{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } فسح في المجلس: وسع لغيره. {قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَاوَتَشْتَكِى إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ٱلَّذِينَ }. هذه السورة مدنية. قال الكلبي: إلا قوله:{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ }. وعن عطاء: العشر الأول منها مدني وباقيها مكي. قرأ الجمهور: {قَدْسَمِعَ } بالبيان؛ وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن: بالإدغام، قال خلف بن هشام البزار: سمعت الكسائي يقول: من قرأقد سمع، فبين الدال عند السين، فلسانه أعجمي ليس بعربي، ولا يلتفت إلى هذا القول؛ فالجمهور على البيان. والتي تجادلخولة بنت ثعلبة، ويقال بالتصغير، أو خولة بنت خويلد، أو خولة بنت حكيم، أو خولة بنت دليج، أو جميلة، أوخولة بنت الصامت، أقوال للسلف. وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة. وقيل: سلمةبن صخر البياضي ظاهر من امرأته. قالت زوجته: يا رسول الله، أكل أوس شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت وماتأهلي ظاهر مني، فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه ، فقالت: يا رسول الله لا تفعل، فإني وحيدة ليسلي أهل سواه، فراجعها بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال ذلك تقول: اللهم إن لي منه صبيةصغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها. قالتعائشة رضي الله تعالى عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات. كان بعض كلام خولة يخفى عليّ، وسمع الله جدالها، فبعثرسول الله ﷺ إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار: «العتق»، فقال: ما أملك، و«الصوم»، فقال: ما أقدر،و«الاطعام»، فقال: لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه ﷺ بخمسة عشر صاعاً ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسكأهله. وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت علىه ويقول: قد سمع الله لها. وقال الزمخشري: معنىقد: التوقع، لأنه ﷺ والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرحعنها. انتهى. وقرأ الحرميان وأبو عمرو: يظهرون بشدّهما؛ والأخوان وابن عامر: يظاهرون مضارع ظاهر؛ وأبيّ: يتظاهرون، مضارع تظاهر؛ وعنه:يتظهرون، مضارع تظهر؛ والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارةإلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان. والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمّه، ولذلك تقول العرب في مقابلةذلك: نزلت عن امرأتي، أي طلقتها. وقوله: {مّنكُمْ }، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان منإيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم. وقرأ الجمهور: {أُمَّهَـٰتِهِمْ }، بالنصب على لغة الحجاز؛ والمفضل عن عاصم: بالرفععلى لغة تميم؛ وابن مسعود: بأمهاتهم، بزيادة الباء. قال الزمخشري: في لغة من ينصب. انتهى. يعني أنه لا تزاد الباءفي لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري. وزيادة الباء في مثل: ما زيد بقائم، كثير فيلغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا عليّ الفارسي رحمه الله. ولما كان معنى كظهر أمي: كأمي في التحريم، ولايراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله: {مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ }، ثم أكد ذلك بقوله: {أُمَّهَـٰتِهِمْ إِنْ}: أي حقيقة، {إِلاَّ ٱللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ } وألحق بهنّ في التحريم أمّهات الرضاع وأمّهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليهوسلم، والزوجات لسن بأمّهات حقيقة ولا ملحقات بهنّ. فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور: كذب باطلمنحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدّاً، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى بعده بقوله: {وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} مع الكفارة. وقال الزمخشري: {وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } لما