→ سورة الفجر | تفسير البحر المحيط سورة البلد ابي حيان الغرناطي |
سورة الشمس ← |
{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ }
الكبد: الشدة والمشقة، وأصله من كبد الرجل كبداً فهو أكبد، إذا وجعه كبدهوانتفخت، فاستعمل في كل تعب ومشقة، ومنه المكابدة. وقال لبيد:
يا عين هلا بكيت أربد إذ | قمنا وقام الخصوم في كبد |
وقال أبو الأصبع:
لو ابن عم لو أن الناس في كبدلظل محتجراً بالنبل يرميني |
الشفة معروفة، وأصلها شفهة، حذفت منها الهاء، ويدل عليه شفيهة وشفاه وشافهت، وهي ممالا يجوز جمعه بالألف والتاء، وإن كان تاء التأنيث. النجد: العنق وجمعه نجود، وبه سميت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة،والنجد: الطريق العالي. قال امرؤ القيس:
فريقان منهم جازع بطن نخله | وآخر منهم قاطع كبكير |
الفك: تخليص الشيء من الشيء، قال الشاعر:
فيا رب مكروب كررت وراءه | وعان فككت الغل عنه فقداني |
السغب: الجوع العام، وقد يقال سغب الرجل إذا جاع. ترب الرجل، إذا افتقر ولصق بالتراب، وأترب،إذا استغنى وصار ذا مال كالتراب، وكذلك أثرى. أوصدت الباب وآصدته، إذا أغلقته وأطبقته. قال الشاعر:
تحن إلى أجبال مكة ناقتي | ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة |
{لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَاٱلْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُأَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ* فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ *يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ * أُوْلَـٰئِكَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ }. هذه السورة مكية في قولالجمهور، وقيل: مدنية. ولما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم وحالة التقدير، وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر، وما آلإليه حاله وحال المؤمن، أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيـىء وما آل إليه في الآخرة. والإشارة لهذا البلد إلىمكة. {وَأَنتَ حِلٌّ }: جملة حالية تفيد تعظيم المقسم به، أي فأنت مقيم به، وهذا هو الظاهر. وقال ابنعباس وجماعة: معناه: وأنت حلال بهذا البلد، يحل لك فيه قتل من شئت، وكان هذا يوم فتح مكة. وقال ابنعطية: وهذا يتركب على قول من قال لا نافية، أي إن هذا البلد لا يقسم الله به، وقد جاء أهلهبأعمال توجب الإحلال، إحلال حرمته. وقال شرحبيل بن سعد: يعني {وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ }، جعلوك حلالاً مستحل الأذى والقتلوالإخراج، وهذا القول بدأ به الزمخشري، وقال: وفيه بعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجب من حالهمفي عداوته، أو سلى رسول الله ﷺ بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يحلو من مقاساة الشدائد،واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه، فقال: وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريده منالقتل والأسر. ثم قال الزمخشري: بعد كلام طويل: فإن قلت: أين نظير قوله: {وَأَنتَ حِلٌّ } في معنى الاستقبال؟قلت: قوله عز وجل:
{ إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ }
، واسع في كلام العباد، تقول لمن تعده الإكرام والحبا: وأنت مكرممحبو، وهو في كلام الله أوسع، لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة، وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال، وأن تفسيرهبالحال محال. إن السورة بالاتفاق مكية، وأين الهجرة من وقت نزولها؟ فما بال الفتح؟ انتهى. وحمله على أن الجملة اعتراضيةلا يتعين، وقد ذكرنا أولاً أنها جملة حالية، وبينا حسن موقعها، وهي حال مقارنة، لا مقدرة ولا محكية؛ فليست منالإخبار بالمستقبل. وأما سؤاله والجواب، فهذا لا يسأله من له أدنى تعلق بالنحو، لأن الأخبار قد تكون بالمستقبلات، وإن اسمالفاعل وما يجري مجراه حالة إسناده أو الوصف به لا يتعين حمله على الحال، بل يكون للماضي تارة، وللحال أخرى،وللمستقبل أخرى؛ وهذا من مبادىء علم النحو. وأما قوله: وكفاك دليلاً قاطعاً الخ، فليس بشيء، لأنا لم نحمل {وَأَنتَ حِلٌّ} على أنه يحل لك ما تصنع في مكة من الأسر والقتل في وقت نزولها بمكة فتنافيا، بل حملناه علىأنه مقيم بها خاصة، وهو وقت النزول كان مقيماً بها ضرورة. وأيضاً