الرئيسيةبحث

الوسيط في المذهب/الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الْقسم الأول فى الْمُقدمَات وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى الْمِيَاه الطاهرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والطهورية

مُخْتَصَّة بِالْمَاءِ من بَين سَائِر الْمَائِعَات أما فى طَهَارَة الْحَدث

فبالإجماع وَأما فى طَهَارَة الْخبث فَعِنْدَ الشَّافِعِي خلافًا لأبي حنيفَة راضي

الله عَنْهُمَا

واختصاص الطّهُورِيَّة بِهِ إِمَّا تعبد لَا يعقل مَعْنَاهُ وَإِمَّا أَن يُعلل باختصاص المَاء بِنَوْع من اللطافة والرقة وَتفرد فى التَّرْكِيب لَا يُشَارِكهُ فِيهَا سَائِر الْمَائِعَات وَهُوَ الْأَقْرَب

ثمَّ الْمِيَاه ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول مَا بَقِي على أَوْصَاف خلقته فَهُوَ الطّهُور

فَيدْخل تَحْتَهُ مَاء الْبِئْر وَمَاء الْبَحْر وكل مَا نبع من الأَرْض أَو نزل من السَّمَاء وَهُوَ المَاء الْمُطلق حَقًا وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا الْحَد إِلَّا المَاء الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث فَإِنَّهُ عِنْد الشَّافِعِي طَاهِر غير طهُور وَعند مَالك رَضِي الله عَنهُ طهُور وَهُوَ قَول

للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَعند أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ نجس

وَيدل على طَهَارَته قلَّة احْتِرَاز الْأَوَّلين مِنْهُ وَأَنه لم يلق محلا نجسا وَيدل على سُقُوط طهوريته أَن الْأَوَّلين فى إعواز المَاء لم يجمعوا المَاء الْمُسْتَعْمل

ليستعملوه ثَانِيًا ثمَّ سُقُوط الطّهُورِيَّة بِاعْتِبَار مَعْنيين أَحدهمَا تأدي الْعِبَادَة بِهِ وَالْآخر انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ فَإِن انْتَفَى المعنيان فطهور كالمستعمل فى الكرة الرَّابِعَة وَإِن وجد أحد

الْمَعْنيين دون الثَّانِي فَوَجْهَانِ كالمستعمل فى الكرة الثَّانِيَة أَو فى التَّجْدِيد فَإِنَّهُ لم يُوجد

انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ

والذى استعملته الذِّمِّيَّة حَتَّى تحل لزَوجهَا الْمُسلم فَإِنَّهُ وجد انْتِقَال الْمَنْع

وَلم يُوجد تأدي الْعِبَادَة إِلَّا إِذا لم نوجب الْإِعَادَة عَلَيْهَا إِذا أسلمت فروع أَرْبَعَة الأول الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث هَل يسْتَعْمل فى الْخبث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن للْمَاء قوتين وَلم يسْتَوْف إِلَّا إِحْدَاهمَا وَالثَّانِي لَا لِأَن تِلْكَ الْقُوَّة فى حكم خصْلَة وَاحِدَة لَا تتجزأ وَهَذَا كَمَا أَن الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث لَا يسْتَعْمل فى الْجَنَابَة وَلَا يُقَال إِن هَذِه الْقُوَّة بَاقِيَة

الثَّانِي إِذا جمع المَاء الْمُسْتَعْمل حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يعود طهُورا كَالْمَاءِ النَّجس إِذا جمع فَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَلِأَن الْكَثْرَة

تدفع حكم الِاسْتِعْمَال فَإِذا طرأت تقطع حكمه كالنجاسة وَالثَّانِي لَا يعود طهُورا لِأَن حكم النَّجَاسَة يسْقط إِذا انغمرت واستهلكت بِكَثْرَة المَاء وَأَن الإستعمال أبطل قُوَّة المَاء فَيلْحق بِمَاء الْورْد وَسَائِر الْمَائِعَات الثَّالِث إِذا انغمس الْجنب فى مَاء قَلِيل وَخرج ارْتَفَعت جنابته وَصَارَ المَاء مُسْتَعْملا

وَقَالَ الخضري من أَصْحَابنَا لَا ترْتَفع لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا بملاقاة أول جُزْء مِنْهُ وَهُوَ غلط إِذْ حكم الإستعمال إِنَّمَا يثبت بالإنفصال وَلَا يثبت

حَالَة تردده على الْأَعْضَاء

الرَّابِع الْمُحدث إِذا أَدخل يَده فى الْإِنَاء بعد غسل الْوَجْه وَكَانَ قد نوى رفع الْحَدث صَار المَاء مُسْتَعْملا إِذا انفصلت الْيَد من المَاء فطريقة أَن يقْصد الاغتراف والتنحية حَتَّى لَا يصير مُسْتَعْملا فَإِن غفل عَن نِيَّة رفع الْحَدث وَعَن قصد الاغتراف فَالْمَشْهُور أَنه يصير مُسْتَعْملا

وَيتَّجه أَن يُقَال هَيْئَة الاغتراف صارفة للملاقاة إِلَى هَذِه الْجِهَة بِحكم الْعَادة فَلَا يصير مُسْتَعْملا الْقسم الثَّانِي فِيمَا تغير عَن وصف خلقته وَلَكِن تغيرا يَسِيرا لَا يزايله اسْم المَاء الْمُطلق فَهُوَ طهُور كَالْمَاءِ الْمُتَغَيّر بطول الْمكْث أَو الْمُتَغَيّر بزعفران يسير ظهر عَلَيْهِ أدنى ظُهُور فَإِنَّهُ طهُور على الْمَذْهَب

وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيّر بِمَا يجاوره كالعود والعنبر والكافور الصلب وَكَذَا الْمُتَغَيّر بِمَا يتَعَذَّر صون المَاء عَنهُ كالتراب والزرنيخ والنورة وَمَا لَا يَخْلُو المَاء عَنهُ فى مقره فَإِن اسْم المَاء الْمُطلق لَا ينسلب بِهِ وَكَذَلِكَ المسخن والمشمس

نعم فى المشمس كَرَاهِيَة من جِهَة

الطِّبّ

لِأَن حمي الشَّمْس يفصل من الْإِنَاء أَجزَاء تعلو المَاء كالهباء فَإِذا لَاقَى الْبدن أورث البرص ثمَّ اخْتلفُوا فى أَن هَذِه الْكَرَاهِيَة هَل تخْتَص بالبلاد الحارة وبالأواني المنطبعة وبقصد التشميس وَهَذَا خلاف لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهِيَة إِلَّا من جِهَة الطِّبّ والمحذور من جِهَة الطِّبّ يخْتَص بالحرارة المفرطة وَلَا يخْتَص بِوُجُود الْقَصْد وَيخْتَص بالجواهر المنطبعة فَلَا يجْرِي فى الْخشب والخزف وَالْجَلد وَلَعَلَّه لَا يجْرِي فى الذَّهَب وَالْفِضَّة من المنطبعات لصفاء جوهريهما

الْقسم الثَّالِث مَا تفاحش تغيره بمخالطة مَا يَسْتَغْنِي المَاء عَنهُ بِحَيْثُ لَا يفهم من مُطلق اسْم المَاء فَإِن استجد اسْما آخر كالحبر والصبغ والمرقة فَلَيْسَ بِطهُور بِالْإِجْمَاع وَإِن لم يستجد اسْما مُنْفَردا فَلَيْسَ بِطهُور أَيْضا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلافًا لأبي حنيفَة

رَحْمَة الله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تعبد بِالْوضُوءِ بِالْمَاءِ وَقد سقط اسْم المَاء وَإِن لم يَتَجَدَّد اسْم آخر فروع أَرْبَعَة الأول فى الْمُتَغَيّر بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَيْسَ بِطهُور لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف فَإِن التَّغَيُّر بِالتُّرَابِ لَا يسلب اسْم المَاء وَيعلم أَن الْأَوَّلين كَانُوا إِذا رَأَوْا مَا متغيرا بِالتُّرَابِ لم يبحثوا عَن سَببه وَلِأَن التُّرَاب مجاور لَهُ فَإِنَّهُ يرسب على الْقرب وينفصل عَن

المَاء الثَّانِي إِذا تغير المَاء بالملح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَيفرق فى الثَّالِث بَين الْجبلي والمائي وَيُشبه المائي بالجمد وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَو كَانَ كالجمد لذاب فى الشَّمْس وَلَكِن تَعْلِيله التَّشْبِيه بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فَإِن مَاء الْبَحْر

مالح وملوحته من أَجزَاء سبخَة فى الأَرْض تَنْتَشِر فِيهِ ثمَّ هُوَ طهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقصد آدَمِيّ فَإِذا طرح قصدا خرج على الْخلاف الثَّالِث الأوراق إِذا تناثرت فى المَاء فَمَا دَامَت مجاورة لَا تضر وَإِن تعفنت واختلطت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فى الثَّالِث بَين الخريفي والربيعي لتعذر الِاحْتِرَاز عَن الخريفي

الرَّابِع إِذا صب مِقْدَار من مَاء الْورْد أَو غَيره من الْمَائِعَات على مَاء قَلِيل وَكَانَ بِحَيْثُ لَو خَالف لَونه لون المَاء لتفاحش تغيره خرج عَن كَونه طهُورا وَإِن كَانَ أقل مِنْهُ فَلَا يخرج عَن كَونه طهُورا فَلَو اسْتعْمل الْكل فَهُوَ جَائِز على

الظَّاهِر

وَمِنْهُم من قَالَ إِذا بَقِي قدر ذَلِك الْمَائِع لم يجز اسْتِعْمَاله لِأَنَّهُ عِنْد ذَلِك يتَحَقَّق أَن الْجَارِي على بعض أَعْضَائِهِ لَيْسَ بِمَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا صَار مغمورا ثَبت للْكُلّ حكم المَاء فَلَا يفصل جُزْء عَن جُزْء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى الْمِيَاه النَّجِسَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فى النَّجَاسَات والأعيان تَنْقَسِم إِلَى حيوانات وجمادات والجمادات أَصْلهَا على الطَّهَارَة إِلَّا الْخمر فَإِنَّهَا نَجِسَة تَغْلِيظًا وفى مَعْنَاهَا كل

نَبِيذ مُسكر وَكَذَا الْخمر المحترمة على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَأما الْحَيَوَانَات مَا دَامَت حَيَّة فأصلها على الطَّهَارَة إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر فَإِذا مَاتَت فأصلها على النَّجَاسَة إِلَّا فى أَرْبَعَة أَجنَاس

الأول الْآدَمِيّ فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب الصَّحِيح

لِأَنَّهُ تعبد بِغسْلِهِ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق بكرامته الحكم بِنَجَاسَتِهِ الثَّانِي السّمك وَالْجَرَاد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيتَتَانِ السّمك وَالْجَرَاد والدمان الكبد وَالطحَال

الثَّالِث مَا يَسْتَحِيل من الطَّعَام كدود الْخلّ والتفاح فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب وَيحل أكله على أحد الْوَجْهَيْنِ وَقيل إِنَّه حرَام

لتحَقّق الْمَوْت الرَّابِع مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة كالذباب والبعوض والخنافس والعقارب فَفِي نَجَاسَة المَاء بموتها قَولَانِ الْجَدِيد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَن

المَاء لَا ينجس بِهِ ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا خلاف فى أَن هَذِه الْحَيَوَانَات هَل تنجس بِالْمَوْتِ وَكَأن عِلّة النَّجَاسَة احتباس الدَّم المعفن الْخَفي فى الْبَاطِن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تنجس بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا لَا ينجس المَاء فى قَول لتعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فى أَنه هَل يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهل يفرق بَين مَا يعم كالبعوض والذباب أَو لَا يعم كالعقارب

هَذَا حكم الْحَيَوَانَات فَأَما أجزاؤها فَكل عُضْو أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت إِلَّا الْعظم وَالشعر فَفِيهِ خلاف سَيَأْتِي

أما الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِلَة عَن بَاطِن الْحَيَوَان فَكل مترشح لَيْسَ لَهُ مقرّ يَسْتَحِيل فِيهِ كالدمع واللعاب والعرق فَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان طَاهِر وَمَا اسْتَحَالَ فى الْبَاطِن فأصله على النَّجَاسَة كَالدَّمِ وَالْبَوْل والعذرة إِلَّا مَا هُوَ مَادَّة الْحَيَوَانَات كاللبن

والمني وَالْبيض

وَالنَّظَر فى فضلات خَمْسَة الأولى الدَّم والقيح فَهُوَ نجس من كل حَيَوَان إِلَّا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لما رُوِيَ أَن أَبَا طيبَة الْحجام شرب دَمه فَقَالَ لَهُ إِذا لَا يبجع بَطْنك أبدا

الثَّانِيَة الْبَوْل والعذرة نجس من كل حَيَوَان وَيسْتَثْنى عَنهُ موضوعان الأول بَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان وَجه الطَّهَارَة لما رُوِيَ أَن أم أَيمن شربت بَوْله فَلم يُنكر عَلَيْهَا فَقَالَ إِذا تلج النَّار بَطْنك

الثَّانِي رَوْث السّمك وَالْجَرَاد وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لِأَنَّهُ إِذا حكم بِطَهَارَة ميتتهما فكأنهما فى معنى النَّبَات وَهَذِه رطوبات فى بَاطِنهَا

فَأَما بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه فنجس خلافًا لِأَحْمَد وَمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَماعَة أصفرت وُجُوههم لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فشربتم من أبوالها وَأَلْبَانهَا

فَفَعَلُوا ذَلِك فصحوا فَهَذَا مَحْمُول على التَّدَاوِي وَهُوَ جَائِز بِجَمِيعِ النَّجَاسَات إِلَّا بِالْخمرِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بِالْخمرِ فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم

وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن من غص بلقمة لَهُ أَن يسيغها بِخَمْر إِن لم يجد غَيرهَا فَمن أَصْحَابنَا من جوز التَّدَاوِي قِيَاسا على إساغة اللُّقْمَة وَحمل الحَدِيث على صُورَة علم أَن الشِّفَاء لَا يحصل بهَا الثَّالِثَة الألبان وهى طَاهِرَة من الْآدَمِيّ وكل حَيَوَان مَأْكُول وَالْمذهب نجاستها

من كل حَيَوَان لَا يُؤْكَل لِأَنَّهَا من بَين فرث وَدم وَإِنَّمَا طَهَارَتهَا لحل التَّنَاوُل وَاخْتلفُوا فى الإنفحة وهى لبن يَسْتَحِيل فى جَوف الخروف والجدي

وَغَيرهمَا وَالْقِيَاس نجاستها وَمِنْهُم من حكم بِالطَّهَارَةِ إِذْ بهَا يجبن اللَّبن والأولون لم يحترزوا مِنْهُ الرَّابِعَة الْمَنِيّ فَهُوَ طَاهِر من الْآدَمِيّ خلافًا لأبي حنيفَة

ومني سَائِر الْحَيَوَانَات الطاهرة فِي ثلَاثه أوجه أَحدهَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ وَالثَّانِي النَّجَاسَة فَإِن ذَلِك تكرمة للآدمي وَالثَّالِث أَنه طَاهِر من الْحَيَوَان الْمَأْكُول تَشْبِيها ببيض الطَّائِر الْمَأْكُول وَأما مني الْمَرْأَة فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن رُطُوبَة بَاطِن فرجهَا طَاهِر أَو نجس وَفِيه وَجْهَان

وَالْخَامِسَة الْبيض وَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان مَأْكُول وَمِمَّا لَا يُؤْكَل لَحْمه فَوَجْهَانِ وَإِذا استحالت مذرة فَتخرج على الْوَجْهَيْنِ فى الْمَنِيّ إِذا اسْتَحَالَ مُضْغَة فَفِي وَجه تستدام الطَّهَارَة وفى وَجه يحكم بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ دَمًا

فروع أَرْبَعَة الأول إِذا مَاتَت الدَّجَاجَة وفى بَطنهَا بيض فَهَل ينجس فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم كاللبن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُنْعَقد فى نَفسه لَا يمتزج بِغَيْرِهِ

الْفَرْع الثَّانِي إِذا أبين عُضْو فى الْآدَمِيّ أَو السَّمَكَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَاهِر وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن مَا أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت وَلَا تزيد الْإِبَانَة على الْمَوْت الثَّالِث دود القز طَاهِر وَيجوز بَيْعه وفى روثه وبزره من الْخلاف الذى فِي بيض الْحَيَوَان الذى لَا يَأْكُل يُؤْكَل

الرَّابِع الْمسك طَاهِر وَفِي فأرته وَجْهَان أصَحهمَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ لم

يحْتَرز الْأَولونَ من استصحابه

الْفَصْل الثَّانِي فى المَاء الراكد إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة أما الْقَلِيل فيتنجس وَإِن لم يتَغَيَّر مهما وَقع فِيهِ نَجَاسَة يُدْرِكهَا الطّرف فَإِن كَانَ لَا يُدْرِكهَا فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مُخْتَلف فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجْتَنب فى المَاء وَالثَّوْب لتحَقّق وُصُول النَّجَاسَة وَالثَّانِي أَنه يُعْفَى عَنهُ لتعذر الإحتراز مِنْهُ وَمِنْهُم من قَالَ يُعْفَى عَنهُ فى المَاء وَلَا يُعْفَى فى الثَّوْب على وفْق النصين لِأَن أَكثر ذَلِك يَقع بطيران الذُّبَاب من النَّجَاسَة وَلَا يُمكن صون المَاء عَنهُ وصون الثَّوْب عَنهُ مُمكن فَإِن فى طيرانها مَا يجفها وصونه عَن غَيره من النَّجَاسَات

مُمكن وَهُوَ الْأَصَح وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ يُعْفَى فى الثَّوْب لِأَنَّهُ بارز للنجاسات وتغطية المَاء مُمكن وَهَذَا خلاف النَّص وَلَعَلَّ الصَّحِيح أَن مَا انْتَهَت قلته إِلَى حد لَا يُدْرِكهُ الطّرف مَعَ مُخَالفَة لَونه للون مَا اتَّصل بِهِ فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكهُ الطّرف عِنْد تَقْدِير اخْتِلَاف اللَّوْن فَلَا يُعْفَى عَنهُ

قَالَ مَالك المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غير طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَفرق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بَين الْقَلِيل وَالْكثير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا فَإِذا بلغ قُلَّتَيْنِ فينجس إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ وَإِن كَانَ التَّغَيُّر يَسِيرا ثمَّ يعود طَاهِرا مهما زَالَ التَّغَيُّر بهبوب الرّيح وَطول الْمكْث

وَلَو زَالَ بِوُقُوع الزَّعْفَرَان أَو الْمسك فَلَا لِأَنَّهُ لستتار لَا زَوَال وَلَو زَالَ بِوُقُوع التُّرَاب منشؤهما التَّرَدُّد فى أَن التُّرَاب سَاتِر أم مُبْطل فَإِن قيل مَا حد الْقلَّتَيْنِ

قُلْنَا قيل خَمْسمِائَة من وَقيل خَمْسمِائَة رَطْل والأقسط مَا ارْتَضَاهُ الْقفال وَصَاحب الْكَافِي أَنَّهَا ثَلَاثمِائَة من لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من استقلاق الْبَعِير وابل الْعَرَب ضِعَاف لَا تحمل أَكثر من مائَة وَسِتِّينَ منا

فيحط عَنهُ عشرَة أمنان للراوية والحبال

وَالصَّحِيح أَن هَذَا تقريب وَلَيْسَ بتحديد فعلى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَو نقص

رطلان لم يضر وَلم يسمحوا بِثَلَاثَة وَمِنْهُم من لم يسمح بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يضر نُقْصَانا نصف الْقرْبَة وَهُوَ الذى تردد فِيهِ ابْن جريج إِذْ قَالَ لقد رَأَيْت قلال هجر فَكَانَت الْقلَّة تسع قربتين أَو قربتين وشيئا وَلَعَلَّ الْأَقْرَب أَن يُقَال إِذا نقص قدر لَو طرح عَلَيْهِ من الزَّعْفَرَان مثل مَا طرح على الْكَمَال لظهر التَّفَاوُت للحس فَهُوَ مُؤثر وَهَذَا الضَّبْط أولى من التَّقْدِير بالأرطال فَإِن ذَلِك تشوف إِلَى التَّحْدِيد

فَإِن وَقع الشَّك فى أَن النَّاقِص فَوق هَذَا الْقدر أَو دونه فَيحْتَمل أَن يُقَال الأَصْل النَّجَاسَة إِلَى أَن تستيقن الْكَثْرَة الدافعة أَو يُقَال الأَصْل طَهَارَة المَاء إِلَى أَن يستيقن النُّقْصَان وَالِاحْتِمَال الأول أظهر

فروع خمس الأول إِذا وَقعت نَجَاسَة مائعة فى قُلَّتَيْنِ فَالْكل طَاهِر وَإِن كَانَت جامدة فَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا يجوز الاغتراف إِلَّا بعد التباعد عَنْهَا بقلتين وَالْقَوْل الْقَدِيم وَعَلِيهِ فَتْوَى الْأَكْثَرين أَنه لَا يجب التباعد عَنْهَا بقلتين

لِأَن المَاء الْكثير دَافع للنَّجَاسَة بكثرته فالاغتراف من جوارها لَيْسَ بأبعد من الاغتراف من جوَار المَاء المجتنب بِسَبَبِهَا

فَإِن أَوجَبْنَا التباعد فَلَو كَانَ فى بَحر فتباعد بِقدر شبر ليحسب العمق فى قُلَّتَيْنِ لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يتباعد قدرا لَو حسب مثله فى العمق وَسَائِر الجوانب كَانَ قُلَّتَيْنِ

الثَّانِي قلتان نجستان جمعتا عادتا طاهرتين فَإِذا فرقتا بَقِيَتَا على الطَّهَارَة وَلم يضر التَّفْرِيق الثَّالِث كوز فِيهِ مَاء نجس غمس فى مَاء كثير فَإِن كَانَ الْكوز وَاسع الرَّأْس طهر بالاتصال بالكثير إِن مكث سَاعَة وَهل يطهر على الْفَوْر فِيهِ خلاف وَإِن كَانَ الْكوز ضيق الرَّأْس فالأشهر أَنه لَا يطهر لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ قوته وَلَا يصير كالجزء مِنْهُ

الرَّابِع إِذا وَقعت نَجَاسَة جامدة فى المَاء الْكثير وَتَروح بهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا ينجس لِأَنَّهُ تغير بالمجاورة وَالثَّانِي ينجس لِأَنَّهُ تغير بعد الْوُقُوع فِيهِ والتغير بِهِ يعد مستقذرا الْخَامِس إِذا وَقع فى الْبِئْر نَجَاسَة وغيرته فالطريق أَن يزَال تغيره بالمكاثرة بِالْمَاءِ أَو بِالصبرِ حَتَّى يَزُول بطول الْمكْث فَإِن وَقعت فِيهِ فَأْرَة وانمعطت شعورها فَكل دلو يستقيه لَا يَنْفَكّ عَن شعر فى غَالب الْأَمر فالطريق أَن يستقى المَاء بدلاء على الْوَلَاء إِلَى أَن تنزف مثل جمة الْبِئْر مرّة أَو مَرَّات استطهارا

فَمَا يَتَجَدَّد بعد ذَلِك من المَاء طَاهِر لِأَنَّهُ مستيقن الطَّهَارَة وَكَون الشّعْر فِيهِ

مشكوكا فِيهِ بل الْغَالِب عَدمه لِأَن اسْتِيفَاء جَمِيع المَاء على الْوَلَاء يستوعب جيمع الشّعْر فِي غَالب الْأَمر

الْفَصْل الثَّالِث فِي المَاء الْجَارِي وطبيعة المَاء الْجَارِي التفاصل فى الجريات بِخِلَاف الراكد فَإِن طَبِيعَته التواصل والتراد فَإِذا وَقعت نَجَاسَة فَإِن كَانَت جامدة تجْرِي بجري المَاء فَمَا فَوْقهَا طَاهِر إِذْ لم يتَّصل بِالنَّجَاسَةِ فَإِن الجريات متفاصلة وَمَا تحتهَا طَاهِر إِذْ النَّجَاسَة لم تتصل بهَا وَمَا على يَمِينهَا وشمالها وفى سمتها إِلَى العمق طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِالطَّهَارَةِ لتفاصل جَمِيع أَجزَاء الْجَارِي وَمِنْهُم من خرج على قولي التباعد لِأَن التفاصل فى جِهَة تلاحق الجرايات فى طول النَّهر لَا فى الْعرض فَإِن كَانَت النَّجَاسَة واقفة فَالْحكم مَا سبق إِلَّا مَا أَمَام النَّجَاسَة فَإِن المَاء يجْرِي

عَلَيْهَا وينفصل عَنْهَا فَهُوَ نجس فِيمَا دون الْقلَّتَيْنِ فَإِذا انْتهى إِلَى حد الْقلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص هُوَ طَاهِر لِأَن بَين المغترف وَبَين النَّجَاسَة قُلَّتَيْنِ وَقَالَ ابْن سُرَيج هُوَ نجس فَإِن امْتَدَّ الْجَدْوَل فراسخ إِلَى أَن يجْتَمع فى حَوْض قدر قُلَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن جريات المَاء متفاصلة فَلَا تحصل الْكَثْرَة إِلَّا

بالركود إِمَّا إِن كَانَت النَّجَاسَة مائعة فَإِن غيرت المَاء فالقدر الْمُتَغَيّر كنجاسة جامدة وَإِن انمحقت لَا ينجس المَاء وَإِن كَانَ قَلِيلا لِأَن الْأَوَّلين مَا زَالُوا يَتَوَضَّئُونَ ويستنجون

من الْأَنْهَار الصَّغِيرَة هَذَا فى الْأَنْهَار المعتدلة أما النَّهر الْعَظِيم الذى يُمكن التباعد فِيهِ عَن جَمِيع جَوَانِب النَّجَاسَة بِقدر قُلَّتَيْنِ

فَصَاعِدا الذى قطع بِهِ مُعظم الْأَئِمَّة أَنه لَا يجْتَنب فِيهِ إِلَّا حَرِيم النَّجَاسَة وَهُوَ الذى تغير شكله بِسَبَب النَّجَاسَة وَهَذَا الْحَرِيم مجتنب فى المَاء الراكد أَيْضا فرع الْحَوْض إِذا كَانَ يجْرِي المَاء فى وَسطه وطرفاه راكدان فللطرفين حكم الراكد وللمتحرك حكم الْجَارِي فَلَو وَقعت نَجَاسَة فى الْجَارِي فَلَا ينجس الراكد إِذا لم

نوجب التباعد وَإِن كَانَ الْجَارِي قَلِيلا وَإِن وَقعت فى الراكد وَهُوَ أقل من الْقلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس والجاري يلاقي فى جَرَيَانه مَاء نجسا فَإِن كَانَ يخْتَلط بِهِ مَا يُغَيِّرهُ لَو خَالفه لَونه فينجسه

الْفَصْل الرَّابِع فى كَيْفيَّة إِزَالَة النَّجَاسَة وَحكم الغسالة والنجاسة لَا تَخْلُو إِن كَانَت حكمِيَّة فَيَكْفِي إِجْرَاء المَاء على جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة فَلَا بُد من إِزَالَة عينهَا فَإِن بَقِي طعم النَّجَاسَة لم يطهر فَإِنَّهُ يدل على بَقَاء الْعين وَإِن بَقِي اللَّوْن بعد الحت وَالْقَرْض فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ لتعذر إِزَالَته بِخِلَاف إِزَالَة الطّعْم وَإِن بقيت

الرَّائِحَة فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه كاللون لِأَنَّهَا تعبق بِالثَّوْبِ إِذا كَانَت فائحة ويعسر إِزَالَتهَا ثمَّ يسْتَحبّ الِاسْتِظْهَار فى العينية والحكمية بعد حُصُول الطَّهَارَة بغسلة ثَانِيَة وثالثة وَهل تقف الطَّهَارَة على عصر الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن الغسالة طَاهِرَة أَو نَجِسَة

فَإِن قُلْنَا يجب الْعَصْر فَفِي الِاكْتِفَاء بالجفاف وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنا نقدر انْتِقَال النَّجَاسَة بالعصر وَلَا يَزُول بالجفاف إِلَّا بَلل المَاء

هَذَا إِذا أورد المَاء على النَّجَاسَة فَإِن أورد الثَّوْب النَّجس على مَاء قَلِيل نجس المَاء وَلم يطهر الثَّوْب وَقَالَ ابْن سُرَيج يطهر لِأَن الملاقاة لَا تخْتَلف بِأَن يكون الثَّوْب موردا للْمَاء أَو واردا عَلَيْهِ وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ لَو كَانَ فى إجانة مَاء نجس فكوثر بصب مَاء قَلِيل عَلَيْهِ صَار الْكل طَاهِرا بِنَاء على أَن غسالة النَّجَاسَة طَاهِرَة ثمَّ قضى بِأَن الثَّوْب لَو وَقع فِي مَاء قَلِيل بتحريك الرّيح نجس المَاء فَظن بِهِ أَنه يشْتَرط النِّيَّة فى إِزَالَة النَّجَاسَة هَذَا كُله

فِي الثَّوْب

أما الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة إِن كَانَت جامدة ترفع عينهَا وَإِن كَانَت مائعة كالبول يفاض المَاء عَلَيْهِ بِحَيْثُ تحصل بِهِ الْغَلَبَة على النَّجَاسَة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا زِيَادَة فى النَّجَاسَة وَهُوَ مُخَالف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من المَاء لما بَال الْأَعرَابِي فى الْمَسْجِد

ثمَّ إِن لم نوجب عصر الثَّوْب طهر بالافاضة وَإِلَّا فنضوب المَاء فِي الأَرْض كالعصر فِي الثَّوْب فيطهر قبل الْجَفَاف وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم فِي أَن الأَرْض إِذا جَفتْ عَن الْبَوْل بالشمس عَادَتْ طَاهِرَة وَلَا تَفْرِيع على هَذَا القَوْل فعلى هَذَا الْآجر الذى عجن بِمَاء نجس فَإِنَّهُ طَاهِر على الْقَدِيم لِأَن تَأْثِير النَّار آكِد من تَأْثِير الشَّمْس وعَلى الْجَدِيد لَو نقع فى المَاء لم يطهر بَاطِنه بِخِلَاف اللَّبن فَإِنَّهُ يطهر إِذا يصب المَاء فِيهِ وَلَكِن إِذا أفيض المَاء على الْآجر قَالَ الْقفال يطهر ظَاهره

وَهَذَا حسن إِن لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة وَقَالَ أَبُو حَامِد لَا يطهر وَهَذَا لَا يتَّجه إِذا لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة بِأَن كَانَ معجونا بِمَاء نجس فَإِن المَاء يجْرِي على ظَاهره وَلَا محَالة فيطهر

هَذَا كُله فِي النَّجَاسَة الْمُطلقَة سوى المخففة والمغلظة أما المخففة فبول الصَّبِي قبل أَن يطعم الطَّعَام يَكْفِي فِيهِ رش المَاء بِحَيْثُ يُصِيب جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَلَا يشْتَرط الإجراء وَالْغسْل بِخِلَاف الصَّغِيرَة لما رُوِيَ أَن الْحسن أَو الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا بَال فى حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لبَابَة بنت الْحَارِث أأغسل إزارك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يغسل من بَوْل الصبية ويرش على بَوْل الْغُلَام

مِنْهُم من قَاس الصبية عَلَيْهِ وَهُوَ غلط لمُخَالفَته النَّص

أما الْمُغَلَّظَة فنجاسة الْكَلْب فَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا للْخَبَر

وفى معنى لعابه عرقه وروثة وَسَائِر أَجْزَائِهِ خلافًا لأبي حنيفَة

وَفِي إِلْحَاق الْخِنْزِير بِهِ قَولَانِ من حَيْثُ إِنَّه مَخْصُوص بالتغليظ كَالْكَلْبِ إِلَّا أَن الِاخْتِلَاط بِهِ لَا يَقع غَالِبا هَذَا منشأ التَّرَدُّد ثمَّ خاصية هَذِه النَّجَاسَة الْعدَد والتعفير أما الْعدَد فَلَا يسْقط إِلَّا إِذا غمس الْإِنَاء فى مَاء كثير فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسْقط وَفَاء بالتعبد وَالثَّانِي يسْقط لِأَنَّهُ عَاد إِلَى حَالَة لَو كَانَ عَلَيْهَا ابْتِدَاء لم ينجس وَأما التعفير فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ مِنْهُم من قَالَ هُوَ تعبد مَحْض لَا يُعلل وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بالاستطهار بِغَيْر المَاء ليَكُون فِيهِ مزِيد كلفة وتغليظ

وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور فعلى هَذَا الْخلاف تخرج أَرْبَعَة فروع الأول الصابون والأشنان هَل يقوم مقَام التُّرَاب فَمن مَحْض التَّعَبُّد لم يجوز عِنْد وجود التُّرَاب وَاخْتلفُوا عِنْد عَدمه فَمنهمْ من جوز لِأَن الاستطهار أَيْضا مَقْصُود مَعَ كَون الْمُسْتَعْمل تُرَابا فَعِنْدَ الْعَجز يقْتَصر على الْمُمكن وَمن علل بالاستطهار بِشَيْء آخر جوز اسْتِعْمَاله فى كل حَال وَمن علل بِالْجمعِ

بَين نَوْعي الطّهُور لم يجوز وَقد قيل يجوز فِي الثَّوْب لَا فِي الْإِنَاء لِأَن التُّرَاب يفْسد الثَّوْب وَهُوَ بعيد الثَّانِي التُّرَاب النَّجس اكْتفى بِهِ من علل بالاستطهار وَلم يجوزه من مَال إِلَى التَّعَبُّد أَو إِلَى الْجمع بَين نَوْعي الطّهُور الثَّالِث إِذا مزج التُّرَاب بالخل فَهُوَ جَائِز عِنْد من يُعلل بالاستطهار أَو بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور وَهُوَ مُمْتَنع عِنْد من يمِيل إِلَى التَّعَبُّد الرَّابِع الغسلة الثَّامِنَة لَا تقوم مقَام التعفير إِلَّا على وَجه بعيد فِي أَن المَاء أولى بالتعفير من التُّرَاب

فَأَما إِذا ذَر التُّرَاب على الْمحل بعد الْغسْل لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يكدر بِهِ المَاء حَتَّى يصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجْزَائِهِ هَذَا حكم الْكَلْب أما الْهِرَّة فسؤرها طَاهِر وَلَكِن إِذا أكلت فَأْرَة ثمَّ ولغت فى مَاء قَلِيل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه نجس لتيقن نَجَاسَة الْفَم مَعَ أَنه لم يتَيَقَّن زَوَالهَا وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لعُمُوم الْحَاجة وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات

الثَّالِث أَنَّهَا إِن غَابَتْ وَاحْتمل ولوغها فِي مَاء كثير فطاهر وَإِلَّا فنجس أما الْفَأْرَة إِذا وَقعت فى مَاء قَلِيل وَخرجت حَيَّة فَلَا يحكم بِنَجَاسَة المَاء على الْأَظْهر

وَلَا مبالاة بِتَقْدِير النَّجَاسَة على مَحل النجو مِنْهَا بِخِلَاف الْآدَمِيّ إِذا استنقع فِي مَاء قبل الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ ينجس المَاء الْقَلِيل فَإِن الْأَوَّلين لم يلتفوا إِلَى تَقْدِير ذَلِك فِي الْفَأْرَة هَذَا كَيْفيَّة الْغسْل فى النَّجَاسَات أما الغسالة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْقَدِيم أَنه طَاهِر أبدا مَا لم يتَغَيَّر والجديد أَنه إِن طهر الْمحل فطاهر مَا لم يتَغَيَّر وَإِن لم يطهر الْمحل فنجس فَكَانَ حكمهَا حكم الْمحل بعد الْغسْل

وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن حكمهَا حكم الْمحل قبل الْغسْل تخريجا من رفع الْحَدث فعلى هَذَا لَو أَصَابَت قَطْرَة من غسالة الْكَلْب فِي الكرة الثَّالِثَة ثوبا فَلَا يغسل على الْقَدِيم وَيغسل على الْجَدِيد أَرْبعا لِأَنَّهُ فى حكم الْمحل بعد الْغسْل ويعفر إِن كَانَ التعفير قد بَقِي وعَلى القَوْل الْمخْرج يغسل خمْسا لِأَن حكمه حكم الْمحل قبل الْغسْل فرع الْمُسْتَعْمل فِي النَّجَاسَة إِذا حكمنَا بِطَهَارَتِهِ هَل يسْتَعْمل فِي الْحَدث فِيهِ

وَجْهَان كالوجهين فِي الْمُسْتَعْمل فِي الْحَدث أَنه هَل يسْتَعْمل فى الْخبث

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاجْتِهَاد بَين النَّجس والطاهر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمهما استبهم طَاهِر بِنَجس وَجب الِاجْتِهَاد وَالْبناء على غَالب الظَّن وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَهُ أَن يسْتَعْمل أَي الماءين شَاءَ لِأَنَّهُ استيقن الطَّهَارَة وَشك فى النَّجَاسَة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن يَقِين الطَّهَارَة عَارضه يَقِين النَّجَاسَة وَقَالَ الْمُزنِيّ يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد

وَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد فى ثَوْبَيْنِ صلى صَلَاتَيْنِ فيهمَا ثمَّ للِاجْتِهَاد شَرَائِط سِتَّة الأول أَن يكون للعلامة مجَال فى الْمُجْتَهد فِيهِ كَمَا إِذا اشْتبهَ إِنَاء نجس بطاهر أَو ثوب نجس بطاهر فَإِن اشتبهت أُخْت من الرَّضَاع بأجنبية فَلَا

اجْتِهَاد لِأَنَّهُ لَا عَلامَة وَلَو اشْتبهَ لحم مذكاة بميتة فَلَا اجْتِهَاد أَيْضا على الْأَصَح الثَّانِي أَن يكون فى الْمُجْتَهد فِيهِ أصل مستصحب كَالْمَاءِ النَّجس مَعَ المَاء الطَّاهِر فَإِن كَانَ مَعَه بَوْل أَو مَاء ورد واشتبه بِالْمَاءِ فَالْأَظْهر منع الِاجْتِهَاد فالاجتهاد ضَعِيف فى النَّجَاسَات فَلَا بُد وَأَن يعتضد بالاستصحاب

الثَّالِث أَن لَا يقدر على الْوُصُول إِلَى الْيَقِين فَإِن قدر على الْخَلَاص بِيَقِين فِي مَوضِع آخِره كَمَا إِذا كَانَ على شط الْبَحْر فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَنه يَقِين فى غير مَحل الِاجْتِهَاد فَلَا يمْنَع وَعَلِيهِ يخرج مَا إِذا كَانَ أحد الإناءين مَاء مُسْتَعْملا أَو مَاء ورد إِذْ استعمالهما مُمكن جَمِيعًا وَكَذَا إِذا اشْتبهَ الثِّيَاب وَمَعَهُ مَاء يغسل بِهِ ثَوْبه الرَّابِع أَن تكون النَّجَاسَة مستيقنة فى أحد الإناءين فَإِن كَانَ مشكوكا فِيهَا فَلَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد بل يَأْخُذ بِالْيَقِينِ السَّابِق وَإِن كَانَت النَّجَاسَة غالبة على الظَّن فيلتحق بِمحل الشَّك أَو بِالْيَقِينِ فعلى وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد لِأَن الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ كالطهارة

مَعَ الْحَدث وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد لِأَن غَلَبَة الظَّن لَهَا تَأْثِير فى النَّجَاسَات فَإِنَّهَا مَطْلُوب بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَاف الْأَحْدَاث فَإِنَّهُ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا وعَلى هَذَا يخرج جَوَاز الصَّلَاة فى ثِيَاب مدمن الْخمر والنصاري والقصابين والتوضؤ من أواني الْكَفَرَة المتدينين فِي بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة وَالصَّلَاة فى الْمَقَابِر المنبوشة وَمَعَ طين الشوارع فَإِن الْغَالِب فى الْكل النَّجَاسَة نعم يُعْفَى من طين الشوارع عَمَّا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ

وَمهما أخبرهُ عدل بُلُوغ الْكَلْب فى أحد الإناءين فَهَذَا كاليقين فَلَا يحْتَاج إِلَى الِاجْتِهَاد وَإِن قَالَ أَحدهمَا نجس لم يلْزمه الْقبُول إِذا الْمذَاهب مُخْتَلفَة فِي أَسبَاب النَّجَاسَة فَلَعَلَّهُ اعْتقد النَّجَاسَة فِيمَا لَيْسَ بِنَجس وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو رأى ظَبْيَة تبول فى مَاء فَانْتهى إِلَى المَاء وَهُوَ متغير فَلَا يدْرِي أَنه من طول الْمكْث أَو الْبَوْل أَخذ بِنَجَاسَتِهِ إِحَالَة على

السَّبَب الظَّاهِر الْخَامِس أَن يكون الْمُجْتَهد بَصيرًا فالأعمى يجْتَهد فِي وَقت الصَّلَاة بالأوراد وَلَا يجْتَهد فى الْقبْلَة وَهل يجْتَهد فِي الْأَوَانِي فعلى وَجْهَيْن لتردد الْأَوَانِي بَين الْأَصْلَيْنِ وَيدْرك الْأَعْمَى نَجَاسَة أحد الإناءين بولوغ الْكَلْب بِنُقْصَان المَاء واضطرابه وابتلال طرف الْإِنَاء السَّادِس أَن تلوح لَهُ عَلامَة فى اجْتِهَاده فَإِن تَأمل لم يظْهر لَهُ عَلامَة تيَمّم

وَصلى وَأعَاد الصَّلَاة لِأَنَّهُ تيَمّم وَمَعَهَا مَاء مستيقن الطَّهَارَة وَإِن كَانَ عَاجِزا لجهله وَلَكِن الْجَهْل لَيْسَ بِعُذْر فَإِن صب المَاء قبل التَّيَمُّم سقط الْقَضَاء وَهُوَ مَعْذُور فى صبه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ المَاء طَاهِرا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط الْقَضَاء فى أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ متعتد بالصب فروع ثَلَاثَة الأول إِذا صب أحد الإناءين قبل الِاجْتِهَاد أَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ فَهَل يجوز

لَهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ بِالظَّاهِرِ فِي الثَّانِي فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بَقِي شاكا فى نَجَاسَته مَعَ يَقِين الطَّهَارَة وَالثَّانِي لَا إِذْ كَانَ الِاجْتِهَاد وَاجِبا قبل الصب فبعده كَذَلِك وَلَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فاجتهد وَغسل مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان ومنشأ الْمَنْع أَن هَذَا اجْتِهَاد خَال عَن الِاسْتِصْحَاب فَهُوَ كَمَاء الْورْد مَعَ المَاء الثَّانِي إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى أحد الإناءين فصلى بِهِ الصُّبْح فَأدى اجْتِهَاده عِنْد الظّهْر إِلَى الثَّانِي وَلم يبْق من الأول شَيْء نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه

يتَيَمَّم وَلَا يسْتَعْمل الآخر لِأَن الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَسْتَعْمِلهُ ويورده على جَمِيع موارد الأول لِئَلَّا يكون مُصَليا مَعَ يَقِين النَّجَاسَة وَهُوَ الْأَصَح لِأَن هَذِه قَضِيَّة مستأنفة فَلَا يُؤثر فِيهَا الِاجْتِهَاد الْمَاضِي فَإِن فرعنا عَن النَّص لم يقْض صلَاته الأولى وَهل يقْضِي الثَّانِيَة فِيهِ

وَجْهَان وَجه الْقَضَاء أَن مَعَه مَاء اطاهرا بِحكم الِاجْتِهَاد فَكَانَ كالطاهر بِالْيَقِينِ إِذا الْتبس عَلَيْهِ وَجه الِاجْتِهَاد وعَلى مَذْهَب ابْن سُرَيج لَا قَضَاء فِي الصَّلَاتَيْنِ قطعا كَمَا إِذا صلى إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين وَلم يتَعَيَّن الْخَطَأ فِي أَحدهمَا الثَّالِث ثَلَاثَة أواني وَاحِد مِنْهَا نجس اجْتهد فِيهَا ثَلَاثَة

وَاسْتعْمل كل وَاحِد وَاحِدًا وصلوا ثَلَاث صلوَات بِالْجَمَاعَة كل وَاحِد إِمَام فى وَاحِدَة قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يَصح لكل وَاحِد مَا كَانَ مقتديا فِيهِ لِأَنَّهُ شَاك فى صِحَة صَلَاة إِمَامه فَصَارَ كالمقتدي بالخنثى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصَّلَاة الأولى صَحِيحَة لكل وَاحِد فى اقتدائه الأول وفى الِاقْتِدَاء الثَّانِي بطلت إِحْدَى صلاتيه فَيلْزمهُ قضاؤهما ليتفصي عَنهُ بِيَقِين وَقَالَ ابْن الْحداد الِاقْتِدَاء الثَّانِي فِي حق كل وَاحِد بَاطِل لِأَن فِيهِ يتَعَيَّن تَقْدِير

النَّجَاسَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْأَوَانِي وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فى الْمُتَّخذ من الْجُلُود وكل جلد طَاهِر يجوز اتِّخَاذ الْأَوَانِي مِنْهُ وطهارة الْجلد بالذكاة والدباغ أما الذَّكَاة فَتطهر جلد كل مَا يُؤْكَل لَحْمه وَأما الدّباغ فيطهر كل جلد إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وفروعهما خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ عمم أثر الدّباغ والذكاة جَمِيعًا

وَأما الْآدَمِيّ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ على الصَّحِيح وَإِن قيل بِنَجَاسَتِهِ فَفِي دباغ جلده تردد لِأَنَّهُ مَعْصِيّة ثمَّ كَيْفيَّة الدّباغ إِحَالَة بِاسْتِعْمَال الشث والقرظ وَاسْتِعْمَال الْأَشْيَاء

الحريفة المنتزعة للفضلات المعفنة فَلَا يَكْفِي تجميد الفضلات بالتتريب والتشميس خلافًا لأبي حنيفَة

وَهل يجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدّباغ ليصل إِلَى بَاطِن الْجلد وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْمُغَلب على الدّباغ الإحالة أم الْإِزَالَة ثمَّ إِذا فرغ من الدّباغ فَهَل يجب إفَاضَة المَاء الْمُطلق على ظَاهر الْجلد وَجْهَان أَحدهمَا يجب لإِزَالَة أَجزَاء الشث والقرظ فَإِنَّهَا نَجِسَة لاصقة بِالْمحل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر علق الطَّهَارَة بِمُجَرَّد الدّباغ

وَمن يُوجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدبغ يجوز أَن يكون متغيرا بالشث والقرظ وَمن يُوجب بعد الدّباغ فَلَا يجوز ذَلِك فرع إِذا دبغ الْجلد طهر ظَاهره وباطنه وَجَاز بَيْعه إِلَّا فى قَول قديم مُسْتَنده مُوَافقَة مَالك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يطهر ظَاهر الْجلد دون بَاطِنه

فَأَما جَوَاز الْأكل مِنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ طَاهِر غير مُضر وَلَا مُحْتَرم فَجَاز أكله

وَالثَّانِي الْمَنْع لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا وَالثَّالِث الْفرق بَين مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا لَا يُؤْكَل لَحْمه

الْفَصْل الثَّانِي فى الشُّعُور وَالْعِظَام وَفِي الشّعْر وَالصُّوف والريش قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص هَاهُنَا أَنَّهَا تنجس بِالْمَوْتِ والإبنابة تبعا للْأَصْل فى حكم الْحَيَاة وَالْمَوْت وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص فى الدِّيات أَنَّهَا لَا تنجس بِمَوْت الأَصْل فَإِنَّهَا خَالِيَة عَن الْحَيَاة وَأما الْعِظَام فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بنجاستها بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا تتألم وَلِأَن الودك فِيهَا نجس فَيدل على نَجَاسَة الظّرْف إِذْ لَا حَيَاة فِي الودك وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ التَّفْرِيع إِن ألحقناها بالجمادات فَجَمِيع الشُّعُور طَاهِرَة إِلَّا شعر الْكَلْب وَالْخِنْزِير على أحد

الْوَجْهَيْنِ وَإِن حكمنَا بنجاستها فشعور مَا يُؤْكَل لَحْمه لَا تنجس بالجز لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا فِي المفارش وَجلد الْميتَة إِذا دبغ وَعَلِيهِ شعره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس لِأَن الدّباغ لَا يُؤثر إِلَّا فِي الْجلد الثَّانِي أَنه يطهر تبعا كَمَا ينجس بِمَوْتِهِ تبعا وَأما شُعُور الْآدَمِيّ فقد نقل إِبْرَاهِيم الْبَلَدِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

رَجَعَ عَن تنجيسه وَهُوَ الصَّحِيح وَإِن حكم بِنَجَاسَتِهِ فَفِي شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان

الْفَصْل الثَّالِث فى أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وهى مُحرمَة الِاسْتِعْمَال على الرِّجَال وَالنِّسَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الَّذِي يشرب فى آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا يجرجر فى بَطْنه نَار جَهَنَّم وَفِيه سِتّ مسَائِل

الأولى أَن هَذَا نهي تَحْرِيم لتأكده بالوعيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَنه نهي كَرَاهِيَة وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة أَن التَّحْرِيم غير مَقْصُور على الشّرْب بل فِي مَعْنَاهُ وُجُوه الِانْتِفَاع خلافًا لداود وتزيين الحوانيت بِهِ من وُجُوه الِانْتِفَاع الْمحرم على أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِذا

بطلت منفعَته من كل وَجه حرم اتِّخَاذه فَلَا قيمَة على كاسره الثَّالِثَة أَن هَذَا التَّحْرِيم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْجَوَاهِر النفيسة كالفيروزج والياقوت لِأَن الْمُفَاخَرَة بهما لَا يُدْرِكهَا إِلَّا الْخَواص وَفِيه وَجه آخر أَنه يتَعَدَّى لعُمُوم الْمَعْنى وَلَا خلاف فِي أَن الزّجاج لَا يلْتَحق بِهِ وَكَذَا مَا نفاسته فِي صَنعته الرَّابِعَة إِذا موه الْإِنَاء بِالذَّهَب لم يحرم على أظهر المذهبين لِأَن المموه لَا يخفى وَفِيه وَجه آخر أَنه يحرم لما فِيهِ من تخييل الْمُفَاخَرَة

الْخَامِسَة تضبيب الْإِنَاء بِالذَّهَب فى مَحل يلقى فَم الشَّارِب مَحْظُور على الْأَظْهر وَإِن لم يلق وَكَانَ صَغِيرا على قدر الْحَاجة جَازَ لأجل الْحَاجة وَإِن كَانَ كَبِيرا فَوق الْحَاجة حرم وَإِن وجد أحد الْمَعْنيين فَوَجْهَانِ وَمعنى الْحَاجة أَن يكون على قدر حَاجَة الشّعب لَا أَن يعجز عَن التضبيب بِغَيْرِهِ فَإِن ذَلِك يجوز اسْتِعْمَال أصل الْإِنَاء

وحد الصَّغِير مَا لَا يظْهر على الْبعد

السَّادِسَة فِي الْآنِية الصَّغِيرَة كالمكحلة وظرف الغالية تردد هَذَا إتْمَام قسم الْمُقدمَات

الْقسم الثَّانِي فِي الْمَقَاصِد وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى صفة الْوضُوء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فَرَائض وَسنَن أما الْفَرَائِض فست الأول النِّيَّة وَالنَّظَر فى أَصْلهَا ووقتها وكيفيتها الأول النّظر فِي أَصْلهَا وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى أَن طَهَارَة الْأَحْدَاث تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة النَّجَاسَة لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا نِيَّة إِلَّا فِي التَّيَمُّم

الثَّانِيَة أَن أَهْلِيَّة النِّيَّة شَرط فَلَا يَصح وضوء الْكَافِر وغسله وَإِن نوى وَكَذَا الْمُرْتَد وَلَو تَوَضَّأ ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لم يبطل وضوؤه وَفِي التَّيَمُّم وَجْهَان لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَعِيفَة تبطل بِرُؤْيَة السراب الثَّالِثَة الذِّمِّيَّة تَحت الْمُسلم تغسل عَن الْحيض لحق الزَّوْج فَإِن أَبَت أجبرت فَلَو أسلمت بعد الْغسْل فَفِي وجوب الْإِعَادَة للصَّلَاة وَجْهَان

أَحدهمَا يجب لِأَنَّهَا اغْتَسَلت بِغَيْر النِّيَّة وَإِنَّمَا جَازَ فى حق الْوَطْء للضَّرُورَة وَالثَّانيَِة لَا يجب لِأَنَّهُ اسْتَقل بِأحد المقصودين كَالزَّكَاةِ فِي حق الْمُمْتَنع فَأَما الْكَافِرَة إِذا لم يكن لَهَا زوج أَو الْمسلمَة إِذا امْتنعت فأجبرت على الْغسْل فعلَيْهِمَا الْإِعَادَة لأجل الصَّلَاة لانْتِفَاء الضَّرُورَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ النّظر الثَّانِي فِي وَقت النِّيَّة وَهُوَ عِنْد حَالَة غسل الْوَجْه فَلَو غربت بعد ذَلِك لَا يضر

والأكمل أَن يقرنها بِأول سنَن الْوضُوء فَإِن غربت قبل غسل الْوَجْه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْأَجْزَاء لاتصاله بِجُزْء من الْعِبَادَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يتَّصل بِالْفَرْضِ النّظر الثَّالِث فى كَيْفيَّة النِّيَّة وَهِي على ثَلَاثَة أوجه الأول أَن يَنْوِي رفع الْحَدث فَهُوَ كَاف على الْإِطْلَاق فَلَو عين بعض الْأَحْدَاث بِالرَّفْع فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه

أَحدهَا أَنه يرْتَفع على الْإِطْلَاق لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ فَرفع بعضه رفع كُله وَالثَّانِي أَنه لَا يرْتَفع فَإِن بَقَاء بعضه بَقَاء كُله وَلم ينْو رفع الْبَعْض وَالثَّالِث إِن نوى رفع الْحَدث الأول صَحَّ فَإِن مَا بعده لَيْسَ بِحَدَث الرَّابِع إِن لم ينف مَا عدا الْمعِين صَحَّ مُطلقًا وَإِن نفي رفع الآخر فَلَيْسَ الْإِثْبَات أولى من النَّفْي فَيبقى الْحَدث وَلَو غلط من حدث إِلَى حدث فَكَانَ مُحدثا من الْبَوْل فَقَالَ نَوَيْت رفع حدث النّوم ارْتَفع حَدثهُ لِأَن الْأَسْبَاب جنس وَاحِد فِي حق الْحَدث الْوَجْه الثَّانِي إِن نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو مَا لَا يستباح إِلَّا بالضوء كمس الْمُصحف للمحدث أوة الْمكْث فِي الْمَسْجِد للْجنب فَهُوَ كَاف

وَإِن نوى مَا لَا يسْتَحبّ فِيهِ الْوضُوء كاستباحة دُخُول السُّوق وزيارة الْأَمِير فَلَا يَصح وَإِن مَا يسْتَحبّ الْوضُوء لَهُ كَقِرَاءَة الْقُرْآن للمحدث وعبور الْمَسْجِد للْجنب فَوَجْهَانِ وَلَو نوى تَجْدِيد الْوضُوء أَو غسل الْجُمُعَة فَالْمَذْهَب أَن الْحَث لَا يرْتَفع لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحبا لأجل الْحَدث بِخِلَاف الْحَدث قِرَاءَة الْقُرْآن فَإِن الْوضُوء مُسْتَحبّ فِيهِ لأجل الْحَدث وَلَو نوى اسْتِبَاحَة صَلَاة مُعينَة كالصبح وَنفي غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يُبَاح لَهُ مَا عينه دون غَيره وَهُوَ الأضعف لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ بَقَاء وارتفاعا

فرع من استيقن الطَّهَارَة وَشك فى الْحَدث فَلهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ فَلَو تطهر احْتِيَاطًا ثمَّ تبين الْحَدث فَفِي وجوب الْإِعَادَة وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَن نِيَّة الاستباحة لم تكن جازمة لتردده فى الْحَدث الْوَجْه الثَّالِث أَن يَنْوِي أَدَاء الْوضُوء أَو فَرِيضَة الْوضُوء فَهُوَ جَائِز بِخِلَاف مَا إِذا نوى فرض التَّيَمُّم فَإِن الْوضُوء قربَة مَقْصُودَة

وَلذَلِك يسْتَحبّ تجديده بِخِلَاف التَّيَمُّم وَهل يشْتَرط أَن يضيف الْوضُوء إِلَى الله تَعَالَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي النِّيَّة فِي سَائِر الْعِبَادَات

فروع خَمْسَة الأول لَو نوى بوضوئه رفع الْحَدث والتبرد جَمِيعًا صَحَّ على الْأَظْهر لِأَن التبرد حَاصِل قصد أَو لم يقْصد وَإِن نوى التبرد فى أثْنَاء الطَّهَارَة فَإِن كَانَ قبل غرُوب النِّيَّة لم يضر على الْأَظْهر وَإِن كَانَ بعد غُرُوبهَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقطع حكم النِّيَّة السَّابِقَة لِأَنَّهَا بقيت حكما وَهَذِه وجدت حَقِيقَة وَالثَّانِي أَنه لَا يضر لِأَن بقاءها حكما كبقائها حَقِيقَة الثَّانِي أَن الْجنب يَوْم الْجُمُعَة لَو نوى بِغسْلِهِ الْجُمُعَة وَرفع الْجَنَابَة حصلا على الْأَصَح كمن يُصَلِّي الصُّبْح وتحية الْمَسْجِد

وَلَو اقْتصر على نِيَّة الْجَنَابَة فَفِي حُصُول غسل الْجُمُعَة قَولَانِ وَلَو اقْتصر على غسل الْجُمُعَة لَا يحصل بِهِ رفع الْجَنَابَة على الْأَصَح الثَّالِث لَو أغفل لمْعَة فِي الغسلة الأولى فانغسلت فى الثَّانِيَة وَهُوَ على قصد التَّنَفُّل هَل

يرْتَفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن نِيَّة الْفَرْض بَاقِيَة حكما وَقصد التَّنَفُّل مَوْجُود حَقِيقَة فَلَا يتَأَدَّى الْفَرْض بِهِ الرَّابِع فى تَفْرِيق النِّيَّة على أَعْضَاء الْوضُوء وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع لِأَنَّهَا عبَادَة

وَاحِدَة فتشملها نِيَّة وَاحِدَة الْخَامِس الْمُسْتَحَاضَة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل لَا يَكْفِيهِ نِيَّة رفع الْحَدث لِأَن الْحَدث فى حَقه دَائِم وتكفي نِيَّة اسْتِبَاحَة الصَّلَاة على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود وَفِيه وَجه أَنه يجب الْجمع بَين نِيَّة رفع الْحَدث والاستباحة وَإِلَيْهِ ذهب الخضري فَقَالَ نِيَّة رفع الْحَدث للْحَدَث السَّابِق والاستباحة للأحق

الْفَرْض الثَّانِي غسل الْوَجْه وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن حد الْوَجْه من مُبْتَدأ تسطيح الْجَبْهَة إِلَى مُنْتَهى مَا يقبل من الذقن فى الطول وَمن الْأذن إِلَى الْأذن فى الْعرض فَلَا يدْخل فى الْحَد النزعتان على طرفِي الجبين وَلَا مَوضِع

الصلع من الرَّأْس وَفِي مَوضِع التحذيف خلاف وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه من الْوَجْه وَلذَلِك تعودت النِّسَاء تنحية الشّعْر عَنهُ وَهُوَ الْقدر الَّذِي إِذا وضع طرف الْخَيط على رَأس الْأذن الطّرف وَالثَّانِي على زَاوِيَة الجبين وَقع فى جَانب الْوَجْه

وَأما مَوضِع الغمم فَإِن استوعبا جَمِيع الْجَبْهَة وَجب إِيصَال المَاء إِلَيْهِ وَإِن أَخذ بعض الْجَبْهَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ مقبل فى جِهَة الْوَجْه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فِي تدوير الرَّأْس الثَّانِيَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت الشُّعُور الْأَرْبَعَة الحاجبان والأهداب والشاربان والعذاران وهما الخطان الموازيان للأذنين لعلتين إِحْدَاهمَا أَنَّهَا خَفِيفَة فِي غَالب الْأَمر

وَالثَّانيَِة أَن بَيَاض الْوَجْه مُحِيط بهَا من الجوانب وَأما اللِّحْيَة فَإِن كَانَت خَفِيفَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت مَا وَقع فى حد الْوَجْه والخفيفة مَا يتَرَاءَى مِنْهَا الْبشرَة للنَّاظِر فى مجْلِس التخاطب أَو مَا يصل المَاء إِلَيْهِ من غير مزِيد تكلّف وَإِن كَانَت كثيفة فَلَا يجب إِلَى فى حق الْمَرْأَة لِأَن اللِّحْيَة لَهَا نادرة ثمَّ هَل تجب إفَاضَة المَاء على ظَاهر اللِّحْيَة الْخَارِجَة عَن حد الْوَجْه فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقبل عِنْد التخاطب فيسمى وَجها وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهِ عَن حد الْوَجْه أما العنفقة الكثيفة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى منابتها وَجْهَان إِن عللنا فى الشُّعُور الْأَرْبَعَة بالخفة غَالِبا فَهِيَ خَفِيفَة غَالِبا وَإِن عللنا بإحاطة الْبيَاض فَلَا الْفَرْض الثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين وَفِيه ثَلَاثَة فروع الأول لَو قطع يَده من الساعد وَجب غسل الْبَاقِي من الساعد وَإِن قطع فَوق الْمرْفق اسْتحبَّ إمساس المَاء مَا بَقِي من عضده فَإِن تَطْوِيل الْغرَّة سنة

فَتبقى وَإِن سقط الْفَرْض وَإِن قطع من الْمفصل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يجب غسل عظم الْعَضُد لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن عظم الساعد وَقد زَالَ

أَو لِأَن غسل الْعَضُد كَانَ تَابعا وَقد سقط الْمَتْبُوع وَهَذَا القَوْل نَقله الْمُزنِيّ وَالثَّانِي نَقله الرّبيع وَهُوَ أَنه يجب لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن مُجْتَمع الْعِظَام وَغسل الْكل أصل لَا تبع وَمن الْأَصْحَاب من قطع بِالْوُجُوب وَغلط الْمُزنِيّ فى النَّقْل وتكلف تَأْوِيله

الْفَرْع الثَّانِي لَو نفذ سهم فى كَفه وَبَقِي متفتقا وَجب إِيصَال المَاء إِلَى بَاطِنه وَإِن تكشطت جلدَة من الساعد وتدلت وَجب استيعابها بِالْغسْلِ وَإِن التصقت بِبَعْض الساعد

أجْرى المَاء على المتجافي من غير فتق فَإِن ارْتَفَعت إِلَى الْعَضُد والتصقت يجب غسلهَا أَيْضا نظرا إِلَى أَصله وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب غسل مَا فِي حد الْعَضُد لِأَنَّهُ صَار من الْعَضُد وَإِن تدلت من الْعَضُد فَلَا يجب غسله وَإِن التصقت بالساعد يجب غسل ظَاهر مَا الْتَصق بَدَلا عَمَّا استتر من الساعد وَلَا يجب غسل بَاقِيه نظرا إِلَى أَصله وَيحْتَمل على رَأْي الْعِرَاقِيّين أَن يجب غسل مَا يُحَاذِي الساعد وَإِن لم يلتصق

الْفَرْع الثَّالِث لَو نَبتَت يَد زَائِدَة من الساعد يجب غسلهَا وَإِن كَانَت الزَّائِدَة لَا تتَمَيَّز عَن الْأُخْرَى وَجب غسلهمَا

وَإِن نَبتَت من فَوق الْمرْفق لم تغسل فَإِن دخل رَأسهَا فى حد الساعد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم على أَنه يغسل مَا يُحَاذِي الساعد لحُصُول اسْم الْيَد ومحاذاة بعض مَحل الْفَرْض وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال

الْفَرْض الرَّابِع مسح الرَّأْس وَالنَّظَر فى قدره وَمحله وكيفيته أما قدره فَمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَلَو على بعض شَعْرَة من الرَّأْس وَقيل أَنه لَا يُجزئ أقل من ثَلَاث شَعرَات وَقدره أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِالربعِ وَمَالك أوجب الِاسْتِيعَاب

أما كيفيته فَهُوَ مد البلل على جُزْء من الرَّأْس وَلَو غسل أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ فَوق الْمسْح وَلَكِن لَا يسْتَحبّ وَهل يكره فِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه لَا يكره وَغسل الْخُف بدل الْمسْح مَكْرُوه وَلَكِن مسح الرَّأْس يسْتَحبّ فِيهِ التّكْرَار بِخِلَاف الْحق وَهُوَ تقريب من الْغسْل وَلَو وضع المَاء على الرَّأْس وَلم يمده فَوَجْهَانِ اخْتَار الْقفال أَنه لَا يُجزئ لِأَنَّهُ مَنُوط بالإسم وَذَلِكَ لَا يُسمى مسحا وَالْأَظْهَر الْجَوَاز لحُصُول الإبلال كَمَا يُجزئ الْغسْل وَإِن لم

يُسمى مسحا وَأما مَحَله فَهُوَ الرَّأْس وكل شعر كَائِن فى حد الرَّأْس فَإِن مسح على شعر متجعد يخرج مَحل الْمسْح بِالْمدِّ عَن حد الرَّأْس لم يجز وَلَو حلق الشّعْر الَّذِي مسح عَلَيْهِ لم تلْزمهُ الْإِعَادَة خلافًا لإبن خيران الْفَرْض الْخَامِس غسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ

وَعند الشِّيعَة الْوَاجِب هُوَ الْمسْح

الْفَرْض السَّادِس التَّرْتِيب خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول لَو نسي التَّرْتِيب لَا يُجزئهُ وَفِيه قَول قديم أَنه يُجزئهُ وَكَذَلِكَ فِي ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِي إِذا انغمس الْمُحدث فِي مَاء وَنوى رفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا

يُجزئ لِانْعِدَامِ التَّرْتِيب وَالثَّانِي يُجزئ لعلتين إِحْدَاهمَا أَن الْغسْل حط عَنهُ تَخْفِيفًا فَإِذا اغْتسل صَار الْجَمِيع كالعضو الْوَاحِد فَأشبه الْجنب وَالثَّانيَِة أَن المَاء يلاقي أعضاءه فِي لحظات متعاقبة فيترتب رفع الْحَدث وعَلى هَذَا لَو تنكس فأوصل المَاء إِلَى أسافله ثمَّ إِلَى أعاليه خرج على العلتين الثَّالِث الْجنب الَّذِي لَيْسَ بمحدث لَا وضوء عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لف على قضيبه خرقَة وغيب الْحَشَفَة وَإِن كَانَ مُحدثا يَكْفِيهِ الْغسْل واندرجت الطَّهَارَة الصُّغْرَى تَحت الْكُبْرَى

وَفِي مُرَاعَاة التَّرْتِيب فى أَعْضَاء الْمُحدث وَجْهَان أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيب فى الْغسْل حَتَّى ينْدَرج تَحْتَهُ وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّرْتِيب هَيْئَة لهَذِهِ الطَّهَارَة وَقد اندرج أصل الطَّهَارَة فَسقط حكم الْهَيْئَة الرَّابِع إِذا خرج مِنْهُ بَلل وَلم يدر مني أَو مذي لَا يلْزمه الْغسْل لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن الْجَنَابَة وَلَكِن يتَخَيَّر إِن شَاءَ تَوَضَّأ مَعَ التَّرْتِيب وَغسل الثَّوْب وَإِن شَاءَ اغْتسل وَترك غسل الثَّوْب أخذا بِأَنَّهُ مني فَإِن تَوَضَّأ وَلم يغسل الثَّوْب وَصلى فِيهِ لم يَصح على الْمَذْهَب وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ وَقيل أَيْضا لَو تَوَضَّأ مُنَكسًا جَازَ لِأَن التَّرْتِيب غير مستقين وَهُوَ خطأ لِأَن التَّرْتِيب لَا يسْقط إِلَّا بِالْغسْلِ

القَوْل فِي سنَن الْوضُوء وَهِي ثَمَانِي عشرَة الأولى السِّوَاك لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب عز وَجل

ثمَّ آلَته قضبان الْأَرَاك وكل خشن يزِيل القلح وَلَا يَكْفِي السِّوَاك بالإصبع لعدم الإسم وَوَقته عِنْد الصَّلَاة وَإِن لم يتَوَضَّأ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة

بسواك أفضل من سبعين صَلَاة بِغَيْر سواك وَعَن الْوضُوء وَإِن لم يصل وَعند تغير النكهة بِالنَّوْمِ أَو بطول الأزم أَو أكل مَا لَهُ رَائِحَة كريهة

وَلَا يكره إِلَّا بعد الزَّوَال للصَّائِم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك وكيفيته أَن يستاك عرضا وطولا وَإِن اقْتصر على أَحدهمَا فعرضا كَذَلِك كَانَ يستاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الثَّانِيَة التَّسْمِيَة وَهِي مُسْتَحبَّة فى ابْتِدَاء الْوضُوء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا وضوء لمن لم يسم الله وَمَعْنَاهُ لَا وضوء كَامِلا

الثَّالِثَة غسل الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قبل إدخالهما فى الْإِنَاء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده

وَإِن تَيَقّن طَهَارَة يَده فَفِي بَقَاء الِاسْتِحْبَاب وَجْهَان الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فى الْوضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا ثمَّ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ غرفَة لفيه وَأَنْفه هَكَذَا روى عبد الله بن زيد من

وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنقل الْبُوَيْطِيّ أَنه يغْرف لفيه غرفَة ولأنفه غرفَة وَهَكَذَا روى عُثْمَان وَعلي

من وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل بِهِ وَقيل الْأَقَل مَا نَقله الْمُزنِيّ والأكمل مَا نَقله الْبُوَيْطِيّ التَّفْرِيع إِن أَخذ لكل وَاحِدَة غرفَة قدم الْمَضْمَضَة على الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا التَّقْدِيم مُسْتَحبّ

أَو مُسْتَحقّ فعلى وَجْهَيْن وَإِن أَخذ غرفَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يخلط فيتمضمض ويستنشق مرّة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَانِيَة وثالثة لِأَن اتِّحَاد الغرفة يدل على أَنَّهُمَا فى حكم عُضْو وَاحِد وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَن يقدم الْمَضْمَضَة

ثمَّ يسْتَحبّ الْمُبَالغَة فيهمَا بتصعيد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخياشيم وَالرَّدّ إِلَى الغلصمة إِلَّا أَن يكون صَائِما فيرفق كَمَا ورد فِي الحَدِيث السَّادِسَة التّكْرَار مُسْتَحبّ فِي الْمَمْسُوح والمغسول فَلَو شكّ أَنه غسل ثَلَاثًا أَو مرَّتَيْنِ أَخذ بِالْأَقَلِّ كَنَظِيرِهِ فى رَكْعَات الصَّلَاة

وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ حذارا من أَن يزِيد فَإِنَّهُ بِدعَة وَترك سنة أَهْون من اقتحام بِدعَة السَّابِعَة تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا كَانَت كثيفة الثَّامِنَة تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى التَّاسِعَة تَطْوِيل الْغرَّة الْعَاشِرَة اسْتِيعَاب الرَّأْس بِالْمَسْحِ وكيفيته أَن يبل جَمِيع الْكَفَّيْنِ ويلصق أَطْرَاف الْأَصَابِع من إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيبدأ بِمقدم رَأسه ويردهما إِلَى الْقَفَا ثمَّ يعيدهما إِلَى مُقَدّمَة الرَّأْس ليبتل كلا وَجْهي الشّعْر فَإِن لم يكف فَلَا فَائِدَة فِي الْإِعَادَة وَإِن عسر تنحية الْعِمَامَة

كمل الْمسْح بِالْمَسْحِ على الْعِمَامَة وَلَو اقْتصر على مسح الْعِمَامَة لم يجز الْحَادِيَة عشرَة مسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد وكيفيته أَن يدْخل مسبحته فى صماخي أُذُنَيْهِ ويدير إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ ثمَّ يضع الْكَفَّيْنِ على الْأُذُنَيْنِ استظهارا والتكرار مَحْبُوب فِيهِ أَيْضا الثَّانِيَة عشرَة مسح الرَّقَبَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسح

الرَّقَبَة أَمَان من الغل الثَّالِثَة عشرَة تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة وكيفيته أَن يخلل بِالْيَدِ الْيُسْرَى من أَسْفَل أَصَابِع الرجل الْيُمْنَى وَيبدأ بالخنصر من الرجل الْيُمْنَى وَيخْتم بالخنصر من الْيُسْرَى الرَّابِعَة عشرَة الْمُوَالَاة وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا وَاجِبَة وحد التَّفْرِيق الْكثير أَن تَجف الْأَعْضَاء مَعَ اعْتِدَال الْحَال والهواء

ثمَّ إِذا طَال الزَّمَان فَهَل تجب إِعَادَة النِّيَّة فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا تجب لِأَنَّهُ انْقَطع حكم النِّيَّة بطول الزَّمَان وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه لَا تجب لِأَنَّهُ لم يجر قطع يضاد النِّيَّة الْخَامِسَة عشرَة أَلا يَسْتَعِين فِي وضوئِهِ بِغَيْرِهِ فالأجر على قدر النصب وَقد اسْتَعَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّة كمها ضيق فعسر عَلَيْهِ الإسباغ مُنْفَردا السَّادِسَة عشرَة أَن لَا ينشف الْأَعْضَاء لإبقاء أثر الْعِبَادَة وَقد نشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فَتبين جَوَازه وَكَانَ يواظب على تَركه فَبين بِهِ الْأَفْضَل وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ لِأَن فِيهِ تصاونا عَن التصاق الْغُبَار

السَّابِعَة عشرَة أَلا ينفض يَده لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم الثَّامِنَة عشرَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد غسل الْوَجْه اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَعند غسل الْيَدَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني وَلَا تعطني بشمالي وَعند مسح الرَّأْس اللَّهُمَّ حرم شعري وبشري على النَّار وَعند مسح الْأذن اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه وَعند غسل الرجل اللَّهُمَّ ثَبت قدمي على الصِّرَاط وَعند الْفَرَاغ أشهد أَن لَا إِلَه الله وَحده لَا

شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فقد ورد فِيهَا الْأَخْبَار الدَّالَّة على كَثْرَة فَضلهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى الِاسْتِنْجَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فى آدَاب قَضَاء الْحَاجة وَهِي سَبْعَة عشر أَن يبعد عَن أعين النظارين فِي الصَّحرَاء

وَأَن يسْتَتر بِشَيْء إِن وجد وَأَن لَا يكْشف عَوْرَته قبل الإنتهاء إِلَى مَوضِع الْجُلُوس وَأَن لَا يسْتَقْبل الشَّمْس وَالْقَمَر

وَأَن لَا يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يستدبرها وَهُوَ وَاجِب إِلَّا إِذا كَانَ فِي بِنَاء

وَإِن استتر فِي الصَّحرَاء براحلته جَازَ وَكَذَا بذيله على أحد الْوَجْهَيْنِ وَأَن يَتَّقِي الْجُلُوس فِي متحدث النَّاس

وَأَن لَا يَبُول فِي المَاء الراكد وَلَا تَحت الْأَشْجَار المثمرة وَلَا فى الجحرة وفيهَا أَخْبَار

وَأَن يَتَّقِي الْمحل الصلب ومهاب الرِّيَاح فى الْبَوْل استنزاها من رشاشه وَأَن يتكئ فى جُلُوسه على الرجل الْيُسْرَى وَإِن كَانَ فى بُنيان يقدم الرجل الْيُسْرَى فى الدُّخُول واليمنى فى الْخُرُوج وَأَن لَا يستصحب شَيْئا عَلَيْهِ اسْم الله عز وَجل وَرَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يدْخل ذَلِك الْبَيْت حاسر الرَّأْس

وَأَن يَقُول عِنْد الدُّخُول بِسم الله أغوذ بِاللَّه من الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان الرَّجِيم

وَعند الْخُرُوج الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني مَا يُؤْذِينِي وَأبقى على مَا يَنْفَعنِي وَأَن يعد النبل قبل الْجُلُوس

وَأَن لَا يستنجي بِالْمَاءِ فِي مَوضِع قَضَاء الْحَاجة وَأَن يستبرئ عَن الْبَوْل بالتنحنح والنتر وإمرار الْيَد على أَسْفَل الْقَضِيب

