{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } * { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } * { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } * { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } * { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }
يعشو: يعرض، ويعش: يعمى. وقال ابن قتيبة: لم نر أحداً حكى: عشوت عنالشيء: أعرضت عنه، وإنما يقال: تعاشيت عن كذا وتعاميت، إذا تغافلت عنه. وتقول: عشوت إلى النار، إذا استدللت عليها ببصرضعيف. وقيل: عشى يعشى، إذا حصلت الآفة في بصره. وعشا يعشو: نظر المعشى ولا آفة به، كما قال: عرج لمنبه الآفة، وعرج لمن مشى مشيه العرجان من غير عرج. قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره | تجد حير نارٍ عندها خير موقد |
أي: تنظر إليها نظر المعشى، لما يضعف بصر من عظيم الوقود به، ومنه قولحاتم:
أعشو إذا ما جارتي برزت | حتى يواري جارتي الخدر |
الصحفة، قال الجوهري: هيالقصعة، وقال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تسع العشرة، ثم الصحفة تسع الخمسة، ثم المكيلة تسع الرجلين والثلاثة.والصحيفة: الكتاب، والجمع: صحف وصحائف. الكوب، قال قطرب: الإبريق لا عروة له. وقال الأخفش: الإبريق لا خرطوم له، وقيل: كالإبريق،إلا أنه لا أذن له ولا مقبض. قال أبو منصور الجواليقي: إنما كان بغير عروة ليشرب الشارب من أين شاء،لأن العروة ترد الشارب من بعض الجهات. انتهى. وقال عدي:
متكئاً تصفق أبوابه | يسعى عليه العبد بالكوب |
أبرم، قال الفراء: أبرم الأمر: بالغ في إحكامه، وأبرم القاتل، إذا أدهم، وهو القتل الثاني؛ والأول يقالله سجيل، كما قال زهير:
مــن ســجيــل وبــرم |
انتهى. والإبرام: أن يجمع خيطين، ثم يفتلهما فتلاً متقناً؛ والبريم: خيط فيه لونان.{حـم * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ *أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ * وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيّ فِى ٱلاْوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىّإِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ * فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلاْوَّلِينَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ* لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ * ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلاْرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَٱلَّذِى نَزَّلَمِنَ ٱلسَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلازْوٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلاْنْعَـٰمِمَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَاكُنَّا لَهُ }. هذه السورة مكية، وقال مقاتل: إلا قوله:
{ وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا }
.وقال ابن عطية: بإجماع أهل العلم. {إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ }، أي صيرناه، أو سميناه؛ وهو جواب القسم، وهو من الأقسام الحسنةلتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد، ونظيره قول أبي تمام:
وثنـايـاك أنهـا أغـريـض |
وقيل: والكتاب أريد به الكتبالمنزلة، والضمير في جعلناه يعود على القرآن، وإن لم يتقدم له صريح الذكر لدلالة المعنى عليه. وقال الزمخشري: جعلناه، بمعنىصيرناه، معدى إلى مفعولين، أو بمعنى خلقناه معدى إلى واحد، كقوله:
{ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ }
. {وَقُرْءانًا * عَرَبِيّاً }: حال.ولعل: مستعارة لمعنى الإرداة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أي خلقناه عربياً غير عجمي. أراد أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا:
{ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ }
. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في كون القرآن مخلوقاً. {أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ }: اللوح المحفوظ، لأنه الأصل الذيأثبتت فيه الكتب، وهذا فيه تشريف للقرآن، وترفيع بكونه. لديه علياً: على جميع الكتب، وعالياً عن وجوه الفساد. حكيماً: أيحاكماً على سائر الكتب، أو محكماً بكونه في غاية البلاغة والفصاحة وصحة المعاني. قال قتادة وعكرمة والسدي: اللوح المحفوظ: القرآنفيه بأجمعه منسوخ، ومنه كان جبريل ينزل. وقيل: أم الكتاب: الآيات المحكمات، لقوله:
{ هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ }
، ومعناه: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمات التي هي الأم. وقرأ الجمهور: في أم،بضم الهمزة، والإخوان بكسرها، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق، ولم يعزها للإخوان عقلة منه. يقال: ضرب عنكذا، وأضرب عنه، إذا أعرض عنه. والذكر، قال الضحاك وأبو صالح: القرآن، أي افترائي عنكم القرآن. وقولهم: ضرب الغرائب عنالحوض، إذا أدارها ونحاها، وقال الشاعر:
اضرب عنك الهموم طارقها | ضربك بالسيف قونس الفرس |
وقيل: الذكر: الدعاء إلى الله والتخويف من عقابه. قال الزمخشري: والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكاراً؟لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وخلقه قرآناً عربياً لتعقلوه وتعملوا بموجبه. انتهى. وتقدم الكلام معهفي تقديره فعلاً بين الهمزة والفاء في نحو:
{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ }
{ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
؟ وبينها وبين الواو في نحو:
{ أَوَ لَمْ * يَسِيرُواْ }
؟ كما وأن المذهب الصحيح قول سيبويه والنحويين: أن الفاء والواو منوي بهما التقديم لعطف ما بعدهماعلى ما قبلهما، وأن الهمزة تقدمت لكون الاستفهام له صدر الكلام، ولا خلاف بين الهمزة والحرف، وقد رددنا عليه قوله:وقال ابن عباس ومجاهد: المعنى: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وعفواً عن إجرامكم؟ أن كنتم أو من أجل أن كنتمقوماً مسرفين؟ أي هذا لا يصلح. ونحا قتادة إلى أن المعنى صفحاً، أي معفوا عنه، أي نتركه. ثم لا تؤاخذونبقوله ولا بتدبره، ولا تنبهون عليه. وهذا المعنى نظير قول الشاعر:
ثم الصبا صفحاً بساكن ذي الفضا | وبصدع قلبي أن يهب هبوبها |
وقول كثير:
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلةفمن مل منها ذلك الوصل ملت |
وقال ابنعباس: المعنى: أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به؟ وقال الكلبي: أن نترككم هملاً بلا أمر ولا نهي؟وقال مجاهد أيضاً: أن لا نعاقبكم بالتكذيب؟ وقيل: أن نترك الإنزال للقرآن من أجل تكذبيهم؟ وقرأ حسان بن عبد الرحمنالضبغي، والسميط بن عمير، وشميل بن عذرة: بضم الصاد، والجمهور: بفتحها، وهما لغتان، كالسد والسد. وانتصاب صفحاً على أنه مصدرمن معنى أفنضرب، لأن معناه: أفنصفح؟ أو مصدر في موضع الحال، أي صافحين، قالهما الحوفي، وتبعه أبو البقاء. وقال الزمخشري:وصفحاً على وجهين: إما مصدر من صفح عنه، إذا أعرض منتصباً على أنه مفعول له على معنى: أفنعزل عنكم إنزالالقرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم؟ وإما بمعنى الجانب من قولهم: نظر إليه بصفح وجهه. وصفح وجهه على معنى: أفننحيهعنكم جانباً؟ فينصب على الظرف، كما تقول: ضعه جانباً، وامش جانباً. وتعضده قراءة من قرأ صفحاً بالضم. وفي هذه القراءةوجه آخر، وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أي صافحين معرضين. وقال ابن عطية: صفحاً، انتصابهكانتصاب صنع الله. انتهى. يعني أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، فيكون العامل فيه محذوفاً، ولا يظهر هذا الذي قاله،فليس انتصابه انتصاب صنع الله. وقرأ نافع والإخوان: بكسر الهمزة، وإسرافهم كان متحققاً. فكيف دخلت عليه إن الشرطية التي لاتدخل إلا على غير المتحقق، أو على المتحقق الذي أنبهم زمانه؟ قال الزمخشري: هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدرعن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيلفي كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه، استجهالاً له. وقرأ الجمهور:أن بفتح الهمزة، أي من أجل أن كنتم. قال الشاعر:
أتجـزع أن بـان الخـليط المـودع |
وقرأ زيد بن علي: إذ كنتم،بذال مكان النون، لما ذكر خطاباً لقريش، {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ }؟ وكان هذا الإنكار دليلاً على تكذيبهم للرسول، وإنكاراً لماجاء به. آنسه تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة من استهزائهم بالرسل، وأنه تعالى أهلك من كان أشد بطشاً منقريش، أي أكثر عدَداً وعُدداً وجلداً. {وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلاْوَّلِينَ }: أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولينمكذبي الرسل من العقوبة. قال معناه قتادة: وهي العقوبة التي سارت سير المثل، وقيل: مثل الأولين في الكفر والتكذيب، وقريشسلكت مسلكها، وكان مقبلاً عليهم بالخطاب في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ }؟ فأعرض عنهم إلى إخبار الغائب في قوله: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّمِنْهُم بَطْشاً }. {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ }: احتجاج على قريش بما يوجب التناقض، وهو إقرارهم بأن موجد العالمالعلوي والسفلي هو الله، ثم هم يتخذون أصناماً آلهة من دون الله يعبدونهم ويعظمونهم. قال ابن عطية: ومقتضى الجواب أنيقولوا خلقهن الله، فلما ذكر تعالى المعنى، جاءت العبارة عن الله تعالى بالعزيز العليم، ليكون ذلك توطئة لما عدد منأوصافه الذي ابتدأ الإخبار بها، وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش. انتهى. وقال الزمخشري: لينسبن خلقها إلى الذيهذه أوصافه، وليسندنه إليه. انتهى. والظاهر أن: {خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } نفس المحكى من كلامهم، ولا يدل كونهم ذكروا فيمكان خلقهن الله، أن لا يقولوا في سؤال آخر: {خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ }. و{ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ }: من كلامالله، خطاباً لهم بتذكير نعمه السابقة. وكرر الفعل في الجواب في قوله: {خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ }، مبالغة في التوكيد. وفيغير ما سؤال، اقتصروا على ذكر اسم الله، إذ هو العلم الجامع للصفات العلا، وجاء الجواب مطابقاً للسؤال من حيثالمعنى، لا من حيث اللفظ، لأن من مبتدأ. فلو طابق في اللفظ، كان بالاسم مبتدأ، ولم يكن بالفعل. {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}: أي إلى مقاصدكم في السفر، أو تهتدون بالنظر والاعتبار. بقدر: أي بقضاء وحتم في الأزل، أو بكفاية، لا كثيراًفيفسد، ولا قليلاً فلا يجدي. {فَأَنشَرْنَا }: أحيينا به. {بَلْدَةً مَّيْتاً }: ذكر على معنى القطر، وبلدة اسم جنس. وقرأأبو جعفر وعيسى: ميتاً بالتشديد. وقرأ الجمهور: تخرجون: مبنياً للمفعول؛ وابن وثاب، وعبد الله بن جبير المصبح، وعيسى، وابن عامر،والإخوان: مبنياً للفاعل. و{ٱلاْزْوٰجَ }: الأنواع من كل شيء. قيل: وكل ما سوى الله فهو زوج، كفوق، وتحت، ويمين، وشمال،وقدام، وخلف، وماض، ومستقبل، وذوات، وصفات، وصيف، وشتاء، وربيع، وخريف؛ وكونها أزواجاً تدل على أنها ممكنة الوجود، ويدل على أنمحدثها فرد، وهو الله المنزه عن الضد والمقابل والمعارض. انتهى. {وَٱلاْنْعَـٰمُ }: المعهود أنه لا يركب من الأنعام إلاالإبل. ما: موصولة والعائد محذوف، أي ما يركبونه. وركب بالنسبة للعلل، ويتعدى بنفسه على المتعدي بوساطة في، إذ التقدير مايركبونه. واللام في لتستووا: الظاهر أنها لام كي. وقال الحوفي: ومن أثبت لام الصيرورة جاز له أن يقول به هنا.وقال ابن عطية: لام الأمر، وفيه بعد من حيث استعمال أمر المخاطب بتاء الخطاب، وهو من القلة بحيث ينبغي أنلا يقاس عليه. فالفصيح المستعمل: اضرب، وقيل: لتضرب، بل نص النحويون على أنها لغة رديئة قليلة، إذ لا تكاد تحفظإلا قراءة شاذة؛ فبذلك فلتفرحوا بالتاء للخطاب. وما آثر المحدثون من قوله عليه الصلاة والسلام: لتأخذوا مصافاكم، مع احتمال أنالراوي روى بالمعنى، وقول الشاعر:
لتقم أنت يا ابن خير قريش | كي تقضي حوائج المسلمينا |
وزعمالزجاج أنها لغة جيدة، وذلك خلاف ما زعم النحويون. والضمير في ظهوره عائد على ما، كأنه قال: على ظهور ماتركبون، قاله أبو عبيدة؛ فلذلك حسن الجمع، لأن مآلها لفظ ومعنى. فمن جمع، فباعتبار المعنى؛ ومن أفرد فباعتبار اللفظ، ويعني:{مّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلاْنْعَـٰمِ }. وقال الفراء نحواً منه، قال: أضاف الظهور، {ثُمَّ تَذْكُرُواْ }، أي في قلوبكم، {نِعْمَةَ رَبّكُمْ }،معترفين بها مستعظمين لها. لا يريد الذكر باللسان بل بالقلب، ولذلك قابله بقوله: {وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا }،أي تنزهوا الله بصريح القول. وجاء في الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فإذا استوى على الدابة قال: الحمد لله على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا، إلى قوله المنقلبون، وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً، وقالوا: إذا ركب في السفينة قال:{بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} إلى رحيم، ويقال عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين . والقرن: الغالب الضابط المطيق للشيء، يقال: أقرن الشيء، إذا أطاقه. قال ابن هرمة:
وأقرنت ما حملتني ولقلما | يطاق احتمال الصديا دعد الهجر |
وحقيقة أقرنه: وجده، قرينته وما يقرن به:لأن الصعب لا يكون قرينة للضعف. قال الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لذ في قرن | لم يستطع صولة البذل القناعيس |
والقرن: الحبل الذي يقرن به. وقال أبو عبيد: فلان مقرن لفلان، أي ضابط له، والمعنى: أنه ليس لنامن القوة ما نضبط به الدابة والفلك، وإنما الله الذي سخرها. وأنشد قطرب لعمرو بن معد يكرب:
لقد علم القبائل ما عقيل | لنا في النائبات بمقرنينا |
وقرىء: لمقترنين، اسم فاعل من اقترن. {وَإِنَّا إِلَىٰرَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ }: أي راجعون، وهو إقرار بالرجوع إلى الله، وبالبعث، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك،وبعثور الدابة، إذ ركوبها أمر فيه خطر، ولا تؤمن السلامة فيه. فقوله هذا تذكير بأنه مستشعر الصيرورة إلى الله، ومستعدللقائه، فهو لا يترك ذلك من قلبه ولا لسانه. {وَجَعَلُواْ لَهُ }: أي وجعل كفار قريش والعرب له، أي لله.من عباده: أي ممن هم عبيد الله. جزءاً، قال مجاهد: نصيباً وحظاً، وهو قول العرب: الملائكة بنات الله. وقال قتادةجزءاً، أي نداً، وذلك هو الأصنام وفرعون ومن عبد من دون الله. وقيل: الجزء: الإناث. قال بعض اللغويين: يقال أجزأتالمرأة، إذا ولدت أنثى. قال الشاعر:
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب | قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا |
قيل: هذا البيت مصنوع، وكذا قوله:
زوجتهـا مــن بنـات الأوس مـجزئـة |
ولما تقدم أنهم معترفون بأنه تعالى هو خالقالعالم، أنكر عليهم جعلهم لله جزءاً، وقد اعترفوا بأنه هو الخالق، فكيف وصفوه بصفة المخلوق؟ {إِنَّ ٱلإِنْسَـٰنَ لَكَفُورٌ } نعمةخالقه. {مُّبِينٌ }: مظهر لجحوده. والمراد بالإنسان: من جعل لله جزءاً، وغيرهم من الكفرة. قال ابن عطية: ومبين في هذاالموضع غير متعد. انتهى. وليس يتعين ما ذكر، بل يجوز أن يكون معناه ظاهراً لكفران النعم ومظهراً لجحوده، كما قلنا.{أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ }؟ استفهام إنكار وتوبيخ لقلة عقولهم؟ كيف زعموا أنه تعالى اتخذ لنفسه ما أنتم تكرهونهحين أنتم تسود وجوهكم عند التبشير بهن وتئدونهن؟ {وَأَصْفَـٰكُم }: جعل لكم صفوة ما هو محبوب، وذلك البنون. وقوله: {مِمَّايَخْلُقُ }، تنبيه على استحالة الولد، ذكراً كان أو أنثى، وإن فرض اتخاذ الولد، فكيف يختار له الأدنى ويخصكم بالأعلى؟وقدم البنات، لأنه المنكر عليهم لنسبتهن إلى الله، وعرف البنين دون البنات تشريفاً لهم على البنات. {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ }:تقدم تفسير نظيرها في سورة النحل. {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ }: أي ينتقل في عمره حالاً فحالاً في الحلية، وهوالحلي الذي لا يليق إلا بالإناث دون الفحول، لنزينهن بذلك لأزواجهن، وهو إن خاصم، لا يبين لضعف العقل ونقص التدبروالتأمل، أظهر بهذا لحقوقهن وشفوف البنين عليهن. وكان في ذلك إشارة إلى أن الرجل لا يناسب له التزين كالمرأة، وأنيكون مخشوشناً. والفحل من الرجال أبى أن يكون متصفاً بصفات النساء، والظاهر أنه أراد بمن ينشؤ في الحلية: النساء. وقالابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: ويدل عليه قوله: {وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }: أي لا يظهر حجة، ولا يقيمدليلاً، ولا يكشف عما في نفسه كشفاً واضحاً. ويقال: قلما تجد امرأة لا تفسد الكلام، وتخلط المعاني، حتى ذكر عنبعض الناس أنه قال: إذا دخلنا على فلانة، لا تخرج حتى نعلم أن عقلها امرأة. وقال ابن زيد: المراد بمنينشؤ في الحلية: الأصنام، وكانوا يتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة، ويجعلون الحلي على كثيرة منها، ويبعد هذا القول قوله:{وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }، إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإنه كقوله:
عـلى لاحـب لا يـهتدى بمنـاره |
أي: لا منار له فيهتدى به. ومن: في موضع نصب، أي وجعلوا من ينشأ. ويجوزأن يكون في موضع رفع على الابتداء، أي من ينشأ جعلوه لله. وقرأ الجمهور: ينشأ مبنياً للفاعل، والجحدري في قول:مبنياً للمفعول مخففاً، وابن عباس وزيد بن علي والحسن ومجاهد والجحدري: في رواية، والإخوان وحفص والمفضل وإبان وابن مقسم وهارون،عن أبي عمرو: مبنياً للمفعول مشدداً، والحسن: في رواية يناشؤ على وزن يفاعل مبنياً للمفعول، والمناشأة بمعنى الإنشاء، كالمعالاة بمعنىالإعلاء. {وَفِى * ٱلْخِصَامِ }: متعلق بمحذوف تفسيره غير مبين، أي وهو لا يبين في الخصام. ومن أجاز أما زيداً،غير ضارب بأعمال المضاف إليه في غير أجاز أن يتعلق بمبين، أجرى غير مجرى لا. وبتقديم معمول أما بعد لامختلف فيه، وقد ذكر ذلك في النحو. {وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ وَيُسْـئَلُونَ* وَقَالُواْ لَوْ شَاء ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * أَمْ ءاتَيْنَـٰهُمْ كِتَـٰباًمّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَاأَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ }. لميكفهم أن جعلوا لله ولداً، وجعلوه إناثاً، وجعلوهم من الملائكة، وهذا من جهلهم بالله وصفاته، واستخفافهم بالملائكة، حيث نسبوا إليهمالأنوثة. وقرأ عمر بن الخطاب، والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والابنان، ونافع: عند الرحمن، ظرفاً، وهو أدلعلى رفع المنزلة وقرب المكانة لقوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ }
. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وابن جبير، وعلقمة، وباقيالسبعة: عباد الرحمن، جمع عبد لقوله:
{ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }
. وقرأ الأعمش: عباد الرحمن، جمعاً. وبالنصب، حكاها ابن خالويه، قال:وهي في مصحف ابن مسعود كذلك، والنصب على إضمار فعل، أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وأنشؤوا عباد الرحمن إناثاً.وقرأ أبيّ عبد الرحمن: مفرداً، ومعناه الجمع، لأنه اسم جنس. وقرأ الجمهور: وأشهدوا، بهمزة الاستفهام داخلة على شهدوا، ماضياً مبنياًللفاعل، أي أحضروا خلقهم، وليس ذلك من شهادة تحمل المعاني التي تطلب أن تؤدي. وقيل: سألهم الرسول عليه السلام: ما يدريكم أنهم إناث ؟ فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا، ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ وَيُسْـئَلُونَ }عنها، أي في الآخرة. وقرأ نافع: بهمزة داخلة على أشهدوا، رباعياً مبنياً للمفعول بلا مد بين الهمزتين. والمسبى عنه: بمدةبينهما؛ وعليّ بن أبي طالب، وابن عباس، ومجاهد، وفي رواية أبي عمرو، ونافع: بتسهيل الثانية بلا مد؛ وجماعة: كذلك بمدبينهما. وعن عليّ والمفضل، عن عاصم: تحقيقهما بلا مد؛ والزهري وناس: أشهدوا بغير استفهام، مبنياً للمفعول رباعياً، فقيل: المعنى علىالاستفهام، حذفت الهمزة لدلالة المعنى عليها. وقيل: الجملة صفة للإناث، أي إناثاً مشهداً منهم خلقهم، وهم لم يدعوا أنهم شهدواخلقهم، لكن لما ادّعوا لجراءتهم أنهم إناث، صاروا كأنهم ادعوا ذلك وإشهادهم خلقهم. وقرأ الجمهور: إناثاً، وزيد بن عليّ: أنثاً،جمع جمع . قيل: ومعنى وجعلوا: سموا، وقالوا: والأحسن أن يكون المعنى: وصيروا اعتقادهم الملائكة إناثاً، وهذا الاستفهام فيه تهكمبهم، والمعنى: إظهار فساد عقولهم، وأن دعاويهم مجردة من الحجة، وهذا نظير الآية الطاعنة على أهل التنجيم والطبائع:
{ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَلاَ *خَلْقَ أَنفُسِهِمْ }
. وقرأ الجمهور: ستكتب، بالتاء من فوق مبنياً للمفعول. شهادتهم: بالرفع مفرداً؛ والزبيريكذلك، إلا أنه بالياء؛ والحسن كذلك، إلا أنه بالتاء، وجمع شهادتهم؛ وابن عباس، وزيد بن عليّ، وأبو جفعر، وأبو حيوة،وابن أبي عبلة، والجحدري، والأعرج: بالنون مبنياً للفاعل، شهادتهم على الإفراد. وقرأ فرقة: سيكتب بالياء مبنياً للفاعل، أي الله؛ شهادتهم:بفتح التاء. والمعنى: أنه ستكتب شهادتهم على الملائكة بأنوثتهم. ويسألون: وهذا وعيد. {وَقَالُواْ لَوْ شَاء ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ }:الضمير للملائكة. قال قتادة ومقاتل: في آخرين. وقال مجاهد: الأوثان علقوا انتفاء العبادة على المشيئة، لكن العبادة وجدت لما انتفتالمشيئة، فالمعنى: أنه شاء العبادة، ووقع ما شاء، وقد جعلوا إمهال الله لهم وإحسانه إليهم، وهم يعبدون غيره، دليلاً علىأنه يرضى ذلك ديناً. وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة في أواخر الأنعام، وفي الكلام حذف، أي فنحن لا نؤاخذبذلك، إذ هو وفق مشيئة الله، ولهذا قال: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ }، أي بما ترتب على عبادتهم منالعقاب، {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }: أي يكذبون. وقيل: الإشارة بذلك إلى ادعائهم أن الملائكة إناث. وقال الزمخشري: هما كفرتانمضمومتان إلى الكفرات الثلاث، وهم: عبادتهم الملائكة من دون الله، وزعمهم أن عبادتهم بمشيئه، كما يقول إخوانهم المجبرة. انتهى. جعلأهل السنة أخوات للكفرة عباد الملائكة، ثم أورد سؤالاً وجواباً جارياً على ما اختاره من مذهب الاعتزال، يوقف على ذلكفي كتابه، ولما نفى عنهم، علم ترك عقابهم على عبادة غير الله، أي ليس يدل على ذلك عقل. نفى أيضاًأن يدل على ذلك سمع، فقال: {قُلْ أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ } من قبل نزول القرآن، أو من قبل إنذار الرسل، يدلعلى تجويز عبادتهم غير الله، وأنه لا يترتب على ذلك. ثم أخبر تعالى أنهم في ذلك مقلدون لآبائهم، ولا دليللهم من عقل ولا نقل. ومعنى: {عَلَىٰ أُمَّةٍ }: أي طريقة ودين وعادة، فقد سلكنا مسلكهم، ونحن مهتدون في اتباعآثارهم؛ ومنه قول قيس بن الحطيم:
كنا على أمّة آبائنا | ويقتدى بالأول الآخر |
وقرأ الجمهور: أمّة، بضم الهمزة. وقال مجاهد، وقطرب: على ملة. وقال الجوهري: والأمّة: الطريقة، والذي يقال: فلان لا أمّةله: أي لا دين ولا نحلة. قال الشاعر:
وهــل يستــوي ذو أمّــة وكـفـور |
وتقدّم الكلام في أمّة في قوله:
{ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ }
. وقرأ عمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة، والجحدري: بكسر الهمزة، وهي الطريقة الحسنة لغة في الأمّةبالضم، قاله الجوهري. وقرأ ابن عباس: أمّة، بفتح الهمزة، أي على قصد وحال، والخلاف في الحرف الثاني كهو في الأول.وحكى مقاتل: إن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وأبي سفيان، وأبي جهل، وعتبة، وشيبة بن أبي ربيعة من قريش،أي كما قال من قبلهم أيضاً، يسلي رسول الله ﷺ بذلك. والمترف: المنعم، أبطرتهم النعمة، فآثروا الشهوات،وكرهوا مشاق التكاليف. وقرأ الجمهور: قل على الأمر؛ وابن عامر وحفص: قال على الخبر. وقرأ الجمهور: جئتكم، بتاء المتكلم؛ وأبيجعفر، وشيبة، وابن مقسم، والزعفراني، وأبو شيخ الهنائي، وخالد: جئناكم، بنون المتكلمين. والظاهر أن الضمير في قال، أو في قل،للرسول، أي: قل يا محمد لقومك: أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم؟ وهذا تجهيللهم، حيث يقلدون ولا ينظرون في الدلائل. {قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ }، أنت والرسل قبلك. غلب الخطاب على الغيبة. {فَٱنتَقَمْنَامِنْهُمْ } بالقحط والقتل والسبي والجلاء. {فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ } من كذبك. وقال ابن عطية في قال: ضمير يعودعلى النذير، وباقي الآية يدل على أن قل في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد ﷺ، وإنماهي حكاية لما أمر به النذير. ولو: في هذا الموضع، كأنها شرطية بمعنى: إن، كان معنى الآية: أو إن جئتكمبأبين وأوضح مما كان عليه آباؤكم، يصحبكم لجاجكم وتقليدكم، فأجاب الكفار حينئذ من الأمم المكذبة بأنبيائها، كما كذبت بمحمد صلىالله عليه وسلم، ولا يتعين ما قاله، بل الظاهر هو ما قدمناه. {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ}: وذكر العرب بحال جدّهم الأعلى، ونهيه عن عبادة غير الله، وإفراده بالتوحيد والعبادة هزؤاً لهم، ليكون لهم رجوع إلىدين جدهم، إذ كان أشرف آبائهم والمجمع على محبته، وأنه ﷺ لم يقلد أباه في عبادة الأصنام،فينبغي أن تقتدوا به في ترك تقليد آبائكم الأقربين، وترجعوا إلى النظر واتباع الحق. وقرأ الجمهور: برآء، مصدر يستوي فيهالمفرد والمذكر ومقابلهما، يقال: نحن البراء منك، وهي لغة العالية. وقرأ الزعفراني والقورصي، عن أبي جعفر وابن المناذري، عن نافع:بضم الباء؛ والأعمش: برىء، وهي لغة نجد وشيخيه، ويجمع ويؤنث، وهذا نحو: طويل وطوال، وكريم وكرام. وقرأ الاعم5: إني، بنونمشددة دون نون الوقاية؛ والجمهور: إنني، بنونين، الأولى مشددة. والظاهر أن قوله: {إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } استثناء منقطع، إذ كانوالا يعبدون الله مع أصنامهم. وقيل: كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة، فيكون استثناء متصلاً. وعلى الوجهين، فالذي فيموضع نصب، وإذا كان استثناء متصلاً، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم. وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجروراًبدلاً من المجرور بمن، كأنه قال: إنني براء مما تعبدون، إلا من الذي. وأن تكون إلا صفة بمعنى: غير، علىأن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره: إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله:
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }
. انتهى. ووجه البدل لا يجوز، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفيوالنهي والاستفهام. ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له؟ وإنني بريء، جملة موجبة، فلا يصلح أن يفرغالعامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا. وعن الزمخشري: كون بريء، فيه معنى الانتفاء، ومع ذلك فهو موجب لايجوز أن يفرغ لما بعد إلا. وأما تقديره ما نكرة موصوفة، فلم يبقها موصولة، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفةإلا لنكرة. وهذه المسألة فيها خلاف. من النحويين من قال: توصف بها النكرة والمعرفة، فعلى هذا تبقى ما موصولة، ويكونإلا في موضع الصفة للمعرفة، وجعله فطرني في صلة الذي. تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالقللعباد. {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ }: أي يديم هدايتي، وفي مكان آخر:
{ ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ }
، فهو هاديه في المستقبل.والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم، وقيل على الله. والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها،وهي قوله: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى }. وقال قتادة ومجاهد والسدي: لا إله إلا الله، وإنلم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام لقوله:
{ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ }
{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ }
{ هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ }
. وقرأ حميد بن قيس: كلمة، بكسر الكاف وسكون اللام.وقرىء: في عقبه، بسكون القاف، أي في ذريته. وقرىء: في عاقبه، أي من عقبه، أي خلقه. فلا يزال فيهم منيوحد الله ويدعو إلى توحيده. لعلهم: أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. وقرأ الجمهور: بل متعت،بتاء المتكلم، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب. لما قال: {فِى عَقِبِهِ }، قالتعالى: لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم. وقرأ قتادة والأعمش: بل متعت، بتاءالخطاب، ورواها يعقوب عن نافع. قال صاحب اللوامح: وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى. والظاهر أنه من مناجاةمحمد ﷺ، أي: قال يا رب بل متعت. وقرأ الأعمش: متعنا، بنون العظمة، وهي تعضد قراءة الجمهور.{حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ }، وهو القرآن؛ {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ }، هو محمد ﷺ. وقال الزمخشري: فإن قلت:فما وجه من قرأ: بل متعت، بفتح التاء؟ قلت: كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةًفِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، فقال: بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق، حتى شغلهم ذلكعن كلمة التوحيد. وأراد بذلك الإطناب في تعييرهم، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سبباً فيزيادة الشكر والثبات على التوحيد والإيمان، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً، فمثاله: أن يشكو الرجل إساءة من أحسنإليه، ثم يقبل على نفسه فيقول: أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعله.فإن قلت: قد جعل مجيء الحق والرسول غاية للتمتيع، ثم أردفه قوله: {وَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ }، فماطريقة هذا النظم ومؤداه؟ قلت: المراد بالتمتيع: ما هو سبب له، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته. فقال عز وعلا:بل اشتغلوا عن التوحيد {حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ }، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه.ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال: {وَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ }، جاءوا بما هو شر من غفلتهم التي كانواعليها، وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق، ومكابرة الرسول ومعاداته، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه، والإصرار على أفعال الكفرة، والاحتكامعلى حكمة الله في تخير محمد ﷺ من أهل زمانه بقولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍمّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }، وهي الغاية في تشويه صورة أمرهم. انتهى، وهو حسن لكن فيه إسهاب. والضمير في: وقالوا، لقريش،كانوا قد استبعدوا أن يرسل الله من البشر رسولاً، فاستفاض عندهم أمر إبراهيم وموسى وعيسى، وغيرهم من الرسل صلى اللهعليهم. فلما لم يكن لهم في ذلك مدفع، ناقضوا فيما يخص محمداً ﷺ فقالوا: لم كان محمداً،ولم يكن القرآن ينزل على رجل من القريتين عظيم؟ أشاروا إلى من عظم قدره بالسن والقدم والجاه وكثرة المال. وقرىء:على رجل، بسكون الجيم. من القريتين: أي من إحدى القريتين. وقيل: من رجل القريتين، وهما مكة والطائف. قال ابن عباس:والذي من مكة: الوليد بن المغيرة المخزومي، ومن الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. وقال مجاهد: عتبة بن ربيعة،وكنانة بن عبد ياليل. وقال قتادة: الوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثقفي. قال قتادة: بلغنا أنه لم يبق فخذمن قريش إلا ادعاه، وكان الوليد بن المغيرة يسمى ريحانة قريش، وكان يقول: لو كان ما يقول محمد حقاً لنزلعليّ أو على ابن مسعود، يعني عروة بن مسعود، وكان يكنى أبا مسعود. {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ }؟ فيهتوبيخ وتعجيب من جهلهم، كأنه قيل: على اختيارهم وإرادتهم تقسم الفضائل من النبوة وغيرها. ثم في إضافته في قوله: {رَحْمَةِرَبّكَ }، تشريف له ﷺ، وأن هذه الرحمة التي حصلت لك ليست إلا من ربك المصلح لحالكوالمربيك. ثم أخبر تعالى أنه هو الذي قسم المعيشة بينهم، فلم يحصل لأحد إلا ما قسمه تعالى. وإذا كان هوالذي تولى ذلك، وفاوت بينهم، وذلك في الأمر الفاني، فكيف لا يتولى الأمر الخطير، وهو إرسال من يشاء، فليس لكمأن تتخيروا من يصلح لذلك، بل أنتم عاجزون عن تدبير أموركم. وقرأ الجمهور: معيشتهم، على الإفراد؛ وعبد الله، والأعمش، وابنعباس، وسفيان: معائشهم، على الجمع. والجمهور: سخرياً، بضم السين؛ وعمرو بن ميمون، وابن محيصن؛ وابن أبي ليلى، وأبو رجاء، والوليدبن مسلم، وابن عامر: بكسرها، وهو من التسخير، بمعنى: الاستعباد والاستخدام، ليرتفق بعضهم ببعض ويصلوا إلى منافعهم. ولو تولى كلواحد جميع أشغاله بنفسه، ما أطاق ذلك وضاع وهلك. ويبعد أن يكون سخرياً هنا من الهزء، وقد قال بعضهم: أييهزأ الغني بالفقير. وفي قوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا }، تزهيد في الإكباب على طلب الدنيا، وهون على التوكل على الله. وقالمقاتل: فاضلنا بينهم، فمن رئيس ومرؤوس. وقال قتادة: تلقى ضعيف القوة، قليل الحيلة، غني اللسان، وهو مبسوط له؛ وتلقى شديدالحيلة، بسيط اللسان، وهو مقتر عليه. وقال الشافعي، رحمه الله:
ومن الدليل على القضاء وكونه | بؤس الفقير وطيب عيش الأحمق |
