دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي المؤلف: مصطفى صادق الرافعي |
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي
ترقرقُ بينَ أجفانِ الربيعِ
مصفقةً كصافيةٍ جلالها
باكؤسِهِ الخليلُ على الخليعِ
وهُنَّ من الأزاهرِ في شفاه
كما تحلو اللمى بعدَ الهجوعِ
وثديُ الروض درَّ على جناهُ
درورَ المرضعاتِ على الرضيعِ
ومدَّ الليلُ أنفاساً عِذاباً
كأنفاسِ المليحةِ للضجيعِ
ولاحَ الصبحُ يسفرُ عن جبينٍ
عليهِ الشمسُ حالية السطوعِ
وقد بكرتْ لتملأ جرتيها
فتاةُ الريفِ كالرشاء المروعِ
فورَّدتِ الطبيعة وجنتيها
ونضَّرَ وجهَها الحسن الطبيعي
تروحُ وتغتدي والزهرُ يرنو
إليها في الذهاب وفي الرجوعِ
وثغرُ النهرِ يبسِمُ عن لُماها
وإن لم تشفِ ريقتهُ ولوعي
وتخبرنا النسائمُ عن شذاها
كما تروي الهواجرُ عن ضلوعي
مكحلةٌ ولا كحلٌ ولكن
سلِ الظبيَّاتِِ عن ذاك الصنيعِ
وقد مدَّت حواجبها شراكاً
وطيرُ الروحِ دانيةُ الوقوعِ
أراها أن تكنفها حسانٌ
كنورِ الكهرباءةِ في الشموعِ
وتحجبُ حينَ تُخفى الشمس لكنْ
تسابق أختها عند الطلوعِ
فيا قلبُ اعصِ كلَّ هوىً سواها
ويا نفسي سواها لا تطيعي
فذاكَ الحسنُ لا ما تشتريهِ
ضرائرها من الحسنِ المبيعِ
وما تحوي المدائنُ غيرَ بدعٍ
وإن حسبوا التبدعَ كالبديعِ
فقد حسِنتْ هناكَ كلُّ أنثى
كأنَّ الحسنَ قُسِّمَ في الجميعِ
يُدَمِّمنَ الخدودَ وأيُّ عينٍ
تُحِبُ الخدَّ يصبغُ بالنجيعِ
وكم شفعن ذاكَ الحسنَ لكنْ
متى احتاجَ الغواني للشفيعِ
وهل تقفُ القلوبُ على قوامٍ
كأنَّ ذيولهُ قِطَعُ القلوعِ
فما لي والمدائنُ ما تراها
مدافنُ ما بهنَّ سوى صريعِ
وهل كان التمدنُ في بنيهِ
سوى ما يفعلونَ من الفظيعِ
وهل أبصرتَ بينَ القومِ طرّاً
سوى رجلٍ مضاعٍ أو مُضيعِ
فهذا باتَ في شبعٍ وريٍّ
وذلكَ مات من ظمإٍ وجوعِ
وأحلى من أولئكَ في عيوني
بأرياف القرى نظرُ القطيعِ
وإنَّ الأمرَ تمضيهِ فتاةٌ
لخيرٌ من فتىً غيرُ جزوعِ
وما شظفُ المعيشةِ في هناءٍ
تقرُّ بهِ سوى العيش المريعِ
فلو مزجوا ببعض الهمِّ ماءً
لصارَ الماءُ كالسمِّ النقيعِ
ولو أن الرواسيَ كنَّ تبراً
لما كان الغنى غيرُ القنوعِ
أرى ذا الليلَ قدْ خفقت حشاهُ
وبيَّضَ عينهُ نزفُ الدموعِ
أكبَ يرى لهُ كبداً تنزى
زجاجتها منوعةُ الصدوعِ
وأبصرَ بعدَ ذلكَ من قريبٍ
جيوشَ الصبحِ تمرحُ في الربوعِ
فخلَّى ما تملَّكَهُ وولَّى
كما فرقَ الجبانُ من الجموعِ
وكنتُ مخبأً في جانبيهِ
فيا شمسسُ اكتميني أو أذيعي