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يستنجى عَنهُ وهى كل نَجَاسَة ملوثة خَارِجَة عَن الْمخْرج الْمُعْتَاد نَادرا كَانَ أَو مُعْتَادا جَازَ الِاقْتِصَار فِيهِ على الْحجر إِذا لم ينتشر إِلَّا مَا ينتشر من الْعَامَّة وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَوْل وَالْغَائِط وَالرجل وَالْمَرْأَة وَنقل الرّبيع أَنه إِن كَانَ فى جَوف مقعدته بواسير أَنه لم يجز الِاسْتِنْجَاء إِلَّا بِالْمَاءِ

فَمن الْأَصْحَاب من جعل هَذَا قولا وَعلل الْقَوْلَيْنِ بِأَن الِاعْتِبَار بالخارج أَو الْمخْرج وَمن الْأَصْحَاب من أول مَا نَقله الرّبيع وَقطع بِمَا نَقله الْمُزنِيّ فَإِن الْبَحْث عَن النَّجَاسَات مَعَ أَن الْمخْرج مُعْتَاد فِيهِ عسر وَاخْتَارَ الْقفال فِيمَا حَكَاهُ الفوراني أَنه إِن خرج غير الْمُعْتَاد خَالِصا لم يكف الْحجر وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَكْفِي الْحجر فى دم الْحيض الْمُوجب للْغسْل وعدوا الْمَذْي من النَّجَاسَات النادرة

وَنقل الْمُزنِيّ أَنه يستنجي مَا لم يعد الْمخْرج وَنقل الرّبيع أَنه يستنجي مَا لم يخرج إِلَى ظَاهر الأليتين فَمنهمْ من جعل النصين قَوْلَيْنِ آخَرين وَمِنْهُم من قطع بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ الْمَنْصُوص فى الْقَدِيم وَأول هَذِه النُّصُوص فرع لَو خرجت حَصَاة جافة أَو دودة غير ملوثة فَفِي وجوب الِاسْتِنْجَاء وَجْهَان وَوجه إِيجَابه أَنه لَا يَنْفَكّ عَن لوث وَإِن قل

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يستنجى بِهِ فَإِن استنجى بِالْمَاءِ فَلْيَكُن طهُورا وَإِن اقْتصر على الْحجر فَلْيَكُن طَاهِرا منشفا غير مُحْتَرم وَلَا يخْتَص بِالْحجرِ لِأَن مَا عداهُ فِي مَعْنَاهُ احترزنا بالطاهر عَن الروث وَالْعين النَّجِسَة فَإِنَّهَا تزيد الْمحل نَجَاسَة أَجْنَبِيَّة فَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ المَاء بعد اسْتِعْمَالهَا وبقولنا منشف عَن الزّجاج الأملس لِأَنَّهُ يبسط النَّجَاسَة فَإِن نقلهَا عَن محلهَا تعين المَاء

وفى التُّرَاب والحممة اخْتِلَاف نَص وَالْوَجْه الْقطع بِالْجَوَازِ فِيمَا لَا يتفتت بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْمَنْع فِي الرخو تَنْزِيلا بالنصن على اخْتِلَاف حَالين وبقولنا غير مُحْتَرم عَن المطعومات وَمَا كتب عَلَيْهِ شَيْء مُحْتَرم والعصفورة الْحَيَّة والاستنجاء بيد الْغَيْر كل ذَلِك محرم فِي وجوب عَادَة الِاسْتِنْجَاء

وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَن الرُّخص لَا تستفاد بِالْمَعَاصِي والعظم من المطعومات وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ أما الْجلد فقد نقل حَرْمَلَة منع الِاسْتِنْجَاء بِهِ وَنقل الْبُوَيْطِيّ جَوَازه وَنقل الرّبيع مَنعه قبل الدّباغ دون مَا بعده فَقيل إِنَّه أَقْوَال وَالصَّحِيح الْجَوَاز وَحمل الْمَنْع على جلد الدسم قبل الدّباغ الَّذِي لَا يقْلع النَّجَاسَة كَمَا نَقله الرّبيع فرع الْحجر الْمُسْتَعْمل لَا يسْتَعْمل ثَانِيًا وَإِن غسل إِلَّا بعد الْجَفَاف لِأَن تِلْكَ الرُّطُوبَة تصير نَجَاسَة فَتكون كنجاسة أَجْنَبِيَّة

الْفَصْل الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء وَفِيه مسَائِل أَرْبَعَة الأولى أَن الْعدَد شَرط لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار فَإِن لم يحصل الإنقاء فليستعمل رَابِعَة فَإِن حصل أوتر بخامسة لِأَن الإيتار مُسْتَحبّ وَقَالَ مَالك يَكْفِي وَلَو بِوَاحِدَة إِذا حصل الإنقاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حَاجَة إِلَى الْحجر وَلَا إِلَى المَاء بل يُعْفَى عَن هَذِه النَّجَاسَة ثمَّ يتَأَدَّى الْعدَد بِأَن يستنجي بِحجر لَهُ ثَلَاثَة أحرف بِثَلَاث مسحات متفاصلة

الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل بِوَاحِد وَيُدبر بِوَاحِد ويحلق بالثالث وَقَالَ فى حَدِيث آخر خجر للصفحة وَحجر الْيُمْنَى للصفحة الْيُسْرَى وَحجر للوسط فَاخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من أَخذ بِالْحَدِيثِ الأول وَاجِب اسْتِعْمَال كل حجر فى جَمِيع الْمحل إِذْ بِهِ يتَحَقَّق الْعدَد وَأول الثَّانِي بِأَن الْبِدَايَة بالصفحة الْيُمْنَى وَمِنْهُم من أَخذ بالرواية الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مصرحة بالتخصيص وَإِنَّمَا مُرَاعَاة الْعدَد بِالْإِضَافَة إِلَى جملَة الْمحل لَا إِلَى كل جُزْء ثمَّ الْأَصَح أَن هَذَا خلاف فى الأحب وَقيل إِنَّه خلاف فِي الْوُجُوب

الثَّالِثَة يَنْبَغِي أَن يضع الْحجر على مَوضِع طَاهِر ويدير فَإِن أَمر وَنقل النَّجَاسَة تعين المَاء وَإِن لم ينْقل فَوَجْهَانِ الصَّحِيح جَوَازه لِأَن تَكْلِيف الإدارة يضيق بَاب الرُّخْصَة وَلَا يخلوا كل استنجاء عَن نقل يسير فيتسامح بِهِ الرَّابِعَة الْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى {رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} وَأَن يستنجي باليسار فَإِن أَخذ الْقَضِيب بيد وَالْحجر بِأُخْرَى فليحرك الْيَد الْيُسْرَى فالاستنجاء بالمتحرك وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْأَحْدَاث وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي أَسبَابهَا وَهِي أَرْبَعَة السَّبَب الأول خُرُوج الْخَارِج من أحد السَّبِيلَيْنِ ريحًا كَانَ أَو عينا نَادرا أَو مُعْتَادا طَاهِرا أَو نجسا وَقد تخرج الرّيح من

الإحليل لاسترخاء الْأسر فَكل ذَلِك ينْقض الْوضُوء

وَالْخَارِج من غير السَّبِيلَيْنِ بالفصد والحجامة والقيء والقهقهة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا كل ذَلِك لَا ينْقض الْوضُوء خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا وضوء مِمَّا مسته النَّار خلافًا لِأَحْمَد فرع لَو انفتحت ثقبة تَحت الْمعدة وانسد المسلك الْمُعْتَاد وَخرجت مِنْهَا النَّجَاسَة

الْمُعْتَادَة انْتقض الطُّهْر لِأَنَّهُ فِي معنى الْمَنْصُوص وَلَو كَانَ السَّبِيل الْمُعْتَاد منفتحا أَو كَانَ السَّبِيل منسدا وَلَكِن الثقبة فَوق الْمعدة فَقَوْلَانِ منشؤهما التَّرَدُّد فِي أَنه هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ أم لَا التَّفْرِيع حَيْثُ حكمنَا بانتقاض الطُّهْر فَلَو كَانَ الْخَارِج نَادرا فَقَوْلَانِ فَمحل الْقطع عِنْد اجْتِمَاع ثَلَاثَة أُمُور أَن يكون السَّبِيل الْمُعْتَاد منسدا وَأَن تكون الثقبة تَحت الْمعدة وَأَن يكون الْخَارِج مُعْتَادا فَعِنْدَ فقد بعض هَذِه الْمعَانِي يثور التَّرَدُّد وَحَيْثُ حكم بالانتقاض فَفِي جَوَاز الِاقْتِصَار على الْحجر ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْمُعْتَاد وَغَيره وكأنا نرى الِاقْتِصَار على الْحجر أبعد من الْقيَاس من انْتِقَاض الطُّهْر وَفِي انْتِقَاض الطُّهْر بمسه وَوُجُوب الْغسْل بالإيلاج فِيهِ وَحل النّظر إِلَيْهِ تردد وَلَا يتَعَدَّى التَّرَدُّد من أَحْكَام الْأَحْدَاث إِلَى خَصَائِص أَحْكَام الْوَطْء

السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْعقل فَإِن حصل بغشية أَو إِغْمَاء أَو جُنُون أَو سكر انْتقض الطُّهْر قَائِما كَانَ أَو قَاعِدا وَإِن حصل بِالنَّوْمِ انْتقض إِلَّا إِذا كَانَ قَاعِدا مُمكنا مقعدته من الأَرْض فَلَو تجافى بمقعدته انْتقض وَلَو تمايل وانتبه وَكَانَ التنبه قبل التَّجَافِي لم ينْتَقض وَإِن كَانَ بعده انْتقض إِذْ يَتَيَسَّر بِهِ خُرُوج حدث لَا يشْعر بِهِ وَقَالَ الْمُزنِيّ النّوم كالإغماء فينتقض الْوضُوء بِكُل حَال وَهُوَ ضَعِيف لما روى أَن طَلْحَة قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن هَذَا وضوء وَكَانَ قد نَام قَاعِدا فَقَالَ

لَا أَو تضع جَنْبك وَقَالَ أَبُو حنيفَة النّوم على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين لَا ينْقض الْوضُوء وَنقل الْبُوَيْطِيّ فى الْقَدِيم وَهُوَ ضَعِيف السَّبَب الثَّالِث اللَّمْس قَالَ الله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} فَحَمله أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ على المجامعة وَحمله الشَّافِعِي على الجس بِالْيَدِ

ثمَّ فِيهِ فروع أَرْبَعَة الأول اللَّمْس وفَاقا من غير قصد نَاقض للْوُضُوء للْعُمُوم خلافًا لمَالِك وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِيهِ تشوفا إِلَى رِعَايَة الْمَعْنى الثَّانِي الملموس وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا لَا ينْتَقض طهره اقتصارا على الظَّاهِر فَإِنَّهُ مَا لمس وَالثَّانِي ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى لِأَن الْمُلَامسَة مفاعلة وَلَا خلاف أَن الْمَرْأَة إِذا كَانَت هِيَ اللامسة انْتقض طهرهَا لِأَنَّهَا فِي معنى الرجل الثَّالِث فِي الْمحرم وَالْميتَة وَالصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهى قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا ينْتَقض تشوفا إِلَى الْمَعْنى والعجوز الهرمة ينْتَقض الْوضُوء بلمسها فَلِكُل سَاقِط لاقط

الرَّابِع فِي الشّعْر وَالظفر خلاف وَكَذَا فِي الْعُضْو المبان مِنْهَا وَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض لانْتِفَاء الْمَعْنى وَهُوَ الظَّاهِر إِذْ لَا يُقَال لمس النِّسَاء السَّبَب الرَّابِع مس الذّكر قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ وَفِي مَعْنَاهُ من مس ذكر غَيره وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا مست فرجهَا وَلَو لمس حَلقَة دبره قَالَ فِي الْقَدِيم لَا ينْقض وَفِي الْجَدِيد ألحقهُ بالمنصوص

وَقَالَ فِي فرج الْبَهِيمَة فِي الْجَدِيد لَا ينْتَقض بمسه وَفِي الْقَدِيم ألحقهُ بِهِ وَأما الصَّغِير وَالْمَيِّت فينتقض الطُّهْر بِمَسّ ذكرهمَا لوُجُود اسْم الذّكر قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا يدل على تَحْرِيم النّظر إِلَى فرج الصَّغِير فَيحمل مَا رُوِيَ من تَقْبِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زبيبة الْحسن أَو الْحُسَيْن على جَرَيَانه وَرَاء الثَّوْب

فَأَما الذّكر المبان فَفِيهِ وَجْهَان وَأما مَحل الْجب فينقض الْوضُوء بمسه

ثمَّ هَذَا كُله فِي الْمس بالكف فَإِن كَانَ بِرَأْس الْأَصَابِع فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ خَارج عَن سمت الْكَفّ وَلكنه من جنس بشرة الْكَفّ وَإِن كَانَ بِمَا بَين الْأَصَابِع فَالصَّحِيح أَنه لَا ينْتَقض فرع إِذا مس الْخُنْثَى من نَفسه فرجيه انْتقض طهره فَإِن مس أَحدهمَا فَلَا لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد وَإِن مس أَحدهمَا وَصلى ثمَّ تَوَضَّأ وَمَسّ الآخر وَصلى فإحدى صلاتيه بَاطِلَة قطعا وَهل يقْضِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يقضيهما جيمعا كمن فَاتَتْهُ صَلَاة من صَلَاتَيْنِ وَالثَّانِي لَا يقضيهما لِأَن لكل صَلَاة حكمهَا فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاتَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين أما إِذا مس رجل فرج الْخُنْثَى إِن مس ذكره انْتقض وَإِن مس فرجه لم ينْتَقض وَالْمَرْأَة إِن مست فرجه انْتقض وَإِن مست ذكره لم ينْتَقض لاحْتِمَال أَنه عُضْو زَائِد

وَلَو أَن خنثيين مس أَحدهمَا من صَاحبه الْفرج وَمَسّ الآخر الذّكر فقد انتقضت طَهَارَة أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه بِكُل حَال وَلَكِن تصح صلاتهما وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِاحْتِمَال الصِّحَّة كَمَا إِذا قَالَ الرجل إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فامرأتي طَالِق وَقَالَ الآخر إِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق وأشكل دَامَ الْحل لكل وَاحِد مِنْهَا فَإِن قيل وَبِمَا يتَبَيَّن حَال الْخُنْثَى قُلْنَا بِثَلَاثَة طرق أَحدهمَا خُرُوج الْخَارِج من أحد الفرجين فَإِن بَال بفرج الرِّجَال أَو أمنى فَرجل وَإِن بَال بفرج النِّسَاء أَو حَاضَت فإمرأة وَإِن أمنى بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء فمشكل وَإِن بَال بفرج الرِّجَال وحاض بفرج النِّسَاء قيل التعويل على المبال لِأَنَّهُ أدوم وَقيل مُشكل الثَّانِيَة نَبَات اللِّحْيَة ونهود الثدي فِيهِ خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا عِبْرَة بهما لِأَن ذَلِك لَا يعد نَادرا على خلاف الْمُعْتَاد

وَلَا خلاف أَن عدم نَبَات اللِّحْيَة وَعدم نهود الثدي فى أوانهما لَا نظر إِلَيْهِ وَلَا نظر إِلَى مَا قيل من تفَاوت عدد الأضلاع فَلَا أصل لَهُ فى الشَّرْع والتشريح الثَّالِثَة أَن يُرَاجع الشَّخْص ليحكم بميله فَإِن أخبر لَا يقبل رُجُوعه إِلَّا أَن

يكذبهُ الْحس بِأَن يَقُول أَنا رجل ثمَّ يلد ولدا قَاعِدَة يَقِين الطَّهَارَة لَا يرفع بِالشَّكِّ وَلَا يَقِين الْحَدث يرفع بشك الطَّهَارَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فينفخ بَين أليتيه وَيَقُول أحدثت أحدثت فَلَا ينصرفن حَتَّى يسمع صَوتا أَو يشم ريحًا

فَإِن غلب على ظَنّه الْحَدث فَلَا تعويل عَلَيْهِ لِأَن العلامات تندر فِي الْأَحْدَاث فَلَا مجَال للِاجْتِهَاد فِيهَا بِخِلَاف النَّجَاسَات وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص من هَذَا أَربع مسَائِل

إِحْدَاهَا أَن النَّاس لَو شكوا فى انْقِضَاء وَقت الْجُمُعَة صلوا الظّهْر وَإِن كَانَ الأَصْل بَقَاء الْوَقْت وعلته وَأَن الأَصْل وجوب الْأَرْبَع فَلَا يعدل إِلَى الْجُمُعَة إِلَّا بِيَقِين الثَّانِيَة إِذا شكّ فى انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح لم يمسح وَسَببه أَن الأَصْل غسل الرجل فَلَا عدُول إِلَّا بِيَقِين الثَّالِثَة إِذا انْتهى الْمُسَافِر إِلَى مَكَان وَشك أَنه وَطنه أم لَا أَخذ بِأَنَّهُ وَطنه

الرَّابِعَة لَو شكّ أَنه نوى الْإِقَامَة أم لَا لم يترخص بِالْقصرِ لِأَن الأَصْل الْإِتْمَام وَأبْدى بعض الْأَصْحَاب خلافًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ دون الْأَوليين وَهُوَ بعيد فرع

إِذا تَيَقّن أَنه بعد طُلُوع الشَّمْس تَوَضَّأ وأحدث وَلم يدر أَيهمَا سبق

قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يسند الْوَهم إِلَى مَا قبله فَإِن انْتهى إِلَى الْحَدث فَهُوَ الْآن متطهر لِأَنَّهُ تَيَقّن طهرا بعده وَشك فى الْحَدث بعد الطُّهْر وَإِن انْتهى إِلَى الطُّهْر فَهُوَ الْآن مُحدث لما ذَكرْنَاهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِن انْتهى إِلَى طهر فمتطهر وَإِن انْتهى إِلَى حدث فمحدث والظنان الطارئان يتعارضان وَالصَّحِيح هُوَ الأول

الْفَصْل الثَّانِي فى حكم الْحَدث وَهُوَ الْمَنْع من الصَّلَاة وَالطّواف وَسُجُود التِّلَاوَة وَمَسّ الْمُصحف وَحمله وَيَسْتَوِي فى الْمس الْجلد والحواشي وَمحل الكتبة نعم فِي الخريطة والصندوق والغلاف والعلاقة وَجْهَان وَلَو قلب الأوراق بقضيب فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ حَامِل للورقة وَلَو قلب بِطرف الْيَد وَهِي مستورة بالكم فَحَرَام لِأَن التقليب بِالْيَدِ حرَام وَأما الْحمل فَهُوَ محرم إِلَّا إِذا كَانَ فِي الصندوق وَمَعَهُ أَمْتعَة فَوَجْهَانِ وَوجه

التجويز أَنه غير مَقْصُود وَلَا يحرم مس كتاب فِيهِ بِسم الله وَلَا كتب التَّفْسِير وَالْفِقْه وَلَا الثَّوْب لطرازه وَلَا الدِّرْهَم لنقشه وَكَذَا كل مَا لم يكْتب للدراسة فَأَما لوح الصّبيان فَلَا وَإِن كتب للدراسة لِأَن فِيهِ مشقة وَالأَصَح أَنه لَا يجب على الْمعلم تَكْلِيف الصَّبِي الْمُمَيز الطَّهَارَة لمس الْمُصحف واللوح فَإِن فِي حفظهَا عَلَيْهِم عسرة أما الْجَنَابَة فكالحدث ونزيد هَاهُنَا تَحْرِيم قِرَاءَة الْقُرْآن والمكث فِي الْمَسْجِد أما العبور فَلَا ثمَّ لَا فرق فِي الْقِرَاءَة بَين آيَة أَو بَعْضهَا إِلَّا أَن يَأْتِي بهَا على قصد الذّكر كَقَوْلِه بِسم الله وَالْحَمْد لله وَالْمذهب أَن الْحَائِض كالجنب وَحكى أَبُو ثَوْر عَن أبي عبد الله أَنه كَانَ لَا يحرم

عَلَيْهَا الْقِرَاءَة إِمَّا لحَاجَة التَّعْلِيم وَإِمَّا خيفة النسْيَان فَقيل أَرَادَ بِأبي عبد الله الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقيل أَرَادَ بِهِ مَالِكًا رَضِي الله عَنهُ وَلَا بَأْس للْجنب بِأَن يُجَامع وَيَأْكُل وَيشْرب وَلَكِن يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَوَضَّأ

وضوءه للصَّلَاة وَيغسل فرجه عِنْد الْجِمَاع فقد ورد فِيهِ الحَدِيث

وَرُوِيَ أَن رجلا سلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ جنبا فَضرب يَده على الْجِدَار وَتيَمّم ثمَّ أجَاب تَعْظِيمًا للسلام فعلى هَذَا لَو تيَمّم الْمُحدث لقِرَاءَة الْقُرْآن مَعَ

وجود المَاء كَانَ جَارِيا على وفْق الحَدِيث وَلَا يجوز ذَلِك فِي صَلَاة الْجِنَازَة فَإِن الطَّهَارَة فِيهِ وَاجِبَة وَفضل مَاء الْجنب طَاهِر وَهُوَ الَّذِي مَسّه الْجنب وَالْحَائِض والمحدث خلافًا لِأَحْمَد رَحمَه الله تَعَالَى

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْغسْل وَالنَّظَر فى مُوجبه وكيفيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النّظر الأول فى الْمُوجب وَهِي أَرْبَعَة الأول الْحيض وَالنّفاس وَسَيَأْتِي حكمهمَا فى موضعهما الثَّانِي الْمَوْت وَسَيَأْتِي فى الْجَنَائِز الثَّالِث الْولادَة فَإِذا انْفَصل الْوَلَد دون النّفاس فَالْأَصَحّ وجوب الْغسْل لِأَنَّهُ إِذا أوجب بِخُرُوج المَاء وَهُوَ أصل الْوَلَد فبأن يجب بِنَفس الْوَلَد أولى

وَقيل إِنَّه لَا يجب لِأَن الْأَحْدَاث لَا تثبت قِيَاسا الرَّابِع الْجَنَابَة وَهِي الْمَقْصُودَة بِالذكر وَيحصل بالتقاء الختانين وَخُرُوج الْمَنِيّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا ونعني بالالتقاء التحاذي فَإِن ختان الْمَرْأَة

فَوق المنفذ يُقَال التقى الفارسان إِذا تحاذيا ثمَّ لَيْسَ الْمَقْصُود الْخِتَان فَلَو قطعت الْحَشَفَة فغيب مثل الْحَشَفَة كفى وَكَذَلِكَ إِذا ولج فِي فرج ميت أَو بَهِيمَة أَو فِي غير المأتى وَلَا ختان فِيهِ وَفِي وجوب إِعَادَة غسل الْمَيِّت إِذا أولج فِيهِ خلاف

أما خُرُوج الْمَنِيّ فموجب الْغسْل وَصفته أَنه أَبيض ثخين دفاق يخرج

بدفعات وشهوة ويعقب خُرُوجه فتور وتشبه رائحتة رَائِحَة الطّلع فَلَو فقد من هَذِه الصِّفَات التَّلَذُّذ بِخُرُوجِهِ بِأَن يخرج بِمَرَض وَجب الْغسْل خلافًا لأبي حنيفَة وَكَذَا إِن خرج بعد الْغسْل من بقيه الأول خلافًا لمَالِك لِأَن بَقِيَّة الصِّفَات معرفَة كَونه منيا وَكَذَا لَو خرج على لون الدَّم لاستكثار الْجِمَاع وَجب الْغسْل فخواصه ثَلَاث التَّلَذُّذ ورائحة الطّلع والتدفق بدفعات فَإِن وجد وَاحِد من هَذِه الصِّفَات كفى فَلَو تنبه من النّوم وَوجد رَائِحَة الطّلع من البلل لزمَه الْغسْل وَإِن لم ير إِلَّا

الثخانة وَالْبَيَاض فَلَا يلْزمه لِأَنَّهُ مثل الودي فَإِن كَانَ الودي لَا يَلِيق بطبع صَاحب الْوَاقِعَة أَو تذكر فى النّوم نشاطا وتلذذ فَهُوَ غَالب ظن يحْتَمل أَن يطْرَح كَمَا فى الْأَحْدَاث وَيحْتَمل أَن يخرج على الْخلاف فى النَّجَاسَات إِذا قَابل الْغَالِب الأَصْل لِأَن الْمَنِيّ مجَال العلامات كالنجاسات وَأما الْمَرْأَة فمنيها أصفر رَقِيق وَلَا يعرف فى حَقّهَا إِلَّا من الشَّهْوَة فَإِذا تلذذت لخُرُوج المَاء اغْتَسَلت لما رُوِيَ أَن إم سليم إم أنس بن مَالك

قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل على إحدانا غسل إِذا هِيَ احْتَلَمت فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فضحت النِّسَاء فَضَحِك الله أَو تحتلم الْمَرْأَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام تربت يَمِينك فمم الشّبَه إِذن إِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد إِلَى أَعْمَامه وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل نزع الْوَلَد إِلَى أَخْوَاله ثمَّ قَالَ لإم سليم نعم عَلَيْهَا الْغسْل إِذا رَأَتْ المَاء فَأَما إِذا خرج مني الرجل من الْمَرْأَة بعد أَن اغْتَسَلت فَلَا يلْزمهَا الْغسْل إِلَّا إِذا كَانَت قَضَت وطرها فيغلب اخْتِلَاط منيها بِهِ فَيجب الْغسْل بِحكم الْغَالِب وَهَذَا يدل على أَن لغَلَبَة الظَّن أثرا النّظر الثَّانِي فى كَيْفيَّة الْغسْل وَأَقل واجبه أَمْرَانِ

أَحدهمَا النِّيَّة فَإِن نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو رفع الْجَنَابَة أَو قِرَاءَة الْقُرْآن كفى وَإِن نوى رفع الْحَدث مُطلقًا فَالصَّحِيح جَوَازه وَإِن نَوَت الْحَائِض بغسلها اسْتِبَاحَة الْوَطْء جَازَ وَقيل لَا لِأَن الْوَطْء مُوجب للْغسْل وَالثَّانِي الِاسْتِيعَاب فَلَا يجب فِيهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق خلافًا لأبي حنيفَة

وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت الشُّعُور وَإِن كثفت وَنقض الضفائر إِن كَانَ المَاء لَا يصل إِلَى بَاطِنهَا دون النَّقْض كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلوا الشّعْر وانقوا الْبشرَة فَإِن كل تَحت شَعْرَة جَنَابَة أما الْأَكْمَل فَيُسْتَحَب فِيهِ سِتَّة أُمُور الأول أَن يغسل أَولا مَا على بدنه من أَذَى ونجاسة إِن كَانَت

الثَّانِي أَن يتَوَضَّأ بعد ذَلِك وضوءه للصَّلَاة وَإِن لم يكن مُحدثا وَيتَصَوَّر ذَلِك بتغيب الْحَشَفَة مَعَ حَائِل أَو بسبق الْمَنِيّ على الطَّهَارَة وَهل يُؤَخر غسل الرجلَيْن فِي وضوئِهِ إِلَى آخر الْغسْل فِيهِ قَولَانِ لاخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الثَّالِث يتعهد معاطف بدنه ومنابت شعوره بعد وضوءه ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه ثمَّ على ميامنه ثمَّ على مياسره الرَّابِع التّكْرَار ثَلَاثًا كَمَا فى الْوضُوء وَالْأَظْهَر أَن تَجْدِيد الْغسْل لَا يسْتَحبّ فَإِنَّهُ لَا يَنْضَبِط بِخِلَاف الْوضُوء

وَفِيه وَجه الْخَامِس إِذا اغْتَسَلت من الْحيض فَيُسْتَحَب لَهَا أَن تسْتَعْمل فرْصَة من مسك إمَاطَة للرائحة

أَو مَا يقوم مقَامه فَإِن لم تَجِد فالماء كَاف السَّادِس الدَّلْك وَهُوَ مُسْتَحبّ وَمَاء الْغسْل وَالْوُضُوء غير مُقَدّر وَقد يرفق بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي ويخرق بالكثير فَلَا يَكْفِي

= كتاب التَّيَمُّم = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِيمَا يُبِيح التَّيَمُّم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الْعَجز عَن اسْتِعْمَال المَاء لقَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام التُّرَاب كافيك وَلَو لم تَجِد المَاء عشر حجج

وَلَكِن للعجز سَبْعَة أَسبَاب السَّبَب الأول فقد المَاء وللمسافر فِيهِ أَرْبَعَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يتَحَقَّق عدم المَاء حواليه فيتيمم من غير طلب إِذْ لَا معنى للطلب مَعَ الْيَأْس الْحَالة الثَّانِيَة أَن يتَوَهَّم وجود المَاء حواليه فَيلْزمهُ أَن يَطْلُبهُ من مَوَاضِع الخضرة ومنزل الرفاق ويتردد إِلَى حد يلْحقهُ غوث الرفاق عِنْد الْحَاجة وَلَا يلْزمه

أَكثر من ذَلِك ثمَّ يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْبِقَاع وَالْأَحْوَال فليجتهد الْمُكَلف فِيهِ رَأْيه فَلَو أدّى صَلَاة بِهَذَا الطّلب وَدخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَفِي وجوب إِعَادَة الطّلب وَجْهَان أولاهما أَنه لَا يجب لِأَن غَلَبَة الظَّن بَاقِيَة

الْحَالة الثَّالِثَة أَن يتَيَقَّن وجود المَاء فى حد الْقرب فَيلْزمهُ أَن يسْعَى إِلَيْهِ

وحد الْقرب إِلَى حَيْثُ يتَرَدَّد إِلَيْهِ الْمُسَافِر للرعي والاحتطاب وَهُوَ فَوق حد الْغَوْث فَإِن انْتهى الْبعد إِلَى حَيْثُ لَا يجد المَاء فى الْوَقْت فَلَا يلْزمه وَإِن كَانَ بَين الرتبتين فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يلْزمه الْوضُوء إِن

كَانَ على يَمِين الْمنزل ويساره وَنَصّ فِيمَا إِذا كَانَ قدامه على صوب مقْصده أَنه لَا يلْزمه فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَهُوَ الْأَصَح أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ علق التَّيَمُّم بالفقد وَهَذَا غير فَاقِد وَالثَّانِي لَا يجب لِأَنَّهُ فى الْحَال فَاقِد وَمِنْهُم من فرق بَين النصين وَقَالَ يَمِين الْمنزل ويساره مَنْسُوب إِلَيْهِ وَعَادَة الْمُسَافِر التَّرَدُّد إِلَيْهِ وَأما التَّقَدُّم ثمَّ الْعود قهقرى فَلَيْسَ بمعتاد وَرُوِيَ أَن ابْن عمر تيَمّم فَقيل لَهُ أتتيمم وجدران الْمَدِينَة تنظر إِلَيْك

فَقَالَ أَو أحيي حَتَّى أدخلها ثمَّ دخل الْمَدِينَة وَالشَّمْس حَيَّة وَلم يقْض الصَّلَاة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجوز التَّيَمُّم فَمَا الأولى نظر إِن تَيَقّن وجود المَاء قبل مُضِيّ الْوَقْت فَالْأولى التَّأْخِير للْوُضُوء وَإِن توقعه بِظَنّ غَالب فَقَوْلَانِ أَحدهمَا التَّعْجِيل أولى كَمَا أَن تَعْجِيلهَا أولى من تَأْخِيرهَا لحيازة فَضِيلَة الْجَمَاعَة

إِذْ فَضِيلَة الأولى ناجزة وَالْأُخْرَى موهومة وَالثَّانِي التَّأْخِير أولى لِأَن للْوُضُوء رُتْبَة الْفَرَائِض فبجبره تنجبر فَضِيلَة الْوَقْت الْحَالة الرَّابِعَة أَن يكون المَاء حَاضرا كَمَاء الْبِئْر إِذا تنَازع عَلَيْهِ النازحون وَعلم أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد فَوَات الْوَقْت نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يصبر إِذْ لَا تيَمّم مَعَ وجود المَاء وَنَصّ فى الثَّوْب الْوَاحِد يتناوب عَلَيْهِ جمَاعَة العراة أَنه يصبر وَلَا يُصَلِّي عَارِيا وَنَصّ فى السَّفِينَة فِيهَا مَوضِع وَاحِد يُمكن الْقيام فِيهِ أَنه يُصَلِّي قَاعِدا وَلَا يصبر وَقَالَ أَبُو زيد الْمروزِي وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين لَا فرق بل فيهمَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا الصَّبْر لِأَن الْقُدْرَة حَاصِلَة وَالثَّانِي التَّعْجِيل لِأَن الْقُدْرَة بعد الْوَقْت

لَا تَأْثِير لَهَا فِي صَلَاة الْوَقْت وَهُوَ جَار فِيمَا لَو لَاحَ للْمُسَافِر مَاء فِي حد الْقرب وَعلم أَنه لَو اشْتغل بِهِ لفاتته الصَّلَاة وَلَا جَرَيَان لَهُ فِي الْمُقِيم بِحَال حَتَّى إِذا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت وَعلم فَوَاته لم يتَيَمَّم هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَمن الْأَصْحَاب من قرر النصين وَفرق بِأَن أَمر الْقعُود أسهل وَلذَلِك يجوز تَركه فى النَّفْل مَعَ الْقُدْرَة بِخِلَاف التَّيَمُّم وكشف الْعَوْرَة فرعان أَحدهمَا لَو وجد مَاء لَا يَكْفِيهِ لوضوئه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه فَاقِد فيتيمم وَالثَّانِي وَاجِد فيستعمل لِأَن الْمَقْدُور لَا يسْقط بالمعسور كَمَا لَو كَانَ بعض أَعْضَائِهِ جريحا فَإِن قُلْنَا يسْتَعْمل فَيقدمهُ على التَّيَمُّم حَتَّى يكون فاقدا عِنْد التَّيَمُّم الثَّانِي لَو صب المَاء قبل الْوَقْت ثمَّ تيَمّم فى الْوَقْت لم يقْض وَلَو صب المَاء بعد

دُخُول الْوَقْت أَو وهب من غير عوض للمتهب فَفِي الْقَضَاء وَجْهَان

وَجه وُجُوبه أَنه عصى بصبه وَالْهِبَة مَعَ حَاجَة إِلَى الْوضُوء والرخص لَا تناط بِالْمَعَاصِي بِخِلَاف مَا قبل الْوَقْت فَإِنَّهُ لَا حَاجَة وَبِخِلَاف مَا لَو جَاوز شط النَّهر فى أول الْوَقْت لِأَنَّهُ لَا لم يضيع ثمَّ الصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء تِلْكَ الصَّلَاة لِأَنَّهُ فى حق غَيرهَا صب قبل وقته وَقيل يلْزمه قَضَاء مَا يغلب إِمْكَان أَدَائِهِ بِوضُوء وَاحِد السَّبَب الثَّانِي أَن يخَاف على نَفسه أَو مَاله لَو تَوَضَّأ بِأَن كَانَ بَينه وَبَين المَاء سبع أَو سَارِق فَلهُ التَّيَمُّم وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا لَو وهب مِنْهُ المَاء أَو أعير مِنْهُ أَو أقْرض ثمن المَاء وَهُوَ مُوسر فَعَلَيهِ

الْقبُول إِذْ الْمِنَّة لَا تثقل فِيهَا وَهل يجب الإبتداء بسؤال هَذِه الْأُمُور فِيهِ وَجْهَان لِأَن السُّؤَال أصعب على ذَوي المروعات وَإِن هان قدر الْمَسْئُول فَأَما إِذا وهب مِنْهُ الدَّلْو أَو ثمن المَاء لم يلْزمه الْقبُول لعظم الْمِنَّة فِيهِ الثَّانِيَة لَو بيع المَاء بِغَبن لم يلْزمه شِرَاؤُهُ وَكَذَا إِن بيع بِثمن الْمثل وَلَكِن عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق أَو احْتَاجَ إِلَيْهِ لنفقة سَفَره فى ذَهَابه وإيابه فَلَا يلْزمه شِرَاؤُهُ

وفى قدر ثمن الْمثل ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه أُجْرَة نقل المَاء فبه تعرف الرَّغْبَة فى المَاء وَإِن كَانَ مَمْلُوكا على الْأَصَح هَذَا أعدل الْوُجُوه وَقيل يعْتَبر بِحَال السَّلامَة واتساع المَاء وَقيل تعْتَبر الْحَالة الراهنة وضرورتها السَّبَب الثَّالِث إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ لعطشه فى الْوَقْت أَو لتوقع الْعَطش فى ثَانِي الْحَال أَو لعطش رَفِيقه فى الْوَقْت أَو لعطش حَيَوَان مُحْتَرم فَكل ذَلِك يُبِيح التَّيَمُّم وتوقع عَطش الرفيق فى الْمَآل فِيهِ

نظر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو كَانَ مَعَه مَاء فَمَاتَ ورفقاؤه محتاجون إِلَيْهِ لعطشهم يمموه وَشَرِبُوا المَاء وصرفوا ثمنه إِلَى ورثته لِأَن مثل المَاء لَا قيمَة لَهُ فى ذَلِك الْموضع فى غَالب الْأَمر فَكَانَ الْعُدُول إِلَى الْقيمَة أولى

فرع إِذا سلم مَاء إِلَى وَكيله وَقَالَ سلمه إِلَى أولى النَّاس بِهِ فَحَضَرَ جنب وحائض وميت فالميت أولى لِأَنَّهُ آخر عَهده والأحياء يتيممون وَمن عَلَيْهِ النَّجَاسَة أولى من الْجنب وَالْحَائِض إِذْ لَا بدل لإِزَالَة النَّجَاسَة وَفِيه مَعَ الْمَيِّت وَجْهَان وَالْجنب مَعَ الْحَائِض يتساويان وَقيل الْحَائِض أولى لِأَن حدثها أغْلظ وَلَو اجْتمع مُحدث وجنب فالجنب أولى إِلَّا أَن يكون المَاء على قدر الْوضُوء فَالصَّحِيح أَن الْمُحدث أولى لاكتفائه بِهِ وَلَو انْتهى هَؤُلَاءِ إِلَى مَاء مُبَاح فى سفر فَمن سبق إِلَى المَاء فَهُوَ ملكه وَإِن تساووا فَهُوَ فى يدهم وَالْمَالِك إِن كَانَ مُحدثا أولى بِمَاء ملكه من الْجنب السَّبَب الرَّابِع الْعَجز بِسَبَب الْجَهْل

وَفِيه أَربع صور أَحدهَا أَن ينسى المَاء فى رَحْله بعد أَن كَانَ علمه فَتَيَمم وَصلى قضى الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه قَول قديم كَمَا فِي نِسْيَان الْفَاتِحَة وترتيب الْوضُوء نَاسِيا الثَّانِيَة إِذا أدرج فِي رَحْله مَاء وَلم يشْعر بِهِ فطريقان أَحدهمَا الْقطع بِأَن لَا قَضَاء إِذْ لَا تَقْصِير وَالثَّانِي تَخْرِيجه على الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي النسْيَان الثَّالِثَة لَو أضلّ المَاء فِي رَحْله مَعَ توهم وجوده فَإِن لم يمعن فِي الطّلب لزمَه الْقَضَاء وَإِن أمعن حَتَّى غلب ظن الْفَقْد فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ كالقولين فِيمَن أَخطَأ فِي اجْتِهَاده فِي الْقبْلَة الرَّابِعَة لَو أضلّ رَحْله فِي جنح ليل لزمَه الْقَضَاء إِن لم يمعن فِي

الطّلب وَإِن أمعن فطريقان أَحدهمَا أَنه يجب الْقَضَاء كَمَا إِذا أضلّ المَاء فِي رَحْله وَالثَّانِي الْقطع بِأَن لَا قَضَاء لِأَن الرحل أضبط للْمَاء من المخيم للرحل فَلَا تَقْصِير فرع لَو رأى بِئْرا بِالْقربِ بعد التَّيَمُّم فَهُوَ كَمَا إِذا وجد المَاء فِي رَحْله فِي صُورَة الْجَهْل وَصُورَة النسْيَان جَمِيعًا السَّبَب الْخَامِس الْمَرَض الَّذِي يخَاف من اسْتِعْمَال المَاء مَعَه فَوت الرّوح أَو فَوت عُضْو مُبِيح للتيمم وَإِن لم يخف عاقبته وَلَكِن يألم بِهِ من برد أَو حر أَو جرح لم يجز التَّيَمُّم وَإِن خَافَ مِنْهُ مَرضا مخوفا فَالصَّحِيح أَنه يُبَاح التَّيَمُّم وَإِن لم يخف إِلَّا شدَّة الضنى وبطء الْبُرْء فَوَجْهَانِ منشؤهما أَن الضَّرَر الظَّاهِر هَل يَكْفِي أم لَا بُد من خوف فَوَات وَالأَصَح أَن الضَّرَر الظَّاهِر يَكْفِي

لِأَن هَذَا أشق من طلب مَاء من فَرسَخ وَنصف فَرسَخ وَذَلِكَ لَا يجب وَلَو خَافَ بَقَاء شين قَبِيح فَإِن لم يكن على عُضْو ظَاهر لم يتَيَمَّم وَإِن كَانَ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ ضَرَر ظَاهر السَّبَب السَّادِس إِلْقَاء الْجَبِيرَة بانخلاع الْعُضْو وَهُوَ كالمرض فَيجب غسل مَا صَحَّ من الْأَعْضَاء وَالْمسح على الْجَبِيرَة بِالْمَاءِ وَهل ينزل الْمسْح منزلَة مسح الْخُف فى تَقْدِير مدَّته وَسُقُوط الِاسْتِيعَاب وَجْهَان أَحدهمَا نعم قِيَاسا عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا بل يجب الِاسْتِيعَاب لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الضَّرُورَة

فيراعي فِيهِ أقْصَى الْإِمْكَان وَالتَّقْدِير لَا يعرف إِلَّا بتوقيف فى الْمدَّة ثمَّ يتَيَمَّم مَعَ الْغسْل وَالْمسح على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقيل إِنَّه لَا يتَيَمَّم كَمَا لَا يتَيَمَّم مَعَ الْمسْح على الْخُف وَهل يمسح على الْجَبِيرَة بِالتُّرَابِ فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه لَا يجب لِأَن التُّرَاب ضَعِيف لَا أثر لَهُ على سَاتِر وفى تَقْدِيم الْغسْل على التَّيَمُّم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب كَمَا لَو وجد مَاء لَا يَكْفِي لتَمام الطَّهَارَة

وَالثَّانِي لَا حجر فِيهِ فَإِن التَّيَمُّم للجراحة وَهِي قَائِمَة وَثمّ لفقد المَاء فَلَا بُد من إفنائه أَولا وَالثَّالِث أَنه لَا ينْتَقل إِلَى عُضْو مَا لم يتمم تَطْهِير الْعُضْو الأول فَلَو كَانَ الْجراحَة على يَده فَيغسل وَجهه ثمَّ يَدَيْهِ وَيمْسَح على الْجَبِيرَة ثمَّ يتَيَمَّم ثمَّ يمسح رَأسه وَيغسل رجلَيْهِ السَّبَب السَّابِع الْعَجز بِسَبَب جِرَاحَة فَإِن لم يكن عَلَيْهِ لصوق فَلَا يمسح على مَحل الْجرْح وَإِن كَانَ عَلَيْهِ لصوق فيمسح على اللصوق كالجبيرة وهلى يلْزمه إِلْقَاء اللصوق عِنْد إِمْكَانه

فِيهِ تردد للأصحاب ويتقدم عَلَيْهِ التَّرَدُّد فى وجوب لبس الْخُف على من وجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ لَو مسح على الْخُف وَلَا يَكْفِيهِ لَو غسل فرعان أَحدهمَا أَنه تجب إِعَادَة التَّيَمُّم عِنْد كل صَلَاة وَلَا تجب إِعَادَة الْغسْل وَلَا إِعَادَة مسح الْجَبِيرَة الثَّانِي إِذا توهم الِانْدِمَال وَفتح الْجَبِيرَة فَإِذا هُوَ مندمل فَهُوَ كنزع الْخُف فى غسل ذَلِك الْعُضْو وتدارك سَائِر الْأَعْضَاء وَإِن كَانَ الْجرْح قَائِما فَوَجْهَانِ فى إِعَادَة التَّيَمُّم أَحدهمَا نعم كَمَا لَو رأى سرابا وَالثَّانِي لَا إِذْ طلب الإندمال غير وَاجِب بِخِلَاف طلب المَاء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى كَيْفيَّة التَّيَمُّم وَله سَبْعَة أَرْكَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول نقل التُّرَاب الطّهُور إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ

فَلَو ضرب الْيَد على حجر صلد وَمسح وَجهه لم يجز خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ ليكن الْمَنْقُول تُرَابا طَاهِرا خَالِصا مُطلقًا أما قَوْلنَا تُرَاب فيندرج تَحْتَهُ الأعفر وَهُوَ الْأسود الَّذِي يسْتَعْمل فى الدواة والأصفر والأحمر وَهُوَ الطين الإرمني والأبيض وَهُوَ الْمَأْكُول من التُّرَاب لَا الجص والسبخ وَهُوَ الَّذِي لَا ينْبت لَا الَّذِي يعلوه ملح وَالْملح

لَيْسَ بِتُرَاب والبطحاء هُوَ التُّرَاب اللين فى مسيل المَاء وَيخرج الزرنيخ والنورة وَسَائِر الْمَعَادِن لِأَنَّهُ لَا يُسمى تُرَابا وَقَوْلنَا طَاهِر يخرج مِنْهُ أَن التُّرَاب النَّجس لَا يتَيَمَّم بِهِ إِذْ الطّهُور مَا يكون طَاهِرا فِي نَفسه وَقَوْلنَا خَالص يخرج عَلَيْهِ التُّرَاب المشوب بالزعفران والدقيق فَلَا يجوز التَّيَمُّم بِهِ فَإِن كَانَ الزَّعْفَرَان مَغْلُوبًا لَا يرى فَيجوز التَّيَمُّم على وَجه كالزعفران الْيَسِير فِي المَاء وعَلى الثَّانِي لَا لِأَن المَاء بلطافته يجْرِي على مَوَاضِع الزَّعْفَرَان وَقَوْلنَا مُطلق يخرج عَلَيْهِ أَن سحاقة الخزف أَصْلهَا تُرَاب وَلَكِن لَا يُسمى تُرَابا فَلَا يتَيَمَّم بِهِ وفى الطين الْمَأْكُول إِذا شوي ثمَّ سحق وَجْهَان لِأَن الشي فِيهِ قريب اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فى الرمل وَالأَصَح تَنْزِيله على حَالين فَإِن كَانَ عَلَيْهِ غُبَار جَازَ وَإِلَّا فَلَا

وَفِي التُّرَاب الْمُسْتَعْمل وَهُوَ الَّذِي الْتَصق بِوَجْه الْمُتَيَمم وَجْهَان وَجه التَّفْرِيق بَينه وَبَين المَاء أَن التُّرَاب لَا يرفع الْحَدث الرُّكْن الثَّانِي الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد فَلَو تعرض لمهب الرِّيَاح ثمَّ مسح وَجهه لم يجز لِأَن التَّيَمُّم عبارَة عَن الْقَصْد وَحكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ وَجها آخر قِيَاسا على الْوضُوء وَلَو يممه غَيره بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ كالتعرض للريح وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ عَاجز وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الرُّكْن الثَّالِث النَّقْل فَلَو كَانَ على وَجهه تُرَاب فردده عَلَيْهِ بِالْمَسْحِ لم يجز إِذْ لَا نقل وَإِن نقل من سَائِر أَعْضَائِهِ إِلَى وَجهه وَيَديه جَازَ وَإِن نقل من يَده إِلَى وَجهه جَازَ لوُجُود النَّقْل وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا

يجوز لِأَن أَعْضَاء التَّيَمُّم فى حكم عُضْو وَاحِد وَلَو مَعَك وَجهه فى التُّرَاب فَالصَّحِيح جَوَازه لوُجُود الْقَصْد وَالنَّقْل وَإِن لم يكن بِوَاسِطَة الْيَد الرُّكْن الرَّابِع النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِن نوى رفع الْحَدث فَلَا يَصح لِأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث وَلذَلِك يجب الْغسْل على الْجنب عِنْد رُؤْيَته المَاء وَقَالَ ابْن سُرَيج يرفع الْحَدث فى حق فَرِيضَة وَاحِدَة الثَّانِيَة إِذا نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة جَازَ فَإِن نوى الاستباحة عَن الْحَدث وَهُوَ جنب أَو بِالْعَكْسِ لم يضر لِأَنَّهُ غلط فِيمَا يَسْتَغْنِي عَن ذكره ثمَّ لَهُ أَرْبَعَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة مُطلقًا فَالْمَذْهَب صِحَة تيَمّمه للْفَرض وَالنَّفْل جَمِيعًا وَقيل يقْتَصر على النَّفْل كالمصلي إِذا نوى الصَّلَاة وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة أَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الْفَرْض وَالنَّفْل فَالصَّحِيح جوازهما وَقيل لَا بُد من تعْيين الْفَرْض الْمَقْصُود وَهُوَ بعيد الثَّالِثَة إِذا نوى الْفَرْض كَانَ لَهُ أَن يُؤَدِّي بِهِ النَّفْل بطرِيق التّبعِيَّة على الْأَصَح نعم لَو خرج وَقت الْفَرِيضَة فَفِي النَّفْل بذلك التَّيَمُّم وَجْهَان لفَوَات وَقت الْمَتْبُوع

وَلَو تنفل قبل الْفَرِيضَة فَقَوْلَانِ مشهوران أصَحهمَا الْجَوَاز وَهُوَ نَصه فى الْأُم وَوجه الْمَنْع أَن التَّابِع لَا يقدم الرَّابِعَة إِذا نوي النَّفْل وَلم يتَعَرَّض للْفَرض فَهَل يُصَلِّي للْفَرض فِيهِ قَولَانِ مشهوران فَإِن قُلْنَا لَا يُؤَدِّي الْفَرْض فَهَل يُؤَدِّي النَّفْل فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن النَّفْل تَابع فَلَا يفرد وَهُوَ ضَعِيف إِذْ حَاجَة الْمُسَافِر تمس إِلَى النَّوَافِل مُفردا فرع لَو نوى اسْتِبَاحَة فريضتين فَسدتْ نِيَّته على وَجه وَصَحَّ فى حق فرض وَاحِد على الْوَجْه الثَّانِي الرُّكْن الْخَامِس مسح الْوَجْه وَيجب فِيهِ الِاسْتِيعَاب وَلَا يجب إِيصَال التُّرَاب إِلَى منابت الشُّعُور وَإِن خفت للعسر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو أغفل ربع الْوَجْه لجَاز

الرُّكْن السَّادِس مسح الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَقَالَ مَالك إِلَى الكوعين وَهُوَ قَول قديم ثمَّ تَخْفيف التُّرَاب مُسْتَحبّ وَطَرِيق الِاسْتِيعَاب مَعَ التَّخْفِيف والاقتصار على ضربتين فَإِنَّهُ سنة أَن يضْرب ضَرْبَة لَا يفرج فِيهَا أَصَابِعه وَيمْسَح وَجهه ويستوعب إِذْ سَعَة الْوَجْه قريب من سَعَة الْكَفَّيْنِ وفى الضَّرْبَة الثَّانِيَة يفرج أَصَابِعه ثمَّ يلصق ظهر أَصَابِع يَده الْيُمْنَى ببطون أَصَابِع يَده الْيُسْرَى بحث لَا يُجَاوز أَطْرَاف الأنامل من إِحْدَى الْيَدَيْنِ عرض المسبحة من الْأُخْرَى ثمَّ يمر يَده الْيُسْرَى من حَيْثُ وَضعهَا على ظَاهر ساعده الْيُمْنَى ثمَّ

يقلب بطن كَفه الْيُسْرَى على بطن ساعده الْيُمْنَى ويمرها إِلَى الْكُوع وَيجْرِي بطن إبهامه الْيُسْرَى على ظهر إبهامه الْيُمْنَى ثمَّ يفعل باليسرى كَذَلِك ثمَّ يمسح كفيه ويخلل بَين أَصَابِعه فَإِن لم يحصل الِاسْتِيعَاب زَاد ضَرْبَة ثَالِثَة وَلَو فرج الْأَصَابِع فى الضَّرْبَة الأولى قَالَ الْقفال لَا يَصح لِأَن غُبَار الضَّرْبَة الثَّانِيَة لَا يصل إِلَى تِلْكَ الْبشرَة وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ تضييق للرخصة الرُّكْن السَّابِع التَّرْتِيب كَمَا ذَكرْنَاهُ فى الْوضُوء وَكَذَا حكم الْمُوَالَاة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فى أَحْكَام التَّيَمُّم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى ثَلَاثَة الحكم الأول أَنه يبطل بِرُؤْيَة المَاء قبل الشُّرُوع فى الصَّلَاة بل بِظَنّ المَاء عِنْد رُؤْيَة السراب أَو طُلُوع الركب لِأَنَّهُ يجب الطّلب وَتَقْدِيم الطّلب شَرط التَّيَمُّم بِخِلَاف مَا إِذا ظن الْمُتَيَمم العاري ثوبا فَلم يكن لَا يبطل تيَمّمه لِأَن طلبه لَيْسَ من شَرط التَّيَمُّم أما بعد الشُّرُوع فَلَا تبطل الصَّلَاة خلافًا لأبي حنيفَة والمزني وَفِيه وَجه آخر مخرج من وَجْهَيْن ذكرهمَا ابْن سُرَيج فى الْمُسْتَحَاضَة إِذا انْقَطع دَمهَا فِي أثْنَاء

الصَّلَاة وَظَاهر الْمَذْهَب الْفرق لِأَن حدث الْمُسْتَحَاضَة يَتَجَدَّد وَلَا بدل لَهُ فَإِذا قُلْنَا لَا تبطل صلَاته فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن الأولى أَن يقلب فَرْضه نفلا حَتَّى يتدارك فَضِيلَة الْوضُوء وَالثَّانِي أَن الأولى أَن يتم الصَّلَاة وَالثَّالِث أَن الأولى أَن يخرج من الصَّلَاة حَتَّى لَا يكون مُصَليا مَعَ وجود المَاء وَالرَّابِع أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يخرج وَلَا أَن يقلب نفلا بل يلْزمه الِاسْتِمْرَار وَهَذَا بعيد إِذْ الْوَقْت إِذا كَانَ متسعا فالشروع لَيْسَ بملزم إِذا لم يكن

خلل فَكيف إِذا كَانَ وَلذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُنْفَرد إِذا أدْرك جمَاعَة يقطع الصَّلَاة فَكيف يقطع الْفَرْض لأجل الْفَضِيلَة لَوْلَا جَوَازه وَكَذَا الْمُسَافِر يصبح صَائِما فَلهُ أَن يفْطر وَلَا يلْزمه بِالشُّرُوعِ وَهَذَا الْقَائِل يَقُول المتنفل إِذا رأى المَاء تبطل صلَاته فَإِنَّهُ لَا مَانع من الْخُرُوج

وَالصَّحِيح أَنه يتمم كَمَا فى الْفَرْض نعم لَو كَانَ نوى أَرْبعا فَهَل يلْزمه الِاقْتِصَار على أقل صَلَاة أَو كَانَ نوى رَكْعَتَيْنِ فَهَل يمْتَنع أَن يزِيد فيجعلهما أَرْبعا فعلى وَجْهَيْن مشهورين الحكم الثَّانِي فِيمَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ وَفِيه أصلان للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ الأول أَنه لَا يجمع بَين فرضين بِتَيَمُّم وَاحِد لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَرُورَة نعم يجمع بَين النَّوَافِل وَبَين فرض ونوافل لِأَن النَّوَافِل تَابِعَة وهى فِي حكم جنس وَاحِد قطعت بتسليمات أَو جمعت تَحت تحريمة وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَرْبَعَة فروع الأول الْجمع بَين منذور وفريضة أَو منذورتين يخرج على أَنه يسْلك بالمنذور مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع حَتَّى لَا يجوز الْقعُود فِيهِ مَعَ الْقُدْرَة أَو مَسْلَك جائزه وَفِيه قَولَانِ

الثَّانِي نَص على الْجمع بَين فَرِيضَة وَصَلَاة جَنَازَة أَو بَين صَلَاتي جَنَازَة وَنَصّ على منع الْقعُود فِيهَا مَعَ الْقُدْرَة فِيهِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج منشؤهما أَنَّهُمَا تلْحق بالفرائض أَو النَّوَافِل وَقيل إِذا تعين عَلَيْهِ لم يجمع وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ هِيَ فى حكم نَافِلَة وَلَكِن الْقيام أعظم أَرْكَانهَا وَالْقعُود يُغير صورتهَا فَلَا يحْتَمل مَعَ الْقُدْرَة الثَّالِث أَن لَا يجمع بَين رَكْعَتي الطّواف وَصَلَاة أُخْرَى إِن قُلْنَا أَنَّهُمَا فريضتان على قَول وَهل يجمع بَينهمَا وَبَين الطّواف من حَيْثُ إِنَّه كالجزء التَّابِع لَهُ فعلى وَجْهَيْن الرَّابِع من نسي صَلَاة من خمس صلاوات مُبْهمَة فَعَلَيهِ خمس صلوَات قَالَ الخضري يتَيَمَّم لكل صَلَاة وَالصَّحِيح أَن يَكْفِيهِ تيَمّم وَاحِد لِأَن الْمَقْصُود بِالْوُجُوب وَاحِد فعلى هَذَا لَو نسي صَلَاتَيْنِ من يَوْم وَلَيْلَة فَإِن شَاءَ تيَمّم خمْسا وَاقْتصر على خمس صلوَات وهى رَأْي صَاحب التَّلْخِيص وَإِن شَاءَ اقْتصر على تيممين يُؤَدِّي بأولهما الْأَرْبَعَة الأولى من الْخمس وَهِي الصُّبْح وَالظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة وَهِي

الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعَتَمَة فَيكون متفضيا عَن الْعهْدَة بِيَقِين فَلَو أدّى بِالتَّيَمُّمِ الأول الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة لم يجز لاحْتِمَال أَن الْفَائِتَة ظهر وعشاء وَالْعشَاء فِي النّوبَة الأولى لم تصادف إِلَّا تيمما مُسْتَعْملا وَفِي النّوبَة الثَّانِيَة مَا صلى الْعشَاء الأَصْل الثَّانِي أَنه لَا يتَيَمَّم لصَلَاة قبل دُخُول وَقتهَا خلافًا لأبي حنيفَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْنَمَا أدركتني الصَّلَاة تيممت وَصليت وَإِنَّمَا تدْرك

صَلَاة الخسوف بالخسوف وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء ببروز النَّاس إِلَى الصَّحرَاء وَصَلَاة الْمَيِّت بِغسْل الْمَيِّت والفائتة بتذكرها وفى النَّوَافِل الرَّوَاتِب وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتأقت تيممها لِأَن التَّأْقِيت فِيهَا غير مَقْصُود بل هِيَ تَابِعَة فروع ثَلَاثَة أَولهَا لَو تيَمّم لفائتة ضحوة النَّهَار فَلم يؤدها فَأَرَادَ أَن يُؤَدِّي الظّهْر بعد الزَّوَال جَازَ عِنْد ابْن الْحداد لِأَن التَّيَمُّم لم يكن مُسْتَغْنى عَنهُ فى وَقت فعله بِخِلَاف مَا إِذا نوى بِهِ اسْتِبَاحَة الظّهْر قبل الزَّوَال

وَقَالَ أَبُو زيد لَا يجوز لتقدمه على وقته الثَّانِي لَو تيَمّم لِلظهْرِ فى وقته ثمَّ تذكر فَائِتَة فَأَرَادَ أداءها على الْأَصَح وَمِنْهُم من خرج على الْوَجْهَيْنِ لِأَن وَقت الْفَائِتَة بالتذكر الثَّالِث لَو تيَمّم للنافلة ضحوة فَأَرَادَ أَن يُؤَدِّي الظّهْر بعد الزَّوَال بِهِ إِذا قُلْنَا يجوز أَدَاء الْفَرْض بِمثل هَذَا التَّيَمُّم فَفِيهِ من الْخلاف مَا فِي الْفَائِتَة وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن هَذَا التَّيَمُّم لم يستعقب إِبَاحَة فرض مَقْصُود الحكم الثَّالِث فِيمَا يقْضى من الصَّلَوَات المؤداة على نوع من الْخلَل وَالضَّابِط فِيهِ إِن كَانَ بِسَبَب عذر إِذا وَقع دَامَ فَلَا قَضَاء فِيهِ كَصَلَاة سَلس الْبَوْل والمستحاضة وَصَلَاة الْمَرِيض قَاعِدا

أَو مُضْطَجعا وَصَلَاة الْمُسَافِر بتيممه وَإِن لم يكن الْعذر دَائِما نظر فَإِن لم يكن عَنهُ بدل وَجب الْقَضَاء كمن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا فصلى على حسب حَاله أَو المربوط على خَشَبَة إِذا صلى بِالْإِيمَاءِ أَو من على جرحه أَو عضده أَو محجمه نَجَاسَة إِذْ لَا بدل لإِزَالَة النَّجَاسَة ويستثني عَن هَذَا الصَّلَاة فى حَال المسابغة إِذْ لَا قَضَاء فِيهَا رخصَة بِنَصّ الْقُرْآن فَأَما إِذا كَانَ لَهَا بدل كتيمم الْمُقِيم فى الْحَضَر أَو التَّيَمُّم لإلقاء الْجَبِيرَة أَو تيَمّم

الْمُسَافِر بِعُذْر الْبرد فِيهِ قَولَانِ وَرُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ كسر زنده فَألْقى الْجَبِيرَة عَلَيْهِ وَكَانَ يمسح عَلَيْهَا وَلم يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَضَاء الصَّلَاة وَتوقف الشَّافِعِي فى صِحَة هَذَا الحَدِيث وَلَعَلَّ أولى الْقَوْلَيْنِ

بِسُقُوط الْقَضَاء وَقد قَالَ الْمُزنِيّ كلا صَلَاة وَجَبت فى الْوَقْت فَلَا قَضَاء لَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كل صَلَاة تفْتَقر إِلَى الْقَضَاء فَلَا تُؤدِّي فى الْوَقْت وهما قَولَانِ معزيان إِلَى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فرع العاري إِذا صلى إِن كَانَ مِمَّن لَا يعْتَاد السّتْر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ

وَإِن كَانَ مِمَّن يعتاده وَلَكِن عجز فقضاؤه يَنْبَنِي على أَنه يتمم الرُّكُوع وَالسُّجُود أم لَا وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا حذرا من كشف السوأتين

وَالثَّانِي نعم حذارا من ترك السُّجُود وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَكَذَا الْأَوْجه فى الْمَحْبُوس فى مَوضِع نجس إِن سجد سجد على النَّجَاسَة وَكَذَا من لَيْسَ مَعَه إِلَّا إِزَار نجس وَهُوَ بَين أَن يُصَلِّي عَارِيا أَو نجسا فَإِن قُلْنَا لَا يتمم السُّجُود فَالْأَصَحّ وجوب الْقَضَاء وَإِن قُلْنَا يتم فَالْأَصَحّ أَنه لَا يقْضِي وَبِه قطع صَاحب التَّقْرِيب على الْإِطْلَاق وَعلل بِأَن وجوب السّتْر لَا يخْتَص بِالصَّلَاةِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رخصَة لم ينكرها إِلَّا الروافض الَّذين أثبتوا الْمسْح على الرجل وَدَلِيله قَول صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنَّا مسافرين أَو سفرا أَن لَا ننزع خفافنا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن

وَالنَّظَر فى شَرط الْمسْح وكيفيته وَحكمه الأول فِي الشَّرْط وَله شَرْطَانِ الأول أَن يلبس الْخُف على طَهَارَة تَامَّة قَوِيَّة احترزنا بالتامة عَمَّا إِذا غسل رجله الْيُمْنَى وأدخلها الْخُف قبل غسل الثَّانِيَة فَلَا يعْتد بِهَذَا اللّبْس وَكَذَلِكَ إِذا لبس قبل الْغسْل ثمَّ صب المَاء فِي الْخُف لم يجز لِأَن كل مَا شَرط الطَّهَارَة فِيهِ شَرط تَقْدِيمهَا بكمالها عَلَيْهِ واحترزنا بالقوية عَن طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة فَإِنَّهَا لَو تَوَضَّأت ولبست وَلم تصل بِهَذَا

الْوضُوء ثمَّ أحدثت فَأَرَادَتْ أَن تمسح لتصلي بِهِ فَرِيضَة وَاحِدَة ونوافل كَمَا كَانَت تصلي بوضوئها لم يجز ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ لضعف طَهَارَتهَا وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يَصح فِي حق صَلَاة وَاحِدَة كَمَا فِي الْوضُوء وَلَا زِيَادَة على صَلَاة وَاحِدَة بِالْإِجْمَاع حَتَّى لَو تَوَضَّأت وصلت فَرِيضَة وَاحِدَة ثمَّ لبست لم تنْتَفع بِهَذَا اللّبْس فى حق الْفَرَائِض والجريج إِذا تيَمّم وَغسل الصَّحِيح فطهارته كطهارة

الْمُسْتَحَاضَة فِي بِنَاء اللّبْس عَلَيْهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الملبوس ساترا قَوِيا مَانِعا للْمَاء من النّفُوذ حَلَالا فَهَذِهِ أَرْبَعَة قيود المُرَاد بِالْأولِ أَن الْخُف يَنْبَغِي أَن يكون ساترا إِلَى مَا فَوق الْكَعْبَيْنِ فَلَو تخرق وبدا جُزْء من مَحل الْفَرْض لم يجز الْمسْح عَلَيْهِ خلافًا لمَالِك فَإِنَّهُ جوز وَهُوَ قَول قديم والملبوس

المشف كالزجاجة مثلا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ والملبوس المشقوق الْقدَم الَّذِي يشد مَحل الشق مِنْهُ بشرج فِيهِ تردد وَالصَّحِيح جَوَاز الْمسْح لمسيس الْحَاجة إِلَيْهِ فى الْعَادة وَأما الثَّانِي فَالْمُرَاد بِهِ أَن يقوى بِحَيْثُ يَتَأَتَّى التَّرَدُّد عَلَيْهِ فى الْمنَازل على الْحَوَائِج وَإِن كَانَ لَا يداوم الْمَشْي عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْمسْح على الجورب وَلَا على اللفاف وَلَا جورب

الصُّوفِيَّة وَيجوز الْمسْح على خف من حَدِيد وَإِن عسر المشيء فِيهِ لضعف اللابس وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ مَانِعا للْمَاء احْتِرَازًا عَن المنسوج فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قَوِيا ساترا فَينفذ المَاء مِنْهُ إِلَى الْقدَم وَفِيه وَجْهَان وَالصَّحِيح جَوَاز الْمسْح عَلَيْهِ لوُجُود السّتْر

كَمَا إِذا انثقبت طَهَارَة الْخُف وبطانته فى موضِعين غير متوازيين وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ حَلَالا الْمسْح على الْخُف الْمَغْصُوب فَإِنَّهُ مَمْنُوع على أحسن الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مَأْمُور بالنزع وَالْمسح إِعَانَة على الاستدامة وَقيل إِنَّه يُبِيح كالتوضؤ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوب فَإِنَّهُ يرفع الْحَدث فرع الجرموق الضَّعِيف فَوق الْخُف لَا يمسح عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَوِيا والخف ضَعِيف فَهُوَ الْخُف وَالْآخر لفاف فَيجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن كَانَا قويين لم يجز الْمسْح على الجرموق فى القَوْل الْجَدِيد لِأَنَّهُ يبعد أَن يَجْعَل بَدَلا على الْبَدَل وَالْحَاجة لَا تمس إِلَيْهِ إِلَّا نَادرا فَلْيدْخلْ الْيَدَيْنِ فِي الْخُفَّيْنِ وليمسح على الْأَسْفَل وَالْقَوْل الْقَدِيم

وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ أَنه يجوز الْمسْح لِأَنَّهُ من مرافق السّفر ثمَّ تَقْدِيره أَن يكون كظهارة الْخُف أَو يكون بَدَلا عَن الرجل والأسفل لفافا أَو يكون بَدَلا عَن الْخُف الْأَسْفَل فَهَذِهِ ثَلَاثَة احتمالات تتفرع مِنْهَا مسَائِل أَربع الأولى إِن لبس الجرموق على طَهَارَة كَامِلَة فَلهُ الْمسْح عَلَيْهِ وَإِن لبس على الْحَدث فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ فى حكم ظهارة ألصقت بعد اللّبْس وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ بدل عَن الْخُف أَو الرجل فليلبس على طَهَارَة فَأَما إِذا لبسهما على طَهَارَة الْمسْح فَإِن جَوَّزنَا على الْحَدث فَهَذَا أولى وَإِن منعنَا فَوَجْهَانِ مأخذهما ضعف طَهَارَة الْمسْح كطهارة الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة لَو نزع الجرموقين بعد الْمسْح عَلَيْهِمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه شَيْء وَكَأَنَّهُ نحى الطَّهَارَة بعد الْمسْح وَالثَّانِي يلْزمه إِمَّا الْمسْح على الْخُف لِأَنَّهُ بدل عَنهُ أَو غسل الرجل إِن جعل بَدَلا من الرجل الثَّالِثَة لَو لبس فى إِحْدَى رجلَيْهِ جرموقا ليمسح عَلَيْهِ وعَلى الْخُف الآخر فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا أَنه يجوز فَأَنَّهُ كطاقة من الْخُف وَالثَّانِي لَا يجوز لِأَنَّهُ كالجمع بَين الْبَدَل والمبدل إِن جَعَلْنَاهُ مبدلا عَن الْخُف وَإِن جَعَلْنَاهُ بَدَلا عَن الرجل فَالْأَصَحّ جَوَازه لِأَن الْخُف الثَّانِي مُسْتَقل بِنَفسِهِ الرَّابِعَة إِذا مسح عَلَيْهِمَا ثمَّ نزع أَحدهمَا فَإِن جَعَلْنَاهُ كطاقة لم يضر تَركه وَإِن قدرناه بَدَلا عَن الرجل أَو الْخُف لزم نزع الآخر حَتَّى لَا يكون جمعا بَين الْبَدَل والمبدل وَقد ثَبت لذَلِك الْخُف حكم اللفاف إِذا مسح على سائره بِخِلَاف مَا إِذا لم يلبس إِلَّا أحد الجرموقين النّظر الثَّانِي فى كَيْفيَّة الْمسْح وَأقله مَا يُطلق عَلَيْهِ الإسم مِمَّا يوازي مَحل الْفَرْض فَلَو اقْتصر على الْأَسْفَل فَظَاهر النَّص مَنعه لِأَنَّهُ لم يُؤثر الِاقْتِصَار عَلَيْهِ وَالْبَاب بَاب الرُّخْصَة وَقدر أَبُو حنيفَة الْمسْح بِثَلَاثَة أَصَابِع

أما الْأَكْمَل فالمسح وَالْغسْل وتكرار الْمسْح مكروهان وَقصد الِاسْتِيعَاب لَيْسَ بِسنة إِذْ لم ينْقل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَنه مسح على الْخُف خُطُوطًا وَلَكِن يسْتَحبّ أَن يمسح على الْخُف وأسفله والموازي للعقب فَهَل يسْتَحبّ عَلَيْهِ الْمسْح فِيهِ خلاف النّظر الثَّالِث فى حكمه وَهُوَ إِبَاحَة الصَّلَاة بِغَيْر حصر وَلَكِن إِلَى إِحْدَى غايتين الْغَايَة الأولى مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة من وَقت الْحَدث الْوَاقِع بعد اللّبْس فى حق

الْمُقِيم ومضي ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن فى حق الْمُسَافِر وَقَالَ مَالك لَا يتَقَدَّر فرعان الأول إِذا لبس الْمُقِيم على الطَّهَارَة ثمَّ سَافر قبل الْحَدث أتم مُدَّة مسح الْمُسَافِرين وفَاقا لِأَنَّهُ الْعَادة وَلَو أحدث فى الْحَضَر فَكَذَلِك لِأَنَّهُ لَا حجر فى الْحَدث وَقَالَ الْمُزنِيّ يقْتَصر على مُدَّة المقيمين لِأَن أول الْمدَّة من وَقت الْحَدث وَقد وَقع فى الْحَضَر أما إِذا مسح فى الْحَضَر ثمَّ سَافر أتم مسح المقيمين خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو مسح فى السّفر ثمَّ أَقَامَ اقْتصر على مُدَّة المقيمين تَغْلِيبًا للإقامة فَإِن كَانَ قد اسْتَوْفَاهُ فى السّفر اقْتصر عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُزنِيّ يوزع فَإِن كَانَ قد

استوفى فى يَوْمَيْنِ وليلتين فَبَقيَ لَهُ ثلث الْمدَّة فيستوفي ثلث مُدَّة المقيمين وعَلى هَذَا الْقيَاس منهاجه الثَّانِي لَو شكّ فَلم يدر أَمسَح فى الْحَضَر أم لَا أَو شكّ فَلم يدر انْقَضتْ الْمدَّة أم لَا أَخذ بالأسوأ وَهُوَ أَنه مسح وانقضى إِذْ الأَصْل الْغسْل فَلَا يتْرك إِلَّا باستيقان المرخص الْغَايَة الثَّانِيَة لَو نزع الْخُفَّيْنِ أَو أَحدهمَا فَإِنَّهُ يُوجب غسل الْقَدَمَيْنِ وَهل يُوجب اسْتِئْنَاف الْوضُوء قيل إِنَّه مَبْنِيّ على المولاة وَقَالَ الْقفال لَا بل الْقَوْلَانِ جرايان مَعَ قرب الزَّمَان ومأخذه أَن الْمسْح هَل يرفع الْحَدث وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يرفع فَيَكْفِي الْغسْل وَإِن قُلْنَا يرفع فقد عَاد الْحَدث بالنزع وَهُوَ فِي عوده لَا يتَجَزَّأ فَيجب الِاسْتِئْنَاف فرع لَو لبس فَرد خف وَكَانَت الرجل الْأُخْرَى سَاقِطَة من الكعب جَازَ الْمسْح

وَلَو بَقِي بَقِيَّة فَلَا يجوز الْمسْح مَا لم يوار تِلْكَ الْبَقِيَّة بساتر

= كتاب الْحيض = وَفِيه سِتَّة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى حكم الِاسْتِحَاضَة وَالْحيض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْحيض فسنه مَأْخُوذ من سنّ الْبلُوغ وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أول السّنة التَّاسِعَة وَالثَّانِي أول السّنة الْعَاشِرَة وَالثَّالِث إِذا مضى سِتَّة أشهر من التَّاسِعَة وَإِنَّمَا عول فى هَذَا الْوُجُود فَإِن رَأَتْ الدَّم قبل هَذَا فَهُوَ دم فَاسد لَا دم حيض وَأما مُدَّة الْحيض فأكثرها خَمْسَة عشر يَوْمًا وأقلها يَوْم وَلَيْلَة وَأَقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا وأكثرها لَا حد لَهُ وَنَصّ فى مَوضِع فى أقل الْحيض على يَوْم فَقيل أَرَادَ بليلته وَقيل بالاختصار عَلَيْهِ وَأما أغلب الْحيض فست أوسبع وأغلب الطُّهْر أَربع وَعِشْرُونَ أَو ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَهُوَ تَتِمَّة الدّور ومستند هَذِه التقديرات الْوُجُود الْمَعْلُوم بالاستقراء قَالَ الشَّافِعِي رَأَيْت امْرَأَة لم تزل تحيض يَوْمًا وَقَالَ أَبُو عبد الله الزبيرِي فى نسائنا من تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة وفيهن من تحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَذَلِكَ قَالَ عَطاء فعلى هَذَا لَو وجد فِي عصر آخر امْرَأَة تحيض أقل من ذَلِك أَو أَكثر فَثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا لَا يعْتَبر لِأَن بحث الْأَوَّلين أوفى وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن معولهم على الْوُجُود وَالثَّالِث كل قدر قَالَ بِهِ بعض الْعلمَاء جَازَ اعْتِمَاده وَمَا لَا يُوَافق مَذْهَب ذِي مَذْهَب فَلَا وَلَا خلاف أَنَّهَا لَو رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما نقاء وَهَكَذَا على التَّعَاقُب فَلَا يَجْعَل كل يَوْم طهرا كَامِلا بل حكمه مَا يَأْتِي فِي بَاب التلفيق أما حكم الْحيض فَهُوَ الْمَنْع من أَرْبَعَة أُمُور الأول كل مَا يفْتَقر إِلَى الطَّهَارَة كسجود الشُّكْر وَسُجُود التِّلَاوَة وَالطّواف وَالصَّلَاة فَلَا يَصح من الْحَائِض وَلَا يجب عَلَيْهَا قَضَاء الصَّلَاة وَلَا تصح طَهَارَة الْحَائِض إِلَّا

