الرئيسيةبحث

تحيّة الشام

تحيّة الشام

تحيّة الشام
المؤلف: إيليا أبو ماضي



حيّ الشآم مهندا و كتابا
 
و الغوطة الخضراء و المحرابا
ليست قبابا ما رأيت و إنّما
 
عزم تمرّد فاستطال قبابا
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا
 
للعلى سكنت حصى و ترابا
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا
 
يستعطف التلعات و الأعشابا
روح أطلّ من السماء عشية
 
فرأى الجمال هنا.. فحنّ، فذابا
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته
 
تنساب من وجد به منسابا
با أدمع حور الجنان ذرفنها
 
شوقا، و لم تملك لهنّ إيابا
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا
 
و بنى النهى فترشّفوك رضابا
مرت بك الأدهار لم تخبث ولم
 
تفسد وكم خبث الزمان وطابا
بأبي و أمّي في العراء موسّد
 
بعث الحياة مطامعا و رابا
لما ثوى في ميسلون ترنّحت
 
هضباتها و تنفّست أطيابا
و أتى النجوم حديثه فتهافتت
 
لتقوم حرّاسا له حجّابا
ما كان يوسف واحدا بل موكبا
 
للنور غلغل في الشموس فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
 
كي لا يرى في جلّق الأغرابا
و إذا نبا العيش الكريم بماجد
 
حرّ رأى الموت الكريم صوابا
إنّي لأزهى بالفتى و أحبه
 
يهوى الحياة مشقّة و صعابا
و يضوع عطرا كلما شدّ الأسى
 
بيديه يعرك قلبه الوثّابا
و يسيل ماء إن حواه فدفد
 
و إذا طواه الليل شعّ شهابا
و إذا العواصف حجّبت وجه السما
 
جدل العواصف للسما أسبابا
و إذا تقوّض صرح آمال بنى
 
أملا جديدا من رجاء خابا
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه
 
وابن الضراغم ليس يعدم غابا
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم
 
كيف استطابوا اللّهو و الألعابا؟
و تخاذلت أسيافهم عن سحقه
 
في حين كان النصر منهم قابا
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا
 
يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
دنياك، يا وطن العروبة، غابة
 
حشدت عليك أراقما و ذئابا
فالبس لها ماء الحديد مطارفا
 
واجهل لسانك مخلبا أو نابا
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها
 
فدع الكلام شكاية و عتابا
هذي هي الدنيا التي أحببتها
 
و سقيت غيرك حبّها أكوابا
و ضحكت مع أحلامها، و بكيت في
 
آلامها، و جرعت معها الصّابا
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها
 
ما خلته ماء فكان سرابا
و نظرت، و الأوصاب تنهش قلبها،
 
فرأيت كلّ لذاذة أوصابا
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى
 
لا يبصرون سوى نهاه خرابا
دنيا تألّق أمسها في يومها
 
فاستجمع الأنساب و الأحسابا
و سرى سناء الوحي من آفاقها
 
يغشى العصور و يغمر الأحقابا
ألحقّ ما رفعت به جدرانها
 
و الخير ما زانت به الأبوابا
فاستنطق التاريخ هل في سفره
 
مجد يضاهي مجدها الخلّابا؟
شابت حضارات، و دالت و انطوت
 
أمم، و مجد أميّة ما شابا
الأمس كان لها و إنّ لها غدا
 
تتلفّت الدنيا له إعجابا
غنّيت من قبل المحولة و العرا
 
أفلا تغنّي الروضة المخصابا؟
عطفت لياليها عليك بشاشة
 
فانس الليالي غربة و عذابا
وانشر جناحك فالفضاء منوّر
 
و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا
فلشدو مثلك كوّنت، و لمثلها
 
خلق الإله البلبل المطرابا
ليت الرياض تعيرني ألوانها
 
لأصوغ منها للرئيس خطابا
و أقول إنّي عاجز عن شكره
 
عجز الأنامل أن تلم عبابا
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي
 
مثلي، و تصمت لا تحير جوابا
فلقد رأيت البحر حين رأيته
 
فوقفت مضطرب الرؤى هيّابا
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها
 
خلقت يداك من الشيوخ شبابا
و بلابل كانت تئنّ سجينة
 
أطلقتها و أطرتها أسرابا
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى
 
لو لم تكن بشرا لكنت سحابا
أمل الشبيبة في يديك وديعة
 
فارفع لها الأخلاق و الآدابا
فالجهل أنّي كان فهو عقوبة،
 
و العلم أنّى كان كان ثوابا
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى
 
و تهدّ منّي القلب و الأعصابا
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة
 
و غدا أودّع ها هنا أحبابا