سلف منه إذ تاب عنه ولم يعد إليه. انتهى،وهي نزغة اعتزالية. والظاهر أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. فلو قال: أنت عليّ كظهر أختي أو ابنتي،لم يكن ظهاراً، وهو قول قتادة والشعبي وداود، ورواية أبي ثور عن الشافعي. وقال الجمهور: الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوريوأبو حنيفة ومالك والشافعي في قول هو ظهار، والظاهر أن الذمي لا يلزمه ظهاره لقوله: {مّنكُمْ }، أي من المؤمنينوبه قال أبو حنيفة والشافعي لكونها ليست من نسائه. وقال مالك: يلزمه ظهاره إذا نكحها، ويصح من المطلقة الرجعية. وقال:المزني لا يصح. وقال بعض العلماء: لا يصح ظهار غير المدخول بها، ولو ظاهر من أمته التي يجوز له وطئها،لزمه عند مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزم، وسبب الخلاف هو: هل تندرج في نسائهم أم لا؟ والظاهر صحةظهار العبد لدخوله في يظهرون منكم، لأنه من جملة المسلمين، وإن تعذر منه العتق والإطعام، فهو قادر على الصوم. وحكىالثعلبي عن مالك أنه لا يصح ظهاره، وليست المرأة مندرجة في الذين يظهرون، فلو ظاهرت من زوجها لم يكن شيئاً.وقال الحسن بن زياد: تكون مظاهرة. وقال الأوزاعي وعطاء وإسحاق وأبو يوسف: إذا قالت لزوجها أنت عليّ كظهر فلانة، فهييمين تكفرها. وقال الزهري: أرى أن تكفر كفارة الظاهر، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها. والظاهرأن قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ }: أن يعودوا للفظ الذي سبق منهم، وهو قول الرجل ثانياً: أنت منيكظهر أمي، فلا تلزم الكفارة بالقول، وإنما تلزم بالثاني، وهذا مذهب أهل الظاهر. وروي أيضاً عن بكير بن عبد اللهبن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة: وهو قول الفراء. وقال طاووس وقتادة والزهري والحسن ومالك وجماعة: {لِمَا قَالُواْ }: أيللوطء، والمعنى: لما قالوا أنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهر ثم وطىء، فحينئذ يلزمه الكفارة، وإن طلق أو ماتت. وقالأبو حنيفة ومالك أيضاً والشافعي وجماعة: معناه يعودون لما قالوا بالعزم على الإمساك والوطء، فمتى عزم على ذلك لزمته الكفارة،طلق أو ماتت. قال الشافعي: العود الموجب للكفارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار، ويمضي بعده زمان يمكن أن يطلقهافيه فلا يطلق. وقال قوم: المعنى: والذين يظهرون من نسائهم في الجاهلية، أي كان الظهار عادتهم، ثم يعودون إلى ذلكفي الإسلام، وقاله القتبي. وقال الأخفش: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: فتحرير رقبة لما قالوا، وهذا قول ليس بشيء لأنه يفسدنظم الآية. {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }، والظاهر أنه يجزىء مطلق رقبة، فتجزىء الكافرة. وقال مالك والشافعي: شرطها الإسلام، كالرقبة فيكفارة القتل. والظاهر إجزاء المكاتب، لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه: وإن عتق نصفي عبدينلا يجزىء. وقال الشافعي: يجزىء. {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا }: لا يجوز للمظاهر أن يطأ حتى يكفر، فإن فعل عصى،ولا يسقط عنه التكفير. وقال مجاهد: يلزمه كفارة أخرى. وقيل: تسقط الكفارة الواجبة عليه، ولا يلزمه شيء. وحديث أوس بنالصامت يرد على هذا القول، وسواء كانت الكفارة بالعتق أم الصوم أم الإطعام. وقال أبو حنيفة: إذا كانت بالإطعام، جازله أن يطأ ثم يطعم، وهو ظاهر قوله: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً }، إذ لم يقل فيه: {مّنقَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا }، وقيد ذلك في العتق والصوم. والظاهر في التماس الحقيقة، فلا يجوز تماسهما قبلة أو مضاجعة أوغير ذلك من وجوه الاستمتاع، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي. وقال الأكثرون: هو الوطء، فيجوز له الاستمتاع بغيره قبلالتكفير، وقاله الحسن والثوري، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. والضمير في {يَتَمَاسَّا } عائد على ما عاد عليه الكلام منالمظاهر والمظاهر منها. {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ }: إشارة إلى