غسلهَا لأجل الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة لِأَنَّهُ للنظافة الثَّانِي الِاعْتِكَاف بل العبور فى الْمَسْجِد حرَام عَلَيْهَا فَإِن أمنت التلويث فَفِي العبور الْمُجَرّد وَجْهَان الثَّالِث الصَّوْم فَهُوَ مَمْنُوع وَالْقَضَاء وَاجِب بِخِلَاف الصَّلَاة الرَّابِع الْجِمَاع وَهُوَ محرم بِالنَّصِّ قَالَ الله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} والاستمتاع بِمَا فَوق السُّرَّة وَتَحْت الرّكْبَة جَائِز وَفِي الِاسْتِمْتَاع بِمَا تَحت الْإِزَار مِمَّا سوى الْجِمَاع وَجْهَان وَيشْهد للْإِبَاحَة قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام افعلوا كل شَيْء إِلَّا الْجِمَاع وللتحريم قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مضجعه فحضت فانسللت فَقَالَ مَالك أنفست قلت نعم فَقَالَ خذي ثِيَاب حيضتك وعودي إِلَى مضجعك ونال مني مَا ينَال الرجل من امْرَأَته إِلَّا مَا تَحت

الْإِزَار

فرع إِن جَامعهَا وَالدَّم عبيط تصدق بِدِينَار وَفِي أَوَاخِر الدَّم يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار وَهُوَ اسْتِحْبَاب لحَدِيث ضَعِيف ورد فِيهِ

أما الِاسْتِحَاضَة فَلَا تمنع الصَّلَاة وَالصَّوْم وَلَكِن حكمهَا حكم سَلس الْبَوْل فعلَيْهَا أَن تتوضأ لكل صَلَاة بعد دُخُول وَقتهَا وَلَا تُؤدِّي بِوضُوء وَاحِد أَكثر من فَرِيضَة وَاحِدَة وَمن النَّوَافِل مَا شَاءَت كالمتيمم وَفِي وجوب الْمُبَادرَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب لتقليل الْحَدث وَالثَّانِي لَا كالمتيمم وَالثَّالِث لَهَا فسحة مَا دَامَ وَقت الصَّلَاة بَاقِيا وَعَلَيْهَا أَن تلتجم

وتستثفر وَعَلَيْهَا تَجْدِيد الْعِصَابَة لكل فَرِيضَة إِن نزل الدَّم إِلَى ظَاهرهَا وَإِن لم يظْهر فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه يجب كَالْوضُوءِ فَإِن بَاطِن الْعِصَابَة نجس وَاحْتمل للضَّرُورَة وَلَو زَالَت الْعِصَابَة بعد الْفَرِيضَة بِنَفسِهَا وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب زِيَادَة نَجَاسَة فتمنع من النَّوَافِل لِأَن ذَلِك مَنْسُوب إِلَى تَقْصِيرهَا فرع إِذا شفيت قبل الشُّرُوع فى الصَّلَاة لَزِمَهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء وَإِن شفيت فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالمتيمم إِذا رأى المَاء فيستمر وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنَّهَا تتوضأ وتستأنف لِأَن الْحَدث متجدد وَلَا بدل لَهُ وَقد خرج فى الْمُتَيَمم من الْمُسْتَحَاضَة وَجه وَالْمذهب هُوَ الْفرق وَإِن شفيت بعد الصَّلَاة فَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَلَو انْقَطع بعد الْوضُوء بساعة تتسع لوضوء وَصَلَاة فَلم تصل يلْزمهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء السَّابِق على الِانْقِطَاع

لتقصيرها وَلَو انْقَطع فِي الْحَال وَهِي لَا تَدْرِي أيعود أم لَا إِن كَانَ لَا يبعد من

عَادَتهَا الْعود فلهَا الشُّرُوع فى الصَّلَاة من غير اسْتِئْنَاف الْوضُوء وَلَكِن إِن دَامَ الِانْقِطَاع فعلَيْهَا الْقَضَاء وَإِن بعد ذَلِك من عَادَتهَا فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْوضُوء فِي الْحَال فَإِن شرعت من غير اسْتِئْنَاف وَلم يعد لم تصح الصَّلَاة وَإِن عَاد فَوَجْهَانِ لِأَنَّهَا شرعت على تردد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي المستحاضات وَهن أَربع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُسْتَحَاضَة الأولى مُبتَدأَة مُمَيزَة وَهِي الَّتِي لم تسبق لَهَا عَادَة وَلَكِن انقسم دَمهَا إِلَى الْقوي والضعيف فَهِيَ تتحيض فى الدَّم الْقوي وتستحيض فِي الضَّعِيف بِشَرْط أَن لَا ينقص الْقوي عَن يَوْم وَلَيْلَة وَلَا يزِيد على خَمْسَة عشر يَوْمًا وبشرط أَن لَا ينقص الضَّعِيف عَن خَمْسَة عشر يَوْمًا

وَالْأَصْل فِيهِ مَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش قَالَت إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا هُوَ عرق انْقَطع إِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغتسلي

وَصلي

وَفِي رِوَايَة وَدم الْحيض أسود بحراني محتدم ذُو دفعات لَهُ رَائِحَة تعرف والمحتدم اللذاع للبشرة لحدته وَله الرَّائِحَة الكريهة والبحراني ناصع اللَّوْن

والتعويل على اللَّوْن لَا على الرَّائِحَة والاحتدام فرعان الأول مَحل الِاتِّفَاق مبتدأه رَأَتْ السوَاد أَولا خَمْسَة مثلا ثمَّ أطبقت الْحمرَة أَو الصُّفْرَة فَلَو رَأَتْ أَولا خَمْسَة حمرَة ثمَّ خَمْسَة سوادا ثمَّ استمرت الْحمرَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه الأول أَن النّظر إِلَى لون الدَّم لَا إِلَى الأولية فالأسود هُوَ الْحيض وَالثَّانِي أَنه يجمع إِذا أمكن إِلَّا إِذا زَاد السوَاد مَعَ الْحمرَة على خَمْسَة عشر يَوْمًا الثَّالِث أَنَّهَا فاقدة للتمييز وَسَيَأْتِي حكمهَا فعلى هَذَا لَو رَأَتْ خَمْسَة حمرَة وَعشرَة سوادا ثمَّ أطبقت الْحمرَة فعلى الأول

عشرَة السوَاد حيض والحمرة قبلهَا دم فَسَاد وعَلى الثَّانِي جَمِيع الْخمس عشرَة حيض فَلَو كَانَ السوَاد أحد عشر فعلى الأول السوَاد حيض وعَلى الثَّانِي هِيَ فاقدة للتمييز قيل إِنَّهَا تقتصر على أَيَّام الْحمرَة لقوه مُجَرّد الأولية وَهُوَ بعيد فَإِن كَانَ السوَاد سِتَّة عشر فقد تعذر الْجمع وَتَجْرِيد السوَاد فَهِيَ فاقدة للتمييز لِأَن تَجْرِيد الأولية وَجه ضَعِيف الثَّانِي أَن الْقُوَّة والضعف إِضَافَة فالصفرة بعد الْحمرَة كالحمرة بعد السوَاد فَلَو رَأَتْ خَمْسَة سوادا ثمَّ خَمْسَة حمرَة ثمَّ أطبقت الصُّفْرَة فالحمرة المتوسطة مُلْحقَة بِالسَّوَادِ فى كَونهَا حيضا لضعف مَا بعْدهَا على أحد الْوَجْهَيْنِ وعَلى الْوَجْه الثَّانِي هِيَ مُلْحقَة بالصفرة فَلَو رَأَتْ خَمْسَة سوادا وَأحد عشر حمرَة فالحيض هُوَ السوَاد على وَجه إِلْحَاق الْحمرَة بالصفرة وعَلى الْوَجْه الآخر تعذر الْجمع فَيتَعَيَّن الرُّجُوع إِلَى السوَاد وَفِيه وَجه أَنَّهَا فاقدة للتمييز وَكَانَ السوَاد قد أطبق على سِتَّة عشر يَوْمًا تَنْبِيهَات ثَلَاثَة الأول المبتدأة إِذا فاتحها الدَّم الْأسود خَمْسَة ثمَّ تغير إِلَى الضَّعِيف فَلَا تَغْتَسِل وَلَا تصلي بل تَتَرَبَّص فَلَعَلَّ الضَّعِيف يَنْقَطِع دون الْخَمْسَة عشر فَيكون الْكل حيضا فَإِن جَاوز وَاسْتمرّ الدَّم فَإذْ ذَلِك نأمرها بتدارك مَا فَاتَ فِي أَيَّام

الضَّعِيف نعم فِي الشَّهْر الثَّانِي كَمَا انْقَلب الدَّم إِلَى الضَّعِيف تَغْتَسِل إِذْ بَان استحاضتها فِي الشَّهْر الأول والاستحاضة عِلّة مزمنة طَوِيلَة الْبَقَاء فَلَا تخرج على أَن الْعَادة هَل تثبت بِمرَّة الثَّانِي أَنَّهَا لَو شفيت قبل خَمْسَة عشر فى بعض الأدوار فَجَمِيع ذَلِك الدَّم حيض مَعَ الضَّعِيف لانقطاعه دون أقل الْمدَّة كَمَا لَو وَقع مثلا فى الدّور الأول الثَّالِث إِذا رَأَتْ المبتدأة أَولا خَمْسَة عشر يَوْمًا دَمًا أَحْمَر ثمَّ أطبق السوَاد فقد تركت الصَّلَاة فِي النّصْف الأول من الشَّهْر رَجَاء الِانْقِطَاع وتترك فى النّصْف الثَّانِي رَجَاء اسْتِقْرَار التَّمْيِيز لظُهُور الدَّم الْقوي إِذا فرعنا على أَنه لَا ينظر إِلَى الأولية فَلَا تعهد امْرَأَة تُؤمر بترك الصَّلَاة شهرا كَامِلا إِلَّا هَذِه للانتظار الَّذِي ذَكرْنَاهُ

الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة المبتدأة الَّتِي لَيست مُمَيزَة إِمَّا بإطباق لون وَاحِد أَو بفقد شَرط من شَرَائِط التَّمْيِيز فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا ترد إِلَى أقل مُدَّة الْحيض يَوْمًا وَلَيْلَة احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ المستيقن وَالثَّانِي أَنَّهَا ترد إِلَى أغلب عادات النِّسَاء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لبَعض المستحاضات تحيضي فى علم الله سِتا أَو سبعا كَمَا تحيض النِّسَاء ويطهرن مِيقَات حيضهن وطهرهن وَقَوله فى علم الله مَعْنَاهُ فَمَا أعلمك الله من عاداتهن

التَّفْرِيع إِن رددناها إِلَى الْأَغْلَب فَلَا خيرة بَين السِّت والسبع لَكِن تتبع الْعَادة فَإِن

كَانَت عادات النسْوَة دون السِّت ردَّتْ إِلَى السِّت وَإِن كَانَت فَوق السَّبع ردَّتْ إِلَى السَّبع لتعيين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هذَيْن العددين هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل إِن الْعَادة تتبع بِقَدرِهَا وَالتَّعْيِين جرى وفَاقا ثمَّ الْعبْرَة بِأَيّ نسْوَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا تعْتَبر بنساء الْبَلدة وَالثَّانِي بنساء الْعَشِيرَة من الْجَانِبَيْنِ فَإِن رددناها إِلَى الْأَقَل فى الْحيض فَفِي الطُّهْر ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه ترد إِلَى الْأَقَل كَمَا فى الْحيض وَهَذَا ضَعِيف إِذْ الرَّد إِلَى أقل الْحيض احْتِيَاط وَالثَّانِي أَنه ترد إِلَى تسع وَعشْرين يَوْمًا تتميما للدور وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَقْرَب وَهُوَ أَنَّهَا ترد إِلَى أغلب الْعَادَات وَليكن إِلَى أَربع وَعشْرين

فَإِن الِاحْتِيَاط فِيهِ أَكثر مِنْهُ فى ثَلَاثَة وَعشْرين ثمَّ الْوَقْت الَّذِي حكم بطهرها فِيهِ مَاذَا تفعل فعلى قَوْلَيْنِ أصَحهمَا أَن حكمهَا حكم الطاهرات المستحاضات وَالثَّانِي أَنَّهَا تحتاط احْتِيَاط الْمُتَحَيِّرَة كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله الْمُسْتَحَاضَة الثَّالِثَة الْمُعْتَادَة وَهِي الَّتِي استحيضت بعد عادات منظومة فَترد إِلَى عَادَتهَا فِي قدر الْحيض وميقاته لما رُوِيَ أَن أم سَلمَة استفتت لبَعض

المستحاضات فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مريها فتنظر عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن من الشَّهْر قبل أَن يُصِيبهَا الَّذِي أَصَابَهَا فلتدع الصَّلَاة فَإِذا خلفت ذَلِك فلتغتسل ثمَّ لتستثفر بِثَوْب ثمَّ لتصل فَإِذن الْمُسْتَفَاد من الْعَادة قدر الْحيض وَوَقته ولتغير الْعَادة صور الأولى كَانَت تحيض خمْسا وتطهر بَقِيَّة الشَّهْر فَجَاءَهَا دور وحاضت سِتا وطهرت بَقِيَّة الشَّهْر ثمَّ استحيضت فى الشَّهْر الآخر فَالْمَذْهَب أَنَّهَا ترد إِلَى السِّت لِأَنَّهَا ناسخة وَفِيه وَجه أَن الْعَادة لَا تثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالصَّحِيح الأول لِأَن إِمْكَان مَا عهد على الْقرب وَلَو بِمرَّة أظهر من إِمْكَان مَا سلف الثَّانِيَة كَانَت تحيض خمْسا فَحَاضَت فى دور آخر سِتا وَفِي دور ثَالِث سبعا

واستحيضت فِي الرَّابِع فَترد إِلَى السَّبع على الظَّاهِر لِأَنَّهُ النَّاسِخ وعَلى الْوَجْه الآخر وَجْهَان أَحدهمَا الرَّد إِلَى الْخمس فَإِنَّهُ المتكرر وَالثَّانِي إِلَى السِّت لِأَن السَّبع تشْتَمل على السِّت فقد تكَرر السِّت الثَّالِثَة تغير الْمِيقَات بالتأخر بِأَن كَانَت تحيض خَمْسَة فى أول الشَّهْر فَجَاءَهَا دور فَحَاضَت فِي الْخَمْسَة الثَّانِيَة واستحيضت فقد صَار الدّور خمْسا وَثَلَاثِينَ فإليه ترد على الصَّحِيح وَلَا نبالي بالأولية وَإِن قُلْنَا لَا تثبت الْعَادة بِمرَّة فتقيم دورها ثَلَاثِينَ كَمَا عهد وَلَا نبالي بِفَوَات الْأَوَّلين وَقيل لَا بُد من مُرَاعَاة الأولية وَهَؤُلَاء اخْتلفُوا مِنْهُم من قَالَ ينقص من طهرهَا خَمْسَة أَيَّام فِي هَذَا الشَّهْر بِأَن نحيضها هَذِه الْخَمْسَة الثَّانِيَة ونطهرها بَقِيَّة الشَّهْر عشْرين يَوْمًا ثمَّ تعود إِلَى أول الشَّهْر فنحيضها خَمْسَة ونطهرها خَمْسَة وَعشْرين أبدا

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا نحيضها خَمْسَة فِي هَذَا الشَّهْر أصلا لفَوَات أَوله بل نجْعَل الدَّم اسْتِحَاضَة فَإِذا جَاءَ أول الشَّهْر حيضناها خمْسا وأقمنا الأدوار الْقَدِيمَة على وَجههَا الرَّابِعَة إِذا تقدم الْحيض إِلَى الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من الشَّهْر فقد صَار الدّور خمْسا وَعشْرين مرّة وَاحِدَة فَلَا يخفى أمره إِن أثبتنا الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة أَو لم تثبت وَلَكِن لم نبال بالأولية وَإِن تشوفنا إِلَى الأولية أمكن أَن نجْعَل هَذِه الْخَمْسَة اسْتِحَاضَة ثمَّ نحيضها فى الْخَمْسَة الأولى من الشَّهْر الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي إِسْحَاق وَعند غَيره نحيضها فِي هَذِه الْخَمْسَة وَفِي خَمْسَة من أول الشَّهْر فنزيد فى حَيْضهَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ تعود إِلَى القانون السَّابِق

الْخَامِسَة إِذا عاجلها الْحيض بِحَيْثُ عَاد النَّقَاء إِلَى أَرْبَعَة عشر فعلى مَذْهَب الْجَمِيع لَا بُد وَأَن نخلف يَوْمًا من أول الدَّم ونجعله اسْتِحَاضَة تَتِمَّة للطهر ثمَّ التَّفْصِيل بعده كَمَا سبق بِأَن نُقِيم دورها عشْرين إِذا أثبتنا الْعَادة بِمرَّة وَاحِدَة إِذْ لَا يُمكن أَن يَجْعَل تِسْعَة عشر فَجعل الْخَامِس عشر طهرا ضَرُورَة أَولا نثبت بِمرَّة فتقيم دورها الْقَدِيم من الْوَقْت وَلَا نبالي بالأولية أَو نتشوف إِلَى الأولية بِأَن نجْعَل بَقِيَّة الشَّهْر اسْتِحَاضَة وَالله أعلم

الْمُسْتَحَاضَة الرَّابِعَة الْمُعْتَادَة المميزة وَهِي الَّتِي أطبق الدَّم عَلَيْهَا وسبقت لَهَا عَادَة مَعْلُومَة وَاخْتلف لون الدَّم فَإِن طابق قُوَّة الدَّم أَيَّام الْعَادة فَذَاك وَإِن أختلفت بِأَن كَانَت عَادَتهَا خَمْسَة فرأت عشرَة سوادا وَالْبَاقِي حمرَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الحكم بِالْعَادَةِ لِأَنَّهُ مجمع عَلَيْهِ وَفِي الحكم بالتمييز خلاف وَلِأَن الثِّقَة بِالْعَادَةِ أولى وَالثَّانِي أَن التَّمْيِيز أولى لِأَنَّهُ عَلامَة ناجزة فَإِن الْعَادة قد انْقَضتْ وَالثَّالِث أَنه يجمع بَينهمَا فنحيضها فى الْعشْر بالعلتين فَإِن رَأَتْ خَمْسَة حمرَة وَأحد عشر سوادا فقد عسر الْجمع فَثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن نجرد الْعَادة وَالْآخر أَن نجرد التَّمْيِيز وَالْآخر أَنَّهُمَا يتدافعان فَهِيَ كمبتدأة لَا تَمْيِيز لَهَا فرعان الأول المبتدأة إِذا رَأَتْ خَمْسَة سوادا ثمَّ أطبق الدَّم على لون وَاحِد فَفِي الشَّهْر الثَّانِي نحيضها خمْسا لِأَن التَّمْيِيز أثبت لَهَا عَادَة فَلَو تمكنت بعد ذَلِك من التَّمْيِيز مرّة أُخْرَى وَلَكِن رَأَتْ السوَاد فِي الْعشْرَة فَترد إِلَى الْعشْرَة وَلَا يخرج على الْخلاف فِي إِثْبَات الْعَادة بِمرَّة لِأَن هَذِه عَادَة تمييزية فينسخها مرّة وَاحِدَة كَغَيْر الْمُسْتَحَاضَة إِذا تَغَيَّرت عَادَتهَا الْقَدِيمَة مرّة وَاحِدَة فَإنَّا نحكم بالحالة الناجزة

الثَّانِي قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الصُّفْرَة والكدرة فِي أَيَّام الْحيض حيض وَذَلِكَ فِيمَا يُوَافق أَيَّام الْعَادة وَمَا وَرَاء عَادَتهَا إِلَى تَمام خَمْسَة عشر فِيهِ ثَلَاثَة اوجه أَحدهَا أَنَّهَا حيض لِأَنَّهَا مُدَّة الْإِمْكَان كأيام الْعَادة وَالثَّانِي لَا لقَوْل بنت جحش كُنَّا لَا نعتد بالصفرة وَرَاء الْعَادة شَيْئا وَالثَّالِث إِن كَانَ مَا تقدمها من الصُّفْرَة دم قوي وَلَو لَحْظَة فَهُوَ حيض لقُوته

وَإِن كَانَ الْكل صفرَة فتقتصر على أَيَّام الْعَادة فِيهِ فَأَما المبتدأة إِذا رَأَتْ الصُّفْرَة أَولا فمردها أَعنِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَو السِّت والسبع كأيام الْعَادة فِي حق الْمُعْتَادَة أَو كَمَا وَرَاء الْعَادة فِيهِ وَجْهَان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْمُسْتَحَاضَة الْمُتَحَيِّرَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي الَّتِي نسيت عَادَتهَا قدرا ووقتا وفيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا كالمبتدأة فِي قدر الْحيض أما وقته فَردهَا إِلَى أول الْأَهِلّة فَإِنَّهُ مبادئ أَحْكَام الشَّرْع وَهَذَا مزيف

فَإِن اخْتِصَاص الْحيض بِأول الْهلَال لَا يَقْتَضِيهِ طبع وَلَا شرع فَالْقَوْل الصَّحِيح أَنَّهَا مأمورة بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذ بِأَسْوَأ الِاحْتِمَالَات فى أُمُور سَبْعَة الأول أَن لَا يُجَامِعهَا زَوجهَا فى كل حَال لاحْتِمَال الْحيض الثَّانِي أَن لَا تدخل الْمَسَاجِد وَلَا تقْرَأ الْقُرْآن إِلَّا فِي الصَّلَاة إِلَّا على وَجه بعيد فِي أَن الْحَائِض تقْرَأ خيفة النسْيَان وَهَذِه أولى

الثَّالِث إِذا طلقت انْقَضتْ عدتهَا بِثَلَاثَة أشهر وَلَا يقدر تبَاعد حَيْضهَا إِلَى سنّ الْيَأْس أخذا بِأَسْوَأ الِاحْتِمَالَات لِأَنَّهُ تَشْدِيد عَظِيم الرَّابِع أَنَّهَا تصلي وظائف الْأَوْقَات لاحْتِمَال الطُّهْر وتغتسل لكل صَلَاة لاحْتِمَال انْقِطَاع الدَّم ثمَّ لَا تَغْتَسِل لصَلَاة إِلَّا بعد دُخُول وَقتهَا وَالأَصَح أَن الْمُبَادرَة لَا تجب عَلَيْهَا بعد الْغسْل إِذْ الِانْقِطَاع لَا يتَكَرَّر بعد الْغسْل بِخِلَاف الْأَحْدَاث فى حق الْمُسْتَحَاضَة الْخَامِس يجب عَلَيْهَا أَن تَصُوم جَمِيع شهر رَمَضَان لاحْتِمَال دوَام الطُّهْر ثمَّ عَلَيْهَا أَن تقضي سِتَّة عشر يَوْمًا لاحْتِمَال دوَام الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وانطباقه على سِتَّة عشر يَوْمًا بطريانه فى وسط النَّهَار وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقضي خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَأَنَّهُ لم يخْطر

لَهُ تَقْدِير الطريان فِي وسط النَّهَار السَّادِس إِذا كَانَ عَلَيْهَا صَوْم يَوْم وَاحِد قَضَاء فَلَا تَبرأ ذمَّتهَا بِيَوْم وَاحِد وَلَا بيومين فَإِنَّهَا لَو عَمَدت إِلَى سِتَّة عشر يَوْمًا وصامت من أَولهَا يَوْمًا وَمن آخرهَا يَوْمًا فَرُبمَا انطبق حيض على السِّتَّة عشر بالطريان نصف النَّهَار فَإِن جعل بَين الْيَوْمَيْنِ

خَمْسَة عشر يَوْمًا فطرا فعلعهما وَقعا فِي طرفِي حيض وَكَانَ الطُّهْر فِي أَيَّام الْفطر فسبيلها أَن تَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام وتعمد إِلَى سَبْعَة عشر يَوْمًا تَصُوم يَوْمًا فِي أَوله وتفطر يَوْمًا ثمَّ تَصُوم يَوْمًا ثمَّ تَصُوم السَّابِع عشر فَتخرج عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن طَرَأَ الْحيض فِي الْيَوْم الأول انْقَطع قبل الآخر وَإِن انْقَطع على الآخر لم يكن طارئا فِي الأول وَإِن وَقع الأول والأخير فِي طرفِي حيضتين فالوسط فِي نقاء بَينهمَا والضبط فِيهِ أَن يقدر الشَّهْر نِصْفَيْنِ وَهُوَ الدّور بِكَمَالِهِ فِي تقديرنا وتصوم يَوْمَيْنِ من أول الشَّهْر فِي النّصْف الأول بَينهمَا فطر فتصوم الْيَوْم الثَّالِث فِي النّصْف الْأَخير وتؤخره عَن أول النّصْف الْأَخير بِقدر أَيَّام الْفطر بَين الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَإِن خللت بَينهمَا يَوْمَيْنِ فلتصم الثَّالِث فِي الثَّامِن عشر وَإِن كَانَ المتخلل

ثَلَاثًا فَفِي التَّاسِع عشر وَإِذا فعلت ذَلِك فكيفما قدم الْحيض أَو أخر وَقع يَوْم النَّقَاء فَإِن كَانَ عَلَيْهَا قَضَاء يَوْمَيْنِ فتضعف فَيصير أَرْبَعَة وتزيد يَوْمَيْنِ فَيصير سِتَّة وتصوم ثَلَاثَة وَلَاء من أول الشَّهْر وَثَلَاثَة وَلَاء من أول النّصْف الثَّانِي فَيَقَع اثْنَان لَا محَالة فِي الطُّهْر إِمَّا الأول وَإِمَّا الثَّانِي وَإِمَّا من كل وَاحِد مِنْهُمَا يَوْم وَإِن كَانَ الْوَاجِب ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة فيضعف وتزيد يَوْمَيْنِ إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فيضعف وتزيد يَوْمَيْنِ فَيصير ثَلَاثِينَ يَوْمًا فتصوم جَمِيع الشَّهْر وَيحصل لَهَا أَرْبَعَة عشر كَمَا ذَكرْنَاهُ فى شهر رَمَضَان فَإِن كَانَ الْقَضَاء خَمْسَة عشر يَوْمًا فعلت بأَرْبعَة عشر يَوْمًا مَا ذَكرْنَاهُ ثمَّ لَا يخفى حكم الْوَاحِد الزَّائِد كَمَا مضى

السَّابِع إِذا أدَّت وظائف الصَّلَوَات فِي وَقتهَا لم يلْزمهَا الْقَضَاء إِذْ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سكت عَن قَضَاء الصَّلَاة وَصرح بِقَضَاء الصَّوْم مَعَ أَن الْقيَاس التَّسْوِيَة وَلَكِن لَعَلَّه رأى الْحَرج شَدِيدا فى قَضَاء الصَّلَوَات وَقَالَ أَبُو زيد الْمروزِي لَا بُد من الْقَضَاء فِي قَول الِاحْتِيَاط

وسبيل قَضَاء الصَّلَوَات مَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَّوْم فَإِن كَانَ عَلَيْهَا مائَة صَلَاة فتضعف وتزيد صَلَاتَيْنِ فَتكون مِائَتَيْنِ وصلاتين فتأتي بِالنِّصْفِ وَهِي مائَة صَلَاة وَصَلَاة فى أول الثَّلَاثِينَ من أَي وَقت شَاءَت ثمَّ تَأتي بِالنِّصْفِ الآخر فِي أول

النّصْف الثَّانِي من الشَّهْر وَهُوَ أول السَّادِس عشر فَتخرج عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِين وَإِنَّمَا استغنينا فى الصَّلَاة بِزِيَادَة صَلَاتَيْنِ على الضعْف لِأَن الِانْقِطَاع فِي وَاحِد لَا يفْسد مَا مضى من

الصَّلَوَات وَإِن كَانَت الصَّلَاة مُخْتَلفَة الْأَجْنَاس مثل قَضَاء عشْرين يَوْمًا فَهِيَ مائَة صَلَاة من كل جنس عشرُون صَلَاة فتضعف وتزيد عشر صلوَات وَهِي صَلَاة يَوْمَيْنِ وليلتين فَتُصَلِّي الْمِائَة عشْرين عشْرين فى أول الثَّلَاثِينَ ثمَّ تصلي الصَّلَوَات الْعشْر فِي الْخَمْسَة عشر بعد الْمِائَة بساعة فَمَا فَوْقهَا ثمَّ تتْرك فِي السَّادِس عشر سَاعَة تسع صَلَاة ثمَّ تعيد الْمِائَة من الْأَجْنَاس فتبرأ ذمَّتهَا وَإِنَّمَا زِدْنَا عشرَة لِأَن الِانْقِطَاع مُمكن فِي صَلَاتَيْنِ متماثلتين فِي كلا الطَّرفَيْنِ وَكَذَا الطريان وَإِذا فَسدتْ الصَّلَاتَان المتماثلتان من يَوْمَيْنِ وليلتين فسبيل قضائهما قَضَاء صَلَاة

الْيَوْمَيْنِ والليلتين ووراء مَا ذَكرْنَاهُ طرق فِي الْقَضَاء فصلناه فى الْمَذْهَب الْبَسِيط

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْمُتَحَيِّرَة وَهِي الَّتِي تحفظ شَيْئا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل فِي الْبَاب أَن كل وَقت لَا يحْتَمل الطُّهْر فَهُوَ حيض بِيَقِين وكل وَقت لَا يحْتَمل الْحيض فَهُوَ طهر بِيَقِين وَإِن احْتمل كِلَاهُمَا فَإِن احْتمل انْقِطَاع الدَّم يلْزمهَا الْغسْل لكل صَلَاة وَإِن لم يحْتَمل الِانْقِطَاع فيلزمها الْوضُوء لكل صَلَاة وتحتاط على التَّفْصِيل السَّابِق وفصول الْبَاب ثَلَاثَة الْفَصْل الأول فِيمَا إِذا لم تحفظ قدر الطُّهْر وَالْحيض وَفِيه صور أَرْبَعَة إِحْدَاهَا إِذا قَالَت أحفظ أَن ابْتِدَاء الدَّم كَانَ أول كل شهر فَيوم وَلَيْلَة من أول كل شهر حيض بِيَقِين وَبعده يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر فتغتسل لكل صَلَاة وَبعده إِلَى آخر الشَّهْر طهر بِيَقِين فتتوضأ لكل صَلَاة الثَّانِيَة قَالَت حفظت أَن الدَّم كَانَ يَنْقَطِع آخر كل شهر فَأول الشَّهْر

إِلَى المنتصف طهر بِيَقِين ثمَّ بعده يتعارض الِاحْتِمَال فَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع لِأَن فِي آخِره حيضا بِيَقِين فتتوضأ وَتصلي إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين وَالْيَوْم الْأَخير بليلته حيض يَقِين الثَّالِثَة قَالَت كنت أخلط شهرا بِشَهْر حيضا بحيض فلحظة من آخر الشَّهْر الأول ولحضة من أول الشَّهْر الثَّانِي حيض بِيَقِين ثمَّ بعده يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى قبيل غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم الْخَامِس عشر بلحظة فتغتسل لكل صَلَاة ثمَّ لَحْظَة من آخر الْخَامِس عشر ولحظة من أول السَّادِس عشر طهر بِيَقِين ثمَّ بعده إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين يحْتَمل الْحيض وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فلتتوضأ لكل صَلَاة الرَّابِعَة إِذا قَالَت كنت أخلط الشَّهْر بالشهر وَكنت الْيَوْم السَّادِس

طَاهِرا فلحظة من أول الشَّهْر ولحظة من آخِره حيض بِيَقِين ثمَّ بعده يحْتَمل الْحيض وانقطاعه إِلَى انْقِطَاع الْخَامِس فتغتسل وَتصلي ثمَّ الْيَوْم السَّادِس طهر بِيَقِين إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر ولحظة من لَيْلَة السَّادِس عشر ثمَّ بعده يحْتَمل الْحيض وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع إِلَى قبيل غرُوب الشَّمْس من آخر الشَّهْر

الْفَصْل الثَّانِي فى الضَّالة وَلها حالتان الأولى أَن تحفظ قدر الْحيض وَلَا تحفظ الْأَيَّام الَّتِي كَانَت فِيهَا فَإِذا قَالَت أضللت خَمْسَة فِي شهر وأحفظ أَنِّي كنت لَا أخلط شهرا بِشَهْر فتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس ثمَّ تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الشَّهْر فَإِذا جاءها شهر رَمَضَان تَصُوم كُله ثمَّ تقضي

خَمْسَة وَلَو قَالَت أضللت خَمْسَة فِي شهر وَكنت الْيَوْم الْخَامِس حَائِضًا بِيَقِين فتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الرَّابِع ثمَّ الْيَوْم الْخَامِس حيض بِيَقِين ثمَّ تَغْتَسِل لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء التَّاسِع ثمَّ هِيَ طَاهِرَة بِيَقِين إِلَى آخر الشَّهْر الْحَالة الثَّانِيَة أَن تحفظ الْأَيَّام الَّتِي أضلتها وَالَّتِي أضلت فِيهَا وَلها صور أَرْبَعَة إِحْدَاهَا أَن تَقول أضللت عشرَة فِي عشْرين من أول الشَّهْر فالعشر الْأَخير طهر بِيَقِين وَجَمِيع الْعشْرين من أول الشَّهْر يحْتَمل الْحيض وَالطُّهْر نعم لَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي الْعشْر الأول فتتوضأ لكل صَلَاة وَيحْتَمل فِي الْعشْر الثَّانِي فتغتسل لكل صَلَاة وَالضَّابِط أَنا نقدم الْحيض إِلَى أقْصَى الْإِمْكَان ونؤخرها إِلَى أقْصَى الْإِمْكَان فَمَا يخرج من التَّقْدِيرَيْنِ طهر بِيَقِين وَمَا ينْدَرج تحتهما حيض بِيَقِين وَمَا ينْدَرج تَحت أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ نعم لَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي مُدَّة التَّقْدِيم وَيحْتَمل فِي مُدَّة التَّأْخِير الصُّورَة الثَّانِيَة قَالَت أضللت خَمْسَة عشر فِي عشْرين من أول الشَّهْر

فالخمسة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة من الشَّهْر حيض بِيَقِين لِأَنَّهَا تندرج تَحت تَقْدِير التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير جَمِيعًا وَلَا يحْتَمل الِانْقِطَاع فِي خَمْسَة عشر من أول الشَّهْر وَيحْتَمل فِي الْخَمْسَة الْأَخِيرَة من الْعشْرين وَأما الْعشْر الْأَخِيرَة فَهِيَ طهر بِيَقِين الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا قَالَت أضللت عشرَة فِي عشْرين من أول الشَّهْر وَكنت الْيَوْم الْعَاشِر حَائِضًا فَلَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين إِلَّا ذَلِك الْيَوْم وَأحد عشر من آخر الشَّهْر طهر بِيَقِين الصُّورَة الرَّابِعَة أَن تَقول كنت الْيَوْم الْخَامِس عشر حَائِضًا فَهِيَ حَائِض فِي الْحَادِي عشر إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس عشر بِيَقِين لِأَنَّهُ دَاخل فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَهَذِه التصورات لَا حصر لَهَا وَفِي هَذَا الْقدر مقنع وَالله أعلم

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْعَادة الدائرة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى إِذا اتسقت عَادَتهَا فَكَانَت تحيض فى شهر ثَلَاثًا وَفِي الثَّانِي خمْسا وَفِي الثَّالِث سبعا ثمَّ تعود إِلَى الثَّلَاث ثمَّ إِلَى الْخمس ثمَّ إِلَى السَّبع وتكرر ذَلِك ثمَّ استيض فَفِي ردهَا إِلَى الْعَادة الدائرة وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ لَا يثبت بهَا عَادَة لاخْتِلَاف الْمَقَادِير فَكَأَنَّهَا مُبتَدأَة إِذا استحيضت وَمِنْهُم من قَالَ تثبت بِهِ عَادَة فَترد إِلَيْهَا فَإِن قُلْنَا لَا ترد إِلَى الْعَادة الدائرة فَثَلَاثَة أوجه

أَحدهمَا أَنَّهَا كالمبتدأة وَالثَّانِي أَنَّهَا ترد إِلَى الْقدر الْأَخير قبل الِاسْتِحَاضَة بِنَاء على أَن الْعَادة تثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَالثَّالِث أَنَّهَا ترد إِلَى الثَّلَاثَة إِن استحيضت بعد الْخَمْسَة لِأَنَّهَا متكررة فِي الْخَمْسَة الثَّانِيَة إِذا كَانَت الأقدار مَا سبق من ثَلَاث وَخمْس وَسبع وَلَكِن لَا على الاتساق فَإِن قُلْنَا إِن الْعَادة المتسقة لَا ترد إِلَيْهَا الْمُسْتَحَاضَة فَهَذِهِ أولى وَإِن قُلْنَا ترد فَهَذِهِ كَالَّتِي نسيت النّوبَة الْمُقدمَة على الِاسْتِحَاضَة بِالْعَادَةِ الدائرة وَحكمهَا الِاحْتِيَاط فعلَيْهَا بعد الثَّلَاث أَن تَغْتَسِل لِأَن الثَّلَاث حيض بِيَقِين ثمَّ بعد الثَّالِثَة تتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء الْخَامِس ثمَّ تَغْتَسِل مرّة أُخْرَى وتتوضأ لكل صَلَاة إِلَى انْقِضَاء السَّابِع ثمَّ تَغْتَسِل ثمَّ هِيَ طَاهِرَة إِلَى آخر الشَّهْر وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي التلفيق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْكَلَام فى قسمَيْنِ الأول غير الْمُسْتَحَاضَة وَهِي الَّتِي انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا وَلَكِن انْقَطع على الْخَمْسَة عشر فَفِيهَا قَولَانِ الْمَنْصُوص فِي مَوَاضِع عدَّة وَهُوَ الْأَصَح وَمذهب أبي حنيفَة أَنه يسحب حكم الْحيض على أَيَّام النَّقَاء وَيجْعَل ذَلِك كالفترات بَين دفعات الدَّم لِأَن الطُّهْر النَّاقِص فَاسد كالحيض النَّاقِص وَلَكِن يسحب حكم الْحيض على النَّقَاء بِشَرْطَيْنِ

أَحدهمَا أَن يكون النَّقَاء محتوشا بدمين فِي الْأَيَّام الْخَمْسَة عشر حَتَّى يثبت لَهَا حكم الْحيض فيتعدى إِلَى النَّقَاء بَينهمَا حَتَّى لَو رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة وَأَرْبَعَة عشر نقاء وَرَأَتْ فِي السَّادِس عشر دَمًا فالنقاء مَعَ مَا بعده من الدَّم طهر لِأَنَّهُ لَيْسَ محتوشا بِالْحيضِ فِي الْمدَّة الشَّرْط الثَّانِي فِي قدر الْحيض الْمُحِيط بالنقاء وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا بُد وَأَن يكون كل دم يَوْمًا وَلَيْلَة حَتَّى يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فيسري وَالثَّانِي أَنه لَا يعْتَبر بل لَو رَأَتْ سَاعَة دَمًا فِي أول النّوبَة وَسَاعَة فِي آخر الْخَامِس عشر كَانَ النَّقَاء المتخلل حيضا والأعدل اخْتِيَار أبي بكر المحمودي وَهُوَ أَن يشْتَرط أَن يكون جَمِيع الدِّمَاء الْوَاقِعَة فِي الْخَمْسَة عشر يَوْمًا وَلَيْلَة لَا ينقص عَنْهَا حَتَّى يسري إِلَى النَّقَاء حكمه فرع المبتدأة إِذا انْقَطع دَمهَا فتؤمر بِالْعبَادَة فِي الْحَال فَإِذا اسْتمرّ التقطع فَفِي الدّور الثَّالِث لَا تُؤمر بِالْعبَادَة وَفِي الدّور الثَّانِي يبْنى على أَن الْعَادة هَل تثبت بِمرَّة أم لَا وَفِيه

وَجْهَان غَرِيبَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا تُؤمر أبدا عِنْد النَّقَاء بِالْعبَادَة ثمَّ إِن عَاد الدَّم تبين الْبطلَان فالعادة لَا تُؤثر فِي ترك الْعِبَادَة مَعَ النَّقَاء وَلِهَذَا إِذا استحيضت هَذِه لم تلْتَقط أَيَّام الْحيض من دورها حَتَّى يتخللها أَيَّام الطُّهْر على قَول التلفيق أَيْضا

الثَّانِي أَنه إِذا تكَرر التقطع فِي النّوبَة الأولى فِي الْخَمْسَة عشر فتستفيد مِنْهُ التَّوَقُّف فى الْعِبَادَة لِأَنَّهُ تكَرر التقطع فِي هَذِه النّوبَة وَعند هَذَا فَجَمِيع مَا تُؤثر فِيهِ الْعَادة وَمَا لَا تُؤثر فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام الأول مَا يثبت بِمرَّة وَاحِدَة وَهِي الِاسْتِحَاضَة فَإنَّا فِي الدّور الثَّانِي نأمرها بِالْعبَادَة بعد انْقِضَاء مُدَّة الْعَادة لِأَنَّهَا عِلّة مزمنة إِذا نزلت دَامَت الثَّانِي مَا لَا يثبت وَإِن تَكَرَّرت الْعَادة كالمستحاضة إِذا كَانَت عَادَتهَا تقطع الدَّم فَإنَّا وَإِن حكمنَا بالتلفيق لَا تلْتَقط من أَيَّام الِاسْتِحَاضَة وَكَذَلِكَ إِذا ولدت وَلدين وَهِي ذَات جفاف ثمَّ استحيضت فِي الثَّالِثَة فَلَا يصير عدم النّفاس عَادَة بل يُقَال هَذِه مُبتَدأَة فِي النّفاس وَكَذَلِكَ لَو حَاضَت عشرا وطهرت خمس سِنِين ثمَّ كَذَلِك مَرَّات ثمَّ استحيضت فَلَا نديم طهرهَا إِلَى هَذَا الْحَد وَعند هَذَا يعسر ضبط مرده

فَقَالَ الْقفال غَايَة الدّور تسعون يَوْمًا الْحيض مِنْهَا خَمْسَة عشر فَمَا دونه وَالْبَاقِي طهر لِأَنَّهُ اكْتفى فِي عدَّة الآيسة بِثَلَاثَة أشهر فَلَو تصور أَن يزِيد الدّور عَلَيْهِ لما اكْتفى بِهِ وَهَذَا مُتَعَلق فِي هَذَا الْمضيق لَا بَأْس بِهِ فعلى هَذَا لَو حَاضَت خَمْسَة وطهرت خمْسا وَثَمَانِينَ ثَبت بِهِ الدّور إِمَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَإِن زَاد الْمَجْمُوع على التسعين فَلَا

الثَّالِث مَا اخْتلف فِي أَن الْعَادة وَإِن تَكَرَّرت هَل تُؤثر فِيهِ كالعادة الدائرة المتسقة وَغير المتسقة والتوقف بِسَبَب تقطع الدَّم كَمَا ذَكرْنَاهُ الرَّابِع مَا يثبت بِالْعَادَةِ بمرتين وَفِي ثُبُوته بالمرة الْوَاحِدَة خلاف كَمَا فِي قدر الْحيض إِن لَازم أول الدّور فَإِن اسْتَأْخَرَ فَفِيهِ تصرف أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّا لَا نسحب حكم الْحيض على النَّقَاء لِأَنَّهُ تَغْيِير للْحَقِيقَة بل نحكم باللقط والتلفيق وَالنَّظَر على هَذَا القَوْل فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن مَجْمُوع الدِّمَاء فِي خَمْسَة عشر لَو نقص عَن يَوْم وَلَيْلَة فَلَا حيض لَهَا

وَإِن اكتفينا بِهِ على القَوْل الأول لِأَنَّهَا صَارَت حيضا بانضمام الطُّهْر إِلَيْهَا فكلمت الْمدَّة وَهَاهُنَا لَا تكتمل فَأَما إِذا كَانَ مَجْمُوع الدِّمَاء يَوْمًا وَلَيْلَة وَلَكِن ينقص عِنْد آحَاد الدِّمَاء فَالْمَذْهَب الصَّحِيح أَنه حيض يفرق على الطُّهْر كَمَا يفرق الطُّهْر على الْحيض وعَلى هَذَا لَو كَانَت تحيض نصف يَوْم وتطهر نصف يَوْم فَتُصَلِّي فِي وَقت النَّقَاء وتترك فِي وَقت الْحيض وَلَا يبْقى مَعَ هَذَا التَّقْدِير لأَقل الْحيض وَأَقل الطُّهْر معنى النّظر الثَّانِي فِي قدر النَّقَاء وَليكن ذَلِك زَائِدا على الفترات الْمُعْتَادَة بَين دفعات الدَّم حَتَّى يُمكن أَن تجْعَل نقاء مُسْتقِلّا النّظر الثَّالِث فِي الْغسْل عِنْد ظُهُور النَّقَاء فَإِن كَانَ الدَّم المتقطع أقل من يَوْم وَلَيْلَة لم تَغْتَسِل إِن قُلْنَا إِن مَجْمُوع الدِّمَاء لَو بلغ يَوْمًا وَلَيْلَة

يكون حيضا فَفِي الْغسْل وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب بِالشَّكِّ إِذْ رُبمَا لَا يعود مَا يتم بِهِ حيضا وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ دم فِي زمَان إِمْكَان الْحيض وَلَا يخرج عَن كَونه حيضا إِلَّا بخلو الْخمس عشر عَن دم يتممه فلتغتسل بِنَاء على النَّقَاء الْمشَاهد وَالْقسم الثَّانِي فى المستحاضات وَهن أَربع الأولى الْمُعْتَادَة فَإِذا كَانَت تحيض خمْسا وتطهر خمْسا وَعشْرين فَجَاءَهَا دور وأطبق الدَّم مَعَ

التقطع فَكَانَت ترى الدَّم يَوْمًا وَلَيْلَة والنقاء كَذَلِك فعلى قَول السحب نحيضها خَمْسَة من أول الدّور وَلَاء لِأَن النَّقَاء فِيهِ محتوش بِالدَّمِ وعَلى قَول اللقط وَجْهَان أَحدهمَا نحيضها الأول وَالثَّالِث وَالْخَامِس لأَنا لَا نجاور فِي اللقط أَيَّام الْعَادة وَالثَّانِي أَنا نحيضها خَمْسَة كَامِلَة ونجاوز أَيَّام الْعَادة فنضم إِلَى ذَلِك السَّابِع وَالتَّاسِع وعَلى الْوَجْهَيْنِ فِي الدّور الأول نأمرها بِأَن تتحيض أَيَّام الدَّم إِلَى خَمْسَة عشر إِذْ يتَصَوَّر أَن يَنْقَطِع قبل الْخمس عشر فَلَا تكون مُسْتَحَاضَة وتتفرع على الْوَجْهَيْنِ صور إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت ترى دَمًا يَوْمَيْنِ ويومين نقاء فَإِن التقطنا من أَيَّام الْعَادة حيضناها الأول وَالثَّانِي وَالْخَامِس وَفِي الْخَامِس وَجه ضَعِيف أَنه لَيْسَ بحيض لاتصاله بالسادس وَهُوَ اسْتِحَاضَة وَإِن جاوزنا أَيَّام الْعَادة كملنا الْخَمْسَة بِضَم السَّادِس وَالتَّاسِع إِلَيْهَا الثَّانِيَة لَو كَانَت ترى يَوْمَيْنِ دَمًا وَأَرْبَعَة نقاء وَهَكَذَا فَإِن لم تتجاوز أَيَّام الْعَادة حيضناها الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَقَط وَإِن تجاورنا كملنا الْخَمْسَة بِمَا بعْدهَا وعَلى السحب نحيضها الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين فَقَط لِأَن النَّقَاء بعده لَيْسَ محتوشا بحيضتين

الثَّالِثَة إِذا كَانَت تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة وتطهر تِسْعَة وَعشْرين فاستحيضت فِي دور فَكَانَت ترى يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَة نقاء وَهَكَذَا فعلى قَول السحب فِيهِ إِشْكَال فَإِن الْيَوْم الْوَاحِد لَيْسَ بحيض كَامِل وَاللَّيْلَة لَيست محتوشة بدمين فِي وَقت الْحيض فَلَا يُمكن تَكْمِيل الْيَوْم بِهِ وَإِن ضممنا إِلَيْهِ الْيَوْم الثَّانِي كُنَّا جاوزنا وَقت الْعَادة والمجاوزة على قَول السحب محَال وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا حيض لَهَا لِاسْتِحَالَة الْأَقْسَام كلهَا وَقَالَ أَبُو بكر المحمودي نعود إِلَى قَول اللقط فِي هَذِه الصُّورَة للضَّرُورَة فَإِن شطر عمرها دم فَكيف لَا نحيضها قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يحْتَمل أَن نسحب حكم الْحيض على لَيْلَة النَّقَاء ونضم الْيَوْم الثَّانِي إِلَيْهِ فَيكون قد ازْدَادَ حَيْضهَا وَذَلِكَ أقرب من التلفيق على قَول ترك التلفيق فَأَما إِذا فرعنا على قَول اللقط وجاوزنا أَيَّام الْعَادة فِي اللقط فَلَا إِشْكَال فَإنَّا نستوفي مُدَّة الْعَادة وَإِن لم نجاوز فَلَا طَرِيق إِلَّا مَذْهَب المحمودي وَهُوَ مُجَاوزَة أَيَّام الْعَادة وَالرُّجُوع إِلَى الْوَجْه الآخر هَذَا كُله كَلَام فِي الدّور الأول من اسْتِحَاضَة ذَات التلفيق أما الدّور الثَّانِي إِن انطبق فِيهِ الدَّم على أول الدّور على ترتيبه فى الأول لم يخْتَلف

الحكم وَإِن اقْتضى تعاقب الْحَالين ترَاخى الدَّم عَن أول الدّور الثَّانِي فيتصدى نظر أبي إِسْحَاق الرَّد إِلَى أول الدّور وَنظر الْأَصْحَاب إِلَى الدَّم وَبَيَانه بصور ذَكرنَاهَا فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط

الْمُسْتَحَاضَة الثَّانِيَة المبتدأة فَإِذا انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فَإِذا رَأَتْ النَّقَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي صَامت وصلت هَكَذَا تفعل مهما رَأَتْ النَّقَاء إِلَى خَمْسَة عشر فَإِذا جَاوز الدَّم ذَلِك فَتبين أَنَّهَا اسْتِحَاضَة وَفِي مردها قَولَانِ فَإِن ردَّتْ إِلَى يَوْم وَلَيْلَة نحيضها على قَول السحب واللقط يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ لَا يلْزمهَا إِلَّا قَضَاء تِسْعَة أَيَّام فِي رَمَضَان لِأَنَّهَا صَامت سَبْعَة فِي أَيَّام النَّقَاء من جملَة الشّطْر الأول وَلَوْلَا ذَلِك النَّقَاء لما لَزِمَهَا إِلَّا سِتَّة عشر فَإِذا احتسبنا مِنْهَا سَبْعَة بقيت تِسْعَة

وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي مَوضِع على لُزُوم قَضَاء الصَّوْم كُله فتحصلنا على قَوْلَيْنِ وَاخْتلف فِي أَصله قَالَ الْقفال أَصله أَن المبتدأة فِيمَا وَرَاء المرد هَل يلْزمهَا

الِاحْتِيَاط إِلَى خَمْسَة عشر أم لَهَا حكم الطاهرات فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَفْرِيعا على الِاحْتِيَاط وَذَلِكَ يجْرِي فِي كل شهر فَلذَلِك قَالَ الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ نَفْعل فِي الْمُسْتَقْبل وَإِن رددناها إِلَى الْغَالِب فَالْقَوْل فِي مردها كالقول فِي الْمُعْتَادَة سِتا أَو سبعا وَجَمِيع التفريعات يعود الْمُسْتَحَاضَة الثَّالِثَة المميزة وَهِي الَّتِي ترى يَوْمًا دَمًا قَوِيا وَيَوْما دَمًا ضَعِيفا فَإِن انْقَطع الْقوي على الْخَمْسَة عشر وأطبق الضَّعِيف بعده فَجعلنَا الضَّعِيف نقاء على قَول اللقط

وحيضانها ثَمَانِيَة أَيَّام وعَلى السحب حيضناها خَمْسَة عشر يَوْمًا لإحاطة السوَاد بالضعيف المتخلل فَإِذا اسْتمرّ تعاقب السوَاد والحمرة فِي جَمِيع الشَّهْر فقد فقدت التَّمْيِيز لفَوَات الشَّرْط فَهُوَ كَمَا لَو أطبق لون وَاحِد وَلَا تلْتَقط من أَيَّام الشَّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا سوادا بالِاتِّفَاقِ فَلم يجوز أحد تَفْرِيق الْحيض على الطُّهْر وَإِن جوزوا تَفْرِيق الطُّهْر على الْحيض فَهَذَا يُقَوي قَول السحب الْمُسْتَحَاضَة الرَّابِعَة الناسية وفيهَا صور إِحْدَاهَا الْمُتَحَيِّرَة الَّتِي لَا تحفظ شَيْئا إِذا انْقَطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فعلى قَول السحب خرج أمرهَا على الْقَوْلَيْنِ فِي الِاحْتِيَاط فَإِن أمرناها بِالِاحْتِيَاطِ فَحكمهَا حكم من أطبق الدَّم عَلَيْهَا إِذْ مَا من نقاء إِلَّا وَيحْتَمل أَن يكون حيضا وَإِنَّمَا يفارقها فِي أَنا لَا نأمرها بتجديد الْوضُوء فِي وَقت النَّقَاء لِأَن الْحَدث فِي صورته غير متجدد وَلَا نأمرها بتجديد الْغسْل إِذْ يَسْتَحِيل تَقْدِير وُقُوع الِانْقِطَاع فِي حَالَة انتقاء الدَّم وعَلى قَول اللقط يَغْشَاهَا زَوجهَا فِي أَيَّام النَّقَاء وَهِي طَاهِرَة فِيهَا فى كل حكم وَأَيَّام الدَّم يسْلك فِيهَا مَسْلَك الِاحْتِيَاط

الثَّانِيَة إِذا قَالَت أضللت خَمْسَة فِي عشرَة من أول الشَّهْر وتقطع دَمهَا يَوْمًا يَوْمًا فعلى قَول السحب تَنْحَصِر حَيْضَتهَا فِي التِّسْعَة من أول الشَّهْر لِأَنَّهُ تكون نقية فِي الْعَاشِرَة فَلَيْسَ محتوشا بدمين فِي الْمدَّة وَمَعَ الانحصار فِي التِّسْعَة لَيْسَ لَهَا حيض بِيَقِين وَإِن زَاد أَيَّام الْحيض على نصف مَحل الضلال بِخِلَاف مَا إِذا أضلت خَمْسَة فى تِسْعَة غير ذَات التلفيق لِأَن الْعشْرَة هَاهُنَا مَحل الضلال على التَّحْقِيق إِلَّا أَنا فِي تَقْدِير التَّأْخِير نرد الْخَمْسَة إِلَى ثَلَاثَة إِذْ السَّادِس نقاء وَكَذَا الْعَاشِر فينتقص الْقدر بذلك فَنَقُول لَيْسَ لَهَا يَقِين حيض وَعَلَيْهَا الْغسْل فِي آخر الْخَامِس وَآخر السَّابِع وَالتَّاسِع وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَغْتَسِل لكل صَلَاة فِي أَيَّام الدَّم إِذْ يتَصَوَّر الِانْقِطَاع فِي الْوسط وَهُوَ فَاسد إِذْ من ضَرُورَته أَن يقدر الِابْتِدَاء فِي وسط النَّقَاء وَهُوَ محَال إِذْ كل نقاء لَيْسَ محتوشا بحيضتين لَا يَجْعَل حيضا على قَول السحب هَذَا كُله على قَول السحب فَأَما على قَول اللقط فَإِن لم نجاوز مَحل الْعَادة فَلَا نجاوز الْعشْرَة والتفريع كالتفريع على قَول السحب إِلَّا فِي الْغسْل فَإِنَّهُ يجب على الْخَمْسَة الأولى إِذْ كل مُنْقَطع حيض وَمَا بعده طهر على هَذَا القَوْل فَإِن جاوزنا الْعَادة فَلَا بُد من تحيضها خَمْسَة فَيحْتَمل الأول وَالثَّالِث وَالْخَامِس وَالسَّابِع وَالتَّاسِع وَيحْتَمل فِي حِسَاب التَّأْخِير السَّابِع وَالتَّاسِع وَالْحَادِي عشر وَالثَّالِث عشر وَالْخَامِس عشر فَيدْخل السَّابِع وَالتَّاسِع فِي الحسابين فهما حيض بِيَقِين وَحكم الْأَيَّام الْأَخِيرَة مَا سبق

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي النّفاس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْكَلَام فِي قسمَيْنِ الأول فِي النُّفَسَاء غير الْمُسْتَحَاضَة وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي قدر النّفاس وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا وأغلبه أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأقله لَحْظَة والتعويل فِيهِ على الْوُجُود وَقَالَ الْمُزنِيّ أَقَله أَرْبَعَة أَيَّام لِأَن أَكْثَره مثل أَكثر الْحيض أَربع مَرَّات

الْفَصْل الثَّانِي فِي الدَّم قبل الْولادَة وَلَا شكّ أَن الْحَامِل قد ترى الدَّم على أدوار الْحيض وَهل لَهُ حكم الْحيض فَفِيهِ قَولَانِ مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ مُضِيّ الْعدة فَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَلَو كَانَت تحيض خمْسا وتطهر خمْسا وَعشْرين فَحَاضَت خمستها وَولدت قبل مُضِيّ خَمْسَة عشر من بعض الْحيض فَمَا بعد الْولادَة نِفَاس ونقصان الطُّهْر قبله لَا يقْدَح فِيهِ أما تِلْكَ الْخَمْسَة فَهَل تنعطف عَلَيْهَا الْأَصَح أَنه لَا تنعطف لِأَن تخَلّل الْولادَة أعظم من الْفَصْل بَين الدمين

من تخَلّل طهر كَامِل وَلَو اتَّصَلت الْولادَة بآخر الْخَمْسَة وجعلناها حيضا فَلَا نعدها من النّفاس وَلَا نقُول هُوَ نِفَاس سبق وَكَذَلِكَ إِذا بَدَت مخايل الطلق فَظهر الدَّم قبل الْولادَة وَفِي هَذِه الصُّورَة وَجه أَنه من النّفاس وَهُوَ بعيد نعم ظهر اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِيمَا ظهر مَعَ ظُهُور الْوَلَد قبل انْفِصَاله هَل يثبت لَهُ حكم النّفاس

الْفَصْل الثَّالِث فِي الدَّم بَين التوءمين وَفِيه وَجْهَان أصَحهمَا أَنه نِفَاس لِأَنَّهُ على أثر الْوَلَد الأول وَالثَّانِي أَنه كَدم الْحَامِل لِأَنَّهُ قبل فرَاغ الرَّحِم إِلَّا أَنه أولى بِأَن يَجْعَل حيضا فَإِن قُلْنَا إِنَّه نِفَاس فَمَا بعد الْوَلَد الثَّانِي أَيْضا نِفَاس ولكنهما نفاسان أَو نِفَاس وَاحِد فِي حكم الْمِقْدَار فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه نفاسان وَإِن قُلْنَا إِنَّه نِفَاس وَاحِد فَلَو تَمَادى مَا بعد الأول سِتِّينَ يَوْمًا قَالَ الصيدلاني مَا بعد الْوَلَد الثَّانِي يَنْقَطِع عَنهُ بالِاتِّفَاقِ فَيكون نفاسا مُفردا

الْقسم الثَّانِي فِي النُّفَسَاء المستحاضات وَهن أَربع الأول الْمُعْتَادَة فَإِذا ولدت مرّة أَو مرَّتَيْنِ ونفست أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا استحيضت رددناها إِلَى الْأَرْبَعين فَمَا بعد ذَلِك دم فَسَاد إِلَى أَن تعود إِلَى أدوارها فِي الْحيض فتكمل بعد الْأَرْبَعين طهرهَا الْمُعْتَاد فَقدر النُّفَسَاء كحيضة وَلَو ولدت مَرَّات وَهِي ذَات جفاف ثمَّ ولدت واستحيضت فَهِيَ كالمبتدأة وَعدم النّفاس لَا يثبت لَهَا عَادَة

الثَّانِيَة المبتدأة إِذا استحيضت ترد إِلَى لَحْظَة على قَول أَو إِلَى الْأَرْبَعين وَقَالَ الْمُزنِيّ ترد المبتدأة إِلَى أَكثر النّفاس وَهُوَ تحكم الثَّالِثَة المميزة فَيجْرِي فِيهَا مَا يجْرِي فِي الْحَائِض إِلَّا أَن السِّتين فِي هَذَا الْمقَام بِمَثَابَة خَمْسَة عشرَة فِي أدوار الْحيض فَلَا يَنْبَغِي أَن يزِيد الدَّم الْقوي عَلَيْهِ فرع المميزة إِذا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَة سوادا ثمَّ استمرت الْحمرَة سنة فَصَاعِدا فَقِيَاس التَّمْيِيز أَنَّهَا طَاهِرَة فِي الْجَمِيع وَيحْتَمل أَن لَا تخلي كل تسعين يَوْمًا من حيض تلقيا مِمَّا ذكره الْقفال

الرَّابِعَة الْمُتَحَيِّرَة إِذا نسيت عَادَتهَا فِي النّفاس فعلى قَول ترد إِلَى الِاحْتِيَاط وعَلى قَول إِلَى المبتدأة كَمَا فِي الْحيض وَالرَّدّ هَا هُنَا إِلَى المبتدأة أولى لِأَن أول وقته مَعْلُوم بِالْولادَةِ فرع إِذا انْقَطع الدَّم على النُّفَسَاء عَاد الْخلاف فِي التلفيق فَلَو طهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ عَاد الدَّم فَفِي الْعَائِد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نِفَاس لوُقُوعه فِي السِّتين وَالثَّانِي أَنه حيض

قَالَ الصيدلاني هَذَا الْخلاف فِيهِ إِذا لم يُجَاوز الْعَائِد سِتِّينَ فَإِن جَاوز قَطعنَا بِأَنَّهُ حيض التَّفْرِيع إِن قُلْنَا إِن الْعَائِد نِفَاس ورأينا ترك التلفيق فالأشهر أَن مُدَّة النَّقَاء حيض وَإِن بلغ خَمْسَة عشر وَمِنْهُم من قَالَ تستثنى هَذِه الصُّورَة على قَول السحب إِذْ يبعد تَقْدِير مُدَّة كَامِلَة فِي الطُّهْر حيضا

وَعَلِيهِ يخرج مَا إِذا ولدت وَلم تَرَ الدَّم إِلَى الْخَمْسَة عشر فِي أَن الدَّم الْوَاقِع فِي السِّتين هَل هُوَ نِفَاس أم لَا وَالله أعلم

= كتاب الصَّلَاة = وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب

قَالَ الله تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس وَقَالَ الصَّلَاة عماد الدّين فَمن تَركهَا فقد هدم الدّين

وافتراض الصَّلَوَات الْخمس مجمع عَلَيْهَا وَقد كَانَ التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَاجِبا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ إِلَّا فِي حق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّظَر فِي الصَّلَاة تحصره أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَاقِيت وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي وَقت الرَّفَاهِيَة للصلوات الْخمس وَالْأَصْل فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ أمني جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم

وَصلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَصلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم ثمَّ عَاد فصلى بِي الظّهْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثله وَصلى بِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شئ مثلَيْهِ وَصلى بِي الْمغرب كصلاته بالْأَمْس وَصلى بِي الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل وَصلى بِي الصُّبْح حِين كَاد حَاجِب الشَّمْس يطلع ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد الْوَقْت مَا بَين هذَيْن

فنبدأ بِصَلَاة الظّهْر تأسيا بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيدخل وَقتهَا بالزوال وَهُوَ عبارَة عَن ظُهُور زِيَادَة الظل فِي جَانب الْمشرق بعد تراجعه من جَانب الْمغرب فَإِذا صَار ظلّ الشَّخْص مثله من مَوضِع الزِّيَادَة خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر وَتَمَادَى إِلَى غرُوب قرص الشَّمْس وللظهر وقتان وَقت الْفَضِيلَة وَهُوَ أَوله وَوقت الِاخْتِيَار بعد ذَلِك إِلَى آخِره وللعصر أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت الْفَضِيلَة فِي الأول وَوقت الِاخْتِيَار بعده إِلَى أَن يصير الظل مثلَيْهِ

وَهُوَ مُنْتَهى بَيَان جِبْرِيل وَوقت الْجَوَاز بعده إِلَى الاصفرار وَوقت الْكَرَاهِيَة عِنْد الاصفرار وَدَلِيل الزِّيَادَة على بَيَان جِبْرِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح وَمن أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر

وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَن الْوَقْت لَا يزِيد على بَيَان جِبْرِيل فَإِن قيل صلى جِبْرِيل الْعَصْر فِي الْيَوْم الأول حِين صلى فِيهَا الظّهْر فِي الْيَوْم

الثَّانِي فليثبت اشْتِرَاك بَين الْوَقْتَيْنِ قُلْنَا ذهب مَالك إِلَى أَن مِقْدَار أَربع رَكْعَات مُشْتَرك وَحمل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعَصْر على انطباق ابْتِدَائه فِي الْمثل الأول وَقَوله صلى الظّهْر على انطباق التَّحَلُّل عَلَيْهِ كَمَا يُقَال بلغ الْبَلَد إِذا دَخلهَا وَبلغ إِذا قاربها فَأَما الْمغرب فَيدْخل وقته بغروب الشَّمْس وَيعلم فِي قلل الْجبَال بإقبال الظلام وانهزام الضَّوْء وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَأَشَارَ إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب

ثمَّ فِي وَقت الْمغرب قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَمْتَد إِلَى غرُوب الشَّفق وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى الْمغرب عِنْد اشتباك النُّجُوم

وَالثَّانِي أَنه إِذا مضى بعد الْغُرُوب وَقت وضوء وأذان وَإِقَامَة وَقدر خمس رَكْعَات فقد انْقَضى الْوَقْت لِأَن جِبْرِيل صلى فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقت وَاحِد وعَلى هَذَا لَا بَأْس بتناول لقْمَة أَو لقمتين

يسكن بهَا سُورَة الْجُوع فرع لَو شرع فِي الْوَقْت ومده حَتَّى مضى هَذَا الْقدر فَإِن قُلْنَا إِن مثل هَذِه الصَّلَاة مقضية فِي غير الْمغرب فَفِي الْمغرب وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُؤَدَّاة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي الْمغرب فَدلَّ أَن آخِره غير مُقَدّر

فَأَما الْعشَاء فَيدْخل وقته بغيبوبة الشَّفق وَهِي الْحمرَة دون الصُّفْرَة وَالْبَيَاض الذى يَزُول بعد الْحمرَة ثمَّ يَمْتَد وَقت الِاخْتِيَار إِلَى ثلث اللَّيْل على قَول لبَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِلَى النّصْف على قَول لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة

وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ولأخرت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل فَيدل ذَلِك على الِاسْتِحْبَاب

فَأَما الصُّبْح فَيدْخل وقته بِطُلُوع الْفجْر الصَّادِق ويتمادى وَقت اخْتِيَاره إِلَى الْإِسْفَار وَوقت جَوَازه إِلَى الطُّلُوع وَلَا نظر إِلَى الْفجْر الْكَاذِب وَهُوَ يَبْدُو مستطيلا ثمَّ ينمحق ويبدو الصَّادِق مُسْتَطِيرا ثمَّ لَا يزَال الضَّوْء يزْدَاد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَغُرنكُمْ الْفجْر المستطيل وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير

فرع لَا يقدم أَذَان صَلَاة على وَقتهَا إِلَّا أَذَان الصُّبْح قَالَ سعد الْقرظ كَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشتَاء لسبع بَقِي من اللَّيْل وَفِي الصَّيف لنصف سبع

وَقيل إِذا خرج وَقت اخْتِيَار الْعشَاء دخل وَقت أَذَان الصُّبْح وَهُوَ بعيد ثمَّ الأولى أَن يُؤذن مؤذنان أَحدهمَا قبل الصُّبْح وَالْآخر بعده وَلَو اقْتصر على مَا قبل الصُّبْح أَجزَأَهُ قَوَاعِد ثَلَاثَة الأولى تجب الصَّلَاة عندنَا بِأول الْوَقْت وجوبا موسعا خلافًا لأبي حنيفَة

ثمَّ لَو مَاتَ فِي أثْنَاء الْوَقْت قبل الْأَدَاء هَل يلقى الله عَاصِيا فِيهِ وَجْهَان وَلَو أدّى فِي آخر الْوَقْت وَوَقع بعضه خَارج الْوَقْت فَهِيَ مُؤَدَّاة نظرا إِلَى ابتدائها على وَجه ومقضية نظرا إِلَى تَمامهَا على وَجه وَالْوَاقِع فِي الْوَقْت مؤدى وَالْبَاقِي قَضَاء على وَجه ثَالِث فَإِن جَعَلْنَاهُ قَضَاء لم يجز التَّأْخِير إِلَيْهِ قصدا وَلم يمْتَنع صِحَّته بنية الْأَدَاء كالمحبوس إِذا اجْتهد فِي الْوَقْت وَنوى الْأَدَاء فَكَانَ فِي غير الْوَقْت لم يلْزمه الْإِعَادَة الثَّانِيَة تَعْجِيل الصَّلَوَات فِي أَوَائِل الْأَوْقَات أفضل عندنَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أول الْوَقْت رضوَان الله وَآخره عَفْو

الله قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رضوَان الله أحب إِلَيْنَا من عَفْو الله قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْعَفو يُوشك أَن يكون للمقصرين وحيازة فَضِيلَة الأولية بِأَن يشْتَغل بِأَسْبَاب الصَّلَاة كلما دخل الْوَقْت وَقيل لَا بُد من بعد تَقْدِيم الْأَسْبَاب حَتَّى ينطبق التَّكْبِير على أول الْوَقْت فَهِيَ الأولية وَقيل تتمادى فَضِيلَة الأولية إِلَى النّصْف من بَيَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَيسْتَثْنى عَن فَضِيلَة التَّعْجِيل الْعشَاء وَالظّهْر فَفِي الْعشَاء قَولَانِ فِي قَول

يسْتَحبّ التَّأْخِير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي الحَدِيث وَأما الظّهْر فالإبراد بِهِ مُسْتَحبّ فِي شدَّة الْحر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت قد أكل بَعْضِي بَعْضًا فَأذن لَهَا فِي نفسين نفس فِي الصَّيف وَنَفس فِي الشتَاء فأشد مَا تَجِدُونَ فِي الْبرد من زمهريرها وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر من حرهَا فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا بِالظّهْرِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم ثمَّ قيل إِن الْإِبْرَاد سنة لِلْأَمْرِ الْوَارِد وَقيل هُوَ

رخصَة وَحده أَن يتَمَكَّن الماشون إِلَى الْجَمَاعَات من الْمَشْي فِي الظل وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يخْتَص بالبلاد الحارة وَفِي أَن من يمشي فِي كن إِلَى الْجَمَاعَة هَل يسْتَحبّ لَهُ وَاخْتلفُوا فِي الْجُمُعَة على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن فَوَاتهَا خطر وَلَا بُد من تَقْدِيم الْخطْبَة فالبدار أولى

الثَّالِثَة من اشْتبهَ عَلَيْهِ الْوَقْت يجْتَهد ويتبين ذَلِك بالأوراد وَغَيرهَا ثمَّ يُصَلِّي فَإِن وَقع فِي الْوَقْت أَو بعْدهَا فَلَا قَضَاء وَإِن كَانَ قبل الْوَقْت وَأدْركَ الْوَقْت صلى وَإِن تبين بعد انْقِضَاء الْوَقْت فَقَوْلَانِ وَكَذَا فِي طلب شهر رَمَضَان فرع إِذا أمكنه أَن يصبر إِلَى دَرك الْيَقِين فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْحَال وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أفطر بِالِاجْتِهَادِ وَغلط وَكَانَ قَادِرًا على الصَّبْر

الْفَصْل الثَّانِي فِي وَقت أَرْبَاب الْأَعْذَار ونعني بالعذر الْجُنُون والصبى وَالْحيض وَالْكفْر وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يَخْلُو عَنْهَا آخر الْوَقْت فَإِن بَقِي قبل غرُوب الشَّمْس مَا يسع رَكْعَة فَزَالَ الْعذر وَجب الْعَصْر وفَاقا وَلَو بَقِي مَا يسع تَكْبِيرَة فَقَوْلَانِ أقيسهما وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يلْزم لِأَن هَذَا الْقدر يَتَّسِع الْإِلْزَام

ولسنا نعتبر وَقت الْأَدَاء وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا يُدْرِكهُ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن أدْرك رَكْعَة قبل غرُوب الشَّمْس فقد أدْرك الْعَصْر وَمَا دونهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا فَإِن مدرك رَكْعَة من الْجُمُعَة مدرك لَهَا بِخِلَاف مدرك التَّكْبِيرَة هَذَا حكم الْعَصْر أما الظّهْر فَيلْزم أَيْضا بِإِدْرَاك وَقت الْعَصْر لِأَنَّهُ وقته فِي حق الْمَعْذُور بِالسَّفرِ وَهَذَا الْعذر أَشد وَلكنه بكم يصير مدْركا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا بِمَا يصير بِهِ مدْركا للعصر وَالثَّانِي لَا بُد من زِيَادَة أَربع رَكْعَات على ذَلِك ليتصور الْفَرَاغ من الظّهْر فعلا ثمَّ لُزُوم الْعَصْر بعده وَهل تعْتَبر مُدَّة الْوضُوء مَعَ ذَلِك فعلى قَوْلَيْنِ

وَهَذِه الرَّكْعَات الْأَرْبَع فِي مُقَابلَة الظّهْر أَو الْعَصْر فعلى قَوْلَيْنِ مخرجين هَذَا إِذا زَالَ الْعذر قبل أَدَاء الصَّلَاة فَإِن زَالَ بعده وَذَلِكَ يتَصَوَّر فِي الصَّبِي يُصَلِّي ثمَّ يبلغ وَالْوَقْت بَاقٍ فَلَا يلْزمه الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة فَلَو صلى الظّهْر فَبلغ وَوقت الْجُمُعَة قَائِم قَالَ ابْن الْحداد تلْزمهُ الْجُمُعَة وَهُوَ غلط عِنْد الْأَكْثَرين وَمِنْهُم من وَجهه بِأَن الصَّبِي مَضْرُوب على ترك حُضُور الْجُمُعَة والمتعدي بِالظّهْرِ قبل الْجُمُعَة لَا يَصح ظَهره على وَجه وَلَو بلغ الصَّبِي بِالسِّنِّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أتمهَا وَلَو بلغ فِي أثْنَاء يَوْم من رَمَضَان وَهُوَ صَائِم فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَمِنْهُم من علل بِوُقُوعِهِ عَن الْفَرْض وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ لم يدْرك وقتا يتَصَوَّر فِيهِ الشُّرُوع فِي الْعِبَادَة وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي الصَّبِي الْمُفطر إِذا بلغ وللعراقيين وَجه أَن الصَّبِي تلْزمهُ إِعَادَة الصَّلَاة وَإِن بلغ بعد الْأَدَاء الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَخْلُو أول الْوَقْت فَإِذا طَرَأَ الْحيض فَإِن مضى من الْوَقْت قبله

مَا يسع الصَّلَاة لَزِمته وَإِن كَانَ أقل فَلَا بِخِلَاف آخر الْوَقْت فَإِن الشُّرُوع فِي آخر الْوَقْت يُمكن إِتْمَامه بِمَا بعد الْوَقْت وَهَاهُنَا لَا يُمكن فِي زمَان الْحيض وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه لَا تلْزمهُ مَا لم يدْرك جَمِيع الْوَقْت أَو آخِره وَأما الْعَصْر فَلَا يلْزم بِإِدْرَاك جُزْء من أول الظّهْر لِأَن وَقت الظّهْر لَا يصلح للعصر مَا لم يَقع الْفَرَاغ من فعل الظّهْر بِخِلَاف وَقت الْعَصْر وَذهب أَبُو يحيى الْبَلْخِي إِلَى أَن أول الظّهْر فِي إِدْرَاك الْعَصْر كآخر الْعَصْر فِي إِدْرَاك الظّهْر الْحَالة الثَّالِثَة أَن يعم الْعذر جَمِيع الْوَقْت فَيسْقط الْقَضَاء بِالْحيضِ وَالْجُنُون وَالْكفْر والصبى وَلَا تلتحق الرِّدَّة بالْكفْر بل يجب الْقَضَاء على الْمُرْتَد نعم الصَّبِي

