها و ماسكتها و رباؤها و نماؤها و هي اي نفس النباتية من صوافي العناصر و لطايفها و هي في كل نبات علي حسب اجزاء جسمه العنصري و هي مركبة مؤلفة من صافي كل عنصر يخصه و اما النفوس الحيوانية فهي من صوافي الافلاك و لطايفها و لكل نفس اثر غير اثر الاخري و افعال و خصال غير ما في الاخري كما تشاهد في صنوف الحيوان خصالا خاصة فليس بسالة الاسد و شجاعته في الثعلب و ليس روغ الثعلب و حيلته في الاسد و هكذا الباقي فهي في عالمها متفاوتة ممتازة و كل واحدة منها مركبة من صوافي الافلاك علي التفاوت فمنها ما يكون الغالب عليها صافي فلك زحل و منها ما يكون الغالب عليها صافي فلك المشتري و هكذا و بذلك تختلف فعالها و آثارها و كلها مركبة علي حسب اجسادها حرفا بحرف و اما ارواح الاناسي و نفوسها فهي اوضح اختلافا لاختلاف صفاتهم و اخلاقهم و ميولهم و علومهم و افهامهم و غير ذلك فمن ذلك يعرف العاقل البصير و الناظر الخبير ان نفوس هذه المواليد ايضا مختلفة علي حسب اختلاف اجسامها و جميعها مركبة مؤلفة لان كل جنس منها فيه افراد مشتركة في ذلك الجنس مميزة بحدودها البتة و بذلك تصدر عنها آثار متعددة و كذلك نفوس الافلاك مختلفة علي حسب اختلاف اجرامها و تنشأ عنها آثار خاصة فلايصدر من الشمس آثار تصدر عن القمر و كذلك البواقي و تشاهد ان حركاتها في السرعة و البطؤ مختلفة و جهاتها متفاوتة فنفوس هذه الاكوان كلها مختلفة كاختلاف اجسامها بلا تفاوت الا في الكثافة و اللطافة و الصفاء و الكدورة و جميعها يتغير بتغير الاجسام كما عرفت و يقبل صورة اخري و لميكن قبل تولد جسمك و يحدث بعد تولده الزماني و ما يقال انها متقدمة علي الاجسام فانما يراد منها الدهري الاتري ان روحك و نفسك لمتكونا قبل جسدك و لميكن نفسك قبل جسدك ابدا و لمتكن ناميتك في الكيلوس بل و في النطفة و حيوتك في العلقة و المضغة و ناطقتك في بطن امك و كلها قد تولد بعد تولد محلها من الجسم و هو المحسوس المشاهد و لسنا بصدد غير ما يدل عليه المشاهدة و يحتاج الي دليل و لا دليل فتفهم و انظر لنفسك .
نجمفاذ قد عرفت ان المواليد حادثة لمتكن ثم كانت و سيفسد كونها و تعود الي بسايطها عيانا فلها مؤلفٌ مّا يؤلفها و مفرقٌ مّا يفرقها كائنا ما كان ذلك المؤلف و ذلك المفرق واحدا كان او متعددا قديما كان او حادثا جسمانيا كان او غير جسماني و اما وجود مؤلفٍ مّا لها و مفرقٍ مّا فمما لايشك في ذلك ابدا فانها بانفسها لمتكن و حين لمتكن لايعقل ان تكون مؤلفة انفسها و حين كانت فقد الفت و كانت و كل احد يعرف من نفسه انه لميؤلف نفسه كيف و هو بعد ان كان لايقدر ان يغير نفسه و يجد نفسه مقهورة علي ما هي عليه و ان وجدت نفسك تقدر ان تغير بعض خصال جسمك فان الروح الذي هو اعلي من جسمك يغيره و اما نفس الجسم فلايقدر ان يغير نفسه الا ان يغيره غيره كائنا ما كان فوجود مؤلف لها مما لايشك فيه عاقل بل جاهل و لسنا الآن بصدد معرفة ذلك المؤلف فمحض وجود مؤلف مما لا محيص عن الاقرار به البتة .
نجمو اذ قد عرفت ان العناصر ايضا تتغير و تتبدل و تستحيل عن عباطتها و تحدث مجددة و تتكون حادثة و يفسد كونها علانية فلا محيص عن الاقرار بأن لها مكوّنا و مفسدا و محيلا عما هي عليه و انها كل واحد منها بنفسه لايقدر علي تكوين نفسه و افساد نفسه و ان مكونها و مفسدها غيرها كائنا ما كان و ان كان بعضها يغير بعضا و يكون و يفسد او الاجسام العالية فمحض وجود المكون و المفسد لها غير انفسها مما لايشك فيه عاقل بل جاهل فان نفسها حين ان لمتكن لاتقدر علي تكوين نفسها و بعد ان كانت فقد كانت و بعد ان كانت لاتقدر علي افساد نفسها الظاهرة الا ان يغيرها غيرها و ذلك معلوم مشهود.
