تَحَدَّري يا دُموعي بِالمَيازيبِ
تَحَدَّري يا دُموعي بِالمَيازيبِ المؤلف: شكيب أرسلان |
تَحَدَّري يا دُموعي بِالمَيازيبِ
وَعارِضي السُحبَ أَسكوباً بإسُكوبِ
وََأَدرِكي كَبِداً لَجَّ الأُوارُ بِها
عَن مارِجٍ في صَميمِ القَلبِ مَشبوب
هَيهاتَ أَيُّ الرَزايا بَعدَ تَرمِضُني
وَأَيُّ داهِيَةٍ دَهياءَ تَلوي بي
وَأَيُّ خَطبٍ مَلّى أَن أَقولَ لَهُ
يا عُمري اِنفَضَّ أَو يا مُهجَتي ذوبي
مَضى الَّذي كانَ فيهِ مُنتهى أَمَلي
وَمَن نَشَدَت لِتَعليمي وَتَهذيبي
وَمَن عَنِ الأَخذِ عَنهُ شَدُّ راحِلَتي
وَمَن لِلُقياهُ إِسآدي وَتَأويبي
شَعَرتُ إِن خِلتُ الدُنيا بِمَصرَعِهِ
لَم يَكفِني طولَ تَشريدي وَتَغريبي
فَمَن أَناجيهِ بَعدَ اليَومِ في حَزَني
وَمَن أَرى بَثُّهُ بَثّي وَتَعذيبي
واهاً عَلى حَجَّةِ الإِسلامِ حينَ خَبا
ذاكَ الشِهابُ بِلَيلاتٍ غَرابيبِ
واهاً عَلى عِلمِ الأَعلامِ حينَ هَوى
فَلا تُصادِف قَلباً غَيرَ مَنخوبِ
هَوى وَكُلُّ جِبالِ العِلمِ دانِيَةٌ
عَن شَأوِهِ فَهيَ مِنهُ كَالأَهاضيبِ
أَينَ الَّذي كانَ إِن أَجرى يَراعَتُهُ
في أَيِّ فَنٍ أَتانا بِالأَعاجيبِ
هَذا المُصابُ الَّذي كُنّا نُحاذِرهُ
نَظَلُّ نَلبِسُ مِنهُ جِلدَ مَرعوبِ
مِن قَبلُ رَزناهُ فَقداً غَيرَ ذي عَوَضِ
وَكَم حَسِبناهُ صَدعاً غَيرَ مَرؤوبِ
حَتّى إِذا حَلَّ لَم تَعقِد مَناحَتُهُ
إِلّا عَلى حادِثٍ مِن قَبلُ مَرهوبِ
قَضى الإِمامُ الَّذي كانَت مَكانَتُهُ
بَينَ الأَئِمَّةِ في أَعلى الشَناخَيبِ
لَو كانَ أَنصَفَهُ الإِسلامُ يَومَ ثَوى
لَبّاتٌ يَرفُلُ في سودِ الجَلابيبِ
كانَ المُقَدَّمُ في عِلمٍ وَفي عَمَلِ
وَالجَمعُ ما بَينَ مَنسوبٍ وَمَكسوبِ
لَهُ شَمائِلَ أَمثالَ النَسيمِ سَرى
وَيَكرَهُ العَفوَ أَن يَأى عَنِ الحوبِ
لَم تَعرِفِ الحِقدَ في يَومِ سَريرَتُهُ
وَلا وَعى سِرُّهُ شَيئاً سِوى الطيبِ
كَم قَد تَلَقّى أَعاديهِ وَقَدَ كَشَحوا
بِفَضلِ ذَيلٍ عَلى الآثامِ مَسحوبِ
يَلقونَهُ حَملاً حَتّى إِذا عَبَثوا
بِالدينِ أَصبَحَ كَالبَزلِ المَصاعيبِ
هُناكَ لا هُدنَةً يَدري وَلا خَصمِ
إِلّا سَيَأخُذُ مِنهُ بِالتَلابيبِ
هُناكَ أَعظِم بِفَحلٍ غَيرَ ذي نَكلِ
لَدى اللِقاءِ وَسَيفٌ غَيرَ مَقروبِ
يَصولُ صَولٌ عَلَيَّ في وَقائِعِهِ
فَلَيسَ يَعرِفُ قَرناً غَيرَ مَكبوبِ
عَدا عَلى عَبقَرِ مَن لَيسَ ذا صِلَةٍ
مَعَها عَلى الرُغمِ مِن نَعتٍ وَتَلقيبِ
فَالعَبقَرَيَّةُ وَصفٌ في رَشيدِ رِضا
وَالعَبقَرِيَّةُ لَيسَت بِالأَكاذيبِ
قِس كُلَّ صاحِبٍ فَضلٌ مَعَ رَشيدٍ رِضا
قَيسَ الرُهامِ إِلى الطَيرِ المَناسِبِ
تَسمو المَنابِرُ إِعجاباً بِوَطأَتِهِ
لَها وَتَخضَعُ أَقواسَ المَحاريبِ
سُبحانَ مَن زادَهُ عِلماً وَأَلهَمَهُ
تِلكَ البَراهينِ في أَحلى الأَساليبِ
رُبَّ الوَفاءِ الَّذي اضربى بِشُهرَتِهِ
حَقّاً عَلى مِثلٍ في العَهدِ مَضروبِ
لَم يَدرِ بُغياً عَلى الإِخوانِ في زَمَنٍ
سادَت عَلى الجَمِّ فيهِ شيمَةُ الذيبِ
لَهُ المَنارَ الَّذي كانَت تُنارُ بِهِ
سَفائِنُ القَومِ في لُجِّ التَجاريبِ
مَقَلَّةً مِن أُصولِ الشَرعِ أَشرِعَةً
تَمشي مَعَ العَقلِ تِسيارُ الأَصاحيبِ
كانَ المَنارُ لِحِزبِ الحَقِّ مُعتَصِراً
يَهديهِم بِشُعاعٍ غَيرَ مَحجوبِ
غَدَت بِهِ مِلَّةُ الإِسلامِ حَجَّتَها
شَهباءَ في حازِبٍ مِنها وَمَحزوبِ
جَميعُ أَجزائِهِ تَأتي عَلى نَسقٍ
مِثلَ اِطِّرادِ العَوالي بِالأَنابيبِ
فيهِ الفَتاوي الَّتي يَرضى الجَميعُ بِها
فَلا تَرى حاجَةً في نَفسِ يَعقوبِ
تَجري بِآذانٍ مَن يَصغي لِقارِئِها
لَحنَ السَريجي في سَمعِ المَطاريبِ
ما بِالمَنارِ ضِياءٌ غَيرَ مُقتَبَسِ
وَلَيسَ فيهِ هِلالٌ غَيرَ مَرقوبِ
وَكَم كِتابٌ لَهُ غَيرَ النارِ غَداً
فَوقَ الكَتائِبِ في حَشدٍ وَتَكتيبِ
في كُلِّ عامٍ تَآليفٌ يَجودُ بِها
كَالغَيثُ يُرسِلُ شُؤبوباً بِشُؤبوبِ
مَواقِفٌ لَن تَرى مَن يَستَقِلُّ بِها
وَلَن تَرى طامَعاً مِنها بِتَقريبِ
سَر نَحوَ رَبِّكَ مُبَكِّياً بِكُلِّ دَمٍ
قانٍ عَلى صَفحَةِ الخَدَّينِ مَصبوبِ
وَاِنعَم لَدَيهِ بِما قَدَّمتُ مِن عَمَلٍ
وَفُز بِقِسطِكَ مِن بِرٍّ وَتَثويبِ
وَاِترُك ثَناءً كَنَفحِ الطيبِ لَيسَ يَنى
يَملَأُ البِلادَ بِتَشريقٍ وَتَغريبِ
قَد يَغلِبُ الحُزنَ أَقوامٌ بِصَبرِهِم
لَكِن حُزنُكَ عِندي غَيرَ مَغلوبِ
أُبكيكَ ما دُمتَ في الدُنيا وَما بَقيتُ
إِلّا بَقِيَّةَ عَيشٍ غَيرَ مَحبوبِ
لي مَعَكَ عَهدٌ فَآبى أَن أَخيسَ بِهِ
حَتى أَصيرُ إِلى لَحدٍ وَتَتريبِ