حَتّامٌ تَجذِبُني القُدودُ وَأَجنَحُ
حَتّامٌ تَجذِبُني القُدودُ وَأَجنَحُ المؤلف: شكيب أرسلان |
حَتّامٌ تَجذِبُني القُدودُ وَأَجنَحُ
وَيَصُدُّني عَنها الصُدودُ وَأَجمَحُ
وَيَهيجُني سوقُ الحِسانِ وَأَدمُعي
أَبَداً عَلى سَفحِ المَعاهِدِ تَسفَحُ
غاضَت دُموعي بَعدَ فَيضِ شُؤونِها
وَعَهِدتُ عَينَ الدَمعِ لَيسَت تَنزَحُ
وَبَقيتُ فيما بَينٍ لَذعَ صَبابَةٍ
يَكووي وَبَرَحٌ دائِمٌ لا يَبرَحُ
أَحيى اللَيالي آمَلاً أَن تَنجَلي
صُبحاً وَلَيسَ بِأَمثَلٍ ما تُصبِحُ
إِن كانَ يوحِشُني الظَلامُ لِذي النَوى
فَالهَجرُ في يَومي لِعَيني أَوضَحُ
وَلَقَد أَتوقُ إِلى الكَرى فَلَرُبَّما
طَيفُ الحَبيبِ بِزَورَةٍ قَد يَسمَحُ
فَلَئِن يَكُن ذاكَ الغَزالُ مُحرِما
وَصَلّى فَحَسبي في الكَرى ما يَسنَحُ
يا لَيلَةً بِالجَزعِ تَجزَعُني بِها
نوحاً وَراقي الأَيكِ مِمّا تَصدَحُ
باتَت تُذَكِّرُني لَيالي بَينِها
كُنّا وَكانَ المُنحَنى وَالأَبطَحُ
ما بَينَ هاتيكَ الظِباءُ سَوانِحاً
تَمشي بشحَبّاتِ القُلوبِ وَتَمرَحُ
باتَت تَتيهُ بِها العُقولُ إِذا بَدَت
تيهاً كَباناتِ النَقا تَتَرَنَّحُ
مِن كُلِّ مَيّاسٍ أَغنَ إِذا اِنبَرى
فَالعَقلُ يَعقِلُ وَالنَواظِرُ تَطمَحُ
يَلهو وَيَجرِحُ في النَهارِ وَإِنَّما
قَد ظَلَّ يَجرَحُ مُهجَتي إِذ يَجرَحُ
يا مَن يُعَذِّبُني وَيَحسَبُ أَنَّني
لِعَذابِهِ طولُ الزَمانِ مُرَشَّحُ
يَسطو عَلَيَّ وَلا يَرِقُّ فَعِندَهُ
قَلبٌ وَلَكِن بِالحَديدِ مَصفَحُ
دَلَهَتني في ذا الغَرامِ فها أَنا
قَيسٌ وَلَكُن بِالفِراقِ مُلَوِّحُ
فَإِلى مَ تَهجُرُني وَقَد كادَ الصِبا
يَذوي وَرَطبُ غُصونِهِ يَتَصَوَّحُ
ما كُنتَ أَيّوبَ الصَبورَ وَإِن يَكُن
بِالصَبرِ مَعنى اِسمي بِفارِسٍ يَشرَحُ
ذاكَ السَمِيُّ الباهِرُ الشِيَمُ الَّتي
أَخلاقُهُ بِالأَروَعِيَّةِ تَطفَحُ
المُشَبَّعُ العَقلَ الَّذي أَخلاقُهُ
غَرُّ الوُجوهِ حَسيبَةٌ لا تُرجَحُ
الواسِعُ الفَضلِ الَّذي لِثَنائِهِ
في كُلِّ خَلقٍ مِن عُلاهُ مَفتَحُ
الناصِحُ الجَيبِ الَّذي آثارُهُ
عَن حُسنِ ما يَطوي عَلَيهِ تَصرَحُ
يَثني عَلَيهِ بَالوَفاءِ وَإِنَّما
تَمديحُهُ بِوَفائِهِ لا يَمدَحُ
حَرٌّ تَفَتَّحَ لِلوِدادِ فُؤادُهُ
وَكَلامُهُ عِندَ الثَنا يَتَفَتَّحُ
فَهوَ الَّذي إِن ضاقَ في الخَلقِ الوَلا
فَفُؤادُهُ بِالوُدِّ مَغنى أَفيَحُ
وَإِذا تَزَحزَحَ رَكبُهُ عَن أَرضِنا
فَهوَ الَّذي في العَهدِ لا يَتَزَحزَحُ
لا غَروَ إِن شَطَّ المَزارُ فَإِنَّهُ
قَلَمُ اللَبيبِ بِكُلِّ مِسكٍ يَنفَحُ
سَمَحَ القَريحَةَ في رِهانِ قَريضِهِ
يَجري كَما يَجري الجَوادُ الأَقرَحُ
تَلَقّاهُ يَرعَفُ في الطُروسِ يَراعِهِ
كَالسَيلِ في بَطنِ الجَوادِ يَتَبَطَّحُ
وَيَخوضُ في لَجَجِ الفُنونِ وَيَجتَني
دُرَراً بِها صَدرَ الزَمانِ موشِحُ
تَزهو جِنانَ العِلمِ بَينَ سُطورِهِ
إِذ كُلَّ ما فيها لِعَينِ مَسرَحُ
غَرَرٌ تَتَرجَمَ عَن عُلوِ مَقامِهِ
وَلَعَلَّها مِن كُلِّ مَدحٍ أَفصَحُ
يا صاحِباً سَمَحَ الزَمانَ بِبُعدِهِ
وَبِبُعدِهِ وَجهُ الزَمانِ مَكلَحُ
لا بِدَعَ أَن تُبعَدَ وَأَنتَ عَزيزُهُ
فَالدَهرُ يُبعِدُ في الوَرى ما يَمنَحُ
أَثوَيتُ في الشَهباءِ أَفسَحَ مَنزِلُ
لَكِن مَحلُكَ في فُؤادي أَفسَحُ