ورحمة ربك: قيل النبوة، وقيل: الهداية والإيمان. وقال قتادة والسدي: الجنة خير مما يجمعهؤلاء من حطام الدنيا، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا وما جمع فيها من متاعها. {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةًوٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاًوَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلاْخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ * وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناًفَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءنَا قَالَ يٰلَيْتَ * يٰلَيْتَ بَيْنِيوَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْتَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ فَإِنَّاعَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ * فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ * وَاسْئلْمَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ }. بين تعالى أن منافع الدنيا وطيباتهاحقيرة خسيسة عند الله، أي ولولا أن يرغب الناس في الكفر، إذا رأوا الكافر في سعة، ويصيروا أمة واحدة فيالكفر. قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي: لأعطيناهم من زينة الدنيا كذا وكذا، ولكن تعالى اقتضت حكمته أن يغني ويفقرالكافر والمؤمن. قال ابن عطية: واللام في: لمن يكفر، لام الملك، وفي: لبيوتهم، لام تخصيص. كما تقول: هذا الكساء لزيدلدابته، أي هو لدابته جلس ولزيد ملك، انتهى. ولا يصح ما قاله، لأن لبيوتهم بدل اشتمال أعيد معه العامل، فلايمكن من حيث هو بدل أن تكون اللام الثانية إلا بمعنى اللام الأولى. أما أن يختلف المدلول، فلا واللام فيكليهما للتخصيص. وقال الزمخشري: لبيوتهم بدل اشتمال من قوله: {لِمَن يَكْفُرُ }، ويجوز أن تكونا بمنزلة اللامين في قولك: وهبتله ثوباً لقميصه. انتهى، ولا أدري ما أراد بقوله: ويجوز إلى آخره. وقرأ الجمهور: سقفاً، بضمتين؛ وأبو رجاء: بضم وسكون،وهما جمع سقف، لغة تميم، كرهن ورهن؛ وابن كثير وأبو عمرو: بفتح السين والسكون على الإفراد. وقال الفراء: جمع سقيفة،وقرىء بفتحتين، كأنه لغة في سقف؛ وقرىء: سقوفاً، جمعاً على فعول نحو: كعب وكعوب. وقرأ الجمهور: ومعارج جمع معرج، وطلحة:ومعاريج جمع معراج، وهي المصاعد إلى العلالي عليها، أي يعلون السطوح، كما قال:
{ فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ }
. وقرأ الجمهور:وسرراً، بضم السين؛ وقرىء بفتحها، وهي لغة لبعض تميم وبعض كلب، وذلك في جمع فعيل المضعف إذا كان اسماً باتفاقوصفة نحو: ثوب جديد، وثياب جدد، باختلاف بين النحاة. وهذه الأسماء معاطيف على قوله: {سُقُفاً مّن فِضَّةٍ }، فلا يتعينأن توصف المعاطيف بكونها من فضة. وقال الزمخشري: سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً، كلها من فضة. انتهى، كأنه يرى اشتراك المعاطيففي وصف ما عطفت عليه وزخرفاً. قال الزمخشري: وجعلنا لهم زخرفاً، ويجوز أن يكون الأصل: سقفاً من فضة وزخرف، يعني:بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفاً على محل من فضة. انتهى. والزخرف: الذهب هنا، قاله ابن عباس والحسنوقتادة والسدي. وفي الحديث: إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان . قال ابن عطية: الحسن أحمر، والشهوات تتبعه. انتهى.قال بعض شعرائنا:
وصبغت درعك من دماء كماتهم | لما رأيت الحسن يلبس أحمرا |
وقالابن زيد: الزخرف: أثاث البيت، وما يتخذ له من السرور والنمارق. وقال الحسن: النقوش، وقيل: التزاويق، كالنقش. وقرأ الجمهور: لما،بفتح اللام وتخفيف الميم: هي مخففة من الثقيلة، واللام الفارقة بين الإيجاب والنفي، وما: زائدة، ومتاع: خبر كل. وقرأ الحسن،وطلحة، والأعمش، وعيسى، وعاصم، وحمزة: لما، بتشديد الميم، وإن: نافية، ولما: بمعنى إلا. وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة: لما، بكسراللام، وخرّجوه على أن ما موصولة، والعائد محذوف تقديره: للذي هو متاع كقوله:
{ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِى أَحْسَنَ }
. وإن فيهذا التخريج هي المخففة من الثقيلة، وكل: مبتدأ وخبره في المجرور، أي: وإن كل ذلك لكائن، أو لمستقر الذي هومتاع، ومن حيث هي المخففة من الثقيلة، كان الإتيان باللام هو الوجه، فكان يكون التركيب لكما متاع، لكنه قد تحذفهذه اللام إذا دل المعنى على أن إن هي المخففة من الثقيلة، فلا يجر إلى ذكر اللام الفارقة، ومن ذلكقول الشاعر:
ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن |
يريد: لكانت،ولكنه حذف لأنه لا يتوهم في إن أن تكون نافية، لأن صدر البيت يدل على المدح، وتعين إن لكونها المخففةمن الثقيلة. {وَٱلاْخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ }: أي ونعيم الآخرة، وفيه تحريض على التقوى. وقرأ: ومن يعش، بضم الشين، أييتعام ويتجاهل عن ذكره، وهو يعرف الحق. وقيل: يقل نظره في شرع الله، ويغمض جفونه عن النظر في: {ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ}. والذكر هنا، يجوز أن يراد به القرآن، واحتمل أن يكون مصدراً أضيف إلى المفعول، أي يعش عن أن يذكرالرحمن. وقال ابن عطية: أي فيما ذكر عباده، فالمصدر مضاف إلى الفاعل. انتهى، كأنه يريد بالذكر: التذكير. وقرأ يحيـى بنسلام البصري: ومن يعش، بفتح الشين، أي يعم عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، كقوله:
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ }
. وقرأ زيدبن علي: يعشو بالواو. وقال الزمخشري: على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارىء أن يرفع نقيض.انتهى. ولا يتعين ما قاله، إذ تتخرج هذه القراءة على وجهين: أحدهما: أن تكون من شرطية، ويعشو مجزوم بحذف الحركةتقديراً. وقد ذكر الأخفش أن ذلك لغة بعض العرب، ويحذفون حروف العلة للجازم. والمشهور عند النحاة أن ذلك يكون فيالشعر، لا في الكلام. والوجه الثاني: أن تكون من موصولة والجزم بسببها للموصول باسم الشرط، وإذا كان ذلك مسموعاً فيالذي، وهو لم يكن اسم شرط قط، فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولاً وشرطاً. قال الشاعر:
ولا تحفرن بئراً تريد أخاً بها | فإنك فيها أنت من دونه تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالماًتصبه على رغم عواقب ما صنع |
أنشدهما ابن الأعرابي، وهو مذهب الكوفيين، وله وجه من القياس، وهو: أنه كما شبه الموصول باسمالشرط فدخلت الفاء في خبره، فكذلك يشبه به فينجزم الخبر، إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسبباً عنالصلة بشروطه المذكورة في علم النحو، وهذا لا ينفيه البصريون. وقرأ الجمهور: نقيض، بالنون؛ وعلي، والسلمي، والأعمش، ويعقوب، وأبو عمرو:بخلاف عنه؛ وحماد عن عاصم، وعصمة عن الأعمش، وعن عاصم، والعليمي عن أبي بكر: بالياء، أي يقبض الرحمن؛ وابن عباس:يقبض مبنياً للمفعول. {لَهُ شَيْطَاناً }: بالرفع، أي ييسر له شيطان ويعدله، وهذا عقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح. كمايقال: إن الله يعاقب على المعصية بالتزايد من السيئات. وقال الزمخشري: يخذله، ويحل بينه وبين الشياطين، كقوله:
{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء }
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ }
. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. والظاهر أن ضمير النصب في {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ }عائد على من، على المعنى أعاد أولاً على اللفظ في إفراد الضمير، ثم أعاد على المعنى. والضمير في يصدونهم عائدعلى شيطان وإن كان مفرداً، لأنه مبهم في جنسه، ولكل عاش شيطان قرين، فجاز أن يعود الضمير مجموعاً. وقال ابنعطية: والضمير في قوله: وإنهم، عائد على الشيطان، وفي: ليصدونهم، عائد على الكفار. انتهى. والأولى ما ذكرناه لتناسق الضمائر فيوإنهم، وفي ليصدونهم، وفي ويحسبون، لمدلول واحد، كأن الكلام: وأن العشاة ليصدونهم الشياطين عن السبيل، أي سبيل الهدى والفوز، ويحسبون:أي الكفار. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وقتادة، والزهري، والجحدري، وأبو بكر، والحرميان: حتى إذا جاآنا، على التثنية، أي العاشيوالقرين إعادة على لفظ من والشيطان ، وإن كان من حيث المعنى صالحاً للجمع. وقرأ الأعمش، والأعرج، وعيسى، وابن محيصن،والإخوان: جاءنا على الإفراد، والضمير عائد على لفظ من أعاد أولاً على اللفظ، ثم جمع على المعنى، ثم أفرد علىاللفظ؛ ونظير ذلك:
{ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً }
: أفرد أولاً ثم جمع في قوله: {خَـٰلِدِينَ }، ثم أفرد في قوله: {لَهُ رِزْقاً }. روى أنهمايجعلان يوم البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار قال، أي الكافر للشيطان: {قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَبُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ }. تمنى لو كان ذلك في الدنيا حتى لا يصدّه عن سبيل الله، أو تمنى ذلك في الآخرة،وهو الظاهر، لأنه جواب إذا التي للاستقبال، أي مشرقي الشمس: مشرقها في أقصر يوم من السنة، ومشرقها في أطول يوممن السنة، قاله ابن السائب، أو بعد المشرق، أو المغرب غلب المشرق فثناهما، كما قالوا: العمران في أبي بكر وعمر،والقمران في الشمس والقمر، والموصلان في الجزيرة والموصل، والزهدمان في زهدم وكردم، والعجاجان في رؤبة والعجاج، والأبوان في الأب والأم،وهذا اختيار الفراء والزجاج، ولم يذكره الزمخشري. قال: فإن قلت: فما بعد المشرقين؟ قلت: تباعدهما، والأصل بعد المشرق من المغرب،والمغرب من المشرق، فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية؛ أضاف البعد إليهما. انتهى. وقيل: بعد المشرقين من المغربين، واكتفى بذكر المشرقين.وكأنه في هذا القول يريد مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما. {فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ }: مبالغة منه في ذم قرينه، إذا كان سببإيراده النار. والمخصوص بالذم محذوف، أي فبئس القرين أنت. {وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ }: حكاية حال يقال لهم يوم القيامة، وهيمقالة موحشة حرمتهم روح التأسي، لأنه وقفهم بها على أنه لا ينفعهم التأسي لعظم المصيبة وطول العذاب واستمراره مدته، إذالتأسي راحة كل مصاب في الدنيا في الأغلب. ألا ترى إلى قول الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي | على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن |
فهذا التأسي قد كفاها مؤنة قتل النفس، فنفى الله عنهم الانتفاع بالتأسي؛ وفي ذلك تعذيب لهم ويأسمن كل خير؛ وهذا لا يكون إلا على تقدير أن يكون الفاعل ينفعكم أنكم ومعمولاها، أي ولن ينفعكم اشتراككم فيالعذاب إن لن يخفف عنكم اشتراككم في العذاب. وإذا كان الفاعل غير أن، وهو ضمير، يعود على ما يفهم منالكلام قبله، أي يتمنى مباعدة القرين والتبرؤ منه، ويكون أنكم تعليلاً، أي لاشتراككم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه،وهو الكفر. وقال مقاتل المعنى: ولن ينفعكم اليوم الاعتذار والندم، لأنكم وقرناءكم مشتركون في العذاب، كما اشتركتم في الكفران فيالدنيا. وعلى كون الفاعل غير أن، وهي قراءة الجمهور، لا يتضمن الكلام نفي التأسي. وقرىء: إنكم بالكسر، فدل على إضمارالفاعل، ويقويه حمل أنكم بالفتح على التعليل. واليوم وإذ ظرفان، فاليوم ظرف حال، وإذ ظرف ماض. أما ظرف الحال فقديعمل فيه المستقبل لقربه منه، أو لتجوز في المستقبل، كقوله:
{ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلاْنَ }
، وقول الشاعر:
سأشقـى الآن إذ بــلغت منـاهـا |
وأما إذ فماض لا يعمل فيه المستقبل، فقال الزمخشري: وإذ بدل من اليوم. انتهى. وحمل إذ ظلمتم على معنىإذ تبين ووضح ظلمكم، ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين، ونظيره:
إذا مـا انتسبنـا لـم تـلدنـي لئيمـة |
أي تبين أني ولد كريمة. انتهى. ولا يجوز فيه البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفاً لمامضى من الزمان. فإن جعلت لمطلق الوقت جاز، وتخريجها على البدل، أخذه الزمخشري من ابن جني. قال في مساءلته أباعلي: راجعته فيها مراراً، وآخر ما حصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان، وهما سواء في حكم الله وعلمه، فيكون إذبدلاً من اليوم، حتى كأنها مستقبلة، أو كأن اليوم ماض. وقيل: التقدير بعد إذ ظلمتم، فحذف المضاف للعلم به. وقيل:إذ للتعليل حرفاً بمعنى إن. وقال الحوفي: اليوم ظرف متعلق بينفعكم، ولا يجوز تعلق إذ به، لأنهما ظرفا زمان، يعنيمتغايرين في المعنى تغايراً لا يمكن أن يجتمعا، قال: فلا يصح أن يكون بدلاً من الأخير، يعني لذلك التغاير منكون هذا ظرف حال وهذا ظرف مضى. قال: ولكن تكون إذ متعلقة بما دل عليه المعنى، كأنه قال: ولن ينفعكماجتماعكم، ثم قال: وفاعل ينفعكم الاشتراك. وقيل: الفاعل محذوف تقديره ظلمكم، أو جحدكم، وهو العامل في إذ، لا ضمير الفاعللما ذكر تعالى حال الكفار وما يقال لهم. وكانت قريش تسمع ذلك، فلا تزداد إلا عتواً واعتراضاً، وكان هو/ صلىالله عليه وسلم، يجتهد في تحصيل الإيمان لهم. خاطبة تعالى تسلية له باستفهام تعجيب، أي أن هؤلاء صم، فلا يمكنكإسماعهم، عميٌ حيارى، فلا يمكنك أن تهديهم، وإنما ذلك راجع إليه تعالى. ولما كانت حواسهم لن ينتفعوا بها الانتفاع الذييجري خلاصهم من عذاب الله، جعلوا صماً عمياً حيارى، ويزيد بهم قريشاً، فهم جامعو الأوصاف الثلاثة، ولذلك عاد الضمير عليهمفي قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ }، ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ }الآية. والمعنى: أن قبضناك قبل نصرك عليهم، فإنا منهم منتقمون في الآخرة كقوله:
{ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }
، {أَوْ نُرِيَنَّكَٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ } من العذاب النازل بهم كيوم بدر، {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ }: أي هم في قبضتنا، لا يفوتوننا، وهذاقول الجمهور. وقال الحسن وقتادة: المتوعد هم الأمة، أكرم الله تعالى نبيه عن أن ينتقم منهم في حياته، كما انتقممن أمم الأنبياء في حياتهم، فوقعت النقمة منهم بعد موته عليه السلام في العين الحادثة في صدر الإسلام، مع الخوارجوغيرهم. وقرىء: نرينك بالنون الخفيفة. ولما ردد تعالى بين حياته وموته ﷺ، أمره بأن يستمسك بما أوحاهإليه. وقرأ الجمهور: أوحى مبنياً للمفعول، وبعض قراء الشام: بإسكان الياء، والضحاك: مبنياً للفاعل، وأنه، أي وإن ما أوحينا إليك،{لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }: أي شرف، حيث نزل عليهم وبلسانهم، جعل تبعاً لهم. والقوم على هذا قريش ثم العرب، قالهابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. كان عليه السلام يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: لمن يكون الأمربعدك؟ سكت، حتى نزلت هذه الآية. فكان إذا سئل عن ذلك قال: «لقريش»، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار.وقال الحسن: القوم هنا أمّته، والمعنى: وإنه لتذكرة وموعظة. قيل: وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسنالجميل، ولو لم يكن ذلك مرغوباً فيه، ما امتن به تعالى على رسوله فقال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }. وقالإبراهيم عليه السلام:
{ وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلاْخِرِينَ }
. والذكر الجميل قائم مقام الحياة، بل هو أفضل من الحياة،لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان، وفي كل زمان. انتهى. وقالابن دريد:
وإنما المراد حديث بعده | فكن حديثاً حسناً لمن وعى |
وقال الآخر:
إنما الدنيا محاسنها | طيب ما يبقى من الخبر |
وذكر أن هلاون، ملك التتر، سأل أصحابه:من الملك؟ فقالوا: أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك. فقال: لا الملك هذا، وكان المؤذن إذ ذاكيؤذن، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات؟ يريدمحمداً رسول الله ﷺ. {وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ }، قال الحسن عن شكر هذه النعمة. وقال مقاتل: المراد منكذب به يسأل سؤال توبيخ. {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا }، قيل: هو على ظاهره، وأن جبريل عليهالسلام قال له ليلة الإسراء، حين أم بالأنبياء: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا }، فلم يسألهم، إذ كان أثبت يقيناً، ولم يكنفي شك. وروي ذلك عن ابن عباس، وابن جبير، والزهري، وابن زيد، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل: هل سألمحمد عن ذلك؟ فقال: هو أعظم يقيناً وأوثق إيماناً من أن يسأله ذلك. وقال ابن عباس أيضاً، والحسن، ومجاهد، وقتادة،والسدي، وعطاء: أرادوا سأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم، وليسوا مجتمعين في الدنيا. قال الفراء:هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم، فكأنه سأل الرسل، والسؤال الواقع مجاز عن النظر، حيث لا يصلح لحقيقته،كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال، ومنه: سيد الأرض من شق نهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإنها إن لم تجبكحواراً أجابتك اعتباراً. فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم: هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات، فقيل له: اسأل أيها الناظر أتباع الرسل، أجاءت رسلهمبعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع، ولا يمكن أن يأتوا به. وأبعد من ذهب إلى أن المعنى:واسألني، واسألنا عن من أرسلنا، وعلق واسأل، فارتفع من، وهو اسم استفهام على الابتداء، وأرسلنا خبره في موضع نصب باسألبعد إسقاط الخافض، كان سؤاله: من أرسلت يا رب قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته آلهة تعبد؟ ثم ساق السؤالفحكى المعنى، فرد الخطاب إلى محمد في قوله: {مِن قَبْلِكَ }. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلاَيْهِفَقَالَ إِنّى رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَأَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُواْ يأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ *فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلاْنْهَـٰرُتَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلاَ أُلْقِىَعَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ * فَلَمَّا ءاسَفُونَاٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لّلاْخِرِينَ }. مناسبة هذه الآية لما قبلها من وجهين: أحدهما: أنهلما تقدم طعن قريش على الرسول، واختيارهم أن ينزل القرآن على رجل من القريتين عظيم، أي في الجاه والمال؛ وذكرأن مثل ذلك سبقهم إليه فرعون في قوله: {أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ }؟ إلى آخر الآية، أتبعه بالملك والمال، ففرعونقدوتهم في ذلك، ومع ذلك، فصار فرعون مقهوراً مع موسى منتقماً منه، فكذلك قريش. والوجه الثاني: أنه لما قال: {وَاسْئلْمَنْ أَرْسَلْنَا } الآية، ذكر وقته موسى وعيسى، وهما أكبر إتباعاً ممن سبقهم من الأنبياء، وكل جاء بالدعاء إلى اللهوإفراده بالعبادة، فلم يكن فيما جاء أبداً إباحة اتخاذ آلهة من دون الله، كما اتخذت قريش، فناسب ذكر قصتهما للآيةالتي قبلها. وآيات موسى هي المعجزات التي أتى بها. وخص الملائكة بالذكر، وهم الأشراف لأن غيرهم من الناس تبع.{فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا }، قبله كلام محذوف تقديره: فطالبوه بما يدل على صحة دعواه الرسالة من الله. {فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا}، وهي انقلاب العصا ثعباناً وعودها عصاً، وإخراج اليد البيضاء نيرة، وعودها إلى لونها الأول، {إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ }،أي فاجأهم الضحك بحيث لم يفكروا ولم يتأملوا، بل بنفس ما رأوا ذلك ضحكوا سخرية واستهزاء، كما كانت قريش تضحك.قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة؟ قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدر، وهو عامل النصبفي محلها، كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجؤوا وقت ضحكهم. انتهى. ولا نعلم نحوياً ذهب إلى ما ذهب إليه هذاالرجل، من أن إذا الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر تقديره فاجأ، بل المذاهب فيها ثلاثة: مذهب أنها حرف، فلا تحتاجإلى عامل، ومذهب أنها ظرف مكان، فإن صرح بعد الاسم بعدها بخبر له كان ذلك الخبر عاملاً فيها نحو: خرجتفإذا زيد قائم، فقائم ناصب لإذا، كأن التقدير: خرجت ففي المكان الذي خرجت فيه زيد قائم؛ ومذهب أنها ظرف زمان،والعامل فيه الخبر أيضاً، كأنه قال: ففي الزمان الذي خرجت فيه زيد قائم، وإن لم يذكر بعد الاسم خبر، أوذكر اسم منصوب على الحال، كانت إذا خبراً للمبتدأ. فإن كان المبتدأ جثة، وقلنا إذا ظرف مكان، كان الأمر واضحاً؛وإن قلنا ظرف زمان، كان الكلام على حذف، أي ففي الزمان حضور زيد. وما ادعاه الزمخشري من إضمار فعل المفاجأة،لم ينطق به ولا في موضع واحد. ثم المفاجأة التي ادعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام السابق،بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه إذا. تقول: خرجت فإذا الأسد، والمعنى: ففاجأني الأسد، وليسالمعنى: ففاجأت الأسد. {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا }، قال الزمخشري: فإن قلت: إذا جاءتهمآية واحدة من جملة التسع، فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آيةمثلها، وهذه صفة كل واحدة منهما، فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات. قلت: أختها التي هي آية مثلهاعلى سبيل التفضيل والاستقراء، واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته، تريد تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهمإذا قدرتهم رجلاً. فإن قلت: فهو كلام متناقض، لأن معناه: ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كلواحدة منها، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة، قلت: الغرض بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدنيتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتقارب منازلهم فيه التقارب اليسير، إن تختلف آراء الناس فيتفضيلها فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك، فعلى هذا بنى الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالاً بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفتآراء الرجال الواحد فيها، فتارة يفضل هذا، وتارة يفضل ذاك، ومنه بيت الحماسة:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم | مثل النجوم التي يسري بها الساري |
وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها ثم قالت: لما أبصرتمراتبهم متدانية قليلة التفاوت، ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة، لا يدري أين طرفاها. انتهى، وهو كلامطويل، ملخصه: أن الوصف بالأكبرية مجاز، وأن ذلك بالنسبة إلى الناظرين فيها. وقال ابن عطية: عبارة عن شدة موقعها فينفوسهم بحدة أمرها وحدوثه، وذلك أن آية عرضها موسى، هي العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلككانت تقع فيعظم عندها مجيئها وتكبر، لأنهم كانوا نسوا التي قبلها، فهذا كما قال الشاعر:
على أنها تعفو الكلوم وإنما | يوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي |
وذهب الطبري إلى أن الآيات هنا الحجج والبينات. انتهى. وقيل:كانت من كبار الآيات، وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها؛ فعلى هذا يكون ثم صفة محذوفة، أي من أختهاالسابقة عليها، ولا يبقى في الكلام تعارض، ولا يكون ذلك الحكم في الآية الأولى، لأنه لم يسبقها شيء، فتكون أكبرمنه. وقيل: الأولى تقتضي علماً، والثانية تقتضي علماً منضماً إلى علم الأولى، فيزداد الرجوح. وكنى بأختها: مناسبتها، تقول: هذه الذرةأخت هذه، أي مناسبتها. {وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ }:
{ بِٱلسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ }
و
{ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ }
، وذلك عقابلهم، وآيات لموسى {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن كفرهم. قال الزمخشري: لعلهم يرجعون، أراد أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان. فإنقلت: لو أراد رجوعهم لكان. قلت: إرادته فعل غيره، ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده، فإن كان ذلكعلى سبيل القسر وجد، والإداريين أن يوجد وبين أن لا يوجد على اختيار المكلف، وإنما لم يكن الرجوع، لأن الإرادةلم تكن قسراً ولم يختاروه. انتهى، وهو على طريق الاعتزال. وقال ابن عطية: لعلهم، ترجّ بحسب معتقد البشر وظنهم.{وَقَالُواْ يأَيُّهَا * أَيُّهَ * ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ }: أي في كشف العذاب. قال الجمهور: هو خطاب تعظيم، لأنالسحر كان علم زمانهم، أو لأنهم استصحبوا له ما كانوا يدعون به أولاً، ويكون قولهم: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}: إخبار مطابق مقصود، وقيل: بل خطاب استهزاء وانتقاص، ويكون قولهم: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ }، أي على زعمك، وقوله: و{إِنَّنَالَمُهْتَدُونَ }: إخبار مطابق على شرط دعائه، وكشف العذاب وعهد معزوم على نكثه. ألا ترى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَاهُمْ يَنكُثُونَ }؟ وعلى القول الأول يكون قوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } جارياً على أكثر عادةالناس، إذا مسه الضر تضرع ودعا، وإذا كشف عنه رجع إلى عادته الأولى، كقوله:
{ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }
، ثم إذا كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه. وقوله: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ }، محتملأن يكون من أن دعوتك مستجابة، وفي الكلام حذف، أي فدعا موسى، فكشف {فَلَمَّا كَشَفْنَا }. وقرأ أبو حيوة: ينكثون،بكسر الكاف. {وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ }: جعل القوم محلاً للنداء، والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذيهو وهم يجتمعون فيه، فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط. ويجوز أن يكون أمر بالنداء، فأسند إليه.وسبب ندائه ذلك، أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى ورفع العذاب، خاف ميل القوم إليه، فنادى: {قَالَ يَـاءادَمُ *قَوْمٌ * أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ }، أراد أن يبين فضله على موسى بملك مصر، وهي من إسكندرية إلى أسوان.{وَهَـٰذِهِ ٱلاْنْهَـٰرُ }: أي الخلجان التي تجري من النيل، وأعظمها: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس. والواو في{وَهَـٰذِهِ ٱلاْنْهَـٰرُ } واو الحال، وتجري خبر. وهذه والأنهار صفة، أو عطف بيان. وجوز أن تكون الواو عاطفة على ملكمصر، وتجري حال. من تحتي: أي من تحت قهري وملكي. وقال قتادة: كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره. وقيل:كان له سرير عظيم، وقطع من نيل مصر قطعة قسمها أنهاراً تجري من تحت ذلك السرير. وأبعد الضحاك في تفسيرهالأنهار بالقواد والرؤساء الجبابرة، يسيرون تحت لوائه. ومن فسرها بالأموال، يعرفها من تحت يده. ومن فسرها بالخيل فقيل: كما سمىالفرس بحراً يسمي نهراً. وهذه الأقوال الثلاثة تقرب من تفاسير الباطنية. {أَفلاَ تُبْصِرُونَ } عظمتي وقدرتي وعجز موسى؟ وقرأمهدي بن الصفير: يبصرون، بياء الغيبة؛ ذكره في الكامل للهذلي، والسباعي، عن يعقوب، ذكره ابن خالويه. قال الزمخشري: وليت شعريكيف ارتقت إلى دعوى الربوبية همة من تعاظم بملك مصر؟ وعجب الناس من مدى عظمته، وأمر فنودي بها في أسواقمصر وأزقتها، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير حتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته. وكسرنون {أَفلاَ تُبْصِرُونَ }، عيسى. وعن الرشيد، أنه لما قرأها قال: لأولينها أحسن عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه. وعنعبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها، فلما شارفها ووقع عليها قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتىقال: {أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ }؟ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَاٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ }: الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة، أي بل أنا خير. وهو إذا استفهم أهو خيرممن هو ضعيف؟ لا يكاد يفصح عن مقصوده إذا تكلم، وهو الملك المتحكم فيهم، قالوا له: بلا شك أنت خير.وقال السدي وأبو عبيدة: أم بمعنى بل، فيكون انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير ممن ذكر، كقول الشاعر:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى | وصورتها أم أنت في العين أملح |
وقال سيبويه: أم هذه المعادلة:أي أم يبصرون الأمر الذي هو حقيقي أن يبصر عنده، وهو أنه خير من موسى. وهذا القول بدأ به الزمخشريفقال: أم هذه متصلة، لأن المعنى: أفلا تبصرون؟ أم تبصرون؟ إلا أنه وضع قوله: {أَنَا خَيْرٌ } موضع {تُبْصِرُونَ }،لأنهم إذا قالوا: أنت خير، فهم عنده بصراء، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب. انتهى. وهذا القول متكلف جداً، إذالمعادل إنما يكون مقابلاً للسابق، وإن كان السابق جملة فعلية، كان المعادل جملة فعلية، أو جملة اسمية، يتقدر منها فعليةكقوله
{ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ }
؟ لأن معناه: أم صمتم؟ وهنا لا يتقدر منها جملة فعلية، لأن قوله: {أَمْ أَنَاخَيْرٌ }؟ ليس مقابلاً لقوله: {أَفلاَ تُبْصِرُونَ }؟ وإن كان السابق اسماً، كان المعادل اسماً، أو جملة فعلية يتقدر منهااسم، نحو قوله:
أمخـدج اليـديـن أم أتمـت |
فأتمت معادل للاسم، فالتقدير: أم متماً؟ وقيل: حذف المعادل بعد أم لدلالة المعنىعليه، إذ التقدير: تبصرون، فحذف تبصرون، وهذا لا يجوز إلا إذا كان بعد أم لا، نحو: أيقوم زيد أم لا؟تقديره: أم لا يقوم؟ وأزيد عندك أم لا، أي أم لا هو عندك. فأما حذفه دون لا، فليس من كلامهم.وقد جاء حذف أم والمعادل، وهو قليل. قال الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمرها | سميع فما أدري أرشد طلابها |
يريد أم غيّ. وحكى الفراء أنه قرأ: أما أنا خير، دخلت الهمزة على ما النافية فأفادت التقدير.{وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ }: الجمهور، أنه كان بلسانه بعض شيء من أثر الجمرة. ومن ذهب إلى أن الله كان أجابهفي سؤاله:
{ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى }
، فلم يبق لها أثر جعل انتفاء الإبانة بأنه لا يبين حجته الدالة علىصدقه فيما يدعي، لأنه لا قدرة له على إيضاح المعنى لأجل كلامه. وقيل: عابه بما كان عليه موسى من الخسةأيام كان عند فرعون، فنسب إلى ما عهده مبالغة في التعيير. وقول فرعون: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ }، كذب بحت. ألاترى إلى مناظرته له وردّه عليه وإفحامه بالحجة؟ والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، كلهم بلغاء. وقرأ الباقر: يبين، بفتح الياء، منبان إذا ظهر. {فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ }، قال مجاهد: كانوا إذا سودوا رجلاً، سوروه سوارين وطوقوهبطوق من ذهب، علامة لسودده. قال فرعون: هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقاً؟ وكان ذلكدليلاً على إلقاء مقاليد الملك إليه، لما وصف نفسه بالعزة والملك، ووازن بينه وبين موسى عليه السلام، فوصفه بالضعف وقلةالأعضاد. فاعترض فقال: إن كان صادقاً، فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره؟ وقرأ الضحاك: {فَلَوْلاَ أُلْقِىَ } مبنياً للفاعل،أي الله؛ أساورة نصباً؛ والجمهور: أساورة رفعاً، وأبي وعبد الله: أساوير، والمفرد إسوار بمعنى سوار، والهاء عوض من الياء، كهيفي زنادقة، هي عوض من ياء زناديق المقابلة لياء زنديق، وهذه مقابلة لألف أسوار. وقرأ الحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والأعرج،ومجاهد، وأبو حيوة، وحفص: أسورة، جمع سوار، نحو: خمار وأخمرة. وقرأ الأعمش: أساور. ورويت عن أبي، وعن أبي عمرو، {أَوْجَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }: أي يحمونه ويقيمون حجته. قال ابن عباس: يعينونه على من خالفه. وقال السدي: يقارن بعضهمبعضاً. وقال مجاهد: يمشون معه. وقال قتادة: متتابعين. {فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ }: أي استجهلهم لخفة أحلامهم، قاله ابن الاعرابي. وقالغيره: حملهم على أن يخفوا لما يريد منهم، فأجابوه لفسقهم. {فَلَمَّا ءاسَفُونَا }: منقول بالهمزة من أسف، إذا غضب؛ والمعنى:فلما عملوا الأعمال الخبيثة الموجبة لأن لا يحلم عنهم. وعن ابن عباس: أحزنوا أولياءنا المؤمنين نحو السحرة وبني إسرائيل. وعنهأيضاً: أغضبونا. وعن علي: أسخطونا. وقيل: خالفوا. وقال القشيري وغيره: الغضب من الله، إما إرادة العقوبة، فهو من صفات الذات؛أو العقوبة، فيكون من صفات الفعل. وقرأ الجمهور: سلفاً. قال ابن عباس، وزيد بن أسلم، وقتادة: أي متقدمين إلى النار،وهو مصدر سلف يسلف سلفاً، وسلف الرجل آباؤه المتقدمون، والجمع أسلاف وسلاف. وقيل هو جمع سالف، كحارس وحرس، وحقيقته أنهاسم جمع، لأن فعلا ليس من أبنية الجموع المكسرة. وقال طفيل يرثي قومه:
مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم | صروف المنايا والرجال تقلب |
قال الفراء والزجاج: سلفاً ليتعظ بهم الكفار المعاصرون للرسول. وقرأ أبو عبدالله وأصحابه، وسعيد بن عياض، والأعمش، وطلحة، والأعرج، وحمزة، والكسائي: وسلفاً بضم السين واللام، جمع سليف، وهو الفريق. سمع القاسمبن معن العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأ علي، ومجاهد، والأعرج أيضاً: وسلفاً، بضم السين واللام، جمع سلفة، وهيالأمة والقطيعة. والسلف في غير هذا: ولد القبح، والجمع سلفان. {وَمَثَلاً لّلاْخِرِينَ }: أي حديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل،يحدث به الآخرون من الكفار، يقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون. {وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُيَصِدُّونَ * وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ * مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَإِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً لّبَنِى إِسْرٰءيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـئِكَةً فِى ٱلاْرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌلّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَلَمَّا جَاء عِيسَىٰبِٱلْبَيّنَـٰتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلابَيّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْفَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَٱخْتَلَفَ ٱلاْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * ٱلاْخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ * يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ * ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍمّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* لَكُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ }. لما ذكر تعالى طرفاً من قصة موسى عليه السلام، ذكر طرفاًمن قصة عيسى عليه السلام. وعن ابن عباس وغيره: لما نزل
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ }
، ونزلكيف خلق من غير فحل، قالت قريش: ما أراد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده، كما عبدت النصارى عيسى،فهذا كان صدودهم من ضربه مثلاً. وقيل: ضرب المثل بعيسى، هو ما جرى بين الزبعري وبين الرسول عليه الصلاة والسلامفي القصة المحكية في قوله:
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ }
. وقد ذكرت في سورة الأنبياء في آخرها أن ابن الزبعري قال:فإذا كان هؤلاء أي عيسى وأمه وعزير في النار، فقد وصفنا أن نكون نحن وآلهتنا معهم. وقيل: المثل هو أنالكفار لما سمعوا أن النصارى تعبد عيسى قالوا: آلهتنا خير من عيسى، قال ذلك منهم من كان يعبد الملائكة. وضربمبني للمفعول، فاحتمل أن يكون الفاعل ابن الزبعري، إن صحت قصته، وأن يكون الكفار. وقرأ أبو جعفر، والأعرج، والنخعي، وأبورجاء، وابن وثاب، وعامر، ونافع، والكسائي: يصدون، بضم الصاد، أي يعرضون عن الحق من أجل ضرب المثل. وقرأ ابن عباس،وابن جبير، والحسن، وعكرمة، وباقي السبعة: بكسرها، أي يصيحون ويرتفع لهم حمية بضرب المثل. وروي: ضم الصاد، عن علي، وأنكرهاابن عباس، ولا يكون إنكاره إلا قبل بلوغه تواترها. وقرأ الكسائي، والفراء: هما لغتان بمعنى: مثل يعرشون ويعرشون. {وَقَالُواْءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ }: خفف الكوفيون الهمزتين، وسهل باقي السبعة الثانية بين بين. وقرأ ورش في رواية أبي الأزهر:بهمزة واحدة على مثال الخبر، فاحتمل أن تكون همزة الاستفهام محذوفة لدلالة أم عليها، واحتمل أن يكون خبراً محضاً. حكواأن آلهتهم خير، ثم عنّ لهم أن يستفهموا، على سبيل التنزل من الخبر إلى الاستفهام المقصود به الإفحام، وهذا الاستفهاميتضمن أن آلهتهم خير من عيسى. {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ }: أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا لأجل الجدلوالغلبة والمغالطة، لا لتمييز الحق واتباعه. وانتصب جدلاً على أنه مفعول من أجله، وقيل: مصدر في موضع الحال. وقرأ ابنمقسم: إلا جدالاً؛ بكسر الجيم. وألف خصمون: شديدو الخصومة واللجاج؛ وفعل من أبنية المبالغة نحو: هدى. والظاهر أن الضمير فيأم هو لعيسى، لتتناسق الضمائر في قوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ }. وقال قتادة: يعود على النبي صلى الله عليهوسلم. {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بالنبوة وشرفناه بالرسالة. {وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً } أي خبرة عجيبة، كالمثل {لّبَنِى إِسْرٰءيلَ }، إذ خلق منغير أب، وجعل له من إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والأسقام كلها، ما لم يجعل لغيره في زمانه. وقيل: المنعمعليه هو محمد ﷺ. {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـئِكَةً فِى ٱلاْرْضِ }، قال بعض النحويين: من تكونللبدل، أي لجعلنا بدلكم ملائكة، وجعل من ذلكم قوله تعالى:
{ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة }
، أي بدل الآخرة، وقول الشاعر:
أخذوا المخاض من الفصيل غلية | ظلماً ويكتب للأمير أفالا |
أي بدل الفصيل، وأصحابنا لا يثبتون لمن معنى البدلية،ويتأولون ما ورد ما يوهم ذلك. قال ابن عطية: لجعلنا بدلاً منكم. وقال الزمخشري: ولو نشاء، لقدرتنا على عجائب الأموروبدائع الفطر، لجعلنا منكم: لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض، كما يخلفكم أولادكم؛ كما ولدنا عيسى من أنثىمن غير فحل، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة، ولتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام، وذات القديم متعالية عنذلك. انتهى، وهو تخريج حسن. ونحو من هذا التخريج قول من قال: لجعلنا من الأنس ملائكة، وإن لم تجر العادةبذلك. والجواهر جنس واحد، والاختلاف بالأوصاف. {يَخْلُفُونَ }، قال السدي: يكونون خلفاءكم. وقال قتادة: يخلف بعضهم بعضاً. وقال مجاهد: فيعمارة الأرض. وقيل: في الرسالة بدلاً من رسلكم. والظاهر أن الضمير في: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ } يعود على عيسى، إذالظاهر في الضمائر السابقة أنها عائدة عليه. وقال ابن عباس: ومجاهد، وقتادة، والحسن، والسدي، والضحاك، وابن زيد: أي وإن خروجهلعلم للساعة يدل على قرب قيامها، إذ خروجه شرط من أشراطها، وهو نزوله من السماء في آخر الزمان. وقال الحسن،وقتادة أيضاً، وابن جبير: يعود على القرآن على معنى أن يدل إنزاله على قرب الساعة، أو أنه به تعلم الساعةوأهوالها. وقالت فرقة: يعود على النبي ﷺ، إذ هو آخر الأنبياء، تميزت الساعة به نوعاً وقدراً منالتمييز، ونفى التحديد التام الذي انفرد الله تعالى بعلمه. وقرأ الجمهور: لعلم، مصدر علم. قال الزمخشري: أي شرط من أشراطهاتعلم به، فسمى العلم شرطاً لحصول العلم به. وقرأ ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو مالك الغفاري، وزيد بن علي، وقتادة،ومجاهد، والضحاك، ومالك بن دينار، والأعمش، والكلبي. قال ابن عطية، وأبو نصرة: لعلم، بفتح العين واللام، أي لعلامة. وقرأ عكرمةبه. قال ابن خالويه، وأبو نصرة: للعلم، معرفاً بفتحتين. {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا }: أي لا تشكون فيها، {وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا}: أي هداي أو شرعي. وقيل: أي قل لهم يا محمد: واتبعوني هذا، أي الذي أدعوكم له، أو هذا القرآن؛كان الضمير في قال القرآن، ثم حذرهم من إغواء الشيطان، ونبه على عداوته {بِٱلْبَيِّنَـٰتِ }: أي المعجزات، أو بآيات الإنجيلالواضحات. {بِٱلْحِكْمَةِ }: أي بما تقتضيه الحكمة الإلۤهية من الشرائع. قال السدي: بالحكمة: النبوة. وقال أيضاً: قضايا يحكم بها العقل.وذكر القشيري والماوردي: الإنجيل. وقال الضحاك: الموعظة. {وَلابَيّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }: وهو أمر الديانات، لأن اختلافهم يكونفيها، وفي غيرها من الأمور التي لا تتعلق بالديانات. فأمور الديانات بعض ما يختلفون فيه، وبين لهم في غيره مااحتاجوا إليه. وقيل: بعض ما يختلفون فيه من أحكام التوراة. وقال أبو عبيدة: بعض بمعنى كل، ورده الناس عليه. وقالمقاتل: هو كقوله:
{ وَلاِحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ }
، أي في الإنجيل: لحم الإبل، والشحم من كل حيوان، وصيدالسمك يوم السبت. وقال مجاهد: بعض الذي يختلفون فيه من تبديل التوراة. وقيل: مما سألتم من أحكام التوراة. وقال قتادة:ولأبين لكم اختلاف القرون الذين تحزبوا في أمر عيسى في قوله: {قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ }، وهم قومه المبعوث إليهم، أيمن تلقائهم ومن أنفسهم، بان شرهم ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم. وتقدم الخلاف في اختلافهم في سورة مريم فيقوله:
{ فَٱخْتَلَفَ ٱلاْحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ }
. {هَلْ يَنظُرُونَ }: الضمير لقريش، و {أَن تَأْتِيهُمُ }: بدل من الساعة، أيإتيانها إياهم. {ٱلاْخِلاء يَوْمَئِذٍ }: قيل نزلت في أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط. والتنوين في يومئذ عوض عنالجملة المحذوفة، أي يوم إذ تأتيهم الساعة، ويومئذ منصوب بعد، والمعنى: أنه ينقطع كل خلة وتنقلب الأخلة المتقين، فإنها لاتزداد إلا قوّة. وقيل: {إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ }: إلا المجتنبين أخلاء السوء، وذلك أن أخلاء السوء كل منهم يرى أن الضرردخل عليه من خليله، كما أن المتقين يرى كل منهم النفع دخل عليهم من خليله. وقرىء: يا عبادي، بالياء، وهوالأصل، ويا عباد بحذفها، وهو الأكثر، وكلاهما في السبعة. وعن المعتمر بن سليمان: سمع أن الناس حين يبعثون، ليس منهمأحد إلا يفزغ فينادي منادٍ {ٱلْمُتَّقِينَ يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ }، فيرجوها الناس كلهم، فيتبعها {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }، قال: فييأسمنها الكفار. وقرأ الجمهور: لا خوف، مرفوع منون؛ وابن محيصن: بالرفع من غير تنوين؛ والحسن، والزهري، وابن أبي إسحاق، وعيسى،وابن يعمر: بفتحها من غير تنوين، و {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } صفة ليا عبادي. {تُحْبَرُونَ }: تسرون سروراً يظهر حباره،أي أثره على وجوهكم، لقوله تعالى:
{ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ }
. وقال الزجاج: يكرمون إكراماً يبالغ فيه، والحبرة: المبالغةفيما وصف بجميل وأمال أبو الحرث عن الكسائي. {بِصِحَـٰفٍ }: ذكره ابن خالويه. والضمير في: {فِيهَا }، عائد على الجنة.{مَا تَشْتَهِى * ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ }: هذا حصر لأنواع النعم، لأنها إما مشتهاة في القلوب، أو مستلذة في العيون.وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ونافع، وابن عباس، وحفص: ما تشتهيه بالضمير العائد على ما، والجمهور وباقي السبعة: بحذف الهاء. وفيمصحف عبد الله: ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين، بالهاء فيهما. و {تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ }: مبتدأ وخبر. و {ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا }:صفة، أو {ٱلْجَنَّةِ } صفة، و {ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا }، و {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } الخبر، وما قبله صفتان. فإذا كانبما الخبر تعلق بمحذوف، وعلى القولين الأولين يتعلق بأورثتموها، وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة. ولما ذكرما يتضمن الأكل والشرب، ذكر الفاكهة. {مّنْهَا تَأْكُلُونَ }: من للتبعيض، أي لا تأكلون إلا بعضها، وما يخلف المأكول باقفي الشجر، كما جاء في الحديث. {إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ* وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ * مَـٰلِكَ * لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ *لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ * أَكْثَرُهُمْ * لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَنَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوٰهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ * قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ * سُبْحَـٰنَ رَبّ *ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * رَبّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ * وَهُوَ ٱلَّذِى فِىٱلسَّماء إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلاْرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُعِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَلَئِنسَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يٰرَبّ * رَبّ إِنَّ * هَـؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ * فَٱصْفَحْعَنْهُمْ وَقُلْ سَلَـٰمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }. لما ذكر تعالى حال أهل الجنة، وما يقال لهم من لذائذ البشارة، أعقبذلك بذكر حال الكفرة، وما يجاوبون به عند سؤالهم. وقرأ عبد الله: وهم فيها، أي في جهنم؛ والجمهور: وهم فيهأي في العذاب. وعن الضحاك: يجعل المجرم في تابوت من نار، ثم يردم عليه، فيبقى فيه خالداً لا يرى ولايرى. {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ }: أي لا يخفف ولا ينقص، من قولهم: فترت عنه الحمى، إذا سكنت قليلاً ونقص حرها.والمبلس: الساكت اليائس من الخير. {وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ }: أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه. {وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ }:أي الواضعين الكفر موضع الإيمان، فظلموا بذلك أنفسهم. وقرأ الجمهور: والظالمين، على أن هم فصل. وقرأ عبد الله، وأبو زيدالنحويان: الظالمون بالرفع، على أنهم خبرهم، وهم مبتدأ. وذكر أبو عمرو الجرمي: أن لغة تميم جعل ما هو فصل عندغيرهم مبتدأ، ويرفعون ما بعده على الخبر. وقال أبو زيد: سمعتهم يقرأون:
{ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً }
يعني: يرفع خير وأعظم. وقال قيس بن دريج:
نحن إلى ليلى وأنت تركنها | وكنت عليها بالملا أنت أقدر |
قال سيبويه: إن رؤبة كان يقول: أظن زيداً هو خير منك، يعني بالرفع. {وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ * مَـٰلِكَ }: تقدم أنهممبلسون، أي ساكتون، وهذه أحوال لهم في أزمان متطاولة، فلا تعارض بين سكوتهم وندائهم. وقرأ الجمهور: يا مالك. وقرأ عبدالله، وعليّ، وابن وثاب، والأعمش: يا مال، بالترخيم، على لغة من ينتظر الحرف. وقرأ أبو السرار الغنوي: يا مال، بالبناءعلى الضم، جعل اسماً على حياله. واللام في: {لِيَقْضِ } لام الطلب والرغبة. والمعنى: يمتنا مرة حتى لا يتكرر عذابنا،كقوله:
{ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ }
، أي أماته. {قَالَ }: أي مالك، {إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ }: أي مقيمون في النار لاتبرحون. وقال ابن عباس: يجيبهم بعد مضي ألف سنة، وقال نوف: بعد مائة، وقيل: ثمانين، وقال عبد الله بن عمرو:أربعين. {لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ }: يظهر أنه من كلام الله تعالى. وقيل: من كلام بعض الملائكة، كما يقول أحد خدمالرئيس: أعلمناكم وفعلنا بكم. قيل: ويحتمل أن يكون {لَقَدْ جِئْنَـٰكُم } من قول الله لقريش بعقب حكاية أمر الكفار معمالك، وفي هذا توعد وتخويف بمعنى: انظروا كيف يكون حالكم. {أَمْ أَبْرَمُواْ }: والضمير لقريش، أي بل أحكموا أمراً منكيدهم للرسول ومكرهم، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } كيدنا، كما أبرموا كيدهم، كقوله:
{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ }
، وكانوايتناجون ويتسارعون في أمر الرسول، فقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ }، وهو ما يحدث به الرجل نفسهأو غيره في مكان خال. {وَنَجْوٰهُم }: وهي ما تكلموا به فيما بينهم. {بَلَىٰ }: أي نسمعها، {رُسُلُنَا }، وهمالحفظة. {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ }، كما تقولون، {فَأَنَاْ أَوَّلُ } من يعبده على ذلك، ولكن ليس لهشيء من ذلك. وأخذ الزمخشري هذا القول وحسنه بفصاحته فقال: إن كان للرحمن ولد، وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح يوردونه،وحجة واضحة يبذلونها، فأنا أول من يعظم ذلك الولد، وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له، كما يعظم الرجل ولد الملك لعظمأبيه. وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه، وأن لا يترك الناطقبه شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد، وهيمحال في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها. فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة، وفي معنى نفيها على أبلغ الوجوهوأقواها. ثم قال الزمخشري: ونظيره أن يقول العدلي للمجبر. ثم ذكر كلاماً يستحق عليه التأديب، بل السيف، نزهت كتابي عنذكره. ثم قال: وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقلة بالتوحيد على أبلغوجوهه، فقيل: إن كان للرحمن ولد، في زعمكم، فأنا أول العابدين، الموحدين لله، المكذبين قولهم بإضافة الولد إليه. وقيل: إنكان للرحمن ولد، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد، إذ اشتد أنفه فهو عبد وعابد.وقرأ بعضهم: عبدين، وقيل: هي إن النافية، أي ما كان للرحمن ولد، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد.وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال: أن الملائكة بنات الله، فنزلت، فقال النضر: ألا ترون أنه قدصدقني؟ فقال له الوليد بن المغيرة: ما صدقك، ولكن قال: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول الموحدين من أهل مكةأن لا ولد له. انتهى. أما القول: إن كان لله ولد في زعمكم، فهو قول مجاهد، وأما القول: فأنا أولالآنفين، فهو قول جماعة، حكاه عنهم أبو حاتم ولم يسم أحداً منهم، ويدل عليه قراءة السلمي واليماني: العبدين، وقراءة ذكرهاالخليل بن أحمد في كتابه العين: العبدين، بإسكان الباء، تخفيف العبدين بكسرها. وذكر صاحب اللوامح أنه جاء عن ابن عباسفي معنى العابدين: أنه الآنفين انتهى. وقال ابن عرفة: يقال: عبد يعبد فهو عبد، وقلما يقال: عابد. والقرآن لا يأتيبالقليل من اللغة ولا الشاذ، ثم قال: كقول مجاهد. وقال الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم | واعبد أن أهجوا كليباً بدارمي |
أي: آنف وأستنكف. وقال آخر:
متى ما يشا ذو الود يصرم خليله | ويعبد عليه لا محالة ظالما |
وأماالقول بأن إن نافية، فمروي عن ابن عباس، والحسن، والسدي، وقتادة، وابن زيد، وزهير بن محمد، وقال مكي: لا يجوزأن تكون إن بمعنى ما النافية، لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت،وهذا مجال. انتهى. ولا يلزم منه محال، لأن كان قد تستعمل فيما يدوم ولا يزول، كقولك:
{ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
، أي لم يزل، فالمعنى: ما كان وما يكون. وقال أبو حاتم: العبد، بكسر الباء: الشديد الغضب. وقال أبو عبيدة:معناه أول الجاحدين. والعرب تقول: عبدني حقي، أي جحدني. وقرأ ولد بفتحتين. عبد الله، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش: بضم الواووسكون اللام. ثم قال: {سُبْحَـٰنَ رَبّ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ * رَبّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }: أي من نسبة الولدإليه، والمعنى: إزالة العلم يجب أن يكون واجب الوجود، وما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزي. والولد عبارةعن أن ينفصل عن الشيء جزء من أجزائه، فيتولد منه شخص مثله، ولا يكون إلا فيما هو قابل ذاته للتجزي،وهذا محال في حقه تعالى، فامتنع إثبات الولد. ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ }، أي في باطلهم،{وَيَلْعَبُواْ }، أي في دنياهم. وظاهر هذين الأمرين مهادنة وترك، وذلك مما نسخ بآية السيف. وقرأ الجمهور: {حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ }،وأبو جعفر، وابن محيصن، وعبيد بن عقيل، عن أبي عمرو: يلقوا، مضارع لقي. {يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ }: يوم القيامة. وقالعكرمة وغيره: يوم بدر، وأضاف اليوم إليهم، لأنه الذي فيه هلاكهم وعذابهم. وقرأ الجمهور: إلٰه فيهما. وقرأ عمر. وعبد الله،وأبي، وعلي، والحكم بن أبي العالي، وبلال بن أبي بردة، وابن يعمر، وجابر، وابن زيد، وعمر بن عبد العزيز، وأبوالشيخ الهنائي، وحميد، وابن مقسم، وابن السميفع: الله فيهما. ومعنى إلٰه: معبود به، يتعلق الجار والمجرور، والمعنى: أنه هو معبودفي السماء ومعبود في الأرض، والعائد على الموصول محذوف تقديره: هو إلٰه، كما حذف في قولهم: ما أنا بالذي قائللك شيئاً، وحسنه طوله بالعطف عليه، كما حسن في قائل لك شيئاً طوله بالمعول. ومن قرأ: الله، ضمنه أيضاً معنىالمعبود، كما ضمن العلم في نحو قولهم: هو حاتم في طيىء، أي جواد في طيىء. ويجوز أن تكون الصلة الجاروالمجرور. والمعنى: أنه فيهما بالإلۤهية والربوبية، إذ يستحيل حمله على الاستقرار. وفي قوله: {وَفِى ٱلاْرْضِ }، نفى لآلهتهم التي كانتتعبد في الأرض. {وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }: أي علم تعيين وقت قيامها، وهو الذي استأثر به تعالى. وقرأ الجمهور:يرجعون، بياء الغيبة؛ ونافع، وعاصم، والعدنيان: بتاء الخطاب، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول. وقرىء: بفتح تاء الخطاب مبنياً للفاعل.وقرأ الجمهور: بياء الغيبة وشد الدال، وعنه بتاء الخطاب وشد الدال، والمعنى: ولا يملك آلهتهم التي يدعون الشفاعة عند الله.قال قتادة: استثنى ممن عبد من دون الله عيسى وعزيراً والملائكة، فإنهم يملكون شفاعة بأن يملكها الله إياهم، إذ همممن شهد بالحق، وهم يعلمونه في أحوالهم، فالاستثناء على هذا متصل. وقال مجاهد وغيره: من المشفوع فيهم؟ كأنه قال: لايشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق، وهو يعلمه، أي بالتوحيد، قالوا: فالاستثناء على هذا منفصل، كأنه قال:لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء. وهذا التقدير الذي قدروه يجوز أن يكون فيه الاستثناء متصلاً، لأنه يكون المستثنىمنه محذوفاً، كأنه قال: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة في أحد، إلا فيمن شهد بالحق، فهو استثناء منالمفعول المحذوف، كما قال الشاعر:
نجا سالم والنفس منه بشدقه | ولم ينج إلا جفن سيف ومئزار |
أي: ولم ينج إلاجفن سيف، فهو استثناء من المشفوع فيهم الجائز فيه الحذف، وهو متصل. فإن جعلته مستثنى من {ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ }، فيكونمنفصلاً، والمعنى: ولا يملك آلهتهم، ويعني بهم الأصنام والأوثان، الشفاعة. كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله. ولكن {مَن شَهِدَ بِٱلْحَقّ}، وهو توحيد الله، وهو يعلم ما شهد به، هو الذي يملك الشفاعة، وإن أدرجت الملائكة في {ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ }،كان استثناء متصلاً. وقرأ الجمهور: {فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }، بياء الغيبة، مناسباً لقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ }، أي كيف يصرفون عن عبادةمن أقروا أنه موجد العالم. وعبد الوارث، عن أبي عمرو: بتاء الخطاب. وقرأ الجمهور: وقيله، بالنصب. فعن الأخفش: أنه معطوفعلى سرهم ونجواهم، وعنه أيضاً: على وقال قيله، وعن الزجاج، على محل الساعة في قوله: {وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }. وقيل:معطوف على مفعول يكتبون المحذوف، أي يكتبون أقوالهم وأفعالهم. وقيل: معطوف على مفعول يعلمون، أي يعلمون الحق. {وَقِيلِهِ يٰرَبّ *رَبّ }: وهو قول لا يكاد يعقل، وقيل: منصوب على إضمار فعل، أي ويعلم قيله. وقرأ السلمي، وابن وثاب، وعاصم،والأعمش، وحمزة، وقيله، بالخفض، وخرج على أنه عطف على الساعة، أو على أنها واو القسم، والجواب محذوف، أي: لينصرن، أولأفعلن بهم ما أشاء. وقرأ الأعرج، وأبو قلابة، ومجاهد، والحسن، وقتادة، ومسلم بن جندب: وقيله بالرفع، وخرج على أنه معطوفعلى علم الساعة، على حذف مضاف، أي وعلم قيله حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه. وروي هذا عن الكسائي، وعلى الابتداء،وخبره: يا رب إلى لا يؤمنون، أو على أن الخبر محذوف تقديره مسموع، أو متقبل، فجملة النداء وما بعده فيموضع نصب بو قيله. وقرأ أبو قلابة: يا رب، بفتح الباء؛ أراد: يا ربا، كما تقول: يا غلام. ويتخرج علىجواز الأخفش: يا قوم، بالفتح وحذف الألف والاجتزاء بالفتحة عنها. وقال الزمخشري: والذي قالوه يعني من العطف ليس بقوي فيالمعنى، مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطف عليه بما لا يحسن اعتراضاً، ومع تنافر النظم، وأقوى من ذلك. والوجه أنيكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، والرفع على قولهم: أيمن الله، وأمانة الله، ويمين الله، ولعمرك، ويكون قوله:{إِنَّ هَـؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ }، جواب القسم، كأنه قال: وأقسم بقيله، أو وقيله يا رب قسمي. {إِنَّ هَـؤُلاَء قَوْمٌلاَّ يُؤْمِنُونَ }، وإقسام الله بقيله، رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه. انتهى، وهو مخالف لظاهر الكلام، إذ يظهر أنقوله: يا رب إلى لا يؤمنون، متعلق بقيله، ومن كلامه عليه السلام: وإذا كان أن هؤلاء جواب القسم، كان منإخبار الله عنهم وكلامه، والضمير في وقيله للرسول، وهو المخاطب بقوله: {فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ }، أي أعرض عنهم وتاركهم، {وَقُلْ سَلَـٰمٌ}، أي الأمر سلام، فسوف يعلمون وعيد لهم وتهديد وموادعة، وهي منسوخة بآية السيف. وقرأ الجمهور: يعلمون، بياء الغيبة، كمافي: فاصفح عنهم. وقرأ أبو جعفر، والحسن، والأعرج، ونافع، وهشام: بتاء الخطاب. وقال السدي: وقل سلام، أي خيراً بدلاً منشرهم. وقال مقاتل: أورد عليهم معروفاً. وحكى الماوردي: قل ما تسلم به من شرهم.