بُدورٌ بِأُفقِ العِلمِ هَذيِ المَواسِمُ
بُدورٌ بِأُفقِ العِلمِ هَذيِ المَواسِمُ المؤلف: شكيب أرسلان |
بُدورٌ بِأُفقِ العِلمِ هَذيِ المَواسِمُ
عَلى البَدرِ قَد لاحَت لَهُنُّ مَواسِمُ
لِتَغدو بِها عَينَ الفَلاحِ قَريرَةً
وَتَبدو ثُغورَ السَعدِ وَهيَ بَواسِمُ
يُقَدَّرُ فيها العِلمُ ما هُوَ كاسِبٌ
وَيَعرِفُ فيها الفَضلَ ما هُوَ غانِمُ
فَتُنتِجُ ما قَد حاوَلَ الجَهدَ في العُلى
وَتُسفِرُ عَمّا باشَرَتهُ العَزائِمُ
شُهورٌ عَلى صِدقِ الفِعالِ أَمينَةٌ
وَلَكِن قَضاةٌ بِالسِباقِ حواكُمُ
مَضاميرُ أَقرانِ النَباهَةِ وَالنُهى
يُمَيِّزُ مَرغومٌ لَدَيها وَراغِمُ
هُوَ الجَدُّ حَتّى البُعدَ لِلقُربِ سابِقُ
وَحَتى الخَوافي خَلفَهُنَّ القَوادِمُ
وَحَتّى تَرى ما كانَ في نَيلِهِ الرَجا
صَريماً قَد التَفَّت عَلَيهِ الصَرائِمُ
وَهَل يَبلُغِ الآمالَ إِلّا مُجاهِدٌ
وَهَل يَطرُدِ الأَهوالَ إِلّا مُقاوِمُ
وَهَل دونَ غايِ الجَهدِ تُدرِكُ غايَةً
وَدونَ اِختِرامِ النَفسِ تَعنو المَخارِمُ
وَكَيفَ يَرجي الوَصلَ مَن لَيسَ يَمتَطي
وَكَيفَ يُزيلُ القَرنَ مَن لا يُصادِمُ
وَلا بُدَّ مِن غَوصِ الفَتى قَصرَ لُجَّةٍ
لِتَخرُجَ غُرّانِ اللآلي الخَضارِمُ
وَمَن مُدرِكٌ مَن فاتَهُ وَهوَ قاعِدٌ
وَمَن لاحَقَ مَن جازَهُ وَهوَ نائِمُ
وَما النَقعُ مِن جَيشٍ تَعَبّى صُفوفُهُ
إِذا لازَمَت أَغمادُهُنَّ الصَوارِمُ
فَإِنَّ تَمامَ الجَهدِ لِلنَجخِ واجِبٌ
وَلَيسَ يَسوغَ الصَدَّ عَمّا يُلائِمُ
وَإِنَّ المُسَمّي العَقلَ في المَرءِ صاحِبٌ
لِعِلمٍ غَدَت مِنهُ عَلَيهِ رَثائِمُ
فَاِجدِر بِخِلٍّ أَن يُصاحِبَ خِلُّهُ
وَلا يَترُكَ المَلزومَ ما هُوَ لازِمُ
وَلِلعَقلِ طولُ العُمرِ بِالعِلمِ صَبوَةٌ
بِلا سَلوَةٍ وَالأَلفِ بِالأَلفِ هائِمُ
اليَفانِ لا يَنفِكَ كُلُّ مَتَيَّما
بِصاحِبِهِ تَعي لَدَيهِ اللَوائِمُ
فَإِن عَدَّ حَقّاً أَفضَلَ الناسِ عالَمُ
فَاِفضِل مِنهُ عاقِلٌ وَهوَ عالَمُ
وَإِن أَمكَنتَ مِن دونِ ذا العِلمِ عِزَّةً
فَبِالعِلمِ أَسنى ما تَسودُ العَوالِمُ
كَما عَزَّ بِالعِلمِ الأَعارِبُ قَبلَنا
فَذُلَّت وَهابَتهُم لِذاكَ الأَعاجِمُ