وَإِن لم يكن عَلَيْهِ قَضَاء وَلَكِن يُؤمر بِالصَّلَاةِ بعد سبع سِنِين وَيضْرب على تَركهَا بعد عشر سِنِين وَالْإِغْمَاء فِي معنى الْجُنُون قل أَو كثر أما الشُّكْر وَزَوَال الْعقل بِسَبَب محرم كشرب بنج أَو تردية من مَكَان فَلَا يسْقط الْقَضَاء فرع لَو سكر ثمَّ جن فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه إِلَّا قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي وَقت السكر وَقيل يجب قَضَاء أَيَّام الْجُنُون لاتصاله بالسكر وَلَو ارْتَدَّ ثمَّ جن يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَ فِي وَقت الرِّدَّة وَقيل يجب قَضَاء مَا فَاتَ فِي الْجُنُون لِأَن حكم الرِّدَّة مُسْتَمر فِي الْجُنُون وَلَو ارْتَدَّت أَو سكرت ثمَّ حَاضَت لَا يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض لِأَن سُقُوط الْقَضَاء عَن الْمَجْنُون رخصَة وَعَن الْحَائِض عَزِيمَة

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وهى خَمْسَة اثْنَان مِنْهَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ فهما من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَوجه تَعْلِيقهَا بِالْفِعْلِ أَنه يتمادى بالبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت

وَيقصر بِالتَّأْخِيرِ وَثَلَاث مِنْهَا تتَعَلَّق بِالْوَقْتِ وَهُوَ وَقت طُلُوع الشَّمْس والاستواء والغروب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا دنت للغروب قارنها وَإِذا غربت فَارقهَا وَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات

فَأَما المنوط بالطلوع فَمن وَقت بَدو إشراق الشَّمْس إِلَى طُلُوع قرصها وَقيل يَمْتَد إِلَى اسْتِيلَاء سُلْطَان الشَّمْس لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا

وَأما الاسْتوَاء فعبارة عَن وَقت وقُوف الظل قبل ظُهُور الزِّيَادَة أما الْغُرُوب فَتدخل كراهيته باصفرار الشَّمْس إِلَى تَمام الْغُرُوب وَيسْتَثْنى من هَذِه الْكَرَاهِيَة من الصَّلَوَات مَا لَهَا سَبَب وَمن الْأَيَّام الْجُمُعَة وَمن الْبِقَاع مَكَّة أما الأول فَلَمَّا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رأى قيس بن قهد يُصَلِّي بعد

الصُّبْح فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ رَكعَتَا الْفجْر فَلم يُنكر فَفِي مَعْنَاهُمَا كل مَا لَهُ سَبَب كالفائتة وَصَلَاة الْجِنَازَة وَسُجُود التِّلَاوَة وتحية الْمَسْجِد وَأما رَكعَتَا الْإِحْرَام فَيكْرَه لِأَن سَببهَا الْإِحْرَام وَهُوَ عذر مُتَأَخّر وَفِي الاسْتِسْقَاء تردد لِأَن تَأْخِيره مُمكن

وَأما اسْتثِْنَاء الْجُمُعَة فَلَمَّا روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أَنه نهى عَن الصَّلَاة نصف النَّهَار حَتَّى تَزُول الشَّمْس إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَقيل يخْتَص ذَلِك بِمن يَغْشَاهُ النعاس فيقصد طرده بِرَكْعَتَيْنِ وَقيل إِنَّه لَا يخْتَص بِهِ بل هُوَ خاصية يَوْم الْجُمُعَة

فَأَما اسْتثِْنَاء مَكَّة فَلَمَّا رُوِيَ عَن أبي ذَر أَنه أَخذ بِعضَادَتَيْ الْكَعْبَة وَقَالَ من عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا جُنْدُب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس إِلَّا بِمَكَّة وَلذَلِك لَا يكره الطّواف فِي سَائِر الْأَوْقَات لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا بني عبد منَاف من ولي مِنْكُم من أُمُور النَّاس شَيْئا فَلَا يمنعن أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار

قَاعِدَة لَو تحرم بِالصَّلَاةِ فِي وَقت الْكَرَاهِيَة فَفِي الِانْعِقَاد وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالصَّلَاةِ فِي الْحمام وَالدَّار الْمَغْصُوبَة وَالثَّانِي لَا كَصَوْم يَوْم الْعِيد فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد لم تلْزم بِالنذرِ فَأَما أَدَاء الْمَنْذُورَة فِيهَا فَجَائِز لِأَن النّذر سَبَب كالقضاء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَذَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَذَان سنة مُؤَكدَة وَقيل إِنَّه فرض كِفَايَة وَلَو امْتنع عَنهُ أهل بَلْدَة يُقَاتلُون عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من شَعَائِر الْإِسْلَام وَالصَّحِيح أَنهم لَا يُقَاتلُون لِأَنَّهُ سنة وَالْأَصْل فِيهِ أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شاور أَصْحَابه فِي أَمارَة ينصبونها لحضور الْجَمَاعَات فَذكر النَّار والناقوس فَذكر النَّصَارَى وَالْمَجُوس فَتَفَرَّقُوا عَن غير اتِّفَاق رَأْي فَقَالَ عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ كنت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان

إِذْ نزل ملك من السَّمَاء عَلَيْهِ ثِيَاب خضر وَبِيَدِهِ ناقوس فَقلت أتبيع هَذَا الناقوس مني فَقَالَ وَمَا تصنع بِهِ مني فَقلت أضْرب بِهِ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَو لَا أدلك على خير من ذَلِك فَقلت بلَى فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَقَالَ الله أكبر وسرد الْأَذَان ثمَّ اسْتَأْخَرَ غير بعيد فَأَقَامَ فَأَصْبَحت وحكيت الرُّؤْيَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رُؤْيا صدق إِن شَاءَ الله ألقه على بِلَال فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك فَقلت ائْذَنْ لي مرّة وَاحِدَة فَأَذنت بِإِذْنِهِ فَلَمَّا سمع عمر صوتي خرج يجر رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُول وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رَأَيْت مثل مَا أرى فَقَالَ الْحَمد لله فَذَاك أثبت ثمَّ أَتَاهُ بضعَة عشر من الصَّحَابَة قد رَأْي كلهم مثل ذَلِك هَذَا تمهيد الْبَاب ومقصوده يحصره ثَلَاثَة فُصُول

الْفَصْل الأول فِي الْمحل الَّذِي يشرع فِيهِ الْأَذَان وَهُوَ جمَاعَة الرِّجَال فِي كل مَفْرُوضَة مُؤَدَّاة وَفِي الضَّابِط قيود أَرْبَعَة الأول الْجَمَاعَة فالمنفرد فِي بَيته أَو فِي سفر إِذا لم يبلغهُ نِدَاء الْمُؤَذّن فِيهِ قَولَانِ الْجَدِيد أَنه يُؤذن وَيُقِيم لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأبي سعيد الْخُدْرِيّ إِنَّك رجل تحب الْبَادِيَة وَالْغنم فَإِذا دخل وَقت الصَّلَاة فَأذن وارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع صَوْتك شجر وَلَا مدر وَلَا حجر إِلَّا شهد لَك يَوْم الْقِيَامَة وَفِي الْقَدِيم لَا يشرع لِأَن مَقْصُوده الإبلاغ فَيخْتَص بِالْجَمَاعَة

وَقيل إِن كَانَ يَرْجُو حُضُور جمع يُؤذن وَإِلَّا فَلَا وَكَانَ الْخُدْرِيّ يَرْجُو حُضُور غلمانه ثمَّ الصَّحِيح أَنه يسْتَحبّ رفع الصَّوْت وَإِن كَانَ مُنْفَردا أما إِذا بلغه نِدَاء الْبَلَد فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى أَن لَا يُؤذن اكْتِفَاء بالنداء الْعَام وَإِن أذن فَأولى بألا يرفع الصَّوْت الْقَيْد الثَّانِي الرِّجَال فَفِي أَذَان الْمَرْأَة فِي الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تؤذن وتقيم وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِث تقيم وَلَا تؤذن ثمَّ هى مَمْنُوعَة عَن رفع الصَّوْت منع تَحْرِيم الْقَيْد الثَّالِث الْمَفْرُوضَة فَلَا أَذَان فِي جمَاعَة النَّوَافِل كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء والجنازة والعيد بل يُنَادى الصَّلَاة جَامِعَة

الْقَيْد الرَّابِع المؤداة أما الغائبة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنه يُقيم لَهَا وَلَا يُؤذن لِأَن الْإِقَامَة للشروع وَالْأَذَان للإبلاغ وَالْقَدِيم أَنه يُؤذن وَيُقِيم نظرا إِلَى حُرْمَة الصَّلَاة وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء أَنه إِن كَانَ يَرْجُو جمَاعَة أذن وَإِلَّا اقْتصر على الْإِقَامَة فَإِن قُلْنَا يُؤذن فَلَو كَانَ يُؤَدِّي فوائت فَلَا يُؤذن إِلَّا مرّة وَاحِدَة لَا سَبِيل إِلَى مُوالَاة أذانين فِي وَقت وَاحِد

وَلَو قدم الْعَصْر إِلَى وَقت الظّهْر يُؤذن لِلظهْرِ أَولا وَيُقِيم للعصر بعده وَلَا يُؤذن فَإِن أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَإِن قُلْنَا يُؤذن كالفائتة فَيُؤذن لِلظهْرِ ثمَّ يُقيم للعصر بعده وَإِن قُلْنَا لَا يُؤذن للفائتة فَلَا يُؤذن لِلظهْرِ لِأَنَّهَا كالفائتة ثمَّ لَا يُؤذن للعصر أَيْضا كَيْلا تَنْقَطِع الْمُوَالَاة بَين الصَّلَاتَيْنِ وَيشْهد لَهُ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي وَقت الظّهْر بِعَرَفَة بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَأخر الْمغرب إِلَى الْعشَاء بِمُزْدَلِفَة بإقامتين

فرع الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِي الْمَسْجِد المطروق هَل يُؤذن لَهَا فِيهِ قَولَانِ نقلهما صَاحب التَّقْرِيب أَحدهمَا لَا فَإِن كل وَاحِد من الْجمع مدعُو بِالْأَذَانِ الأول مُجيب وَالثَّانِي نعم لِأَن الدعْوَة الأولى تمت بالإجابة الأولى ثمَّ إِذا قُلْنَا هَاهُنَا وَفِي الْمُنْفَرد إِنَّه لَا يُؤذن فَفِي الْإِقَامَة خلاف

الْفَصْل الثَّانِي فِي صفة الْأَذَان ويشرع فِيهِ أُمُور خَمْسَة الأول الْأَذَان مثنى مَعَ الترتيل وَالْإِقَامَة فُرَادَى مَعَ الإدراج بأخبار صحت فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِقَامَة كالأذان إِلَّا فِي الترتيل

وَبَالغ مَالك فِي الْإِفْرَاد وَاكْتفى بقوله الله أكبر مرّة وَاحِدَة الثَّانِي الترجيع مَأْمُور بِهِ لقَوْل أبي مَحْذُورَة عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان تسع عشرَة كلمة وكيفيته أَن يذكر كلمتي الشَّهَادَة مَعَ خفض الصَّوْت مرَّتَيْنِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ وَيرْفَع الصَّوْت وَالأَصَح أَنه لَيْسَ ركنا إِذْ لَا إبلاغ فِيهِ الثَّالِث التثويب فِي أَذَان الصُّبْح مَشْرُوع على الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد أكره ذَلِك لِأَن أَبَا مَحْذُورَة لم يحكه

وَالْفَتْوَى على الْقَدِيم لِأَنَّهُ صَحَّ عَن أبي مَحْذُورَة وَإِن لم يبلغ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تمّ الْمَشْهُور أَنه لَيْسَ ركنا وَجها وَاحِدًا وَفِيه احْتِمَال الرَّابِع الْقيام واستقبال الْقبْلَة فِي جَمِيع الْأَذَان مَشْرُوع وَهل يعْتد بِالْأَذَانِ دونهمَا فعلى وَجْهَيْن

ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حُصُول مَقْصُود الإبلاغ دونهمَا وَفِي الثَّانِي إِلَى اسْتِمْرَار الْخلق عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالْقعُود بَينهمَا وعَلى الْوَجْهَيْنِ يسْتَحبّ أَن يَقُول حَيّ على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ ملتفتا إِلَى الْيَمين بِحَيْثُ لَا يحول صَدره على الْقبْلَة وَفِي حَيّ على الْفَلاح إِلَى الْيَسَار وَاخْتَارَ الْقفال أَنه يقسم الحيعلتين على الْجِهَتَيْنِ أما رفع الصَّوْت فركن إِذْ لَا يحصل الإبلاغ دونه ثمَّ لَا تتأدى سنة هَذَا الشعار إِلَّا بِأَن يعم صَوت المؤذنين جَمِيع أَطْرَاف الْبَلَد الْخَامِس يشْتَرط التَّرْتِيب والموالاة فِي كَلِمَات الْأَذَان فَإِن عكسها لم يعْتد بِهِ وَإِن طول السُّكُوت فِي أَثْنَائِهَا فَقَوْلَانِ وَوجه الْبطلَان أَنه يكَاد يفوت مَقْصُود الإبلاغ بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يبطل فَلَو تكلم فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة فَقَوْلَانِ وَلَو بنى عَلَيْهِ غَيره فَقَوْلَانِ مرتبان لزِيَادَة اللّبْس

وَلَو ارْتَدَّ وَطَالَ الزَّمَان فَقَوْلَانِ مرتبان على السُّكُوت وَلَو قصر الزَّمَان فَقَوْلَانِ وَوجه الْبطلَان أَن الرِّدَّة تحبط مَا مضى من الْعِبَادَة وَلَو تكلم فِي أثْنَاء الْأَذَان بِكَلَام يسير لم يضر إِلَّا إِذا رفع صَوته على حد الْأَذَان فَفِيهِ تردد لِأَنَّهُ يجر لبسا

الْفَصْل الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَذّن والمشروط ثَلَاث صِفَات أَن يكون مُسلما عَاقِلا ذكرا فَلَا يعْتد بِأَذَان الْكَافِر وَيتَصَوَّر ذَلِك مِنْهُ إِذا كَانَ عيسويا يعْتَقد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول الله إِلَى الْعَرَب

وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَجْنُون والسكران المخبط وَيصِح أَذَان الصَّبِي الْمُمَيز وَلَا يعْتد بِأَذَان الْمَرْأَة أَعنِي أَذَان الإبلاغ للرِّجَال إِذْ رفع الصَّوْت محرم عَلَيْهَا وَالصِّفَات المسنونة ثَلَاث الأولى الطَّهَارَة فيعتد بِأَذَان الْجنب والمحدث مَعَ كَرَاهِيَة وكراهية الْجنب أَشد والكراهية فِي الْإِقَامَة أَشد الثَّانِيَة أَن يكون صيتًا حسن الصَّوْت ليَكُون أرق لسامعيه الثَّالِثَة أَن يكون عدلا ثِقَة لإشرافه على بيُوت النَّاس ولتقلده عُهْدَة مَوَاقِيت الْعِبَادَات

مسَائِل ثَلَاثَة بهَا ختام الْبَاب الأولى أَن الْإِمَامَة أفضل من التأذين على الْأَصَح لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واظب على الْإِمَامَة وَلم يُؤذن وَقيل سَبَب ذَلِك أَنه لَو قَالَ حَيّ على الصَّلَاة للَزِمَ الْحُضُور وَقيل سَببه أَنه لَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله لخرج عَن جزل الْكَلَام

وَلَو قَالَ أشهد أَنِّي رَسُول الله لتغير نظم الْأَذَان الثَّانِيَة يسْتَحبّ أَن يكون فِي الْمَسْجِد المطروق مؤذنان أَحدهمَا للصبح قبل الْفجْر وَالْآخر بعده كعادة بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم وَإِذا كثر المؤذنون فَلَا يسْتَحبّ أَن يتراسلوا بل إِن وسع الْوَقْت ترتبوا وَإِن ضَاقَ أذنوا آحادا فِي أقطار الْمَسْجِد ثمَّ إِنَّمَا يُقيم من أذن أَولا فَإِن تساووا أَقرع بَينهم وَوقت الْإِقَامَة مَنُوط بِنَظَر الإِمَام وَوقت الْأَذَان مَنُوط بِنَظَر الْمُؤَذّن وَلَو سبق الْمُؤَذّن الرَّاتِب أَجْنَبِي بِالْأَذَانِ لم يسْتَحق ولَايَة الْإِقَامَة على الْأَصَح الثَّالِثَة للْإِمَام أَن يسْتَأْجر على الْأَذَان من بَيت المَال إِذا لم يجد مُتَطَوعا وَهل لآحاد النَّاس ذَلِك فِيهِ خلاف وَوجه الْمَنْع أَن الْفَائِدَة لَا تخْتَص بِهِ فَلَيْسَ لَهُ بذل المَال عوضا عَمَّا لَا يحصل لَهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَقْبل الصَّخْرَة من بَيت الْمُقَدّس مُدَّة مقَامه بِمَكَّة وَهِي قبْلَة الْأَنْبِيَاء وَكَانَ يقف بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين إِذْ كَانَ لَا يُؤثر استدبار الْكَعْبَة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة لم يُمكن استقبالها إِلَّا باستدبار الْكَعْبَة وعيرته الْيَهُود وَقَالُوا إِنَّه على ديننَا وَيُصلي إِلَى قبلتنا فَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يحوله إِلَى الْكَعْبَة فَنزل قَوْله تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة

ثمَّ للاستقبال ثَلَاثَة أَرْكَان الصَّلَاة الَّتِى فِيهَا الِاسْتِقْبَال والقبلة وَالْمُصَلي

الرُّكْن الأول الصَّلَاة وَيتَعَيَّن الِاسْتِقْبَال فِي فرائضها من أَولهَا إِلَى آخرهَا إِلَّا فِي شدَّة الْخَوْف حَال الْقِتَال

وَلَا يجوز أَدَاء الْفَرَائِض على الرَّاحِلَة وَأما الْمَنْذُور فَجَائِز إِن قُلْنَا يسْلك بِهِ مَسْلَك جَائِز الشَّرْع لَا مَسْلَك واجبه وَالأَصَح أَن صَلَاة الْجِنَازَة لَا تُقَام على الرَّاحِلَة لِأَن الرُّكْن الْأَظْهر فِيهَا الْقيام ثمَّ لَيْسَ منع الْفَرْض على الرَّاحِلَة للانحراف عَن الْقبْلَة فَقَط بل لَو صلى على بعير مَعْقُول أَو فِي أرجوحة معلقَة بالحبال لم تجز لِأَنَّهَا غير معدة للقرار بِخِلَاف

السَّفِينَة الْجَارِيَة والزورق المشدود على السَّاحِل لِأَنَّهَا كالسرير وَالْمَاء كالأرض والسفينة الْجَارِيَة تمس حَاجَة الْمُسَافِر إِلَيْهَا إِذْ الْخُرُوج إِلَى السَّاحِل مُتَعَذر للصَّلَاة وَفِي صَلَاة الْمُقِيم بِبَغْدَاد فِي الزواريق الْجَارِيَة مَعَ تَمام الِاسْتِقْبَال وَالْأَفْعَال تردد وَاحْتِمَال أما النَّوَافِل فَيجوز إِقَامَتهَا فِي السّفر الطَّوِيل رَاكِبًا وماشيا رخصَة وترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل روى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته أَنِّي تَوَجَّهت بِهِ دَابَّته

وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتر على الْبَعِير فاستدل بِهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه غير وَاجِب فِي السّفر الْقصير قَولَانِ

أَحدهمَا جَوَاز التنقل على الرَّاحِلَة لمسيس الْحَاجة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ تغير ظَاهر لهيئة الصَّلَاة فتختص بالطويل لَا الْقصير وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى جَوَاز ذَلِك للمقيم وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ثمَّ نظر فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة للمتنفل وَكَيْفِيَّة أَحْوَاله أما الِاسْتِقْبَال فَفِي ابْتِدَاء الصَّلَاة أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب الِاسْتِقْبَال عِنْد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ لَا عسر فِيهِ بِخِلَاف الدَّوَام فَأشبه النِّيَّة وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذِه الْحَاجة تعم جَمِيع الصَّلَاة الثَّالِث أَن الْعَنَان والزمام إِذا كَانَ بِيَدِهِ وَجب لتيسره وَإِن كَانَت الدَّابَّة مقطرة فَلَا الرَّابِع أَن وَجه الدَّابَّة إِن كَانَت إِلَى الْقبْلَة فَلَا يجوز تحريفها وَإِن كَانَ إِلَى الطَّرِيق فَلَا يلْزمه تحريفها إِلَى الْقبْلَة وَإِن كَانَ إِلَى غَيرهمَا فَلَا بُد من التحريف فليحرفها إِلَى الْقبْلَة ثمَّ ليستبد فِي الطَّرِيق

ثمَّ من أوجب فِي الِابْتِدَاء تردد فِي وَقت السَّلَام كَمَا فِي النِّيَّة أما دوَام الصَّلَاة فَلَا يجب الِاسْتِقْبَال فِيهَا لَكِن صوب الطَّرِيق بدل عَن الْقبْلَة فَلَو كَانَ رَاكب تعاسيف فَلَا يتَنَفَّل أصلا لِأَن الثُّبُوت فِي جِهَة لَا بُد مِنْهُ

فَلَو كَانَ لمقصده صوب وَلَكِن لم يسْلك طَرِيقا مَعْلُوما فَقَوْلَانِ فرع لَو انحرفت الدَّابَّة فِي أثْنَاء الصَّلَاة عَن صوب الطَّرِيق نظر فَإِن كَانَ بتحريفه عمدا وَلَو فِي لَحْظَة بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا للصَّلَاة وتدارك مَعَ قصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَفِيهِ خلاف وَمثله جَار فِي الاستدبار نَاسِيا ثمَّ إِذا لم تبطل يسْجد للسَّهْو وَإِن كَانَ بجماح الدَّابَّة بَطل إِن طَال الزَّمَان كَمَا إِذا أمال الْمُسْتَقْبل إِنْسَان

وَإِن قصر الزَّمَان فَوَجْهَانِ فِي الإمالة وَالظَّاهِر أَنه فِي الجماح أَنه لَا يبطل لِأَن جماح الدَّابَّة عَام ثمَّ هَاهُنَا لَا يسْجد للسَّهْو إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ أما كَيْفيَّة الْأَفْعَال فَإِن كَانَ فِي مرقد فليتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وَإِن كَانَ

على سرج أَو رَحل فينحني لَهما وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع وَلَا يلْزمه أَن ينحني بِحَيْثُ يُسَاوِي الساجد على الأَرْض وَلَا أَن تمس جَبهته شَيْئا لِأَن نزقات الدَّابَّة لَا تؤمن أما الْمَاشِي فيتنفل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَحكم استقباله حكم رَاكب بِيَدِهِ زِمَام دَابَّته وَنقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمَاشِي يرْكَع وَيسْجد وَيقْعد ويستقر لابثا فِي هَذِه الْأَركان وَلَا يمشي إِلَّا فِي حَالَة الْقيام قَارِئًا

وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه لَا يلبث ويقتصر على الْإِيمَاء بِالسُّجُود وَالرُّكُوع كَيْلا يتعطل مَقْصُود السّفر فرعان الأول لَو مسي فِي نَجَاسَة قصدا فَسدتْ صلَاته بِخِلَاف مَا لَو وطئ فرسه نَجَاسَة وَلَا يُكَلف الْمَاشِي أَن يُبَالغ فِي التحفظ عَن النَّجَاسَات الْيَابِسَة فَإِن ذَلِك مِمَّا يكثر فِي الطّرق الثَّانِي لَو عزم على الْإِقَامَة وَهُوَ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهُ أَن يتمم رَاكِبًا

بل عَلَيْهِ أَن ينزل ويتمم وَإِن لم يعزم على الْإِقَامَة وَهُوَ مُتَرَدّد لِحَاجَتِهِ فِي الْبَلَد أَو وَاقِف على رجله فَلهُ أَن يتمم

الرُّكْن الثَّانِي الْقبْلَة وفيهَا مسَائِل تتشعب من موقف الْمُسْتَقْبل الْموقف الأول جَوف الْكَعْبَة فالواقف فِيهَا لَهُ أَن يسْتَقْبل أَي جِدَار شَاءَ وَلَهُم عقد الْجَمَاعَة متدابرين مُسْتَقْبلين للجدران وَلَو اسْتقْبل الْبَاب وَهُوَ مَرْدُود صَحَّ لِأَنَّهُ من أَجزَاء الْبَيْت وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا والعتبة مُرْتَفعَة قدر مؤخرة الرحل جَازَ وَإِن كَانَت أقل فَلَا وَلَو انْهَدَمت الْكَعْبَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَوقف فِي وسط الْعَرَصَة لم تصح صلَاته إِلَّا أَن يكون بَين يَدَيْهِ شَجَرَة أَو بَقِيَّة من حيطان الْبَيْت

وَخرج ابْن سُرَيج قولا إِنَّه يَصح صلَاته لِأَن بَين يَدَيْهِ أَرض الْكَعْبَة وَهُوَ مستعل عَلَيْهَا الْموقف الثَّانِي سطح الْكَعْبَة وَلَا تصح الصَّلَاة عَلَيْهَا إِن لم يكن بَين يَدَيْهِ شئ شاخص من نفس الْكَعْبَة كسترة أَو خَشَبَة لِأَنَّهُ لَا يُسمى مُسْتَقْبلا بِخِلَاف مَا لَو وقف على أبي قبيس والكعبة تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يُسمى مُسْتَقْبلا لِخُرُوجِهِ مِنْهَا وَلَو وضع بَين يَدَيْهِ شَيْئا لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءا وَلَو غرز بَين يَدَيْهِ خَشَبَة فَوَجْهَانِ لِأَن الْمُثبت بالغرز قد يعد من أَجزَاء الْبناء

الثَّالِث الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد يلْزمه محاذاة الْكَعْبَة فَلَو وقف على طرف وَنصف بدنه فِي محاذاة ركن فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان وَلَو امْتَدَّ صف مستطيل قريب من الْبَيْت فالخارجون عَن سمت الْبَيْت ومحاذاته لَا صَلَاة لَهُم وَهَؤُلَاء بعينهم قد يفْرض تراخيهم إِلَى آخر بَاب الْمَسْجِد فَتَصِح صلواتهم لحُصُول صُورَة الِاسْتِقْبَال من حَيْثُ الِاسْم الرَّابِع الْوَاقِف بِمَكَّة خَارج الْمَسْجِد يَنْبَغِي أَن يُسَوِّي محرابه بِنَاء على عيان الْكَعْبَة فَإِن دخل بَيْتا وَلم يقدر على مُعَاينَة الْكَعْبَة لتسوية الْقبْلَة فَلهُ أَن يسْتَدلّ على الْكَعْبَة بِمَا يدل عَلَيْهِ الْخَامِس الْوَاقِف بِالْمَدِينَةِ ينزل محراب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقه منزلَة الْكَعْبَة إِذْ لَا يُمكن الْخَطَأ فِيهِ وَلَا يجوز الِاجْتِهَاد فِيهِ بالتيامن والتياسر

أما فِي سَائِر الْبِلَاد فَيجوز الِاعْتِمَاد على الْمِحْرَاب الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَالظَّاهِر جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي التَّيَامُن والتياسر وَقيل إِن ذَلِك مَمْنُوع

الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن كَانَ قَادِرًا على معرفَة جِهَة الْقبْلَة يَقِينا لم يجز لَهُ الِاجْتِهَاد فَإِن عجز عَن الْيَقِين اجْتهد فَإِن عجز عَن الِاجْتِهَاد بالعمى فليقلد شخصا مُكَلّفا مُسلما عَارِفًا بدلائل الْقبْلَة أما الْمُجْتَهد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُقَلّد غَيره فَإِن ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْت وَهُوَ مار فِي نظره فَهُوَ كمن يتناوب مَعَ جمع على بِئْر وَعلم أَن النّوبَة لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْوَقْت وَقد ذكرنَا حكمه وَإِن ارتج عَلَيْهِ طَرِيق الصَّوَاب وتحير فَفِي تَقْلِيده

خلاف وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ جَوَازه لِأَنَّهُ الْآن كالأعمى وَمِنْهُم من منع لِأَنَّهُ نَاظر والتقليد لَا يَلِيق بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يُقَلّد فيصلى على حسب حَاله ثمَّ يقْضِي كالأعمى إِذْ لم يجد من يرشده وَالأَصَح أَنه يُقَلّد وَلَكِن يقْضى لِأَن هَذَا عذر نَادِر أما الْبَصِير الْجَاهِل بالأدلة فيبتنى أمره على أَن تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة هَل يتَعَيَّن وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا يتَعَيَّن فالتقليد لَا يسْقط الْقَضَاء عَنهُ لِأَنَّهُ مقصر وَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يتَعَيَّن فَهُوَ كالأعمى

هَذَا بَيَان مَحل التَّقْلِيد وَالِاجْتِهَاد فَأَما حكم الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا بنى عَلَيْهِ لم يلْزمه قَضَاء الصَّلَاة إِلَّا إِذا تعين لَهُ الْخَطَأ وَبَان جِهَة الصَّوَاب فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَنَّهُ أدّى مَا كلف وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة والمزني وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ فَاتَ الْمَقْصُود وَالْقَوْلَان جاريان فِي الِاجْتِهَاد فِي الْأَوَانِي وَالثيَاب وَكَذَا فِي وَقت الصَّوْم وَالصَّلَاة إِن بَان لَهُ أَنه أداهما قبل الْوَقْت فَأَما إِذا وَقع بعد الْوَقْت فَلَا قَضَاء هَذَا فِيمَن عجز عَن دَرك الْيَقِين فِي الْوَقْت فَأَما من اجْتهد فِي أول الْوَقْت وَهُوَ مُتَمَكن من الصَّبْر فَالْأَوْجه أَن يُقَال اجْتِهَاده صَحِيح بِشَرْط الْإِصَابَة وسلامة الْعَاقِبَة أما إِذا بَان الْخَطَأ يَقِينا وَلم تظهر لَهُ جِهَة الصَّوَاب إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَفِي

الْقَضَاء قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْخَطَأ أَيْضا مُمكن فِي الْقَضَاء فَأشبه خطأ الحجيج يَوْم عَرَفَة أما إِذا تغير حَاله فِي الصَّلَاة بِأَن تَيَقّن أَنه مستدبر للكعبة فَإِن أَوجَبْنَا الْقَضَاء بطلت صلَاته وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف وَإِن قُلْنَا لَا قَضَاء فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا أَنه يتَحَوَّل إِلَى الْجِهَة الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه يسْتَأْنف لِأَن الْجمع فِي صَلَاة واحده بَين جِهَتَيْنِ مستنكر وَلَو تبين بِالِاجْتِهَادِ أَنه مستدبر فَحكمه حكم التيقن أما إِذا ظهر الْخَطَأ يَقِينا أَو ظنا وَلَكِن لم تظهر جِهَة الصَّوَاب فَإِن طَال زمَان التحير بَطل وَإِن قصر فَقَوْلَانِ ثمَّ حد الطول أَن يمْضِي ركن أَو وَقت مُضِيّ ركن وَالْقصر دون ذَلِك فَإِن عجز عَن الدَّرك بِالِاجْتِهَادِ على الْقرب بطلت صلَاته وَإِن قدر على ذَلِك فَفِي الْبطلَان قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لأجل التحير ثمَّ مُدَّة الْقرب تعْتَبر بِمَا إِذا صرف وَجه

الْمُصَلِّي عَن الْقبْلَة قهرا هَذَا كُله فِي الْخَطَأ فِي الْجِهَة فَإِن بَان لَهُ الْخَطَأ فِي التَّيَامُن والتياسر فَهَذَا هَل

يُؤثر فِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الْمَطْلُوب جِهَة الْكَعْبَة أَو عينهَا هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَفِيه نظر لِأَن الْجِهَة لَا تَكْفِي بِدَلِيل الْقَرِيب من الْكَعْبَة إِذْ خرج عَن محاذاة

الرُّكْن فَإِنَّهُ لَا تصح صلَاته مَعَ اسْتِقْبَال الْجِهَة ومحاذاة الْعين أَيْضا لَيْسَ بِشَرْط

فَإِن الصَّفّ الطَّوِيل فِي آخر الْمَسْجِد لَو تزاحفوا إِلَى الْكَعْبَة خرج بَعضهم عَن محاذاة الْعين وَتَصِح صلَاتهم فَكيف الصَّفّ الطَّوِيل فِي أقْصَى الْمشرق فَلَعَلَّ مُرَاد الْأَصْحَاب أَن بَين موقف المحاذي الذى يَقُول الحاذق فِيهِ إِنَّه على غَايَة السداد وَبَين موقفه الذى يُقَال فِيهِ إِنَّه خرج عَن اسْم الِاسْتِقْبَال بِالْكُلِّيَّةِ مَوَاقِف يُقَال فِيهَا إِن بَعْضهَا أَسد من بعض وَإِن كَانَ الْكل سديدا فَطلب الْأسد هَل يجب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لإمكانه وَالثَّانِي لَا لِأَن حَقِيقَة الْمُحَاذَاة فِي الْمَسْجِد مُمكن ثمَّ لم تجب اكْتِفَاء بِالِاسْمِ فَكَذَا هَاهُنَا فروع أَرْبَعَة الأول لَو صلى أَربع صلوَات إِلَى أَربع جِهَات بِأَرْبَع اجتهادات فالنص أَنه لَا قَضَاء قولا وَاحِدًا لِأَن الْخَطَأ لم يتَعَيَّن وَخرج صَاحب التَّقْرِيب أَنه يقْضِي الْكل كَمَا لَو نسي ثلث صلوَات من أَربع صلوَات الثَّانِي إِذا صلى الظّهْر بِاجْتِهَاد فَهَل يلْزمه اسْتِئْنَاف الِاجْتِهَاد للعصر فعلى وَجْهَيْن ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى تعدد الصَّلَاة وَإِمْكَان تغير الِاجْتِهَاد وَفِي الثَّانِي إِلَى اتِّحَاد الْقبْلَة واتحاد الْمَكَان الثَّالِث إِذا أدّى اجْتِهَاد رجلَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ فَلَا يَقْتَدِي أَحدهمَا بِالْآخرِ

الرَّابِع إِذا تحرم الْمُقَلّد بِالصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ من هُوَ دون مقلده أَو مثله أَخطَأ بك فلَان لم يلْزمه قبُوله وَإِن كَانَ أعلم مِنْهُ فَهُوَ كتغير اجْتِهَاد الْبَصِير فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَلَو قطع بخطئه وَقَالَ الْقبْلَة وَرَاءَك وَهُوَ عدل فَيلْزمهُ الْقبُول لِأَن قطعه أرجح من ظن غَيره وَلَو قَالَ بَصِير للأعمى المتلبس بِالصَّلَاةِ أَنْت مُسْتَقْبل الشَّمْس وَعلم الْأَعْمَى أَن الْقبْلَة لَيست فِي جِهَة الشَّمْس فَعَلَيهِ قبُوله لِأَن هَذَا إِخْبَار عَن محسوس لَا اجْتِهَاد

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأفعال الصَّلَاة تَنْقَسِم إِلَى أَرْكَان وأبعاض وَسنَن وهيئات

أما الْأَركان فأحد عشر التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة وَالرُّكُوع والاعتدال مِنْهُ مَعَ الطُّمَأْنِينَة فيهمَا وَالسُّجُود والقعدة بَين السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الطُّمَأْنِينَة وَالتَّشَهُّد الْأَخير وَالْقعُود فِيهِ والصلاه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام وَأما النِّيَّة فبالشروط أشبه كاستقبال الْقبْلَة وَالطَّهَارَة وَلَو كَانَت النِّيَّة ركنا لافتقرت إِلَى نِيَّة

وَأما الأبعاض فِيمَا ينجبر تَركه بسجود السَّهْو وَهُوَ أَرْبَعَة الْقُنُوت وَالتَّشَهُّد الأول وَالْقعُود فِيهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أحد الْقَوْلَيْنِ وَأما الهيئات فَمَا لَا يجْبر تَركهَا بِالسُّجُود كتكبير الِانْتِقَالَات والتسبيحات فلنورد هَذِه الْأَركان بسننها على ترتيبها القَوْل فِي النِّيَّة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي أصل النِّيَّة وَالصَّلَاة بالِاتِّفَاقِ مفتقرة إِلَى النِّيَّة فِي ابتدائها وَلَا يضر غُرُوبهَا فِي أثْنَاء الصَّلَاة نعم لَو طَرَأَ مَا يُنَاقض جزم النِّيَّة بَطل وَذَلِكَ من ثَلَاثَة أوجه الأول لَو أَن يجْزم نِيَّة الْخُرُوج فِي الْحَال أَو فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة أَو يتَرَدَّد فِي

الْخُرُوج بطلت صلَاته وَلَو تردد فِي الْخُرُوج عَن الصَّوْم لم يبطل وَلَو جزم نِيَّة الْخُرُوج فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن الصَّوْم لَيْسَ لَهُ عقد وَتحرم وتحلل وَلذَلِك يَنْتَهِي بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس فَلَا يُؤثر فِيهِ مُجَرّد الْقَصْد الثَّانِي أَن يعلق نِيَّة الْخُرُوج بِدُخُول شخص فَفِي بُطْلَانه فِي الْحَال وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل لِأَنَّهُ نَاقض حزم النِّيَّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يدْخل ذَلِك الشَّخْص وَهُوَ فِي الْحَال مُسْتَمر وَالثَّالِث أَن يشك فِي نِيَّة الصَّلَاة فَإِن مضى مَعَ الشَّك ركن لَا يُزَاد مثله فِي الصَّلَاة كركوع أَو سُجُود بطلت صلَاته لِأَنَّهُ ذَلِك لَا يعْتد بِهِ وَلَا سَبِيل إِلَى إِعَادَته وَفِيه احْتِرَاز قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَمد الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَإِن لم يمض ركن وَقصر الزَّمَان لم تبطل وَإِن طَال فَوَجْهَانِ كالوجهين فِي الْكَلَام الْكثير مَعَ النسْيَان النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة النِّيَّة أما الْفَرْض فِي الْعبارَة عَن نِيَّته أَن يَقُول أؤدي الظّهْر فرض الْوَقْت لله تَعَالَى

فيتعرض بقوله {أَوديَة} لأصل الْفِعْل وللأداء وَهَذَا بِشَرْط أَن يخْطر بِقَلْبِه كَونه فِي الْوَقْت إِذْ الْأَدَاء قد يعبر بِهِ عَن الْقَضَاء ويتعرض بالفرضية لنفي النَّفْل وتمييز الظّهْر عَن الْعَصْر وَغَيره بِذكر الظّهْر وكل ذَلِك وَاجِب إِلَّا الْفَرْضِيَّة وَالْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى ففيهما وَجْهَان وَوجه كَونه سنة أَن صَلَاة الظّهْر لَا تقع إِلَّا فرضا لله تَعَالَى ثمَّ هَذِه النِّيَّة محلهَا الْقلب وَلَيْسَ فِيهَا نطق ونظم حُرُوف لَا بِالْقَلْبِ وَلَا بِاللِّسَانِ نعم يسْتَحبّ مساعدة اللِّسَان الْقلب فِيهَا وَقد قَالَ الشَّافِعِي ينْعَقد إِحْرَام الْحَج بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ بِخِلَاف الصَّلَاة فغلط من ظن أَنه شَرط اللَّفْظ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْفرق بَين التَّكْبِير والتلبية أما النَّوَافِل فرواتبها يجب فِيهَا التَّعْيِين بِالْإِضَافَة وَغير الرَّوَاتِب تَكْفِي فِيهَا نِيَّة

الصَّلَاة مُطلقَة وَلَو نرى الْفَرْض قَاعِدا وَهُوَ قَادر على الْقيام لم ينْعَقد فَرْضه وَهل ينْعَقد نفلا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن مَا نَوَاه لم ينْعَقد فَكيف يحصل غَيره وَالثَّانِي نعم لِأَن التَّعَذُّر فِي وصف الْفَرْضِيَّة فَيبقى أصل الصَّلَاة وَيشْهد لذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على جَوَاز قلب الْفَرْض نفلا وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَن تحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال والمسبوق إِذا وَقع تحرمه فِي الرُّكُوع أَو قلب الْمُصَلِّي ظَهره عصرا أَو وجد الْعَاجِز خفَّة فِي الصَّلَاة فَلم يقم فَإِن الْفَرْض يفوت فِي هَذِه الصُّورَة فِي بَقَاء النَّفْل قَولَانِ

النّظر الثَّالِث فِي وَقت النِّيَّة وَهُوَ وَقت التَّكْبِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَنْوِي مَعَ التَّكْبِير لَا قبله وَلَا بعده وَذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يبسط النِّيَّة على التَّكْبِير بِحَيْثُ ينطبق أَوله على أَوله وَآخره على آخِره

وَالثَّانِي أَن تقرن بِهَمْزَة التَّكْبِير ثمَّ هَل يشْتَرط استدامتها إِلَى آخر التَّكْبِير فِيهِ فَوَجْهَانِ

وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين التَّقْدِيم والبسط لِأَن الْأَوَّلين تساهلوا فِيهِ وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن النِّيَّة قصد وَلَكِن شَرطه الْإِحَاطَة بِصِفَات الْمَقْصُود وَهُوَ كَون الصَّلَاة ظهرا وَأَدَاء وَغير ذَلِك وَرُبمَا يعسر إِحْضَار عُلُوم مُتعَدِّدَة فِي وَقت وَاحِد فالمقصود أَن يتَمَثَّل لَهُ إِحْضَار هَذِه المعلومات عِنْد أول التَّكْبِير ويقرن الْقَصْد بِهِ ويستديم الْعلم إِلَى آخر التَّكْبِير وَكَذَا الْقَصْد أَي لَا يغْفل وَلَا يعرض عَن قَصده فَإِن لم يتم كُله إِلَّا عِنْد آخر التَّكْبِير فَفِي جَوَازه تردد وَوجه الِاكْتِفَاء أَن آخر التَّكْبِير وَقت الِانْعِقَاد وَمن شَرط الاقتران بِالْأولِ نظر إِلَى أول سَبَب الِانْعِقَاد وَمن خير رفع هَذِه المضايقة وَهُوَ الأولى بِدَلِيل تساهل الْأَوَّلين فِيهِ القَوْل فِي التَّكْبِير وسننه وَالنَّظَر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز أما الْقَادِر فَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَقُول الله أكبر بِعَيْنِه من غير قطع وَلَا عكس وَمعنى التَّعْيِين أَنه لَو قَالَ الله أجل أَو الرَّحْمَن أعظم لَا يقوم مقَامه وَكَذَا

تَرْجَمته خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قَالَ الله أكبر صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَاد مَا لم يُغير الْمَعْنى وَالنّظم وَلَو قَالَ الله الْجَلِيل أكبر فَوَجْهَانِ لِأَن الزِّيَادَة مفيدة مُغيرَة للنظم وَالْعَكْس أَن يَقُول الْأَكْبَر الله فالنص أَنه لَا يجوز وَنَصّ فِي قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام أَنه يجوز فَقيل لِأَن ذَلِك يُسمى تَسْلِيمًا وَهَذَا لَا يُسمى تَكْبِيرا وَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج مأخذهما أَن التَّرْتِيب هَل هُوَ شَرط بَين الْكَلِمَتَيْنِ أما الْعَاجِز فَيَأْتِي بترجمته وَلَا يُجزئهُ ذكر آخر لَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِخِلَاف الْعَاجِز عَن الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يعدل إِلَى ذكر آخر لَا إِلَى ترجمتها لِأَن مقصودها

النّظم المعجز وَقد فَاتَ وَهَذَا الْمَعْنى مَقْصُود ظَاهر فرع البدوي يلْزمه أَن يقْصد بَلْدَة لتعلم كلمة التَّكْبِير وَلَا يلْزمه ذَلِك عِنْد فقد المَاء لأجل الْوضُوء لِأَن التَّعَلُّم يبْقى وَالْوُضُوء يعرض الانتقاض وفيل بالتسوية لِأَن التَّسْوِيَة فِي حَقه كالتيمم أما سنة التَّكْبِير فَرفع الْيَدَيْنِ مَعَه وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ حَالَة التَّحَرُّم وهيئتها أَن يتْرك الْأَصَابِع منشورة وَلَا يتَكَلَّف ضمهَا وتفريجها وفيهَا ثَلَاث مسَائِل الأولى فِي قدر الرّفْع فَفِي قَول يرفع إِلَى حَذْو الْمَنْكِبَيْنِ رَوَاهُ أَبُو حميد

السَّاعِدِيّ فِي عشْرين من جملَة الصَّحَابَة

وَالثَّانِي أَنه يرفع بِحَيْثُ تحاذي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وَكَفاهُ مَنْكِبَيْه وَقيل إِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لما قدم الْعرَاق اجْتمع عِنْده الْعلمَاء فَسئلَ

عَن أَحَادِيث الرّفْع فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنه رفع حَذْو مَنْكِبَيْه وحذو أُذُنَيْهِ وحذو شحمة أُذُنَيْهِ فَقَالَ أرى أَن يرفع بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَاف أَصَابِعه أُذُنَيْهِ وإبهامه شحمة أُذُنَيْهِ وكفيه مَنْكِبَيْه فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ فِي الْجَمِيع بَين الرِّوَايَات الثَّانِيَة فِي وَقت الرّفْع أوجه فَقيل يرفع غير مكبر ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير

عِنْد إرْسَال الْيَد وَهِي رِوَايَة السَّاعِدِيّ وَقيل يَبْتَدِئ الرّفْع مَعَ التَّكْبِير فَيكون انْتِهَاء التَّكْبِير مَعَ انْتِهَاء الْيَد إِلَى مقرها وَهَذِه رِوَايَة وَائِل بن حجر وَقيل إِنَّه يكبر ويداه قارتان حَذْو مَنْكِبَيْه وَلَا يكبر فِي الرّفْع والإرسال وَهِي رِوَايَة ابْن عمر

ثمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا بل صحت الرِّوَايَات كلهَا فنقبل الْكل ونجوزها على نسق وَاحِد الثَّالِثَة إِذا أرسل يَدَيْهِ وضع إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى تَحت صَدره وَيَأْخُذ الْكُوع من الْيُسْرَى بيمناه ويبسط أَصَابِع الْيُمْنَى فِي عرض الْمفصل أَو فِي صوب ساعده واليمنى عَلَيْهِ مكرمَة بِالْحملِ

القَوْل فِي الْقيام وَهُوَ ركن وَحده الانتصاب مَعَ الإقلال فَلَو اتكأ على شئ أَو انحنى لم يعْتد بِهِ وَلَا بَأْس بالإطراق فَإِن عجز عَن الإقلال انتصب مُتكئا فَإِن عجز عَن الانتصاب قَامَ منحنيا فَإِن لم يقدر إِلَّا على حد الراكعين قعد فَإِن عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود دون الْقيام قَامَ وأومى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود

وَقَالَ أَبُو حنيفَة سقط عَنهُ الْقيام لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ النُّزُول إِلَى الرُّكُوع وَلَو عجز عَن الْقيام قعد وَلَا يتَعَيَّن فِي الْقعُود هَيْئَة للصِّحَّة وَلَكِن الإقعاء مَنْهِيّ عَنهُ وَهُوَ أَن يجلس على وركيه فينصب فَخذيهِ وركبتيه قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تقعوا إقعاء الْكَلْب

ثمَّ فِي الْهَيْئَة المختارة قَولَانِ أَحدهمَا الافتراش كالتشهد الأول وَالثَّانِي التربيع وَاخْتَارَ القَاضِي حُسَيْن أَن ينصب ركبته الْيُمْنَى كَالَّذي يجلس بَين يَدي الْمُقْرِئ ليحصل بِهِ مُفَارقَة جلسات التَّشَهُّد ثمَّ هَذَا الْقَاعِد إِن قدر على الِارْتفَاع إِلَى حد الرُّكُوع يلْزمه ذَلِك فِي الرُّكُوع وَإِن لم يقدر فيركع قَاعِدا وينحني مِقْدَارًا تكون النِّسْبَة بَينه وَبَين السُّجُود كالنسبة بَينهمَا فِي حَال الْقيام وَأَقل رُكُوعه أَن ينحني بِحَيْثُ تقَابل جَبهته مَا وَرَاء ركبته من الأَرْض فَيحصل الْأَقَل بِأول الْمُقَابلَة والكمال بِتَمَامِهَا بِحَيْثُ يُحَاذِي جَبهته مَحل السُّجُود

وَلَو عجز عَن السُّجُود قرب الْجَبْهَة من الأَرْض إِلَى قدر الْإِمْكَان وَيجب أَن يَجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع فَإِن لم يقدر إِلَّا على أكمل الرُّكُوع فَيَأْتِي بِهِ مرَّتَيْنِ وَلَا يلْزمه الِاقْتِصَار فِي الرُّكُوع على الْأَقَل لإِظْهَار التَّفَاوُت بل ذَلِك وَاجِب فِيمَا يُجَاوز أكمل الرُّكُوع أما إِذا عجز عَن الْقعُود صلى على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبلا بِجَمِيعِ مقاديم بدنه الْقبْلَة كَالَّذي يوضع فِي اللَّحْد وَقيل إِنَّه يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يُومِئ بِالرُّكُوعِ

وَالسُّجُود فَإِن عجز فيومئ بالطرف فَإِن لم يبْق فِي أجفانه حراك فيمثل الْأَفْعَال فِي قلبه حَتَّى إِن خرس لِسَانه يجْرِي الْقِرَاءَة على قلبه وَذَلِكَ كُله لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أَمرتكُم بشئ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم

وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عجز عَن الْقعُود سَقَطت الصَّلَاة

فروع ثَلَاثَة الأول إِذا وجد الْقَاعِد خفَّة فِي أثْنَاء الْفَاتِحَة فليبادر إِلَى الْقيام وليترك الْقِرَاءَة فِي وَقت النهوض قبل الِاعْتِدَال وَإِذا اعتدل فَلَا يلْزمه اسْتِئْنَاف الْفَاتِحَة وَلَو عجز فِي أثْنَاء الْقيام قعد وَعَلِيهِ مداومة الْقِرَاءَة فِي حَالَة الانحناء إِلَى الْقعُود لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيام وَإِن وجد خفَّة بعد الْفَاتِحَة لزمَه الْقيام ليهوي إِلَى الرُّكُوع وَلَا تلْزمهُ الطُّمَأْنِينَة بِخِلَاف مَا لَو اعتدل عَن الرُّكُوع وخف قبل الطُّمَأْنِينَة فَإِنَّهُ يلْزمه الِاعْتِدَال والطمأنينة فِيهِ فَإِن خف فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة وَجب أَن يرْتَفع منحنيا كَذَلِك إِلَى حد الرُّكُوع إِذْ لَو انتصب قَائِما ثمَّ عَاد إِلَى الرُّكُوع كَانَ قد زَاد رُكُوعًا وَإِن خف بعد الطُّمَأْنِينَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب الِارْتفَاع رَاكِعا لِأَنَّهُ تمّ الرُّكُوع قَاعِدا الثَّانِي الْقَادِر على الْقعُود ينتفل مُضْطَجعا مومئا

على أحد الْوَجْهَيْنِ وتشبيها للنفل فِي حق الْقَادِر بِالْفَرْضِ فِي حق الْعَاجِز وَلَا يسوغ ذَلِك فِي الْوَجْه الثَّانِي لِأَن ذَلِك يجر إِلَى تَجْوِيز الْإِيمَاء بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا احْتمل ذَلِك لضَرُورَة الْفَرِيضَة فَلَا يحْتَمل فِي النَّفْل بِالْقِيَاسِ الثَّالِث من بِهِ رمد وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِنَّه لَو اضْطجع أَيَّامًا أفادت المعالجة فَفِيهِ خلاف وَقد وَقع ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس فاستفتى عَائِشَة وَأَبا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يرخصا لَهُ لقدرته على الْقيام فِي الْحَال والأقيس جَوَازه فَإِن

خطر الْعَمى شَدِيد وَقد جَوَّزنَا الْقعُود بأدني مرض يسلب الْخُشُوع فليجوز الِاضْطِجَاع بِمَا يقرب من حد الضَّرُورَة كَمَا جَوَّزنَا للْمَرِيض التَّيَمُّم عِنْد خَوفه على نَفسه من شدَّة الضنى القَوْل فِي الْقِرَاءَة والأذكار وَالنَّظَر فِي الْفَاتِحَة وسوابقها ولواحقها أما السوابق فدعاء الاستفتاح عقيب التَّكْبِير وَهُوَ مَشْهُور والتعوذ بعده من غير جهر إِلَّا فِي قَول قديم وَأما اسْتِحْبَاب التَّعَوُّذ فِي كل رَكْعَة فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِن الصَّلَاة فِي حكم شئ وَاحِد وَلَكِن كل رَكْعَة كالمنقطع عَمَّا قبلهَا أما الْفَاتِحَة فالنظر فِي الْقَادِر وَالْعَاجِز أما الْقَادِر فَتلْزمهُ أَمر خَمْسَة الأول أَن أصل الْفَاتِحَة مُتَعَيّن على الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة السّريَّة والجهرية

إِلَّا فِي رَكْعَة الْمَسْبُوق وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم ترجمتها وَغَيرهَا من السُّور مقَامهَا وَخَالف قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب وَقَالَ لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم أصلا وَهُوَ الذى نَقله الْمُزنِيّ وَلَكِن فِي الصَّلَاة الجهرية الثَّانِي تجب قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذْ روى البُخَارِيّ أَنه

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عد الْفَاتِحَة سبع آيَات وعد بِسم الله الرَّحْمَن آيَة مِنْهَا

ثمَّ التَّسْمِيَة عندنَا آيَة من أول كل سُورَة كتبت فِيهَا وَلكنهَا آيَة مُسْتَقلَّة أم هى مَعَ أول السُّورَة آيَة فَفِيهِ

قَولَانِ وَذكر الصيدلاني الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا هَل هى من الْقُرْآن فِي أول كل سُورَة سوى الْفَاتِحَة وَالْمَشْهُور هُوَ الأول الثَّالِث كل حرف من الْفَاتِحَة ركن فَلَو ترك تشديدا فَهُوَ ترك حرف وَلَو أبدل حرفا بِحرف لم يجز وَلَو أبدل الضَّاد بالظاء فَفِيهِ تردد لقرب الْمخْرج عسر التَّمْيِيز

الرَّابِع رِعَايَة التَّرْتِيب فِيهَا شَرط فَلَو قَرَأَ النّصْف الْأَخير أَولا لم يجز لِأَن التَّرْتِيب ركن فِي الإعجاز فَأَما التَّشَهُّد إِذا قدم الْمُؤخر مِنْهُ وَلم يُغير الْمَعْنى فَهُوَ قريب من قَوْله عَلَيْكُم السَّلَام الْخَامِس الْمُوَالَاة شَرط بَين كلماتها فَلَو قطعهَا بسكوت طَوِيل وَجب الِاسْتِئْنَاف إِلَّا على وَجه بعيد ذكره الْعِرَاقِيُّونَ وَلَو تخللها تَسْبِيح يسير انْقَطع الْوَلَاء بِخِلَاف مَا لَو كرر كلمة من نفس الْفَاتِحَة فَإِن ذَلِك لَا يعد انتقالا إِلَى غَيرهَا وَلذَلِك لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة مَرَّات لم يضر بِخِلَاف تَكْرِير الرُّكُوع وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه كالركوع فرعان الأول لَو قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ الْمَأْمُوم {آمين} لَا تَنْقَطِع بِهِ الْفَاتِحَة إِذا كَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَفِيه وَجه آخر أَنه تَنْقَطِع وَالْأول أظهر لِأَنَّهُ إِذا جرى لَهُ سَبَب لم يعْتد انتقالا وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِيمَا إِذا سَأَلَ أَو استعاذ الله عِنْد قِرَاءَة الإِمَام آيَة رَحْمَة أَو عِقَاب أَو سجد مَعَ الإِمَام عِنْده قِرَاءَة الإِمَام آيَة سَجْدَة فَإِن هَذِه الْأَسْبَاب متقاضية الثَّانِي لَو ترك الْمُوَالَاة نَاسِيا نقل الْعِرَاقِيُّونَ أَنه لَا يضر وَللشَّافِعِيّ

رَضِي الله عَنهُ قَول فِي الْقَدِيم أَنه لَو ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا لم يضر لِأَن النسْيَان عذر كالسبق وَلَكِن لَيْسَ هَذَا تَفْرِيعا عَلَيْهِ إِذْ فرق بَينه وَبَين ترك ترتيبه نَاسِيا ويتأيد ذَلِك بِأَنَّهُ لَو طول ركنا قَصِيرا لم يضر وَإِن انْقَطَعت بِهِ مُوالَاة الْأَركان وَأما الْعَاجِز وَهُوَ الْأُمِّي فَفِيهِ أَربع مسَائِل الأولى أَنه لَا تجزيه تَرْجَمته بل إِن قدر فَيَأْتِي بِسبع آيَات من الْقُرْآن مُتَوَالِيَة لَا تنقص حروفها عَن حُرُوف الْفَاتِحَة فَإِن نقص الْحُرُوف دون عدد الْآيَات فَفِيهِ وَجْهَان

فَإِن عجز عَن آيَات مُتَوَالِيَة فتجزئه آيَات مُتَفَرِّقَة فَإِن لم تكن آحادها مفهمة كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ نظر} لم يبعد أَن يرد إِلَى الْأَذْكَار فَإِن لم يحسن إِلَّا آيَة وَاحِدَة فَيَأْتِي بهَا وَتَأْتِي الْأَذْكَار بَدَلا عَن الْبَقِيَّة وَقيل إِنَّه يُكَرر الْآيَة سبعا فتكفيه فَإِن لم يحسن من الْقُرْآن شَيْئا فَيَأْتِي بتسبيح وتهليل كَقَوْلِه سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَمَا فِيهِ ثَنَاء على الله ويراعي مُسَاوَاة الْحُرُوف وَفِي الدُّعَاء الْمَحْض اخْتِلَاف فِي أَنه هَل يقوم مقَام التَّسْبِيح الثَّانِيَة إِذا لم يحسن النّصْف الأول من الْفَاتِحَة فَيَأْتِي أَولا بِالذكر بَدَلا مِنْهُ ثمَّ يَأْتِي بِمَا يحسن مِنْهَا الثَّالِثَة إِذا تعلم الْفَاتِحَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة قبل قِرَاءَة الْبَدَل لَزِمته وَإِن كَانَ بعد الرُّكُوع لم تلْزمهُ

وَإِن كَانَ قبل الرُّكُوع وَبعد الْفَرَاغ فَوَجْهَانِ وَوجه الْوُجُوب بَقَاء مَظَنَّة الْقِرَاءَة وَلَو كَانَ فِي أثْنَاء الْبَدَل لزمَه مَا بَقِي من الْبَدَل وَفِي لُزُوم الِاسْتِئْنَاف خلاف وَالأَصَح أَنه يجب الرَّابِعَة إِذا قَرَأَ الْأُمِّي دُعَاء الاستفتاح وَقصد بِهِ بدل الْفَاتِحَة جَازَ وَإِن قصد بِهِ الاستفتاح لم تسْقط بِهِ الْقِرَاءَة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة وَلَو أطلق فَفِي سَائِر الْأَذْكَار تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب فِي أَنه هَل يشْتَرط قصد الْبَدَلِيَّة واشتراطه فِي دُعَاء الاستفتاح أوجه لِأَن قرينَة الْحَال تصرفه إِلَى الاستفتاح أما لواحق الْفَاتِحَة فشيئان الأول التَّأْمِين فَهُوَ مُسْتَحبّ عقيب الْفَرَاغ للْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَفِيه لُغَتَانِ الْقصر وَالْمدّ وَالْمِيم مُخَفّفَة على اللغتين وَهُوَ صَوت وضع لتحقيق الدُّعَاء

وَمَعْنَاهُ ليكن كَذَلِك كَقَوْلِهِم صه لِلْأَمْرِ بِالسُّكُوتِ ثمَّ اخْتلف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي جهر الإِمَام بِهِ وَقيل إِن كَانَ فِي الْقَوْم كَثْرَة جهروا ليبلغ الصَّوْت وَإِلَّا فَلَا وَقيل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَمن أَمن من خَلفه حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ ضجة

وَالثَّانِي لَا كَسَائِر الْأَذْكَار وَأما الضجة فَهِيَ هينمة حصلت من هَمس الْقَوْم عِنْد كثرتهم وَقيل إِنَّه إِن لم يجْهر الإِمَام جهر الْمَأْمُوم وَإِن جهر الإِمَام فَفِي الْمَأْمُوم قَولَانِ ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يُؤمن مَعَ تَأْمِين الإِمَام لَا قبله وَلَا بعده لِأَنَّهُ يُؤمن لقرَاءَته لَا لتأمينه وَقد رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ إِذا قَالَ الإِمَام {وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا آمين فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول آمين فَمن وَافق تأمينه

تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر الثَّانِي السُّورَة وَيسْتَحب قرَاءَتهَا للْإِمَام وَالْمُنْفَرد فِي رَكْعَتي الْفجْر والأوليين من غَيرهمَا وَهل تسْتَحب فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة قَولَانِ منصوصان الْجَدِيد أَنَّهَا تسْتَحب لقَوْل أبي سعيد الْخُدْرِيّ حزرنا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوليين من الظّهْر فَكَانَت قدر سبعين آيَة وحزرناها فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَكَانَ على

النّصْف من ذَلِك

وَالْقَوْل الثَّانِي وَعَلِيهِ الْعَمَل أَنه لَا تسْتَحب لِأَن مبناهما على التَّخْفِيف أما الْمَأْمُوم فَلَا يقْرَأ السُّورَة فِي الجهرية بل يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي سكتة الإِمَام بعد الْفَاتِحَة ثمَّ يستمع السُّورَة وَإِن لم يبلغهُ صَوت الإِمَام فَوَجْهَانِ الْقيَاس أَنه يقْرَأ لِأَنَّهُ كالمنفرد عِنْد فَوَات السماع وَالثَّانِي لَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنْتُم خَلْفي فَلَا تقرءوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهُ لَا صَلَاة إِلَّا بهَا

القَوْل فِي الرُّكُوع وَأقله أَن ينحني إِلَى أَن تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ لَو مدهما بالانحناء لَا بالانخناس ويطمئن بِحَيْثُ ينْفَصل هويه عَن ارتفاعه فَلَو زَاد بالانحناء لم يحْسب ذَلِك بَدَلا عَن الطُّمَأْنِينَة وَلَا يجب عندنَا ذكر فِي الرُّكُوع خلافًا لِأَحْمَد لِأَن الرُّكُوع يُخَالف الْمُعْتَاد بصورته لَا كالقيام وَالْقعُود

وَأما فِي الْأَكْمَل فهيئته أَن ينحني بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهره وعنقه كالصفيحة الْوَاحِدَة وَينصب رُكْبَتَيْهِ وَيَضَع كفيه عَلَيْهِمَا وَيتْرك الْأَصَابِع على جبلتها منشورة نَحْو الْقبْلَة ويتجافى عِنْد ذَلِك مرفقاه عَن جَنْبَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز فِي

الانحناء الاسْتوَاء وَإِذا ابْتَدَأَ الْهَوِي وَقَالَ الله أكبر رَافعا يَدَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ أَحدهمَا أَن يمد التَّكْبِير إِلَى أَن يَسْتَوِي رَاكِعا كَيْلا يَخْلُو هويه عَن الذّكر وَالثَّانِي الْحَذف حذارا عَن التَّغْيِير بِالْمدِّ وَهُوَ جَار فِي تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات كلهَا وَالذكر الْمَشْهُور سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثمَّ إِن كَانَ إِمَامًا لم يزدْ

على ثَلَاث وروى أَبُو هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت أَنْت رَبِّي خشع سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي

وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين القَوْل فِي الِاعْتِدَال إِذا رفع الرَّأْس من الرُّكُوع رفع الْيَدَيْنِ فيعدل قَائِما وَقد انْتَهَت يَدَاهُ إِلَى مَنْكِبَيْه ثمَّ يخْفض يَدَيْهِ بعد الِاعْتِدَال وَأقله الِاعْتِدَال والطمأنينة وَيسْتَحب أَن يَقُول سمع الله لمن حَمده عِنْد الرّفْع ثمَّ يَقُول رَبنَا لَك الْحَمد يَسْتَوِي فِي الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شئ بعده أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد كلنا لَك عبد لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد فَإِن كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح

اسْتحبَّ الْقُنُوت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة خلافًا لأبي حنيفَة لما روى أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا

ثمَّ كَلِمَاته مَشْهُورَة وَهِي متعينة ككلمات التَّشَهُّد ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا نزل بِالْمُسْلِمين نازلة وَأَرَادُوا الْقُنُوت فِي الصَّلَوَات الْخمس جَازَ وَإِن لم تنزل فَقَوْلَانِ وَقيل إِن لم تنزل لم يجز وَإِن نزل فَقَوْلَانِ وَهُوَ أقرب

وَاخْتلفُوا فِي الْجَهْر بِهِ فِي الصَّلَاة الجهرية وَالظَّاهِر أَن الْجَهْر مَشْرُوع ثمَّ إِذا جهر الإِمَام أَمن الْمَأْمُوم وَإِن لم يسمع صَوته فَيُؤمن أَو يقْرَأ فِيهِ وَجْهَان

ثمَّ يسْتَحبّ أَن يرفع يَدَيْهِ وَيمْسَح بهما وَجهه فِي آخِره

القَوْل فِي السُّجُود والاعتدال عَنهُ أما أَقَله فَالْكَلَام فِي الْمَوْضُوع على الأَرْض وَكَيْفِيَّة الْوَضع وهيئة الساجد أما الْمَوْضُوع فالجبهة وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا ثمَّ يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَفِي وضع الْيَدَيْنِ والركبتين والقدمين قَولَانِ أَحدهمَا يجب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة آرَاب

وَالثَّانِي لَا لِأَن السُّجُود عبارَة عَن وضع الْجَبْهَة فَفِيهِ تَمْكِين أعز الْأَعْضَاء من التُّرَاب فَإِن أَوجَبْنَا فَلَا يجب كشف الْقَدَمَيْنِ والركبتين وَيجب كشف الْجَبْهَة وَفِي الْيَدَيْنِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب لقَوْل خباب بن الْأَرَت شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حر الرمضاء فِي وُجُوهنَا وأكفنا فَلم يشكنا أَي لم يزل شكوانا

وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّوَاضُع حصل بِالْوَضْعِ ثمَّ لَا يَكْفِي فِي الْوَضع الإمساس مَعَ إقلال الرَّأْس بل لَا بُد وَأَن يُرْخِي رَأسه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُوده كالخرقة البالية ثمَّ فِي كشف

الْجَبْهَة يَكْفِي أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو سجد على طرفه أَو على كور عمَامَته أَو طرف كمه الذى يَتَحَرَّك لم يجز أما هَيْئَة الساجد وَهُوَ التنكس بِحَيْثُ يكون أسافله أَعلَى من أعاليه فَلَو سجد على وسَادَة وَكَانَ رَأسه مُسَاوِيا لظهره فِيهِ وَجْهَان لفَوَات التنكس وَلَو كَانَ بِهِ مرض يمنعهُ من التنكس فَهَل يجب عَلَيْهِ وضع وسَادَة ليضع الْجَبْهَة عَلَيْهَا فِيهَا وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن صُورَة السُّجُود بِالْوَضْعِ لَا

بالتنكس والطمأنينة أَيْضا وَاجِبَة فِي السُّجُود أما الْأَكْمَل فَلْيَكُن أول مَا يَقع على الأَرْض مِنْهُ ركبتاه وَقَالَ أَبُو حنيفَة بل يَدَاهُ ثمَّ يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى وَلَا يرفع الْيَد وَيَقُول فِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات وَيَضَع الْأنف على الأَرْض مَعَ الْجَبْهَة مكشوفا وَيفرق رُكْبَتَيْهِ ويجافي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ بِحَيْثُ يرى عفرَة إبطَيْهِ ويقل بَطْنه عَن فَخذيهِ وَيَضَع يَدَيْهِ منشورة الْأَصَابِع على موضعهما فِي رفع الْيَدَيْنِ وأصابعهما مستطيلة فِي جِهَة الْقبْلَة مَضْمُومَة وَلَا يُؤمر بِضَم الْأَصَابِع إِلَّا هَاهُنَا

وَنقل الْمُزنِيّ أَنه يضع أَصَابِع رجلَيْهِ بِحَيْثُ تكون رءوسها فِي قبالة الْقبْلَة أما الْمَرْأَة فَتتْرك التخويه والتجافي فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ثمَّ يكبر عِنْد الِاعْتِدَال وَيجْلس مفترشا بَين السَّجْدَتَيْنِ وَيَضَع يَدَيْهِ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ منشورة الْأَصَابِع وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي واجبرني وَعَافنِي وارزقني واهدني ويطمئن فِي جُلُوسه

ثمَّ يسْجد سَجْدَة أُخْرَى مثلهَا فَإِن كَانَ يستعقب ذَلِك قيَاما فيجلس جلْسَة خَفِيفَة للاستراحة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ يَبْتَدِئ التَّكْبِير بِحَيْثُ يَنْتَهِي عِنْد استوائه جَالِسا أَو يَسْتَوِي جَالِسا ثمَّ ينْهض مبكرا إِلَى الْقيام فِيهِ خلاف ثمَّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ فِي صلَاته وضع يَدَيْهِ على الأَرْض كَمَا يضع

العاجن فرع إِذا خر الهاوي إِلَى السُّجُود على وَجهه اعْتد بِهِ لِأَن الْهَوِي غير

مَقْصُود وَإِن خر على جنبه واستد على قصد السُّجُود اعْتد بِهِ وَإِن قصد

الاسْتقَامَة وَصرف فعله عَن السُّجُود فَلَا يعْتد بسجوده لِأَنَّهُ غير نِيَّة الأَصْل وَإِن لم يخْطر لَهُ أَمر الصَّلَاة وَقصد الاسْتقَامَة غافلا فالنص أَنه لَا يعْتد بِهِ كَمَا لَو صرفه عَن السُّجُود ذَاكِرًا وَفِيه وَجه مخرج يجْرِي نَظِيره فِي اتِّبَاع الْغَرِيم فِي الطّواف ثمَّ إِذا لم يعْتد بسجوده فيكفيه أَن يعتدل جَالِسا ثمَّ يسْجد وَلَا يلْزمه الْقيام على الظَّاهِر القَوْل فِي التَّشَهُّد وَالْقعُود أما الْقعُود فِي التَّشَهُّد الأول فمسنون على هَيْئَة الافتراش وَفِي الْأَخير على هَيْئَة التورك لِأَن الافتراش هَيْئَة مستوفز للحركة حَتَّى نقُول الْمَسْبُوق يفترش فِي التَّشَهُّد الْأَخير للْإِمَام وَلَو كَانَ على الإِمَام سُجُود سَهْو هَل يفترش فِيهِ خلاف

والافتراش أَن يضجع الرجل الْيُسْرَى وَيجْلس عَلَيْهَا وَينصب الْقدَم اليمني وَيَضَع أَطْرَاف الْأَصَابِع على الأَرْض والتورك أَن يضجع رجله كَذَلِك ثمَّ يُخرجهَا من جِهَة يَمِينه وَيُمكن وركه من الأَرْض ثمَّ يضع الْيَد الْيُسْرَى على طرف الرّكْبَة منشورة مَعَ التَّفْرِيج المقتصد وأطراف الْأَصَابِع مسامية للركبة وَأما الْيَد الْيُمْنَى فَيَضَعهَا كَذَلِك لَكِن يقبض الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى وَيُرْسل المسبحة وَفِي الْإِبْهَام أوجه قيل يرسلها أَيْضا وَقيل يحلق الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى وَقيل يضمها إِلَى الْوُسْطَى المقبوضة كالقابض ثَلَاثَة وَعشْرين ثمَّ يرفع مسبحته عِنْد قَوْله لَا إِلَه إِلَّا الله مَعَ الْهمزَة من قَوْله

إِلَّا الله وَهل يحركها عِنْد الرّفْع فِيهِ وَجْهَان فَأَما التَّشَهُّد فَوَاجِب فِي الْأَخير خلافًا لأبي حنيفَة وَالصَّلَاة على الرَّسُول وَاجِب مَعَه

وعَلى الْآل قَولَانِ وَالتَّشَهُّد الأول مسنون وَفِي الصَّلَاة على الرَّسُول فِيهِ قَولَانِ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف فَإِن أَوجَبْنَا الصَّلَاة على الْآل فِي الْأَخير فَفِي كَونهَا سنة فِي الأول قَولَانِ ثمَّ أكمل التَّشَهُّد مَشْهُور وكلماته متعينة وَأما الْأَقَل فَهُوَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَسَلام

علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأسْقط الْعِرَاقِيُّونَ كلمة أشهد فِي الكرة الثَّانِيَة وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الْأَقَل مَا رَآهُ متكررا فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَأما ابْن سُرَيج فَإِنَّهُ أوجز بِالْمَعْنَى وَقَالَ التَّحِيَّات لله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي سَلام على عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُوله ثمَّ يَقُول بعد التَّشَهُّد اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد ثمَّ يسْتَحبّ بعده أَن يَقُول كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد ثمَّ يسْتَحبّ بعده الدُّعَاء ويختصر إِذا كَانَ إِمَامًا

قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد تَمام للتَّشَهُّد ثمَّ ليتخير أحدكُم من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ وَالْأولَى أَن يكون سُؤَاله لأمور الْآخِرَة فرع الْعَاجِز عَن التَّشَهُّد يَأْتِي بترجمته كتكبيرة التَّحَرُّم وَالْعَاجِز عَن الدُّعَاء لَا يَدْعُو بالعجمية بِحَال وتكبيرات الِانْتِقَالَات وَغَيرهَا من الْأَذْكَار فَفِي الْإِتْيَان بترجمتها خلاف قيل

بِالْمَنْعِ لِأَن العجمية مبطلة وَترك الذّكر لَيْسَ بمبطل وَالثَّانِي يَأْتِي بهَا كالتكبير وَالثَّالِث مَا يجْبر تَركه بسجود السَّهْو يَأْتِي بترجمته ومالا فَلَا القَوْل فِي السَّلَام لَا يقوم مقَام التَّسْلِيم غَيره من أضداد الصَّلَاة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَأقله أَن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم مرّة وَاحِدَة وَهل تشْتَرط نِيَّة الْخُرُوج وَجْهَان وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَجْهَان فِي إِقَامَة التَّنْوِين مقَام الْألف وَاللَّام وَلَو قَالَ عَلَيْكُم السَّلَام فطريقان كَمَا سبق

أما الْأَكْمَل فَأن يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله والتسليمة الثَّانِيَة تسن وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه لَا تسن وَنقل الرّبيع أَنه إِن كَانَ إِمَامًا فِي جمع مُتَعَيّن يقْتَصر على تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَإِن كثر الْجمع فتسليمتان ثمَّ إِن سلم وَاحِدَة فتلقاء وَجهه وَإِن سلم تسليمتين فيلتفت حَتَّى يرى خداه أَي يرى من كل جَانب خد وَاحِد ثمَّ يَنْوِي بِالسَّلَامِ السَّلَام على من على يَمِينه من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة وَكَذَا من الْجَانِب الآخر والمقتدون ينوون الرَّد عَلَيْهِ وَلَو أحدث فِي التسليمة الثَّانِيَة لم تبطل الصَّلَاة لِأَنَّهَا وَاقعَة بعد الصَّلَاة تَابِعَة هَذَا تَمام كَيْفيَّة الصَّلَاة

خَاتِمَة من فَاتَهُ صلوَات فَلَا تَرْتِيب عَلَيْهِ فِي قَضَائهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه تَقْدِيم الأول فَالْأول إِلَّا إِذا زَاد على صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة نعم رِعَايَة التَّرْتِيب بَين الْفَائِتَة والمؤداة عندنَا مُسْتَحبَّة فَيقدم الْفَائِتَة إِن اتَّسع الْوَقْت لَهما وَإِلَّا قدم المؤداة وَسبب التَّقْدِيم أَن لَا يتساهل فِي الْقَضَاء بِالتَّأْخِيرِ وَلَو تذكر فَائِتَة وَهُوَ فِي مُؤَدَّاة أتم الَّتِي هُوَ فِيهَا ثمَّ اشْتغل بِالْقضَاءِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي شَرَائِط الصَّلَاة ونواقضها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والشرائط سِتّ الأول الطَّهَارَة عَن الْحَدث فَهُوَ شَرط فِي الِابْتِدَاء والدوام حَتَّى لَو

أحدث فِي الصَّلَاة عمدا أَو سَهوا بطلت صلَاته وَلَو سبقه الْحَدث بسبق بَوْل أَو مني أَو مذي أَو خُرُوج ريح بطلت صلَاته على الْجَدِيد وعَلى الْقَدِيم لَا تبطل صلَاته لما رُوِيَ مُرْسلا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم

وَلِأَنَّهُ لَو انحل إزَاره عَن عَوْرَته فَرده على الْقرب أَو وَقعت عَلَيْهِ نَجَاسَة يابسة فنفضها لم تبطل صلَاته قولا وَاحِدًا وَلَو كَانَ ذَلِك قصدا لبطل مَعَ قصر الزَّمَان وعَلى هَذَا القَوْل إِذا طَرَأَ نَاقض بِغَيْر قَصده وَلَا تَقْصِيره فَلهُ التَّدَارُك بِخِلَاف مَا لَو انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح فِي أثْنَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ مقصر بابتداء الصَّلَاة فِي آخر مُدَّة الْمسْح

وَلَا تخرق خفه فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ قد ينْسب إِلَى تَقْصِير لذهوله عَن ضعف الْخُف والمتيمم إِذا رأى المَاء فِي أثْنَاء صلَاته لم تبطل صلَاته لِأَن الصَّلَاة مَانِعَة من الِاسْتِعْمَال فانتفت الْقُدْرَة ثمَّ من سبقه الْحَدث يطْلب المَاء وَيتَوَضَّأ وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يحدث عمدا وَبعد وضوئِهِ لَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول فَإِنَّهُ فعل مستغن عَنهُ بل يَبْنِي على مَكَانَهُ خلافًا لأبي حنيفَة

وَلَو سبقه الْحَدث فِي الرُّكُوع قبل الطُّمَأْنِينَة فليعد إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بعْدهَا فَلَا لِأَن سبق الْحَدث لَا يبطل مَا مضى وَلَو طير الرّيح الثَّوْب وافتقر فِي الْإِعَادَة إِلَى فعل كثير خرج ذَلِك على قولي سبق الْحَدث الشَّرْط الثَّانِي طَهَارَة الْخبث وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِيمَا عُفيَ عَنهُ من النَّجَاسَات وَهِي أَرْبَعَة الأولى الْأَثر على مَحل النجو بعد الِاسْتِجْمَار على الشَّرْط الْمَعْلُوم فَلَو حمل الْمصلى إنْسَانا قد استجمر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَعْفُو عَنهُ وَالأَصَح الْمَنْع لِأَنَّهُ مَعْفُو على مَحل نجو الْمُصَلِّي للْحَاجة وَلَا حَاجَة إِلَى الْحمل وَلَو حمل طيرا لم تبطل صلَاته لِأَن مَا فِي الْبَطن

لَيْسَ لَهُ حكم النَّجَاسَة قبل الْخُرُوج وَمَا على منفذه لَا مبالاة بِهِ وَمِنْهُم من قطع بِالْبُطْلَانِ لِأَن منفذ نَجَاسَته لَا يَخْلُو عَن النَّجَاسَة وَفِي إِلْحَاق الْبَيْضَة المذرة بِالْحَيَوَانِ تردد فَإِن النَّجَاسَة فِيهَا أَيْضا مستترة خلقَة فَلَا تُفَارِقهُ إِلَّا فِي الْحَيَاة ويطرد ذَلِك فِيمَن حمل عنقودا اسْتَحَالَ بَاطِن حباته خمرًا وَكَذَا فِي كل استتار خلقي وَلَا يجْرِي فِي القارورة المصممة الرَّأْس خلافًا لِابْنِ أبي هُرَيْرَة الثَّانِيَة طين الشوارع المستيقن نَجَاسَته يعفي عَنهُ بِقدر مَا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ فَإِن انْتهى إِلَى حد ينْسب صَاحبه إِلَى سقطة أَو نكبة من دَابَّة لم يعف عَنهُ وَكَذَا مَا

على أَسْفَل الْخُف من نَجَاسَة لَا يَخْلُو الطَّرِيق عَن مثلهَا فِي حق من يُصَلِّي مَعَ الْخُف

الثَّالِثَة دم البراغيث مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا كثر كَثْرَة ينْدر وُقُوعه وَرُبمَا يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْأَوْقَات والأماكن فَإِن الْحَاجة تخْتَلف بِهِ وَالِاجْتِهَاد فِيهِ إِلَى رَأْي الْمُكَلف فَإِن رَآهُ مجاوزا لحد الْحَاجة فليغسل وَإِن رَآهُ على حد الْحَاجة فَليصل مَعَه وَإِن تردد احْتمل أَن يُقَال الأَصْل الْعَفو إِلَّا فِيمَا علم كثرته أَو يُقَال الأَصْل الْمَنْع إِلَّا فِيمَا تحققت الْحَاجة إِلَيْهِ وَطَرِيق الِاحْتِيَاط لَا يخفى والميل إِلَى الرُّخْصَة أليق هَاهُنَا بالفقه الرَّابِعَة دم البثرات وَمَا ينْفَصل مِنْهَا من قيح وصديد يُعْفَى عَنْهَا للْحَاجة نقل عَن ابْن عمر أَنه دلك بثرة على وَجهه فَخرج مِنْهَا الدَّم وَصلى وَلم يغسل

وَإِن أَصَابَهُ من بدن غَيره فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الْمَنْع لِإِمْكَان الِاحْتِرَاز وَأما لطخات الدماميل والقروح والفصد فَمَا يَدُوم مِنْهَا غَالِبا يلْحق بِدَم

الِاسْتِحَاضَة وَمَا لَا يَدُوم يلْحق بِدَم الْأَجْنَبِيّ لِأَن وُقُوعهَا نَادِر وَمَال صَاحب التَّقْرِيب إِلَى إلحقاها بِدَم البثرات وَهُوَ مُتَّجه النّظر الثَّانِي فِيمَا يطهر عَن النَّجَاسَة وَهُوَ ثَلَاثَة الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان أما الثَّوْب فقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله فَإِن تَيَقّن نَجَاسَة أحد الثَّوْبَيْنِ اجْتهد وَقَالَ الْمُزنِيّ يُصَلِّي فِي الثَّوْبَيْنِ صَلَاتَيْنِ وَقَالَ فِي الإنائين إِنَّه يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد فروع ثَلَاثَة الأول لَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فَأدى اجْتِهَاده إِلَى أَحدهمَا فَغسله فَفِي صِحَة صلَاته فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه استيقن نَجَاسَة الثَّوْب وَلم يستيقن طَهَارَته وَكَذَا الْخلاف لَو وَقع ذَلِك فِي ثَوْبَيْنِ وَلَكِن صلى فيهمَا جَمِيعًا الثَّانِي لَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ وَصلى فِي الآخر من غير اجْتِهَاد فَفِي صِحَة صلَاته

وَجْهَان وَلَو أشكل مَحل النَّجَاسَة فَغسل نصفه ثمَّ غسل النّصْف الثَّانِي قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لم يطهر لاحْتِمَال أَن تكون النَّجَاسَة على وسط الثَّوْب فَإِذا غسل النّصْف الثَّانِي فينعكس أثر النَّجَاسَة على النّصْف الأول لاتصاله بِهِ الثَّالِث إِذا ألْقى طرف عمَامَته على نَجَاسَة بطلت صلَاته سَوَاء كَانَ ذَلِك

الطّرف يَتَحَرَّك بحركته أَو لَا يَتَحَرَّك وَلَو قبض على حَبل أَو طرف عِمَامَة فَإِن كَانَ يَتَحَرَّك الملاقي للنَّجَاسَة بحركته بطلت صلَاته وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَا ينْسب إِلَيْهِ لبسا بِخِلَاف الْعِمَامَة وَلَو شدّ

على وَسطه كَانَ كَمَا لَو قبض على طرفه وَلَو كَانَ تَحت رجله فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلا وَلَا مُتَّصِلا وَلَو كَانَ طرف الْحَبل على عنق كلب فَهُوَ كَمَا إِذا كَانَ على نَجَاسَة إِن بعد مِنْهُ وَإِن كَانَ قَرِيبا بِحَيْثُ لَو لم يتَعَلَّق بالكلب لَكَانَ هُوَ حامله فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو كَانَ مُتَعَلقا بساجور فِي عنق الْكَلْب فَأولى بِالْجَوَازِ وَلَو كَانَ فِي عنق حمَار وعَلى الْحمار نَجَاسَة فَوَجْهَانِ وَيظْهر هَاهُنَا وَجه الْجَوَاز الْمحل الثَّانِي الذى يجب تَطْهِيره عَن النَّجَاسَة الْبدن وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة غسله وتتعلق بِهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى إِذا وصل عظما نجسا فِي مَحل كسر وَجب نَزعه فَإِن كَانَ يخَاف الْهَلَاك فالمنصوص أَنه يجب نَزعه لأَنا نسفك الدَّم فِي مُقَابلَة ترك صَلَاة وَاحِدَة وَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمره وَفِي قَول مخرج أَنه لَا يحب لِأَن النَّجَاسَة تحْتَمل بالأعذار وَخَوف الْهَلَاك عَظِيم ثمَّ إِنَّمَا ينقدح النَّص إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِي الِابْتِدَاء بِأَن وجد عظما ظَاهرا وَإِذا لم يسْتَتر الْعظم بِاللَّحْمِ

فَإِن استتر بعد إِيجَاب النزع ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا مَاتَ قبل النزع فقد صَار مَيتا كُله أَي لَا ينْزع وَهُوَ إِشَارَة إِلَى نَجَاسَة الْآدَمِيّ بِالْمَوْتِ وَقيل بِوُجُوب النزع لأَنا تعبدنا بِغسْلِهِ فَهُوَ كالحي أما من شرب الْخمر وَغسل فَاه صحت صلَاته لِأَن مَا فِي الْجوف لَا حكم لَهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي وصل الشّعْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة

الوشر تَحْدِيد أَطْرَاف السن والوشم نفر الْأَطْرَاف بالحديدة وتسويدها وَأما الْوَصْل فَإِن كَانَ الشّعْر نجسا فَهُوَ حرَام وَإِن كَانَ شعر آدَمِيّ فَإِن كَانَ شعر امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فَيحرم لِأَن زَوجهَا ينظر إِلَيْهَا وَإِن كَانَ شعر رجل حرم عَلَيْهَا النّظر فِيهِ على قَوْلنَا بِتَحْرِيم النّظر إِلَى الْعُضْو المبان وَإِن كَانَ شعر

بَهِيمَة فَإِن لم تكن ذَات زوج فَهِيَ متعرضة للتُّهمَةِ فَيحرم عَلَيْهَا وَإِن كَانَت ذَات زوج يحرم للخداع وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور وَإِن كَانَ بِإِذن الزَّوْج فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لعُمُوم الحَدِيث وَلِأَن ذَلِك تصرف فِي الْخلقَة بالتغيير وَالثَّانِي الْجَوَاز وَهُوَ الْقيَاس إِذْ لَا معنى للتَّحْرِيم إِلَّا سَبَب التزوير وَلَا خلاف فِي جَوَاز تجعيد الشّعْر وتصفيف الطرة وَفِي إِلْحَاق تحمير الوجنة بوصل الشّعْر تردد للصيدلاني

الْمحل الثَّالِث الْمَكَان فَيَنْبَغِي أَن يكون مَا يماس بدنه طَاهِرا وَهُوَ موقع الْأَعْضَاء السَّبْعَة فِي السُّجُود وَكَذَا مَا يماس ثَوْبه وَلَو كَانَ على طرف الْبسَاط نَجَاسَة فَلَا بَأْس وَلَو كَانَ مَا يُحَاذِي صَدره فِي السُّجُود نجسا وَكَانَ لَا يماسه فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه كالمنسوب إِلَيْهِ وَلَو بسط إزارا سخيفا على مَوضِع نجس إِن كَانَت المنافذ بِحَيْثُ لَا تمنع الملاقاة لم تصح الصَّلَاة وَفِي مثله فِي الْفرش على الْحَرِير تردد فَإِن النّظر فِيهِ إِلَى غَالب مَا يلاقي وَذَلِكَ يحل العتابي الذى قطنه غَالب وَمِمَّا يصل بمَكَان الصَّلَاة نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة أَمَاكِن المزبلة والمجزرة وقارعة الطَّرِيق وبطن الْوَادي وَالْحمام وَظهر الْكَعْبَة وأعطان الْإِبِل

وَفِي مسلح الْحمام تردد بِنَاء على أَن الْعلَّة خوف رشاش النَّجَاسَة أَو أَنه بَيت الشَّيْطَان فعلى الْعلَّة الْأَخِيرَة تكره وَأما أعطان الْإِبِل فَلَيْسَ المُرَاد بهَا المرابض الَّتِى يكثر فِيهَا البعر فَإِن ذَلِك مَوْجُود فِي مرابض الْغنم من النَّجَاسَة وَلَا كَرَاهَة وَلَكِن الْإِبِل تزدحم على المنهل ذودا حَتَّى إِذا شربت استيقت فَلَا يُؤمن نفارها وتفرقها فِي ذَلِك الْموضع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِبِل إِنَّهَا جن خلقت من جن أما ترى إِذا نفرت كَيفَ تشمخ بأنافها

خَاتِمَة من استصحب النَّجَاسَة عمدا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ جَاهِلا فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ وَلَو علم النَّجَاسَة ثمَّ نَسِيَهَا فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْإِعَادَةِ منشأ الْقَوْلَيْنِ أَن الطَّهَارَة عَنْهَا من قبيل الشَّرَائِط فَلَا يكون الْجَهْل فِي تَركهَا عذرا أَو استصحابها من قبيل المناهي فَلَا يعد النَّاسِي مُخَالفا

وَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه من الشُّرُوط ومعتمد الْقَدِيم مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خلع نَعله فِي أثْنَاء الصَّلَاة فَخلع النَّاس نعَالهمْ فَقَالَ بعد الْفَرَاغ أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن على نعلك نَجَاسَة الشَّرْط الثَّالِث ستر الْعَوْرَة وَهُوَ وَاجِب فِي غير الصَّلَاة وَفِي وُجُوبه فِي الْخلْوَة تستر عَن أعين الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ تردد وَلَكِن فِي غير وَقت الْحَاجة وَأما الْمُصَلِّي فِي خلْوَة فَيلْزمهُ التستر وَالنَّظَر فِي الْعَوْرَة والساتر وَأما الْعَوْرَة من الرجل فَمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا تدخل السُّرَّة وَالركبَة فِيهِ على الصَّحِيح

وَأما الْحرَّة فَجَمِيع بدنهَا عَورَة فِي حق الصَّلَاة إِلَّا الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ إِلَى الكوعين الظّهْر والكف وَظهر الْقدَم عَورَة وَفِي إخمصيها وَجْهَان أما الْأمة فَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالَة المهنة كالرأس والرقبة وأطراف السَّاق والساعد فَلَيْسَ بِعَوْرَة وَمَا هُوَ عَورَة من الرجل عَورَة مِنْهَا وَفِيمَا بَين ذَلِك وَجْهَان أما السَّاتِر فَهُوَ كل مَا يحول بَين النَّاظر ولون الْبشرَة فَلَا يَكْفِي الثَّوْب السخيف الحاكي للون الْبشرَة وَلَا المَاء الصافي والزجاج وَيَكْفِي المَاء الكدر والطين وَلَو لم يجد ثوبا فَهَل يُكَلف التطيين فعلى وَجْهَيْن فروع أَرْبَعَة الأول إِذا كَانَ الْقَمِيص متسع الذيل وَلَا سَرَاوِيل صحت الصَّلَاة فَإِنَّمَا يجب التستر من الفوق وَمن الجوانب وَلَو لم يكن مزرورا بِحَيْثُ لَو ركع انكشفت عَوْرَته لم تصح صلَاته فَإِن كَانَ كَثَافَة لحيته تمنع من الرُّؤْيَة فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن السَّاتِر يَنْبَغِي أَن يكون غير الْمُسْتَتر وَيجْرِي الْخلاف فِيمَا لَو وضع الْيَد على ثقبة فِي إزَاره الثَّانِي إِذا بدا من عَوْرَته قدر يسير بطلت صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تبطل مَا لم يظْهر من الْعَوْرَة الْكُبْرَى مثل دِرْهَم وَمن الصُّغْرَى الرّبع

فَلَو وجد خرقَة لَا تفي إِلَّا بِإِحْدَى السوأتين قيل يستر الْقبل فَإِن السوأة الْأُخْرَى مستترة بانضمام الأليتين وَقيل يستر الدبر لِأَنَّهُ أفحش فِي السُّجُود وَالْأولَى التَّخْيِير وَلَا يَنْبَغِي أَن يتْرك السوأة وَيسْتر الفخد فَإِن الفخد تَابع فِي حكم الْعَوْرَة كالحريم لَهُ الثَّالِث فِي عقد جمَاعَة العراة قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا سنة ثمَّ يَغُضُّونَ الْبَصَر وَيقف الإِمَام وسط الصَّفّ كإمام النِّسَاء وَالثَّانِي أَن تَركهَا أولى احْتِيَاطًا للعورة الرَّابِع لَو عتقت الْأمة فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَكَانَ الْخمار بِالْقربِ تسترت واستمرت وَإِن كَانَ بَعيدا فعلى قولي سبق الْحَدث فَإِن فرعنا على الْقدَم فَمَكثت حَتَّى أُتِي بالخمار فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة الَّتِى كَانَت تمشي إِلَيْهِ فَيحْتَمل أَن يُقَال هَذَا أولي لترك الْأَفْعَال وَيحْتَمل أَن يُقَال التشاغل بالتدارك أولى من التعطل الشَّرْط الرَّابِع ترك الْكَلَام فَكَلَام الْعَامِد مُبْطل للصَّلَاة وَإِن قل فَإِن كَانَ مفهما فالحرف الْوَاحِد مُبْطل

كَقَوْلِه ق وع من وقى وعى وَإِن كَانَ غير مفهم فَلَا يبطل إِلَّا بتوالي حرفين وَلَا تبطل بِصَوْت غفل من غير حرف وَهل تبطل بِحرف وَاحِد بعْدهَا مُدَّة فِيهِ تردد وَفِي التنحنح ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يبطل صلَاته إِلَّا إِذا كَانَ مَغْلُوبًا أَو امْتنعت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فتنحنح وعَلى هَذَا إِن تنحنح لأجل امْتنَاع الْجَهْر فَوَجْهَانِ

الثَّانِي نَقله ابْن أبي هُرَيْرَة عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن التنحنح لَا يبطل أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الْكَلَام الثَّالِث قَالَ الْقفال لَو كَانَ مطبقا شَفَتَيْه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَا يكون على هَيْئَة الْحُرُوف وَإِن كَانَ فاتحا فَاه بَطل وَالْأول هُوَ الْأَصَح هَذَا فِي غير الْمَعْذُور أما أعذار الْكَلَام فخمسة الأول أَن يتَكَلَّم لمصْلحَة الصَّلَاة فَتبْطل صلَاته خلافًا لمَالِك وَيدل عَلَيْهِ أَمر التَّنْبِيه على سَهْو الإِمَام بالتسبيح والتصفيق مَعَ أَن تنبيهه من مصلحَة الصَّلَاة الثَّانِي النسْيَان وَهُوَ عذر فِي قَلِيل الْكَلَام لحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة

وَفِي كَثْرَة وَجْهَان وتعليل وَجه الْبطلَان لمعنيين أَحدهمَا انخرام نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي وُقُوع ذَلِك نَادرا وعَلى الْأَخير يبطل الصَّوْم بِالْأَكْلِ الْكثير الثَّالِث الْجَهْل بِتَحْرِيم الْكَلَام عذر فِي حق قريب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ لأحاديث وَردت فِيهِ وَلَيْسَ عذرا فِي حق غَيره وَالْجهل بِكَوْن الْكَلَام مُبْطلًا مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ لَا يكون عذرا وَالْجهل بِكَوْن التنحنح مُبْطلًا أَو مَا يجْرِي مجْرَاه فِيهِ تردد وَالأَصَح أَنه عذر الرَّابِع لَو الْتفت لِسَانه بِكَلِمَة بدرت مِنْهُ فَهَذَا عذر وَأَبُو حنيفَة يُوَافق ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يزِيد على سبق الْحَدث الْخَامِس لَو أكره على الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَفِي بُطْلَانهَا قَولَانِ كَمَا لَو أكره على

الْأكل فِي الصَّوْم فرعان الأول إِذا قَالَ وَقد اسْتَأْذن جمع على بَابه {ادخلوها بِسَلام آمِنين} إِن قصد الْقِرَاءَة لم تبطل صلَاته وَإِن قصد الْخطاب الْمُجَرّد بَطل وَإِن قصدهما جَمِيعًا لم تبطل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة الثَّانِي السُّكُوت الطَّوِيل ذكر الْقفال فِيهِ وَجْهَيْن أصَحهمَا أَنه لَا يبطل لِأَنَّهُ لَيْسَ يخرم نظم الصَّلَاة وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَنَّهُ يقطع الْوَلَاء بَين أَفعَال الصَّلَاة وعَلى هَذَا لَو كَانَ نَاسِيا فطريقان أَحدهمَا أَنه على الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَام الْكثير وَالثَّانِي أَنه كَالْكَلَامِ الْقَلِيل وَهُوَ الْأَصَح النّظر الْخَامِس ترك الْأَفْعَال الْكَثِيرَة فَلَو مَشى ثَلَاث خطوَات بطلت صلَاته وَكَذَا إِذا ضرب ثَلَاث ضربات وَأما الْفِعْل الْقَلِيل فَإِن كَانَ من جنس الصَّلَاة كركوع أَو قيام فَهُوَ مُبْطل وَإِن لم يكن من جِنْسهَا فَلَا لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ أذن ابْن عَبَّاس وأداره من يسَاره إِلَى يَمِينه وَأدْركَ أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّكُوع فَرَكَعَ ثمَّ خطا خطْوَة واتصل

بالصف فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زادك الله حرصا وَلَا تعد وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا مر الْمَار بَين يَدي أحدكُم فليدفعه فَإِن أَبى فليدفعه فَإِن أبي فليقاتله فَإِنَّهُ شَيْطَان فَدلَّ على جَوَاز الْفِعْل الْقَلِيل وَهَذَا الدّفع لَيْسَ

بِوَاجِب والمرور لَيْسَ بمحظور وَلكنه مَكْرُوه وَإِنَّمَا الْمُبَالغَة لتأكيد الْكَرَاهَة وَليكن للْمُصَلِّي حَرِيم يمْنَع الْمَار بِأَن يسْتَقْبل جدارا أَو سَارِيَة أَو يبسط مصلى أَو ينصب خَشَبَة بعيدَة مِنْهُ بِقدر مَا بَين الصفين فَتكون الْعَلامَة مَانِعَة من الْمُرُور وَلَو خطّ فِي الأَرْض خطا مَال فِي الْقَدِيم إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ وَكتب ذَلِك فِي

الْجَدِيد ثمَّ خطّ عَلَيْهِ فَلَو قصر الْمُصَلِّي وَترك الْعَلامَة فَهَل لَهُ منع الْمَار فعلى وَجْهَيْن يلْتَفت فِي أَحدهمَا إِلَى التَّقْصِير وَفِي الثَّانِي إِلَى عُمُوم الْخَبَر وَمهما لم يجد الْمَار سَبِيلا سواهُ فَلَا يدْفع الْحَال فَإِن قيل مَا حد الْفِعْل الْقَلِيل قُلْنَا غَايَة مَا قيل فِيهِ إِنَّه الذى لَا يعْتَقد النَّاظر إِلَى فَاعله أَنه معرض عَن الصَّلَاة وَهَذَا لَا يُفِيد تحديدا فقد تردد الْقفال فِي

تَحْرِيك الإصبع على التوالي فِي حِسَاب أَو إدارة مسبحة أَو فِي حكة وأصناف الْأَفْعَال كَثِيرَة فليعول الْمُكَلف فِيهِ على اجْتِهَاده وَلَو قَرَأَ الْقُرْآن من الْمُصحف وَهُوَ يقلب الأوراق أَحْيَانًا لم يضرّهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يحفظ الْقُرْآن على ظهر قلبه لم يجز الشَّرْط السَّادِس ترك الْأكل وَهُوَ مُبْطل قل أَو كثر لِأَنَّهُ يعد إعْرَاضًا عَن الصَّلَاة وَلَو كَانَ يمتص سكرة من غير مضغ فَوَجْهَانِ منشأ الْخلاف أَن الْوَاجِب هُوَ الْإِمْسَاك أَو ترك فعل الْأكل

خَاتِمَة شَرط الْمكْث فِي الْمَسْجِد عدم الْجَنَابَة فَيجوز للمحدث الْمكْث وللجنب العبور وَلَا يلْزمه فِي العبور انتحاء أقرب الطّرق وَلَيْسَ لَهُ التَّرَدُّد فِي حافات الْمَسْجِد من غير غَرَض وَلَيْسَ للحائض العبور عِنْد خوف التلويث وَكَذَا من بِهِ جِرَاحَة نضاخة بِالدَّمِ فَإِن أمنت التلويث فَوَجْهَانِ لغلط حكم الْحيض وَالْكَافِر يدْخل الْمَسْجِد بِإِذن آحَاد الْمُسلمين وَلَا يدْخل بِغَيْر إِذن على أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَ جنبا فَهَل يمْنَع من الْمكْث فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم كَالْمُسلمِ وَالثَّانِي لَا لأَنهم لَا يؤاخذون بتفصيل شرعنا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي أَحْكَام السجدات وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأولى سَجْدَة السَّهْو وَهِي سنة عندنَا وَعند أبي حنيفَة وَاجِبَة وَالنَّظَر فِي مقتضيه وَمحله الأول الْمُقْتَضِي وَهُوَ قِسْمَانِ ترك مَأْمُور وارتكاب مَنْهِيّ أما المأمورات فالأركان لَا تجبر بِالسُّجُود بل لَا بُد من التَّدَارُك وَإِنَّمَا يتَعَلَّق السُّجُود من جملَة السّنَن بِمَا يُؤَدِّي تَركه إِلَى تَغْيِير شعار ظَاهر خَاص بِالصَّلَاةِ وَهِي أَرْبَعَة التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس فِيهِ والقنوت فِي صَلَاة الصُّبْح وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وعَلى الْآل فِي التَّشَهُّد الثَّانِي إِن رأيناهما سنتَيْن

وَلَا يتَعَلَّق السُّجُود بترك السُّورَة وَلَا بترك الْجَهْر وَسَائِر السّنَن وَلَا بترك تَكْبِيرَات صَلَاة الْعِيد وَإِن كَانَ شعارا ظَاهرا وَلكنه لَيْسَ خَاصّا فِي الصَّلَاة بل يشرع فِي الْخطْبَة وَغَيرهَا فِي أَيَّام الْعِيد وعلق أَبُو حنيفَة بالسورة وتكبيرات الْعِيد وَترك الْجَهْر فرع لَو تعمد ترك هَذِه الأبعاض فَفِي السُّجُود وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْجد لِأَنَّهُ أحْوج إِلَى الْجَبْر من الساهي وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يجْبر مَعَ الْعذر والعامد غير مَعْذُور أما المنهيات فَمَا يبطل الصَّلَاة عمده يتَعَلَّق السُّجُود بسهوه وَمَا لَا فَلَا ومواضع السَّهْو سِتَّة نوردها على تَرْتِيب الصَّلَاة الأول إِذا نقل ركنا إِلَى غير مَحَله كَمَا لَو قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو التَّشَهُّد فِي الِاعْتِدَال من الرُّكُوع فقد جمع بَين النَّقْل وَتَطْوِيل ركن قصير فَالظَّاهِر أَنه يبطل عمده وَيَقْتَضِي السُّجُود سَهْوه وَفِيه وَجه بعيد أَنه لَا يبطل فَأَما إِذا وجد النَّقْل إِلَى ركن طَوِيل أَو تَطْوِيل الْقصير بِغَيْر نقل فَفِي الْبطلَان وَجْهَان أَحدهمَا نعم كنقل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقِرَاءَة كالجنس الْوَاحِد وعَلى هَذَا هَل يسْجد بسهوه فَوَجْهَانِ

وَجه قَوْلنَا يسْجد أَنه تَغْيِير ظَاهر وكما لَا يبعد أَن يناط السُّجُود بترك مَا لَيْسَ بِوَاجِب من السّنَن لَا يبعد أَن يناط بترك مَا لَيْسَ بمبطل من المنهيات وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن الضَّبْط الذى ذَكرْنَاهُ فِي المنهيات وَلَو نقل الْقِرَاءَة إِلَى الْقعُود بَين السَّجْدَتَيْنِ فَالْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه ركن طَوِيل كالقعود للتَّشَهُّد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا يبعد تَشْبِيه بالاعتدال عَن الرُّكُوع لِأَن الْمَقْصُود الظَّاهِر مِنْهُ الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ

الْموضع الثَّانِي إِذا نسي التَّرْتِيب فَمَا جَاءَ بِهِ قبل أَوَانه غير مُعْتَد بِهِ وَكَأَنَّهُ ارْتكب مَنْهِيّا سَهوا وَلَو ترك سَجْدَة من الأولى وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فَلَا يعْتد من سجدتيه فِي الثَّانِيَة إِلَّا بِوَاحِدَة يتم بهَا الرَّكْعَة الأولى وَلَو ترك أَربع سَجدَات من أَربع رَكْعَات كَذَلِك فَلم يحصل لَهُ إِلَّا رَكْعَتَانِ إِذْ حصل من كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَة فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيسْجد للسَّهْو وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَكْفِيهِ أَن يقْضِي أَربع سَجدَات فِي آخر صلَاته وَلَو ترك ثَمَانِي سَجدَات لم يجوز الْقَضَاء جَمِيعًا بل قَالَ مَا لم تتقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة وَاحِدَة لم يعْتد بهَا فرعان الأول لَو ترك سَجْدَة من الأولى وثنتين من الثَّانِيَة وَوَاحِدَة من الرَّابِعَة فقد حصل لَهُ من الثَّلَاثَة الأولى رَكْعَة تَامَّة حصلت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة بِلَا سَجْدَة فليسجد ثَانِيَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ وَإِن نسي أَربع سَجدَات وَلم يدر من أَيْن تَركهَا فليسجد سَجْدَة وَليصل رَكْعَتَيْنِ أَخذ بِهَذَا التَّقْدِير الذى هُوَ أَسْوَأ التقديرات الثَّانِي إِذا تذكر فِي قيام الثَّانِيَة أَنه ترك سَجْدَة فليجلس للسُّجُود فَإِن كَانَ قد جلس بَين السَّجْدَتَيْنِ على قصد الْفَرْض لم يلْزمه إِلَّا السُّجُود وَإِن كَانَ جلس على

قصد الاسْتِرَاحَة فيبنى على الْخلاف فِي أَن الْفَرْض هَل يتَأَدَّى بنية النَّفْل وَإِن لم يكن جلس بعد السَّجْدَة الأولى فَالْأَظْهر أَنه يجلس مطمئنا ثمَّ يسْجد وَفِيه وَجه أَن الْفَصْل بَين السَّجْدَتَيْنِ قد حصل بِالْقيامِ فيغنيه ذَلِك عَن الْجُلُوس الْموضع الثَّالِث إِذا قَامَ قبل التَّشَهُّد الأول نَاسِيا فَإِن انتصب لم يعد لِأَنَّهُ لابس فرضا فَإِن عَاد مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن الْجَوَاز لم تبطل لَكِن يسْجد للسَّهْو وَلَو كَانَ مَأْمُوما وَقد قعد الإِمَام وَقَامَ الْمَأْمُوم إِلَى الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَهَل يرجع فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم لِأَن الْقدْوَة أَيْضا وَاجِبَة وَالثَّانِي لَا لِأَن سبق الإِمَام بِرُكْن وَاحِد لَا يبطل الصَّلَاة وَلَا خلاف أَنه لَو قَامَ عمدا لم تبطل صلَاته وَلم يجز لَهُ الرُّجُوع إِلَى مُوَافقَة الإِمَام كَمَا لَو رفع

رَأسه قبل الإِمَام قصدا وَرجع إِلَى السُّجُود مَعَ الْعلم بطلت صلَاته وَإِن ظن أَن الإِمَام رَافع رَأسه فَرفع فَفِي جَوَاز الْعود وَجْهَان أما إِذا تذكر ترك السُّجُود قبل الانتصاب فَيرجع ثمَّ يسْجد للسَّهْو إِن كَانَ قد انْتهى إِلَى حد الراكعين لِأَنَّهُ زَاد رُكُوعًا وَإِن كَانَ دون حد الرُّكُوع فَلَا يسْجد

وَإِن ارْتَفع غير منحن وَصَارَ أقرب إِلَى الْقيام مِنْهُ إِلَى الْقعُود رَجَعَ وَفِي السُّجُود نظر قَالَ الصيدلاني يسْجد لِأَنَّهُ فعل كثير من جنس الصَّلَاة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن الخطوتين تزيد عَلَيْهِ فَلَا تبطل الصَّلَاة بعمده بِخِلَاف الانتصاب وَالرُّكُوع فَإِنَّهُمَا من جنس وَاجِبَات الصَّلَاة الْموضع الرَّابِع إِذا جلس عَن قيام الرَّكْعَة الْأَخِيرَة للتَّشَهُّد قبل السُّجُود فَإِذا تذكر بعد التَّشَهُّد تدارك السُّجُود وَأعَاد التَّشَهُّد وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ زَاد قعُودا طَويلا فِي غير وقته وَلَو ترك السَّجْدَة الثَّانِيَة فَتشهد ثمَّ تذكر تداركها وَأعَاد التَّشَهُّد وَلَا يسْجد لِأَن الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ ركن طَوِيل إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه قصير أَو قُلْنَا مُجَرّد نقل الرُّكْن يبطل فَأَما إِذا جلس عَن قيام وَلم يتَشَهَّد فَإِن طول سجد للسَّهْو وَإِن كَانَ خَفِيفا فَلَا لِأَن جلْسَة الاسْتِرَاحَة معهودة فِي الصَّلَاة وَهَذَا يساويها وَإِن لم يكن فِي مَحَله بِخِلَاف الرُّكُوع وَالسُّجُود الْموضع الْخَامِس إِذا تشهد فِي الْأَخِيرَة وَقَامَ إِلَى الْخَامِسَة نَاسِيا لم تبطل

صلَاته وَإِن كثرت أَفعاله الزَّائِدَة لِأَنَّهُ من جنس الصَّلَاة فَلَا تضر مَعَ النسْيَان وَلَكِن إِذا عَاد فَالْقِيَاس أَنه لَا يُعِيد التَّشَهُّد بل يسْجد للسَّهْو وَيسلم وَلَكِن ظَاهر النَّص أَنه يتَشَهَّد وَعلل ابْن سُرَيج بعلتين إِحْدَاهمَا رِعَايَة الْوَلَاء بَين التَّشَهُّد وَالسَّلَام وَالثَّانيَِة أَن لَا يبْقى السَّلَام مُنْفَردا غير مُتَّصِل بِرُكْن من أحد الْجَانِبَيْنِ والمعنيان ضعيفان وَفرع على الْمَعْنيين مَا إِذا هوى إِلَى السُّجُود قبل الرُّكُوع فَإِن حاذرنا بَقَاء السَّلَام فَردا فيكفيه أَن يرْتَفع إِلَى حد الراكعين وَإِن راعينا الْوَلَاء فَيَنْبَغِي أَن يقوم ويركع عَن الْقيام ليتصل الرُّكُوع بِقِيَام يعْتد بِهِ الْموضع السَّادِس إِذا شكّ فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِي عدد الرَّكْعَات أَخذنَا بِالْأَقَلِّ وَسجد للسَّهْو لاحْتِمَال الزِّيَادَة وَلَو سلم ثمَّ شكّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَن ذَلِك محطوط عَنهُ لِأَن الشَّك يكثر بعد الْفَرَاغ فَلَا سَبِيل إِلَى تتبعه وَالثَّانِي أَنه كالشك فِي الصَّلَاة فَإِن الأَصْل أَنه لم يفعل فَإِن قرب الزَّمَان قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ سلم فِي غير مَحَله وَإِن طَال الزَّمَان فَلَا وَجه إِلَّا الْقَضَاء والاستئناف وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ من تصرف الْأَصْحَاب أَنه إِذا شكّ بعد تطاول الزَّمَان فَلَا يعْتَبر لِأَن من تفكر فِي صَلَاة أمسه فيتشكك فِيهَا وغن قرب الزَّمَان يعْتَبر وَلَيْسَ من الشَّك أَن لَا يتَذَكَّر كَيْفيَّة صلَاته السَّابِقَة بل الشَّك أَن يتعارض اعتقادان على التَّنَاقُض بِأَسْبَاب حَاضِرَة فِي الذّكر توجب تنَاقض الِاعْتِقَاد قَوَاعِد أَرْبَعَة الأولى من شكّ فِي السَّهْو فَإِن كَانَ شكه فِي ترك مَأْمُور سجد للسَّهْو إِذْ الأَصْل أَنه لم يَفْعَله وَإِن شكّ فِي ارْتِكَاب مَنْهِيّ لم يسْجد لِأَن الأَصْل أَنه لم

يرتكب وَلَو علم السَّهْو وَشك فِي أَنه هَل سجد لَهُ أم لَا فَالْأَصْل أَنه لم يسْجد وَلَو سجد للسَّهْو فَلم يدر أَسجد سَجْدَتَيْنِ أم وَاحِدَة أَخذ بِالْأَقَلِّ لِأَن الأَصْل عدمهَا فَيسْجد سَجْدَة أُخْرَى ثمَّ لَا يسْجد لهَذَا السَّهْو لِأَنَّهُ يجْبر نَفسه وَغَيره وَالْأَخْذ بِالْيَقِينِ مطرد إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي من شكّ أصلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَخذ بِالْأَقَلِّ وَسجد لوُرُود الحَدِيث وَإِن كَانَ الأَصْل أَنه لم يزدْ قَالَ الشَّيْخ

أَبُو عَليّ سَبَب السُّجُود أَنه إِن لم يزدْ فقد أدّى الرَّابِعَة مَعَ تَجْوِيز أَنَّهَا خَامِسَة فتطرق إِلَيْهِ نقص حَتَّى لَو تَيَقّن قبل السَّلَام أَنَّهَا رَابِعَة سجدا أَيْضا لوُجُود التَّرَدُّد فِي نفس الرَّكْعَة وَأنكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تَعْلِيله وتفريعه وَقَالَ لَا يسْجد إِذا زَالَ التَّرَدُّد قبل السَّلَام الثَّانِيَة إِذا تكَرر السَّهْو لم يتَكَرَّر السُّجُود بل يَكْفِي لجَمِيع أَنْوَاع السَّهْو سَجْدَتَانِ وَقَالَ ابْن أبي ليلى لكل سَهْو سَجْدَتَانِ وَهُوَ لفظ الْخَبَر لَكِن مَعْنَاهُ تَعْمِيم السُّجُود على أَنْوَاع السَّهْو كَمَا يُقَال لكل ذَنْب تَوْبَة فَلَا يتَكَرَّر سُجُود السَّهْو إِلَّا إِذا أَدَّاهُ فِي غير مَحَله كَمَا إِذا سجد فِي صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ بَان لَهُم أَن الْوَقْت خَارج تمموها ظهرا وأعادوا السُّجُود وَكَذَا الْمُسَافِر إِذا قصر وَسجد فَتبين لَهُ انْتِهَاء السَّفِينَة إِلَى دَار الْإِقَامَة أتم وَأعَاد السُّجُود وَكَذَا الْمَسْبُوق إِذا سجد لسهو الإِمَام

مُتَابعَة أعَاد فِي آخر صَلَاة نَفسه على رَأْي فرع لَو ظن سَهوا فَسجدَ ثمَّ تبين أَنه لم يكن سَهْو فقد زَاد إِذا سَجْدَتَيْنِ قَالَ بعض الْمُحَقِّقين يسْجد الْآن لزِيَادَة السَّجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ذَلِك السُّجُود سُجُود سَهْو من وَجه وجبر لنَفسِهِ من وَجه كالشاة من الْأَرْبَعين فَإِنَّهَا تزكي نَفسهَا وَبَقِيَّة النّصاب الثَّالِثَة إِذا سَهَا الْمَأْمُوم لم يسْجد بل الإِمَام يتَحَمَّل عَنهُ كَمَا يتَحَمَّل عَنهُ سُجُود التِّلَاوَة وَدُعَاء الْقُنُوت والجهر فِي الجهرية وَالْقِرَاءَة واللبث فِي الْقيام من الْمَسْبُوق وَكَذَا التَّشَهُّد الأول عَن الْمَسْبُوق بِرَكْعَة وَاحِدَة فَإِن ثانيته ثَالِثَة الإِمَام وَلَا يقْعد فِيهَا نعم لَو سلم الإِمَام وَسلم الْمَسْبُوق نَاسِيا قَامَ إِلَى التَّدَارُك وَسجد لسَهْوه بِالسَّلَامِ بعد مُفَارقَة الإِمَام فرع لَو سمع صَوتا فَظن أَن الإِمَام سلم فَقَامَ ليتدارك ثمَّ عَاد إِلَى الْجُلُوس وَالْإِمَام بعد فِي الصَّلَاة فَكل مَا جَاءَ بِهِ سَهْو لَا يعْتد بِهِ وَلَا يسْجد لِأَن الْقدْوَة مطردَة فَإِذا سلم الإِمَام فليتدارك الْآن وَإِن تذكر فِي الْقيام أَن الإِمَام لم يَتَخَلَّل فَليرْجع

إِلَى الْقعُود أَو لينتظر قَائِما سَلَامه ثمَّ ليشتغل بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة الرَّابِعَة إِذا سَهَا الإِمَام سجد وَسجد الْمَأْمُوم لمتابعته فَلَو ترك قصدا بطلت صلَاته لمُخَالفَته وَلَو ترك الإِمَام السُّجُود فَظَاهر النَّص أَن الْمَأْمُوم يسْجد ثمَّ يسلم لِأَن سُجُوده لسهو الإِمَام ولمتابعته جَمِيعًا وَمذهب الْبُوَيْطِيّ والمزني وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب أَنه لَا يسْجد لِأَنَّهُ يسْجد لمتابعة الإِمَام فرع إِذا سهى الإِمَام بعد اقْتِدَاء الْمَسْبُوق سجد وَيسْجد الْمَأْمُوم مَعَه للمتابعة وَإِن لم يكن آخر صلَاته هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَهل يُعِيد فِي آخر صلَاته

فِيهِ قَولَانِ يلتفتان على أَنه يسْجد للسَّهْو أَو لمتابعته وَإِن لم يسْجد الإِمَام فَظَاهر النَّص أَنه يسْجد فِي آخر صَلَاة نَفسه وَإِن كَانَ الإِمَام سهى قبل اقتدائه فَهَل يلْحقهُ حكمه كَمَا بعد الِاقْتِدَاء ظَاهر الْمَذْهَب أَنه يلْحقهُ النّظر الثَّانِي فِي مَحل السُّجُود وكيفيته وَظَاهر النَّص الْجَدِيد أَنه يسْجد سَجْدَتَيْنِ بعد التَّشَهُّد قبل السَّلَام وَقَالَ مَالك إِن كَانَ السَّهْو نُقْصَانا فَهُوَ قبل السَّلَام وَإِن كَانَ زِيَادَة فبعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْجد بعد السَّلَام وَمذهب مَالك قَول قديم والتخيير بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير قَول ثَالِث ومستند الْأَقْوَال تعَارض الْأَخْبَار وَلَكِن كَانَ آخر سُجُود الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَام فَكَأَنَّهُ نَاسخ لغيره

ثمَّ هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الولى أَو الْوُجُوب فِيهِ وَجْهَان فَإِن فرعنا على أَنه قبل السَّلَام فَلَو سلم عَامِدًا قبل السُّجُود فقد فَوت على نَفسه وَإِن سلم نَاسِيا وتذكر على الْقرب فَهَل يسْجد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مسنون وَالسَّلَام ركن جرى محللا وَالثَّانِي نعم وَكَأن السَّلَام مَوْقُوف فَإِن عَن لَهُ السُّجُود بَان أَنه لم يتَحَلَّل حَتَّى لَو أحدث فِي السُّجُود بطلت صلَاته وَإِن عَن لَهُ أَن لَا يسْجد بَان أَنه كَانَ محللا

لَو طَال الزَّمَان ثمَّ تذكر تبين أَنه كَانَ محللا إِذْ تعذر التَّدَارُك وَإِن فرعنا على أَنه بعد السَّلَام فَهَل يفوت بطول الْفَصْل وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يفوت لِأَنَّهُ من التوابع كالتسليمة الثَّانِيَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ جبران فيضاهي جبرانات الْحَج

السجد الثَّانِيَة سَجْدَة التِّلَاوَة وَهِي سنة مُؤَكدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّهَا وَاجِبَة ومواضعها فِي الْقُرْآن أَربع عشرَة آيَة وَلَيْسَ فِي صُورَة ص سَجْدَة خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي الْحَج سَجْدَتَانِ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يسجدهما لم يقرأهما وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة وَأثبت ابْن سُرَيج سَجْدَة ص

وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن السجدات إِحْدَى عشرَة إِذْ روى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه مَا سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمفصل بعد مَا هَاجر وَلَكِن روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْجَدِيد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سجد فِي سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} قد رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَقد أسلم بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ

ثمَّ هَذِه السجدات مَشْرُوعَة فِي حق الْقَارئ والمستمع أَيْضا إِذا كَانَ متطهرا فَإِن لم يسْجد الْقَارئ لم يتَأَكَّد الِاسْتِحْبَاب فِي حق المستمع وَهَذَا فِي غير الصَّلَاة أما فِي الصَّلَاة فَلَا يسْجد الْمَأْمُوم إِلَّا لقِرَاءَة إِمَامه إِذا سجد مُتَابعَة لَهُ وَلَا يسْجد لقِرَاءَة نَفسه وَلَا لقِرَاءَة غير الإِمَام وَمن قَرَأَ آيَة من مجْلِس وَاحِد مرَّتَيْنِ فَهَل تشرع السَّجْدَة الثَّانِيَة لَهُ فِيهِ وَجْهَان فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة هَذِه السَّجْدَة قُلْنَا هى سَجْدَة وَاحِدَة تفْتَقر إِلَى شَرَائِط الصَّلَاة كالاستقبال وَالطَّهَارَة والستر وَفِي أقلهَا ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنَّهَا سَجْدَة فردة يسْتَحبّ أَن يكبر عِنْد الْهوى إِلَى الأَرْض وَقيل لَا يسْتَحبّ وَهُوَ بعيد وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من التَّحَرُّم بِالتَّكْبِيرِ وَالنِّيَّة وَسجْدَة وَسَلام

وَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يجب فَفِي اسْتِحْبَاب التَّشَهُّد وَجْهَان وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُجُود التِّلَاوَة يَقُول سجد وَجْهي للذى خلقه وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته وَرُوِيَ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي عنْدك بهَا أجرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا واقبلها مني كَمَا قبلت من عَبدك دَاوُد

الثَّالِث أَن التَّحَرُّم لَا بُد مِنْهُ أما السَّلَام فَلَا هَذَا فِي غير الصَّلَاة أما الْمُصَلِّي فيكفيه سَجْدَة وَاحِدَة وَيسْتَحب فِي حَقه تَكْبِير الْهَوِي وَلَا يسْتَحبّ رفع الْيَد وَفِي غير الصَّلَاة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يسْتَحبّ رفع الْيَد لِأَنَّهُ تَكْبِيرَة التَّحَرُّم فرع إِذا كَانَ مُحدثا فِي حَال التِّلَاوَة أَو كَانَ متطهرا وَترك السُّجُود حَتَّى طَال الْفَصْل فَفِي قَضَائهَا قَولَانِ كَمَا فِي النَّوَافِل ذكرهمَا صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ مَا لَا يتَقرَّب بِهِ ابْتِدَاء لَا يقْضى كَصَلَاة الخسوف وَالِاسْتِسْقَاء وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن المتقرب بِسَجْدَة من غير سَبَب جَائِز وَكَانَ الشَّيْخ أَو مُحَمَّد شدد النكير على فَاعل ذَلِك وَهُوَ الصَّحِيح فعلى هَذَا يبعد الْقَضَاء

السَّجْدَة الثَّالِثَة سَجْدَة الشُّكْر وَهِي مسنونة عِنْد مفاجأة الْإِنْسَان نعْمَة أَو دفع بلية وَلَا يسْتَحبّ لاستمرار نعْمَة وَلَو بشر بِولد فِي صلَاته فَسجدَ بطلت صلَاته بِخِلَاف التِّلَاوَة فَإِن لَهَا تعلقا بِالصَّلَاةِ ثمَّ إِن رأى فَاسِقًا وَسجد شكرا على دفع الْمعْصِيَة فليظهره فَلَعَلَّهُ يرعوي وَإِن رأى مبتلى فَلَا يظهره كي لَا يتَأَذَّى بِهِ فرع سُجُود التِّلَاوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة يُؤدى على الرَّاحِلَة فَأَما فِي غير الصَّلَاة فَهَل يُؤدى على الرَّاحِلَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة لِأَن أظهر أَرْكَانه تَمْكِين الْجَبْهَة من الأَرْض وينمحي بِالْإِيمَاءِ وَكَذَا الْخلاف فِي سُجُود الشُّكْر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّابِع فِي صَلَاة التَّطَوُّع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الأول فِي السّنَن الرَّوَاتِب تبعا للفرائض وَهُوَ إِحْدَى عشرَة رَكْعَة رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعده وركعتان بعد الْمغرب وركعتان بعد الْعشَاء وَالْوتر رَكْعَة وَزَاد آخَرُونَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قبل الظّهْر وَزَاد بَعضهم أَربع رَكْعَات قبل الْعَصْر فَيصير الْعدَد سبع عشرَة على وفْق عدد الْفَرَائِض وَلم يواظب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سنة قبل الْعَصْر حسب مواظبته على رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَاسْتحبَّ بعض الْأَصْحَاب رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب

أما الْوتر فَسنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاجِب وَأَحْكَامه خَمْسَة الأول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أوتر بِوَاحِدَة وَثَلَاث وَخمْس وَكَذَا بالأوتار إِلَى إِحْدَى عشرَة وَالنَّقْل مُتَرَدّد فِي ثَلَاث عشرَة فَلَو زَاد على هَذَا الْعدَد فَفِي صِحَة إيتاره

وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن هَذِه سنة مُؤَكدَة فَيتبع فِي حَدهَا التَّوْقِيف كركعتي الصُّبْح وَوجه الْجَوَاز أَن اخْتِلَاف فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على فتح الْبَاب الثَّانِي إِذا زَاد على الْوَاحِدَة فَفِي التَّشَهُّد وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتَشَهَّد تشهدين فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد فِي الْأَخِيرَة تشهدا وَاحِدًا كَيْلا يشْتَبه بالمغرب إِن كَانَ ثَلَاثًا وكل ذَلِك مَنْقُول وَالْكَلَام فِي الأولى نعم لَو تشهد فِي كل رَكْعَة فَهَذَا لم ينْقل الثَّالِث الْأَفْضَل فِي عدد الرَّكْعَات مَاذَا فِيهِ أَرْبَعَة أوجه

أَحدهمَا أَنه ثَلَاثَة مَوْصُولَة أفضل فَإِن الرَّكْعَة المفردة لَيست صَلَاة عِنْد قوم فليحترز عَن شُبْهَة الْخلاف الثَّانِي أَن رَكْعَة فردة أولى من ثَلَاثَة مَوْصُولَة بل من إِحْدَى عشرَة مَوْصُولَة لِأَنَّهُ صَحَّ مواظبته على الفردة فِي آخر التَّهَجُّد الثَّالِث أَن ثَلَاثَة مفصولة بسلامين أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة وَلَكِن الْوَاحِدَة لَيست أفضل من ثَلَاثَة مَوْصُولَة الرَّابِع أَن الإِمَام تسْتَحب فِي حَقه الموصولة لاخْتِلَاف اعْتِقَاد المقتدين بِهِ حَتَّى تصح صلَاته فِي كل مَذْهَب الحكم الرَّابِع حق الْوتر أَن يكون موترا لما قبله فَلَو أوتر بِوَاحِدَة قبل الْفَرْض لم يَصح وتره على الْمَذْهَب وَلَو أوتر بِوَاحِدَة بعد الْفَرْض فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن الموتر هُوَ النَّفْل وَكَأَنَّهُ مُقَدّمَة مَشْرُوطَة لصِحَّة الْوتر فَإِن وصل بهما تَسْلِيمَة وَاحِدَة نوى بِالْكُلِّ الْوتر وَإِن لم يصل نوى سنة ثمَّ يصير وترا بِمَا بعْدهَا وَليكن الْوتر آخر صلوَات المتهجد كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يُوتر وينام ثمَّ يقوم وَيُصلي ويوتر وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يُوتر ثمَّ ينَام وَيقوم ويتهجد

ووتره سَابق فَتَرَافَعَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا أَخذ بالحزم عَنى بِهِ أَبَا بكر وَهَذَا أَخذ بِالْقُوَّةِ عَنى بِهِ عمر وَكَانَ ابْن عمر يُوتر ثمَّ إِذا انتبه صلى رَكْعَة وَجعل وتره شفعا ويتهجد ثمَّ أعَاد الْوتر وسمى ذَلِك نقض الْوتر

وَاخْتَارَ الشَّافِعِي فعل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه الْخَامِس الْقُنُوت مُسْتَحبّ فِي الْوتر فِي النّصْف الْأَخير من رَمَضَان بعد رفع الرَّأْس من الرُّكُوع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقنت قبل الرُّكُوع فِي الْوتر جَمِيع السّنة وَقَالَ مَالك بعد الرُّكُوع فِي جَمِيع شهر رَمَضَان وَفِي الْجَهْر بِالْقُنُوتِ خلاف وَالْعَادَة قِرَاءَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فِي الْأَوليين وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين فِي الْأَخِيرَة وَقيل إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا رَوَت ذَلِك

الْفَصْل الثَّانِي فِي غير الرَّوَاتِب وهى تَنْقَسِم إِلَى مَا يشرع فِيهِ الْجَمَاعَة كالعيدين والخسوفين وَالِاسْتِسْقَاء وَهِي أفضل مِمَّا لَا جمَاعَة فِيهِ وأفضلها العيدان لتأقيتهما ثمَّ الخسوفان أما الرَّوَاتِب فأفضلها الْوتر وركعتا الْفجْر وَفِيهِمَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْوتر أفضل لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ وَإِن زادكم صَلَاة هى خير لكم من حمر النعم وَالثَّانِي رَكعَتَا الْفجْر أفضل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

فَأَما مَا عدا الرَّوَاتِب مِمَّا لَا تشرع الْجَمَاعَة فِيهَا كَصَلَاة الضُّحَى وتحية الْمَسْجِد وركعتي الطّواف وَسَائِر التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا وَفِي التَّرَاوِيح ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَن الْجَمَاعَة أولى تأسيا بعمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي الِانْفِرَاد أولى لِأَن الأستخلاء بِصَلَاة اللَّيْل أبعد من الرِّيَاء وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ لَا يخَاف الكسل ويحفظ الْقُرْآن فالانفراد أولى وَإِلَّا فالجماعة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضل تطوع الرجل فِي بَيته على تطوعه فِي الْمَسْجِد كفضل صَلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الْمَسْجِد على صلَاته فِي بَيته وَرُوِيَ أَنه قَالَ صَلَاة فِي

مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره من الْمَسَاجِد وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من ألف صَلَاة فِي مَسْجِدي وَأفضل من ذَلِك كل رجل يُصَلِّي فِي زَاوِيَة بَيته رَكْعَتَيْنِ لَا يعلمهما إِلَّا الله

قَوَاعِد ثَلَاثَة الأولى التطوعات الَّتِى لَا سَبَب لَهَا لَا حصر لركعاتها فَإِن تحرم بِرَكْعَة جَازَ لَهُ أَن يُتمهَا مائَة بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة إِن تحرم بِمِائَة جَازَ لَهُ أَن يقْتَصر على وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا وَله أَن يتَشَهَّد بَين كل رَكْعَتَيْنِ أَو فِي كل رَكْعَة أَو فِي آخر الصَّلَاة فَقَط وَالْأولَى من التطوعات مثنى مثنى على نهج الرَّوَاتِب الثَّانِيَة فِي قَضَاء النَّوَافِل ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنَّهَا تقضى قِيَاسا على الْفَرَائِض وَالثَّانِي لَا وَالْأَصْل أَن الْقَضَاء يجب بِأَمْر مُجَدد فَأَما الْفَرَائِض فَإِنَّهَا دُيُون لَازِمَة وَالثَّالِث مَا تأقت بِوَقْت وَلم يتبع فَرِيضَة كَصَلَاة الْعِيد وَالضُّحَى يقْضى والتوابع لَا تقضى فَإِن فرعنا على الْقَضَاء فَالصَّحِيح أَنه يقْضى أبدا

وَقيل إِن فَائت النَّهَار يقْضى بِالنَّهَارِ وفائت اللَّيْل بِاللَّيْلِ وَلَا يتَجَاوَز ذَلِك وَقيل تقضى نَافِلَة كل صَلَاة مَا لم يدْخل وَقت فَرِيضَة أُخْرَى أما رَكعَتَا الصُّبْح فتؤدى بعد فعل الصُّبْح وَلَا يكون قَضَاء فَإِن تَقْدِيمه أدب الثَّالِثَة يُؤَدِّي النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَفِي الِاضْطِجَاع خلاف وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أقوم فِي كل نَافِلَة لم يلْزمه كَمَا لَو الْتزم الْإِتْمَام وَالصَّوْم فِي السّفر فَإِن هَذَا تَغْيِير الشَّرْع فخلاف مَا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي أَربع رَكْعَات قَائِما فَإِن ذَلِك يلْزمه وَلَو لم يقل قَائِما وَقُلْنَا النّذر ينزل على وَاجِب الشَّرْع لَا على جائزه يلْزمه

= كتاب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة وَحكم الْقدْوَة والإمامة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي فضل الْجَمَاعَة الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الْأَئِمَّة الْبَاب الثَّالِث فِي الْقدْوَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي فضل الْجَمَاعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهى مُسْتَحبَّة غير وَاجِبَة إِلَّا فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَهِي وَاجِبَة عِنْد دَاوُد وَأحمد وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا هى فرض على الْكِفَايَة وفيهَا خمس مسَائِل الأولى الْجَمَاعَة فِي الْجمع الْكثير أفضل إِلَّا إِذا تعطل فِي جواره مَسْجِد فإحياؤه وَلَو بِجمع قَلِيل أفضل الثَّانِيَة تحوز الْمَرْأَة فضل الْجَمَاعَة اقتدت بِرَجُل أَو امْرَأَة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تقف إِمَام النِّسَاء وسطهن وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تفعل كَذَلِك

وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَة فِي حَقّهَا سَوَاء الثَّالِثَة وَردت رغائب فِي فَضِيلَة التَّكْبِيرَة الأولى وَذَلِكَ بِشُهُود الْمُقْتَدِي تحرم الإِمَام واتباعه لَهُ وَقيل مدرك الرُّكُوع مدرك لفضيلتها وَقيل لَا بُد من إِدْرَاك الْقيام أما فَضِيلَة الْجَمَاعَة فَتحصل بِأَن يدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع الْأَخير وَلَا تحصل بِمَا بعده لِأَنَّهُ لَيْسَ محسوبا لَهُ فِي صلَاته الرَّابِعَة إِذا أحس الإِمَام بداخل فِي الرُّكُوع فمده ليدركه الدَّاخِل فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن ذَلِك لَا يجوز بل لَو طول بطلت صلَاته وَالثَّانِي أَنه لَا يبطل وَلَكِن يكره وَالثَّالِث أَنه يسْتَحبّ وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يظْهر التَّطْوِيل وَأَن لَا يُمَيّز بَين دَاخل وداخل الْخَامِسَة من صلى فِي جمَاعَة لم يسْتَحبّ لَهُ إِعَادَتهَا فِي جمَاعَة أُخْرَى عل الصَّحِيح فَأَما الْمُنْفَرد فَيُعِيد بِالْجَمَاعَة ثمَّ الْفَرْض أَيهمَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه الأولى لسُقُوط الْخطاب بِهِ وعَلى هَذَا لَا ينوى فِي الثَّانِيَة

الْفَرْضِيَّة بل يكون ظهرا نفلا كَمَا فِي حق الصَّبِي وَقيل إِن كَانَ فِي الْمغرب يزِيد رَكْعَة حَتَّى لَا يبْقى وترا فَإِن الأحب فِي النَّوَافِل الشفع الثَّانِي أَن الْفَرْض أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه يحتستب الله تَعَالَى أَيهمَا شَاءَ فعلى هَذَا يَنْوِي الْفَرْض فِي الثَّانِي قَاعِدَة لَا رخصَة فِي ترك الْجَمَاعَات إِلَّا بِعُذْر عَام كالمطر مَعَ الوحل وَالرِّيح

الْعَاصِفَة بِاللَّيْلِ دون النَّهَار أَو خَاص مثل أَن يكون مَرِيضا أَو جائعا أَو ممرضا أَو هَارِبا من السُّلْطَان أَو مديونا مُعسرا يحذر الْحَبْس أَو حَافظ مَال أَو منشد ضَالَّة أَو عَلَيْهِ قصاص يَرْجُو الْعَفو عِنْد سُكُون الغليل أَو كَانَ حاقنا وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يصلين أحدكُم وَهُوَ زناء وروى وَهُوَ ضام وركيه أَي حاقنا

وَقيل إِنَّه إِذا ألحقته الْحَاجة بِحَيْثُ تبطل الْخُشُوع لم تصح صلَاته

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الْأَئِمَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِيمَن يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ وكل من لَا تُجزئ صلَاته عَن وجوب الْقَضَاء فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء بِهِ كمن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا وَلَو اقْتدى بِهِ مثله فَفِيهِ تردد وَمن صحت صلَاته فِي نَفسه صَحَّ الِاقْتِدَاء بِهِ إِلَّا الْمُقْتَدِي وَالْمَرْأَة والأمي فَيصح الِاقْتِدَاء بِالصَّبِيِّ وَالرَّقِيق والمتيمم وَالْمَرِيض الْقَاعِد وَيقف الْمُقْتَدِي قَائِما وَيصِح الِاقْتِدَاء بالأعمى وَهُوَ أولى من الْبَصِير لِأَنَّهُ أخشع خلافًا لأبي حنيفَة أما الْمُقْتَدِي فَهُوَ تَابع فَلَا يقْتَدى بِهِ وَأما الْمَرْأَة فَلَا يَقْتَدِي الرجل بهَا وَإِن كَانَ محرما وَلَا بالخنثى وَلَا يَقْتَدِي الْخُنْثَى بالخنثى فَإِن اقْتدى بخنثى ثمَّ بَان بعد الصَّلَاة كَونه رجلا فأصح الْقَوْلَيْنِ وجوب الْقَضَاء لِأَن التَّرَدُّد منع الصِّحَّة فِي الِابْتِدَاء أما الْمَرْأَة فتقتدي بِالرجلِ وبالخنثى وَلَا بَأْس بِحُضُور الْعَجُوز الْمَسْجِد ووقوفها فِي آخر الصَّفّ وَمن الْعلمَاء من كره ذَلِك

أما الْأُمِّي وَهُوَ الذى يحسن الْفَاتِحَة أَو شَيْئا مِنْهَا فَيصح اقْتِدَاء الْأُمِّي بِهِ وَلَا يَصح للقارئ الِاقْتِدَاء بِهِ عل الْجَدِيد لِأَنَّهُ بصدد تحمل الْفَاتِحَة عَن الْمَسْبُوق وَيجوز فِي الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ مُقْتَضى قِيَاس الِاقْتِدَاء بالمتيمم وَالْمَرِيض وَخرج قَول ثَالِث إِنَّه لَا يجوز فِي الجهرية على قَوْلنَا إِن الْمَأْمُوم فِي الجهرية لَا يقْرَأ وَيجوز فِي السّريَّة فرعان أَحدهمَا من يحسن النّصْف الأول من الْفَاتِحَة لَا يَقْتَدِي بِمن لَا يحسن إِلَّا النّصْف الْأَخير لِأَنَّهُ أُمِّي فِي بعض مَا يُحسنهُ المقتدى والأمي فِي حرف كالأمي فِي الْكل الثَّانِي لَو تبين بعد الصَّلَاة أَنه كَانَ أُمِّيا لم يلْزمه الْقَضَاء كَمَا لَو بَان كَونه جنبا أَو مُحدثا وَلَو بَان كَونه امْرَأَة أَو كَافِرًا لزمَه الْقَضَاء لِأَن ذَلِك مِمَّا تظهر علامته غَالِبا وَلَا يعرف بِصَلَاتِهِ كَونه مُسلما مَا لم يسمع مِنْهُ كلمة الشَّهَادَة وَلَو بَان كَونه زنديقا فَوَجْهَانِ لِأَن ذَلِك يخفى فِي غَالب الْأَمر

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن هُوَ أولى بِالْإِمَامَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يؤمكم أقرؤكم فَإِن لم يكن فأعلمكم بِالسنةِ فَإِن لم يكن فأقدمكم سنا إِلَّا أَن الأفقه مقدم على الأقرأ لِأَن حَاجَة الصَّلَاة إِلَى الْفِقْه أَكثر والفقيه أَيْضا مقدم على الْمَشْهُور بالورع لذَلِك وَإِن كَانَ الْوَرع مقدما عل الْفَقِيه الْفَاسِق وَقدم رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الأقرأ إِذْ كَانَ أقرأهم فِي ذَلِك الْعَصْر أفقههم فأحق الْخِصَال الْفِقْه ثمَّ ظُهُور الْوَرع ثمَّ السن وَالنّسب وَفِيهِمَا قَولَانِ

أَحدهمَا تَقْدِيم النّسَب لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قدمُوا قُريْشًا وَالثَّانِي تَقْدِيم السن لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقدمكم سنا فَإِن تَسَاوَت هَذِه الصِّفَات فيرجح بِحسن المنظر ونظافة الثَّوْب وَمن كره الْقَوْم إِمَامَته كره لَهُ ذَلِك وَأما بِاعْتِبَار الْمَكَان فالوالي أولى من الْمَالِك وَالْمَالِك أولى من غَيره وَالْمُسْتَأْجر أولى من الْمَالِك وَالسَّيِّد أولى من العَبْد السَّاكِن وَفِي الْمُسْتَعِير والمعير تردد للأصحاب وَالله تَعَالَى أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي شَرَائِط الْقدْوَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وشروطها الْمُتَابَعَة قصدا وفعلا وموقفا وَيرجع ذَلِك إِلَى شُرُوط سِتَّة الأول أَن لَا يتَقَدَّم فِي الْموقف على الإِمَام فَإِن فعل بطلت صلَاته على الْجَدِيد خلافًا لمَالِك وَلَا تبطل بتقدمه صَلَاة الإِمَام وَلَا بتقدم الْمَرْأَة إِذا اقتدت خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو ساواه جَازَ وَلَكِن التَّخَلُّف قَلِيلا أحب ثمَّ التعويل على مُسَاوَاة الكعب فَإِن الْمشْط قد يطول وَالْمُسْتَحب إِذا كَانُوا ثَلَاثَة أَن يصطفوا خَلفه وَالْوَاحد يقف على يَمِينه والاثنان يصطفان عندنَا وَقَالَ ابْن مَسْعُود يقف أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَلَو أم بِرَجُل وامراة وقف الرجل عَن يَمِينه وَالْمَرْأَة خَلفه وَلَو أم بِامْرَأَة وَخُنْثَى وقفت الْمَرْأَة خلف الْخُنْثَى وَمِمَّا يسْتَحبّ فِي الْموقف أَن لَا يقف الدَّاخِل مُنْفَردا إِذا وجد صفا فَلْيدْخلْ الصَّفّ أَو يجذب إِلَى نَفسه وَاحِدًا مِنْهُم إِن ضَاقَ الصَّفّ وَحقّ الْمَجْرُور أَن يساعده وَصَلَاة

الْمُنْفَرد فِي الصَّفّ مَكْرُوهَة صَحِيحَة وَقَالَ أَحْمد هى بَاطِلَة فرع لَو وقفُوا حول الْكَعْبَة أَو دَاخل الْبَيْت مُتَقَابلين صحت صلَاتهم إِذْ لَا يظْهر فِيهِ التَّقَدُّم وَقد قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْمَأْمُوم أقرب إِلَى الْكَعْبَة فِي جِهَته من الإِمَام الشَّرْط الثَّانِي أَن يجْتَمع الْمَأْمُوم وَالْإِمَام فِي مَكَان وَاحِد فَلَا يبعد تخلفه وَلَا يكون بَينهمَا حَائِل لتحصل نِسْبَة الِاجْتِمَاع والمواضع ثَلَاثَة مَوضِع بنى للصَّلَاة فَهُوَ جَامع وَإِن اخْتلف الْبناء وَبعد التَّخَلُّف فَهُوَ كالمسجد فَلَو وقف على السَّطْح الإِمَام فِي بِئْر فِي الْمَسْجِد صَحَّ وَلَو كَانَا فِي بَيْتَيْنِ فِي الْمَسْجِد أَو مسجدين متجاورين وَبَينهمَا بَاب لافظ مَفْتُوح أَو مَرْدُود وَصَحَّ الْموضع الثَّانِي الساحة الَّتِى لَا يجمعها حَائِط فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمَأْمُوم فِيهَا على حد قرب وَهُوَ غلوة سهم مَا بَين مِائَتي ذِرَاع إِلَى ثلثمِائة لِأَن الْمَكَان إِذا اتَّسع كَانَ هَذَا اجتماعا وَقيل إِنَّه مَأْخُوذ من مَسَافَة بعد المقابلين فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع عَن رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَنهم كَانُوا مقتدين وَحكم الصَّلَاة مُسْتَمر عَلَيْهِم وَيُمكن حد ذَلِك بِمَا يبلغ الْمَأْمُوم فِيهِ صَوت الإِمَام عِنْد الْجَهْر الْمُعْتَاد وَهَذَا جَار فِي الْأَمْلَاك والبيوت الواسعة وَقيل إِنَّه يشْتَرط اتِّصَال الصَّفّ فِي الْملك وَهُوَ بعيد فرع إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم شَارِع مطروق أَو نهر لَا يَخُوض فِيهِ غير السابح فَفِي انْقِطَاع الِاجْتِمَاع بِهِ وَجْهَان أما النَّهر الذى يَخُوض فِيهِ السابح فَلَا يقطع الِاتِّصَال الْموضع الثَّالِث الْأَبْنِيَة الْمَمْلُوكَة وَبهَا تلتحق الْمدَارِس والرباطات فَإِذا وَقفا فِي بناءين لم يَصح إِلَّا باتصال محسوس كَمَا إِذا تواصلت المناكب على الْبَاب المفتوح بَين البنائين فَلَو بَقِي على العتبة مقَام وَاقِف لم يحز وَإِن تخَلّل فُرْجَة لَا تتسع لواقف

فَالْأَصَحّ الْجَوَاز وَلَو تقدم على الصَّفّ الْمُتَّصِل فِي الْبناء الذى لَيْسَ فِيهِ الإِمَام لم تصح صلَاته وَلَو وقف وَرَاءَهُمْ صَحَّ فَأَما إِذا كَانَ الِاتِّصَال بتلاحق الصُّفُوف بِأَن كَانَ الْبناء الآخر وَرَاء الإِمَام لَا على طرق جَنْبَيْهِ فَإِن زَاد مَا بَين الصفين على ثَلَاثَة أَذْرع لم يَصح وَإِن لم يزدْ فَوَجْهَانِ بِخِلَاف اتِّصَال المناكب فَإِن ذَلِك اتِّصَال مُحَقّق وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ اخْتِلَاف الْبناء لَا يضر إِذا لم يكن بَينهمَا جِدَار حَائِل فروع ثَلَاثَة الأول الْبَحْر كالموات فَلَو كَانَ فِي سفينتين مكشوفتين وَبَينهمَا أقل من غلوة سهم جَازَ فَإِن مَا بَينهمَا بحوض السَّفِينَة لَا كالنهر على الأَرْض وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يحوز إِلَّا إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا مربوطة بِالْأُخْرَى بِحَيْثُ يُؤمن من التباعد الثَّانِي إِذا اخْتلف الْموقف ارتفاعا وانخفاضا فَهُوَ كاختلاف الْبناء فَلَا بُد من

اتِّصَال محسوس وَهُوَ أَن يلقى رَأس المتسفل ركبة العالي تَقْديرا لَو قدر لكل وَاحِد مِنْهُمَا قامة معتدلة الثَّالِث إِذا اخْتلف الْبِقَاع بِأَن وقف الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَالْمَأْمُوم فِي ملك فَهُوَ كَمَا لَو كَانَا فِي بناءين مملوكين وَإِن كَانَ الْمَأْمُوم فِي موَات وَلَا حَائِل فَيعْتَبر غلوة سهم من موقف الإِمَام على وَجه وَمن آخر الْمَسْجِد على وَجه وَلَو كَانَ بَينهمَا حَائِل يمْنَع الْبَصَر والوصول كالجدار لم يجز على الْأَصَح وَمَا يمْنَع الْوُصُول دون الْبَصَر كالشباك أَو الْبَصَر دون الْوُصُول كالباب الْمَرْدُود فَوَجْهَانِ وَالْبَاب المغلق كالجدار الشَّرْط الثَّالِث نِيَّة الِاقْتِدَاء فَلَو تَابع من غير النِّيَّة بطلت صلَاته وَلَا يجب على الإِمَام نِيَّة الْإِمَامَة وَلَكِن لَا ينَال الثَّوَاب إِذا لم ينْو وَلَا يجب على الْمَأْمُوم تعْيين الإِمَام وَلَو عينه وَأَخْطَأ بَطل بِخِلَاف الإِمَام إِذا عين الْمُقْتَدِي وَأَخْطَأ وَلَو ربط الْمُقْتَدِي نِيَّته بالحاضر وَقَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاء بزيد الْحَاضِر فَإِذا هُوَ عَمْرو فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان كَمَا إِذا قَالَ بِعْت هَذِه الرمكة فَإِذا هى نعجة

وَاخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم لَا يضر فَيجوز اقْتِدَاء المتنفل بالمفترض وَعَكسه وَفِي الْأَدَاء بِالْقضَاءِ وَعَكسه وَإِن كَانَ أَحدهمَا ظهرا وَالْآخر عصرا خلافًا لأبي حنيفَة الشَّرْط الرَّابِع توَافق الصَّلَاتَيْنِ فِي النّظم فَلَا يَصح الِاقْتِدَاء فِي الرَّوَاتِب بِمن يُصَلِّي على الْجِنَازَة أَو صَلَاة الخسوف لتعذر الْمُتَابَعَة وَقيل إِنَّه يَصح ثمَّ عِنْد الْمُخَالفَة ينْفَرد فرَاغ الإِمَام مِمَّا يُخَالف وَهُوَ بعيد نعم لَو اخْتلف عدد الرَّكْعَات فَإِن كَانَ صَلَاة الْمَأْمُوم أطول جَازَ وَيكون كالمسبوق إِذا أسلم الإِمَام وَإِن كَانَ أقصر كَمَا لَو اقْتضى فِي الصُّبْح بِمن يُصَلِّي الظّهْر فَوَجْهَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة ثمَّ إِذْ قَامَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة تخير فَإِن شَاءَ سلم وَإِن شَاءَ صَبر حَتَّى

يعود إِلَيْهِ الإِمَام فَيسلم مَعَه وَلَا يُقَال يقوم ويوافق وَلَا يحْتَسب لَهُ لِأَن ذَلِك لَا يحْتَمل فِي رَكْعَات مُسْتَقلَّة الشَّرْط الْخَامِس الْمُوَافقَة وَهُوَ أَن لَا يشْتَغل بِمَا تَركه الإِمَام من سُجُود تِلَاوَة أَو قعُود للتَّشَهُّد الأول فَإِن فعل بطلت صلَاته فَأَما جلْسَة الاسْتِرَاحَة فَلَا بَأْس وَأما الْقُنُوت فَلَا بَأْس بِهِ أَيْضا إِن أدْرك الإِمَام فِي السُّجُود إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تخلف يسير الشَّرْط السَّادِس الْمُتَابَعَة وَهُوَ أَن لَا يتَقَدَّم على الإِمَام وَلَا يتَخَلَّف عَنهُ تخلفا كثيرا وَلَا يساوقه بل يُتَابِعه فَإِن ساوق لم يضر إِلَّا فِي التَّكْبِير فَإِن ابْتِدَاء تكبيره يَنْبَغِي أَن يكون بعد فرَاغ الإِمَام على الْعَادة وَالْمُسْتَحب أَن يكبر الإِمَام إِذا ظن اسْتِوَاء الصُّفُوف بعد قَوْله اسْتَووا رحمكم الله وَالنَّاس يسوون صفوفهم بعد فرَاغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوون عِنْد قَوْله حَيّ على الصَّلَاة وَيكبر الإِمَام عِنْد قَوْله قد قَامَت الصَّلَاة وَالصَّحِيح أَن السَّلَام كَسَائِر الْأَركان فَيجوز المساوقة فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هُوَ كالتكبيرة أما التَّخَلُّف إِن كَانَ بِرُكْن وَاحِدًا لم يبطل وَإِن كَانَ بركنين بَطل لَو لم يرْكَع حَتَّى سجد الإِمَام بطلت صلَاته قطعا وَلَو لم يرْكَع حَتَّى رفع رَأسه من الرُّكُوع

فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يبطل لِأَن الِاعْتِدَال أَيْضا ركن فقد سبق بركنين وَالثَّانِي لَا لعلتين إِحْدَاهمَا أَنه لَيْسَ ركنا مَقْصُودا فعلى هَذَا لَا تبطل مَا لم يلابس السُّجُود قبل رُكُوع الْمَأْمُوم الثَّانِيَة أَن الِاعْتِدَال إِنَّمَا يكون سَابِقًا بِهِ إِذا فرغ عَنهُ لَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ فعلى هَذَا إِذا هوى للسُّجُود قبل رُكُوعه بطلت صلَاته وَإِن لم يلابس السُّجُود بعد وَحكم التَّقَدُّم كالتخلف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد التَّقَدُّم بِرُكْن وَاحِد يبطل لِأَنَّهُ لَا يَلِيق بالمتابعة كالتقدم فِي الْمَكَان وَهُوَ بعيد فِي الْمَذْهَب هَذَا كُله إِذا تَأَخّر بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ مَعْذُورًا كالمسبوق إِذا أدْرك بعض الْفَاتِحَة فَثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا يتْرك الْفَاتِحَة ويركع لِأَن السَّبق يسْقط كل الْفَاتِحَة فبعضها أولى وَالثَّانِي يتمم لِأَنَّهُ الْتزم الْخَوْض وَالثَّالِث إِن اشْتغل بِدُعَاء الاستفتاح فقد قصر فليتدارك وَإِلَّا فليركع فَإِن قُلْنَا بتدارك فَرفع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع قبل رُكُوعه فقد فَاتَتْهُ هَذِه الرَّكْعَة وَتبطل صلَاته على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن هَذَا الرُّكُوع قَائِم مقَام رَكْعَة فَكَأَنَّهُ سبقه بِرَكْعَة وَهُوَ بعيد فروع خَمْسَة الأول الْمَسْبُوق يَنْبَغِي أَن يكبر للْعقد ثمَّ للهوي فَإِن اقْتصر على وَاحِد وَقصد الْهَوِي بِهِ لم ينْعَقد وَإِن قصد العقد انْعَقَد بِشَرْط أَن يَقع تكبيره فِي اعتداله وَإِن أطلق فَالْقِيَاس أَنه ينْعَقد لقَرِينَة الْبِدَايَة

وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ قارنته قرينَة الْهَوِي وَلَا مُخَصص الثَّانِي إِذا نوى قطع الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع وَفَاء بالملتزم وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَنَّهُ نفل فَلَا يلْزم بِالشُّرُوعِ وَالثَّالِث الْجَوَاز للمعذور بِعُذْر يجوز ترك الْجَمَاعَة بِهِ وعَلى الْأَقْوَال إِذْ أحدث الإِمَام انْقَطَعت الْقدْوَة وَلم تبطل صَلَاة الْمَأْمُوم الثَّالِث الْمُفْرد إِذا أنشأ الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة فالنص الْجَدِيد يدل على مَنعه وَالْقَدِيم على جَوَازه وَيشكل على الْجَدِيد جَوَاز الِاسْتِخْلَاف فَإِن فِيهِ اقْتِدَاء بِمن لم يقتد بِهِ وَإِنَّمَا منع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الِاسْتِخْلَاف فِي الْقَدِيم وَلَكِن لَيْسَ فِي الِاسْتِخْلَاف انْتِقَال الْمُنْفَرد إِلَى الِاقْتِدَاء بل هُوَ تَبْدِيل المقتدى بِهِ الرَّابِع إِذا شكّ الْمَسْبُوق فَلم يدر أَن الإِمَام فَارق حد الراكعين قبل رُكُوعه فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه مدرك إِذْ الأَصْل بَقَاء الرُّكُوع وَالثَّانِي لَا إِذْ الأَصْل عدم الْإِدْرَاك

الْخَامِس إِذا كَانَ مَسْبُوقا فَسلم الإِمَام نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه يقوم من غير تَكْبِير وعلته أَنه كبر فِي ارتفاعه عَن السُّجُود مَعَ الإِمَام وَهُوَ الِانْتِقَال فِي حَقه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يكبر هَاهُنَا للانتقال

= كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين = وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي الْقصر الْبَاب الثَّانِي فِي الْجمع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْقصر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رخصَة جَائِزَة عِنْد وجود السَّبَب وَالْمحل وَالشّرط وَالنَّظَر الأول فِي السَّبَب وَهُوَ كل سفر طَوِيل مُبَاح فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود الأول السّفر وَحده الِانْتِقَال مَعَ ربط الْقَصْد بمقصد مَعْلُوم فالهائم وراكب التعاسيف لَا يترخص وَإِن مَشى ألف فَرسَخ وَأمر السّفر ظَاهر وَإِنَّمَا الغموض فِي بدايته ونهايته أما الْبِدَايَة فَهِيَ الِانْفِصَال عَن الوطن والمستقر والمستقر ثَلَاثَة الأول الْبَلَد والانفصال عَنهُ بمجاوزة السُّور فَإِن لم يكن لَهُ سور فبمفارقة الْبُنيان

فَإِن كَانَ وَرَاء الْبُنيان خراب فَفِي اشْتِرَاط مجاوزته تردد وَلَا يشْتَرط مُجَاوزَة الْمزَارِع والبساتين الَّتِى يخرج إِلَيْهَا للتنزه الثَّانِي الْقرْيَة وَلَا بُد فِيهَا من مُجَاوزَة الْبَسَاتِين والمزارع المحوطة دون الَّتِى لَيست محوطة وَإِن اتَّصَلت أبنية قَرْيَة بِأُخْرَى فَالْقِيَاس أَن يَكْفِيهِ مُجَاوزَة قريته وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن ذَلِك لَا يَكْفِي الثَّالِث الصَّحرَاء والانفصال عَنْهَا بمجاوزة الْخيام والنادي والدمن وَإِن نزلُوا على منهل أَو محتطب فَلَا بُد من مجاوزتهما إِلَّا أَن يَتَّسِع بِحَيْثُ لَا يخْتَص بالنازلين وَإِن تَفَرَّقت الْخيام بِحَيْثُ لَا يَسْتَعِين بَعضهم بِبَعْض فَلِكُل حلَّة حكمهَا وَقد قَالَ

الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو نزلُوا فِي وَاد وَالسّفر فِي عرضه فَلَا بُد من جزعه وَقَالَ الْأَصْحَاب إِن كَانُوا على ربوة فَلَا بُد من الهبوط أَو فِي وهدة فَلَا بُد من الصعُود فرع إِذا رَجَعَ الْمُسَافِر ليَأْخُذ شَيْئا خَلفه فَلَا يقصر فِي الرُّجُوع وَلَا فِي مستقره فَإِن لم يكن المستقر وطنا بل أَقَامَ بهَا غَرِيبا فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه كسفره أما نِهَايَة السّفر فَتحصل بِأحد أُمُور ثَلَاثَة الأول الْوُصُول إِلَى عمرَان الوطن الثَّانِي الْعَزْم على الْإِقَامَة مُطلقًا أَو مُدَّة تزيد على ثَلَاثَة أَيَّام فِي مَوضِع تتَصَوَّر الْإِقَامَة بِهِ وَلَو فِي وَاد فَإِن كَانَ لَا يتَصَوَّر فَالْأَصَحّ أَنه يترخص لِأَن الْعَزْم فَاسد الثَّالِث الْإِقَامَة فِي صورتهَا إِذا زَادَت على ثَلَاثَة أَيَّام انْقَطع التَّرَخُّص وَلَا

يحْسب فِي الثَّلَاث يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج ثمَّ الْمُقِيم فَوق الثَّلَاثَة إِذا كَانَ عَازِمًا على أَن يشْغلهُ أَلا يتنجز فِي الثَّلَاثَة فَلَا يترخص كالمتفقه والتاجر تِجَارَة كَبِيرَة إِلَّا إِذا كَانَ شغله قتالا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يترخص لما رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصر فِي بعض الْغَزَوَات ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَرُوِيَ سَبْعَة عشر وَرُوِيَ عشْرين

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُقيم والقتال المجدد لَا يرخص فِي الْقصر وَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحمل على عزمه الارتحال فِي كل يَوْم إِن تنجز غَرَضه فَإِن قُلْنَا يترخص فَفِي الزِّيَادَة على هَذِه الْمدَّة قَولَانِ الأقيس الْجَوَاز لِأَنَّهُ لَو طَال الْقِتَال على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتمرّ على الْقصر وَلما رُوِيَ أَن ابْن عمر أَقَامَ على الْقِتَال بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر وَكَانَ يقصر أما إِذا كَانَ عزمه الْخُرُوج فِي كل سَاعَة لَو تنجز غَرَضه وَلَكِن انْدفع بعائق فَإِن كَانَ غَرَضه الْقِتَال يرخص على الصَّحِيح للْخَبَر وَمن منع حمل ذَلِك على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَإِن كَانَ غَرَضه غير الْقِتَال فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَن هَذَا خاصية الْقِتَال وَإِلَّا فَهُوَ مُقيم من حَيْثُ الصُّورَة

وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يترخص لِأَنَّهُ منزعج بِالْقَلْبِ وَلَا فرق بَين الْقِتَال وَبَين غَيره فِي حكم الْقيَاس فرع لَو خرج من بَغْدَاد يقْصد الرّيّ فَبَدَا لَهُ أثْنَاء الطَّرِيق الْعود انْقَطع سَفَره فَلَا يقصر فِي الْحَال مَا لم يُفَارق مَكَانَهُ كمشي السّفر ثمَّ إِن فَارق وَكَانَ بَينه وَبَين مقْصده مرحلتان قصر وَإِلَّا فَلَا وَلَو انْتقض عزمه فِي الْعود وَأَرَادَ التَّمَادِي إِلَى الرّيّ وَلم تبْق مرحلتان لَا يقصر وَكَذَا لَو غير عزيمته من الرّيّ إِلَى هَمدَان انْقَطع ذَلِك السّفر فليفارق مَكَانَهُ ثمَّ ليترخص الْقَيْد الثَّانِي الطَّوِيل وَحده مسيرَة يَوْمَيْنِ وبالمراحل مرحلتان وبالأميال ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا بالهاشمي كل ثَلَاثَة أَمْيَال فَرسَخ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رخص السّفر ثَمَانِيَة أَرْبَعَة مِنْهَا تتَعَلَّق بالقصير والطويل كَالصَّلَاةِ على الرَّاحِلَة على أصح الْقَوْلَيْنِ وَترك الْجُمُعَة وَالتَّيَمُّم وَأكل الْميتَة وَأَرْبَعَة تتلعق بالطويل الْقصر وَالْفطر وَالْمسح ثَلَاثَة أَيَّام وَالْجمع فِي أصح الْقَوْلَيْنِ ثمَّ الصَّوْم أفضل من الْفطر وَفِي الْقصر والإتمام قَولَانِ وَقَالَ الصيدلاني الْقصر أفضل وَفِي الْفطر قَولَانِ لِأَن بدل الصَّوْم يثبت فِي الذِّمَّة ونقصان الْقصر لَا يثبت فِي الذِّمَّة ثمَّ لطول السّفر أَرْبَعَة شَرَائِط الأول أَن يعزم عَلَيْهِ فِي الأول فَلَو خرج فِي طلب الْآبِق على عزم أَن ينْصَرف مهما لقِيه لم يترخص وَإِن مَشى ألف فَرسَخ إِلَّا إِذا علم أَولا أَنه لَا يلقاه قبل مرحلَتَيْنِ الثَّانِي أَن لَا يحْسب الإياب فِي طول السّفر فَلَو كَانَ مَجْمُوع الإياب

والذهاب مرحلَتَيْنِ لَا يقصر لَا ذَاهِبًا وَلَا جائيا الثَّالِث أَن يكون طوله ضَرُورِيًّا فَلَو ترك الطَّرِيق الْقصير وسلك الطَّوِيل لم يقصر إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ غَرَض من أَمن أَو سهولة طَرِيق وَفِي غَرَض التَّنَزُّه والتفرج وَجْهَان الرَّابِع أَن لَا يعزم على الْإِقَامَة فِي الطَّرِيق فَلَو قصد سفرا طَويلا على أَن يُقيم فِي كل مرحلة أَرْبَعَة أَيَّام لم يترخص الْقَيْد الثَّالِث الْمُبَاح فالعاصي بِسَفَرِهِ لَا يترخص كالآبق والعاق وقاطع الطَّرِيق لِأَن الرُّخْصَة إِعَانَة وَلَا يعان على الْمعْصِيَة وَمن عين مقصدا وَلَا غَرَض لَهُ لم يترخص لِأَنَّهُ عَاص بإتعابه نَفسه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد من الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة طوف الصُّوفِي إِذا لم يكن لَهُ غَرَض سوى رُؤْيَة الْبِلَاد وَفِي جَوَاز أكل الْميتَة وَالْمسح يَوْمًا وَلَيْلَة للعاص وَجْهَان الْأَصَح الْجَوَاز فَإِنَّهُ لَيْسَ من خَصَائِص السّفر فَأشبه تنَاول الْمُبَاحَات أما العَاصِي فِي سَفَره بالشرب وَغَيره فيترخص فرع لَو أنشأ سفرا مُبَاحا ثمَّ غير الْقَصْد إِلَى مَعْصِيّة فالنص أَنه يترخص لِأَن الشُّرُوط إِنَّمَا تعْتَبر عِنْد ابْتِدَاء الْأَسْبَاب وَقد انْعَقَد هَذَا السّفر سَببا مرخصا وَكَذَا على الْعَكْس الْآبِق إِذا توجه إِلَى سَيّده لم يترخص لفقد الشَّرْط فِي الِابْتِدَاء وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن النّظر إِلَى الْحَال لَا إِلَى الِابْتِدَاء وَهَذَا أوضح

النّظر الثَّانِي فِي مَحل الْقصر وَهُوَ كل صَلَاة ربَاعِية مُؤَدَّاة فِي السّفر أدْرك وَقتهَا فِي السّفر والرباعية احْتِرَاز عَن الْمغرب وَالصُّبْح فَلَا قصر فيهمَا والمؤداة احْتِرَاز عَن المقضية وَلَا قصر إِذا قضى فِي السّفر مَا فَاتَ فِي الْحَضَر وَلَو فَاتَ فِي السّفر فَفِي قَضَائهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ مَذْهَب الْمُزنِيّ جَوَاز الْقصر إِذْ لم يجب إِلَّا هَذَا الْقدر وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ هَذِه رخصَة وَوقت الْقَضَاء متسع الثَّالِث إِن قضى فِي السّفر قصر وَأما فِي الْحَضَر فَلَا وَإِن تحلل حضر بَين سفرين فَوَجْهَانِ فرع نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُسَافِر فِي آخر الْوَقْت يقصر وَنَصّ فِي

الْحَائِض إِذا أدْركْت أول الْوَقْت أَنه تلزمها الصَّلَاة فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أحد الْقَوْلَيْنِ أَنه يلْزم بِأول الْوَقْت الْإِتْمَام على الْمُقِيم وأصل الصَّلَاة على الْحَائِض لإدارك وَقت الْإِمْكَان ولتغليب جَانب الْوُجُوب وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوُجُوب إِنَّمَا يسْتَقرّ بِكُل الْوَقْت أَو بِآخِرهِ وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْحيض إِذا طَرَأَ كَانَ ذَلِك الْقدر من الْوَقْت بِالْإِضَافَة إِلَى إمكانها كل الْوَقْت بِخِلَاف الْمُسَافِر النّظر الثَّالِث فِي الشَّرْط وَهُوَ اثْنَان الأول أَن لَا يَقْتَدِي بمتم فَإِن اقْتدى بِهِ وَلَو فِي لَحْظَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَو تردد فِي أَن إِمَامَة مُسَافر أَو مُقيم لزمَه الْإِتْمَام وَإِن كَلَام مُسَافِرًا بِمُجَرَّد التَّرَدُّد بِخِلَاف مَا لَو شكّ أَن إِمَامه هَل نوى الْإِتْمَام لِأَن النِّيَّة لَا يطلع عَلَيْهَا وشعار الْمُسَافِر ظَاهر وَالظَّاهِر من الْمُسَافِر أَن يَنْوِي الْقصر

فروع الأول لَو اقْتدى بمتم ثمَّ فَسدتْ لزمَه الْإِتْمَام فِي الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّهُ الْتزم مرّة بِالشُّرُوعِ الثَّانِي لَو اقْتدى بِمن ظَنّه مُسَافِرًا ثمَّ بَان كَونه مُقيما لزمَه الْإِتْمَام لِأَنَّهُ مقصر إِذْ شعار الْإِقَامَة ظَاهر وَلَو بَان أَنه مُقيم مُحدث قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَهُ الْقصر لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِر ظَنّه مُسَافِرًا وَفِي الْبَاطِن لم تصح قدرته وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه يتمم ويلتفت على أَن الْمَسْبُوق هَل يصير مدْركا بِالرُّكُوعِ إِذا بَان كَون إِمَامه مُحدثا الثَّالِث إِذا رعف الإِمَام الْمُسَافِر وَخَلفه المسافرون فاستخلف مُقيما أتم المقتدون وَكَذَا الراعف إِذا عَاد واقتدى بالمستخلف لِأَنَّهُ لم يكمل وَاحِد صلَاته حَتَّى كَانَ فِيهَا فِي صَلَاة مُقيم الشَّرْط الثَّانِي أَن يسْتَمر على نِيَّة الْقصر جزما فِي جَمِيع الصَّلَاة فَلم ينْو الْقصر وَلَا الْإِتْمَام لزمَه الْإِتْمَام وَلَو شكّ فِي أَنه هَل نوى الْقصر وَلَو فِي لَحْظَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَو قَامَ الإِمَام على الثَّالِثَة سَاهِيا فَشك أَنه هَل نوى الْإِتْمَام لزمَه الْإِتْمَام بِخِلَاف مَا إِذا شكّ فِي نِيَّة إِمَامه لِأَن النِّيَّة لَا يطلع عَلَيْهَا وَحَال الْمُسَافِر ظَاهِرَة الْقصر بِخِلَاف مَا إِذا قَامَ إِلَى الثَّالِثَة فَإِنَّهُ تَأَكد ظن الْإِتْمَام بِالْقيامِ

أما القاصد إِذا قَامَ إِلَى الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة سَهوا فَيسْجد لسَهْوه وَلَا يعْتد بِهِ إتماما بل لَو قصد أَن يَجعله إتماما لزمَه أَن يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْجمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وقتيهما جَائِز بسببين السّفر والمطر ونعني بِهِ السّفر الْمُبَاح وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الْجمع بِالسَّفرِ وَفِي السّفر الْقصير عندنَا قَولَانِ أَحدهمَا نعم فَإِن أهل مَكَّة يجمعُونَ بِمُزْدَلِفَة وسفرهم قصير وَالثَّانِي لَا كالقصر وَأهل مَكَّة يجمعُونَ بِعُذْر النّسك وَلذَلِك يجوز لأهل عَرَفَة أَيْضا وَلَيْسوا مسافرين وَمن علل بِالسَّفرِ منع أهل عَرَفَة من الْجمع وَيخرج أهل مَكَّة على الْقَوْلَيْنِ ثمَّ شَرَائِط الْجمع ثَلَاثَة الأول التَّرْتِيب وَهُوَ تَقْدِيم الظّهْر على الْعَصْر مهما عجل الْعَصْر فَإِن أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَفِي تَقْدِيمه وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْعَصْر فِي وقته فَلم يفْتَقر إِلَى تَقْدِيم غَيره بِخِلَاف الْعَصْر فِي وَقت الظّهْر

الثَّانِي الْمُوَالَاة عِنْد التَّقْدِيم فَلَا يحْتَمل الْفَصْل بِأَكْثَرَ من قدر إِقَامَة لتحَقّق صُورَة الْجمع فَأَما فِي التَّأْخِير فَفِي الْمُوَالَاة وَجْهَان وَفَائِدَة اشْتِرَاطهَا فِي التَّأْخِير أَن يصير الظّهْر فَائِتَة لَا يجوز قصرهَا إِذا لم يصل الْعَصْر عقيبها الثَّالِث نِيَّة الْجمع عِنْد التَّقْدِيم فِي أول الصَّلَاة الأولى أَو فِي وَسطهَا فَلَو نوى فِي أول الصَّلَاة الثَّانِيَة لم يجز وَقَالَ الْمُزنِيّ يجوز لِأَن اتصالها بِهِ لَا يزِيد على اتِّصَال سُجُود السَّهْو وَمعنى النِّيَّة فِي التَّأْخِير أَن لَا يَتْرُكهَا على قصد التكامل وَالتّرْك فيعصى بِهِ وَتصير قَضَاء وَقد تردد الْأَصْحَاب فِي أَن الظّهْر الْمُؤخر مَعَ نِيَّة الْجمع أَدَاء أَو قَضَاء وَالصَّحِيح أَنه أَدَاء السَّبَب الثَّانِي الْمَطَر وَقد جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر وَقَالَ الشَّافِعِي

رَضِي الله عَنهُ مَا أرَاهُ إِلَّا من عذر الْمَطَر وَلَا خلاف أَن الأوحال والرياح لَا تلْحق بالمطر وَفِي الثَّلج خلاف

هَذَا فِي الْجَمَاعَة أما من يُصَلِّي فِي بَيته أَو كَانَ طَرِيقه إِلَى الْمَسْجِد فِي ركن فَفِي حَقه وَجْهَان ثمَّ قَالَ أَصْحَابنَا التَّقْدِيم بِعُذْر الْمَطَر جَائِز وَفِي التَّأْخِير وَجْهَان لِأَنَّهُ بالتقديم يفرغ قلبه وَفِي التَّأْخِير لَا يَأْمَن انْقِطَاع الْمَطَر فرع لَو نوى الْإِقَامَة قبل صَلَاة الْعَصْر بَطل الْجمع وَلَو نرى فِي خلال الْعَصْر فَوَجْهَانِ وَلَو نوى بعد الْعَصْر وَأدْركَ الْعَصْر فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يبطل أما انْقِطَاع الْمَطَر فِي أثْنَاء الظّهْر وَالْعصر بعد اتِّصَاله بِأول الصَّلَاتَيْنِ غير ضار وَقَالَ أَبُو زيد يَنْبَغِي أَن يتَّصل الْمَطَر بالتحلل من الأول والتحرم بِالثَّانِي ليتَحَقَّق الْجمع والاتصال هَذَا إِذا كَانَ يَنْقَطِع وَيعود فَلَو انْقَطع وَلم يعد فَهُوَ كَمَا لَو نوى الْمُسَافِر الْإِقَامَة

= كتاب الْجُمُعَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي شرائطها الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان من تلْزمهُ الْجُمُعَة الْبَاب الثَّالِث فِي كَيْفيَّة أَدَاء الْجُمُعَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شرائطها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول الْوَقْت فَلَو وَقعت تَسْلِيمَة الإِمَام فِي وَقت الْعَصْر فَاتَت الْجُمُعَة والمسبوق لَو وَقع آخر صلَاته فِي وَقت الْعَصْر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تصح لِأَنَّهُ تَابع للْقَوْم وَقد صحت صلَاتهم وَلذَلِك حط شَرط الْقدْوَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة عَنهُ وَالثَّانِي أَن الْجُمُعَة فَائِتَة لِأَن الإعتناء بِالْوَقْتِ أعظم بِخِلَاف الْقدْوَة وانفضاض الْعدَد فَإِنَّهُمَا يتعلقان بِغَيْر الْمُصَلِّي فَالْأَمْر فيهمَا أخف الشَّرْط الثَّانِي دَار الْإِقَامَة فَلَا تُقَام الْجُمُعَة فِي الْبَوَادِي وَلَا عِنْد الْخيام لِأَنَّهَا معرضة للنَّقْل وَإِن كَانَ لإقامتهم أثر فِي قطع رخص السّفر وَإِن كَانَت أبنيتهم من سعف وخشب جَازَ لِأَنَّهُمَا لَا ينْقل وَلَا يشْتَرط أَن يعْقد الْجُمُعَة فِي ركن أَو مَسْجِد بل يجوز فِي الصَّحرَاء إِذا كَانَ معدودا من خطة الْبَلَد فَإِن بعد عَن الْبَلَد بِحَيْثُ يترخص الْمُسَافِر إِذا انْتهى إِلَيْهِ لم تَنْعَقِد إِلَيْهِ لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة فِيهَا بِخِلَاف صَلَاة الْعِيد فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهَا دَار الْإِقَامَة ويشهدها الرجالة والركبان فالأحب فِيهَا الْخُرُوج

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُقَام فِي الْقرى بل لَا بُد من مصر جَامع بسوق قَائِم ونهر جَار وسلطان قاهر الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا تكون الْجُمُعَة مسبوقة بِأُخْرَى فَلَا تَنْعَقِد فِي بلد جمعتان لِأَنَّهُ إِذا لم تجز إِقَامَتهَا فِي كل مَسْجِد كَسَائِر الْجَمَاعَات فالمقصود شعار الِاجْتِمَاع ثمَّ لَا مرد بعد الْوَاحِد وَقَالَ أَبُو يُوسُف تصح جمعتان وَلَا تصح ثَلَاثَة وَهُوَ تحكم فرعان أَحدهمَا إِذا كثر الْجمع وَعشر الِاجْتِمَاع فِي مَسْجِد وَاحِد إِمَّا للزحمة وَإِمَّا لنهر لَا يَخُوض إِلَّا السابح كدجلة فَيجوز عقد جمعتين كَمَا بِبَغْدَاد وَمِنْهُم من علل حكم بَغْدَاد بِأَنَّهَا كَانَت قرى متفاصلة فَحدثت العمارات الْوَاصِلَة فاستمر الحكم الْقَدِيم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب حكم الْعلَّة يَقْتَضِي أَن يترخص الْمُسَافِر عَن قريته وَإِن لم يُجَاوز هَذِه العمارات استصحابا لما كَانَ فَإِن لم يجوز لَهُ التَّرَخُّص نظرا إِلَى مَا

حدث فمقتضاه منع الجمعتين وَمَا ذكره مُتَّجه فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد الثَّانِي لَو عقدت جمعتان فالسابقة هى الصَّحِيحَة إِن كَانَ فِيهَا السُّلْطَان وَإِن كَانَ السُّلْطَان فِي الثَّانِيَة فَوَجْهَانِ وَهَذَا التَّرَدُّد بعيد عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ لَا تعلق للْجُمُعَة عِنْده بالسلطان وَلَكِن يَصح للترجيح إِذْ لَا يعجز كل شرذمة عَن الْمُبَادرَة بِعقد جُمُعَة فيفوتون على البَاقِينَ ثمَّ النّظر فِي السَّبق إِلَى تحريمة الصَّلَاة وَقيل إِلَى التَّحَلُّل وَقيل إِلَى أول الْخطْبَة وهما ضعيفان أما إِذا وقعتا مَعًا تدافعتا وَإِن احْتمل التساوق والتلاحق تدافعتا أَيْضا واستؤنفت الْجُمُعَة إِذْ لم يحصل لأحد بَرَاءَة الذِّمَّة فِي حَال وَإِن تلاحقا وَلَكِن لم يعرف السَّابِق فَقَوْلَانِ أظهرهمَا التدافع إِذْ لم تحصل الْبَرَاءَة وَحكى الرّبيع بن سُلَيْمَان أَنهم يصلونَ الظّهْر إِذْ صحت جُمُعَة فِي علم الله تَعَالَى قطعا أما إِذا تعين السَّابِق ثمَّ الْتبس فَالْمَذْهَب أَن الْجُمُعَة فَائِتَة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ بعيد

الشَّرْط الرَّابِع الْعدَد فَلَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة عندنَا بِأَقَلّ من أَرْبَعِينَ ذُكُورا مكلفين أحرارا مقيمين لَا يظعنون شتاء وَلَا صيفا إِلَّا لحَاجَة وَهل يشْتَرط أَن يكون الإِمَام زَائِدا على الْأَرْبَعين فِيهِ وَجْهَان ومستند الْعدَد أَن الْمَقْصُود الِاجْتِمَاع وَلم ينْقل فِي التَّقْدِير خبر وَالْأَرْبَعُونَ أَكثر مَا قيل وَقَالَ جَابر بن عبد الله مَضَت السّنة أَن فِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقهَا جُمُعَة فاستأنس الشَّافِعِي بِهِ وبمذهب عمر بن عبد الْعَزِيز وبالاحتياط

فرع إِذا انفض الْقَوْم فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى فِي الْخطْبَة فَلَو سكت الإِمَام وعادوا على قرب أَو مكانهم آخَرُونَ بنى عَلَيْهِ وَإِن مضى ركن فِي غيبتهم لم يعْتد بِهِ لِأَن الْخطْبَة وَاجِبَة الِاسْتِمَاع فَلَا بُد من اسْتِمَاع أَرْبَعِينَ جَمِيع الْأَركان قولا وَاحِدًا وَإِن طَال سكُوت الإِمَام فَفِي جَوَاز الْبناء قَولَانِ يقربان من قولي الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء الثَّانِيَة أَن يَنْفضوا بعد الْخطْبَة وَقبل الصَّلَاة وَطَالَ الْفَصْل فَفِي جَوَاز بِنَاء الصَّلَاة قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْمُوَالَاة بَين الْخطْبَة وَالصَّلَاة هَل يشْتَرط فَإِن قُلْنَا تشْتَرط فَلَا بُد من إِعَادَة الْخطْبَة فَإِن لم تعد أَثم المنفضون وَفِي إِثْم الْخَطِيب قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أدّى مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الذَّنب للْقَوْم

وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ تمكن من الْإِعَادَة الثَّالِثَة أَن يَنْفضوا فِي خلال الصَّلَاة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال منصوصة أَحدهَا أَن تبطل الْجُمُعَة بِنُقْصَان الْعدَد فِي لَحْظَة كَمَا فِي الْوَقْت وكما فِي الْخطْبَة فعلى هَذَا لَو تَأَخّر تَكْبِير المقتدين إِلَى فَوَات الرُّكُوع لم تَنْعَقِد الْجُمُعَة وَإِن تَأَخّر بِحَيْثُ لم تفتهم الْفَاتِحَة انْعَقَدت وَإِن تَأَخّر بِحَيْثُ التحقوا بالمسبوقين فَفِيهِ تردد وَالأَصَح الْمَنْع وَلَو انْفَضُّوا بعد الشُّرُوع وَلحق الإِمَام أَرْبَعُونَ على الِاتِّصَال مِمَّن سمعُوا الْخطْبَة استمرت الصِّحَّة وَإِن لم يسمعوا فَلَا إِلَّا إِذا لَحِقُوا قبل انفضاض السامعين فتستمر الْجُمُعَة وتستقل بهم وَكَانُوا كثمانين سمعُوا وانفض مِنْهُم أَرْبَعُونَ وَالْقَوْل الثَّانِي إِن كَمَال الْعدَد لَا يشْتَرط إِلَّا فِي الِابْتِدَاء للانعقاد وَفِي الدَّوَام يَكْفِي أَن يبْقى وَاحِد لتبقى الْجَمَاعَة وَالْقَوْل الثَّالِث أَنه لَا بُد وَأَن يبْقى اثْنَان وَالْإِمَام ثالثهم ليبقى أقل الْجمع وَخرج قَول رَابِع إِنَّه يَصح وَإِن لم يبْق إِلَّا الإِمَام لِأَن النَّاقِص كَالْمَعْدُومِ وَخرج الْمُزنِيّ خَامِسًا وَهُوَ أَنهم إِن انْفَضُّوا فِي الأولى بطلت وَفِي الثَّانِيَة لَا فانفراد الإِمَام كانفراد الْمَسْبُوق بِرَكْعَة ثَانِيَة الشَّرْط الْخَامِس الْجَمَاعَة فَلَا يَصح الِانْفِرَاد بِالْجمعَةِ وَلَا يشْتَرط حُضُور

السُّلْطَان فِي جماعتها وَلَا إِذْنه فِي جَمَاعَتهمْ خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى فِي أَحْوَال الإِمَام فَإِن كَانَ الْعدَد قد تمّ بِهِ فَلَا بُد وَأَن يكون كَامِلا مُصَليا للْجُمُعَة وَإِن كمل الْعدَد دونه فَلهُ أَحْوَال الأولى أَن يكون متنفلا أَو صَبيا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لِأَن الِاقْتِدَاء فِي الْفَرْض بالنفل جَائِز وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ الأَصْل فاعتبار كَمَاله ليَكُون فِي جُمُعَة مَفْرُوضَة أولى الثَّانِيَة أَن يكون مُحدثا وَلم يعلم فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لِأَن الإِمَام هَاهُنَا لَيْسَ مُصَليا إِلَّا أَنه فِي حق المتقدي كالمصلي وَلَو أدْرك الْمَسْبُوق رُكُوع الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَفِيهِ وَجْهَان يرجع حاصلهما إِلَى أَن الْمُصَلِّي خلف الْمُحدث مَعَ الْجَهْل مقتد أَو مُنْفَرد فَإِذا جَعَلْنَاهُ مُنْفَردا لم تصح الْجُمُعَة بِهِ وَإِذا صححنا الْجُمُعَة لزم إِلْحَاق الْمَسْبُوق بِهِ الثَّالِثَة أَن يكون الإِمَام عبدا أَو مُسَافِرًا فهما فِي جُمُعَة مَفْرُوضَة فَالصَّحِيح

الْجَوَاز وَفِيه وَجه أَنا إِذا قُلْنَا إِن الإِمَام مَحْسُوب من الْأَرْبَعين لَا يَصح بل تشْتَرط فِيهِ صِفَات الْكَمَال الرَّابِعَة إِذا قَامَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة فِي الْجُمُعَة نَاسِيا فأدركه مَسْبُوق فِيهَا فَهَذَا مصل لَكِن فعله لَيْسَ محسوبا من الْجُمُعَة فَهُوَ كالمحدث فِي حَقه إِذْ لم يعلم

وَقيل إِنَّه لَا يدْرك الْجُمُعَة بِهِ لِأَن الْحَدث لَا يعرف وَالزِّيَادَة تعرف فَكَانَ ككفر الإِمَام وأنوثته الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي الِاسْتِخْلَاف وَقد اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاز أَدَاء صَلَاة وَاحِدَة خلف إمامين بِأَن تبطل صَلَاة الأول بِحَدَث أَو غَيره فيستخلف غَيره فِي الْبَاقِي الْجَدِيد جَوَازه وَقد نقل فِيهِ الْخَبَر وَاخْتلفُوا فِي مَحل الْقَوْلَيْنِ مِنْهُم من أطلق وَمِنْهُم من خصص بِالْجمعَةِ وَقطع بِجَوَازِهِ فِي غَيرهَا وَلَو خطب وَاحِد وَأم آخر فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ فَإِن منعنَا الِاسْتِخْلَاف تَعَذَّرَتْ الْجُمُعَة إِلَّا بالاستئناف إِن كَانَ حدث الإِمَام فِي الأولى وَإِن كَانَ فِي الثَّانِيَة فيتمونه جُمُعَة وَلَا يضر انفرادهم فِي الثَّانِيَة كالمسبوق وَإِن فرعنا على الْجَدِيد فَلهُ ثَلَاث شَرَائِط الأول أَن يسْتَخْلف من كَانَ مقتديا بِهِ فَلَا يَصح اسْتِخْلَاف من لم يشرع فِي الِابْتِدَاء الثَّانِي أَن يسْتَخْلف على الْفَوْر فَلَو أَدّوا ركنا قبل استخلافه لم يجز الثَّالِث أَن يكون الْمُسْتَخْلف قد سمع الْخطْبَة على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْأَظْهَر أَن ذَلِك لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ شَارك فِي الشُّرُوع فِي الْجُمُعَة وَلَا يشْتَرط فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور

الأول أَن يكون حدث الإِمَام سبقا بل لَو تعمد واستخلف جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة لِأَن سبق الْحَدث فِي الْجَدِيد مُبْطل كالعمد الثَّانِي لَا يشْتَرط اسْتِئْنَاف نِيَّة الْقدْوَة بل هُوَ خَليفَة الأول فَكَأَنَّهُ هُوَ الثَّالِث لَا يشْتَرط صدوره من الإِمَام بل لَو قدم القَوْل أَو وَاحِد مِنْهُم أَو تقدم وَاحِد بِنَفسِهِ جَازَ وَإِن اجْتمع تعْيين الْقَوْم وَالْإِمَام فَلَعَلَّ تعْيين الْقَوْم أولى لأَنهم المصلون وَيجب عَلَيْهِم التَّقْدِيم فِي الرَّكْعَة الأولى إِذا لم يسْتَخْلف الإِمَام وَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلهم الْخيرَة بَين الِانْفِرَاد وَبَين التَّقْدِيم فرع لَو اسْتخْلف فِي الثَّانِيَة مَسْبُوقا بِالْأولَى لَكِن بعد أَن اقْتدى بِهِ فِي الثَّانِيَة لم يجز أَن شرطنا سَماع الْخطْبَة وَإِن لم يشْتَرط فَقَوْلَانِ مَأْخَذ الْمَنْع أَنه لَيْسَ مُصَليا للْجُمُعَة فَلَا يصلح للخلافة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة وَلَا هُوَ إِمَام مُسْتَقل فَإِن جَوَّزنَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذِه فِي حَقه رَكْعَة الأولى وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يجلس للتَّشَهُّد على تَرْتِيب صَلَاة الإِمَام فَإِذا انْتهى إِلَى التَّحَلُّل قَامَ إِلَى مَا قَصده من ظهر أَو نفل وأومى إِلَى الْقَوْم ليتحللوا عَن جمعتهم فَإِذا قَامَ مَا عَلَيْهِ لم يتم جمعته لِأَنَّهُ كَانَ مقتديا فِي أول عقد الصَّلَاة وَلم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة على قَول فَإِذا لم تصح جمعته فَهَل تصح ظهرا تخرج على أصلين أَحدهمَا أَن الظّهْر هَل ينْعَقد بنية الْجمع فَإِنَّهُ قد نوى الْجُمُعَة وَفِي خلاف وَالثَّانِي الظّهْر قبل الْفَرَاغ من الْجُمُعَة هَل يَصح فَإِن تحرمه بِالصَّلَاةِ مقدم على فرَاغ الْقَوْم

فَإِذا قُلْنَا لَا يَصح ظَهره فَيكون نفلا أَو بَاطِلا إِلَى نَظَائِر هَذَا فِي حق غير الْمُسْتَخْلف خلاف فَإِن قُلْنَا إِنَّه بَاطِل لم يكن تَقْرِير هَذَا القَوْل تَفْرِيعا على جَوَاز اسْتِخْلَاف الْمَسْبُوق ثمَّ ينقدح أَن يَجْعَل نفلا فعلى هَذَا لَو اقْتدى بِهَذَا الْمَسْبُوق الْمُسْتَخْلف مَسْبُوق فَهَل يكون مدْركا للْجُمُعَة يَنْبَنِي على الِاقْتِدَاء بالمتنفل هَل يجوز فِي الْجُمُعَة فَإِن جَوَّزنَا فَهُوَ مدرك للْجُمُعَة وَإِن لم يكن إِمَامه فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهُ نَائِب الأول فِي حق الْقَوْم وَإِن قُلْنَا لَا يجوز لم يكن الْمَسْبُوق المقتدى بِهِ مدْركا بِخِلَاف الْقَوْم الأول فَإِنَّهُم أدركوا رَكْعَة مَعَ الإِمَام من الْجُمُعَة والاقتداء فِي الثَّانِيَة بالخليفة لَيْسَ وَاجِبا فَإِن اقتدوا بمتنفل كَانُوا كالمقتدين فِي سَائِر الصَّلَوَات وَهَذَا كُله تصرف ابْن سُرَيج الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي الزحام فَإِذا زوحم الْمُقْتَدِي عَن سُجُود الرَّكْعَة الأولى فليسجد على ظهر غَيره على هَيْئَة التنكيس فَإِن عجز عَن التنكيس فَلهُ نِيَّة الِانْفِرَاد فِي غير الْجُمُعَة لعذر الزحمة وَفِي الْجُمُعَة ينْتَظر التَّمَكُّن وَقيل إِنَّه يُومِئ أَو يتَخَيَّر بَين الْإِيمَاء والانتظار كتخير العاري بَين الصَّلَاة قَائِما أَو قَاعِدا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن دقيقة التَّخَلُّف عَن الإِمَام لَا تقاوم مَا بَين السُّجُود والإيماء فَإِن الْإِيمَاء ترك للسُّجُود

ثمَّ لَهُ صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يتَمَكَّن قبل رُكُوع الإِمَام فَعِنْدَ فَرَاغه للْإِمَام أَرْبَعَة أَحْوَال الأولى أَن يكون قَائِما فَيقْرَأ ويركع مَعَه وَلَا يضرّهُ التَّخَلُّف للْعُذْر الثَّانِيَة أَن يكون رَاكِعا فَهَل يلْتَحق بالمسبوق حَتَّى تحط عَنهُ الْفَاتِحَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَوَجْهَانِ مشهوران الثَّالِثَة أَن يجد الإِمَام رَافعا من الرُّكُوع فَإِن قُلْنَا إِنَّه كالمسبوق عِنْد إِدْرَاك الرُّكُوع حَتَّى لَا يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ فهاهنا أَيْضا يُتَابع الإِمَام إِلَّا أَنه لَا يكون مدْركا هَذِه الرَّكْعَة فَيقوم بعد سَلام الإِمَام إِلَى الثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا لَيْسَ كالمسبوق فيشتغل بترتيب صَلَاة نَفسه فَكَذَلِك يفعل هَاهُنَا ثمَّ يسْعَى خلف الإِمَام بِحَسب الْإِمْكَان والقدوة منسحبة عَلَيْهِ الرَّابِعَة لَو سلم الإِمَام قبل فَرَاغه من السُّجُود فَاتَتْهُ الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة تَامَّة الصُّورَة الثَّانِيَة للْمَأْمُوم أَن لَا يتَمَكَّن من السُّجُود حَتَّى يرْكَع الإِمَام فَإِن أمرناه بِالرُّكُوعِ مُوَافقَة فَاتَهُ سُجُود الرَّكْعَة الأولى وَلم تنتظم صلَاته وَإِن أمرناه بِالسُّجُود كثر تخلفه عَن الإِمَام وَجَاوَزَ الرُّكُوع الثَّانِي وَهُوَ مرد الْإِدْرَاك فَفِيهِ قَولَانِ لتعارض الإشكالين

فَإِن قُلْنَا يرْكَع فَرَكَعَ فالمحسوب لَهُ الرُّكُوع الأول ليَكُون الْحَاصِل رَكْعَة ملفقة من ذَلِك الرُّكُوع وَهَذَا السُّجُود أَو المحسوب الرُّكُوع الثَّانِي ليتصل بِالسُّجُود وَفِيه وَجْهَان فَإِن قُلْنَا المحسوب هُوَ الأول فركعة وَاحِدَة ملفقة هَل تصلح لإدراك الْجُمُعَة بهَا وَهِي دون الرَّكْعَة الْمَنْظُومَة فِي الْجُمُعَة فعلى وَجْهَيْن فَإِن قُلْنَا لَا يدْرك فقد فَاتَت الْجُمُعَة فرع لَو خَالف فَلم يرْكَع مَعَ الإِمَام وَلَكِن يسْجد فَإِن كَانَ عَالما مستديما نِيَّة الْقدْوَة بطلت صلَاته وَإِن قطع نِيَّة الْقدْوَة فَفِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات لِأَن الْآن قد فَاتَت الْجُمُعَة وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا تبطل صلَاته وَسُجُوده سَهْو فَيقدر كَأَنَّهُ لم يسْجد فَإِن لحق الإِمَام فِي الرُّكُوع فقد عَاد التَّفْرِيع كَمَا مضى وَإِن فَاتَ الرُّكُوع نظر فَإِن رَاعى تَرْتِيب صَلَاة نَفسه فَإِذا سجد فِي ركعته الثَّانِيَة حصلت لَهُ رَكْعَة ملفقة لوُقُوع السَّجْدَة بعد الرُّكُوع الثَّانِي فَإِن قُلْنَا يدْرك بالملفقة فقد حصل السُّجُود فِي قدوة حكمِيَّة فَهَل تصلح الْحكمِيَّة لإدراك الْجُمُعَة فِيهِ وَجْهَان

وَمن منع جعل الرُّكُوع الثَّانِي نِهَايَة انسحاب حكم الْقدْوَة فَإِذا سجد قبله كَانَ كالمقتدي حسا وَإِن كَانَ بعده كَانَ مقتديا حكما أما إِذا تَابع الإِمَام بعد الْفَرَاغ من سُجُوده الذى سَهَا بِهِ فقد سجد الإِمَام حسا وتمت لَهُ رَكْعَة ملفقة وَقد ذَكرنَاهَا أما إِذا فَرغْنَا على القَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَنه لَا يرْكَع مَعَ الإِمَام بل يُرَاعِي تَرْتِيب صَلَاة نَفسه فَإِن خَالف مَعَ الْعلم وَركع مَعَ الإِمَام بطلت صلَاته وَإِن كَانَ جَاهِلا لم تبطل

وَحصل لَهُ بسجوده مَعَ الإِمَام رَكْعَة ملفقة وَإِن وَافق قَوْلنَا وَسجد فسجوده وَاقع فِي قدوة حكمِيَّة فيصلح للإدراك على أحد الْوَجْهَيْنِ فعلى هَذَا للْإِمَام حالتان عِنْد فَرَاغه من السُّجُود إِن كَانَ رَاكِعا بعد وألحقنا الْمَسْبُوق فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بالمسبوق فِي الأولى فيركع مَعَه وَقد أدْرك الرَّكْعَتَيْنِ وَإِن قُلْنَا لَيْسَ كالمسبوق فَالْأَظْهر أَنه يجْرِي على تَرْتِيب صَلَاة نَفسه وَكَذَا إِذا وجده رَافعا رَأسه من الرُّكُوع لأَنا فِي هَذَا القَوْل أمرناه بترتيب صَلَاة نَفسه مَعَ كَون الإِمَام رَاكِعا فَكيف فِيمَا بعده تَنْبِيهَات الأول أَنا حَيْثُ حكمنَا بِفَوَات الْجُمُعَة هَل تنْقَلب صلَاته ظهرا فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُور أَو هى صَلَاة على حَالهَا وَفِيه قَولَانِ فَإِن قُلْنَا ظهر مَقْصُور جَازَ أَن يتَأَدَّى الظّهْر بتحريمة الْجُمُعَة كَمَا يتَأَدَّى الْإِتْمَام بنية الْقصر وَإِن قُلْنَا لَا تتأدى ظهرا فَهَل تنْقَلب نفلا يَنْبَنِي على أَن من تحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال هَل تَنْعَقِد صلَاته نفلا وَفِيه قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد صلَاته نفلا فالقائل بِهَذَا لَا يَأْمُرهُ فِي مسَائِل الزحام بِالْفِعْلِ الذى أمرناه بِهِ إِذا كَانَ يُفْضِي آخِره إِلَى الْبطلَان فَإِنَّهُ تَفْرِيع يرفع آخِره أَوله

الثَّانِي لَو زوحم عَن السُّجُود فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَإِن لم يكن مَسْبُوقا فيتدارك وَلَو بعد سَلام الإِمَام لِأَنَّهُ أدْرك رَكْعَة مَعَ وَإِن كُنَّا مَسْبُوقا وَلم يتدارك قبل السَّلَام فقد فَاتَت الْجُمُعَة الثَّالِث النسْيَان هَل يكون عذرا كالزحام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن النسْيَان والعمد فِي الْأَفْعَال الْكَثِيرَة على وتيرة وَاحِدَة فِي الصَّلَاة وَالثَّانِي لَا لِأَن عذر النسْيَان نَادِر فَلَا ينتهض عذرا مرخصا فِي التَّخَلُّف الشَّرْط السَّادِس الْخطْبَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول فِي أَرْكَانهَا وَهِي خَمْسَة الأول الْحَمد لله وَلَا يقوم مقَامه لفظ آخر بل يتَعَيَّن ككلمة التَّكْبِير الثَّانِي الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيتَعَيَّن لفظ الصَّلَاة الثَّالِث الْوَصِيَّة بتقوى الله وَلَا يتَعَيَّن فِيهِ لفظ إِذْ الْغَرَض الْوَعْظ والتحذير وَأقله أَن يَقُول أطِيعُوا الله قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأبواب المواعظ رَاجِعَة إِلَى الْأَمر بِالطَّاعَةِ

والزجر عَن الْمعْصِيَة وَفِي أَحدهمَا مَا يشْعر بِالثَّانِي فيكتفي بِهِ الرَّابِع الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَأقله أَن يَقُول للحاضرين رحمكم الله وَلَا يَكْفِي أَن يقْتَصر فِي دُعَائِهِ على حظوظ الدُّنْيَا الْخَامِس قِرَاءَة الْقُرْآن وَأقله آيَة وَاحِدَة وَيحْتَمل أَن لَا يَكْتَفِي بِآيَة لَا تفهم كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ نظر} ويكتفي بشضطر آيَة يُفِيد الْمَعْنى فَأَقل الْخطْبَة أَن يَقُول الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُوله أطِيعُوا الله رحمكم الله وَيقْرَأ مَعَه آيَة والأركان الثَّلَاثَة الأول وَاجِبَة فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالدُّعَاء لَا يجب فِي الثَّانِيَة وَفِي اخْتِصَاص الْقِرَاءَة بِالْأولَى وَجْهَان وَصَاحب التَّلْخِيص لم يعد إِلَّا الثَّلَاث وَلم ير الدُّعَاء وَالْقِرَاءَة ركنا وَنقل ذَلِك عَن إملاء الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة أقلهَا أَن يَقُول الإِمَام فِي نَفسه سُبْحَانَ الله

فرع لَو أبدل الْأَركان بآيَات تفِيد مَعْنَاهَا من الْقُرْآن فَلَا بَأْس وَلَو أبدل الْكل فَفِيهِ نظر إِذْ يكَاد يكون تغيرا للوضع فَإِن الذّكر مَقْصُود فِيهَا كَمَا فِي التَّشَهُّد والقنوت إِلَّا أَنه لم يعين حَتَّى لَا يأنس النَّاس بِهِ فَيسْقط وقعه من نُفُوسهم الطّرف الثَّانِي الشَّرَائِط وَهِي سَبْعَة الأول الْوَقْت فَلَا بُد من تَأْخِيرهَا عَن الزَّوَال وَالثَّانِي تَقْدِيمهَا على الصَّلَاة كَيْلا يتفرق النَّاس بِخِلَاف صَلَاة الْعِيد الثَّالِث الْقيام فيهمَا الرَّابِع الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ مَعَ الطُّمَأْنِينَة والمستند الِاتِّبَاع فَإِن هَذِه الْأُمُور لم تخْتَلف مَعَ اخْتِلَاف الْأَحْوَال الْخَامِس طَهَارَة الْحَدث والخبث والموالاة

وَفِي جملَة ذَلِك خلاف وَوجه الِاشْتِرَاط كتشبيههما بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا بدل رَكْعَتَيْنِ والأقيس أَن لَا يشْتَرط الِاسْتِقْبَال السَّادِس إِن شرطنا الطَّهَارَة فَلَو سبق الْخَطِيب حدث وأتى بِرُكْن فِيهِ لَا يجْزِيه فَإِن تَوَضَّأ وَعَاد فَإِن قُلْنَا الْمُوَالَاة شَرط فَلَا بُد من الِاسْتِئْنَاف وَإِن قصر الزَّمَان أَو قُلْنَا لَا مُوالَاة فَفِي وجوب الِاسْتِئْنَاف وَجْهَان وَجه الْوُجُوب أَنه يبعد أَدَاء خطْبَة بطهارتين السَّابِع رفع الصَّوْت بِحَيْثُ يسمع أَرْبَعِينَ موصوفين بِصِفَات الْكَمَال فَإِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي حُضُور بِغَيْر سَماع فَهُوَ كحضور الْأَصَم عقد النِّكَاح وَفِي وجوب الْإِنْصَات وَترك الْكَلَام على من عدا الْأَرْبَعين قَولَانِ أَحدهمَا نعم لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} قيل أَرَادَ بِهِ الْخطْبَة سمى قُرْآنًا لاشْتِمَاله عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي كَلَامهم إِلَى هينمة تمنع الْأَرْبَعين عَن السماع وَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا يجب السُّكُوت كَمَا لَا يجب على الْخَطِيب إِذْ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أثْنَاء الْخطْبَة لسليك الْغَطَفَانِي لَا تجْلِس حَتَّى تصلي رَكْعَتَيْنِ

وَسَأَلَ ابْن أبي الْحقيق عَن كَيْفيَّة الْقَتْل بعد قفولهم من الْجِهَاد

وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تَحْرِيم الْكَلَام على الْخَطِيب أَيْضا وَهُوَ بعيد للْخَبَر ولان كَلَامه لَا يفوت سَماع ركن بِحَال التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يجب الْإِنْصَات فَفِي من لَا يسمع صَوت الْخَطِيب وَجْهَان لِأَنَّهُ رُبمَا يتداعى إِلَى كَلَام السامعين وعَلى وجوب الْإِنْصَات لَا يسلم الدَّاخِل فَإِن سلم لَا يُجَاب وَفِي تشميت الْعَاطِس وَجْهَان لِأَنَّهُ غير مُخْتَار فَإِن قُلْنَا لَا يجب تشميت الْعَاطِس وَفِي رد السَّلَام وَجْهَان لِأَنَّهُ ترك الْمُسْتَحبّ اخْتِيَارا وعَلى الْأَقْوَال يُصَلِّي الدَّاخِل تَحِيَّة الْمَسْجِد خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ لَا يحرم الْكَلَام قبل أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ مَكَانا وَلَا بَين الْخطْبَتَيْنِ الطّرف الثَّالِث فِي السّنَن والآداب وَيسْتَحب للخطيب إِذا انْتهى إِلَى الْمِنْبَر أَن يسلم على من عِنْد الْمِنْبَر فَإِذا صعد الْمِنْبَر أقبل على النَّاس بِوَجْهِهِ وَسلم على الْجَمِيع ثمَّ يجلس بعد السَّلَام وَيُؤذن الْمُؤَذّن

بَين يَدَيْهِ وَلم يكن أَذَان سوى ذَلِك إِلَى زمن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا كثر النَّاس فِي زَمَانه أَمر المؤذنين أَن يؤذنوا فِي أماكنهم فاطردت الْعَادة كَذَلِك ثمَّ إِذا فرغ الْمُؤَذّن قَامَ الْخَطِيب وخطب ويشغل يَدَيْهِ كَيْلا يلْعَب بهما كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشغل إِحْدَى يَدَيْهِ بِحرف الْمِنْبَر ويعتمد بِالْأُخْرَى على عنزة أَو سيف أَو قَوس فَإِن لم يجد الْخَطِيب شَيْئا وضع إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى أَو أرسلها وَلَا تَوْقِيف فِيهِ ثمَّ يخْطب مستدبرا للْقبْلَة فَإِن اسْتَقْبلهَا وأسمع صَحَّ وَكَانَ تَارِكًا للأدب

ثمَّ يجلس بَين الْخطْبَتَيْنِ قدر قِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة فَإِذا فرغ ابْتَدَأَ النُّزُول وابتدأ الْمُؤَذّن الْإِقَامَة بِحَيْثُ يُوَافق بُلُوغه الْمِحْرَاب الْفَرَاغ من الْإِقَامَة وَيسْتَحب أَن تكون الْخطْبَة بليغة قريبَة من الأفهام خَالِيَة من الْغَرِيب مُؤَدَّاة على ترتيل مائلة إِلَى الْقصر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصر الْخطْبَة وَطول الصَّلَاة مئنة من فقه الرجل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان مَا تلْزمهُ الْجُمُعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا تلْزم الْمُكَلف الْحر الذّكر الْمُقِيم الصَّحِيح فَمن لم يَتَّصِف بِهَذِهِ الصِّفَات لم تلْزمهُ الْجُمُعَة فَإِن حضر لم يتم الْعدة بِهِ إِلَّا الْمَرِيض لكنه ينْعَقد لَهُم إِلَّا الْمَجْنُون وَلَهُم أَدَاء الظّهْر مَعَ الْحُضُور بِخِلَاف الْمَرِيض لِأَن الْمَرِيض كَامِل وَفِي العَبْد وَجه أَنه كَالْمَرِيضِ ويلتحق بِالْمرضِ عذر الْمَطَر والوحل الشَّديد على الْأَصَح وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَعْذَار فِي ترك الْجَمَاعَة وَعذر التمريض أَيْضا إِذا كَانَ الْمَرِيض قَرِيبا مشرفا على الْوَفَاة وَفِي مَعْنَاهُ الزَّوْجَة والمملوك إِذْ يعظم على الْقلب الْغَيْبَة وَفِي وَقت الْوَفَاة فِي حق هَؤُلَاءِ دون الْأَجَانِب وَإِن لم يكن الْمَرِيض مشرفا وَكَانَ يتفقده غَيره لم يكن عذرا فَإِن كَانَ ينْدَفع بِحُضُورِهِ ضَرَر يعد دَفعه من فروض الكفايات كَانَ عذرا وَإِن لم يبلغ تِلْكَ الدرجَة فَثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ

فروع سَبْعَة فِي الْأَعْذَار الأول من نصفه حر وَنصفه رَقِيق كالرقيق وَقيل إِن جرت مُهَايَأَة وَكَانَت الْجُمُعَة فِي نوبَته وَجب الْحُضُور الثَّانِي الْمُسَافِر إِذا عزم على الْإِقَامَة ببلدة أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام لتفقه أَو تِجَارَة لزمَه الْجُمُعَة وَلم يتم الْعدَد بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مستوطنا وَلَا مُسَافِرًا وَلذَلِك قُلْنَا أَرْبَاب الْخيام لَا جُمُعَة لَهُم وَلَيْسوا مسافرين وَفِي الْغَرِيب الْمُقِيم مُدَّة وَجه أَن الْعدَد يتم الثَّالِث أهل الْقرى يلْزمهُم الْجُمُعَة إِن اشْتَمَلت الْقرْيَة على أَرْبَعِينَ من أهل الْكَمَال ثمَّ إِن أَحبُّوا دخلُوا الْبَلَد للْجُمُعَة وَإِن أَحبُّوا عقدوها فِي الْقرْيَة وَهِي الأولى وَإِن نقص عَددهمْ لَا يلْزمهُم إِلَّا إِذا بَلغهُمْ نِدَاء الْبَلَد من رجل جَهورِي الصَّوْت وَاقِف على طرف الْبَلَد فِي وَقت هدوء الْأَصْوَات وركود الرِّيَاح الرَّابِع الْعذر إِذا طَرَأَ بعد الزَّوَال وَقبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة أَبَاحَ التّرْك للْجُمُعَة إِلَّا السّفر فَإِنَّهُ لَا ينشأ بعد الزَّوَال لِأَن اخْتِيَاره إِلَيْهِ وَوُجُوب الْجُمُعَة لَيْسَ على التَّوَسُّع فَإِنَّهَا تتضيق بمبادرة الإِمَام وَفِي جَوَاز السّفر قبل الزَّوَال وَبعد الْفجْر قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز وَهُوَ الأقيس لِأَن الْوُجُوب بالزوال

وَالثَّانِي لَا لِأَن الصَّلَاة منسوبة إِلَى الْيَوْم وَجَمِيع الْيَوْم مَنْسُوب إِلَى الصَّلَاة وَمِنْهُم من حمل النَّص على التَّأْكِيد وَقطع بِالْجَوَازِ قَالَ الصيدلاني التَّرَدُّد فِي سفر الْمُبَاح أما الْوَاجِب وَالطَّاعَة فَجَائِز لما رُوِيَ أَن عبد الله بن رَوَاحَة تخلف عَن جَيش جهزهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعلل بِصَلَاة الْجُمُعَة لما سَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا أدْركْت غدوتهم الْخَامِس يسْتَحبّ لمن يَرْجُو زَوَال عذره أَن يُؤَخر الظّهْر إِلَى فَوَات الْجُمُعَة وَذَلِكَ بِرَفْع الإِمَام رَأسه من الرُّكُوع الثَّانِي وَقيل عِنْد طول الْمسَافَة يحصل إياسه عَن اللحوق لَو قصد فَأَما من لَا يرجا زَوَال عذره كالزمن وَالْمَرْأَة فَلَا بَأْس بتعجيل الظّهْر فِي حَقهم فَإِن زَالَ عذر الْمَعْذُور بعد الْفَرَاغ من الظّهْر فَلَا جمعه عَلَيْهِ وَكَذَا الصَّبِي إِذا بلغ بعد

الظّهْر وَقبل فَوَات الْجُمُعَة لِأَنَّهُ أدّى الْوَظِيفَة مرّة وَقَالَ ابْن الْحداد يلْزمه وَهُوَ غلط بناه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَزَوَال الْعذر فِي أثْنَاء الظّهْر كرؤية الْمُتَيَمم المَاء فِي الصَّلَاة السَّادِس غير الْمَعْذُور إِذا صلى الظّهْر قبل الْجُمُعَة فَفِي صِحَّته قَولَانِ مشهوران أَحدهمَا لَا لعصيانه بِهِ وَالثَّانِي يَصح ظَهره ويعصى بترك الْجُمُعَة كَمَا لَو صلى بعد الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يسْقط الْخطاب بِالْجمعَةِ فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْقط وَمعنى صِحَّته أَن الْخطاب لَا يَتَجَدَّد بِهِ بعد فَوَات الْجُمُعَة وعَلى هَذَا لَو صلى الْجُمُعَة أَيْضا فالفرض أَيهمَا فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال وَهُوَ الأول أَو الثَّانِي أَو كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه وَهُوَ الْأَصَح فيحتسب الله مَا شَاءَ مِنْهُمَا السَّابِع جمَاعَة من المعذورين أَرَادوا عقد الْجَمَاعَة فِي الظّهْر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا تسْتَحب لِأَنَّهَا شعار الْجُمُعَة فِي هَذَا الْيَوْم والأقيس أَنه يسْتَحبّ ثمَّ الأولى إِخْفَاؤُهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي كَيْفيَّة أَدَاء الْجُمُعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي كَسَائِر الصَّلَوَات وَإِنَّمَا تتَمَيَّز مِنْهَا بأَرْبعَة أُمُور الأول الْغسْل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غسل واغتسل وَبكر وابتكر وَلم يرْفث خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه

وَمَعْنَاهُ تَوَضَّأ واغتسل وَبكر إِلَى الصُّبْح وابتكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ هَذَا الْغسْل يُفَارق غسل الْعِيد فِي أَنه لَا يسْتَحبّ إِلَّا لمن حضر الصَّلَاة وَأَنه لَا يُجزئ قبل الْفجْر وَفِي غسل الْعِيد وَجْهَان وَقَالَ الصيدلاني من عدم المَاء يتَيَمَّم وَهُوَ بعيد لِأَن الْغَرَض نفي الروائح الكريهة والتنظيف وَلذَلِك كَانَ أقربه إِلَيّ الرواح أحب إِلَيْنَا والأغتسال المسنونة هى الْغسْل للْجُمُعَة وللعيدين وَمن غسل الْمَيِّت وللإحرام وللوقوف بِعَرَفَة ولمزدلفة ولدخول مَكَّة وَثَلَاثَة أغسال أَيَّام التَّشْرِيق ولطواف الْوَدَاع على القَوْل الْقَدِيم وللكافر إِذا أسلم غير جنب بعد الْإِسْلَام وَقيل يقدم على الْإِسْلَام وَهُوَ بعيد إِذْ تَأْخِير الْإِسْلَام لَا وَجه لَهُ وَالْغسْل عَن الْإِفَاقَة من زَوَال الْعقل أَيْضا مُسْتَحبّ

وَذكر صَاحب التَّلْخِيص الْغسْل عَن الْحجامَة وَالْخُرُوج من الْحمام وَقَالَ هما اختياران لَا يبلغان مبلغ السّنَن المتأكدة وَأنكر مُعظم الْأَصْحَاب استحبابهما الثَّانِي البكور إِلَى الْجَامِع قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فِي السَّاعَة الأولى فَكَأَنَّمَا قرب بدنه وَمن رَاح فِي الثَّانِيَة فبقرة وَفِي الثَّالِثَة كَبْشَة وَفِي الرَّابِعَة دجَاجَة وَفِي الْخَامِسَة بَيْضَة وَالْمَلَائِكَة على الطّرق يَكْتُبُونَ الأول فَالْأول فَإِذا أَخذ الْخَطِيب يخْطب طَوَوْا الصُّحُف وَجَاءُوا يَسْتَمِعُون الذّكر

الثَّالِث التزين فَيُسْتَحَب فِيهِ الثِّيَاب الْبيض للرِّجَال وَاسْتِعْمَال الطّيب وَأَن يمشي على هينة والترجل أولى من الرّكُوب وَلَا بَأْس بِحُضُور الْعَجَائِز لَا فِي شهرة الثِّيَاب وعليهن اجْتِنَاب الطّيب رأى أَبُو هُرَيْرَة امْرَأَة تفوح مِنْهَا رَائِحَة الْمسك فَقَالَ تطيبت للْجُمُعَة فَقَالَت نعم فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَيّمَا امْرَأَة تطيبت للْجُمُعَة لم يقبل الله صلَاتهَا حَتَّى ترجع إِلَى بَيتهَا وتغتسل اغتسالها من الْجَنَابَة الرَّابِع يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يقْرَأ فِي الأولى سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ

قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو نسى الْجُمُعَة فِي الأولى جمع بَينهَا وَبَين سُورَة الْمُنَافِقين فِي الثَّانِيَة وَقَالَ فِي الْقَدِيم يقْرَأ فِي الأولى سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الغاشية

= كتاب صَلَاة الْخَوْف = وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّوْع الثَّانِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان حَيْثُ لم تشتد الْحَرْب النَّوْع الثَّالِث صَلَاة ذَات الرّقاع النَّوْع الرَّابِع صَلَاة شدَّة الْخَوْف

الأول صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن النّخل إِذْ صدع أَصْحَابه صدعين فصلى بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ وَسلم ثمَّ صلى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ هى لَهُ سنة وَلَهُم فَرِيضَة وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا اقْتِدَاء مفترض بمتنفل وَهُوَ جَائِز من غير خوف النَّوْع الثَّانِي صلَاته بعسفان حَيْثُ لم تشتد الْحَرْب

إِذْ كَانَ الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد مَعَ الْكفَّار بعد فَدخل وَقت الْعَصْر فَقَالُوا قد دخل عَلَيْهِم وَقت صَلَاة هى أعز عَلَيْهِم من أَرْوَاحهم فَإِذا شرعوا فِيهَا حملنَا عَلَيْهِم حَملَة فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ بِهِ فرتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه صفّين وَصلى بهم فحرسه الصَّفّ الأول فِي السُّجُود الأول وَلم يسجدوا حَتَّى قَامَ الصَّفّ الثَّانِي فَسجدَ الحارسون وَلَحِقُوا وَكَذَلِكَ فعل الصَّفّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة

وَهَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ الْعَدو فِي قبالة الْقبْلَة وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّخَلُّف عَن الإِمَام بأركان وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا بِعُذْر ثمَّ لَو اخْتصَّ بالحراسة فريقان من أحد الصفين جَازَ وَلَو ابْتَدَأَ بالحراسة الصَّفّ الثَّانِي جَازَ وَلَكِن الحراسة بالصف الأول أليق قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو تقدم الصَّفّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة إِلَى الصَّفّ الأول وَتَأَخر الصَّفّ الأول وَلم يكثر أفعالهم كَانَ ذَلِك حسنا وَلَو حرس فِي الثَّانِيَة الحارسون فِي الأول فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ يتَكَرَّر عَلَيْهِم التَّخَلُّف وَلم يرخص الشَّرْع إِلَّا فِي مرّة وَاحِدَة والأقيس الْجَوَاز إِذا الأول انمحى أَثَره بتخلل فصل وَإِنَّمَا قصد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك التَّسْوِيَة بَين الصفين النَّوْع الثَّالِث صَلَاة ذَات الرّقاع

وَهُوَ أَن يلتحم الْقِتَال فَلَا يحْتَمل الْحَال تخلف الْكل واشتغالهم بِالصَّلَاةِ وَكَانَ ذَلِك فِي ذَات الرّقاع فصدع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه صدعين وانحاز بطَائفَة إِلَى حَيْثُ لَا تبلغهم سِهَام الْعَدو وَصلى بهم رَكْعَة وَقَامَ بهم إِلَى الثَّانِيَة وانفردوا بالركعة الثَّانِيَة وسلموا وَأخذُوا مَكَان إخْوَانهمْ فِي الصَّفّ وانحازت الفئة الْمُقَاتلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَائِم ينتظرهم وَاقْتَدوا بِهِ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلَمَّا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للثَّانِيَة قَامُوا وَأَتمُّوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَلَحِقُوا بِهِ وتشهدوا وَسلم بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه رِوَايَة خَوات بن جُبَير وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الِانْفِرَاد عَن الإِمَام فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وانتظار

الإِمَام للطائفة الثَّانِيَة مرَّتَيْنِ فِي الْقيام وَالتَّشَهُّد وروى ابْن عمر أَنه لما قَامَ إِلَى الثَّانِيَة مَا انفردوا بالركعة لَكِن أخذُوا مَكَان إخْوَانهمْ فِي الصَّفّ وهم فِي الصَّلَاة وانحاز الْآخرُونَ فصلوا رَكْعَة فتحلل بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَجَعُوا إِلَى مَكَان إخْوَانهمْ وَعَلَيْهِم بعد رَكْعَة ثمَّ رَجَعَ الْفَرِيق الأول فَأتمُّوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة منفردين ونهضوا إِلَى الصَّفّ وَعَاد الْآخرُونَ وَأَتمُّوا كَذَلِك وَأخذ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِرِوَايَة خَوات بن جُبَير لمعنيين أَحدهمَا أَن الروَاة لَهَا أَكثر وَهُوَ إِلَى الِاحْتِيَاط وَترك الْأَفْعَال المستغنى عَنْهَا أقرب وَالثَّانِي أَن رِوَايَة خَوات مُقَيّدَة بِذَات الرّقاع وَهِي آخر الْغَزَوَات وَرِوَايَة ابْن عمر

مُطلقَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تصح الصَّلَاة على وفْق رِوَايَة ابْن عمر لصِحَّة الرِّوَايَتَيْنِ لَكِن الأولى رِوَايَة خَوات وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ تَخْيِير فِي أَفعَال كَثِيرَة مُسْتَغْنى عَنْهَا ثمَّ النّظر فِي هَذِه الصَّلَاة فِي طرفين أَحدهمَا فِي كيفيتها وَقد تشككوا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول نقل الْمُزنِيّ أَن الإِمَام يقْرَأ بالطائفة الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَسورَة وَمَعْنَاهُ أَنه يسكت قبله منتظرا وغلطه الْأَصْحَاب لَا يسكت لكِنهمْ إِذا لَحِقُوا مد الْقِرَاءَة بِحَيْثُ تتسع عَلَيْهِم قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَهُوَ نقل الرّبيع وتوجيه قَول الْمُزنِيّ التَّسْوِيَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فَإِنَّهُ يقْرَأ الْفَاتِحَة بِالْأولَى فليقرأ

بِالثَّانِيَةِ الثَّانِي هَل يتَشَهَّد قبل لُحُوق الْفرْقَة الثَّانِيَة بِهِ أم يصبر حَتَّى يعودوا فِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالفاتحة وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد إِذْ لَيْسَ يفوت التَّسْوِيَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّشَهُّد الثَّالِث أَن مَالِكًا ذهب إِلَى أَن الْفرْقَة الثَّانِيَة يتشهدون مَعَ الإِمَام ثمَّ يقومُونَ عِنْد سَلَامه إِلَى الثَّانِيَة قيام الْمَسْبُوق وَهُوَ قَول قديم وَلَا شكّ فِي جَوَازه وَلَكِن مَا رَوَاهُ خَوات جَائِز أَيْضا خلافًا لمَالِك الطّرف الثَّانِي فِي تَعديَة النَّص إِلَى صَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْحَضَر وَالْجُمُعَة أما الْمغرب فَليصل الإِمَام فِيهَا بالطائفة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة ثمَّ إِن انتظرهم

فِي التَّشَهُّد الأول فَجَائِز وَإِن انتظرهم فِي الْقيام فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَحسن لِأَن التَّطْوِيل بِالْقيامِ أليق وَنقل عَن الْإِمْلَاء أَن الِانْتِظَار فِي التَّشَهُّد أولى وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى بالطائفة الأولى رَكْعَة وبالثانية رَكْعَتَيْنِ فِي لَيْلَة الهرير وَهُوَ قَول نقل عَن الْإِمْلَاء وَالصَّحِيح الأول لِأَن فِي هَذَا تَكْلِيف الطَّائِفَة الثَّانِيَة زِيَادَة تشهد لَا يحْسب لَهُم أما الرّبَاعِيّة فِي الْحَضَر فليصلي الإِمَام فِي الطَّائِفَة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَتَيْنِ فَلَو فرقهم أَربع فرق وَصلى بِكُل فرقة رَكْعَة فَهَل يحرم الِانْتِظَار الثَّالِث فعلى قَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا يحرم فَهَل تبطل بِهِ الصَّلَاة فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يجوز ذَلِك كَمَا جَازَ بالمرة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رخصَة فَلَا يُزَاد على مَحل النَّص فعلى هَذَا يمْتَنع الِانْتِظَار فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة وَمَا قبلهَا جرى على وَجهه

وَقَالَ ابْن سُرَيج تخريجا الْمَنْع يخْتَص بالركعة الرَّابِعَة فَإِن الِانْتِظَار فِي الثَّالِثَة هُوَ الِانْتِظَار الثَّانِي للْإِمَام بَدَلا من انْتِظَاره فِي التَّشَهُّد إِلَّا أَن المنتظر فِي التَّشَهُّد ثمَّ هُوَ المنتظر فِي الْقيام بِعَيْنِه وَهَاهُنَا المنتظر ثَانِيًا غير المنتظر أَولا وَهَذَا لَا يقْدَح فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُتَّجه أما الْجُمُعَة فَفِي إِقَامَتهَا على هَذَا الْوَجْه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْعدَد فِيهَا شَرط فَكيف ينْفَرد الإِمَام بِالثَّانِيَةِ مَعَ انفضاض الْفرْقَة الأولى إِلَى عود الْفرْقَة الثَّانِيَة

فرعان الأول فِي وجوب رفع السِّلَاح فِي هَذِه الصَّلَاة وَصَلَاة عسفان قَولَانِ وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ فِي الْبعد عَن السِّلَاح خطر ظَاهر فَهُوَ محرم فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَإِن كَانَت الْمَوْضُوعَة والمحمولة وَاحِدَة لتيسر أَخذهَا فِي الْحَال فَلَا يحرم وَإِن لم يظْهر فِي تنحية السِّلَاح خلل فَهَذَا مَحل الْجَزْم فَفِي وجوب الْأَخْذ بِهِ واستحبابه تردد وَكَيف مَا كَانَ فَلَا تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهِ لِأَن الْعِصْيَان لَا يتَمَكَّن من نفس الصَّلَاة الثَّانِي فِي السَّهْو وَلَا شكّ أَن سَهْو الطَّائِفَة الأولى فِي الرَّكْعَة الأولى وسهو الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة للْإِمَام مَحْمُول وسهو الطَّائِفَة الأولى فِي ركعتهم الثَّانِيَة غير مَحْمُول لانفرادهم ومبدأ الِانْفِرَاد آخر الرَّكْعَة الأولى وَهُوَ رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود أَو أول الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَهُوَ اعتداله فِي الْقيام فِيهِ وَجْهَان أما سَهْو الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي ركعتهم الثَّانِيَة وهم على عزم اللحوق بِالْإِمَامِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى آخر الْأَمر وَفِي الثَّانِي إِلَى صُورَة التفرد فِي الْحَال

وهما جاريان فِي المزحوم إِذا سَهَا وَقت التَّخَلُّف وفيمن انْفَرد رَكْعَة وسها ثمَّ انشأ الْقدْوَة فِي الثَّانِيَة على أحد الْقَوْلَيْنِ النَّوْع الرَّابِع صَلَاة شدَّة الْخَوْف وَذَلِكَ إِذا التحم الْفَرِيقَانِ وَلم يحْتَمل تخلف طَائِفَة عَن الْقِتَال فَلَا سَبِيل إِلَّا الصَّلَاة رجَالًا وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها إِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَلَا تحْتَمل فِيهَا الصَّيْحَة والزعقة للاستغناء عَنْهَا وَلَا تحْتَمل الضربات الْكَثِيرَة من غير حَاجَة وتحتمل القليلة مَعَ الْحَاجة وَفِي الْكَثِيرَة مَعَ الْحَاجة ينظر فَإِن كَانَ فِي أشخاص فيحمتل مَا لَا يتوالى مِنْهَا وَإِن كَانَ فِي شخص وَاحِد فَلَا يحْتَمل لكَونه عذرا نَادرا وَفِيه قَول إِنَّه يحْتَمل فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ منقاس لِأَن الْوَاحِد أَيْضا قد يدْفع عَن نَفسه فِي بسلاحه وَدِرْعه فَيحْتَاج إِلَى الْمُوَالَاة وَفِيه قَول ثَالِث إِنَّه لَا يحْتَمل فِي الْأَشْخَاص أَيْضا لندور الْحَاجة وضيق بَاب الرُّخْصَة وَمِمَّا يحْتَمل أَيْضا تلطخ السِّلَاح بِالدَّمِ مهما أَلْقَاهُ عقيب التلطخ فَإِن أمْسكهُ مُخْتَارًا لزمَه

الْقَضَاء وَإِن كابه حَاجَة إِلَى الْإِمْسَاك فَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وجوب الْقَضَاء أَيْضا لنذور الْعذر والأقيس أَن لَا يحب لِأَن أصل الْقِتَال وَإِن كَانَ نَادرا ألحق بالأعذار الْعَامَّة فِي إِسْقَاط الْقَضَاء مَعَ الْإِيمَاء وَترك الِاسْتِقْبَال هَذِه كَيْفيَّة الصَّلَاة وَالنَّظَر الْآن فِي السَّبَب المرخص وَهُوَ خوف مَخْصُوص ويتبين خصوصه بمسائل الأولى لَو انهزم الْمُسلمُونَ لم يصلوا صَلَاة الْخَوْف إِلَّا إِذا كَانَ الْكفَّار فَوق الضعْف فَعِنْدَ ذَلِك يجوز وَإِلَّا فالهزيمة مُحرمَة والرخص لَا تستفاد بِالْمَعَاصِي فَأَما إِذا انهزم الْكفَّار لم يجز لنا صَلَاة الْخَوْف فِي اتِّبَاع أقفيتهم لِأَنَّهُ لَا خوف الثَّانِيَة الْقِتَال الْمُبَاح كالواجب فِي التَّرَخُّص وَذَلِكَ كالذب عَن المَال وَقد نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو رَكبه سيل وَلم ينج مَا لَهُ إِلَّا بِصَلَاة الْخَوْف لم يصل وَظَاهر النُّصُوص الجديدة خِلَافه وَخرج من هَذَا أَن قتل الصَّائِل على المَال لَا يجوز وَهُوَ بعيد لِأَن المَال كالنفس قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد

الثَّالِثَة لَو تغشاه حريق أَو غرق أَو تبعه سبع أَو مطَالب بِالدّينِ وَهُوَ مُعسر خَائِف من الْحَبْس عَاجز عَن بَيِّنَة الْإِعْسَار فَلهُ صَلَاة الْخَوْف وَكَذَا من هرب من حق الْقصاص فِي وَقت يتَوَقَّع من التَّأْخِير سُكُون الغليل وَحُصُول الْعَفو هَكَذَا ذكره الْأَصْحَاب فرع لَو خَافَ الْمحرم فَوَات الْوُقُوف بِعَرَفَة فَيصَلي مسرعا فِي مَشْيه على وَجه وَيتْرك الصَّلَاة على وَجه وَتلْزَمهُ الصَّلَاة سَاكِنا على وَجه وَمن ومنشؤ التَّرَدُّد أَنه من قبيل طلب شَيْء أَو خوف فَوَات فِي مُحَصل الرَّابِعَة لَو رأى سوادا فَظَنهُ عدوا لَا يُطَاق فصلى صَلَاة شدَّة الْخَوْف فَإِذا هُوَ إبل تسرح فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ مشهوران ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى تحقق الْخَوْف وَفِي الثَّانِي إِلَى

الْخَطَأ فِي السَّبَب وَالْقَوْلَان جاريان فِي كل سَبَب جَهله وَلَو عرفه لبطل الْخَوْف كجهله بحصن على الْقرب مِنْهُ أَو نهر حَائِل بَينه وَبَين عدوه فرعان الأول لَو ركب فِي أثْنَاء صلَاته لهجوم خوف فَبنِي على صلَاته قَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح وَلَو انْقَطع الْخَوْف فَنزل وَصلى بَقِيَّة صلَاته مُتَمَكنًا صحت فَظن الْمُزنِيّ أَن الْفرق كَثْرَة أَفعَال الرّكُوب وَاعْترض بِأَن ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَقيل سَببه أَنه شرع فِي صَلَاة تَامَّة فَلَا يتممها على النُّقْصَان وَهُوَ منقوض بِمن مرض فِي أثْنَاء صلَاته فَإِنَّهُ يقْعد فِي الْبَقِيَّة وَلَكِن أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا بَادر الرّكُوب أخذا بالحزم مَعَ إِمْكَان إتْمَام الْبَقِيَّة قبل الرّكُوب فَإِن فرض تحقق الْخَوْف أَو انْقِطَاعه فَلَا فرق بَين النُّزُول وَالرُّكُوب بل إِن قل فعله مَعَ الْحَاجة لم يضر وَإِن كثر مَعَ الْحَاجة فَوَجْهَانِ كَمَا فِي الضربات المتوالية

الثَّانِي لبس الْحَرِير وَجلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير جَائِز عِنْد مفاجأة الْقِتَال وَلَيْسَ جَائِزا فِي حَالَة الِاخْتِيَار بِخِلَاف الثِّيَاب النَّجِسَة وَفِي جلد الشَّاة الْميتَة وَجْهَان يبتنيان على أَن تَحْرِيم لبس جلد الْكَلْب للتغليظ أَو لنجاسة الْعين وَكَذَلِكَ فِي تجليل الْخَيل بجل من جلد الْكَلْب تردد وَالظَّاهِر جَوَازه وَفِي الاستصباح بالزيت النَّجس قَولَانِ فَأَما تسميد الأَرْض بالزبل فَجَائِز لمسيس الْحَاجة


كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ

وَهِي سنة مُؤَكدَة على كل مَا يلْزمه حُضُور الْجُمُعَة وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْفِعْل الْمُتَوَاتر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قيل أَرَادَ بِهِ صَلَاة عيد النَّحْر وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَنَّهَا من فروض الكفايات وطردوا ذَلِك فِي جَمِيع الشعائر وَأَقل هَذِه الصَّلَاة رَكْعَتَانِ كَسَائِر النَّوَافِل والتكبيرات الزَّائِدَة لَيست من أبعاضها

فَلَا يتَعَلَّق بِتَرْكِهَا سُجُود السَّهْو ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس إِلَى زَوَالهَا وشروطها كَشَرط سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ فِي الْقَدِيم شَرطهَا كَشَرط الْجُمُعَة إِلَّا أَن خطبتها تتأخر ويحوز أَدَاؤُهَا فِي الْجَبانَة البارزة من خطة الْبَلَد فَأَما الْأَكْمَل فَنَذْكُر سوابقه ولواحقه على تَرْتِيب الْوُجُود وَله سنَن الأولى إِذا غربت الشَّمْس لَيْلَة عيد الْفطر يسْتَحبّ التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة إِلَى أَن

يتحرم الإِمَام بِصَلَاة الْعِيد فَالنَّاس يُصْبِحُونَ مكبرين حَيْثُ كَانُوا وَفِي الطَّرِيق رافعي أَصْوَاتهم كَذَلِك كَانَ يفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَصّ فِي مَوضِع أَنهم يكبرُونَ إِلَى خُرُوج الإِمَام وَقيل إِنَّه قَول آخر وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ تحرم الإِمَام لِأَنَّهُ يتَّصل بِهِ غَالِبا وَنقل نَص آخر أَنه يَدُوم إِلَى آخر الْخطْبَة

وَهل تسْتَحب هَذِه التَّكْبِيرَات إدبار الصَّلَوَات لَيْلَة الْعِيد وصبيحته فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَن يتَمَيَّز هَذَا الشعار عَن شعار التَّكْبِيرَات الْمقيدَة فِي عيد النَّحْر كَمَا سَيَأْتِي الثَّانِيَة إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب

الثَّالِثَة الْغسْل بعد طُلُوع الْفجْر أما قبله فَهَل يُجزئ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَالْجُمُعَةِ وَالثَّانِي نعم لِأَن أهل الْقرى يبكرون لَيْلًا فيعر عَلَيْهِم الْغسْل بعد الْخُرُوج فَيجْعَل جَمِيع اللَّيْل وقتا الرَّابِعَة التَّطَيُّب والتزين بالثياب الْبيض للقاعد وَالْخَارِج لِأَنَّهُ يَوْم السرُور وَأما الْعَجَائِز فيخرجن فِي ثِيَاب البذلة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يخْرجن وَيحرم على الرِّجَال التزين بالحرير والإبريسم الْمَحْض وَفِيه مسَائِل الأولى الْمركب من الإبريسم وَغَيره فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من نظر إِلَى الْقلَّة وَالْكَثْرَة فِي الْوَزْن وَمِنْهُم من نظر إِلَى الظُّهُور فأحل الْخَزّ وَحرم العتابي

الثَّانِيَة الثَّوْب الْمُطَرز والمطرف بالديباج مُبَاح كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب كَذَلِك والمحشو بالإبريسم وَالْحَرِير مُبَاح إِذْ لَا يعد لابسه لابس حَرِير فَإِن كَانَت البطانة من حَرِير لم يجز لِأَنَّهُ لم يحرم بِسَبَب الْخُيَلَاء بل لِأَنَّهُ ترفه فِي خنوثة لَا تلِيق بشهامة الرِّجَال وَأمر الْحَرِير أَهْون من الذَّهَب إِذْ الْمطرف بِغَيْر حَاجَة جَائِز والمضبب غير جَائِز الثَّالِثَة افتراش الْحَرِير محرم على الرِّجَال وَفِي تَحْرِيمه على النِّسَاء خلاف تلقيا من الْمُفَاخَرَة

وَفِي تَحْرِيم إلباس الصّبيان الديباج خلاف من حَيْثُ إِن شهامة الصَّبِي لَا تأبي ذَلِك الرَّابِعَة حَيْثُ حرمنا الْحَرِير أبحناه لحَاجَة الْقِتَال ولحاجة المحكة مَعَ السّفر وَلَو انْفَرَدت عَن السّفر وَأمكن التعهد فَفِيهِ خلاف وَوجه الْجَوَاز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص لِحَمْزَة فِي الْحَرِير لحكة كَانَت بِهِ وَلم تخصص السّنة

الْخَامِسَة إِذا اغْتسل وتزين وتطيب فليقصد الصَّحرَاء مَاشِيا فَهُوَ أولى من الرّكُوب وليبكر فِي عيد الْأَضْحَى ليتسع وَقت الْأُضْحِية بعد الصَّلَاة وليستأخر قَلِيلا فِي الْفطر ليتسع تَفْرِقَة الصَّدقَات وليفطر فِي عيد الْفطر قبل الصَّلَاة وليمسك فِي عيد النَّحْر حَتَّى يُصَلِّي وَالصَّلَاة فِي الصَّحرَاء أفضل إِلَّا بِمَكَّة فَإِن اتَّسع الْمَسْجِد بِبَلَد آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَسْجِد أولى كمسجد مَكَّة وَالثَّانِي لَا لِأَن مَكَّة مَخْصُوصَة بالشرف السَّادِسَة يَنْبَغِي أَن يخرج الْقَوْم قبل الإِمَام ينتظرونه وَلَا بَأْس لوصلوا متنفلين فَإِذا خرج الإِمَام تحرم بِالصَّلَاةِ وَلم ينْتَظر أحدا فَإِذا انْتهى إِلَى الْمصلى نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وَتحرم بِالصَّلَاةِ فَيقْرَأ دُعَاء الاستفتاح أَولا ثمَّ يكبر سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام والهوي وَيَقُول بَين كل تكبيرتين سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِذا فرغ مِنْهَا

تعوذ وَقَرَأَ الْفَاتِحَة وَسورَة ق وَفِي الثَّانِيَة يكبر خمْسا زَائِدَة كَمَا مضى ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة اقْتَرَبت وَيسْتَحب رفع الْيَدَيْنِ فِي هَذِه التَّكْبِيرَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة التَّكْبِيرَات الزَّائِدَة ثَلَاثَة فِي كل رَكْعَة وَقَالَ مَالك فِي الأولى سِتَّة وَفِي الثَّانِيَة خَمْسَة وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس السَّابِعَة الْخطْبَة بعد الصَّلَاة وَهِي كخطبة الْجُمُعَة إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه يكبر قبل الْخطْبَة الأولى تسع تَكْبِيرَات وَقبل الثَّانِيَة سبع تَكْبِيرَات على

مِثَال الرَّكْعَتَيْنِ الثَّانِي أَن الْخَطِيب فِي الْجُمُعَة كَمَا صعد جلس لسَمَاع الْأَذَان وَهَاهُنَا يجلس للاستراحة إِذْ لَا أَذَان وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يجلس هَاهُنَا الثَّامِنَة إِذا فرغ من الْخطْبَة انْصَرف إِلَى بَيته من طَرِيق آخر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من طَرِيق وَيعود من طَرِيق فَقيل كَانَ يحذر من مَكَائِد الْمُنَافِقين وَقيل ليستفتى فِي الطَّرِيقَيْنِ وَقيل كَانَ

يسْلك أطول الطَّرِيقَيْنِ فِي الذّهاب لِأَنَّهُ قربَة ثمَّ من شَارك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْمعَانِي تأسى بِهِ وَمن لم يُشَارِكهُ فِي السَّبَب فَفِي التأسي بِهِ فِي الحكم وَجْهَان التَّاسِعَة يسْتَحبّ فِي عيد النَّحْر رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ عقيب خمس عشرَة مَكْتُوبَة أَولهَا الظّهْر من يَوْم الْعِيد وَآخِرهَا الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس

وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَنه يسْتَحبّ عقيب ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة أَولهَا الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة وَآخِرهَا الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق الآخر أَنه يدْخل وقته عقيب صَلَاة الْمغرب لَيْلَة النَّحْر وَلم يتَعَرَّض فِي هَذَا النَّص للأخير وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الثَّلَاث مَذْهَب عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَمذهب الْمُزنِيّ وَاخْتِيَار ابْن سُرَيج وَقيل مَذْهَب الشَّافِعِي هُوَ الأول وَمَا عداهُ حِكَايَة لمَذْهَب الْغَيْر

ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَربع مسَائِل الأولى أَن إرْسَال هَذِه التَّكْبِيرَات فِي هَذِه الْأَيَّام هَل يسْتَحبّ من غير صَلَاة كَمَا اخْتلفُوا فِي أَن التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ هَل تسْتَحب عقيب الصَّلَاة الثَّانِيَة أَنَّهَا تسْتَحب عقيب الْفَرَائِض وعقيب النَّوَافِل قَولَانِ الثَّالِثَة لَو قضيت صَلَاة هَذِه الْأَيَّام فِي غَيرهَا فَلَا يكبر وَلَو قضيت فِيهَا كبر وَالتَّكْبِير مقضي أَو مؤدى فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا مؤدى فَلَو قضى فِيهَا صَلَاة غير هَذِه

الْأَيَّام كبر عقيبها وَإِن قُلْنَا مقضية فَلَا الرَّابِعَة إِذا كبر الإِمَام خلف صَلَاة على خلاف اعْتِقَاد الْمُقْتَدِي فقد تردد ابْن سُرَيج فِي أَنه هَل يُوَافق بِسَبَب الْقدْوَة كَمَا يُوَافق فِي الْقُنُوت من حَيْثُ إِن تَوَابِع الصَّلَاة من الصَّلَاة وَكَيْفِيَّة هَذِه التَّكْبِيرَات أَن يَقُول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثَلَاثًا نسقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة مرَّتَيْنِ ثمَّ يَقُول بعده كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر

عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فروع أَرْبَعَة الأول لَو ترك تَكْبِيرَات الرَّكْعَة نَاسِيا وتذكرها بعد الْقِرَاءَة فالمنصوص جَدِيدا أَنه لَا يكبر لفَوَات وقته وَقَالَ فِي الْقَدِيم يكبر لبَقَاء الْقيام وَمن الْأَصْحَاب من طرد القَوْل الْقَدِيم فِي تدارك دُعَاء الاستفتاح الثَّانِي إِذا فَاتَ صَلَاة الْعِيدَيْنِ بِزَوَال الشَّمْس فَفِي قَضَائهَا أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهمَا لَا يقْضِي الثَّانِي يقْضِي وَلَكِن يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ إِن فَاتَ يَوْم الثَّلَاثِينَ

لِأَنَّهُ يحْتَمل هَذَا الْيَوْم الْأَدَاء الثَّالِث يقْضِي طول هَذَا الشَّهْر الرَّابِع أَنه يقْضِي أبدا وَقد سبق نَظِيره فِي النَّوَافِل الثَّالِث إِذا شهدُوا على الْهلَال قبل الزَّوَال أفطرنا وصلينا وَإِن أنشأوا الشَّهَادَة بعد الْغُرُوب يَوْم الثَّلَاثِينَ لم يصغ إِلَيْهِم إِذْ لَا فَائِدَة إِلَّا ترك صَلَاة الْعِيد وَإِن أنشأوا بَين الزَّوَال

والغروب أفطرنا وَبَان فَوَات الْعِيد فَإِن رَأينَا قضاءها فبقية الْيَوْم أولى أَو يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْمُبَادرَة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن تشبه وَقت الْقَضَاء

بِالْأَدَاءِ وَفِيه وَجه أَنا نفطر وَلَا نحكم بِفَوَات الصَّلَاة فَإِن الْغَلَط مُمكن وَهَذَا شعار عَظِيم لَا يُمكن تفويته فَيصَلي يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بنية الْأَدَاء أما إِذا شهدُوا قبل الْغُرُوب وَلَكِن عدلوا بِاللَّيْلِ فَفِي فَوَات الصَّلَاة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن النّظر إِلَى وَقت التَّعْدِيل وَقد عدل فِي غير وقته وَالثَّانِي أَن النّظر إِلَى وَقت الشَّهَادَة

الرَّابِع إِذا كَانَ الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة وَحضر أهل الْقرى مِمَّن يبلغهم النداء فَالْقِيَاس أَنه لَا يجوز لَهُم الِانْصِرَاف حَتَّى يصلوا الْجُمُعَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الصَّحِيح الْجَوَاز وَرووا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرخص لأهل السوَاد فِي مثل هَذَا الْيَوْم فِي الِانْصِرَاف

كتاب صَلَاة الخسوف

وَهِي سنة فِي سَائِر الْأَوْقَات لِأَن لَهَا سَببا خلافًا لأبي حنيفَة وَلما مَاتَ إِبْرَاهِيم ولد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كسفت الشَّمْس فَقَالَ بعض النَّاس إِنَّهَا كسفت لمَوْته فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لآيتان من آيَات الله لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى ذكر الله وَالصَّلَاة

ثمَّ أقل هَذِه الصَّلَاة رَكْعَتَانِ يَنْوِي فِيهَا صَلَاة الخسوف ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة ثمَّ يرْكَع ثمَّ يعتدل فَيقْرَأ الْفَاتِحَة ثمَّ يرْكَع على تَرْتِيب سَائِر الصَّلَوَات وَكَذَلِكَ يفعل فِي الثَّانِيَة وَفِي كل رَكْعَة قيامان وركوعان فَلَو تَمَادى الخسوف جَازَ أَن يزِيد ثَالِثا ورابعا على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ روى أَحْمد بن حَنْبَل أَن الرُّكُوع فِي كل رَكْعَة ثَلَاث فليحمل على صُورَة التَّمَادِي وَالْقِيَاس الْمَنْع إِن لم يَصح الْخَبَر

وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنه بعد الْفَرَاغ هَل يسْتَأْنف صَلَاة أُخْرَى عِنْد التَّمَادِي وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنه هَل يقْتَصر على رُكُوع وَاحِد إِن أسْرع الانجلاء فَأَما الْأَكْمَل فَهُوَ أَن يقْرَأ فِي القومة الأولى بعد دُعَاء الاستفتاح سُورَة الْفَاتِحَة وَالْبَقَرَة وَفِي الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وَآل عمرَان وَفِي الثَّالِثَة الْفَاتِحَة وَالنِّسَاء وَفِي الرَّابِعَة الْمَائِدَة أَو مقدارها من الْقُرْآن وَذَلِكَ بعد الْفَاتِحَة فِي كل قومة

فَأَما الرُّكُوع فيسبح فِي الأول مِقْدَار مائَة آيَة وَفِي الثَّانِي بِقدر ثَمَانِينَ وَفِي الثَّالِث بِقدر سبعين وَفِي الرَّابِع بِقدر خمسين وَأما السجدات فَلَا يطولها وَنقل الْبُوَيْطِيّ عَنهُ أَنَّهَا على قدر الرُّكُوع الَّذِي قبله وَلَا خلاف أَن الْقعدَة بَين السَّجْدَتَيْنِ لَا تطول

ثمَّ إِذا فرغ من الصَّلَاة يسْتَحبّ أَن يخْطب خطبتين كَمَا فِي الْعِيد إِلَّا أَنه لَا يجْهر فِي الْكُسُوف بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ نهاري

ويجهر بالخسوف لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ وَالْجَمَاعَة فِيهَا مسنونة غير وَاجِبَة فروع ثَلَاثَة الأول الْمَسْبُوق إِذا أدْرك الرُّكُوع الثَّانِي نقل الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا يكون مدْركا لِأَن الأَصْل هُوَ الأول وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يصير مدْركا للقومة الَّتِي قبلهَا فَبَقيَ عَلَيْهِ قيام وَاحِد وركوع وَاحِد وَالْأول أصح

الثَّانِي تفوت صَلَاة الْكُسُوف بالانجلاء وبغروب الشَّمْس كاسفة وتفوت صَلَاة الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشَّمْس وَلَا تفوت غرُوب الْقَمَر فِي جنح اللَّيْل خاسفا لِأَن اللَّيْل بَاقٍ وسلطان الْقَمَر فِي جَمِيعه وَهل تفوت بِطُلُوع الصُّبْح فِيهِ قَولَانِ الْجَدِيد أَنه لَا تفوت لبَقَاء سلطنة الْقَمَر بدوام الظلمَة الثَّالِث إِذا اجْتمع عيد وخسوف وَخيف الْفَوات فالعيد أولى وَإِن اتَّسع الْوَقْت فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الخسوف أولى لِأَنَّهُ على عرض الْفَوات بالانجلاء وَالثَّانِي الْعِيد أولى

لِأَنَّهُ سنة مُؤَكدَة رُبمَا يعوض عَنْهَا عائق وَلَو أنكر منجم وجود الْكُسُوف يَوْم الْعِيد لم نرده على قَوْلنَا إِن الله على كل شَيْء قدير وَلَو اجْتمع كسوف وجمعة قدمنَا الْجُمُعَة إِن خفنا فَوَاتهَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَمَا فِي الْعِيد ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يخْطب للْجُمُعَة والكسوف خطْبَة وَاحِدَة يتَعَرَّض فِيهَا للكسوف وللجمعة حَتَّى لَا يطول الْوَقْت وَلَا بَأْس بِوُقُوع الْخطْبَة قبل صَلَاة

الْكُسُوف لِأَنَّهَا لَيست من شرائطها وَكَذَا يفعل عِنْد اجْتِمَاع الْعِيد والكسوف وَلَو اجْتمع جَنَازَة مَعَ هَذِه الصَّلَوَات فَهِيَ مُقَدّمَة إِلَّا مَعَ الْجُمُعَة عِنْد ضيق الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالأَصَح تَقْدِيم الْجُمُعَة وَوجه تَقْدِيم الْجِنَازَة أَن الْجُمُعَة لَهَا بدل ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي وَلَا يبرز بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ رُبمَا يفوت بالبروز وَلَا يصلى لغير الخسوفين من الْآيَات كالزلازل وَغَيرهَا

كتاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء

وَهِي سنة عرفت من فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِدعَة وسببها أَن يَنْقَطِع مَاء السَّمَاء أَو الْعُيُون فتستحب عِنْده صَلَاة الاسْتِسْقَاء وَلَو أخبرنَا أَن طَائِفَة من الْمُسلمين ابتلوا بِهِ فَيسنّ لنا أَن نستسقي لَهُم لِأَن الْمُسلمين كَنَفس وَاحِدَة ثمَّ إِن سقوا يَوْم الْخُرُوج فَذَاك وَإِن تَمَادى كررنا ثَانِيًا وثالثا كَمَا يرَاهُ الإِمَام فَإِن سقوا

قبل الاسْتِسْقَاء خَرجُوا للشكر وَالْمَوْعِظَة وَفِي أَدَاء الصَّلَاة للشكر وَجْهَان وَكَذَا فِي أَدَائِهَا للاستزادة فِي النِّعْمَة ثمَّ أقل هَذِه الصَّلَاة كأقل صَلَاة الْعِيد ووقتها وَقتهَا وأكملها أَن يَأْمر الإِمَام النَّاس بِالتَّوْبَةِ وَالْخُرُوج من الْمَظَالِم وَأَن يسْتَحل بَعضهم بَعْضًا

وَيَأْمُرهُمْ بِالصَّوْمِ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يخرجُون فِي الرَّابِع فِي ثِيَاب بذلة وتخشع بِخِلَاف الْعِيد وَيسْتَحب إِخْرَاج الصّبيان وَفِي إِخْرَاج الْبَهَائِم قصدا تردد وَلَا بَأْس بِخُرُوج أهل الذِّمَّة ويحازون إِلَى جَانب وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هِيَ كَصَلَاة الْعِيد إِلَّا أَنه يُبدل

السُّورَة فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَيقْرَأ {إِنَّا أرسلنَا نوحًا} لاشتمالها على قَوْله تَعَالَى {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} ثمَّ يخْطب الإِمَام بعد الْفَرَاغ خطبتين كَمَا فِي الْعِيد لَكِن يُبدل التَّكْبِيرَات بالاستغفار ثمَّ يلْحقهُ بِالدُّعَاءِ فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة وَيسْتَقْبل الْقبْلَة فيهمَا ويستدبر النَّاس ثمَّ يحول رِدَاءَهُ تفاؤلا بتحويل الْحَال وتأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقلب الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل وَالْيَمِين إِلَى الْيَسَار وَالظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن

وَكَانَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خميصة فَتعذر عَلَيْهِ لما حاول قَلبهَا من الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَل فَترك فَرَأى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجَدِيد الْإِتْيَان بِمَا هم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى

وَيسْتَحب أَن يَدْعُو فِي الْخطْبَة الأولى وَيَقُول اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا هَنِيئًا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقًا سَحا دَائِما اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين اللَّهُمَّ إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد مَا لَا نشكو إِلَّا إِلَيْك اللَّهُمَّ أنبت لنا الزَّرْع وأدر لنا الضَّرع واسقنا من بَرَكَات السَّمَاء اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجهد والجوع والعري واكشف عَنَّا مَا لَا يكشفه غَيْرك اللَّهُمَّ إِنَّا نستغفرك إِنَّك كنت غفارًا فَأرْسل السَّمَاء علينا مدرارا وَالله أعلم

كتاب الْجَنَائِز

وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بآداب المحتضر وبعسل الْمَيِّت وتزيينه وتكفينه وَحمل جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه والتعزية والبكاء عَلَيْهِ فتجري فِيهِ على تَرْتِيب الْوُجُود اعتيادا

القَوْل فِي المحتضر من أشرف على الْمَوْت فليستقبل بِهِ الْقبْلَة وَهُوَ أَن يلقى على قَفاهُ وأخمصاه إِلَى الْقبْلَة وَقيل إِنَّه يلقى على جنبه الْأَيْمن كَمَا يفعل بِهِ فِي لحده وَيسْتَحب أَن يلقن كلمتي الشَّهَادَة بِرِفْق من غير إضجار وَأَن تتلى بَين يَدَيْهِ سُورَة يس وَليكن هُوَ فِي نَفسه حسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه ثمَّ إِذا فاضت نَفسه تغمض عَيناهُ ويشد لحياه بعصابة كَيْلا يتشوه خلقه وتلين مفاصله كَيْلا يتصلب ويصان عَن الثِّيَاب المدفئة فَإِنَّهَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد فَيسْتر بِثَوْب خَفِيف وَيُوضَع على بَطْنه سيف أَو مرْآة كَيْلا يَرْبُو بَطْنه وَلَا يوضع عَلَيْهِ مصحف

القَوْل فِي الْغسْل وَالنَّظَر فِي كيفيته وَفِي الْغَاسِل أما الْكَيْفِيَّة فأقله إمرار المَاء على جَمِيع الْأَعْضَاء كَمَا فِي الْجَنَابَة وَفِي النِّيَّة وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لتعذرها على المغسول وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب على الْغَاسِل وَإِنَّمَا الْمَيِّت مَحل الْغسْل وعَلى هَذَا يبتنى غسل الْكَافِر وَمن لَفظه الْبَحْر وانغسلت أعضاؤه أما الْأَكْمَل فلتقدم عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن ينْقل إِلَى مَوضِع خَال على لوح مُهَيَّأ لذَلِك وَلَا ينْزع قَمِيصه بل يغسل فِيهِ وَإِن مست الْحَاجة إِلَى مس بدنه فتق الْغَاسِل الْقَمِيص وَأدْخل يَده فِيهِ وَإِن نزع الْقَمِيص جَازَ وَلَكِن يستر عَوْرَته إِذْ يحرم النّظر إِلَيْهَا وَيكرهُ النّظر إِلَى جَمِيع بدنه إِلَّا للْحَاجة

الثَّانِي أَن يحضر مَاء بَارِدًا كَيْلا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَليكن طَاهِرا طهُورا وَلَو اسْتعْمل السدر فِي بعض الغسلات جَازَ لَكِن الْمُتَغَيّر بالسدر لَا يتَأَدَّى بِهِ الْغَرَض خلافًا لأبي إِسْحَاق الْمروزِي وَيَنْبَغِي أَن يعد موضعا كَبِيرا للْمَاء وينحيه عَن المغتسل بِحَيْثُ لَا يصل إِلَيْهِ رشاش المَاء الْمُسْتَعْمل الثَّالِث أَن يبْدَأ بالاستنجاء فليجلس الْمَيِّت وَيمْسَح يَده على بَطْنه متحاملا بقوته لتنتفض الفضلات وَعِنْده تكون المحجرة متقدة فائحة بالطيب ثمَّ يردهُ إِلَى هَيْئَة الاستلقاء ويلف خرقَة على يَده وَيغسل إِحْدَى سوأتيه مبالغا فِيهِ ثمَّ يُبدل الْخِرْقَة وَيغسل الْأُخْرَى وَإِن كَانَ على بدنه نَجَاسَة أزالها ثمَّ يتعهد أَسْنَانه وَمنْخرَيْهِ بِخرقَة نظيفة مبلولة وَيكون ذَلِك كالسواك ثمَّ يوضئه ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَإِن كَانَت أَسْنَانه متراصة فَلَا يفتحها للمضمضة بل يُوصل المَاء إِلَى أفرة وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى دَاخل الْفَم تردد خيفة من

تسارع الْفساد ثمَّ يتعهد شعره بِمشْط وَاسع الْأَسْنَان احْتِرَازًا عَن النتف ثمَّ يبتدأ بِالْغسْلِ وكيفيته أَن يضجعه على جنبه الْأَيْسَر وَيصب المَاء على شقَّه الْأَيْمن مبتدئا من رَأسه إِلَى قدمه ثمَّ يضجعه على الشق الْأَيْمن وَكَذَلِكَ يفعل بالشق الْأَيْسَر وَهِي غسلة وَاحِدَة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَلَاثًا ويمر فِي كل نوبَة الْيَد على بَطْنه لخُرُوج الفضلات فَإِن حصل النَّقَاء بِثَلَاث فَذَاك وَإِلَّا فَخمس أَو سبع ثمَّ يُبَالغ فِي نشفه صِيَانة للكفن عَن الرُّطُوبَة وَيسْتَعْمل قدرا من الكافور لدفع الْهَوَام فرعان أَحدهمَا لَو خرجت مِنْهُ نَجَاسَة بعد الْغسْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يُعِيد الْكل الثَّانِي أَنه يُعِيد الْوضُوء دون الْغسْل الثَّالِث يقْتَصر على إِزَالَة النَّجَاسَة الثَّانِي لَو احْتَرَقَ مُسلم وَكَانَ فِي غسله مَا يهرئه يممناه وَلَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح وغسله يسْرع إِلَيْهِ الْفساد غسلناه لِأَن مصيره إِلَى البلى

النّظر الثَّانِي فِي الْغَاسِل وَيجوز للرِّجَال غسل الرِّجَال وللنساء غسل النِّسَاء وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس فَلَا يجوز إِلَّا بزوجية أَو محرمية وَيجوز بِملك الْيَمين للسَّيِّد فِي أمته ومستولداته وَهل وَيجوز لَهما غسل السَّيِّد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا نعم كَالزَّوْجَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا صارتا أجنبيتين بالعنق والانتقال إِلَى الْوَرَثَة فرعان الأول لَو مَاتَت امْرَأَة وَلم تَجِد إِلَّا رجلا أَجْنَبِيّا أَو مَاتَ رجل وَلم يجد إِلَّا أَجْنَبِيَّة تولى الْغسْل من حضر مَعَ عض الْبَصَر وَكَذَا الْخُنْثَى يتَوَلَّى غسله إِمَّا الرِّجَال وَإِمَّا النِّسَاء استصحابا لحكم الصغر

وَقيل يتَيَمَّم فِي هَذِه الصُّور وفقد الْغَاسِل كفقد المَاء وَهُوَ بعيد الثَّانِي إِذا ازْدحم جمع يصلحون للْغسْل على امْرَأَة فالبداية بنساء الْمَحَارِم ثمَّ بعدهن بالأجنبيات ثمَّ بِالزَّوْجِ ثمَّ بِرِجَال الْمَحَارِم وترتيب الْمَحَارِم كترتيبهم فِي الصَّلَاة هَذِه طَريقَة المراوزة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها فِي تَقْدِيم الزَّوْج على نسَاء الْمَحَارِم لِأَنَّهُ ينظر إِلَى مَا لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ ووجها فِي تَقْدِيم رجال الْمَحَارِم على الزَّوْج لِأَن النِّكَاح مُنْقَطع بِالْمَوْتِ وَلَا شكّ أَن الْمُسلم الْأَجْنَبِيّ أولى من الْقَرِيب الْمُشرك

هُنَا إِذا تنافسوا فَإِن تواكلوا فللمتأخر أَن يتعاطى الْغسْل قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد التَّرْتِيب بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء وَاجِب لَا يدْخلهُ الْخيرَة أما التواكل بَين الرِّجَال أَو بَين النِّسَاء فَغير مُمْتَنع

القَوْل فِي التزيين وَفِي قلم أظفار الْمَيِّت وَحلق شعره الذى كَانَ يحلقه ندبا فِي حَال الْحَيَاة قَولَانِ أَحدهمَا يسْتَحبّ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام افعلوا بموتاكم مَا تَفْعَلُونَ بأحيائكم وَالثَّانِي لَا لِأَن حكم الْمَوْت شَامِل لأجزائه فَلَا يفصل مِنْهُ شئ أما الْمحرم فَلَا يحلق شعره وَلَا يخمر رَأسه إِن كَانَ رجلا وَوَجهه إِن كَانَت امْرَأَة وَلَا يقرب طيبا وَفِي صِيَانة الْمُعْتَدَّة عَن الطّيب وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن امتناعها تحرز عَن الرِّجَال أَو تفجع على الزَّوْج وَقد فَاتَ بِالْمَوْتِ

القَوْل فِي التَّكْفِين وَأحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض ولبكن جنسه الْقطن أَو الْكَتَّان أما الْحَرِير فَيحرم على الرِّجَال وَيكرهُ للنِّسَاء لأجل السَّرف وَأَقل الْكَفَن ثوب وَاحِد سَاتِر لجَمِيع الْبدن فَلَو أوصى بِمَا دون ذَلِك لم ينفذ لِأَنَّهُ حق الشَّرْع فَأَما الثَّانِي وَالثَّالِث فَهُوَ حق الْمَيِّت ينفذ وَصيته فِي إِسْقَاطهَا وَالصَّحِيح أَن الْوَرَثَة يلْزمهُم الثَّانِي وَالثَّالِث وَهل للْغُرَمَاء الْمُنَازعَة فِيهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن تبرئه ذمَّته أولى من الزِّيَادَة على وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك من تجمله بعد الْمَوْت فَهُوَ كعمايتة ودراعته فِي حَال حَيَاته

فَأَما الْمَرْأَة إِن لم تخلف مَالا فَهَل يجب على زَوجهَا تجهيزها فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن النِّكَاح قد انْتهى الثَّانِي نعم لِأَن النِّكَاح قد اسْتَقر وَأوجب الْإِرْث وَهَذِه آخر حاجاتها فِي الْكسْوَة فَإِن لم نوجب على الزَّوْج فتكفين كل فَقير من بَيت المَال وَلَكِن بِثَوْب وَاحِد أَو بِثَلَاثَة فِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر أَنه ثوب وَاحِد أما الْأَكْمَل فَهُوَ الثَّلَاث فِي حق الرِّجَال وَالزِّيَادَة إِلَى الْخمس جَائِز من غير اسْتِحْبَاب وَفِي حق النِّسَاء مُسْتَحبّ وَالزِّيَادَة على الْخمس سرف على الْإِطْلَاق ثمَّ إِن كفن فِي خمس فعمامة وقميص وَثَلَاث لفائف وَإِن كفن فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف من غير قَمِيص وَلَا عمائم كلهَا سوابغ

وَإِن كفنت فِي خمس فإزار وخمار وَثَلَاث لفائف وَفِي قَول تبدل لفافة بقميص وَإِن كفنت فِي ثَلَاث فَثَلَاث لفائف وَإِنَّمَا التَّرَدُّد فِي الْقَمِيص إِذا كفنت فِي خمس أما كَيْفيَّة الإدراج فِي الْكَفَن فَأن يفرش اللفافة الْعليا ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط عَلَيْهَا الثَّانِيَة ويذر عَلَيْهَا الحنوط ويبسط الثَّالِثَة وَيُزَاد فِي الحنوط وَيُوضَع الْمَيِّت عَلَيْهَا ثمَّ يَأْخُذ قدرا صَالحا من الْقطن الحليج ويلف قدرا مِنْهُ ويدسه فِي الأليتين ثمَّ يبسط عَلَيْهِ قدرا عريضا من الْقطن ويشد الأليتين ويستوثق كَيْلا يخرج مِنْهُ خَارج ثمَّ يعمد إِلَى المنافذ من الْعين والفم وَالْأنف وَالْأُذن ويلصق بِكُل مَوضِع قطنه عَلَيْهَا كافور ثمَّ يلف الْكَفَن عَلَيْهِ وَيسْتَحب أَن يبخر الْكَفَن بِالْعودِ وَهُوَ أولى من الْمسك وَفِي كَون الحنوط وَاجِبا أَو مُسْتَحبا وَجْهَان وَالصَّحِيح أَنه مُسْتَحبّ

القَوْل فِي حمل الْجِنَازَة وَالْأولَى أَن يحملهُ ثَلَاثَة وَيكون السَّابِق بَين العمودين فَإِن لم يسْتَقلّ بِحمْل الخشبتين فرجلان من جانبيه وَهُوَ بَين العمودين فيكونون خَمْسَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْحمل بَين العمودين بِدعَة وَمن أَرَادَ أَن يحمل الْجِنَازَة فليحملها من جَمِيع جوانبها فَيحمل على عَاتِقه الْأَيْمن مُقَدّمَة الْجِنَازَة ثمَّ يرجع إِلَى مُقَابِله من مؤخرتها ثمَّ

يفعل ذَلِك بالشق الآخر ثمَّ الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة خلفهَا أفضل وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ رَاكِبًا فخلفها وَإِن كَانَ مَاشِيا فأمامها وَالْمَشْي أفضل من الرّكُوب والإسراع بالجنازة أولى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ خيرا فَإلَى خير تقدمونه وَإِن كَانَ غير ذَلِك فبعدا لأهل النَّار

القَوْل فِي الصَّلَاة على الْمَيِّت وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِيمَن يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ كل ميت مُسلم لَيْسَ بِشَهِيد فهذ ثَلَاثَة قيود الْقَيْد الأول الْمَيِّت وَفِيه مَسْأَلَتَانِ الأولى لَو صادفنا عُضْو آدَمِيّ وَاحْتمل كَون صَاحبه حَيا لم نصل عَلَيْهِ وَإِن قطع بِمَوْت صَاحبه غسلناه وصلينا عَلَيْهِ وواريناه بِخرقَة ودفناه وَتَكون هَذِه الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصلى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا وجد النّصْف الْأَكْبَر فَإِنَّهُ لَا تجوز الصَّلَاة على الْغَائِب عِنْده الثَّانِيَة السقط إِن خرج واستهل فَهُوَ كالكبير وَإِن لم يظْهر عَلَيْهِ التخطيط فيوارى

فِي خرقَة وَلَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق حَيَاته وَإِن ظهر شكل الْآدَمِيّ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه كالكبير اسْتِدْلَالا بالشكل على الرّوح وَالثَّانِي لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم تحقق حَيَاته وَالثَّالِث أَنه يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ والدفن يجب قولا وَاحِدًا والكفن لَا يجب إكماله إِلَّا إِذا أَوجَبْنَا الصَّلَاة وَإِن اختلج بعد الِانْفِصَال قَلِيلا ثمَّ سكن فَالْخِلَاف هَاهُنَا مُرَتّب وَأولى بِأَن يعْتَقد حَيَاته الْقَيْد الثَّانِي الْإِسْلَام فَلَا يصلى قطّ على كَافِر وَلَا على مُبْتَدع يكفر فِي بدعته وَإِن كَانَ الْكَافِر حَرْبِيّا فَلَا يجب دَفنه وَأما الذِّمِّيّ فَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَكِن دَفنه وتكفينه من فروض الكفايات وَفَاء بِالذِّمةِ وَفِي كَلَام الصيدلاني إِشَارَة إِلَى أَنه كالحربي إِذْ لم يبْق لَهُ ذمَّة بعد الْمَوْت فرع إِذا اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بالمشركين نغسلهم ونكفنهم تقصيا عَن الْوَاجِب ثمَّ عِنْد الصَّلَاة نميز الْمُسلمين عَن الْكَافرين بِالنِّيَّةِ

الْقَيْد الثَّالِث الشَّهَادَة فَلَا يغسل شَهِيد وَلَا يصلى عَلَيْهِ والشهيد من مَاتَ بِسَبَب الْقِتَال مَعَ الْكفَّار فِي وَقت قيام الْقِتَال فَهَذِهِ ثَلَاثَة معَان فَإِن كَانَ فِي قتال أهل الْبَغي أَو مَاتَ حتف أَنفه فِي قتال الْكفَّار أَو مَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال بجراحة مثخنة أَصَابَته فِي الْقِتَال أَو قَتله الْحَرْبِيّ اغتيالا من غير قتال فَفِي الْكل قَولَانِ أَحدهمَا يثبت لَهُ حكم الشَّهَادَة للاشتراك فِي الْمَعْنى وَالثَّانِي لَا لِأَن لكل وصف من هَذِه الْأَوْصَاف أثرا وَلَا خلاف أَن من أَصَابَهُ فِي الْقِتَال سلَاح مُسلم أَو وطأته دَوَاب الْمُسلمين فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد وَلَا خلاف أَن الْمَجْرُوح إِذا كَانَ يتَوَقَّع حَيَاته فَمَاتَ بعد انْقِضَاء الْقِتَال فَلَيْسَ بِشَهِيد وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَن يقطع بِأَنَّهُ يَمُوت إِذا بقيت فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَأَما الْقَتِيل ظلما من مُسلم أَو ذمِّي أَو المبطون أَو الْغَرِيب إِذا مَاتَ فَهَؤُلَاءِ يصلى

عَلَيْهِم وَإِن ورد فيهم لفظ الشَّهَادَة والقتيل بِالْحَقِّ قصاصا أَو حدا لَيْسَ بِشَهِيد فرعان أَحدهمَا تَارِك الصَّلَاة إِذا قتل يصلى عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يطمس قَبره وَلَا يُكفن وَلَا يصلى عَلَيْهِ تحقيرا لَهُ وَهُوَ بعيد الثَّانِي قَاطع الطَّرِيق إِذا صلب قيل لَا يصلى عَلَيْهِ تَغْلِيظًا وَالظَّاهِر أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه يتْرك مصلوبا حَتَّى يتهرى فالطريق أَن نَقْتُلهُ أَولا ونغسله وَنُصَلِّي عَلَيْهِ ونصلبه فِي كَفنه وَكَأن الْهَوَاء قَبره وَإِن قُلْنَا يقتل مصلوبا فَينزل بعد الْقَتْل وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن وَمن يرى أَنه يقتل مصلوبا وَيبقى فَلَا يتَمَكَّن من الصَّلَاة فَإِن قيل فبماذا يُفَارق الشَّهِيد غَيره

قُلْنَا فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول الْغسْل فَإِنَّهُ حرَام فِي حَقه وَإِن كَانَ جنبا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُم يحشرون يَوْم الْقِيَامَة وأوداجهم تشخب دَمًا فاللون لون الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك وَخرج ابْن سُرَيج وَجها فِي الْجنب أَنه يغسل الثَّانِي الصَّلَاة عَلَيْهِ حرَام عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ جَائِز وَلكنه غير وَاجِب الثَّالِث لَا يزَال دم الشَّهَادَة وَهل يزَال سَائِر النَّجَاسَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن المعفو عَنهُ أثر الشَّهَادَة

وَالثَّانِي لَا لِأَن إِزَالَتهَا يُؤَدِّي إِلَى إِزَالَة أثر الشَّهَادَة وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى الْإِزَالَة فَلَا يزَال وَإِلَّا فيزال الْأَمر الرَّابِع التَّكْفِين فِي حَقه كَهُوَ فِي حق غَيره إِلَّا أَن الثِّيَاب الملطخة بِالدَّمِ لَا ينْزع وَلَو نَزعه الْوَارِث أَو أبدله فَلَا يمْنَع وَأما الدرْع وَالثيَاب الخشنة فَلَا شكّ فِي نَزعهَا الطّرف الثَّانِي فِيمَن يُصَلِّي وَالنَّظَر فِي صفة الإِمَام وموقفه أما الصّفة فَالْأولى بِالصَّلَاةِ الْقَرِيب وَلَا يقدم على الْقَرَابَة إِلَّا الذُّكُورَة حَتَّى يقدم صبي مراهق على امْرَأَة والوالي يقدم على الْقَرِيب فِي الْقَدِيم ثمَّ تَرْتِيب الْأَقَارِب أَن يبْدَأ بِالْأَبِ ثمَّ الْجد ثمَّ الابْن ثمَّ الْعَصَبَات على ترتيبهم فِي الْولَايَة ثمَّ فِي تَقْدِيم الْأَخ من الْأَب وَالأُم على الْأَخ من الْأَب طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالصَّحِيح التَّقْدِيم لِأَن لقرابة النِّسَاء مدخلًا فِي الصَّلَاة وَكَذَلِكَ إِذا فَقدنَا الْعَصَبَات قدمنَا ذَوي الْأَرْحَام وَالْأولَى تَقْدِيم الْمُعْتق عَلَيْهِم كَمَا فِي الْإِرْث

فرعان أَحدهمَا أَن السن وَالْفِقْه إِذا تَعَارضا فِي أَخَوَيْنِ قَالَت المراوزة الأفقه أولى كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَاهُنَا يدل على أَن السن أولى وَنَصه فِي سَائِر الصَّلَوَات يدل على أَن الْفِقْه أولى فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَوجه تَقْدِيم السن هَاهُنَا أَن المُرَاد الدُّعَاء وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يستحي أَن يرد دَعْوَة ذِي الشيبة الْمُسلم الثَّانِي عبد فَقِيه وحر غير فَقِيه وَأَخ رَقِيق وَعم حر فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَان وَلَعَلَّ التَّسْوِيَة أولى لتعادل الْخِصَال وَعند التَّسْوِيَة لَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي فَأَما الْموقف فليقف الإِمَام وَرَاء الْجِنَازَة عِنْد صدر الْمَيِّت إِن كَانَ رجلا وَعند عجيزة الْمَرْأَة كَأَنَّهُ يحاول سترهَا عَن الْقَوْم فَلَو تقدم على الْجِنَازَة فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على تقدم الْمُقْتَدِي على الإِمَام وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْغَائِب قد يصلى عَلَيْهِ وَيكون الْمَيِّت وَرَاء الْمُصَلِّي وَإِن كَانَ ذَلِك بِسَبَب الْحَاجة فَلَا بَأْس بِإِدْخَال الْجِنَازَة الْمَسْجِد خلافًا لأبي حنيفَة

فرعان الأول إِذا اجْتمع الْجَنَائِز فَيجوز أَن يفرد كل وَاحِدَة بِالصَّلَاةِ وَيجوز أَن يصلى على الْجمع وَفِي كَيْفيَّة الْوَضع وَجْهَان الْأَصَح أَنه يوضع الْكل بَين يَدي الإِمَام على هَذِه الصُّورَة الثَّانِي أَنه يوضع صفا مَادًّا فِي يَمِين الإِمَام على هَذِه الصُّورَة الثَّانِي أَن قرب الْجِنَازَة من الإِمَام رُتْبَة مَطْلُوبَة مُسْتَحقّ بِالسَّبقِ مرّة وبالتقدم فِي الرُّتْبَة أُخْرَى فَيُوضَع الرجل أَولا ثمَّ الصَّبِي ثمَّ الْخُنْثَى ثمَّ الْمَرْأَة وَلَا يقدم بِالْحُرِّيَّةِ وَالرّق وَلَكِن بِصِفَات دينية تزيد الرَّغْبَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَو سبقت جَنَازَة امْرَأَة فَإِذا ألحق رجل نحيت الْمَرْأَة وَلَو سبق جَنَازَة صبي لَا تنحى بِسَبَب رجل وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنه ينحى وَعند تَسَاوِي الصِّفَات فَلَا مرجع إِلَّا إِلَى الْقرعَة أَو التَّرَاضِي الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة وأقلها تِسْعَة

أَرْكَان النِّيَّة والتكبيرات الْأَرْبَع وَالسَّلَام والفاتحة بعد الأولى وَالصَّلَاة على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة على الْآل خلاف وَالدُّعَاء للْمَيت بعد الثَّالِثَة ركن وَهُوَ الْمَقْصُود الأهم وَقيل يَكْفِي الدُّعَاء للْمُؤْمِنين من غير ربط بِالْمَيتِ فَلَو زَاد تَكْبِيرَة خَامِسَة بطلت الصَّلَاة على أحد الْوَجْهَيْنِ تَشْبِيها لكل تَكْبِيرَة بِرَكْعَة فَأَما الْأَكْمَل فيرفع السَّيِّد فِي التَّكْبِيرَات عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي دُعَاء الاستفتاح والتعوذ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَا يسْتَحبّ الاستفتاح ويتعوذ لِأَنَّهُ من تَوَابِع الْقِرَاءَة وَلَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وَقَالَ الصيدلاني يجْهر لَيْلًا وَفِي اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات عِنْد الدُّعَاء للْمَيت تردد لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّخْفِيف وَالأَصَح الِاسْتِحْبَاب وَلم يتَعَرَّض الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لذكر بَين الرَّابِعَة

وَالسَّلَام وروى الْبُوَيْطِيّ أَنه يَقُول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده وَفِي تعدد السَّلَام خلاف مُرَتّب على سَائِر الصَّلَوَات والاقتصار هَاهُنَا أولى فَيسلم بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه وَقيل يسلم ملتفتا إِلَى يَمِينه وَيخْتم وَوَجهه مائل إِلَى يسَاره فيدير الْوَجْه فِي تَسْلِيمه وَاحِدَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يسْجد فِي هَذِه الصَّلَاة لسهو فروع ثَلَاثَة الأول إِن صلى شفعوي خلف من يكبر خمْسا إِن قُلْنَا إِن زِيَادَة التَّكْبِير تبطل الصَّلَاة فَهِيَ كالاقتداء بالحنفي وَإِن قُلْنَا لَا تبطل صحت الْقدْوَة وَلَكِن فِي الْمُوَافقَة فِي التَّكْبِير الزَّائِد قَولَانِ جاريان فِي اخْتِلَاف فعل الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَفِي الْقُنُوت وتكبيرات الْعِيدَيْنِ أَن الأولى الْمُتَابَعَة أم لَا الثَّانِي الْمَسْبُوق يكبر كَمَا أدْرك وَإِن كَانَ الإِمَام فِي الْقِرَاءَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصبر إِلَى أَن يشْتَغل الإِمَام بالتكبيرة الَّتِى يستقبلها ثمَّ لَا بَأْس إِن كَانَ هُوَ يقْرَأ بَقِيَّة الْفَاتِحَة وَالْإِمَام يُصَلِّي على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن هَذَا هُوَ أول صَلَاة الْمَسْبُوق

وَلَكِن يساوق الإِمَام فِي التَّكْبِيرَات فَإِذا سلم الإِمَام تدارك الْبَقِيَّة وَلَا يُبَالِي وَإِن رفعت الْجِنَازَة الثَّالِث لَو تخلف عَن الإِمَام قصدا بتكبيرة بطلت صلَاته لِأَنَّهَا كركعة وَإِذا لم يُوَافق فِيمَا بَين التكبيرتين لَا يبْقى للقدوة معنى الطّرف الرَّابِع فِي شَرَائِط الصَّلَاة وَهِي كَسَائِر الصَّلَوَات وتتميز بِأُمُور الأول أَنه لَا يشْتَرط حُضُور ميت بل يصلى على الْغَائِب خلافًا لأبي حنيفَة صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّجَاشِيّ وَقد مَاتَ بِالْحَبَشَةِ وَإِن كَانَت الْجِنَازَة فِي الْبَلَد فَفِي صَلَاة من لم يحضرها خلاف لتيسر الْحُضُور الثَّانِي لَا يشْتَرط ظُهُور الْمَيِّت بل تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد الدّفن صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المسكينة بعد الدّفن

نعم لَو دفنُوا قبل الصَّلَاة خَرجُوا وَلَكِن تصح صلَاتهم وَصَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة صَحِيحَة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَيْسَ ذَلِك تَطَوّعا بل هُوَ كَمَا لَو التحقوا بِالْجَمَاعَة الأولى وَإِنَّمَا التَّطَوُّع أَن يُعِيد الْإِنْسَان صَلَاة الْجِنَازَة وَذَلِكَ غير مُسْتَحبّ ثمَّ فِي مُدَّة جَوَاز الصَّلَاة بعد الدّفن خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَنه إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَالثَّانِي إِلَى شهر وَالثَّالِث إِلَى انمحاق أَجْزَائِهِ وَالرَّابِع أَن من كَانَ للصَّلَاة أَهلا يَوْم مَوته يصلى عَلَيْهِ وَمن لَا فَلَا الْخَامِس أَنه يجوز أبدا وعَلى هَذَا فَلَا تجوز الصَّلَاة على قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد

الْأَمر الثَّالِث أَن هَذِه الصَّلَاة فرض على الْكِفَايَة وَيسْقط الْفَرْض بِصَلَاة أَرْبَعَة من الرِّجَال صلوا جمَاعَة أَو آحادا وَهل يسْقط بِجِنْس النِّسَاء فِيهِ خلاف وَقيل يَكْفِي شخص وَاحِد وَقيل لَا بُد من ثَلَاث وَقيل لَا بُد من أَربع

القَوْل فِي الدّفن الدّفن من فروض الكفايات وَأقله حُفْرَة توارى بدن الْمَيِّت وتحرسه من السبَاع وتكتم رَائِحَته وأكمله قبر على قامة رجل ربع واللحد أولى من الشق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشق لغيرنا واللحد لنا وَليكن اللَّحْد فِي جِهَة الْقبْلَة ثمَّ تُوضَع الْجِنَازَة على رَأس الْقَبْر بِحَيْثُ يكون رَأس الْمَيِّت عِنْد مُؤخر الْقَبْر فيسل الْوَاقِف دَاخل الْقَبْر الْمَيِّت من قبل رَأسه ويضعه فِي اللَّحْد وَقَالَ أَبُو حنيفَة تُوضَع الْجِنَازَة بَين الْقبْلَة والقبر عرضا ثمَّ ترد قهقرى إِلَى الْقَبْر ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يدْخل الْمَيِّت قَبره إِلَّا الرجل فَإِن كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة فيتولى ذَلِك زَوجهَا أَو محارمها فَإِن لم يَكُونُوا فعبيدها فَإِن لم يَكُونُوا فخصيان فَإِن لم يَكُونُوا فأرحام فَإِن لم يَكُونُوا فالأجانب وَذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ يضعفن عَن مُبَاشرَة هَذَا الْأَمر ثمَّ إِن كَانَ المدفون صَبيا اسْتَقل بِهِ وَاحِد فَإِن زَاد فَلْيَكُن عَددهمْ وترا

ثمَّ يضجعون الْمَيِّت على جنبه الْأَيْمن فِي اللَّحْد قبالة الْقبْلَة بِحَيْثُ لَا ينكب وَلَا يستلقي وَحسن أَن يُفْضِي بِوَجْهِهِ إِلَى تُرَاب أَو لبنة مَوْضُوعَة تَحت رَأسه وَلَا يوضع رَأسه على مخدة ثمَّ ينصب اللين على فتح اللَّحْد ويسد الْفرج بِمَا يمْنَع انهيار التُّرَاب عَلَيْهِ ثمَّ يحثو كل من دنا ثَلَاث حثيات من التُّرَاب ثمَّ يهال التُّرَاب عَلَيْهِ بِالْمَسَاحِي وَلَا يرفع نعش الْقَبْر إِلَّا بِمِقْدَار شبر وَلَا يجصص وَلَا يطين وَلَو صب الْحَصَى عَلَيْهِ فَلَا بَأْس وَلَو وضع حجر على رَأس الْقَبْر للعلامة فَلَا بَأْس ثمَّ تَسْتَطِيع الْقُبُور عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أفضل من تسنيمها لَكِن التسنيم الْآن أفضل مُخَالفَة لشعار الروافض حَتَّى ظن ظانون أَن الْقُنُوت إِن صَار شعارا لَهُم كَانَ الأولى تَركه هَذَا بعيد فِي أبعاض الصَّلَاة وَإِنَّمَا نخالفهم فِي هيئات مثل التَّخَتُّم فِي الْيَمين وَأَمْثَاله ثمَّ الْأَفْضَل أَن يمْكث المشيع للجنازة إِلَى أَن يواري الْمَيِّت قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على ميت وَانْصَرف فَلهُ قِيرَاط من الْأجر وَمن صلى وَاتبع الْجِنَازَة وَشهد الدّفن فَلهُ قيراطان

فرعان الأول أَنه لَا يدْفن فِي قبر وَاحِد ميتان مَا أمكن وَإِن اجْتمع موتى فِي قحط وموتان جعلنَا الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة فِي قبر وَاحِد وَقدمنَا الْأَفْضَل إِلَى جِدَار اللَّحْد فَيقدم الْأَب على الابْن وَالِابْن على الْأُم لمَكَان الذُّكُورَة وَلِأَنَّهُ الْأَحْسَن فِي هَيْئَة الْوَضع وَلَا يجمع بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَإِن ظَهرت الضَّرُورَة جعلنَا بَينهمَا حاجزا من التُّرَاب الثَّانِي الْقَبْر مُحْتَرم فَيكْرَه الْجُلُوس وَالْمَشْي والاتكاء عَلَيْهِ وليخرج الزائر مِنْهُ إِلَّا حد كَانَ يقرب مِنْهُ لَو كَانَ حَيا وَلَا يحل نبش الْقُبُور إِلَّا إِذا انمحق أثر الْمَيِّت بطول الزَّمَان أَو دفن من غير غسل فَالظَّاهِر أَنه ينبش الْقَبْر وَيغسل أَو دفن فِي أَرض مَغْصُوبَة وَترك الْمَالِك إِخْرَاجه فَإِن حق الْحَيّ أولى بالمراعاة وَلَو دفن قبل الصَّلَاة صلي عَلَيْهِ فِي الْقَبْر وَلَو دفن قبل التَّكْفِين فَوَجْهَانِ أظهرهمَا أَنه لَا ينبش لِأَن الْقَبْر ستره بِخِلَاف الْغسْل فَإِن مَقْصُوده لَا يحصل بالدفن وَلَو دفن فِي كفن مَغْصُوب فَثَلَاثَة أوجه

أظهرهمَا أَنه ينبش كالأرض الْمَغْصُوبَة وكما لَو ابتلع لؤلؤة فَإِنَّهُ يشق بَطْنه لأجل ملك الْغَيْر وَالثَّانِي أَنه فِي حكم الْهَالِك فَيغرم الْقيمَة إِن أمكن وَإِلَّا فالنبش عِنْد الْعَجز عَن الْقيمَة لَا بُد مِنْهُ وَالثَّالِث أَنه إِن تغير الْمَيِّت وَأدّى إِلَى هتك حرمته فَلَا ينبش وَهُوَ الأقيس وَإِلَّا فينبش

القَوْل فِي التَّعْزِيَة والبكاء والتعزية سنة قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره ومقصوده الْحمل على الصَّبْر بوعد الْأجر والتحذير من الْوزر بإفراط الْجزع وتذكير الْمُصَاب رُجُوع الْأَمر كُله إِلَى الله تَعَالَى ثمَّ يعزى الْكَافِر بقريبه الْمُسلم وَالدُّعَاء للْمَيت ويعزى الْمُسلم بقريبه الْكَافِر وَيكون الدُّعَاء للحي فَيَقُول جبر الله مصيبتك وألهمك الصَّبْر وَيسْتَحب تهيئة طَعَام لأجل أهل الْمَيِّت وَلَا يُؤثر التَّعْزِيَة بعد ثَلَاث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث أما الْبكاء فَجَائِز من غير ندبة ونياحة وشق جيب وَضرب خد فَكل ذَلِك حرَام لِأَنَّهُ يُخَالف الانقياد لقَضَاء الله تَعَالَى بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعض أَوْلَاده فَقَالَ سعد مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة وَإِن الله

يرحم من عباده الرُّحَمَاء فَإِن قيل أَلَيْسَ قَالَ إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ هَكَذَا رَوَاهُ عمر قُلْنَا قَالَ ابْن عمر مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا إِنَّمَا قَالَ يُزَاد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ حسبكم قَوْله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}

وَكَانَ الْكفَّار يوصون بالبكاء والنياحة فَلذَلِك زيد فِي عَذَابهمْ وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا كذب عمر وَلكنه أَخطَأ وَنسي إِنَّمَا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَهُودِيَّة مَاتَت ابْنَتهَا وَهِي تبْكي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّهُم يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا تعذب فِي قبرها

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَارِك الصَّلَاة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَارِك الصَّلَاة يقتل قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر مَعْنَاهُ عِنْد الشَّافِعِي اسْتوْجبَ عُقُوبَة الْكَافِر وَحكم أَحْمد بِكُفْرِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة بخلى وَلَا قتل عَلَيْهِ ثمَّ الصَّحِيح أَنه يقتل بِصَلَاة وَاحِدَة إِذا تَركهَا عمدا وأخرجها عَن وَقت الضَّرُورَة فَلَا يقتل بِصَلَاة الظّهْر إِلَّا إِذا غربت الشَّمْس

وَفِي مهلة الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام خلاف كَمَا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَد وَقد قيل إِنَّه لَا يقتل إِلَّا إِذا صَار التّرْك عَادَة لَهُ وَقيل إِذا ترك صَلَاتَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَكل ذَلِك تحكم ثمَّ يقتل بِالسِّين وَيصلى عَلَيْهِ كَمَا يصلى على الْمُسلمين وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يرفع نعشه وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ تحكم لَا أصل لَهُ وَالله أعلم

كتاب الزَّكَاة

الأَصْل فِيهَا من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَآتوا الزَّكَاة} وَمن السّنة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام بني الْإِسْلَام على خمس الحَدِيث وَقَوله مَانع الزَّكَاة فِي النَّار وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على وجوب الزَّكَاة وَهِي بِالْإِضَافَة إِلَى متعلقاتها سِتَّة زَكَاة النعم والنقدين وَالتِّجَارَة والمعشرات والمعادن والفطرة

النَّوْع الأول الزَّكَاة النعم وَالنَّظَر فِي وُجُوبهَا وآدائها الطّرف الأول فِي الْوُجُوب وَله ثَلَاثَة أَرْكَان من يجب عَلَيْهِ وَمَا يجب فِيهِ وَهُوَ السَّبَب وَالْوَاجِب أما من يجب عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط فِيهِ عندنَا إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَتجب الزَّكَاة على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا تجب على الْكَافِر وَالرَّقِيق أَعنِي الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَأما صفة الْوَاجِب وَقدره فيتبين بِبَيَان مقادير النّصاب وَإِنَّمَا يطول النّظر فِي الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ مَا يجب فِيهِ وَله سِتَّة شَرَائِط أَن يكون نعما نِصَابا مَمْلُوكا متهيئا لكَمَال التَّصَرُّف سَائِمَة بَاقِيا حولا

الشَّرْط الأول أَن يكون نعما فَلَا زَكَاة إِلَّا فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا زَكَاة فِي البغال وَالْحمير وَالْخَيْل والرقق وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كل فرس أُنْثَى سَائِمَة دِينَار وَلَا زَكَاة فِي المتولدة من الظباء وَالْغنم وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت الْأُمَّهَات من الْغنم وَجب الزَّكَاة

الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون نِصَابا أما الْإِبِل فَفِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا الْغنم فِي كل خمس شَاة فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض فَإِن لم يكن فِيهَا بنت مَخَاض فَابْن لبون ذكر وَلَيْسَ مَعَه شَيْء فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقة وَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين فَفِيهَا جَذَعَة

فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين إِلَى تسعين فَفِيهَا بنت لبون فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى مائَة وَعشْرين فَفِيهَا حقتان فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي كل خمسين حقة كل ذَلِك لفظ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وأرضاه كتبه فِي كتاب الصَّدَقَة لأنس بن مَالك وَبنت الْمَخَاض لَهَا سنة وَبنت اللَّبُون لَهَا سنتَانِ وللحقة ثَلَاث وللجذعة أَربع أما الْبَقر فَلَا شَيْء فِيهِ حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تبيع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة ثمَّ لَا شَيْء حَتَّى تبلغ سِتِّينَ فَفِيهَا تبيعان ثمَّ اسْتَقر الْحساب فَفِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهِي الَّتِى لَهَا سنتَانِ وَأما الْغنم فقد روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كتاب الصَّدَقَة وَفِيه فِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا

زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة فَإِن كَانَت الْغنم أَكثر من ذَلِك فَفِي كل مائَة شَاة وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِي الْغنم هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز والجذعة هِيَ الَّتِي لَهَا سنة وَاحِدَة وَقيل سِتَّة أشهر والثنية الَّتِى لَهَا سنتَانِ ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي زَكَاة الْإِبِل فِي

سِتَّة مَوَاضِع النّظر الأول فِي إِخْرَاج الشَّاة عَن خمس من الْإِبِل وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى أَن الْوَاجِب من حَيْثُ السن جَذَعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز وَمن حَيْثُ النَّوْع أَعنِي تعْيين الضَّأْن من الْمعز فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر غَالب غنم الْبَلَد فَإِن كَانَ الْغَالِب الضَّأْن أخرج الضَّأْن كَمَا تعْتَبر زَكَاة الْفطر بغالب الْقُوت على الْأَصَح خلاف الشَّاة الْوَاجِبَة فِي أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يعْتَبر بالمخرج مِنْهُ لِأَنَّهُ من جنسه وَالثَّانِي أَنه يخرج مَا شَاءَ فَإِنَّهُ ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّاة وَلم يجب إِلَّا شَاة كَمَا يجْرِي فِي الرَّقَبَة الْمُطلقَة فِي الْكَفَاءَة مَا ينْطَلق الِاسْم عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاة الْمَذْكُورَة فِي الْمَنَاسِك وَقيل إِنَّه يعْتَبر جنس غنم صَاحب الْإِبِل وَهُوَ بعيد الثَّانِيَة لَو أخرج جدعا ذكرا أَو ثنيا ذكرا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُجزئ اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي لَا تَنْزِيلا للمطلق هَاهُنَا على الْمفصل فِي زَكَاة الْغنم وَهِي الْأُنْثَى وَهَذَا الْخلاف جَاءَ فِي شَاة الْجبرَان الثَّالِثَة لَو أخرج بَعِيرًا عَن الْعشْرين فَمَا دونه يُجزئ لِأَنَّهُ يُجزئ عَن خمس وَعشْرين فَهُوَ بِأَن يُجزئ عَن الْأَقَل أولى وَلَا بَأْس وَإِن كَانَت قِيمَته أقل من الشَّاة

وَقَالَ الْقفال لَا يُؤْخَذ نَاقص الْقيمَة وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ الْتِفَات إِلَى الْبَدَل وَلم يُوجد هَذَا بطرِيق الْبَدَلِيَّة وَقيل إِنَّه لَا يُجزئ بعير عَن عشرَة بل لَا بُد من حيوانين إِمَّا بعير وشَاة وَإِمَّا بعيران وَهُوَ أَيْضا بعيد لما ذَكرْنَاهُ من طَرِيق الأولى وترددوا فِي أَن الْبَعِير الْمخْرج من الْخمس هَل كُله فرض أَو الْفَرْض خمسه النّظر الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْعُدُول عَن بنت مَخَاض عِنْد فقدها إِلَى ابْن لبون وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِن لم يكن فِي مَاله بنت مَخَاض وَلَا ابْن لبون تخير فِي الشِّرَاء لِأَنَّهُ مهما اشْترى ابْن لبون فقد صَار مَوْجُودا دون بنت مَخَاض وَيلْزم أَخذه وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يتَعَيَّن شِرَاء بنت مَخَاض لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْفَقْد كاستوائهما فِي الْوُجُود الثَّانِيَة لَو كَانَ فِي مَاله بنت مَخَاض مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة فَيُؤْخَذ مِنْهُ ابْن لبون وَإِن كَانَت كَرِيمَة فَلَا يُطَالب بهَا قَالَ الْقفال يلْزمه شِرَاء بنت مَخَاض لِأَنَّهَا مَوْجُودَة فِي مَاله وَإِنَّمَا نزل نظرا لَهُ فَلَا يُؤْخَذ ابْن لبون وَقَالَ غَيره يُؤْخَذ لِأَنَّهَا كالمعدومة إِذْ لَا يجب تَسْلِيمهَا

الثَّالِثَة الْخُنْثَى من بَنَات لبون تُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض عِنْد فَقده لِأَنَّهُ بَين أَن يكون ذكرا أَو أُنْثَى وَكِلَاهُمَا مأخوذان وَقيل إِنَّه لَا يُؤْخَذ بَدَلا عَن بنت مَخَاض لتشوه الْخلقَة بِهَذَا النُّقْصَان الرَّابِعَة لَو أخرج حَقًا بَدَلا عَن بنت لبون عِنْد فقدها أَخذ جبرا لفَوَات الْأُنُوثَة بِزِيَادَة السن وَقِيَاسًا على ابْن لبون بِالنِّسْبَةِ إِلَى بنت مَخَاض وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يحْتَمل أَنه لَا يُؤْخَذ لِأَنَّهُ بدل وَلَيْسَ مَنْصُوصا عَلَيْهِ النّظر الثَّالِث فِي الِاسْتِقْرَار فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على مائَة وَعشْرين فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات

لبون وَفِي انبساط الْوَاجِب على الْوَاحِدَة وَجْهَان أَحدهمَا الْقيَاس أَنه ينبسط وَالثَّانِي أَنه لَا ينبسط حَتَّى يكون فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وعَلى هَذَا بنى أَنه لَو زَاد نصف بعير على مائَة وَعشْرين وَجب ثَلَاث بَنَات لبون وَهُوَ بعيد وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ يسْتَأْنف الْحساب عِنْد ذَلِك فَيجب فِي كل خمس شَاة وَقَالَ ابْن خيران يتَخَيَّر بَين مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا

النّظر الرَّابِع فِي اجْتِمَاع بَنَات اللَّبُون والحقاق فَإِذا ملك مِائَتَيْنِ من الْإِبِل فَهِيَ أَربع خمسينيات وَخمْس أربعينيات فَإِن لم يُوجد فِي مَاله إِلَّا أحد السنين أَخذ وَإِن فقد فَلهُ أَن يَشْتَرِي مَا شَاءَ على الصَّحِيح وَإِن وجدا جَمِيعًا فَالْوَاجِب إِخْرَاج الأغبط للْمَسَاكِين لِأَنَّهُمَا متساويان فِي الْوُجُوب والوجود وَلَا بُد من تَرْجِيح فغرض

الْمَسَاكِين أولى مَا يرجح بِهِ بِخِلَاف الشاتين وَالدَّرَاهِم فِي الْجبرَان فَإِن لفظ الْخَبَر دلّ على أَن الْخيرَة للمعطي فِيهِ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يتَخَيَّر هَاهُنَا كَمَا فِي الْجبرَان وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ قولا أَن الحقة تتَعَيَّن لِأَن رَغْبَة الشَّرْع فِي زِيَادَة السن أَكثر مِنْهُ فِي زِيَادَة الْعدَد فَإِنَّهُ لم يزدْ فِي الْعدَد إِلَّا بعد انْقِطَاع الْأَسْنَان الْمُعْتَبرَة التَّفْرِيع على النَّص إِذا أخرج غير الأغبط فَأخذ السَّاعِي عمدا لم يَقع الْموقع وَإِن أَخذه بِاجْتِهَادِهِ فَوَجْهَانِ

فَإِن قُلْنَا يَقع الْموقع فَفِي وجوب قدر التَّفَاوُت وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يجب فَإِن لم يجد بِهِ شِقْصا أَخذنَا الدَّرَاهِم فَإِن وجد فَهَل يجب شِرَاء شقص فَوَجْهَانِ فَإِن قُلْنَا يجب فيشتري من جنس الأغبط أَو من جنس الْمخْرج فَوَجْهَانِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو أخرج حقتين وبنتي لبون وَنصف وَلم يجز للتشقيص فَلَو ملك أَرْبَعمِائَة فَأخْرج أَربع حقاق وَخمْس بَنَات لبون فَالْأَظْهر الْجَوَاز وَفِيه وَجه أَنه لَا يجوز التَّفْرِيق فِي جنس الْمخْرج

الثَّانِي لَو جعل الحقاق الْأَرْبَع أصلا وَنزل إِلَى بَنَات الْمَخَاض وَضم ثَمَانِيَة جبرانات وَاتخذ بَنَات اللَّبُون أصلا ورقي إِلَى الجذاع وَطلب عشر جبرانات لَا يجوز لِأَنَّهُ تخطى فِي الصُّورَتَيْنِ سنا وَاجِبا هُوَ أصل فِي نَفسه وتكثير الْجبرَان بِغَيْر حَاجَة لَا يجوز الثَّالِث لَو كَانَ فِي مَاله حقة وَأَرْبع بَنَات لبون فَجعل بَنَات اللَّبُون أصلا وَأخذ جبرانا للحقة جَازَ وَلَو جعل الحقة أصلا وَأخرج مَعهَا ثَلَاث بَنَات لبون وَثَلَاث جبرانات فَالْمَذْهَب جَوَازه وَقيل يمْتَنع لِأَنَّهُ يبْقى فِي مَاله بنت لبون وَهُوَ مستغن عَن الْجبرَان فِيهِ النّظر الْخَامِس فِي الْجبرَان وجبران كل مرتبَة فِي السن عِنْد فقد السن الْوَاجِب شَاتَان أَو عشرُون درهما مَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن رقي بسنين جمع بَين جبرانين