فما حكاه من الاتفاق على أنها نزلت بمكةفليس بصحيح، وقد حكى الخلاف فيها عن قول ابن عطية، ولا يدل قوله: {وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } على ماذكروه من أن المعنى يستحل إذ ذاك، ولا على أنك تستحل فيه أشياء، بل الظاهر ما ذكرناه أولاً من أنهتعالى أقسم بها لما جمعت من الشرفين، شرفها بإضافتها إلى الله تعالى، وشرفها بحضور رسول الله ﷺوإقامته فيها، فصارت أهلاً لأن يقسم بها. والظاهر أن قوله: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ }، لا يراد به معين، بلينطلق على كل والد. وقال ابن عباس ذلك، قال: هو على العموم يدخل فيه جميع الحيوان. وقال مجاهد: آدم وجميعولده. وقيل: والصالحين من ذريته. وقيل: نوح وذريته. وقال أبو عمران الحوفي: إبراهيم عليه السلام وجميع ولده. وقيل: ووالد رسولالله ﷺ وما ولد إبراهيم عليه السلام. وقال الطبري والماوردي: يحتمل أن يكون الوالد النبي صلى اللهعليه وسلم لتقدم ذكره، وما ولد أمته، لقوله ﷺ: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ، ولقراءة عبد الله:
{ وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ }
، وهو أب لهم، فأقسم تعالى به وبأمته بعد أن أقسم ببلده، مبالغة في شرفه عليه الصلاة والسلام.وقال الزمخشري: فإن قلت: ما المراد بوالد وما ولد؟ قلت: رسول الله ﷺ ومن ولده. أقسم ببلدهالذي هو مسقط رأسه، وحرم أبيه إبراهيم، ومنشأ أبيه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وبمن ولده وبه. فإن قلت: لم نكر؟قلت: للإبهام المستقل بالمدح والتعجب. فإن قلت: هلا قيل: ومن ولد؟ قلت: فيه ما في قوله:
{ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ }
: أي بأي شيء وضعت، يعني موضوعاً عجيب الشأن. انتهى. وقال الفراء: وصلح ما للناس، كقوله:
{ مَا طَابَ لَكُمْ }
{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلاْنثَىٰ }
، وهو الخالق للذكر والأنثى. انتهى. وقال ابن عباس وعكرمة وابن جبير: المراد بالوالد الذي يولدله، وبما ولد العاقر الذي لا يولد له. جعلوا ما نافية، فتحتاج إلى تقدير موصول يصح به هذا المعنى، كأنهقال: ووالد والذي ما ولد، وإضمار الموصول لا يجوز عند البصريين. {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ }: هذه الجملةالمقسم عليها. والجمهور: على أن الإنسان اسم جنس، وفي كبد: يكابد مشاق الدنيا والآخرة، ومشاقه لا تكاد تنحصر من أولقطع سرته إلى أن يستقر قراره، إما في جنة فتزول عنه المشقات؛ وإما في نار فتتضاعف مشقاته وشدائده. وقال ابنعباس وعبد الله بن شداد وأبو صالح والضحاك ومجاهد: {فِى كَبَدٍ } معناه: منتصب القامة واقفاً، ولم يخلق منكباً علىوجهه، وهذا امتنان عليه. وقال ابن كيسان: منتصباً رأسه في بطن أمه، فإذا أذن له بالخروج، قلب رأسه إلى قدميأمه. وعن ابن عمر: يكابد الشكر على السرّاء، ويكابد الصبر على الضراء. وقال ابن زيد: {ٱلإِنسَـٰنَ }: آدم، {فِى كَبَدٍ}: في السماء، سماها كبداً، وهذه الأقوال ضعيفة، والأول هو الظاهر. والظاهر أن الضمير في {أَيَحْسَبُ } عائد على {ٱلإِنسَـٰنَ}، أي هو لشدة شكيمته وعزته وقوته يحسب أن لا يقاومه أحد، ولا يقدر عليه أحد لاستعصامه بعدده وعدده. يقولعلى سبيل الفخر: {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً }: أي في المكارم وما يحصل به الثناء، أيحسب أن أعماله تخفى، وأنه لايراه أحد، ولا يطلع عليه في إنفاقه ومقصد ما يبتغيه مما ليس لوجه الله منه شيء؟ بل عليه حفظة يكتبونما يصدر منه من عمل في حياته ويحصونه إلى يوم الجزاء. وقيل: الضمير في {أَيَحْسَبُ } لبعض صناديد قريش. وقيل:هو أبو الأسد أسيد بن كلدة، كان يبسط له الأديم العكاظي، فيقوم عليه ويقول: من أزالني عنه فله كذا، فلاينزع إلا قطعاً، ويبقى موضع قدميه. وقيل: الوليد بن المغيرة. وقيل: الحرث بن عامر بن نوفل، وكان إذا أذنب استفتىالنبي ﷺ، فيأمره بالكفارة، فقال: لقد أهلكت مالاً لبداً في الكفارات والتبعات منذ تبعت محمداً صلى اللهعليه وسلم. وقرأ الجمهور: لبداً، بضم اللام وفتح الباء؛ وأبو جعفر: بشدّ الباء؛ وعنه وعن زيد بن علي: لبداً بسكونالباء، ومجاهد وابن أبي الزناد: بضمهما. ثم عدّد تعالى على الإنسان نعمه فقال: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } يبصربهما، {وَلِسَاناً } يفصح عما في باطنه، {وَشَفَتَيْنِ } يطبقهما على فيه ويستعين بهما على الأكل والشرب والنفخ وغير ذلك.{وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ }، قال ابن مسعود وابن عباس والجمهور: طريق الخير والشر. وقال ابن عباس أيضاً، وعليّ وابن المسيب والضحاك:الثديين، لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه. {فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ }: أي لم يشكر تلك النعم السابقة، والعقبة استعارة لهذا العملالشاق على النفس من حيث هو بذل مال، تشبيه بعقبة الجبل، وهو ما صعب منه، وكان صعوداً، فإنه يلحقه مشقةفي سلوكها. واقتحمها: دخلها بسرعة وضغط وشدّة، والقحمة: الشدّة والسنة الشديدة. ويقال: قحم في الأمر قحوماً: رمى نفسه فيه منغير روية. والظاهر أن لا للنفي، وهو قول أبي عبيدة والفرّاء والزجاج، كأنه قال: وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل،فما فعل خيراً، أي فلم يقتحم. قال الفرّاء والزجاج: ذكر لا مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعلالماضي حتى تعيد، كقوله تعالى:
{ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ }
، وإنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكونقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ }، قائماً مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن. وقيل: هوجار مجرى الدعاء، كقوله: لا نجا ولا سلم، دعاء عليه أن لا يفعل خيراً. وقيل: هو تحضيض بألا، ولا نعرفأن لا وحدها تكون للتحضيض، وليس معها الهمزة. وقيل: العقبة: جهنم، لا ينجي منها إلا هذه الأعمال، قاله الحسن. وقالابن عباس ومجاهد وكعب: جبل في جهنم. وقال الزمخشري، بعد أن تنحل مقالة الفرّاء والزجاج: هي بمعنى لا متكررة فيالمعنى، لأن معنى {فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ }: فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك؟انتهى، ولا يتم له هذا إلا على قراءة من قرأ فك فعلاً ماضياً. وقرأ ابن كثير والنحويان: فك فعلاًماضياً، رقبة نصب، أو أطعم فعلاً ماضياً؛ وباقي السبعة: فكر مرفوعاً، رقبة مجروراً، وإطعام مصدر منون معطوف على فك. وقرأعليّ وأبو رجاء كقراءة ابن كثير، إلا أنهما قرآ: ذا مسغبة بالألف. وقرأ الحسن وأبو رجاء أيضاً: أو إطعام فييوم ذا بالألف، ونصب ذا على المفعول، أي إنساناً ذا مسغبة، ويتيماً بدل منه أو صفة. وقرأ بعض التابعين: فكرقبة بالإضافة، أو أطعم فعلاً ماضياً. ومن قرأ فك بالرفع، فهو تفسير لاقتحام العقبة، والتقدير: وما أدراك ما اقتحام العقبة.ومن قرأ فعلاً ماضياً، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها، ويجيء فك بدلاً من اقتحم، قالهابن عطية. وفك الرقبة: تخليصها من الأسر والرق. {ذَا مَقْرَبَةٍ }: ليجتمع صدقة وصلة، وأو هنا للتنويع، ووصف يوم بذيمسغبة على الاتساع. {ذَا مَتْرَبَةٍ }، قال: هم المطروحون على ظهر الطريق قعوداً على التراب، لا بيوت لهم. وقال ابنعباس: هو الذي يخرج من بيته، ثم يقلب وجهه إليه مستيقناً أنه ليس فيه إلا التراب. {ثُمَّ كَانَ مِنَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ }: هذا معطوف على قوله: {فَلاَ ٱقتَحَمَ }؛ ودخلت ثم لتراخي الإيمان والفضيلة، لا للتراخي في الزمان، لأنهلا بد أن يسبق تلك الأعمال الحسنة الإيمان، إذ هو شرط في صحة وقوعها من الطائع، أو يكون المعنى: ثمكان في عاقبة أمره من الذين وافوا الموت على الإيمان، إذ الموافاة عليه شرط في الانتفاع بالطاعات، أو يكون التراخيفي الذكر كأنه قيل: ثم اذكر أنه كان من الذين آمنوا. {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }: أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر علىالإيمان والطاعات وعن المعاصي، {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ }: أي بالتعاطف والتراحم، أو بما يؤدي إلى رحمة الله. والميمنة والمشأمة تقدّم القولفيهما في الواقعة. وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص: {مُّؤْصَدَةُ } بالهمز هنا وفي الهمزة، فيظهر أنه من آصدت قيل: ويجوزأن يكون من أوصدت، وهمز على حد من قرأ بالسؤق مهموزاً. وقرأ باقي السبعة بغير همز، فيظهر أنه من أوصدت.وقيل: يجوز أن يكون من آصدت، وسهل الهمزة، وقال الشاعر:
قوماً تعالج قملاً أبناءهم | وسلاسلاً حلقاً وباباً مؤصداً |