نجمو لما عرفت ان الكواكب و الاجسام العالية متحركة بحركات مشهودة غير منكورة فبالحري ان تعرف ان لها محرّكاً مّا فان الشئ الواحد بنفسه لايتحرك فان نفسه ان لميحدث فيها مقتض كانت علي ما كانت و ان حدث فيها ما لميكن فيها فهو غيرها و من غيرها و لاجل ذلك تري ان الحجر لو وضع في مكان لايتحرك عن مكانه الا ان يحركه غيره و ما تري من حركة النبات فنفسه النباتية و طبعه يحركه ظاهرا و طبعه غيره لما نري انه لميكن فيه ثم كان ثم يفارقه و الحيوان يحركه روحه و روحه غيره و يفارقه و لميكن فيه ثم كان و كذلك الاجسام العالية بنفسها لا حركة لها و انما يحركها غيرها من طبع او روح او غيرها و لاجل ذلك تريها متحركة قابلة للحركة كالحجر القابل للحركة من محركه و هذا حال كل متحرك فمحركه غيره من قاسر ظاهرا او طبع او مريد فيه او غيرها بالجملة مقتضي الحركة غير نفس المتحرك و نفس المتحرك غير الحركة و الحركة صفة عارضة علي المتحرك يتصف بها و يقبلها و الفاعل غير القابل و لو كان الشئ بنفسه فاعل الحركة لكان محركا لغيره لا متحركا في نفسه و المشهود من المتحركات خلافه و وجه آخر ان الحركة هي فعلية كانت كامنة في قوة المتحرك و مادته و خرجت من القوة الي الفعلية و القوة عدم الفعل فالحركة تكون معدومة في مادة المتحرك صالحة للبروز و عدم البروز و مقوي تلك القوة حتي تخرج الي الفعل لو كان نفس المادة لكانت الحركة و الكون في الامكنة التي تنتقل اليها ابدا بالفعل لان المادة هي هي دائما و لاتفقد نفسها حيث تجدها بل كانت القوة فعلية بحتة فان المادة لا انتظار فيها في كونها هي هي و اذ قد رأينا ان الحركة متجددة تخرج شيئا بعد شئ من القوة الي الفعلية عرفنا ان المحرك غير المادة و الحركة تخرج من القوة علي حسب ارادة الفاعل و قبول المنفعل بالجملة تبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان للاجسام العلوية محركا غيرها .
نجمو اذ قد شاهدنا ان الاجسام العالية متصفة بما ذكرنا من الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت و الوضع و ساير فروعها و رأيناها قابلة لهذه الحدود كما كانت قابلة للحركة و هي في اتصافها و قبولها لاتخالف الاجسام السفلية الا في اللطافة و الرقة و شاهدناها انها مؤلفة من اجزاء فان كل جزء منها غير الآخر بالضرورة و ان لمنر مبدأ تأليفها و عرفنا ان الصورة الوحدانية التركيبية غير الاجزاء و اثر المركب و طبعه غير اثر اجزائه و طبعها و هي مشتركة في الجسمانية متمايزة في الخصوصيات و الجسم الذي موجود في الكل هو صلوح الكل و الكل فيه بالقوة و خرجت الي الفعلية فاتصف حصص ذلك الجسم بتلك المميزات عرفنا ان لها مؤلفا و مخرجا لها من القوة الي الفعلية كما نشاهد من ساير المركبات السفلية حرفا بحرف و ذلك المؤلف المخرج لها من القوة الي الفعلية غير مادتها فان مادتها لاتفقد نفسها حيث تجدها و لو كانت هي المؤلفة المخرجة لمابقيت لها قوة و لكانت جميع قواتها فعلا فكانت نفسها بكلها فعلا لا قوة لعدم الانتظار في كونها هي هي و المشهود وجود القوة و ترتب الفعليات و تراخي بعضها عن بعض فتبين و ظهر ان المؤلف غيرها و ان الفعليات تخرج منها علي حسب ارادة الفاعل و قبول المنفعل و وجود المقتضي و فقد المانع .
