جرجي زيدان
جرجي زيدان المؤلف: إيليا أبو ماضي |
ثكل الشّرق فتاه
ليتني كنت فداه
ليتني كنت أصمّا
عندما النّاعي نعاه
قد نعى النّاعون "
زيدانا " إلى البدر سناه
و إلى التاريخ و العلم
أباه و أخاه!
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر
كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر
و للطير في اجنان إرنان ثاكل
و للماء أنّت الغريب المسافر
و للنجم، و هو النجم، مشية ظالع
و للأرض، و هي الأرض، وقفة حائر
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن
و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق
يحدّثنا عنه بغير الأشائر
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا
لأنت علينا اليوم أشأم طائر
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها
كرهناك حتّى قادما بالبشائر
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي
و باعد ما بين القريض و خاطري
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى
على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري
و بات فؤادي يتّقي نزواته
كما يتّقي العصفور بأس الكواسر
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى
كأنّي مدمعي كلّ ناثر
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه
أفي أرض مصر نائم غير ساهر
و هل في سماء النّيل غير دياجر
و هل في مياه النيل غير مجامر
و هل في ضفاف النيل بين نخليه
مغرّدة أو آنس غير نافر
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة
و صاحبهم في اللّحد غير مسامر
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم
أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر
و تبك النّصارى فخرها و عميدها
فما بعده من حجّة لمفاخر
فما جادت الدنيا عليهم بمثله
و غير يسير أن تجود بآخر
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا
عزيز علينا أن ترى في الحفائر
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا
و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها
و يحسد ماء الجفن ماء المحابر
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها
و لكنّما في الأرض كنز الجواهر
لتفخر على الشّهب و الحصى
ففيها هلال العلم شمس المحاضر
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا
وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا
كأنّ المنايا صبّة بالأكابر
و نضحك للآمال ضحكة وامق
فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر
رضينا بأن الغزاة بلادنا
و نمنا و ما نامت عيون المعاشر
لها كلّ يوم حكم جائر
وإقدام موتور و فتكة ثائر
على أنّها من غير مذنب
و تأخذ بالأوتار من غير واتر
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه
و أمضى مواضيه مليل الأظافر؟
جلل في مصر لكن
في العراقين صداه
ماد لبنان و ماد
الشّام لمّا سمعاه
كاد أن يخذل فيه
كلّ طود منكباه
أيّها الرّاحل عنّا
بلّغ الحزن مداه
قد بكاك الأفق حتّى
فرقداه و سهاه
يا خليليّ أعينا
من عصاه مسعداه
خانت النّفس قواها
خانت البين قواه
قد مضى من تتمنّى
كلّ عين أن تراه
فتمنّى كلّ قبر
حين أودى لو حواه
مات " زيدان "
أبو التاريخ فليحي فتاه!