لَيالي لا أَملاكَ إِلّا مُلوكُهُم
تَعدُ وَلا تيجانٌ إِلّا العَمائِمُ
تُقَدِّمُنا مِنهُم رِجالٌ تَقَدَّموا
وَسادوا وَما في القَومِ الأَضبارِمُ
رِجالٌ مَضوا لَم تُلهِهِم عَن عُلومِهِم
وَشُغلُ الوَرى غاراتِهِم وَالمَلاحِمُ
نِهمَ أَشرَقَت تِلكَ الدِيارُ وَأَزهَرَت
بِأَقطارِنا أَنجادِها وَالتِهائِمُ
قَد اِستَخرَجوا دُرَّ المَعارِفِ بِالعَنا
وَمَوجُ العَوادي حَولَها مُتَلاطِمُ
فَمِنُم بِآثارِ العَدُوِّ صَوائِفٌ
وَمِنهُم لِآثارِ العُلومِ مَعالِمُ
لَقَد أَوسَعوا الأَمرَينِ فَتحاً كَأَنَّما
مَكارِمُهُم في الحالَتَينِ مَغارِمُ
فَغَنَّت رِهامُ الطَيرِ فَوقَ رِياضِهِم
وَأَثنَت عَلَيهِم في النِزالِ القَشاعِمُ
وَسادوا العِدى في كُلِّ أَمرٍ فَأَصبَحَت
بِأَيديهِم أَمصارُهُم وَالعَواصِمُ
وَأَصبَحَ مِنهُم هَؤُلاءِ عَلى الثَرى
كَما سَكَنتَ بَطنَ التُرابِ الأَراقِمُ
يَخافونَ أَمرَ العُربِ حَتّى كَأَنَّما
لَهَيتَهُم فيهِم رَقى وَطَلاسِمُ
وَلَم يَكُ إِلّا العِلمُ عِلَّةَ مَجدِهِم
فَجادَهُم مالاً تَجودُ الغَمائِمُ
فَمَن يَعتَصِم بِالعِلمِ يَمَسُّ مُعَزَّزاً
وَمَن يَفتَتِن عَنهُ تَطَأهُ المَناسِمُ
إِذا ما تَأَمَّلتَ الزَمانَ رَأَيتَهُ
بِكُلِّ نَجاحٍ في العِبادِ يُساهِمُ
فَإِن عَدَّ كَسبَ العِلمِ فينا فَريضَةٌ
فَكُلُّ جَهالاتِ الأَنامِ مَحارِمُ
وَهَل نَرتَضي ذا اليَومَ ذُلّاً بِتَركِهِ
إِذا سادَ فيهِ جيلُنا المُتَقادِمُ
لَعَمري لَقَد كانَت لَنا بِجُدودِنا
مَآثِرَ في حَقِّ القُصورِ مَآثِمُ
فَلا غَروانَ نَقتَصُّ آثارَ مَجدِهِم
طَرائِقُهُم قُدّامُنا وَالمَناجِمُ
وَلِمَ لا نُرَجّي كُلِّ فَوزٍ وَما لَنا
سِوى الفَضلِ في جَنبِ الزَمانِ جَرائِمُ
وَنَعلَمُ أَنّا أَن نَجِدَ نَجدَ وَذا
مُجَرِّبٍ أَمرٍ لَيسَ فيهِ مَزاعِمُ
وَكَيفَ يُرى نيلُ الفَلاحِ بِدونِهِ
وَيَأمَلُ دونَ الجِدِّ ذا النَيلِ حازِمُ
بِعَصرٍ يَفوتُ القوتَ فيهِ مُعِدَّهُ
وَيَعدِمُ وَردَ الماءِ مَن لا يُزاحِمُ
وَقَد نَهَضَت كُلَّ الخَواطِرِ لِلعُلى
وَزادَت جُيوشاً في الصُدورِ الشَكائِمُ
فَكُلُّ فِخارٍ ناهِلُ الفِكرِ حائِمُ
لَهُ وَعَلَيهِ طائِرُ الذِهنِ حائِمُ
