الرئيسيةبحث

تفسير البحر المحيط أبي حيان الغرناطي /سورة الجمعة

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } السفر: الكتاب المجتمع الأوراق منضدة. {يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَافِي ٱلاْرْضِ *ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ * هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى * ٱلامّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ * يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْوَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ *ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِيَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ }. هذه السورة مدنية. وقيل: مكية، وهو خطأ، لأنأمر اليهود وانفضاض الناس في الجمعة لم يكن إلا بالمدينة. ومناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر تأييد من آمنعلى أعدائهم، أتبعه بذكر التنزيه لله تعالى وسعة ملكه وتقديسه، وذكر ما أنعم به على أمّة محمد صلى الله عليهوسلم من بعثته إليهم، وتلاوته عليهم كتابه، وتزكيتهم، فصارت أمّته غالبة سائر الأمم، قاهرة لها، منتشرة الدعوة، كما انتشرت دعوةالحواريين في زمانهم. وقرأ الجمهور: {ٱلْمَلِكُ } بجرّه وجر ما بعده؛ وأبو وائل ومسلمة بن محارب ورؤبة وأبو الدّينار الأعرابي:بالرفع على إضمار هو، وحسنه الفصل الذي فيه طول بين الموصوف والصفة، وكذلك جاء عن يعقوب. وقرأ أبو الدينار وزيدبن عليّ: القدوس بفتح القاف؛ والجمهور: بالضم. {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ } الآية: تقدم الكلام في نظيرها في آل عمران وفينسبة الأمّي. {وَءاخَرِينَ }: الظاهر أنه معطوف على {ٱلامّيّينَ }، أي وفي آخرين من الأمّيين لم يلحقوا بهم بعد،وسيلحقون. وقيل: {وَءاخَرِينَ } منصوب معطوف على الضمير في {وَيُعَلّمُهُمُ }، أسند تعليم الآخرين إليه عليه الصلاة والسلام مجازاً لماتناسق التعليم إلى آخر الزمان وتلا بعضه بعضاً، فكأنه عليه الصلاة والسلام وجد منه. وقال أبو هريرة وغيره: وآخرين همفارس، وجاء نصاً عنه في صحيح البخاري ومسلم، ولو فهم منه الحصر في فارس لم يجز أن يفسر به الآية،ولكن فهم المفسرون منه أنه تمثيل. فقال مجاهد وابن جبير: الروم والعجم. وقال مجاهد أيضاً وعكرمة ومقاتل: التابعين من أبناءالعرب لقوله: {مِنْهُمْ }، أي في النسب. وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن حبان: طوائف من الناس. وقال ابن عمر: أهلاليمن. وعن مجاهد أيضاً: أبناء الأعاجم؛ وعن ابن زيد أيضاً: هم التابعون؛ وعن الضحاك أيضاً: العجم؛ وعن أبي روق: الصغاربعد الكبار، وينبغي أن تحمل هذه الأقوال على التمثيل، كما حملوا قول الرسول ﷺ في فارس: {وَهُوَٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } في تمكينه رجلاً أمّياً من ذلك الأمر العظيم، وتأييده واختياره من سائر البشر. {ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ}: أي إيتاء النبوة وجعله خير خلقه واسطة بينه وبين خلقه. {مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }: هم اليهود المعاصرون للرسولﷺ، كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها، ولم يطيقوا القيام بها حين كذّبوا الرسول ﷺ، وهيناطقة بنبوته. وقرأ الجمهور: حملوا مشدداً مبنياً للمفعول؛ ويحيـى بن يعمرو وزيد بن عليّ: مخففاً مبنياً للفاعل. شبه صفتهم بصفةالحمار الذي يحمل كتباً، فهو لا يدري ما عليه، أكتب هي أم صخر وغير ذلك؟ وإنما يدرك من ذلك مايلحقه من التعب بحملها. وقال الشاعر في نحو ذلك:

زوامل للأشعار لا علم عندهم     بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا

وقرأ عبد الله: حمار منكراً؛ والمأمون بن هارون: يحمل بشد الميم مبنياً للمفعول. والجمهور: الحمار معرفاً، ويحمل مخففاً مبنياًللفاعل، ويحمل في موضع نصب على الحال. قال الزمخشري: أو الجر على الوصف، لأن الحمار كاللئيم في قوله:

ولقـد أمـر علـى اللئيـم يسبنـي    

انتهى. وهذا الذي قاله قد ذهب إليه بعض النحويين، وهو أن مثل هذا من المعارف يوصفبالجمل، وحملوا عليه { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } ، وهذا وأمثاله عند المحققين في موضع الحال، لا في موضعالصفة. ووصفه بالمعرفة ذي اللام دليل على تعريفه مع ما في ذلك المذهب من هدم ما ذكره المتقدمون من أنالمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة، والجمل نكرات. {بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ }. قال الزمخشري: بئس مثلاً مثل القوم. انتهى. فخرجه علىأن يكون التمييز محذوفاً، وفي بئس ضمير يفسره مثلاً الذي ادعى حذفه. وقد نص سيبويه على أن التمييز الذي يفسرهالضمير المستكن في نعم وبئس وما أجري مجراهما لا يجوز حذفه. وقال ابن عطية: والتقدير بئس المثل مثل القوم. انتهى.وهذا ليس بشيء، لأن فيه حذف الفاعل، وهو لا يجوز. والظاهر أن {مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } فاعل {بِئْسَ }، والذين كفرواهو المخصوص بالذم على حذف مضاف، أي مثل الذين كذبوا بآيات الله، وهم اليهود، أو يكون {ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ } صفةللقوم، والمخصوص بالدم محذوف، التقدير: بئس مثل القوم المكذبين مثلهم، أي مثل هؤلاء الذين حملوا التوراة. روي أنه لماظهر رسول الله ﷺ، كتبت يهود المدينة ليهود خيبر: إن اتبعتموه أطعناكم، وإن خالفتموه خالفناه، فقالوا لهم:نحن أبناء خليل الرحمن، ومنا عزير بن الله والأنبياء، ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بها من محمد، ولاسبيل إلى اتباعه، فنزلت: {قُلْ يٰأَهْلَ * أَيُّهَا * ٱلَّذِينَ هَادُواْ }، وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، وإن كانقولكم حقاً فتمنوا أن تنقلوا سريعاً إلى دار كرامته المعدة لأوليائه، وتقدم تفسير نظير بقية الآية في سورة البقرة. وقرأالجمهور: {فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ }، بضم الواو؛ وابن يعمر وابن أبي إسحاق وابن السميفع: بكسرها؛ وعن ابن السميفع أيضاً: فتحها. وحكىالكسائي عن بعض الأعراب أنه قرأ بالهمز مضمومة بدل الواو، وهذا كقراءة من قرأ: تلؤون بالهمز بدل الواو. قال الزمخشري:ولا فرق بين لا ولن في أن كل واحد منهما نفي للمستقبل، إلا أن في لن تأكيداً وتشديداً ليس فيلا، فأتى مرة بلفظ التأكيد: { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ } ، ومرة بغير لفظه: {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ }، وهذا منه رجوع عن مذهبه فيأن لن تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة في أنها لا تقتضيه، وأما قوله: إلا أن في لن تأكيداًوتشديداً ليس في لا، فيحتاج ذلك إلى نقل عن