{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } * { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } * { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } * { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } انكدرت النجوم: انتثرت. وقال أبو عبيدة: انصبت كما تنصب القعاب إذا كسرت. قالالعجاج يصف صقراً:
أبصر حرمات فلاة فانكدر | تقصي البازي إذا البازي كسر |
العشار جمععشراء، وهي الناقة التي مر لحملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع في تمام السنة. التعطيل: التفريغ والإهمال.الوحش: حيوان البر الذي ليس في طبعه التآنس ببني آدم. الموءودة: البنت التي تدفن حية: وأصله من النقل، كأنها تنقلمن التراب حتى تموت، ومنه اتئد: أي توقر وأثقل ولا تخف. الكشط: التقشير، كشطت جلد الشاة: سلخته عنها. الخنس جمعخانس، والخنوس: الانقباض والاستخفاء. تقول خنس بين القوم وانخنس. الكنس جمع كانس وكانسه، يقال: كنس إذا دخل الكناس، وهو المكانالذي تأوي إليه الظباء. والخنس: تأخر الأنف عن الشفة مع ارتفاع قليل من الأرنبة. عسعس، قال الفراء: عسعس الليل وعسس،إذا لم يبق منه القليل. وقال الخليل: عسعس الليل: أقبل وأدبر. قال المبرد: هو من الأضداد. وقال علقمة بن قرط:
حتى إذا الصبح لها تنفسا | وانجاب عنها ليلها وعسعسا |
وقال رؤبة:
يا هند ما أسرع ما تعسعسا | من بعدما كان فتى ترعرعا |
التنفس: خروج النسيم من الجوف، واستعير للصبح ومعناه:امتداده حتى يصير نهاراً واضحاً. الظنين: المتهم، فعيل بمعنى مفعول، ظننت الرجل: اتهمته، والظنين: البخيل، قال الشاعر:
أجود بمكنون الحديث وإنني | بسرّك عن ما سألتني لضنين |
{إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوّرَتْ * وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ *وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيّرَتْ * وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطّلَتْ * وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ * وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوّجَتْ *وَإِذَا ٱلْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىّ * ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا ٱلسَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعّرَتْ* وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ * فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ * وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَـٰعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَمَا صَـٰحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَءاهُ بِٱلاْفُقِ ٱلْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَـٰنٍرَّجِيمٍ * فَأيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّأَن يَشَاء ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها في غاية الظهور. وتكوير الشمس، قال ابنعباس: إدخالها في العرش. وقال مجاهد وقتادة والحسن: ذهاب ضوئها. وقال الربيع بن خثيم: رمى بها، ومنه: كورته فتكوّر. وقالأبو صالح: نكست؛ وعن ابن عباس أيضاً: أظلمت؛ وعن مجاهد: اضمحلت. وقيل: غوّرت؛ وقيل: يلف بعضها ببعض ويرمى بها فيالبحر. وقال أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة. وقال القرطبي: من كار العمامة على رأسه يكورها، أي لأنها وجمعها، فهيتكور، ثم يمحي ضوءها، ثم يرمي بها. وقال الزمخشري: فإن قلت: ارتفاع الشمس على الابتداء أو الفاعلية؟ قلت: بل علىالفاعلية، رافعها فعل مضمر يفسره {كُوّرَتْ }، لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط. انتهى. ومن طريقته أنهيسمي المفعول الذي لم يسم فاعله فاعلاً، ولا مشاحة في الاصطلاح. وليس ما ذكر من الإعراب مجمعاً على تحتمه عندالنحاة، بل يجوز رفع الشمس على الابتداء عند الأخفش والكوفيين، لأنهم يجيزون أن تجيء الجملة الاسمية بعد إذا، نحو: إذازيد يكرمك فأكرمه. {ٱنكَدَرَتْ }، عن ابن عباس: تساقطت؛ وعنه أيضاً: تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها،من قولهم: ماء كدر: أي متغير. وتسيير الجبال: أي عن وجه الأرض، أو سيرت في الجو تسيير السحاب، كقوله: { وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } ، وهذا قبل نسفها، وذلك في أول هول يوم القيامة. والعشار: أنفس ما عند العرب من المال،وتعطيلها: تركها مسيبة مهملة، أو عن الحلب لاشتغالهم بأنفسهم، أو عن أن يحمل عنها الفحول؛ وأطلق عليها عشاراً باعتبار ماسبق لها ذلك. قال القرطبي: وهذا على وجه المثل، لأنه في القيامة لا يكون عشراء، فالمعنى: أنه لو كان عشراءلعطلها أهلها واشتغلوا بأنفسهم. وقيل: إذا قاموا من القبور شاهدوا الوحوش والدواب محشورة وعشارهم فيها التي كانت كرائم أموالهم، لميعبؤا بها لشغلهم بأنفسهم. وقيل: العشار: السحاب، وتعطيلها من الماء فلا تمطر. والعرب تسمي السحاب بالحامل. وقيل: العشار: الديار تعطلفلا تسكن. وقيل: العشار: الأرض التي يعشر زرعها، تعطل فلا تزرع. وقرأ الجمهور: {عُطّلَتْ } بتشديد الطاء؛ ومضر عناليزيدي: بتخفيفها، كذا في كتاب ابن خالويه، وفي كتاب اللوامح عن ابن كثير، قال في اللوامح، وقيل: هو وهم إنماهو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت، لأن التشديد فيه التعدي، يقال: منه عطلت الشيء وأعطلته فعطل بنفسه، وعطلت المرأة فهي عاطلإذا لم يكن عليها الحلى، فلعل هذه القراءة عن ابن كثير لغة استوى فيها فعلت وأفعلت، والله أعلم. انتهى. وقالامرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش | إذا هي نصته ولا بمعطل |
{حُشِرَتْ }:أي جمعت من كل ناحية. فقال ابن عباس: جمعت بالموت، فلا تبعث ولا يحضر في القيامة غير الثقلين. وعنه وعنقتادة وجماعة: يحشر كل شيء حتى الذباب. وعنه: تحشر الوحوش حتى يقتص من بعضها لبعض، ثم يقتص للجماء من القرناء،ثم يقال لها موتي فتموت. وقيل: إذا قضى بينها ردت تراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدموإعجاب بصورته، كالطاووس ونحوه. وقال أبيّ: في الدنيا في أول الهول تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تآنساً بهم.وقرأ الجمهور: {حُشِرَتْ } بخف الشين؛ والحسن وعمرو بن ميمون: بشدها. {وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ }: تقدم أقوال العلماء في سجرالبحر في الطور، والبحر المسجور، وفي كتاب لغات القراآت، سجرت: جمعت، بلغة خثعم. وقال هنا ابن عطية: ويحتمل أن يكونالمعنى: ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض من الهول، فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب. وقرأ ابن كثيروأبو عمرو: بخف الجيم؛ وباقي السبعة: بشدها. قال ابن عطية: وذهب قوم إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات فيكل ابن آدم وأحواله عند الموت. فالشمس نفسه، والنجوم عيناه وحواسه، وهذا قول ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب اللهتعالى. انتهى. وهذا مذهب الباطنية، ومذاهب من ينتمي إلى الإسلام من غلاة الصوفية، وقد أشرنا إليهم في خطبة هذا الكتاب؛وإنما هؤلاء زنادقة تستروا بالانتماء إلى ملة الإسلام. وكتاب الله جاء بلسان عربي مبين، لا رمز فيه ولا لغز ولاباطن، ولا إيماء لشيء مما تنتحله الفلاسفة ولا أهل الطبائع. ولقد ضمن تفسيره أبو عبد الله الرازي المعروف بابن خطيبالري أشياء مما قاله الحكماء عنده وأصحاب النجوم وأصحاب الهيئة، وذلك كله بمعزل عن تفسير كتاب الله عز وجل. وكذلكما ذكره صاحب التحرير والتحبير في آخر ما يفسره من الآيات من كلام من ينتمي إلى الصوف ويسميها الحقائق، وفيهاما لا يحل كتابته، فضلاً عن أن يعتقد، نسأل الله تعالى السلامة في ديننا وعقائدنا وما به قوام ديننا ودنيانا.{وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوّجَتْ }: أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر، كقوله: { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَـٰثَةً } ، قاله عمر وابنعباس؛ أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن، قاله مقاتل بن سليمان؛ أو الأزواج الأجساد، قاله عكرمة والضحاك والشعبي.وقرأ عاصم في رواية: زووجت على فوعلت، والمفاعلة تكون بين اثنين. والجمهور: بواو مشددة. وقال الزمخشري: وأد يئد، مقلوب منآد يؤد إذا أثقل. قال الله تعالى: { وَلاَ يُؤَدّهِ حِفْظُهُمَا } ، لأنه إثقال بالتراب. انتهى. ولا يدعي فيوأد أنه مقلوب من آد، لأن كلاً منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وليسفيه شيء من مسوغات ادعاء القلب. والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد لهبالأصالة والآخر ليس كذلك، أو كونه مجرداً من حروف الزيادة والآخر فيه مزيداً وكونه أكثر تصرفاً والآخر ليس كذلك، أوأكثر استعمالاً من الآخر، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف. فالأول كيثس وأيس، والثاني كطأمن واطمأن، والثالث كشوايعوشواع، والرابع كلعمري ورعملي. وقرأ الجمهور: {ٱلْمَوْءودَةُ }، بهمزة بين الواوين، اسم مفعول. وقرأ البزي في رواية: الموؤدة، بهمزةمضمومة على الواو، فاحتمل أن يكون الأصل الموؤدة كقراءة الجمهور، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة، ثمالواو المنقول إليها الحركة. واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد؛ فالاصل مأوودة، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيهالمحذوف واو المد أو الواو التي هي عين، نحو: مقوول، حيث قالوا: مقول. وقرىء الموودة، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة،أعني التسهيل بالحذف، ونقل حركتها إلى الواو. وقرأ الأعمش: المودة، بكسون الواو على وزن الفعلة، وكذا وقف لحمزة بن مجاهد.ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك، والرسم سنة متبعة. وقرأ الجمهور: {سُئِلَتْ } مبنياًللمفعول، {بِأَىّ * ذَنبٍ قُتِلَتْ }: كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد، لأن سؤالهايؤول إلى سؤال الفاعلين. وجاء قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها، ولو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل:قتلت. وقرأ الحسن والأعرج: سئلت، بكسر السين، وذلك على لغة من قال: سأل بغير همز. وقرأ أبو جعفر: بشد الياء،لأن الموؤدة اسم جنس، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص. وقرأ ابن مسعود وعلي وابن عباس وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد:سألت مبنياً للفاعل، قتلت بسكون اللام وضم التاء، حكاية لكلامها حين سئلت. وعن أبيّ وابن مسعود أيضاً والربيع بن خيثموابن يعمر: سألت مبنيا للفاعل. {بِأَىّ * ذَنبٍ قُتِلَتْ }: مبنياً للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخباراً عنهما، ولو حكي كلامهالكان قتلت بضم التاء. وكان العرب إذا ولد لأحدهم بنت واستحياها، ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعىالإبل والغنم، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها: طيبيها ولينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقدحفر حفرة أو بئراً في الصحراء، فيذهب بها إليها ويقول لها انظري فيها؛ ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها الترابحتى يستوي بالأرض. وقيل: كانت الحامل إذا قرب وضعها حفرت حفرة فتمخضت على رأسها، فإذا ولدت بنتاً رمت بها فيالحفرة، وإن ولدت ابناً حبسته. وقد افتخر الفرزدق، وهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية، بجده صعصعة،إذ كان منع وأد البنات فقال:
ومنا الذي منع الوائدات | فأحيا الوئيد ولم يوئد |
{وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ }: صحف الأعمال كانت مطوية على الأعمال، فنشرت يوم القيامة ليقرأ كل إنسان كتابه. وقيل:الصحف التي تتطاير بالإيمان والشمائل بالجزاء، وهي صحف غير صحف الأعمال. وقرأ أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفرونافع وابن عامر وعاصم: نشرت بخف الشين؛ وباقي السبعة: بشدّها. وكشط السماء: طيها كطي السجل. وقيل: أزيلت كما يكشط الجلدعن الذبيحة. وقرأ عبد الله: قشطت بالقاف، وهما كثيراً ما يتعاقبان، كقولهم: عربي قح وكح، وتقدّمت قراءته قافوراً، أي كافوراً.وقرأ نافع وابن عامر وحفص: {سُعّرَتْ } بشد العين؛ وباقي السبعة: بخفها، وهي قراءة عليّ. قال قتادة: سعرها غضب اللهتعالى وذنوب بني آدم، وجواب إذا وما عطفت عليه {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ }: ونفس تعم في الإثبات من حيثالمعنى، ما أحضرت من خير تدخل به الجنة، أو من شر تدخل به النار. وقال ابن عطية: ووقع الإفراد لينبهالذهن على حقارة المرء الواحد وقلة دفاعه عن نفسه. انتهى. وقرئت هذه السورة عند عبد الله، فلما بلغ القارىء{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ }، قال عبد الله: «وانقطاع ظهراه». {بِٱلْخُنَّسِ }، قال الجمهور: الدراري السبعة: الشمس والقمر، وزحل، وعطارد،والمريخ، والزهرة، والمشتري. وقال: على الخمسة دون الشمس والقمر، تجري الخمسة مع الشمس والقمر، وترجع حتى تخفى مع ضوء الشمس،قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: تخنس في جريها التي يتعهد فيها ترى العين، وهي جوار في السماء، وهي تكنس فيأبراجها، أي تستتر. وقال علي أيضاً والحسن وقتادة: هي النجوم كلها لأنها تخنس وتكنس بالنهار حين تختفي. وقال الزمخشري: أيتخنس بالنهار وتكنس بالليل، أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها. انتهى. وقال عبد الله والنخعي وجابر بن زيد وجماعة:المراد {بِٱلْخُنَّسِ ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }: بقر الوحش، لأنها تفعل هذه الأفعال في كنائسها. وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك: هيالظباء، والخنس من صفة الأنوق لأنها يلزمها الخنس، وكذا بقر الوحش. {عَسْعَسَ } بلغة قريش، وقال الحسن: أقبل ظلامه،ويرجحه مقابلته بقوله: {وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }، فهما حالتان. وقال المبرد: أفسم بإقباله وإدباره وتنفسه كونه يجيء معه روح ونسيم،فكأنه نفس له على المجاز. {أَنَّهُ }: أي إن هذا المقسم عليه، أي إن القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }؛ الجمهور:على أنه جبريل عليه السلام. وقيل: محمد ﷺ، وكريم صفة تقتضي نفي المذام كلها وإثبات صفات المدحاللائقة به. {ذِى قُوَّةٍ }: كقوله: { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } . {عِندَ ذِى }: الكينونة اللائقة من شرف المنزلة وعظم المكانة. وقيل:العرش متعلق بمكين مطاع. ثم إشارة إلى {عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ }: أي إنه مطاع في ملائكة الله المقربين يصدرون عنأمره. وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهثم وابن مقسم: ثم، بضم الثاء: حرف عطف، والجمهور: {ثُمَّ } بفتحها، ظرفمكان للبعيد. وقال الزمخشري: وقرىء ثم تعظيماً للأمانة وبياناً لأنها أفضل صفاته المعدودة. انتهى. وقال صاحب اللوامح: بمعنى مطاع وأمين،وإنما صارت ثم بمعنى الواو بعد أن مواضعتها للمهلة والتراخي عطفاً، وذلك لأن جبريل عليه السلام كان بالصفتين معاً فيحال واحدة، فلو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف بمعنى مطاع في الملأ الأعلى، {ثَمَّ أَمِينٍ } عندانفصاله عنهم، حال وحيه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لجاز أن لو ورد به أثر انتهى. {أَمِينٌ }: مقبول القوليصدق فيما يقوله، مؤتمن على ما يرسل به من وحي وامتثال أمر. {وَمَا صَـٰحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ }: نفى عنه ما كانواينسبونه إليه ويبهتونه به من الجنون. {وَلَقَدْ رَءاهُ }: أي رأى الرسول ﷺ جبريل عليه السلام،وهذه الرؤية بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين السماء والأرض في صورته له ستمائة جناح. وقيل: هيالرؤية التي رآه فيها عند سدرة المنتهى، وسمى ذلك الموضع أفقاً مجازاً. وقد كانت له عليه السلام، رؤية ثانية بالمدينة،وليست هذه. ووصف الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس، قاله قتادة وسفيان. وأيضاً فكلأفق في غاية البيان. وقيل: في أفق السماء الغربي، حكاه ابن شجرة. وقال مجاهد: رآه نحو جياد، وهو مشرق مكة.وقرأ عبد الله وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروةوهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم، ومن السبعة النحويان وابن كثير: بظنين بالظاء، أي بمتهم، وهذا نظير الوصف السابق بأمين. وقيل:معناه بضعيف القوة على التبليغ من قولهم: بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء، وكذا هو بالظاء في مصحف عبد الله.وقرأ عثمان وابن عباس أيضاً والحسن وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة وجماعة غيرهم وباقي السبعة: بالضاد، أي ببخيل يشحبه لا يبلغ ما قيل له ويبخل، كما يفعل الكاهن حتى يعطى حلوانه. قال الطبري: وبالضاد خطوط المصاحف كلها.{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ }: أي الذي يتراءى له إنما هو ملك لا مثل الذي يتراءى للكهان. {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ}: استضلال لهم، حيث نسبوه مرة إلى الجنون، ومرة إلى الكهانة، ومرة إلى غير ذلك مما هو بريء منه. وقالالزمخشري: كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق: أي تذهب؟ مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهمعنه إلى الباطل. انتهى. {ذُكِرَ }: تذكرة وعظة، {لِمَن شَاء }: بدل من {لّلْعَـٰلَمِينَ }، ثم عذق مشيئة العبيد بمشيئةالله تعالى. قال ابن عطية: ثم خصص تعالى من شاء الاستقامة بالذكر تشريفاً وتنبيهاً وذكراً لتلبسهم بأفعال الاستقامة. ثم بينتعالى أن تكسب العبد على العموم في استقامة وغيرها إنما يكون مع خلق الله تعالى واختراعه الإيمان في صدر المرء.انتهى. وقال الزمخشري: وإنما أبدلوا منهم لأن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر، فكأنه لم يوعظ بهغيرهم، وإن كانوا موعوظين جميعاً. {وَمَا تَشَاءونَ } الاستقامة يا من يشاؤها إلا بتوفيق الله تعالى ولطفه، ما تشاءونها أنتميا من لا يشاؤها إلا بقسر الله وإلجاته. انتهى. ففسر كل من ابن عطية والزمخشري المشيئة على مذهبه. وقال الحسن:ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله لها.