فَعَزَّ ما بِنى الأَوطانُ فَالجَهدُ واجِبٌ
بِذا وَبِحَولِ اللَهِ فَالنَصرُ قادِمُ
فَقَد قَيَّضَ الرَحمَنُ فينا ذَرائِعاً
وَقامَت لِهَذا الفَضلَ فينا دَعائِمُ
وَيَومٍ هُوَ المَشهورُ أَيّامَنا بِهِ
مُقَلَّدَةً أَجيادَها وَالمَعاصِمُ
لَدى مَشهَدٍ يَستَوقِفُ الرَكبَ عَن ظَما
وَتَسكُنُ مِن جَفلٍ إِلَيهِ النَعائِمُ
تَناهَب فيهِ الحَمدَ مِن كُلِّ جانِبٍ
كِرامٍ صُنوفَ المَجدِ فيهِم مُقاسِمُ
بِهِم رَجِعَ الفَضلُ الأَصيلِ لِأَهلِهِ
وَعادَت إِلى أَصحابِهِنَّ المَكارِمُ
وَهَل ناجَحَ بِالأَمرِ إِلّا رِجالُهُ
وَهَل ساجَعَ بِالأَيكِ إِلّا الحَمائِمُ
وَهَل يَتَحَرّى الفَضلَ إِلّا عَميدُهُ
وَهَل تَسكُنُ الآجامَ إِلّا الضَراغِمُ
فَسُقياً لِرَوضٍ لِلمَعارِفِ ناضِرٍ
بِها وَعَلَيهِ عارِضُ الفَضلِ ساجِمُ
لِأَطيارِهِ في العِلمِ شَدوٌ وَإِنَّما
بِهِ الطائِرُ المَحكِيُّ في القَولِ جاشِمُ
يَضوعُ لَهُ في الأَرضِ عَرفُ مَعارِفٍ
ثَناٍ عَلى عَرفِ الخَليفَةِ دائِمُ
سَلامٌ عَلى السُلطانِ أَمّا مَرامُهُ
فَنَفعٌ وَأَمّا شُغلُهُ فَالعَظائِمُ
سَليلُ بَني عُثمانَ أَما جِداؤُهُ
فَغَيثٌ وَأَمّا عَزمُهُ فَلَهاذِمُ
أَطاعَ لَهُ البَرّانِ شَرقٌ وَمَغرِبٌ
وَدانَت لَهُ في العَدوَتَينِ الأَناسِمُ
لَهُ بَينَ أَعباءِ الخِلافَةِ في العُلى
صَرائِمٌ إِلّا أَنَّهُنَّ صَوارِمُ
أَقامَ أُمورَ العَرشِ بَعدَ تَظاهَرَت
عَلَيهِ خُطوبٌ لِلظُهورِ قَواصِمُ
وَقامَ بِأَمرِ المُلكِ حَقَّ قِيامِهِ
يُدافِعُ عَنهُ تارَةً وَيُهاجِمُ
فَسَدَّ ثُغورَ المُلكِ بَعدَ اِنثِلامِها
وَجازَ إِلى دارِ الوَغى وَهوَ ثالِمُ
وَاِحكُم إِجراءَ العَدالَةِ في الوَرى
وَعِمتَ لَهُ كُلِّ العِبادِ مَراحِمُ
فَيَوماً تَراهُ وَهوَ لِلرِزقِ قاسِمٌ
وَيَوماً نَراهُ وَهَوَ لِلخَطبِ حاسِمُ
يُسَهَّدُ جَفناً لا يَطيبُ لَهُ الكَرى
وَفي أَرضِ عُثمانَ ظَليمٌ وَظالِمُ
فَلا زالَ بَدراً نورُهُ مُتَكامِلٌ
وَغَيثاً عَلَينا وَدِقُّهُ مُتَراكِمُ
يُعيدُ لَنا عِزَّ الخِلافَةِ عَهدُهُ
وَيَغتَبِطُ الإِسلامُ إِذ هُوَ سالِمُ
تُضيءُ عَلى الدُنيا مَطالِعُ شُكرِهِ
وَتَعطِرُ فيهِ بِالدُعاءِ الخَواتِمُ