مستقري اللسان. وقرأ الجمهور: {فَإِنَّهُ }، والفاء دخلت في خبرإن إذا جرى مجرى صفته، فكان إن باشرت الذي، وفي الذي معنى الشرط، فدخلت الفاء في الخبر، وقد منع هذاقوم، منهم الفراء، وجعلوا الفاء زائدة. وقرأ زيد بن علي: إنه بغير فاء، وخرجه الزمخشري على الاستئناف، وخبر إن هوالذي، كأنه قال: قل إن الموت هو الذي تفرون منه. انتهى. ويحتمل أن يكون خبر أن هو قوله: أنه ملاقيكم،فالجملة خبر إن، ويحتمل أن يكون إنه توكيداً، لأن الموت وملاقيكم خبر إن. لما طال الكلام، أكد الحرف مصحوباً بضميرالاسم الذي لإن. {إِذَا نُودِىَ }: أي إذا أذن، وكان الأذان عند قعود الإمام على المنبر. وكذا كان فيزمن الرسول ﷺ، كان إذا صعد على المنبر أذن على باب المسجد، فإذا نزل بعد الخطبة أقيمتالصلاة. وكذا كان في عهد أبي بكر وعمر إلى زمان عثمان، كثر الناس وتباعدت المنازل، فزاد مؤذناً آخر على دارهالتي تسمى الزوراء، فإذا جلس على المنبر أذن الثاني، فإذا نزل من المنبر أقيمت الصلاة، ولم يعب ذلك أحد علىعثمان رضى الله عنه. فإن قلت: من في قوله: {مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } ما هي؟ قلت: هي بيان لإذا وتفسيرله. انتهى. وقرأ الجمهور: الجمعة بضم الميم؛ وابن الزبير وأبو حيوة وابن أبي عبلة، ورواية عن أبي عمرو وزيد بنعلي والأعمش: بسكونها، وهي لغة تميم، ولغة بفتحها لم يقرأ بها، وكان هذا اليوم يسمى عروبة، ويقال: العروبة. قيل: أولمن سماه الجمعة كعب بن لؤي، وأول جمعة صليت جمعة سعد بن أبي زرارة، صلى بهم ركعتين وذكرهم، فسموهم يومالجمعة لاجتماعهم فيه، فأنزل الله آية الجمعة، فهي أول جمعة جمعت في الإسلام. وأما أول جمعة جمعها رسول اللهﷺ، فإنه لما قدم المدينة، نزل بقباء على بني عمرو بن عوف، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاءوالأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة، فأدرك صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف، في بطنواد لهم، فخطب وصلى الجمعة. والظاهر وجوب السعي لقوله تعالى: {فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ }، وأنه يكون في المشي خفةوبدار. وقال الحسن وقتادة ومالك وغيرهم: إنما تؤتى الصلاة بالسكينة، والسعي هو بالنية والإرادة والعمل، وليس الإسراع في المشي، كالسعيبين الصفا والمروة؛ وإنما هو بمعنى قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } ، فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشيكله سعي. والظاهر أن الخطاب بالأمر بالسعي للمؤمنين عموماً، وأنهما فرض على الأعيان. وعن بعض الشافعية، أنها فرض كفاية، وعنمالك رواية شاذة: أنها سنة. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ثبت عن رسول الله ﷺ أنهقال: الرواح إلى الجمعة واجب على كل مسلم . وقالوا: المأمور بالسعي المؤمن الصحيح الحر الذكر المقيم. فلو حضر غيره أجزأتهم.