اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما
اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما المؤلف: صفي الدين الحلي |
اليَومَ زُعزِعَ رُكنُ المَجدِ وانهدما،
فحُقّ للخلقِ أن تذري الدّموعَ دما
ما من وفيٍّ بكى دمعاً بغيرِ دمٍ،
إلاّ غَدا في صَفاءِ الودّ مُتّهماً
يا فَجعة ً أحدثتْ في المجدِ مُعضِلة ً
تُبلي الصّميمَ وفي سمعِ العُلى صَمَما
شَقُّ الجيوبِ بلا شَقّ القلوبِ بها
خلقٌ ذميمٌ لمن يرعى لها الذّمَما
حتامَ أحزنُ في توديعِ مرتحِلٍ،
وأقرَعُ السّنّ في آثارِهِ نَدَما
من خالطَ الناسَ كانَ الحزنُ غايتَه،
من أكثرَ النّومَ لا يسَتذنبُ الحُلُما
أماتني الحزنُ إلاّ أنّ نطقَ فمي
يحكي الصّدى لنَعيٍّ خطبُهُ عَظُما
أينَ الذي كانَ مَغناهُ لآملِهِ
حصناً، وظلّ فناهُ للنزيلِ حمى
أينَ الذي كانَ مَسعاهُ وبهجَتُه
بَينَ المَمالِك تَجلو الظُّلمَ والظُّلَما
أينَ الذي كانَ نعمَ المُستَشارُ به،
إذا تراكمَ موجُ الشكّ والتطما
وإن غدتْ الملوكِ الأرضِ مشكلة ٌ
غدا لها حكماً ترضى بها حكما
يَقظانُ يُرضيكَ نَجواهُ وخاطرُه،
إن قالَ أفهمَ، أو أسمعتهُ فهما
مضَى الأميرُ عِمادُ الدّينِ عن أَمَمٍ
قد كانَ منها سَناهُ والنّدى أَمَما
فما أرتنا الليالي عندهُ نعماً،
حتى قضَى، فأرَتنا عندَهُ نِقَما
قضَى ديونَ العلى في عزة ٍ وقضَى
عَفَّ الإزارِ بحَبلِ اللَّهِ مُعتَصِما
ما مالَ إلاّ على مالٍ يَجودُ بهِ
على الوَرى ولغَيرِ الخَيلِ ما ظلَما
ولم يُحَرّكْ لساناً في أذَى أحدٍ
من العبادِ، ولا أجرى به قلما
يا ناصرَ الحَقّ لمّاعَزّ ناصِرُهُ،
وذلّ من لم يكن بالجاهِ ملتزما
ما كنتَ إلاّ طرازاً راقَ منظرهُ
على ثيابِ العُلى والمجدِ قد رقِما
ماتتْ لموتكَ خلقٌ كنتَ غيثهمُ،
وهَدّ فَقدُكَ من أهلِ الرّجا أُمَما
لبَّيتَ داعي الرّدى لمّا فُجئتَ بهِ
طَوعاً، ولم تَر منهُ عابساً وَجِما
رَمَيتَ بالذّلّ قَوماً أنتَ عزّهمُ،
وما رَمَيتَ ولكنّ الإلَهَ رَمَى
حلّ الردي بك ضيفاً فانبسطتَ لهُ،
وجُدتَ بالنّفسِ لمّا رامَها كَرَما
قد سلمتكَ الليالي في تصرفِها،
حتى المنية ُ ألقتْ دونكَ السلَما
ففاجأتكَ برفقٍ لم يذقكَ ضنى ً،
ولم تُقاسِ بها في مَرضَة ٍ ألمَا
يا ابنَ الأئمّة ِ والقومِ الذينَ سمَوا
على الأنامِ، فكانوا للهُدى عَلما
مثواكَ في يوم عاشوراءَ يخبرُنا
بقربِ أصلكَ من آبائِكَ الكرَما
وخُلقُك السَّبطُ يا ابن السِّبطِ حن له،
فيومَ مَصرَعهِ من بَينِنا اختُرِما
قد كانَ وجهكَ في الإقبلِ قبلتنا،
فأصبَحَ اسمُكَ فيما بَينَنا قَسَما
وكانَ ملكَ في الأقوامِ منقسماً،
فصارَ حزنكَ بينَ الناسِ مقتسما
كنّا نُعَزّيكَ في الأموالِ تُتلِفُها،
فاليومَ فيك نعزي المجدَ والكرما
أرضعتنا ثدي أنسٍ منكَ تألفهُ،
فاليومَ منك رضيعُ الأنسِ قد فطما
تبدي التواضعَ للاخوانِ منبسطاً،
وإن وَضَعتَ على هامِ السُّها قدَما
بسطتَ لي منكَ أخلاقاً وتكرمة ً،
حتى غدا الودّ فيما بيننا رحما
فكيفَ نحيا، وقد زالَ الحياة ُ لنا،
فإن نمتْ بعدَه حزناً فلا جرما
أبكي عليهِ، وهل يَشفي البكا كمداً،
ولو مزجتُ دموعي بالدماءِ لما
ويكفَ نبكي أمرأً كانَ الإلهُ لهُ
في المالِ والآلِ والخيراتِ قد خَتما
مضَى، وأبقَى لَنا من بَعدِهِ خلَفاً
شملُ العلاءِ بهِ قد عادَ ملتئما