جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاث رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة.
فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك في ذلك، إلا أن تسمية الآباء بينه وبين إسماعيل قد جهلت جملة. وتكلم في ذلك قوم بما لا يصح؛ فلم نتعرض لذكر ما لا يقين فيه؛ وأما كل من تناسل من ولد إسماعيل -عليه السلام- فقد غبروا ودثروا، ولا نعرف أحد منهم على أديم الأرض أصلاً، حاشا ما ذكرنا من أن بني عدنان من ولده فقط.
وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو? فقوم قالوا: هو من ولد إسماعيل -عليه السلام-. وهذا باطل بلا شك، إذ لو كانوا من ولد إسماعيل، لما خص رسول الله -ﷺ- بني العنبر بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بأن تعتق منهم عائشة. وإذا كان عليها نذر عتق رقبة من بني إسماعيل، فصح بهذا أن في العرب من ليس من ولد إسماعيل. وإذ بنو العنبر من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل؛ فلم يبق إلا قحطان وقضاعة.
وقد قيل إن قحطان من ولد سام بن نوح؛ والله أعلم؛ وقيل: من ولد هود عليه السلام؛ وهذا باطل أيضاً بيقين قول الله تعالى: "وإلى عاد أخاهم هوداً" وقال تعالى: "وأما عاد فأهلكوا بريحٍ صرصر عاتيةٍ. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية. فهل ترى لهم من باقية". وهود، عليه السلام، من عاد، ولا ترى باقية لعاد. والذي في التوراة من أنه قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام فقد بينا في كتابنا الموسوم ب الفصل يقين فساد نقل التوراة، عند ذكرنا ما فيها من الكذب الظاهر، الذي لا مخرج منه، وأنها مصنوعة مولدةٌ، ليست التي أنزل الله تعالى على موسى -عليه السلام- ألتبة.
وأما قضاعة فمختلف فيه: فقوم يقولون: هو قضاعة بن معد بن عدنان، وقوم يقولون: هو قضاعة بن مالك بن حمير؛ فالله أعلم.
ووجدنا في كتب بطليموس، وفي كتب العجم القديمة، ذكر القضاعيين ونبذة من أخبارهم وحروبهم. فالله أعلم أهم أوائل قضاعة هذه وأسلافهم، أم هم غيرهم.
وبلاد قضاعة متصلة بالشام، وببلاد يونان والأمم التي بادت ممالكها بغلبة الروم عليها، وببلاد بني عدنان، ولا تتصل ببلاد اليمن أصلاً. إلا أن الذي يقطع به، ويثبت، ويحقق، ويوقن، فهو أنه ليس على ظهر الأرض أحد يصل نسبه بصلة قاطعةٍ، ونقل ثابت، إلى إسماعيل، ولا إلى إسحاق -عليهما السلام- نعني ابني إبراهيم خليل الله -ﷺ- فكيف إلى نوح? فكيف إلى آدم? -عليهما السلام- هذا ما لا مرية فيه!
وقد ظن قوم من فرقةٍ، أن رأس الجالوت يصل نسبه إلى إسحاق عليه السلام، وليس كما ظنوا، وقد بينا البرهان على كذب هذا الظن، وعلى أن نسب داود، عليه السلام، لا يصل إلى إسحاق، في كتاب "الفصل"؛ فأغنى عن إعادته. فأثبتنا الصحيح، وألغينا المشكوك. وبالله تعالى التوفيق.
وأما الذين يسمونهم العرب والنسابون العرب العاربة كجرهم، وقطورا، وطسم، وجديس، وعاد، وثمود، وأميم، وإرم، وغيرهم، فقد بادوا؛ فليس على أديم الأرض أحد يصحح أنه منهم، إلا أن يدعي قوم ما لا يثبت. وكذلك سائر ولد إبراهيم -ﷺ- كمدين بن إبراهيم، وسائر إخوته؛ وكذلك بنو عمون المنسوبون إلى لوط عليه السلام. وكذلك ولد ناحورا أخي إبراهيم عليه السلام. وكذلك ولد عيصو بن إسحاق عليه السلام؛ فليس على وجه الأرض أحد يقال: "هذا منهم"، على ما كانوا فيه من كثرة العدد.
فسبحان هادم الممالك، ومبيد القرون، ومفني الأمصار، وماحي الآثار، الذي يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين