الرئيسيةبحث

تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم

تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم

تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم
المؤلف: زكي مبارك



تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم
 
وبعض التناسى العمد من صور الود
إذا اشتدّ إظلام العقوق تبلجت
 
مآثر تذكى نار معروفكم عندي
أمثلى ينسى آه مما اجترحتُمُ
 
على الهائم الحيران فيحومة الورد
أأن خفت عذّالي فأخفيت لوعتي
 
تظنونني صبّا أفاق من الوجد
غرامي بكم لم يبق قلباً بلا جوىً
 
وحبي لكم لم يبق عيناً بلا سهد
خلعتُ عليكم من هيامي وصبوتي
 
غلائل لم تخلع على ساكني الخلد
مضى ما مضى هل يرجع الدهر ما مضى
 
وهل تتقون الحب أو سالف العهد
معاهد في مصر الجديدة أصبحت
 
رسوماً من الأشجان أحرسها وحدي
أتسرى معاً فيها كما كان عهدنا
 
وعهد الهوى أشهى مذاقاً من الشهد
أنقرأها حرفا فحرفاً كأنها
 
رسائل من ليلى المريضة أو هند
تعالوا نعد ليلاتها الغرّ حسبةً
 
لحبّ قبضتم روحه وهو في المهد
تعالوا تعالوا قبل أن يُمسيَ الهوى
 
تواريخ لا تغنى المحبّ ولا تجدى
تعالوا فمن ألقى سناً مثل نوركم
 
ولن تستطيبوا جنة الحب من بعدي
تعالوا ففي مصر الجديدة ما بها
 
من النرجس النعسان والفل والورد
مثابةُ أحلامي ومهوى مآربي
 
ومنسك روحي في الملامة والحمد
إذا جلت فيها جولة الفتك أسلمت
 
مفاتحها فيما تسرّ وما تبدى
وإن غبت عنها بعض ليل تلفتت
 
تسائل عن سرّ القطيعة والصد
شوارعها عند الأصيل مشارعٌ
 
لكل محب من حبيب على وعد
وأنفاسها بالليل كالمسك نفحةً
 
وظلماؤها كالخال في صفحة الخد
فلا تذكروا نجداً أو الخيف بعدها
 
تسامت مغانيها عن الخيف أو نجد
ولا تطلبوا ندّاً لها في جمالها
 
فما لجمال الشمس في الكوم من ندّ
أباريسُ أو برلين تحوى فتونها
 
إذا ازدهرت بالحسن كالكوكب السعد
أفى لندن شبهٌ لها في صيالها
 
إذ صُفّيت الأرواح جنداً إلى جند
تجمّع فيها الحسن من كلّ أمةٍ
 
كبغداد بين العرب والفرس والكرد
ورفّت بها الأنفاس شتّى غرائباً
 
من الورد والريحان والضال والرند
هديرُ الأماني في الفؤاد هديرها
 
إذا جدّ جدّ السبق بالركض والشدّ
وروّداها في الصبح والعصر زادهم
 
إذا ما استضافوها فنون من الوجد
تشابه فيها الليل والصبح فاعجبوا
 
لصحراء أضحت وهي من جنة الخلد
يجسّد نور البدر فيها مفضّضا
 
فتحسبه درّا يساقط من عقد
بكل مكان أو بكل ثنيّة
 
بأرجائها سحرٌ يثار بلا عمد
وما بدرها بدر السموات وحده
 
ففيها بدووٌ قد تجلّ عن العدّ
خذوا وصفها عنى فلى في ضميرها
 
مكان الضريم الحر يكتنّ في الزند
ولا عيبَ فيها غير أنّ نسيمها
 
يزيد سعير القلب وقداّ إلى وقد
يحدّ شعوري بالوجود فأغتدى
 
أحدّ سماعا من قوى آلة الرصد
أسجل فيها ما أشاء من المنى
 
ومن خطرات الروح للشاعر الغرد
وأنقل عنها في ضحاها وفجرها
 
افانين أشتاتاً من الهزل والجد
إذا اجتمع السمار فيها رأيتهم
 
ملائك توصى بالوثيق من العقد
وإن طربوا ليلا وللقلب حقه
 
حسبتهم جنّا أقبلوا من القد
هيامى بها لم يبق للعقل من شدى
 
بلألائه في غمرة الوجد أستهدى
مدينة من هذى مدينة ساحر
 
يرى طيبها النفاح أذكى من الند
مدينة من هذي مدينة ناسك
 
يسر من الإيمان أضعاف ما يبدى
أرى اللَه في مصر الجديدة كلما
 
رأيت بها الأزهار تنظم في عقد
أرى اللَه فيها ما أردت ومن يعش
 
كعيشى بها يقرب من الصمد الفرد
حلوليّةٌ تزدار قلبي وخاطري
 
فيحيا بها عقلى وقوى بها عقدي
أكان الحلوليون يرأون ما أرى
 
من الحسن فري قرب من اللَه أو بعد
أمرّ زمان فيه مصر جديدة
 
بها فارس يأوى إلى فرس نهد
أحبّك يا مصر الجديدة فاسمعى
 
نشيدي ولا تصغي إلى شاعر بعدي
تعالوا تروا قلبي على ما عهدتُم
 
وفاء إلى غدر وصفحا إلى حقد
أنا العيلم العجّاج بالرفق والأذى
 
أضل أحبائي إذا شئت أو أهدى
بقايا من الروح المريد تعودني
 
فأرتدّ صبا جائر الرأى والقصد
أحبكم ماذا أقول لقد صحا
 
فؤادي وأبصرت الطريق إلى الرشد
عواطف جالت في ضلال كأنها
 
بوارق في جنح من الليل مسود
عشقتكم جالت في ضلال كأنها
 
صحائف خطتها يد العبث المردى
فلا تذكروا عهدى بسخط ولا رضا
 
تناسيت أو أنسيت ما كان من عهدي
أضاليل أزجيها لنفسي علالةً
 
عساني أطفى ما تضرّم من وجدى
وكيف التناسى كيف ما أكذب المنى
 
إذا حدثتني بالخلاص من القيد
أحبّكم حبا أحر من الوغى
 
تؤجج في سهل إلى الموت ممتد
أحبّكم طوعا وكرها وإنني
 
لأخشى الذي تخشون من ذلك الإد
برغم الذي ألقاه من جور حكمكم
 
ألوذ بكم عند الخصام وأستعدى
ملاعب من لهو أثيم تمرّدت
 
فأمست كأقسى ما يكون من الجد
أروني باباً للنجاة أروده
 
فقد ضقت ذرعا بالضلالة في الرود
وكيف نجاتي كيف هيهات فالذي
 
سقيتم به روحي سيسرع في هدّى
دعاني الهوى ماذا أراد بي الهوى
 
لقد حدّ من عزمي وقد فلّ من حدى
إذا رمت أسباب المتاب تعرضت
 
نسائم رياكم فأقلعت عن هودى
أأنتم نسيتم كيف كنا ولم ندع
 
مآرب من قبل تراد ولا بعد
غرامي بكم كان الغرام ومحنتي
 
بكم صيرتني في الأسى أمةً وحدى
سلوا الليل في مصر الجديدة هل رأى
 
على عهده بالحب أصدق من عهدي
وهل أبصر البدر المنير بأرضها
 
أصحّ أديماً من ضلالي ومن رشدي
وهل عرفت ظلماؤها في سهوبها
 
أحب إليها من هيامي ومن سهدى
لقد كنت ألقاها وللشمس ميلة
 
إلى الغرب تستهدى النعاس وتستجدى
فأملأها وحيا وشعرا وصبوة
 
إلى أن تفيق الشمس من نومة الخود
أتلك ليالٍ لا تعود ولم أزل
 
بحمد الهوى في صولة الأسد الورد
جهلتم إذا كنتم تظنون مهجدتي
 
ستجنح يوما للسلام وللبرد
هواي هو الجمر الذي تعرفونه
 
وللجمر سلطان على الحجر الصلد
سأرزأكم بالهجر والصد فارقبوا
 
بلايا تغاديكم من الهجر والصد
أكان غرامي غركم فظننتمُ
 
بأن ليس للإسراف في الحب من حد
هو القول ما قلتم فإن صبابتي
 
ستبلغ ما لا يبلغ الجمر من وقدِ
سنون تقضت في اضطرام وحبّنا
 
يصاول بالعذل المحمّل بالنأد
فهل أفلح العذال يوماً وفيهمُ
 
وفيّون يؤذيهم خبالى في سهدى
مساوئكم تبدو لقلبي محاسناً
 
فواتنَ تجزى بالثناء وبالحمد
فمن أيّ واد للفتون تفجّرت
 
ينابيع هذا الحسن مرهوبة الورد
أمرّ بها ظمآن والجو قائظ
 
فأسمع همساً من وعيد ومن وعد
تلوّح بالإشفاق عينٌ مريبةٌ
 
لها ما لهذا الدهر من خاتل الكيد
وهل يعرف الحيران ضل طريقه
 
بنحس رمى التلويح بالرفق أم سعد
أرى بيتكم منى قريباً وتارة
 
أراه وأدنى منه أبنية السند
على قدر ما نلقى من الوصل والجفا
 
يقدّر ما نلقى من القرب والبعد
أذلك بيت أم كناس يهابه
 
ويرهب غزلاناً به أفتك الأسد
فأيان أيان السلامة منكم
 
وليس لطغيان الملاحة من صد
أعوذ بربّ الجنّ منكم وإنني
 
لأعلم أن لا عوذ من سورة الوجد
شفى وكفى أنى محبّ محسّدٌ
 
يساق إليه الإفك في صورة النقد
قضى حبكم أن أجرع اللوم طائعاً
 
وأن أحسب التهيام فنّا من المجد
إذ صرت في غي الهوى ورشاده
 
إماماً فقد تمت أياديكمُ عندي
أجيبوا أكان الحب حلماً تبددت
 
أشعته عند الإقاق من الرقد
أكان صفاكم لمحةً جاد بارق
 
بلألائها في الليل يفجع بالرعد
سأنساكم يوماً وللقلب رجعةٌ
 
على جهله للراجحات من الجد
 
وكلّ ضرام في الغرام إلى خمد
أجيبوا فلى رأيٌ يقرّ إلى مدى
 
قرار الجراز العضب في سدف الغمد
أأنتم رضيتم أن تصير حياتنا
 
أفانين من نسك يكفنُ في زهد
لكم ما أردتم فاذهبوا ثمت اذهبوا
 
إلى الوهد من وادى الخمود أو النجد
ولي ما أراد الحب والحبّ حاكم
 
نرى جوره فينا أبرّ من القصد
بلاده أقوام تعدُّ رزانةً
 
بكل زمانٍ عن هدى الحب مرتد
جمال التماثيل الحسان جمالكم
 
وليس لغادات التماثيل من رفد
فحتام حتام الوفاءُ لصبوةٍ
 
رددتم إلها سؤلها اقبح الردّ
أحبايَ ضاقت بي بلادي وآدني
 
زماني فأولاني من الكرب ما يردى
إذا قلت أيام الشقاء إلى مدى
 
تعاقبن بالأنواء والبرق والرعد
وإن ظمئت روحي إلى الصفو صدني
 
عن الصفو أقوامٌ جبلن على الحقد
ثلاثون عاما أو تزيد قضيتها
 
جواداً ببذل الروح للوطن الفرد
فما نلت حظا من جداه سوى الذي
 
يمنّ به أهل الوشاية والكيد
أمن أجل هذا عشت ما عشت صابرا
 
على وثبات العزم في الزمن الجعد
بلادي بلادي أنت ما أنت إنني
 
أجرّع فيك الصاب ينعت بالشهد
أأنت بلادي أنت صدّقت فاصدقي
 
وعودك يوما للفتى الصادق الوعد
تسابقني فيك الأماني خوادعاً
 
كواذب لا تورى بحل ولا عقد
أساهر في ليلى كتابي ولا أرى
 
لنفسي حظ الساهرين على النرد
فماذا دها الدنيا وماذا أصابها
 
أسفّت فأمست وهي في خمسة القرد
إلى من أسوق الشكو والدهر ما أرى
 
تماثل فيه شامخ القور بالوهد
إلى الوطن الجاني شكوت كما شكا
 
لديغ إلى الصم المؤرّقة الربد
أمثلى يؤذى بالعقوق ولم يكن
 
له غير حفظ العهد في الحب من وكد
بلادي وما هانت على مواطن
 
أبى كان منها في الذؤابة أو جدى
أيشقى الثرى بالماء حتى يعوده
 
أطباء علامون بالجزر والمد
وأظمأ وحدى فيك والنيل ثائر
 
يروز الجسور الشم بالمزق والقد
بلادي أمن جرم جنيت تحولت
 
حياتي إلى وجه من العيش مرمد
لئن كان لي ذنب فذاك تولهى
 
بشرح الذي زوّدت في الدهر من مجد
ستمضى الليالي ثم تمضى ولا يرى
 
جمالك أقوى من غرامي ولا وجدى
بلادي أكان الحب نورا تطاولت
 
عليه غيوم من عقوق ومن جحد
توحدت مقهوراً فما لي إخوةٌ
 
ولا صحبة يقوى برفقتهم زندى
توحدت لا خل أبث شكايتي
 
إليه ولا حب يؤرقه سهدى
إذا آدني الدهر اللئيم بجفوة
 
تحوّل أهلوه على عصبة لدّ
توحدت لا فالأسد يؤنسها الأسى
 
بوحشتها في ظلمة الكثب الجرد
ليصنع زماني ما أراد فلن يرى
 
سوى ساعد يلقاه بالبأس مستد
بناني الذي يبنى الجبال شواهقاً
 
وليس لحصن شاده اللَه من هدّ
فما بال أقوام تهاوت حلومهم
 
يعادون بنّاء الجبال بلا عند
يعدّون أجناداً لحربى بواسلاً
 
وقد جهلوا أنى سألقاهم وحدى
إذا اعتز باللَه القدير مجاهدٌ
 
أذل ألوف الظالمين من الجند
أحباي في مصر الجديدة ما الذي
 
دعاكم إلى تكدير ذيّاكم الورد
به جاد دهر لا يجود فكنتم
 
أضنّ من الدهر المبخّل بالرفد
سقاكم فروّاكم غرامى ولم أجد
 
على عثرات الدهر والوجد من يعدى
تمرّ ليالٍ أو أسابيع لا أرى
 
على شغفى إلا مواعيد لا تجدى
عذرت أحباي الذين تصدّهم
 
فيافٍ سحيقاتٌ عن البر بالوعد
عذرت الألى بالكرخ شطت ديارهم
 
فليس لهم عن عصمة الصبر من بُدّ
فما صبركم أنتم وبيني وبينكم
 
خطى هيناتٌ قد يقدّرن بالعد
إذا صلصل الهتّاف أصبحت عندكم
 
وإن وسوس الهتاف أمسيتُم عندي
بخمسة أرقام تدار أركمُ
 
وترأونني أهون بذلك من جهد
تعالوا ولا تصغوا لأقوال ناصح
 
يسوق الكلام الحر عن خاطر عبد
نصيحةُ بعض الناس غشّ مقنّع
 
وإشفاق بعض الناس ضرب من الحقد
عرفت زماني في بنيه ومن يقم
 
بمسبغةٍ يسبق فلاسفة الهند
 
هدير حميّا الحسن ينصح بالوجد
هو الحسن فليأمر بما شاء ولتكن
 
مشيئته إنا له أطوع الجند
سمعنا ومن يهتف به الحسن يستمع
 
ألا إنّ همس الحسن لحنٌ من الخلد
تعالوا فأوقات الصفاء ذواهبٌ
 
وليس لوقت قد أضعناه من ردّ
تعالوا سراعاً لا تقولوا إلى غد
 
غد عند صدق الشوق دهر من البعد
وإلا ففي مصر الجديدة أنجمٌ
 
زواهر ترجو أن يكون لها ودّي
أبغدادُ في عهد الرشيد تأرّجت
 
بأطيب من أنفاسها وهي في عهدي