نجمو اذ قد عرفت ان نفوس هذه المكونات ايضا مركبة مؤلفة تحدث بعد ان لمتكن و تتغير عن حالها في اوقات كونها و تفسد كثير منها بعد فساد اجسامها و تري في نفسك انها لاتملك لنفسها نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حيوة و لا نشورا و لاتقدر ان تدفع البداوات و لاتقدر علي نسيان ما تذكر و لا ذكر ما تنسي و لا سرور حين الهم و لا همّ حين السرور و لا نوم و لا يقظة و لا فهم و لا بلادة و هكذا تعرف ان النفوس ايضا محدثة مؤلفة لها مدبر و مؤلف و محدث آخر غيرها و انها لمتكوّن نفسها حين ان لمتكن و لاتقدر ان تغير نفسها حين ان قد كانت فانها علي ما هي عليه لاتقتضي الا ما هي عليه و لاتفعل فعلا الا كما يشاكلها فكيف تقدر علي ان تغير نفسها و تقلبها فلا بد و ان يكون لها مدبر آخر يغيرها و يدبرها و يوجدها و يفنيها و يخلقها و يرزقها و يحييها و يميتها كما تشاهد و في نفسك ذلك اشد وضوحا مما في غيرك بالضرورة فاي دليل اوضح و اسد من عجزك عن صفاتك و حالاتك و كونك و فسادك و تعرف عروض كل ذلك عليك من غير صنع منك فليست هي الا بفعل فاعل و قبول قابل بالبداهة و العيان فتدبر في ما ذكرته لك تجده بلا غبار و تشرب صافيا بلا اكدار .
نجمقد تبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان جميع الاجسام و نفوسها مفتقرة الي محدث مؤلّف لها لا محيص لعاقل عن الاقرار و الديانة بها فلنفحص عن المؤلف المحدث من هو و كم هو فنقول ان المؤلف المحدث يطلق علي الآلة مرة و علي ذي الآلة اخري كما تقول قطعت الحبل مثلا و قطعه السكين و نحتت الخشب و نحته القدوم و كتبت الكتاب و كتبه قلمي و هذان الاطلاقان صحيحان عقلا و عرفا فان اصل الفعل و الحركة منك تظهر بالآلة و لذا تنصبغ فيها و تظهر علي حسبها فالفعل الذي يظهر من الآلة ان لوحظ من حيث مادته ينسب الي ذي الآلة و ان لوحظ من حيث صورته ينسب الي الآلة فالمؤلف ان اريد منه الآلة فهو متعدد بلا شبهة و يسمون بالاسباب و جميع حوادث هذا العالم بالاسباب فالموج يحدث بتحريك الهواء الماء و الهواء يتحرك بتحريك البخار و البخار يتحرك بتحريك شعاع الشمس و شعاع الشمس يتحرك بتحريك الشمس و الشمس تتحرك بتحريك العرش و العرش يتحرك بتحريك نفسه و لا شبهة في تعدد الاسباب و الآلات و كون بعضها فوق بعض فمن رام اقامة البرهان علي عدم فعل الآلات و وحدة الفاعل بقول مطلق فقد تكلف و عمد الي ما لايثبت و ان اريد منه ذو الآلة فهو المجهول الذي يجب الفحص عنه و اذ قد عرفت ان جميع الآلات حادثة متحركة مقترنة متصفة مؤلَّفة بالفتح و لا بد و ان يكون لها موجد محرك قارن مؤلِّف بالكسر فلا بد و ان يكون من وراء هذه الآلات ذوا آلة لا محالة يكون هو فاعل هذه الافاعيل بلا اقتران و لا اتصاف و لا تحرك و لا تألف اذ لو كان كذلك لكان هو ايضا آلة و لا بد من ان يكون فوقها ذو آلة لا محالة و ان خطر في قلبك ترامي الآلات و تسلسلها فادفعه بأن الآلات العديدة كيف ما كانت و كم كانت و ان ظنت بلا نهاية اليس جميع ما في الخارج و في عرصة الوجود فقراء الي مؤلف غير مستغنين بانفسهم كيف كانوا فلا بد من غني فوقهم يقومون به و يستغنون بفضله و يحولهم من القوة الي الفعلية كما عرفت فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان وراء هذه الآلات ذا آلة هو موجد الكل و مؤلفه و صانعه و اصل الافعال منه و ينصبغ في بطون قوابل الآلات فتحدث افعال عديدة و صنايع متفرقة علي حسب الآلات.
نجمفلنفحص الآن عن الموجد الاعظم رب جميع هذه الارباب و محرك جميع هذه الآلات أهو قديم ام حادث فنقول ان رب الارباب لا بد و ان يكون قديما اعني غير محدث لميحدثه غيره غنيا عما سواه في كينونته فانه ان كان محدثا فقيرا الي غيره لكان في عرصة ساير الارباب و الآلات المتصرفة كما مر في النجم السابق و لكان فوقه رب آخر يصرفه في حوايجه و اعماله فلا بد و ان يكون الرب الذي هو منتهي الارباب قديما غير مفتقر الي غيره في كينونته البتة فيكون غاية الغايات و نهاية النهايات و هو محرك الكل و مصرفه و مؤلفه و محدثه غنيا عما سواه يفتقر اليه الكل .
