هذا هو سؤال أبي القاسم المغربي:
يتفضل الشيخ الإمام، بقية السلف، وقدوة الخلف، أعلم من لقيت ببلاد المشرق والمغرب، تقي الدين أو العباس أحمد ابن تيمية بأن يوصيني بما يكون فيه صلاح ديني ودنياي، ويرشدني الى كتاب يكون عليه اعتمادي في علم الحديث، وكذلك في غيره من العلوم الشرعية، وينبهني على أفضل الأعمال الصالحة بعد الواجبات، ويبين لي أرجح المكاسب. كل ذلك على قصد الإيماء والاختصار، والله تعالى يحفظه، والسلام الكريم عليه ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. أما الوصية، فما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها. قال تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [1]
ووصى النبي ﷺ معاذا لما بعثه الى اليمن فقال: " يا معاذ: اتق الله حيثما كنت، واتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" [2] وكان معاذ رضي الله من النبي ﷺ بمنزلة عليّة، فإنه قال له: " يا معاذ: والله إني لأحبك" [3] وكان يردفه وراءه. وروي فيه أنه أعلم الأمة بالحلال والحرام [4] وأنه يحشر امام العلماء برتوة [5] أي بخطوة. ومن فضله انه بعثه النبي ﷺ مبلغا عنه، [6] داعيا ومفقها وحاكما الى أهل اليمن.
وكان يشبهه بإبراهيم الخليل عليه السلام، وإبراهيم إمام الناس. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، تشبيها له بإبراهيم. [7]
ثم إنه ﷺ وصاه هذه الوصية، فعُلم أنها جامعة، وهي كذلك لمن عقلها، مع أنها تفسير الوصية القرآنية.
أما بيان جمعها، فلأن العبد عليه حقان: حق الله عز وجل، وحق لعباده. ثم الحق الذي عليه لا بد أن يخل ببعضه أحيانا، إما بترك مأمور به، أو فعل منهي عنه، فقال النبي ﷺ: " اتق الله حيثما كنت"، وهذه كلمة جامعة، وفي قوله: " حيثما كنت"، تحقيق لحاجته الى التقوى في السر والعلانية. ثم قال: " واتبع السيئة الحسنة تمحها"، فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا مضرا أمره بما يصلحه. والذنب للعبد كأنه أمر حتم. فالكيّس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. وإنما قدم في لفظ الحديث "السيئة" وإن كانت مفعولة، لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة فصار كقوله في بول الأعرابي: "صبوا عليه ذنوبا من ماء" [8]
وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو. والذنوب يزول موجبها بأشياء: أحدها التوبة، والثاني الاستغفار من غير توبة. فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال، الثالث: الأعمال الصالحة المكفرة. إما الكفارات المقدرة كما يكفّر المجامع في رمضان والمظاهر ولمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد، بالكفارات المقدرة وهي أربعة أجناس: هدي وعتق وصدقة وصيام. وإما الكفارات المطلقة كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد دلّ على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غُفر له، أو غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن وخصوصا ما صنف في فضائل الأعمال.
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه، فإن الإنسان من حين يبلغ، خصوصا في هذه الأزمنة ونحوها ـ من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه ـ فإن الانسان الذي ينشأ بين أهل علم ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء، فكيف بغير هذا؟
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله، آليهود والنصارى؟ قال: " فمن؟". [9] هذا خبر تصديقه في قوله تعالى: { فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ } [10]، ولهذا شواهد في الصحاح والحسان.
وهذا أمر قد سري في المنتسبين الى الدين من الخاصة، كما قال غير واحد من السلف منهم ابن عيينة. فإن كثيرا من احوال اليهود قد ابتلي به بعض المنتسبين الى العلم، وكثيرا من أحوال النصارى قد ابتلي به بعض المنتسبين الى الدين، كما يبصر ذلك من فهم دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا ﷺ، ثم نزله على أحوال الناس.
وإذا كان الأمر كذلك فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وكان ميتا فأحياه الله وجعل له نورا يمشي به بين الناس، لا بد أن يلاحظ أحوال الجاهلية وطريق الأمتين المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، فيرى إن قد ابتلي ببعض ذلك.
فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات الحسنات. والحسنات ما ندب الله إليه على لسان خاتم النبيين من الأعمال والأخلاق والصفات.
ومما يزيل موجب الذنوب المصائب المكفرة، وهي كل ما يؤلك من هم أو حزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد.
فلما قضى بهاتين الكلمتين: حق الله من عمل الصالح وإصلاح الفاسد، قال: " وخالق الناس بخلق حسن" وهو حق الناس. وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عض. وبعض هذا واجب وبعضه مستحب.
وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا ﷺ فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، هكذا قال مجاهد وغيره وهو تأويل القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، [11] وحقيقته المبادرة الى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
وأما بيان أن هذا كله في وصية الله، فهو أن اسم تقوى الله يجمع فعل كل ما أمر الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها؛ وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد. لكن لما كان تارى يعني بالتقوى خشية العذاب المقتضية للانكاف عن المحارم، جاء مفسرا في حديث معاذ، وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي وصححه [12] قيل: يا رسول الله ما اكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: " تقوى الله وحسن الخلق". قيل: وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: " الأجوفان : الفم والفرج".
وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" [13]
فجعل كمال الإيمان في كمال حسن الخلق. ومعلوم أن الإيمان كله تقوى الله، وتفصيل أصول التقوى وفروعها لا يحتمله هذا الموضع، فإنها الدين كله، لكن ينبوع الخير وأصله: إخلاص العبد لربه عبادة واستعانة كما في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين} [14] وفي قوله: { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [15] وفي قوله: { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [16] وفي قوله: { فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} العنكبوت 17، بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عملا لأجلهم، ويجعل همته ربه تعالى. وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقة وحاجة ومخافة غير ذلك، والعمل له بكل محبوب. ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك.
وأما ما سألت عنه من أفضل الأعمال بعد الفرائض فإنه يختلف بإختلاف الناس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاتهم، فلا يمكن فيه جواب جامع مفصل لكل أحد، لكن مما هو الإجماع بين العلماء باله وأمره: إن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة، وعلى ذلك دلّ حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم : " سبق المفرّدون" [17] قالوا: يا رسول الله، ومن المفرّدون؟ قال: " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات". وفيما رواه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " ذكر الله" [18] والدلائل القرآنية والإيمانية بصرا وخبرا ونظرا على ذلك كثيرة. وأقل ذلك أن يلازم العبد الأذكار المأثورة عن معلم الخير وإمام المتقين ﷺ كالأذكار المؤقتة: في أول النهار وآخره، وعند أخذ المضجع، وعند الاستيقاظ من المنام، وأدبار الصلوات، والأذكار المقيّدة: مثل ما يقال عند الأكل والشرب واللباس والجماع، ودخول المنزل والمسجد والخلاء والخروج من ذلك، وعند المطر والرعد، الى غير ذلك، وقد صنفت له الكتب المسماة بعمل يوم وليلة. [19] ثم ملازمة الذكر مطلقا، وأفضله لا اله الا الله. وقد تعرض أحوال يكون بقية الذكر مثل سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله أفضل منه.
ثم يعلم أن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرّب الى الله تعالى من تعلم علم وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر فهو من ذكر الله. ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسا يتفقه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقها، فهذا أيضا من أفضل ذكر الله. وعلى ذلك إذا تدبرت ولم تجد بين الأولين في كلماتهم في أفضل الأعمال كبير اختلاف.
وما اشتبه أمره على العبد فعليه بالاستخارة المشروعة، فما ندم من استخار الله تعالى. وليكثر من ذلك ومن الدعاء، فإنه مفتاح كل خير، ولا يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي. وليتحرّ الأوقات الفاضلة كآخر الليل وأدبار الصلوات وعند الآذان، ووقت نزول المطر ونحو ذلك.
واما أرجح المكاسب: فالتوكل على الله، والثقة بكفايته، وحسن الظن به. وذلك أنه ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه الى الله ويدعوه، كما قال سبحانه فيما يأثر عن نبيّه: " كلم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم" [20] وفيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره له لم يتيسر" * [3682 تحفة الأحوذي]</ref> وقد قال الله تعالى في كتابه: { وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ } النساء 32، وقال سبحانه: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الجمعة، وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع الصلوات. ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر النبي ﷺ للذي يدخل المسجد أن يقول: " اللهم اقتح لي أبواب رحمتك" [21] وإذا خرج أن يقول: " اللهم أني أسألك من فضلك" [22] وقد قال الخليل ﷺ: { فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ } [23] وهذا أمر، والأمر يقتضي الإيجاب. فالاستعانة بالله واللجوء اليه في أمر الرزق وغيره أصل عظيم.
ثم ينبغي له أن ياخذ المال بسخاوة ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج اليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء. وفي الحديث المرفوع رواه الترمذي وغيره: " من أصبح والدنيا همه شتت الله عليه شمله، وفرق عليه ضيعته، ولم ياته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن أصبح والاخرة أكبر همّه جمع الله عليه ما شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" [24]
وقال بعض السلف: أنت محتاج الى الدنيا وأنت الى نصيبك من الاخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما. قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } الذاريات.
فأما تعيين مكسب على مكسب من صناعة أو تجارة أو بناية أو حراثة أو غير ذلك فهذا مختلف باختلاف الناس، ولا أعلم في ذلك شيئا عاما، لكن إذا عنّ للإنسان جهة فليستخر الله تعالى فيها الاستخارة المتلقاة عن معلم الخير ﷺ، فإن فيها من البركة ما لا يحاط به. ثم ما تيسر له فلا يتكلف غيره إلا أن يكون منه كراهة شرعية. * روى البخاري [1162 فتح الباري] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السور من القرآن، يقول: " إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرك، وأسألك من فضلك العظيم. فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: بعاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني، واصرفني عنه. واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به". قال: " ويسمي حاجته".
وأما ما تعتمد عليه من الكتب والعلوم فهذا باب واسع، وهو أيضا يختلف باختلاف نشء الانسان في البلاد، فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر، لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي ﷺ، فإنه هو الذي يستحق أن يُسمّى علما، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعا، وإما أن لا يكون علما وإن سُمّي به. ولئن كان علما نافعا فلا بد أن يكون في ميراث محمد ﷺ ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه. ولتكن همته فهم مقاصد الرسول في أمره ونهيه وسائر كلامه. فإذا اطمأن قلبه أن هذا هو مراد الرسول فلا يعدل عنه فيما بينه وبين الله تعالى ولا مع الناس إذا أمكنه ذلك.
وليجتهد أن يعتصم في كل باب من أبواب العلم بأصل مأثور عن النبي ﷺ. وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه الناس فليدع ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ كان يقول إذا قام يصلي من الليل: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلق فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم". [25] فإن الله تعالى قد قال فيما رواه عنه رسوله: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم".
وأما وصف الكتب والمصنفين، فقد سمع منا في أثناء المذاكرة ما يسّره الله سبحانه. وما في الكتب المصنفة المبوبة كتاب أنفع من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحر في أبواب العلم، إذ لا بد من معرفة أحاديث أخر وكلام أهل العلم في الأمور التي يختص بعلمها بعض العلماء. وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابا، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالا، كما قال النبي ﷺ لابن لبيد الأنصاري: " أوليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ فماذا تغني عنهم؟". [26]
فنسأل الله العظيم أن يرزقنا الهدى والسداد، ويلهمنا رشدنا، ويقينا شرّ أنفسنا، وان لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمه إنه هو الوهاب.
والحمد لله رب العالمين وصلواته على أشرف المرسلين.
هامش
- ↑ النساء 131
- ↑ رواه الامام أحمد في مسنده [5\266]
- ↑ رواه أبو داود[1522]، والنسائي [ 3\53]
- ↑ جزء من حديث طويل رواه الترمذي [ 3791] وابن ماجه [ 154]
- ↑ طبقات ابن سعد [2: 347]، وابن حجر في الإصابة [3\427].
- ↑ كما في حديث البخاري [1395 فتح الباري]
- ↑ الإصابة [ 3\427].
- ↑ أبو داود [380] وأصله في الصحيحين.
- ↑ البخاري [ 7320] ومسلم ] 2669].
- ↑ التوبة 69
- ↑ رواه مسلم [746] بنحوه في جملة حديث طويل
- ↑ انظر تحفة الأحوذي [ 2072]
- ↑ رواه أبو داود [4682] بهذا اللفظ من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الحاكم ورواه الترمذي بزيادة [1172 تحفة الأحوذي] عنه أيضا وصححه.
- ↑ الفاتحة
- ↑ هود 123
- ↑ الشورى
- ↑ [2676]
- ↑ هذا الحديث لم يخّرجه أبو داود في سننه ولكن الترمذي [3437 تحفة الأحوذي] وابن ماجه [ 3790].
- ↑ مثل كتاب الأذكار لللإمام النووي وقد اختصره في كتابه الكلم الطيب.
- ↑ رواه مسلم [2577]
- ↑ رواه مسلم [ 713]
- ↑ رواه مسلم [713]
- ↑ العنكبوت 17
- ↑ [تحفة الأحوذي 2583] وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما قال الحافظ. وأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى صحيحة [4105] كما نقله المحقق الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي عن الزوائد.
- ↑ [مسلم 770]
- ↑ رواه الترمذي [تحفة الأحوذي 2791]