حائر | خريف المؤلف: عبد الباسط الصوفي |
امرأة من بور سعيد |
| |
ما لزهر الحديقة الغناء | |
نام فيها وراح في إغفاء | |
والعصافير جف من صوتها البشر أسىً للطبيعة الخرساء | |
والرياض الفيحاء تذوى حيارى | |
بعد زهو وروعة وبهاء | |
انظري فالزهور تهوي إلى الأرض بصمت وحسرة وبكاء | |
كان منها العبير يوقظ في الغصن الأماني وذكريات الهناء | |
انظري الطير صامتاً يبعث الأحزان من بعد شدوه والغناء | |
وورود الرياض ماتت على الغصن وكانت تتيه كالحسناء | |
وترامت أوراقها في شحوب | |
والسنا ذاب فوق ثغر الماء | |
عصف الموت فالمروج ركام | |
لعبت فيه عاصفات الغناء | |
فعلى السفح موشحات المغاني | |
وعلى الدوح دمعة الأنداء | |
وجناح مهشم لهزار | |
وحطام لروضة فيحاء | |
ورفات لذكريات غرام | |
وخيال لباقيات ضياء | |
أغلقي الباب فالأعاصير ثارت | |
حانقات كزمجرات الشتاء | |
أغلقي الباب فالرعود أصمّت | |
مسمعي بالعواصف الهوجاء | |
والغيوم الدكناء تقذف للأرض حقوداً من وابلات السماء | |
والحقول الجرداء تشكو من العري تصاريف دهرها والقضاء | |
سلبتها الحياة أثوابها الخضر.. | |
تزهو بحلة صفراء؟ | |
قد كساها الربيع كالأمل الزاهر أندى مروجها الخضراء | |
وجلاها بمورقات الأماني | |
وحباها بزاهرات الرجاء | |
أشرقت بالجمال ريّا بأبرادٍ تحاكي مفاتن الغيداء | |
والندى سال كالمدامة فيها | |
أو كريق يسيل من لمياء | |
ودهاها الخريف ينفض أشباح الليالي وحالكات الفضاء | |
فإذا الورق نائحات على الغصن بواكٍ على الصبا الوضاء | |
وإذا الليل موحش مكفهر | |
لطيوف قوائمٍ رعناء | |
وإذا النهر صامت ليس يدري | |
كيف تذوي المروج في البطحاء | |
والفراشات حائرات أحست | |
بالظما للرحيق في الأنحاء | |
والينابيع من دوافقها غاضت بثغر الطبيعة العذراء | |
خاض من مائها نمير غدير | |
كالطلا رقةً وكالصهباء | |
أغلق الباب هكذا جف سحر الكون من بعد صفرة وازدهاء | |
اذرفي الدمع لا تلومي الليالي | |
واتركي الجفن للشجا والبكاء | |
لك قلب محطم ليس يدري | |
نشوة الحب والصبا والهناء | |
فحرمت الفؤاد من لذة العمر وقد كان جامح الغلواء | |
وحرمت الضمير من يقظة القلب لحبٍ مجنح الأهواء | |
وتركت الشباب تذوي مناه | |
في ربيع معطر وصفاء | |
أنت عذراء أنت راهبة الليل وخفق المنى ورمز الوفاء | |
أنت هيفاء في مواكب دهرٍ | |
ضج بالمفجعات والأرزاء | |
أنت هيفاء تسكر الأمل الضاحك.. والحب نشوة الهيفاء | |
لك قلبي .. لك المنى .. فتعالي | |
فبصمتِ الخريف بعضُ العزاء | |
اغنمي من خريف عمرك ما أبقى لك الدهر من صبأ وبهاء | |
يا حطام الجمال في هيكل الطهر تعالي للنور للأضواء | |
يا شعاع الروح الأبية فيم السعي.. والجدّ للسراب النائي؟ | |
فيم بددتِ باسمات أمانيك وأدلجتِ في سرى البيداء | |
اذرفي الدمع ترتشفْه الأماني | |
وشفاه الهوى وثغر الرجاء | |
أين سحر الربيع والروض زاهٍ | |
بورود طروبة وسناء؟ | |
أين تلك الطيور تسكب للأيك لحوناً علوية الأصداء؟ | |
أين خفق الأحلام في مقلة الحب طيوفاً قدسية الإسراء؟ | |
أغلقي الباب فالعواصف تدوي | |
ودبيب الآلام بين ذمائي | |
ذهبت بالربيع حمق العوادي | |
وأتاك الخريف بالأنواء | |
سوف يأتي بعد الخريف شتاء | |
وستذوي حياتنا في الشتاء |
هذا العمل في ملكية الجمهور في سوريا وفق قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 2014، إما لأن مدة حماية حقوق المؤلف قد انقضت بموجب أحكام الفصل الخامس منه أو لأن مدة الحماية انقضت قبل بدء العمل بهذا القانون بموجب المادة 98 منه، أو لأن العمل غير مشمول بالحماية بموجب الفقرة /أ/ من المادة 4. |