نجمو اذ قد عرفت ان رب الارباب لا بد و ان يكون غنيا فاقول لا بد و ان يكون احديا فان القديم هو الغني بنفسه عن غيره و كل مثني كل جزء منه غير الآخر و هو مؤلف من جزئين و المركب الحاصل من الجزئين غير الجزئين ذاتا و صفة و اثرا الاتري ان الاكسير المركب من اجزاء يكون فعالا و كل جزء منه غير فعال و الاكسير خالد و كل جزء منه غير خالد و المركب غير الاجزاء فان الاجزاء قد استحالت و فسد كونها و انقلبت عما كانت عليه و صارت شيئا آخر و لاجل ذلك صار اكسيرا فعالا خالدا لطيفة زائدة عن نفسه و كذلك كل مركب فانه ان لميكن اجزاء فهو احدي و ان كان اجزاء و لمتتفاعل و لمتستحل فلميحصل تركيب حقيقي و ان تفاعلت و استحالت فسد كونها و لمتكن قائمة بانفسها و الا لمافسدت و لمااستحالت فلما فسدت عرفنا انها حادثة متغيرة غير قائمة بانفسها البتة فالمركب حادث لحدوثه عن الاجزاء و لانه فعلية كانت بالقوة في الاجزاء فخرجت الي الفعلية و هي لمتخرج نفسها لأنها كانت معدومة و لمتخرجها الاجزاء لأنها غير فاعلة في نفسها و غير ممكن تغييرها نفسها لان نفسها علي ما هي عليه لاتقتضي غير ما هي عليه فلايحصل منها تغيير و ان كانت تقتضي غير ما هي عليه فكانت ذلك الغير و كل ذلك محال من القول فان ما الشئ عليه لايكون غير ما هو عليه فتدبر فالاجزاء حادثة و المركب منها حادث قد غيرها غيرها و اخرجه عن قوتها الي الفعلية و بهذا البرهان المنير و الضياء المستطير يحترق شياطين تشكك في قدم المتعددات المركبات قاطبة فكل مركب حادث و جميع العالم مركب فجميع العالم حادث يفتقر الي محدث غير مركب البتة و اقول ان كل متعدد مركب لأنهم يجتمعون في نوع و يفترقون بشخصيات لا محالة فكل واحد مركب مفتقر الي اجزائه التي هي غيره لا محالة فالكثرات حادثة و القديم احد و ان قلنا انه واحد فنريد منه معني الاحد لا الواحد الشخصي و الصنفي و النوعي و الجنسي فانها كلها مركبة حادثة دون الواحد الحق الاحدي .
نجمالمركب من بسيطين في التعبير ايضا حادث لانه مفتقر الي اجزائه و ان لميعقل تقدم اجزائه عليه لبساطتهما و لميُعقل تفرد كل جزء منه عن الآخر و تميزه عنه و لميكن فيهما قوة سابقة علي فعلية هذا المركب لانه لو كانت لكان المركب معدوما فيهما ثم وجد و لقاما قبل التركيب و هو مناف لبساطتهما فاذ لا قوام لاحدهما الا بالآخر لا قوام لهما الا بالتركيب فهما قائمان بالتركيب و التركيب قائم بهما فلا قوة هناك و لا استعداد و انما هو فعلية مفتقرة و الرب الاحد ذاته فعلية مستقلة بلا نهاية و لا اجزاء لها لا مركبة و لا بسيطة و لا فرق بينه و بين المركب من البسيطين الا بالقدم و الحدوث و ليس للقديم خلق اعلي منه فتفهم و اطرد بهذه النجوم الثاقبة شياطين الوساوس و الارتيابات و مهما عرض في قلبك شئ تكرهه فتدبر في هذه الكلمات القصيرة و النجوم النيرة يزل عنك الوساوس و يخسأ عنك الشياطين انشاء الله.
نجماذا ثبت حدوث هذا العالم و اثبات قديم احدي المعني فلايبقي اشكال في صفاته من حيوته فان الميت ليس بقيوم علي الخلق و لاينشأ الحيوة و الاحياء و علمه فان الجاهل لايحدث ما لايعلمه و لايحدث العلم و العلماء و سمعه و بصره كذلك و حكمته فان غير الحكيم لايقدر علي احداث خلق في غاية الحكمة و لايحدث الحكمة و الحكماء و هكذا ساير صفاته الكمالية التي قد اراك آثارها و احدث في ملكه صفتها و اخبرك باحداثها بها فلايحتاج الي تطويل مقال و ايراث كلال لاسيما ان الغرض من وضع الرسالة اقامة البراهين الظاهرة المرئية علي ما يحصل منه النجاة و ليس الغرض تدقيقات الحكماء و الفلاسفة و الكافل بذلك لمن شاء في الفارسية كتابنا الكبير ارشاد العوام و بالعربية الفطرة السليمة فلنقتصر هنا بما ذكرنا.