التحرير، أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار. {فَمَن لَّمْيَجِدْ }: أي الرقبة ولا ثمنها، أو وجدها، أو ثمنها، وكان محتاجاً إلى ذلك، فقال أبو حنيفة: يلزمه العتق ولوكان محتاجاً إلى ذلك، ولا ينتقل إلى الصوم، وهو الظاهر. وقال الشافعي: ينتقل إلى الصوم. والشهران بالأهلة، وإن جاء أحدهماناقصاً، أو بالعدد لا بالأهلة، فيصوم إلى الهلال، ثم شهراً بالهلال، ثم يتم الأول بالعدد. والظاهر وجوب التتابع، فإن أفطربغير عذر استأنف، أو بعذر من سفر ونحوه. فقال ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي ومالكوالشافعي: في أحد قوليه يبني. وقال النخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري وأصحاب الرأي والشافعي: في أحد قوليه. والظاهرأنه إن وجد الرقبة بعد أن شرع في الصوم، أنه يصوم ويجزئه، وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه:يلزمه العتق، ولو وطىء في خلال الصوم بطل التتابع ويستأنف، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال الشافعي: يبطل إن جامعنهاراً لا ليلاً. {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } لصوم لزمانة به، أو كونه يضعف به ضعفاً شديداً، كما جاء فيحديث أوس لما قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله يا رسول الله إني إذا لم آكل فياليوم والليلة ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني. والظاهر مطلق الإطعام، وتخصصه ما كانت العادة في الإطعام وقتالنزول، وهو ما يشبع من غير تحديد بمدّ. ومذهب مالك أنه مد وثلث بالمدّ النبوي، ويجب استيعاب العدد ستين عندمالك والشافعي، وهو الظاهر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لو أطعم مسكيناً واحداً كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه.{ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ }، قال ابن عطية: إشارة إلى الرجعة والتسهيل في الفعل من التحرير إلى الصوم والإطعام. ثم شدّد تعالىبقوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ }: أي فالزموها وقفوا عندها. ثم توعد الكافرين بهذا الحكم الشرعي. وقال الزمخشري: ذلك البيان والتعليمللأحكام والتنبيه عليها، لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه التي شرعها في الظهار وغيره، ورفض ما كنتم عليه من جاهليتكم،{وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } التي لا يجوز تعديها، {وَلِلْكَـٰفِرِينَ } الذين لا يتبعونها ولا يعملون عليها {عَذَابٌ أَلِيمٌ }. انتهى.{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }: نزلت في مشركي قريش، أخزوا يوم الخندق بالهزيمة، كما أخزى من قاتل الرسلمن قبلهم. ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر المحادّين المخالفين لها، والمحادة: المعاداة والمخالفة في الحدود. {*كتبوا}، قال قتادة:أخزوا. وقال السدي: لعنوا. قيل: وهي لغة مذحج. وقال ابن زيد وأبو روق: ردّوا مخذولين. وقال الفراء: غيظوا يوم الخندق.{كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }: أي من قاتل الأنبياء. وقيل: يوم بدر. وقال أبو عبيدة والأخفش: أهلكوا. وعنأبي عبيدة: التاء بدل من الدال، أي كبدوا: أصابهم داء في أكبادهم. قيل: والذين من قبلهم منافقو الأمم. قيل: وكبتوابمعنى سيكبتون، وهي بشارة للمؤمنين بالنصر. وعبر بالماضي لتحقق وقوعه، وتقدّم الكلام في مادة كبت في آل عمران. {وَقَدْأَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } على صدق محمد ﷺ، وصحة ما جاء به. {وَلِلْكَـٰفِرِينَ }: أي الذين يحادّونه،{عَذَابٌ مُّهِينٌ }: أي يهينهم ويذلهم. والناصب ليوم يبعثهم العامل في للكافرين أو مهين أو اذكر أو يكون على أنهجواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء؟ فقيل له: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ }: أي يكون يوم يبعثهم الله، وانتصب {جَمِيعاً} على الحال: أي مجتمعين في صعيد واحد، أو معناه كلهم، إذ جميع يحتمل ذينك المعنيين؛ {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ }،تخجيلاً لهم وتوبيخاً. {أَحْصَـٰهُ } بجميع تفاصيله وكميته وكيفيته وزمانه ومكانه. {وَنَسُوهُ } لاستحقارهم إياه واحتقارهم أنه لا يقع عليهحساب. {شَهِيدٌ }: لا يخفى عليه شيء. وقرأ الجمهور: ما يكون بالياء؛ وأبو جعفر وأبو حيوة وشيبة: بالتاء لتأنيث النجوى.قال صاحب اللوامح: وإن شغلت بالجار، فهي بمنزلة: ما جاءتني من امرأة، إلا أن الأكثر في هذا الباب التذكيرعلى ما في العامة، يعني القراءة العامة، قال: لأنه مسند إلى {مِن نَّجْوَىٰ } وهو يقتضي الجنس، وذلك مذكر. انتهى.وليس الأكثر في هذا الباب التذكير، لأن من زائدة. فالفعل مسند إلى مؤنث، فالأكثر التأنيث، وهو القياس، قال تعالى: { وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايَـٰتِ رَبّهِمْ } { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } ، ويكون هنا تامة، ونجوى احتمل أن تكونمصدراً مضافاً إلى ثلاثة، أي من تناجي ثلاثة، أو مصدراً على حذف مضاف، أي من ذوي نجوى، أو مصدراً أطلقعلى الجماعة المتناجين، فثلاثة: على هذين التقديرين. قال ابن عطية: بدل أو صفة. وقال الزمخشري: صفة. وقرأ ابن أبي عبلةثلاثة وخمسة بالنصب على الحال، والعامل يتناجون مضمرة يدل عليه نجوى. وقال الزمخشري: أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها منالمستكن فيه. وقال ابن عيسى: كل سرار نجوى. وقال ابن سراقة: السرار ما كان بين اثنين، والنجوى ما كان بينأكثر. قيل: نزلت في المنافقين، واختص الثلاثة والخمسة لأن المنافقين كانوا يتناجون على هذين العددين مغايظة لأهل الإيمان؛ والجملة بعدإلا في المواضع الثلاثة في موضع الحال، وكونه تعالى رابعهم وسادسهم ومعهم بالعلم وإدراك ما يتناجون به. وقال ابن عباس:نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية، تحدّثوا فقال أحدهم: أترى الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلمبعضاً ولا يعلم بعضاً، فقال الثالث: إن كان يعلم بعضاً فهو يعلمه كله. {وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ }: إشارةإلى الثلاثة والخمسة، والأدنى من الثلاثة الاثنين، ومن الخمسة الأربعة؛ ولا أكثر يدل على ما يلي الستة فصاعداً. وقرأ الجمهور:{وَلاَ أَكْثَرَ } عطفاً على لفظ المخفوض؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش وأبو حيوة وسلام ويعقوب: بالرفع عطفاً على موضعنجوى إن أريد به المتناجون، ومن جعله مصدراً محضاً على حذف مضاف، أي ولا نجوى أدنى، ثم حذف وأقيم المضافإليه مقامه فأعرب بإعرابه. ويجوز أن يكون {وَلاَ أَدْنَىٰ } مبتدأ، والخبر {إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ }، فهو من عطف الجمل،وقرأ الحسن أيضاً ومجاهد والخليل بن أحمد ويعقوب أيضاً: ولا أكبر بالباء بواحدة والرفع، واحتمل الإعرابين: العطف على الموضع والرفعبالابتداء. وقرىء: {يُنَبّئُهُمُ } بالتخفيف والهمز؛ وزيد بن علي: بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء؛ والجمهور: بالتشديد والهمز وضم الهاء.قوله عز وجل {لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَـٰجَوْنَ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَفِى أَنفُسِهِمْ }. نزلت {أَلَمْ تَرَ } في اليهود والمنافقين. كانوا يتناجون دون المؤمنين، وينظرون إليهم ويتغامزون بأعينهم عليهم،موهمين المؤمنين من أقربائهم أنهم أصابهم شر، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أقرباؤهم. فلما كثر ذلك منهم، شكا المؤمنون إلىرسول الله ﷺ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين، فلم ينتهوا، فنزلت، قاله ابن عباس. وقال مجاهد:نزلت في اليهود. وقال ابن السائب: في المنافقين. وقرأ الجمهور: {وَيَتَنَـٰجَوْنَ }؛ وحمزة وطلحة والأعمش ويحيـى بن وثاب ورويس: وينتجونمضارع انتجى. {بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ }: كانوا يقولون: السام عليك، وهو الموت؛ فيرد عليهم: وعليكم. وتحية الله لأنبيائه: { وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى } . {لَوْلاَ يُعَذّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ }: أي إن كان نبياً، فما له لا يدعوعلينا حتى نعذب بما نقول؟ فقال تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ }. ثم نهى المؤمنين أن يكون تناجيهم مثل تناجي الكفار،وبدأ بالإثم لعمومه، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس، إذ هي ظلامات العباد. ثم ترقى إلى ما هو أعظم، وهو معصيةالرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذا طعن على المنافقين، إذ كان تناجيهم في ذلك. وقرأ الجمهور: {فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ }، وأدغمابن محيصن التاء في التاء. وقرأ الكوفيون والأعمش وأبو حيوة ورويس: فلا تنتجوا مضارع انتجى؛ والجمهور: بضم عين العدوان؛ وأبوحيوة بكسرها حيث وقع؛ والضحاك: ومعصيات الرسول على الجمع. والجمهور: على الإفراد. وقرأ عبد الله: إذا انتجيتم فلا تنتجوا. وألفي {إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ } للعهد في نجوى الكفار {بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوٰنِ }، وكونها {مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ }، لأنه هو الذي يزينها لهم،فكأنها منه. {لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ }: كانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا. {وَلَيْسَ }: أي التناجيأو الشيطان أو الحزن، {بِضَارّهِمْ }: أي المؤمنين، {إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }: أي بمشيئته، فيقضي بالقتل أو الغلبة. وقال ابنزيد: هي نجوى قوم من المسلمين يقصدون مناجاة الرسول ﷺ، وليس لهم حاجة ولا ضرورة. يريدون التبجحبذلك، فيظن المسلمون أن ذلك في أخبار بعد وقاصداً نحوه. وقال عطية العوفي: نزلت في المناجاة التي يراها المؤمن فيالنوم تسوءه، فكأنه نجوى يناجي بها. انتهى. ولا يناسب هذا القول ما قبل الآية ولا ما بعدها، وتقدمت القراءتان فينحو: {لِيَحْزُنَ }. وقرىء: بفتح الياء والزاي، فيكون {ٱلَّذِينَ } فاعلاً، وفي القراءتين مفعولاً. ولما نهى تعالى المؤمنين عنما هو سبب للتباغض والتنافر، أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب، فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية. قال مجاهدوقتادة والضحاك: كانوا يتنافسون في مجلس الرسول ﷺ، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض. وقال ابن عباس: المرادمجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب: كان الصحابة يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهملبعض رغبة في الشهادة، فنزلت. وقرأ الجمهور: {تَفَسَّحُواْ }؛ وداود بن أبي هند وقتادة وعيسى: تفاسحوا. والجمهور: في المجلس؛ وعاصموقتادة وعيسى: {فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ }. وقرىء: في المجلس بفتح اللام، وهو الجلوس، أي توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه. والظاهرأن الحكم مطرد في المجالس التي للطاعات، وإن كان السبب مجلس الرسول. وقيل: الآية مخصوصة بمجلس الرسول عليه الصلاة والسلام،وكذا مجالس العلم؛ ويؤيده قراءة من قرأ {فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ }، ويتأول الجمع على أن لكل أحد مجلساً في بيت الرسولﷺ. وانجزم {يَفْسَحِ ٱللَّهُ } على جواب الأمر في رحمته، أو في منازلكم في الجنة، أو فيقبوركم، أو في قلوبكم، أو في الدنيا والآخرة، أقوال. {وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ }: أي انهضوا في المجلس للتفسح، لأنمريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع. أمروا أولاً بالتفسح، ثم ثانياً بامتثال الأمر فيه إذا ائتمروا. وقالالحسن وقتادة والضحاك: معناه: إذا دعوا إلى قتال وصلاة أو طاعة نهضوا. وقيل: إذا دعوا إلى القيام عن مجلس الرسولﷺ نهضوا، إذ كان عليه الصلاة والسلام أحياناً يؤثر الانفراد في أمر الإسلام. وقرأ أبو جعفر وشيبةوالأعرج وابن عامر ونافع وحفص: بضم السين في اللفظين؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة: بكسرها. والظاهر أن قوله: {وَٱلَّذِينَ أُوتُواْٱلْعِلْمَ } معطوف على {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }، والعطف مشعر بالتغاير، وهو من عطف الصفات، والمعنى: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات،فالوصفان لذات واحدة. وقال ابن مسعود وغيره: تم الكلام عند قوله: {مّنكُمْ }، وانتصب {وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } بفعل مضمرتقديره: ويخص الذين أوتوا العلم درجات، فللمؤمنين رفع، وللعلماء درجات. وقرأ عياش عن أبي عمر وخبير: بما يعملون بالياءمن تحت، والجمهور بالتاء. قوله عز وجل {خَبِيرٌ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَـٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَةًذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ }. {ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ }: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود،عن السدي ومقاتل، أنه ﷺ قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان ، فدخلعبد الله بن أبي بن سلول، وكان أزرق أسمر قصيراً، خفيف اللحية، فقال عليه الصلاة والسلام: علام تشتمني أنت وأصحابك ؟فحلف بالله ما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام له: «فعلت»، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت. والضمير في {مَّـاهُم } عائد على {ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ }، وهم المنافقون: أي ليسوا منكم أيها المؤمنون، {وَلاَ مِنْهُمْ }: أي ليسوا منالذين تولوهم، وهم اليهود. وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما قال عليه الصلاةوالسلام: مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه . وقال ابن عطية: يحتمل تأويلاًآخر، وهو أن يكون قوله: {مَّـا هُم } يريد به اليهود، وقوله: {وَلاَ مِنْهُمْ } يريد به المنافقين، فيجيء فعلالمنافقين على هذا التأويل أحسن، لأنهم تولوا مغضوباً عليهم، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاةصواباً. انتهى. والظاهر التأويل الأول، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم. والضمير في {وَيَحْلِفُونَ } عائد عليهم، فتتناسق الضمائر لهمولا تختلف. وعلى هذا التأويل يكون {مَّـا هُم } استئنافاً، وجاز أن يكون حالاً من ضمير {تَوَلَّوْاْ }. وعلى احتمالابن عطية، يكون {مَّـا هُم } صفة لقوم. {وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ }، إما أنهم ما سبوا، كما روي في سببالنزول، أو على أنهم مسلمون. والكذب هو ما ادعوه من الإسلام. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ }: جملة حالية يقبح عليهم، إذ حلفواعلى خلاف ما أبطنوا، فالمعنى: وهم عالمون متعمدون له. والعذاب الشديد: المعد لهم في الآخرة. وقرأ الجمهور: {أَيْمَـٰنِهِمْ } جمعيمين؛ والحسن: إيمانهم، بكسر الهمزة: أي ما يظهرون من الإيمان، {جَنَّةُ }: أي ما يتسترون به ويتقون المحدود، وهو الترس،{فَصَدُّواْ }: أي أعرضوا، أو صدوا الناس عن الإسلام، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله،أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان، وقتلهم هو سبيل الله فيهم، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمينعن قتلهم. {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مّنَ ٱللَّهِ شَيْئًا }: تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائلآل عمران. {فَيَحْلِفُونَ لَهُ }: أي لله تعالى. ألا ترى إلى قولهم: { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ؟ {كَمَا يَحْلِفُونَلَكُمْ } أنهم مؤمنون، وليسوا بمؤمنين. والعجب منهم، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة، ويجرونه مجرى المؤمنينفي عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كماكان في الدنيا، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْء }: أي شيء نافع لهم. {ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ }: أي أحاط بهممن كل جهة، وغلب على نفوسهم واستولى عليها، وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى: { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } في النساء،وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها، وجمعها غالباً لها، ومنه كان أحوذياً نسيج وحده. وقرأ عمر: استحاذ، أخرجه علىالأصل والقياس، واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال. {فَأَنسَـٰهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ }: فهم لا يذكرونه، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم؛و{حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ }: جنده، قاله أبو عبيدة. {أُوْلَـئِكَ فِى ٱلاْذَلّينَ }: هي أفعل التفضيل، أي في جملة من هو أذلخلق الله تعالى، لا ترى أحداً أذل منهم. وعن مقاتل: لما فتح الله مكة للمؤمنين، والطائف وخيبر وما حولهم،قالوا: نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتمعليها؟ والله إنهم لأكثر عدداً وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت: {كَتَبَ ٱللَّهُ لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى }: {كِتَـٰبَ}: أي في اللوح المحفوظ، أو قضى. وقال قتادة: بمعنى قال، {وَرُسُلِى }: أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثتمنهم بالحجة. {إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ }: ينصر حزبه، {عَزِيزٌ }: يمنعه من أن يذل. {لاَّ تَجِدُ قَوْماً }، قالالزمخشري، من باب التخييل: خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوادون المشركين، والغرض منه أنه لا ينبغيأن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع، ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداءالله. وزاد ذلك تأكيداً بقوله: {وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ }. انتهى. وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم، فنهاهم عن موادتهم.وقال تعالى: { وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَـٰحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } ،ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب، ثم أتى ثالثاً بالإخوان لأنهم بهم التعاضد، كما قيل:
أخاك أخاك إن من لا أخاً له | كساع إلى الهيجاء بغير سلاح |
ثم رابعاً بالعشيرة، لأن بها التناصر، وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلىما دعوا إليه، كما قال:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم | في النائبات على ما قال برهاناً |
وقرأ الجمهور: {كِتَـٰبَ } مبنياً للفاعل، {فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ } نصباً، أي كتب الله. وأبو حيوة والمفضل عن عاصم: كتبمبنياً للمفعول، والإيمان رفع. والجمهور: {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } على الإفراد؛ وأبو رجاء: على الجمع، والمعنى: أثبت الإيمان في قلوبهم وأيدهمبروح منه تعالى، وهو الهدى والنور واللطف. وقيل: الروح: القرآن. وقيل: جبريل يوم بدر. وقيل: الضمير في منه عائد علىالإيمان، والإنسان في نفسه روح يحيا به المؤمن، والإشارة بأولئك كتب إلى الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله. قيل:والآية نزلت في أبي حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: الظاهر أنها متصلة بالآي التي في المنافقين الموالين لليهود. وقيل: نزلتفي ابن أبيّ وأبي بكر الصديق، رضى الله تعالى عنه، كان منه سب للرسول ﷺ، فصكه أبوبكر صكة سقط منها، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: «أوفعلته»؟ قال: نعم، قال: «لا تعد»، قال: والله لو كانالسيف قريباً مني لقتلته. وقيل: في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أُحد، وفي أبيبكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه بن عمير يوم أُحد. وقال ابن شوذب:يوم بدر، وفي عمر قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر، وفي عليّ وحمزة وعبيد بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبةابني ربيعة، والوليد بن عتبة يوم بدر. وقال الواقدي في قصة أبي عبيدة أنه قتل أباه، قال: كذلك يقول أهلالشام، وقد سألت رجالاً من بني فهر فقالوا: توفي أبوه قبل الإسلام. انتهى، يعنون في الجاهلية قبل ظهور الإسلام. وقدرتب المفسرون. {وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } على قصة أبي عبيدة وأبي بكر ومصعب وعمروعليّ وحمزة وعبيد مع أقربائهم، والله تعالى أعلم.