(فقال الشاعر يحاور الروح)
إذا لم يكن من لقاءِ المنايا --- مَناصٌ لمن حلَ هذا الوجود
فأي غَناءٍ لهذي الحياةِ --- وهذا الصراع العنيفِ الشديد
وذاك الجمالِ الذي لا يملُ --- وتلكَ الأغاني وذاكَ النشيد
وهذا الظلامِ وذالك الضياءَِ --- وتلكَ النجومِ وهذا الصعيد
لماذا نَمرُ بوادي الزمانِ --- سِراعا ولكننا لا نعود
فنشربَ منْ كل نبعٍ شَرابًا --- ومنهُ الرفيع ومنهُ الزهيد
ومنهُ اللذيذ ومنهُ الكريه --- ومنه المشيدُ ، ومنِ المبيد
ونحمِلُ عِبئًا منَ الذكرياتِ --- وتلكَ العُهودِ التي لا تعود
ونَشهَدُ أشكالَ هذي الوجوهِ --- وفيها الشقيُ وفيها السعيد
وفيها البديعُ وفيها الشنيعُ --- وفيها الوديع وفيها العنيد
فيُصبحَ منها الوليُ الحميمُ--- ويُصبحَ منها العدو الحَقود
وكلٌ إذا ما سألنا الحياةَ --- غَريبٌ لعمري بهذا الوجود
أتيناه من عالمٍ لا نراهُ --- فُرادى ، فما شأنُ هذي الحُقود
وما شأنُ هذا العداءِ العنيفِ --- وما شأنُ هذا الإخاء ِ الودود
(روح الفيلسوف)
خُلِقنا لبلغَ شأوَ الكمالِ --- ونُصبحَ أهلاً لمجدِ الخلود
وتطْهَرَ أرواحُنا في الحياةِ --- بنارِ الأسى ويأسِ الوُعود
ونكسِبَ منْ عثراتِ الطريقِ --- قُوىً ، لا تُهَدُ بدَأبِ الصُعود
ومَجدًا يكونُ لنا في الخلودِ --- أكاليلَ من رائِعاتِ الورود
(رحلت روح الفيلسوف وظل الشاعر يردد بينه وبين نفسه)
خُلِقنا لبلغَ شأوَ الكمالِ --- ونُصبحَ أهلاً لمجدِ الخلود
ولكن أفكاره وتساؤلاته ما زالت تلح عليه
فقال يناجي روح الفيلسوف التي حسبها
ما تزال قريبة منه:
ولكن إذا ما لَبِسنا الخلودَ --- ونِلنا كمال النفوس ِ البعيد
فهل لا نملُ دوام البقاءِ؟ --- وهل لا نودُ كَمالاً جديد
وكيفَ يكُونَنَ هذا الكمالِ؟ --- ماذا تُراهُ؟ وكَيفَ الحدود؟
وإنَ جمالَ الكمالِ الطموحُ --- وما دامَ فكرًا يُرَى منْ بعيد
فما سِحرُهُ إنْ غَدا واقعًا --- يُحَسُ وأصبحَ شيئًا شهيد؟
هل ينطفي في النُفوسِ الحنينُ --- وتُصبحَ أشواقُنا في خمود؟
فلا تطمحُ النفسُ فوقَ الكمالِ --- وفوقَ الخلودِ لبعضِ المزيد؟
إذا لم يَزُلْ شوقُها في الخُلودِ --- فذاكَ ، لَعَمري ، شقاءُ الجُدود
وحربٌ ضروسٌ كما قد عهِدتُ --- ونَصرٌ وكسرٌ وهَمٌ مديد
وإنْ زال عنها فذاكَ الفناءُ --- وإنْ كان في عرصاتِ الخلود
كذالك ناجى الشاعر روح الفيلسوف ولكنها كانت إذ ذاك بعيدةً عنه في عالم آخر
لا يسمع نجواه فضاعت أسئلة الشاعر في ظلمة الليل الذي لا يجيب