انتهى. والمسافة التي يسعى منها إلى صلاة الجمعة لم تتعرض الآية لها، واختلف الفقهاء في ذلك. فقال ابن عمرووأبو هريرة وأنس والزهري: ستة أميال. وقيل: خمسة. وقال ربيعة: أربعة أميال. وروي ذلك عن الزهري وابن المنكدر. وقال مالكوالليث: ثلاثة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: على من في المصر، سمع النداء أو لم يسمع، لا على من هو خارجالمصر، وإن سمع النداء. وعن ابن عمر وابن المسيب والزهري وأحمد وإسحاق: على من سمع النداء. وعن ربيعة: على منإذا سمع النداء وخرج من بيته ماشياً أدرك الصلاة. وقرأ كبراء من الصحابة والتابعين: فامضوا بدل {فَٱسْعَوْاْ }، وينبغي أنيحمل على التفسير من حيث أنه لا يراد بالسعي هنا الإسراع في المشي، ففسروه بالمضي، ولا يكون قرآناً لمخالفته سوادما أجمع عليه المسلمون. وذكر الله هنا الخطبة، قاله ابن المسيب، وهي شرط في انعقاد الجمعة عند الجمهور. وقالالحسن: هي مستحبة، والظاهر أنه يجزىء من ذكر الله تعالى ما يسمى ذكراً. قال أبو حنيفة: لو قال الحمد للهأو سبحان الله واقتصر عليه جاز، وقال غيره: لا بد من كلام يسمى خطبة، وهو قول الشافعي وأبي سفيان ومحمدبن الحسن، والظاهر تحريم البيع، وأنه لا يصح. وقال ابن العربي: يفسخ، وهو الصحيح. وقال الشافعي: ينعقد ولا يفسخ، وكلمايشغل من العقود كلها فهو حرام شرعاً، مفسوخ ورعاً. انتهى. وإنما ذكر البيع من بين سائر المحرمات، لأنه أكثر مايشتغل به أصحاب الأسواق، إذ يكثر الوافدون الأمصار من القرى ويجتمعون للتجارة إذا تعالى النهار، فأمروا بالبدار إلى تجارة الآخرة،ونهوا عن تجارة الدنيا، ووقت التحريم من الزوال إلى الفراغ من الصلاة، قاله الضحاك والحسن وعطاء. وقال ناس غيرهم: منوقت أذان الخطبة إلى الفراغ، والإشارة بذلكم إلى السعي وترك البيع، والأمر بالانتشار والابتغاء أمر إباحة، وفضل الله هو مايلبسه في حالة حسنة، كعيادة المريض، وصلة صديق، واتباع جنازة، وأخذ في بيع وشراء، وتصرفات دينية ودنيوية؛ فأمر مع ذلكبإكثار ذكر الله. وقال مكحول والحسن وابن المسيب: الفضل: المأمور بابتغائه هو العلم. وقال جعفر الصادق: ينبغي أن يكون فجرصبح يوم السبت، ويعني أن يكون بقية يوم الجمعة في عبادة. وروي أنه كان أصاب أهل المدينة جوع وغلاءسعر، فقدم دحية بعير تحمل ميرة. قال مجاهد: وكان من عرفهم أن يدخل بالطبل والمعازف من درابها، فدخلت بها، فانفضواإلى رؤية ذلك وسماعه، وتركوه ﷺ قائماً على المنبر في اثني عشر رجلاً. قال جابر: أنا أحدهم.قال أبو بكر غالب بن عطية: هم العشرة المشهود لهم بالجنة، والحادي عشر قيل: عمار. وقيل: ابن مسعود. وقيل: ثمانية،قالوا: فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً }. وقرأ الجمهور: {إِلَيْهَا } بضمير التجارة؛ وابن أبي عبلة: إليه بضمير اللهو، وكلاهما جائز،نص عليه الأخفش عن العرب. وقال ابن عطية: وقال إليها ولم يقل إليهما تهمماً بالأهم، إذ كانت سبب اللهو، ولميكن اللهو سببها. وتأمّل أن قدّمت التجارة على اللهو في الرؤية لأنها أهم، وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولاً علىالأبين. انتهى. وفي قوله: {قَائِمَاً } دلالة على مشروعية القيام في الخطبة. وأول من استراح في الخطبة عثمان، وأول منخطب جالساً معاوية. وقرىء: إليهما بالتثنية للضمير، كقوله تعالى: { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } ، وتخريجه علىأن يتجوّز بأو، فتكون بمعنى الواو، وقد تقدّم غير هذا التخريج في قوله: {فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } في موضعه فيسورة النساء. وناسب ختمها بقوله: {وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرزِقِينَ }، لأنهم كانوا قد مسهم شيء من غلاء الأسعار، كما تقدم فيسبب النزول، وقد ملأ المفسرون كثيراً من أوراقهم بأحكام وخلاف في مسائل الجمعة مما لا تعلق لها بلفظ القرآن.