وَلَا مدْخل للجبران فِي زَكَاة الْبَقر وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى أَن الْخيرَة إِلَى الْمُعْطى فِي تعْيين الشَّاة أَو الدَّرَاهِم وَفِي الانخفاض لتسليم الْجبرَان أَو الِارْتفَاع لأخذ الْجبرَان قيل الْخيرَة فِيهِ إِلَى الْمَالِك وَمن أَصْحَابنَا من نقل نصا عَن الْإِمْلَاء أَن المتبع الأغبط للْمَسَاكِين كَمَا فِي اجْتِمَاع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون

وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ أثبت ترفيها للْمَالِك كَيْلا يحْتَاج إِلَى الشِّرَاء فَلَا يَلِيق بِهِ إِلَّا التَّخْيِير نعم لَو كَانَت إبِله مراضا فَوَجَبَ بنت لبون فَأخْرج بنت مَخَاض مَعَ جبران قبل وَلَو ارْتقى إِلَى حقة وَطلب جبرانا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يزِيد قيمَة الْجبرَان على الْمَرِيضَة الثَّانِيَة لَو وَجب بنت مَخَاض فَنزل إِلَى فصيل مَعَ جبران لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِك سنا وَلَو وَجَبت جَذَعَة فَأخْرج ثنية وَطلب جبرانا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَهُ ذَلِك كَسَائِر الْأَسْنَان وَالثَّانِي لَا لِأَن الثَّنية لَيست من أَسْنَان الزَّكَاة

الثَّالِثَة لَو كَانَ عَلَيْهِ بنت لبون فَلم يجد وَفِي مَاله حقة وجذعة فرقي إِلَى الْجَذعَة وَطلب جبرانين فَفِي جَوَازه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه مستغن عَن الْجبرَان الثَّانِي بِوُجُود الحقة وَكَذَا الْخلاف إِذا نزل من الحقة إِلَى بنت الْمَخَاض مَعَ وجود بنت اللَّبُون وَلَو رقي من بنت لبون إِلَى الْجَذعَة مَعَ وجود بنت مَخَاض فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَن الْقَرِيب الْمَوْجُود لَيْسَ فِي جِهَة الترقي الرَّابِعَة لَا يجوز تَفْرِيق الْجبرَان الْوَاحِد بِإِخْرَاج شَاة وَعشرَة دَرَاهِم وَلَو رقي سِنِين

أَو نزل وَجمع بَين عشْرين درهما وشاتين جَازَ كَمَا فِي كفاءة يمينين النّظر السَّادِس فِي صفة الْمخْرج من حَيْثُ النُّقْصَان والكمال وَالنُّقْصَان خَمْسَة الْمَرَض وَالْعَيْب والذكورة والصغر ورداءة النَّوْع كالمعز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الضَّأْن فَإِن كَانَ كل المَال كَامِلا فِي هَذِه الصِّفَات لم يُؤْخَذ إِلَّا الْكَامِل وَإِن كَانَ كل المَال نَاقِصا فَيُؤْخَذ من جنسه إِلَّا فِي نُقْصَان الذُّكُورَة وَالسّن فَإِن فِيهَا وَجْهَيْن أَحدهمَا يُؤْخَذ قِيَاسا على غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الشَّاة أَو بنت لبون ينْطَلق على الْمَرِيضَة والمعيبة والرديئة وَلَا ينْطَلق على الذّكر والفصيل وَقد وَجب بِلَفْظ بنت لبون مثلا وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي أَخذ الذّكر وَالصَّغِير إِلَى التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فَيُؤْخَذ من إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَة وَمن خمس وَعشْرين وَاحِدَة

وَيُؤْخَذ من سِتّ وَثَلَاثِينَ ابْن لبون وَمن خمس وَعشْرين وَهَذَا محَال وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه حَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا أُنْثَى وكبيرة وَإِن جَاوز هَذَا الْمِقْدَار وَأخذ من الصغار صَغِيرَة أما إِذا اخْتلف المَال فِي هَذِه الصِّفَات أما فِي صفة الذُّكُورَة والصغر فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأَكْمَل فَإِذا كَانَ فِي المَال أُنْثَى وكبيرة فَلَا يَأْخُذ إِلَّا الْأُنْثَى والكبيرة لِأَنَّهُ قَالَ فِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض وَالْغَالِب أَن كل المَال لَا يَنْفَكّ عَن الصَّغِير وَالذكر وَلما رُوِيَ أَن عمر قَالَ لمصدقه اعْتد عَلَيْهِم بالسخلة الَّتِي يروح بهَا الرَّاعِي على يَدَيْهِ وَلَا تأخذها وَلَا تَأْخُذ الأكولة وَلَا الربى وَلَا الماخض وَلَا فَحل الْغنم وَخذ الْجَذعَة من الضَّأْن والثنية من الْمعز فَذَلِك عدل بَين غذَاء المَال

المَال وجباره الأكولة مَا اتخذ للْأَكْل والربى الَّتِى تربي وَلَدهَا والماخض الْحَامِل وكل ذَلِك لَا يُؤْخَذ نظرا للْمَالِك فَإِن تبرع بِهِ قبل وَأما صفة الْمَرَض فَإِذا انقسم المَال إِلَى صَحِيح ومريض لم يُؤْخَذ إِلَّا الصَّحِيح نعم يُؤْخَذ صَحِيح فِي أقل الدَّرَجَات حَتَّى بَالغ بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ لَو كَانَ الصَّحِيح وَاحِدَة وَالْوَاجِب شَاتَان صَحِيح فأخرجها مَعَ مَرِيضَة لم يجز لِأَن الْمَرِيضَة تزكّى الْمخْرج مَعهَا وَهِي صَحِيحَة وَهَذَا سرف بل يقْضى بِأَنَّهُ إِذا لم يستبق شَيْئا من الصَّحِيح جَازَ ثمَّ يكْتَفى بصحيحة بِقرب قيمتهَا من ربع عشر مَاله إِذا كَانَ الْمَمْلُوك أَرْبَعِينَ من الْغنم كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الإجحاف بِهِ أما صفة الْعَيْب فَإِذا انقسم المَال إِلَى معيب وصحيح فَليخْرجْ بِاعْتِبَار الْقيمَة مَا يكون مُسَاوِيا ربع عشر مَاله فِي صُورَة الْأَرْبَعين وَإِن كَانَ الْكل معيبا وَبَعضه أردأ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يخرج أَجود مَا عِنْده وَقَالَ الْأَصْحَاب يَأْخُذ الْوسط بَين الدرجتين وَهُوَ الْأَصَح وَأما اخْتِلَاف النَّوْع كالمعز والضأن والأرحبية

والمهرية فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْأَخْذ بالأغلب لِأَن تَمْيِيز ذَلِك عسير وَإِن اسْتَويَا فَهُوَ كاجتماع الحقاق وَبَنَات اللَّبُون وَالثَّانِي أَنه يَأْخُذ من كل بِقسْطِهِ حَتَّى لَو ملك عشرَة أرحبية وَعشرَة مجيدية وخمسا مهرية فَإنَّا نَأْخُذ قيمَة خمس ببنت مَخَاض أرحبية وَخمْس مجيدية وَخمْس مهرية ويشترى بِهِ صنفا من هَذِه الْأَصْنَاف فَخرج من هَذَا أَنه مهما اخْتلف المَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَالصَّغِيرَة والكبيرة لَا يَأْخُذ إِلَّا الْكَبِيرَة وَالْأُنْثَى وَإِن اخْتلف فِي الْمَرَض وَالْعَيْب والسلامة فَيَأْخُذ بِالنِّسْبَةِ من كل وَاحِد وَإِن اخْتلف فِي النَّوْع فَقَوْلَانِ هَذَا بَيَان النّصاب وَلَا زَكَاة على من لم يملك نِصَابا إِلَّا إِذا تمّ بالخلطة نِصَابا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الخلطاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خَمْسَة فُصُول الأول فِي حكم الْخلطَة وَشَرطهَا وَحكم الْخلطَة تَنْزِيل الْمَالَيْنِ منزلَة ملك وَاحِد فِي وجوب الزَّكَاة وَقدره وَأَخذه ثمَّ قد يُفِيد ذَلِك تقليلا كمن خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ لغيره فَلَا يلْزمه إِلَّا نصف شَاة وَقد يُفِيد تثقيلا كمن خلط عشْرين بِعشْرين لغيره فَيلْزمهُ نصف شَاة وَأنكر أَبُو حنيفَة أثر الْخلطَة وَنفى مَالك أَثَره فِيمَا دون النّصاب وَدَلِيل تَأْثِير الْخلطَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجمع بَين مفترق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ والخليطان مَا اجْتمعَا على الرَّعْي والفحولة والحوض

وللخلطة سِتَّة شُرُوط اتَّفقُوا على اثْنَيْنِ مِنْهَا الأول أَن يكون الخليط أَهلا لوُجُوب الزَّكَاة فَلَا أثر للخلطة مَعَ الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ الثَّانِي اتِّحَاد المسرح والمراح والمرعى والمشرع فَإِن التَّفْرِيق فِي شئ من ذَلِك يُنَافِي الْخلطَة فِي نفس المَال الثَّالِث اشْتِرَاك الرَّاعِي والفحل والمحلب وَفِيه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الاستبداد بِهِ لَيْسَ تفريقا فِي نفس المَال بل فِي تصرف مُتَعَلق بِالْمَالِ ثمَّ من شَرط الِاشْتِرَاك فِي المحلب لم يشْتَرط على الصَّحِيح خلط اللَّبن بل يَكْتَفِي أَن تكون المحالب بَينهم فوضى

الرَّابِع أَن الِاخْتِلَاط فِي جمع السّنة هَل يشْتَرط فِيهِ قَولَانِ كَمَا سَيَأْتِي ذكرهَا الْخَامِس أَن الْقَصْد هَل يُرَاعى فِي الْخلطَة حَتَّى لَو اخْتلفت الْمَوَاشِي بِنَفسِهَا أَو تَفَرَّقت بِنَفسِهَا من غير قصد الْمَالِك فَهَل يُؤثر فِيهِ وَجْهَان كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعلف والإسامة السَّادِس أَن يكون مَا فِيهِ الْخلطَة نعما أما الثِّمَار والزروع فَهَل تقاس الْخلطَة فِيهَا على الْمَوَاشِي فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا نعم لِأَنَّهُ مَال زَكَاة يحصل الرِّفْق فِيهِ بالخلطة كالمواشي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخلطَة فِي الْمَوَاشِي قد تزيد فِي الزَّكَاة وَقد تنقص وَهَاهُنَا لَا يُفِيد إِلَّا مزيدا فَلم يكن فِي مَعْنَاهُ الثَّالِث أَنه يثبت خلْطَة الشُّيُوع دون خلْطَة الْجوَار إِذْ لَا تتحد الْمرَافِق بالتجاور وَغَايَة الْمُمكن فِيهِ اتِّحَاد الناطور وَالنّهر

وَأما الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَالْمَذْهَب أَن خلْطَة الْجوَار لَا تُؤثر فِيهَا إِذْ لَا وَقع لِاتِّحَاد الْحَانُوت والحارس وَفِي خلْطَة الشُّيُوع قَولَانِ الْفَصْل الثَّانِي فِي التراجع فَإِن كَانَت الْأَمْوَال شائعة فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ وَإِن كَانَت متجاورة مختلطة فالساعي يَأْخُذ من عرض المَال مَا ينْفق ثمَّ يرجع الْمَأْخُوذ مِنْهُ بِقِيمَة حِصَّة خليطه فَلَو خلط أَرْبَعِينَ من الْبَقر بِثَلَاثِينَ لغيره فَأخذ السَّاعِي كِلَاهُمَا من صَاحب الْأَرْبَعين رَجَعَ على الآخر بِقِيمَة ثَلَاثَة أَسْبَاع تبيع ومسنة وَإِن أخذهما من صَاحب ثَلَاثِينَ رَجَعَ على الآخر بأَرْبعَة أَسْبَاع مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن أَخذ المسنة من صَاحب الْأَرْبَعين والتبيع من صَاحب الثَّلَاثِينَ رَجَعَ باذل المسنة بِثَلَاثَة أسباعها على خليطه وَرجع باذل التبيع بأَرْبعَة أسباعه على خليطه لِأَن جَمِيع الْمَالَيْنِ كَمَال وَاحِد

وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي إِذا قدر السَّاعِي على أَن يعنيهما عَن التراجع بِأَن يَأْخُذ من كل وَاحِد واجبه لزمَه ذَلِك وَمَا ذكره قَادِح فِي فقه الْخلطَة لِأَنَّهُ يبطل حكم اتِّحَاد الْمَالَيْنِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْخلطَة والانفراد فِي حول وَاحِد فَإِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم غرَّة الْمحرم وَملك غَيره مثله فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ خلطا غرَّة صفر فَالْقَوْل الْجَدِيد أَن الْوَاجِب فِي الْحول الأول على كل وَاحِد شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وعَلى الْقَدِيم يجب نصف شَاة نظرا إِلَى آخر الْحول فَأَما إِذا ملك الثَّانِي غرَّة صفر وخلط غرَّة ربيع الأول فقد زَاد تفرق أَوَائِل الْحَوْلَيْنِ فعلى الْجَدِيد تجب زَكَاة الِانْفِرَاد فِي السّنة الأولى إِذا تمت على كل وَاحِد ثمَّ زَكَاة الْخلطَة بعْدهَا وعَلى الْقَدِيم تجب زَكَاة الْخلطَة فِي الأولى وَالثَّانيَِة على كل وَاحِد نصف شَاة إِذا تمت سنته وَخرج ابْن سُرَيج فِي اخْتِلَاف الْحَوْلَيْنِ قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الْوَاجِب أبدا زَكَاة الِانْفِرَاد فَإِن الِاتِّحَاد قد تعذر بتفرق الْأَحْوَال وَكَانَ هَذَا شَرط سَابِع فِي الْخلطَة ثمَّ طرد هَذَا فِي

الْوَاحِد إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ ثمَّ اشْترى أَرْبَعِينَ وَجب فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة عِنْد تَمام سنته أبدا وَلَا يجْرِي فِيمَا إِذا اشْترى عشْرين ثمَّ اشْترى عشْرين لِأَن الْحول انْعَقَد عَلَيْهِمَا فِي وَقت وَاحِد فرعان أَحدهمَا إِذا ملك أَحدهمَا أَرْبَعِينَ وَملك الآخر بعد شهر أَرْبَعِينَ وكما ملك خلط فعلى الْقَدِيم على كل وَاحِد عِنْد كَمَال سنته نصف شَاة وعَلى الْجَدِيد على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي نصف شَاة فَإِنَّهُ كَانَ خليطا فِي جَمِيع سنته وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَن عَلَيْهِ شَاة لِأَن خليطه لم ينْتَفع بخلطته فَهُوَ أَيْضا لَا ينْتَفع بتسوية بَينهمَا وَهُوَ بعيد الثَّانِي إِذا ملك أَرْبَعِينَ من الْغنم وَملك آخر عشْرين بعد شهر وخلطه بِهِ فعلى الْحَدِيد يجب على الأول شَاة عِنْد كَمَال سنته وعَلى الشَّرِيك ثلث شَاة وعَلى الْقَدِيم على الأول ثلثا شَاة وعَلى الثَّانِي ثلث شَاة وعَلى التَّخْرِيج على الأول شَاة وعَلى الثَّانِي لَا يجب شئ أصلا

الْفَصْل الرَّابِع فِي اجْتِمَاع الْمُخْتَلط وَالْمُنْفَرد فِي ملك وَاحِد فَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره وَهُوَ يملك أَرْبَعِينَ ببلدة أُخْرَى فقد اجْتمع فِي حَقه الْخلطَة والانفراد فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْخلطَة خلْطَة ملك على معنى أَن ارتباط الْملك لَا يتقاعد على الْمُجَاورَة فَكَأَنَّهُ خلط جَمِيع ملكه بالعشرين وَالثَّانِي أَن الْخلطَة خلْطَة عين على معنى أَن معنى الْخلطَة لَا يتَعَدَّى إِلَى غير الْمَخْلُوط فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وعَلى القَوْل الآخر عَلَيْهِ ربع شَاة وَكَأَنَّهُ خلط بستين أما صَاحب السِّتين فقد اجْتمع فِي حَقه الْأَمْرَانِ الِانْفِرَاد والخلطة فعلى وَجه تلْزمهُ شَاة تَغْلِيبًا للانفراد وَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه ثَلَاثَة أَربَاع شَاة تَغْلِيبًا للخلطة فَكَأَنَّهُ خالط بِالْجَمِيعِ وعَلى وَجه خَمْسَة أَسْدَاس وَنصف سدس جمعا بَين الاعتبارين فَيقدر فِي الْأَرْبَعين كَأَنَّهُ مُنْفَرد بِجَمِيعِ السِّتين فيخص الْأَرْبَعين ثلثا شَاة ونقدر فِي الْعشْرين كَأَنَّهُ مخالط بِالْجَمِيعِ فيخص الْعشْرين ربع شَاة وَالْمَجْمُوع مَا ذَكرْنَاهُ

وَفِيه وَجه رَابِع أَن هَذَا التَّقْدِير فِي الْأَرْبَعين صَحِيح وَلَكِن فِي الْعشْرين يَأْخُذ حكمه من حكم خليطه فَيلْزمهُ نصف شَاة مضموما إِلَى ثلثى شَاة فِي الْأَرْبَعين فالمجموع شَاة وَسدس وَلَو خلط عشْرين بِعشْرين لغيره انْفَرد كل وَاحِد بالأربعين فَالْأَوْجه الْأَرْبَعَة جَارِيَة فِي حق كل وَاحِد مِنْهُمَا لتساويهما

الْفَصْل الْخَامِس فِي تعدد الخليط إِذا ملك أَرْبَعِينَ فخلط عشْرين بِعشْرين لرجل وَعشْرين بِعشْرين لآخر وهما لَا يملكَانِ غَيره فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى صَاحب الْأَرْبَعين نصف شَاة ضما إِلَى مَال الخليطين فَإِن الْكل ثَمَانُون وَأما صَاحب الْعشْرين فَيلْزمهُ ثلث شَاة ضما لمَاله إِلَى مَال خليطه فَقَط أَو ربع شَاة ضما إِلَى خليط خليطه حَتَّى يكون الْمَجْمُوع ثَمَانِينَ فِيهِ وَجْهَان وَإِن فرعنا على خلْطَة الْعين فعلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَفِي صَاحب الْأَرْبَعين الْوُجُوه الْأَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا بتغليب الِانْفِرَاد فقد انْفَرد عَن كل خليط بِبَعْض مَاله فَكَأَنَّهُ انْفَرد بِالْكُلِّ فَعَلَيهِ شَاة وَهُوَ هَاهُنَا بعيد وَإِن قُلْنَا بتغلب الْخلطَة فَعَلَيهِ نصف شَاة فَكَأَنَّهُ خلط أَرْبَعِينَ بِأَرْبَعِينَ وَإِن قُلْنَا يجمع بَين الاعتبارين فَإِن أَخذنَا حكمه من حكم خليطه فَعَلَيهِ فِي كل عشْرين نصف شَاة وَإِن عَرفْنَاهُ

بِالنِّسْبَةِ فَنَقُول لَو كَانَ جَمِيع مَاله مَعَ هَذَا لَكَانَ الْكل سِتِّينَ وواجبه ثلثا شَاة وَحِصَّة عشْرين مِنْهُ ثلث وَكَذَا فِي حق الآخر فيجتمع ثلثان وَلَو ملك خمْسا وَعشْرين من الْإِبِل فخلط كل خَمْسَة بِخَمْسَة لرجل آخر فمجموع المَال خَمْسُونَ فَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فعلى مَالك الْخمس وَالْعِشْرين نصف حقة لِأَن فِي الْخمسين حقة وَفِي حق كل وَاحِد مِنْهُم إِن صممنا مَاله إِلَى خليط خليطه فواجبه عشر حقة لِأَن الْمَجْمُوع خَمْسُونَ وَإِن لم نضم إِلَّا إِلَى خليطه فواجبه سدس بنت مَخَاض لِأَن الْمَجْمُوع ثَلَاثُونَ وَإِن فرعنا على قَول خلْطَة الْعين فتعود الْأَوْجه الْأَرْبَعَة فعلى تَغْلِيب الِانْفِرَاد يجب بنت مَخَاض وعَلى تَغْلِيب الْخلطَة نصف حقة وعَلى أَخذ حكمه من حكم خليطه خمس شَاة وعَلى النِّسْبَة فِي الاعتبارين خَمْسَة أَسْدَاس بنت مَخَاض إِذْ ينْسب جَمِيع مَاله إِلَى

كل خليط فَيكون ثلثين وواجبه بنت مَخَاض وَحِصَّة الْخمس سدس بنت مَخَاض فيجتمع خَمْسَة أَسْدَاس لأجل كل خليط فرع إِذا ملك خمْسا وَسِتِّينَ من الْغنم فخلط خَمْسَة عشر مِنْهَا بِخَمْسَة عشر لرجل لَا يملك غَيرهَا فَإِن قُلْنَا بخلطة الْعين فَلَا أثر لهَذِهِ الْخلطَة لِأَن الْمُخْتَلط لَيْسَ نِصَابا وَإِن قُلْنَا بخلطة الْملك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا عِبْرَة بِهِ لأَنا نتبع الْمُنْفَرد الْمَخْلُوط إِذا كَانَ نِصَابا وَالثَّانِي أَنا نعتبره وَكَأن الْكل مخلوط فعلى صَاحب الْخمس وَسِتِّينَ سِتَّة أَثمَان وَنصف ثمن شَاة وَبَاقِي الشَّاة على خليطه

الشَّرْط الثَّالِث أَن يبْقى النّصاب حولا فَلَا زَكَاة فِي الْغنم حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول إِلَّا السخال الْحَاصِلَة من مَال الزَّكَاة فِي وسط الْحول فَإِنَّهُ تجب الزَّكَاة فِيهَا إِذا أسيمت بحول الْأُمَّهَات فَإِن حصل من غير مَال الزَّكَاة وَكَانَ نِصَابا أفرد بحوله وَلم يضم إِلَى المَال فِي الْحول خلافًا لأبي حنيفَة لَكِن يضم إِلَيْهِ فِي الْعدَد كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْخلطَة فروع ثَلَاثَة الأول إِذا ملك تسعا وَثَلَاثِينَ شَاة فَتجب شَاة سخلة استفتح الْحول من الْوَقْت لِأَن الأَصْل لم يكن نِصَابا وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ حول حَتَّى يجْرِي السخال فِي حوله وَلَو ملك مائَة وَعشْرين فنتجت سخلة وَجَبت شَاتَان آخر الْحول لِأَن مَا سبق جَار فِي الْحول الثَّانِي إِذا حصلت السخال بعد الْحول وَقبل الْإِمْكَان جرت مَعَ الْأُمَّهَات فِي الْحول الثَّانِي وَلم يجب فِيهَا زَكَاة فِي الْحول الأول وَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط وُجُوبه لِأَن

الْحول الثَّانِي ناجز وَهُوَ أولى من المنقضي الثَّالِث لَو مَاتَت الْأُمَّهَات كلهَا والسخال نِصَاب لم تَنْقَطِع التّبعِيَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَنْقَطِع التّبعِيَّة إِلَّا إِذا بَقِي من الْكِبَار وَاحِد وَلَو من الفحول وَشرط أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي بَقَاء نِصَاب من الْأُمَّهَات الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يَزُول ملكه فِي أثْنَاء الْحول فَكل مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه كالنعم والنقدين فَإِذا أبدله بِمثلِهِ انْقَطع الْحول فَإِذا عَاد إِلَى ملكه وَلَو بِفَسْخ أَو رد بِعَيْب استؤنف الْحول وَلم يبن على مَا مضى

وَكَذَلِكَ إِذا انْقَطع ملكه بِالرّدَّةِ ثمَّ أسلم وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ لَا يبْنى حول وَارثه على حوله وَفِي الْقَدِيم قَولَانِ أَحدهمَا يبْنى وطرد ذَلِك فِي الِانْقِطَاع بِالرّدَّةِ إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَمن قصد بيع مَاله فِي آخر الْحول دفعا لِلزَّكَاةِ أَثم وَسَقَطت الزَّكَاة وَقَالَ مَالك لَا يَصح بَيْعه الشَّرْط الْخَامِس السّوم وَلَا زَكَاة فِي معلوفة لمَفْهُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة ثمَّ الْعلف بِمَا لَا يقوم لَا

يُؤثر وَلَو علف مُعظم السّنة أثر وَفِي الضَّبْط بَينهمَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَن الزَّكَاة تسْقط بِهِ وَلَو فِي لَحْظَة لِأَنَّهَا لَا تسمى سَائِمَة فِي جَمِيع السّنة وَالثَّانِي أَن السَّائِمَة فِي مُعظم السّنة تسمى سَائِمَة وَالثَّالِث أَن الْمسْقط علف فِي مُدَّة تهْلك الدَّابَّة فِيهَا لَو لم تعلف حَتَّى لَو أسامها نَهَارا وعلفها لَيْلًا وَجَبت الزَّكَاة والأفقه أَن الْمسْقط قدر يعد مؤونة بِالْإِضَافَة إِلَى رفق السَّائِمَة فرعان أَحدهمَا أَن الْقَصْد هَل يعْتَبر فِي السّوم والعلف فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا اتبَاعا للاسم وَالثَّانِي نعم لِأَن المُرَاد بالسائمة مَا أعد للسوم قصدا فعلى هَذَا لَو استامت المعلوفة بِنَفسِهَا أَو اعتلفت سَائِمَة لم يُؤثر

قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ معنى الْقَصْد أَنه لَو تراكمت الثلوج وغطت المراعي فعلفها الْمَالِك ترقبا لزوَال الثَّلج لم تسْقط الزَّكَاة لِأَنَّهَا تعد سَائِمَة الثَّانِي إِذا سَام الْغَاصِب معلوفة الْغَيْر سنة فوجوب الزَّكَاة يبتنى على مُرَاعَاة الْقَصْد وَلَو علف سَائِمَة الْغَيْر سنة فالسقوط أَيْضا كَذَلِك وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يُؤثر فعل الْغَاصِب لِأَنَّهُ لَا مُؤنَة على الْمَالِك بعلفه وَهُوَ مَطْلُوب السّوم فَإِن قُلْنَا تجب الزَّكَاة فِي معلوفة أسامها الْغَاصِب فَفِي رُجُوعه بِالزَّكَاةِ على الْغَاصِب وَجْهَان أَحدهمَا ينظر فِيهِ إِلَى نسبته بالإسامة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن السَّبَب هُوَ المَال الشَّرْط السَّادِس كَمَال الْملك ومثار الضعْف ثَلَاثَة أُمُور الأول امْتنَاع التَّصَرُّف وَله مَرَاتِب الأولى الْمَبِيع قبل الْقَبْض إِذا تمّ عَلَيْهِ الْحول قطع صَاحب التَّقْرِيب بِوُجُوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ قَادر على التَّصَرُّف بِالْقَبْضِ وَتَسْلِيم الثّمن وَقَالَ الْقفال لَا تجب لضعف ملكه وَامْتِنَاع تصرفه مَعَ إِذن البَائِع الثَّانِيَة الْمَرْهُون إِذا تمّ الْحول عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا وَجْهَان لِامْتِنَاع التَّصَرُّف الثَّالِثَة الْمَغْصُوب والضال والمجحود الَّذِي لَا بَيِّنَة عَلَيْهِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يعود إِلَيْهِ بفوائده فَتجب الزَّكَاة أَولا يعود فَلَا تجب وَلَا خلاف فِي أَن التَّعْجِيل قبل رُجُوع

المَال لَيْسَ وَاجِبا وَلَكِن إِذا عَاد إِلَيْهِ فَهَل يزكيها لما مضى من أَحْوَاله فِيهِ الْخلاف أما من حبس من مَاله وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِ لنفوذ تصرفه الرَّابِعَة من لَهُ دين على غَيره إِن كَانَ مليئا وَجَبت الزَّكَاة وَحكى الزَّعْفَرَانِي قولا أَنه لَا زَكَاة فِي الدُّيُون وَإِن كَانَ مُعسرا فَهُوَ كالمغصوب وَإِن كَانَ مُؤَجّلا بسنين فَمنهمْ من ألحقهُ بالمغصوب وَمِنْهُم من ألحقهُ بالغائب الذى لَا يسهل إِحْضَاره فَإِن أَوْحَينَا فَفِي التَّعْجِيل وَجْهَان وَالأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن الْخَمْسَة نَقْدا تَسَاوِي سِتَّة نَسِيئَة فَفِيهِ إجحاف المثار الثَّانِي تسلط الْغَيْر على ملكه وَله مَرَاتِب الأولى الْملك فِي زمَان الْخِيَار هَل هُوَ ملك زَكَاة فِيهِ خلاف لضَعْفه بتسلط الْغَيْر فَإِن كَانَ الْمَالِك مُنْفَردا بِالْخِيَارِ لم يتَّجه الْخلاف

الثَّانِيَة اللّقطَة فِي السّنة الثَّانِيَة إِذا لم يتملكها الْمُلْتَقط فِي وجوب زَكَاتهَا خلاف مُرَتّب على السّنة الأولى وَأولى بِأَن لَا تجب لتسلط الْغَيْر على التَّمَلُّك الثَّالِثَة إِذا اسْتقْرض الْمُفلس مِائَتي دِرْهَم وَبَقِي مَعَه حولا فَفِي زَكَاته قَولَانِ أَحدهمَا تجب لوُجُود الْملك وَالثَّانِي لَا لعلتين إِحْدَاهمَا ضعف الْملك لتسلط مُسْتَحقّ الدّين على إِلْزَامه تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ وَالثَّانيَِة لأدائه إِلَى تَثْنِيَة الزَّكَاة إِذْ تجب على الْمُسْتَحق بِاعْتِبَار يسَاره بِهَذَا المَال وعَلى هَذِه الْعلَّة لَا يمْتَنع الْوُجُوب إِن كَانَ الْمُسْتَحق مكَاتبا أَو ذِمِّيا أَو كَانَ المَال سَائِمَة أَو كَانَ قدر الدّين أقل من النّصاب لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّثْنِيَة وَلَو كَانَ الْمُسْتَقْرض غَنِيا بالعقار لم تمْتَنع الزَّكَاة بِالدّينِ قولا وَاحِدًا

وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَن عِلّة تَثْنِيَة الزَّكَاة تَقْتَضِي الْإِسْقَاط وَهُوَ بعيد وَزَاد بعض الْأَصْحَاب قولا ثَالِثا وَهُوَ أَن الدّين يمْنَع الزَّكَاة فِي الْأَمْوَال الْبَاطِنَة دون الظَّاهِرَة وَهُوَ بعيد الرَّابِعَة إِذا ملك نِصَابا زكاتيا فَقَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِهَذَا المَال فانقضى الْحول قبل التَّصَدُّق فَفِيهِ خلاف مُرَتّب على الدّين وَأولى بالسقوط لتَعلق الْحق بِعَين المَال وَلَو قَالَ جعلت هَذَا المَال صَدَقَة أَو جعلت هَذِه الأغنام ضحايا فَلَا يبْقى لإِيجَاب الزَّكَاة وَجه مُتَّجه وَلَو قَالَ لله عَليّ التَّصَدُّق بِأَرْبَعِينَ من الْغنم فَهَذَا دين لله تَعَالَى فَهُوَ مُرَتّب على دين الْآدَمِيّين وَأولى بِأَن لَا تسْقط الزَّكَاة وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين الْحَج كَانَ كَدين النّذر فرع إِذا اجْتمعت الدُّيُون وَالزَّكَاة فِي مَاله وَمَات فَفِي الْقَدِيم ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا تقدم الزَّكَاة لِأَن لَهَا تعلقا بِعَين المَال وَكَذَلِكَ تسْقط بِفَوَات المَال وَالثَّانِي يقدم الدّين لِأَن حق الله تَعَالَى على الْمُسَامحَة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يستويان وَمِنْهُم من قطع بِتَقْدِيم الزَّكَاة لتعلقها بِالدّينِ ورد الْأَقْوَال إِلَى الْكَفَّارَات مَعَ الدُّيُون

المثار الثَّالِث عدم اسْتِقْرَار الْملك وَله مرتبتان الأولى إِذا انْقَضى على الْمَغَانِم حول قبل الْقِسْمَة فَفِي الزَّكَاة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب للُزُوم الْملك وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يسْتَقرّ إِذْ يسْقط بإسقاطه وَالثَّالِث أَن مَحْض حبس مَال الزَّكَاة وَجب وَإِن كَانَ فِي الْمَغَانِم مَا لَيْسَ زكاتيا فَلَا إِذْ الإِمَام رُبمَا يرد الزكاتي بِالْقِسْمَةِ إِلَى سهم الْخمس وَلَا زَكَاة فِيهِ الثَّانِيَة إِذا أكرى دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار نَقْدا فَفِيمَا يجب فِي السّنة الأولى قَولَانِ أَحدهمَا تجب زَكَاة الْمِائَة كَمَا فِي الصَدَاق قبل الْمَسِيس إِذْ لَا فرق بَين توقع رُجُوع الْأُجْرَة بانهدام الدَّار وَبَين توقع رُجُوع الصَدَاق بِالطَّلَاق وَالثَّانِي يجب فِي السّنة الأولى زَكَاة ربع الْمِائَة وَفِي الثَّانِيَة تجب زَكَاة الْخمسين لِسنتَيْنِ ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الثَّالِثَة زَكَاة خمس وَسبعين لثلاث سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى وَفِي الرَّابِعَة زَكَاة الْمِائَة لأَرْبَع سِنِين ويحط عَنهُ مَا أدّى لِأَنَّهُ الْأُجْرَة هَكَذَا تَسْتَقِر بِهِ بِخِلَاف الصَدَاق فَإِن تشطره بِطَلَاق مُبْتَدأ لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَالرُّجُوع هَاهُنَا مُقْتَضى الْمُعَاوضَة

الرُّكْن الثَّانِي من أَرْكَان طرف الْوُجُوب النّظر فِيمَن يجب عَلَيْهِ وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَيجب فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيمَا ينْسب إِلَى الْحمل الْمُحَقق تردد وَتجب الزَّكَاة على الْمُرْتَد إِن قُلْنَا يبْقى ملكه مُؤَاخذَة لَهُ بِحكم الْإِسْلَام وَلَا زَكَاة على مكَاتب ورقيق فَإِن قُلْنَا ملك بالتمليك لِأَنَّهُ ملك ضَعِيف وَلَا يجب على السَّيِّد أَيْضا فِي مَال الْمكَاتب وَالرَّقِيق لعدم الْملك وَمن نصفه عبد وَنصفه حر يجب الزَّكَاة عَلَيْهِ فِي مَا سلم لَهُ بِنصفِهِ الْحر وَيجب عَلَيْهِ كَفَّارَة الموسرين الطّرف الثَّانِي لِلزَّكَاةِ طرف الْأَدَاء وَأَدَاء الزَّكَاة مُمكن فِي وقته وَقبل وقته تعجيلا وَبعده تَأْخِيرا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول الْأَدَاء فِي الْوَقْت وَهُوَ وَاجِب على الْفَوْر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَالنَّظَر فِيمَا يجب على الدَّافِع والقابض وعَلى الدَّافِع وظيفتان إِحْدَاهمَا النِّيَّة وَالنَّظَر فِي أَصْلهَا وكيفيتها ووقتها أما أصل النِّيَّة فَلَا بُد مِنْهُ كَمَا فِي سَائِر الْعِبَادَات وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قَالَ بِلِسَانِهِ هَذَا زَكَاة

مَالِي أَجزَأَهُ فَمنهمْ من أجراه على الظَّاهِر وَلم يشْتَرط النِّيَّة بِالْقَلْبِ وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فينوى عَنْهُمَا وليهما وَأما الْمُمْتَنع فَيَأْخُذ السُّلْطَان مِنْهُ قهرا وَهل تَبرأ ذمَّته بَاطِنا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا تَبرأ فَفِي وجوب النِّيَّة على الإِمَام وَجْهَان أَحدهمَا لَا تَغْلِيبًا لسد الْخلَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن أثر الِامْتِنَاع فِي أَن صَار موليا عَلَيْهِ أما الْكَيْفِيَّة فَلَو نوى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة كَفاهُ وَلَو لم يتَعَرَّض للفرضية فَوَجْهَانِ كَمَا فِي الصَّلَاة وَلَا يلْزمه تعْيين المَال وَلَكِن لَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب ثمَّ كَانَ تَالِفا لم ينْصَرف إِلَى الْحَاضِر لتعيينه وخطئه وَلَو قَالَ هَذَا عَن مَالِي الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن كَانَ تَالِفا فَعَن الْحَاضِر أَو هُوَ صَدَقَة جَازَ لِأَن مُقْتَضى الْإِطْلَاق هَذَا وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَقع عَن الْغَائِب إِن كَانَ بَاقِيا فَإِن كَانَ تَالِفا لم يَقع عَن الْحَاضِر لِأَنَّهُ بناه على فَوَات الْغَائِب وَالْأَصْل عدم الْفَوات

أما وَقت النِّيَّة فَهُوَ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْمِسْكِين أَو إِلَى نَائِب الْمَسَاكِين وَلَو قدم فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجوز لِأَن الْفِعْل غير مَقْصُود وَلذَلِك جَازَت الْوكَالَة فِيهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن تنقيص الْملك مَقْصُود فليقترن بِهِ وَالثَّالِث أَنه إِن قدم على التنقيص وَلَكِن اقْترن بِفِعْلِهِ عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْوَكِيل جَازَ وَلَو سلم إِلَى الْوَكِيل ووكله بِالنِّيَّةِ عِنْد التَّفْرِيق فَهُوَ جَائِز

الْوَظِيفَة الثَّانِيَة طلب الْقَابِض فَإِن كَانَت الْأَمْوَال باطنة جَازَ التَّسْلِيم إِلَى الإِمَام أَو إِلَى الْمِسْكِين وَأيهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت ظَاهِرَة فَفِي وجوب تَسْلِيمهَا إِلَى الإِمَام قَولَانِ وَلَا شكّ أَن التَّسْلِيم أولى لِلْخُرُوجِ عَن الْخلاف أما الْقَابِض إِن كَانَ هُوَ السَّاعِي فَعَلَيهِ وظيفتان إِحْدَاهمَا أَن يعلم فِي السّنة شهرا يَأْخُذ فِيهِ زَكَاة الْجَمِيع تسهيلا عَلَيْهِم ثمَّ لَا يرد الْمَوَاشِي إِلَى الْبَلَد بل يردهَا إِلَى منهل قريب ويردها إِلَى مضيق ليَكُون أسهل للعد الثَّانِيَة الدُّعَاء للْمَالِك قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة آل أبي أوفى فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى

والأحب لغيره أَن يَقُول أجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت وَجعله طهُورا وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت لِأَن الصَّلَاة على غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْرُوه إِذْ فِيهِ مُوَافقَة الروافض وَلِأَن الْعَصْر الأول خصصوا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهِ كَمَا خصصوا عز وَجل بِاللَّه وكما لَا يحسن أَن يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَإِن كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يحسن أَن يُقَال أَبُو بكر صلوَات الله عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الصَّلَاة هُوَ الدُّعَاء نعم لرَسُول الله أَن يُصَلِّي على غَيره فَإِنَّهُ منصبه الْمَخْصُوص بِهِ وَلنَا أَن نصلي على آله بالتبعية فَيَقُول صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الْقسم الثَّانِي فِي التَّعْجِيل وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي وقته وَيجوز تَعْجِيل الزَّكَاة قبل تَمام الْحول خلافًا لمَالِك لما رُوِيَ أَن الْعَبَّاس استسلف مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة عَاميْنِ وَلَا يجوز تَعْجِيله قبل كَمَال النّصاب وَلَا قبل السّوم لِأَن الْحول فِي حكم أجل ومهلة فَلذَلِك عجل عَلَيْهِ وَلَو ملكه مائَة وَعشْرين شَاة واجبه شَاة وَهُوَ يرتقب حُدُوث سخلة فِي آخر السّنة فَعجل شَاتين فَفِي تَعْجِيل شَاتين وَجْهَان مرتبان على الْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيل صَدَقَة عَاميْنِ

وَالصَّحِيح بِحكم الْخَبَر جَوَازه وَوجه الْمَنْع أَن النّصاب كَالْمَعْدُومِ فِي حق الْحول الثَّانِي وَمَسْأَلَة السخلة بِالْجَوَازِ أولى لِأَن الْحول مُنْعَقد فِي حق الشَّاة الثَّانِيَة وَأما زَكَاة الْفطْرَة فوقت وُجُوبهَا استهلال شَوَّال وَيجوز التَّعْجِيل إِلَى أول رَمَضَان وَأما الرطب وَالْعِنَب فَالصَّحِيح أَنه لَا تعجل زكاتهما قبل الْجَفَاف فَإِن الْوَاجِب هُوَ الزَّبِيب وَالتَّمْر وَالرّطب لَا يصلح للإخراج وَقيل إِنَّه بعد الزهو وبدو الصّلاح يجوز وَقيل يجوز بعد بَدو الطّلع وَأما الزَّرْع فوجوب زَكَاته بالفرك والتنقية وَالصَّحِيح جَوَاز أَدَائِهِ عِنْد الْإِدْرَاك وَإِن لم يفرك وَقيل يجوز عِنْد ظُهُور الْحبّ وَإِن لم يشْتَد وَإِذ قُلْنَا بَدو الصّلاح سَبَب الْوُجُوب أردنَا بِهِ الْحجر على الْمَالِك فِي تصرف يدْفع حق الْمَسَاكِين وَلم نرد وجوب الْإِخْرَاج

وَالنَّظَر الثَّانِي فِي الطوارئ الْمَانِعَة من إِخْرَاج الْمُعَجل وَهُوَ ثَلَاثَة الأول مَا يطْرَأ على الْقَابِض وَشَرطه أَن يبْقى على صفة الِاسْتِحْقَاق إِلَى آخر الْحول فَلَو ارْتَدَّ أَو مَاتَ أَو اسْتغنى بِمَال آخر بَان أَن الزَّكَاة لم تقع موقعها وَلَو طرأت بعض هَذِه الْحَالَات وزالت قبل الْحول فَوَجْهَانِ لَا يخفى توجيههما الثَّانِي أَحْوَال الْمَالِك وَشَرطه أَن يبْقى عينا بِبَقَاء النّصاب مُسلما حَيا فَلَو تلف نصابه أَو ارْتَدَّ وَقُلْنَا الرِّدَّة تقطع الْملك أَو بَاعَ النّصاب أَو مَاتَ تبين أَن لَا زَكَاة وَالصَّحِيح أَنه لَا يُجزئ عَن وَارثه فِيمَا سيجب عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبل وَالثَّالِث مَا يطْرَأ على الزَّكَاة المعجلة فَإِن تلفت فِي يَد الْمِسْكِين فقد بلغت الصَّدَقَة محلهَا وَإِن تلفت فِي يَد الإِمَام وَقد أَخذهَا بسؤال الْمَسَاكِين الْبَالِغين أَو حَاجَة الْأَطْفَال فَلَا ضَمَان على أحد وَإِن أَخذ لحَاجَة الْبَالِغين لَا لسؤالهم فَفِي تَنْزِيل الْحَاجة منزلَة السُّؤَال وَجْهَان أَحدهمَا

لَا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَسَاكِين أهل رشد لَا يُولى عَلَيْهِم الثَّانِي نعم لِأَنَّهُ نائبهم شرعا وَلَو أَخذ الإِمَام بسؤال الْمَالِك فَتلف فِي يَده يجب على الْمَالِك الضَّمَان كَمَا لَو تلف فِي يَد وَكيله وَلَو اجْتمع سُؤال الْمَسَاكِين وَالْمَالِك فَأَي الْحَالَتَيْنِ يرجح فِيهِ وَجْهَان النّظر الثَّالِث فِي الرُّجُوع عِنْد طريان مَا يسْقط الزَّكَاة فَإِن قَالَ هَذِه زكاتي المعجلة فَلهُ الرُّجُوع لِأَن التَّعْجِيل مشْعر بِهِ وَقيل شَرطه أَن يُصَرح بِالرُّجُوعِ وعَلى هَذَا لَو نازعه الْمِسْكِين فِي الرُّجُوع أَو التَّعْجِيل فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي وَالثَّانِي قَول الْمِسْكِين لِأَن الأَصْل زَوَال الْملك أما إِذا لم يتَعَرَّض للتعجيل وَلَا علمه الْمِسْكِين فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يرجع وَيصدق فِي قَوْله {نَوَيْت ذَلِك} وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَالثَّالِث أَن الْمَالِك لَا يصدق لِأَن فعله مُتَرَدّد بَين الصَّدَقَة وَالزَّكَاة وَفعل الإِمَام كالمتعين للْفَرض فروع أَرْبَعَة الأول لَو أتلف النّصاب بِنَفسِهِ فَفِي الرُّجُوع وَجْهَان أصَحهمَا الرُّجُوع لانْتِفَاء الْوُجُوب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ يُرِيد نقض الْأَدَاء بِقَصْدِهِ الثَّانِي إِذا أثبتنا الرُّجُوع لانْتِفَاء الرُّجُوع فَإِن كَانَ عين مَاله تَالِفا فعلى الْقَابِض الضَّمَان وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجْهَيْن فِي أَن الْعبْرَة فِي قيمَة يَوْم الْقَبْض أَو يَوْم التّلف وَلَو تعيب فِي يَده فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان أقيسهما الْوُجُوب قِيَاسا للجزء على الْكل

وَالثَّانِي لَا كَمَا لورد الْعِوَض فِي البيع وَوجد بالمعوض عَيْبا فنع بِهِ وَإِن كَانَ يسْتَحق بدله عِنْد الْفَوات وَفِي هَذَا الاستشهاد أَيْضا نظر الثَّالِث الزِّيَادَات الْمُنْفَصِلَة هَل ترد مَعَه فِيهِ وَجْهَان ومأخذهما إِن أَدَّاهُ مُتَرَدّد بَين وجود التَّمْلِيك وَعَدَمه أَو هُوَ تمْلِيك لَا محَالة وَلكنه مُتَرَدّد بَين الزَّكَاة وَالْقَرْض وهما احْتِمَالَانِ ظاهران فَإِن قُلْنَا إِنَّه مُتَرَدّد بَين التَّمْلِيك وَعَدَمه فقد بَان أَنه لَا تمْلِيك فَيرد بزوائده وَإِن رددناه بَين الْقَرْض وَالزَّكَاة الْتفت على أَن الْقَرْض يملك بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ وعَلى هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ يَنْبَنِي نقض تصرفه إِن كَانَ قد بَاعَ وَجَوَاز إِبْدَاله عِنْد الرُّجُوع إِن كَانَ عينه قَائِما

الرَّابِع إِذا لم يملك إِلَّا أَرْبَعِينَ فَعجل واحده فاستغنى الْقَابِض أَو مَاتَ فَإِن قُلْنَا خرج الشَّاة عَن ملكه بطرِيق الْقَرْض لم يلْزمه تَجْدِيد الزَّكَاة لِأَن الْحول انْقَضى على تسع وَثَلَاثِينَ بِخِلَاف مَا إِذا وَقع الْمخْرج عَن جِهَة الزَّكَاة لِأَن الْمخْرج لِلزَّكَاةِ كالباقي فِي ملكه وَإِن قُلْنَا يتَبَيَّن أَن الْملك لم يزل الْتفت على الْمَغْصُوب والمجحود بعض الِالْتِفَات لِأَن الْحَيْلُولَة قد حصلت وَإِن لم يزل الْملك الْقسم الثَّالِث فِي طرف الْأَدَاء فِي تَأْخِير الزَّكَاة وَهُوَ سَبَب الضَّمَان والعصيان عِنْد التَّمَكُّن حَتَّى لَو تلف مَاله بعد التَّمَكُّن لم تسْقط الزَّكَاة وَإِن تلف كُله قبل التَّمَكُّن سَقَطت وَلَو ملك خمْسا من الْإِبِل فَتلفت بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن وَاحِدَة فَفِي مِقْدَار السَّاقِط قَولَانِ أَحدهمَا يسْقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول لِأَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب كَمَا فِي الْحَج وَالثَّانِي يسْقط خمس شَاة لِأَن الْإِمْكَان شَرط الضَّمَان وَهُوَ الْأَصَح وَلذَلِك لَا يتراخى ابْتِدَاء الْحول الثَّانِي إِلَى الْإِمْكَان وَلَو ملك تسعا من الْإِبِل فَتلف قبل الْإِمْكَان أَرْبَعَة فَإِن قُلْنَا الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَجب شَاة كَمَا لَو تلف قبل الْحول وَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط الضَّمَان فينبني على أَن الْوُجُوب هَل ينبسط على الوقص وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد أَنه لَا ينبسط فعلى هَذَا لَا يسْقط شئ بِتَلف الوقص وَإِن قُلْنَا ينبسط سقط أَرْبَعَة أتساع شَاة وَقيل إِنَّه لَا يسْقط لِأَن الوقص وَإِن كَانَ مُتَعَلقا بِالْوُجُوب فَهُوَ وقاية النّصاب

وَإِن ملك تسعا فَتلف خمس قبل الْإِمْكَان فعلى قَول سقط الْكل كَمَا لَو تلف قبل الْحول وعَلى قَول سقط خمس أتساع شَاة وَهُوَ قَول الْبسط وعَلى قَول يسْقط خمس شَاة فَإِن قيل وبماذا يفوت الْإِمْكَان قُلْنَا بأمرين أَحدهمَا غيبَة المَال فَإنَّا وَإِن جَوَّزنَا نقل الصَّدَقَة فَلَا نوجب إِخْرَاج الزَّكَاة من مَال آخر مَا لم يتَبَيَّن بَقَاء المَال فَإِن أخرج مَعَ التَّرَدُّد كَانَ كمعجل الزَّكَاة فِي الرُّجُوع عِنْد فَوَات المَال الثَّانِي غيبَة الْمُسْتَحق وَهُوَ الْمِسْكِين فِي المَال الْبَاطِن وَالسُّلْطَان فِي المَال الظَّاهِر على أحد

الْقَوْلَيْنِ وَإِن حضر مُسْتَحقّ وَلَكِن غَابَ الْقَرِيب وَالْجَار فقد تمّ التَّمَكُّن وَلَكِن فِي جَوَاز التَّأْخِير بِهَذَا الْعذر وَجْهَان لِأَنَّهُ عَارض هَذِه الْفَضِيلَة فَضِيلَة البدار فَإِن جَوَّزنَا فَتلف مَاله فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَوجه الْوُجُوب أَنه جوز التَّأْخِير لَحْظَة فِي نيل الْفَضِيلَة فتقيد بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن قيل فَإِذا سَقَطت الزَّكَاة بِتَلف المَال دلّ على تعلقهَا بِالْعينِ فَمَا وَجه تعلقهَا بِالْعينِ قُلْنَا فِيهِ أَقْوَال مضطربة نعبر عَنْهَا بِأَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالذِّمةِ أَو بِالْعينِ أما تعلقهَا بِالذِّمةِ فَلَا يُنكر لِأَن الْمَالِك مطَالب وَله الْأَدَاء من مَوضِع آخر بِخِلَاف أرش جَنَابَة العَبْد فَإِن السَّيِّد لَا يُطَالب بِهِ وتعلقها بِالْعينِ لَا يُنكر إِذْ يسْقط بِتَلف الْعين وَلَو بَاعَ النّصاب قبل إِخْرَاج الزَّكَاة فللساعي أَن يتَعَلَّق بالمشتري وَيَأْخُذ الزَّكَاة من النّصاب وَلَكِن فِي تَحْقِيق هَذَا التَّعَلُّق ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه شركَة وَكَأن الْمِسْكِين شريك بِقدر حَقه وَهَذَا يضعف بِجَوَاز الْأَدَاء من مَوضِع آخر الثَّانِي أَن تلعقه يضاهي استيثاق الْمُرْتَهن وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يضاهي تعلق أرش الْجِنَايَة حَتَّى يخرج منع بيع النّصاب على قَوْلَيْنِ أصَحهمَا الْجَوَاز

وَيتَفَرَّع على هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة النّظر فِي أَرْبَعَة تصرفان الأول بيع مَال الزَّكَاة فَإِن قُلْنَا لَا تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ فَصَحِيح لَكِن السَّاعِي يَأْخُذ شَاة من المُشْتَرِي إِن لم يرد الْمَالِك من مَوضِع آخر فينتقض البيع فِيهِ وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهل للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا عرف ذَلِك قبل أَخذ السَّاعِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمَالِك رُبمَا يُؤَدِّي الزَّكَاة وَالثَّانِي نعم لِأَن ملكه مزلزل فِي الْحَال فَإِن أثبتنا الْخِيَار فَأدى الْمَالِك سقط الْخِيَار كَمَا لَو أدّى أَولا ثمَّ بَاعَ وَقيل لَا يسْقط لِأَن

الْخِيَار مستيقن والمؤدي رُبمَا يخرج مُسْتَحقّا فَيُعَكر السَّاعِي على المَال وَأما على قَول الشّركَة فَالْبيع بَاطِل فِي قدر الزَّكَاة وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو بَاعَ بعض النّصاب صَحَّ على هَذَا القَوْل لاتساع الْبَاقِي لحق الْمِسْكِين وَقيل يبطل فِي حَقه لِأَن حَقه غير منحصر فِي الْبَعْض الْبَاقِي وَإِن فرعنا على استيثاق الرَّهْن بَطل فِي قدر الزَّكَاة وَقيل بَطل فِي الْكل وَكَانَ الْكل مَرْهُونا بِهِ وَهُوَ بعيد وَإِن فرعنا على استيثاق أرش الْجِنَايَة وَقُلْنَا يجوز بيع العَبْد الْجَانِي فَهُوَ كالتفريع على قَول الذِّمَّة وَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَهُوَ كتفريع قَول الرَّهْن الثَّانِي إِذا اشْترى نِصَابا زكاتيا ثمَّ اطلع على عيب بعد تَمام الْحول فَإِن أدّى الزَّكَاة من مَوضِع أخر فَلهُ الرَّد إِلَّا على خيال من يَقُول لَعَلَّ الْمخْرج يظْهر اسْتِحْقَاقه فَيَعُود السَّاعِي إِلَيْهِ أَو على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا الزائل الْعَائِد كالذى لم يعد الثَّالِث إِذا ملك أَرْبَعِينَ وتكرر الْحول وَلم يخرج الزَّكَاة فَلَا زَكَاة فِي الْحول الثَّانِي فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فِي عينه لنُقْصَان النّصاب لِأَن الْمِسْكِين لَا يتَعَيَّن حَتَّى تَجْعَلهُ خليطا وَإِن قُلْنَا يتَعَلَّق بِالذِّمةِ ابتنى على أَن الدّين هَل يمْنَع الْوُجُوب الرَّابِع إِذا أصدقهَا أَرْبَعِينَ من الْغنم ثمَّ طَلقهَا بعد الْحول قبل الْمَسِيس فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال

الأولى إِذا كَانَت قد أدَّت الزَّكَاة من غير المَال فَفِيمَا يرجع الزَّوْج بِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يرجع فِي عشْرين من الْبَاقِي وتنحصر الزَّكَاة فِي نصِيبهَا وَالثَّانِي أَنه يرجع فِي نصف الْبَاقِي وَقِيمَة نصف الْمخْرج وَالثَّالِث أَنه يتَمَيَّز بَين مُوجب الْقَوْلَيْنِ الثَّانِيَة إِذا أدَّت من مَال آخر رَجَعَ الزَّوْج بِالنِّصْفِ على الْأَقْوَال إِلَّا على قَول الشّركَة إِذا قُلْنَا إِن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يعد الثَّالِثَة إِذا طلقت قبل الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا للمسكين شركَة فَهُوَ كالمخرج وَإِن قُلْنَا إِن تعلق الزَّكَاة تعلق استيثاق فَالظَّاهِر أَنه يلْزمهَا فك حق الزَّوْج بأَدَاء الزَّكَاة من مَوضِع آخر كَمَا لَو كَانَت قد رهنت وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ بِغَيْر اخْتِيَاره فيضاهي أرش الْجِنَايَة الْخَامِس رهن مَال الزَّكَاة بعد الْوُجُوب كَبَيْعِهِ وتفريق الصَّفْقَة أولى بِالِاحْتِمَالِ فِيهِ وَإِن رهن قبل حولان الْحول وَقُلْنَا الدّين وَالرَّهْن يمنعان الزَّكَاة فَهَل يخرج من الْمَرْهُون الصَّحِيح أَنه يخرج لِأَن تعلقه لَا يتقاصر عَن أرش الْجَنَابَة وَقيل لَا يخرج إِذا فرعنا على تشبيهه بِالرَّهْنِ لِأَن الْمَرْهُون لَا يرْهن وَهُوَ بعيد لِأَن هَذَا التَّعَلُّق لَا اخْتِيَار فِيهِ فَإِن قُلْنَا يخرج فَلَو أيسر بعد الْإِخْرَاج فَهَل يلْزمه جبره للْمُرْتَهن بِوَضْع قِيمَته فِي مَوْضِعه رهنا فِيهِ وَجْهَان

النَّوْع الثَّانِي من الزكوات زَكَاة العشرات وَالنَّظَر فِي الْمُوجب وَالْوَاجِب وَوقت الْوُجُوب الطّرف الأول فِي الْمُوجب وَالنَّظَر فِي جنسه وَقدره أما جنسه فَكل مقتات فِي حَالَة الِاخْتِيَار أنبتته الأَرْض مَمْلُوكَة أَو مستأجرة خَرَاجِيَّة أَو غير خَرَاجِيَّة فَيجب فِيهِ الْعشْر على الْحر الْمُسلم واحترزنا بِحَالَة الِاخْتِيَار عَن الثفاء والترمس فَإِن الْعَرَب تقتاته فِي حَالَة الِاضْطِرَار وَألْحق مَالك بالقوت مَا تشتد إِلَيْهِ الْحَاجة كالقطن وطرد أَبُو حنيفَة فِي كل مَا يقْصد من ثمار الأَرْض كالفواكه والبقول وَغَيرهَا وَلم يُوجب الْعشْر على الْمُسْتَأْجر وَأوجب على الْمكْرِي وَأوجب على الْمكَاتب وَالذِّمِّيّ وَفِي الضَّيْعَة الْمَوْقُوفَة على الْمَسَاجِد والرباطات وَلم يجمع بَين الْخراج وَالْعشر وَعِنْدنَا الْخراج أُجْرَة لَا يضْرب على مَالك الأَرْض وَإِنَّمَا يضْرب على الْكفَّار فِي

أراض مَمْلُوكَة للْمُسلمين أَو لبيت المَال فَإِن أَسْلمُوا لم يسْقط لِأَنَّهُ أجره وَمَا يضْرب عَلَيْهِم فِي أراضيهم الْمَمْلُوكَة يسْقط بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَة وَأوجب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم الزَّكَاة فِي الزَّيْتُون وَذكر فِي الورس وَالْعَسَل قَوْلَيْنِ وَفِي الزَّعْفَرَان قَوْلَيْنِ مرتبين وَأولى بِأَن لَا يجب وَاقْتصر فِي الْجَدِيد على الأقوات وَمِنْه الْأرز واللوبيا والباقلى والحمص والذرة والماش وَالْعِنَب وَالرّطب دون السمسم والكتان والجوز والفواكه أما قدر الْمُوجب فِيهِ فَهُوَ خَمْسَة أوسق كل وسق سِتُّونَ صَاعا كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمَجْمُوع ثَمَانمِائَة من

فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَحْدِيد لِأَنَّهُ رُوِيَ أَن الوسق سِتُّونَ صَاعا وَقيل إِنَّه تقريب وعَلى هَذَا إِنَّمَا يضر نُقْصَان قدر لَو وزع على الأوسق الْخَمْسَة لعد الوسق نَاقِصا عَن الِاعْتِدَال والوسق حمل بعير وَأَبُو حنيفَة لم يعْتَبر النّصاب وَفِي النّصاب مسَائِل الأولى أَنه يعْتَبر هَذَا الْمبلغ زبيبا وَتَمْرًا لَا رطبا وَعِنَبًا وَفِي الْحُبُوب يعْتَبر منقى عَن

القشور كَمَا فِي الْأرز إِلَّا مَا يطحن مَعَ قشره كالذرة فيوسق مَعَ قشرها فرع الرطب الذى لَا يتمر يوسق رطبا على الصَّحِيح لِأَنَّهُ مُنْتَهى كَمَاله ثمَّ تَسْلِيم عشر الرطب بِالْقِسْمَةِ سهل إِلَّا إِذا قُلْنَا الْمِسْكِين شريك فِيهِ وَالْقِسْمَة بيع وَهَذَا الرطب لَا يُبَاع بضعه بِبَعْض وَفِي كل ذَلِك خلاف الثَّانِيَة لَا يكمل نِصَاب حبس الْحُبُوب بِحَبْس آخر وَأما العلس فَإِنَّهُ مضموم إِلَى الْحِنْطَة فَإِنَّهُ حِنْطَة يُوجد بِالشَّام جنتان مِنْهُ فِي كمام وَاحِد وَأما السلت فَهُوَ حب يُسَاوِي الشّعير بصورته وَالْحِنْطَة بطعمه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه ينظر فِي وَاحِد إِلَى صورته فَيلْحق بِالشَّعِيرِ وَفِي

الآخر إِلَى مَعْنَاهُ فيضم إِلَى الْحِنْطَة وَفِي الثَّالِث يَجْعَل أصلا بِنَفسِهِ وَعَلِيهِ يَنْبَنِي جَوَاز بَيْعه بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير مُتَفَاضلا وَذهب مَالك إِلَى أَن الحمص والباقلي والعدس وَهِي الَّتِي تسمى القطنية يضم بَعْضهَا إِلَى بعض الثَّالِثَة لَا يكمل ملك رجل بِملك غَيره إِلَّا إِذا كَانَ شَرِيكا أَو جارا وَقُلْنَا إِن الْخلطَة تُؤثر فَلَو خلف الْمَيِّت نخيلا متمرة على جمَاعَة ومبلغها خَمْسَة أوسق وَجَبت الزَّكَاة عَلَيْهِم فَإِن اقتسموها قبل بَدو الصّلاح زَالَت الشّركَة وَبَقِي الْجوَار وَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْقِسْمَة إِذا جعلناها بيعا بِأَن يَبِيع كل وَاحِد نصِيبه من خَشَبَة نخل معِين بِحِصَّة صَاحبه من ثَمَرَة نخيل آخر وَإِلَّا فتؤدي قسْمَة الرطب إِلَى بيع الرطب بالرطب الرَّابِعَة إِذا ملك تهامية ونجدية وتفاوت فِي إِدْرَاكهَا فالبعض مضموم إِلَى الْبَعْض إِلَّا إِذا تَأَخّر اطلَاع النجدية عَن جذاذ التهامية وَوقت الْجذاذ هَل هُوَ كَنَفس الْجذاذ فِيهِ خلاف وَلَو تَأَخّر اطلاعها من زهو التهامية فَفِي الضَّم وَجْهَان أَحدهمَا لَا نظرا إِلَى سَبَب

الْوُجُوب وَالثَّانِي نعم لِأَن ذَلِك يعد إدراكا وَاحِدًا والنخلة الَّتِى تحمل فِي السّنة حملين لَا تضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فَهُوَ كحمل سنتَيْن فرع لَو كَانَت لَهُ تهامية تثمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ فاطلعت نجدية قبل جذاذ التهامية وضممناها إِلَيْهِ فَلَو جذت التهامية ثمَّ اطَّلَعت مرّة أُخْرَى قبل جذاذ النجدية فَلَا نضمها إِلَى النجدية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الضَّم إِلَى الثَّمَرَة الأولى بِوَاسِطَة النجدية وَذَلِكَ مُمْتَنع وَلَو لم تكن الأولى لَهُ لَكنا نضم الثَّانِيَة إِلَى النجدية لزوَال هَذِه الْمَحْذُور الْخَامِسَة الذّرة تحصد وتزرع فِي السّنة مرَارًا فالمزروع بعد الحصد هَل يضم إِلَى

المحصود فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال أَحدهَا لَا كحملي شَجَرَة وَاحِدَة وَالثَّانِي نعم مهما وَقع الزرعان والحصادان فِي سنة وَاحِدَة لِأَن ذَلِك مُعْتَاد فيعد ارْتِفَاع سنة وَاحِدَة الثَّالِث أَنه يَكْفِي وُقُوع الزرعين فِي سنة وَاحِدَة لِأَنَّهُ الدَّاخِل تَحت الِاخْتِيَار الرَّابِع أَنه ينظر إِلَى اجْتِمَاع الحصادين فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُود الْخَامِس إِن وَقع الزرعان والحصادان أَو زرع الثَّانِي وحصد الأول فِي سنة وَاحِدَة وَقع الِاكْتِفَاء وَوَجَب الضَّم هَذَا إِذا زرع بعد الْحَصاد فَإِن كَانَ قبله وَلَكِن بعد اشتداد الْحبّ فخلاف مُرَتّب وَأولى بِالضَّمِّ وَإِن زرع قبل اشتداد الْحبّ وَلَكِن أدْرك الأول وَالثَّانِي بعد بقل مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف لِأَن البقل لَا يشْتَمل على جنس مَال الزَّكَاة فرع إِذا انزرعت الذّرة الثَّانِيَة بتناثر حبات الأول بنقر العصافير وهبوب الرّيح مِنْهُم من قطع بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ لم يفرد بِالْقَصْدِ وَمِنْهُم من خرج على الْخلاف وَلَو علا بعض طاقات الذّرة فَبَقيت الصغار مخضرة تحتهَا ثمَّ أدْركْت الصغار بعد حصد الأول فَالْكل زرع وَاحِد وَهُوَ المُرَاد يَقُول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الذّرة تزرع مرّة فَتخرج فتحصد ثمَّ يسْتَخْلف فتحصد مرّة أُخْرَى فَهُوَ زرع

وَاحِد وَإِن تَأَخّر حصد الْأَخير وَمِنْهُم من نزل النَّص على تناثر الحبات لهبوب الرّيح

الطّرف الثَّانِي فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي قدره وجنسه أما قدره فَهُوَ الْعشْر فِيمَا سقت السَّمَاء وَنصف الْعشْر فِيمَا سقِِي بنضح أَو دالية للْحَدِيث وَمَاء القنوات والأنهار كَمَاء السَّمَاء وَإِن كثرت مؤنها والناعور الذى يديرها المَاء بِنَفسِهِ فِي معنى الدواليب فرع لَو اجْتمع السَّقْي بالنهر والنضح فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنا نعتبرهما جَمِيعًا وَيعرف الْمِقْدَار بِعَدَد السقيات على وَجه وبمقدار النَّفْع والنمو على وَجه إِذْ رب سقية فِي شهر أَنْفَع من سقيات فِي شهر

وَالْقَوْل الثَّانِي أَنا نعتبر الْأَغْلَب فعلى هَذَا لَو اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الرُّجُوع إِلَى قَول التقسيط وَالثَّانِي إِيجَاب الْعشْر تَرْجِيحا لجَانب الْمَسَاكِين وَإِذا أشكل الْأَمر فَهُوَ كالاستواء لتقابل الْأَمريْنِ هَذَا فِي الْمُعْتَاد فَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَى النَّضْح نَادرا فَهَل يعْتَبر هَذَا النَّادِر فِيهِ وَجْهَان أما جنس الْوَاجِب ونوعه فَهُوَ أَن يخرج من جنس مَا ملك فَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن كل نوع بِقسْطِهِ لِأَن التشقيص غير مَحْذُور فِيهِ كالمواشي فَإِن خرجت الْأَنْوَاع عَن الضَّبْط فَلَا يُطَالب بالأجود وَلَا يرضى بالأردئ وَيطْلب الْوسط من ذَلِك

الطّرف الثَّالِث فِي وَقت الْوُجُوب وَهُوَ فِي الثِّمَار وبدو الصّلاح وَفِي الْحُبُوب باشتدادها فَيجب بهَا إِخْرَاج التَّمْر وَالْحب إِلَى الْمَسَاكِين عِنْد الْجَفَاف والتنقية فَلَو أخرج فِي الْحَال الرطب كَانَ بَدَلا وَلم يَقع الْموقع وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن سَبَب الْوُجُوب الْجَفَاف إِذْ يَسْتَحِيل وجوب التَّمْر مَعَ عَدمه وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْإِمْكَان شَرط الْوُجُوب وَهُوَ بعيد إِذْ تسليط الْملاك على اسْتِهْلَاك الرطب كُله إجحاف بالمساكين فَالْأولى الْإِيجَاب وَتَأْخِير الْأَدَاء إِلَى الْجَفَاف وَلَكِن يسْتَحبّ أَن يخرص الثِّمَار على الْمَالِك خلافًا لأبي حنيفَة وَذَلِكَ بِأَن يجْبر الخارص على قدر مَا يحصل مِنْهُ تَمرا وَهل يَكْتَفِي بخارص وَاحِد تَشْبِيها بالحاكم أَو لَا بُد من اثْنَيْنِ تَشْبِيها بِالشَّهَادَةِ فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي القسام وعَلى الْقَوْلَيْنِ لَا بُد من الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة ثمَّ يدْخل فِي الْخرص جَمِيع النخيل وَقَالَ فِي الْقَدِيم يتْرك لرب النخيل نَخْلَة أَو نخلات يَأْكُل ثمارها هُوَ وَأَهله ويبتني على الْخرص مسَائِل الأولى إِذا تلف المَال بجائحة سَمَاوِيَّة سَقَطت الزَّكَاة بِكُل حَال للفوات قبل الْإِمْكَان وَإِن فَاتَ بِإِتْلَاف الْمَالِك وَأكله فَعَلَيهِ حِصَّة الْمَسَاكِين وَلَكِن الْوَاجِب عشرَة رطبا

أَو تَمرا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه الرطب كَالْأَجْنَبِيِّ إِذا أتلف فَإِنَّهُ يغرم الرطب ويعبر عَن هَذَا القَوْل بِأَن الْخرص عِبْرَة مُجَرّدَة لَا يُؤثر فِي تَغْيِير الحكم وَالثَّانِي أَنه يضمنهَا تَمرا وَكَانَ الْخرص تضمين بتحويل الزَّكَاة إِلَى ذمَّته وَالثَّالِث إِن صرح الخارص بالتضمين ضمنه تَمرا وَإِلَّا ضمن الرطب ثمَّ وَقت الْخرص هَل يقوم مقَام نفس الْخرص فِي التَّضْمِين فِيهِ خلاف فرعان أَحدهمَا لَو ادّعى جَائِحَة صدق إِلَّا إِذا كَذبته الْمُشَاهدَة وَلَو كَانَ يُمكن صَدَقَة وَلَكِن الْغَالِب أَنه لَو وَقع لظهر

قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا بُد من بَيِّنَة على أصل الْوَاقِعَة وَإِن لم يتَعَرَّض للتفصيل قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد المؤتمن إِذا ادّعى مُمكنا صدق بِيَمِينِهِ كَمَا فِي دَعْوَى رد الْوَدِيعَة الثَّانِي لَو ادّعى حيف الخارص قصدا لم يقبل وَلَو ادّعى غلطه بِقدر مُمكن صدق مَعَ يَمِينه وَإِن ادّعى الْغَلَط بِالنِّصْفِ أَو الثُّلُث فَهَذَا غير مُمكن وَلَكنَّا نصدقه فِي الْمِقْدَار الْمُمكن من هَذِه الْجُمْلَة وَحَيْثُ يصدق فاليمين فِيهَا مُسْتَحبَّة أَو مُسْتَحقَّة فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَصَرُّفَات الْمَالِك فِي جَمِيع الثِّمَار يبتني على التَّضْمِين فَإِن قُلْنَا قد تحول إِلَى ذمَّته الْعشْر تَمرا بعد تصرفه فِي الْكل وَإِلَّا فَينفذ تصرفه فِي التِّسْعَة الأعشار ونفوذه فِي الْعشْر يبتني على قَول الذِّمَّة وَالْعين كَمَا سبق وَقد ذكرنَا ثمَّ إِن الْمَنْع يشيع فِي جَمِيع المَال على أحد الْأَقْوَال وَهَاهُنَا لَا خلاف فِي نُفُوذ تصرفه فِي غير قدر الزَّكَاة قبل الْجَفَاف لمسيس الْحَاجة وَشدَّة أثر الْحجر فَأَما بعد الْجَفَاف فيتنزل منزلَة الْمَوَاشِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أصَاب النخيل عَطش يستضر بالثمار فللمالك قطعهَا وَإِن تضرر بهَا الْمَسَاكِين لأَنهم يَنْتَفِعُونَ بِبَقَاء النخيل فِي السّنة الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ السَّاعِي عشر الرطب أَو ثمن عشرهَا وَلَا يلْزمه التَّمْر فَإِنَّهُ فِي الْقطع مَعْذُور

وَاخْتلفُوا فِي قَوْله أَو ثمن عشرهَا فَقيل مَعْنَاهُ ترديد قَول أَي إِذا فرعنا على أَن الْمِسْكِين شريك وَأَن الْقِسْمَة بيع امْتنع تَسْلِيم الرطب بِالْقِسْمَةِ فَيرجع إِلَى الثّمن للضَّرُورَة وَإِن فرعنا على أَنه إِقْرَار حق أَخذ نفس الرطب وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا تَخْيِير لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا يُؤْخَذ للْحَاجة فَيجوز أَيْضا أَن يقسم للْحَاجة وَإِن جعلنَا الْقِسْمَة بيعا وَهَذَا الْقَائِل قد يجوز قسْمَة الْأَوْقَاف للْحَاجة فَلَمَّا لم يكن بُد من احْتِمَال مَحْذُور للْحَاجة إِمَّا الْبَدَل وَإِمَّا بيع الرطب تخير وَمِنْهُم من قطع بِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُمْتَنع إِذْ لَا ضَرُورَة بل الطَّرِيق أَن يسلم النخيل إِلَى السَّاعِي فَيتَعَيَّن حق الْمِسْكِين بِالْقَبْضِ فِيهِ وَتثبت الشّركَة ثمَّ يَبِيع السَّاعِي قدر حق الْمَسَاكِين إِذْ لَهُ أَن يَبِيع مَال الزَّكَاة مهما عظمت الْمُؤْنَة عَلَيْهِ فِي إِِمْسَاكهَا أَو نقلهَا وَقد احْتَاجَ هَاهُنَا إِلَى البيع لتعذر الْقِسْمَة وَلَيْسَ للساعي بيع مَال الزَّكَاة لغَرَض التِّجَارَة فَإِنَّهُ مستغن عَنْهَا الرَّابِعَة نَص فِي الْكَبِير على أَنه لَو بَاعَ ثمره قبل بَدو الصّلاح لَا يشْتَرط الْقطع فَالْبيع

بَاطِل فَإِذا أتلف المُشْتَرِي الثِّمَار ثمَّ أفلس البَائِع وَحجر عَلَيْهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الزَّكَاة والديون فتؤخذ الْقيمَة من المُشْتَرِي وَيقدم الْمَسَاكِين بِعشر الْقيمَة ويضاربون بِقدر التَّفَاوُت بَين قيمَة الرطب وَالتَّمْر إِذا كَانَ قيمَة التَّمْر أَكثر وَهَذَا تَفْرِيع على خَمْسَة أصُول فَأخذ الْقيمَة تَفْرِيع على أَن الرطب من ذَوَات الْقيم وَتَقْدِيم الْمَسَاكِين بالعشر تَفْرِيع على تعلق حَقهم بِالْعينِ كَمَا فِي الرَّهْن وَإِثْبَات حق الْمَسَاكِين فِي التَّمْر تَفْرِيع على أَن الْخرص تضمين وَأَن وَقت الْخرص كالخرص وَإِثْبَات الْمُضَاربَة بالتفاوت تَفْرِيع على أَن حق الله تَعَالَى يُسَاوِي حق الْآدَمِيّ عِنْد الازدحام على مَال وَاحِد

النَّوْع الثَّالِث فِي زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالنَّظَر فِي قدر الْمُوجب وجنسه أما الْقدر فنصاب الْوَرق مِائَتَا دِرْهَم فِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم ونصاب الذَّهَب عشرُون دِينَارا وَفِيه نصف دِينَار وَمَا زَاد فبحسابه يجب فِيهِ ربع الْعشْر وَلَا وقص فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه مسَائِل الأولى لَو نقص حَبَّة من هَذَا الْقدر فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَ يروج رواج التَّام وَقَالَ مَالك إِن كَانَ نقد الْبَلَد قراضة وَمَعَهُ مائَة وَخَمْسُونَ يروج بمائتين مكسرة وَجَبت الزَّكَاة الثَّانِيَة يعْتَبر النّصاب فِي جَمِيع الْحول وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتَبر فِي أَثْنَائِهِ الثَّالِثَة لَا يكمل نِصَاب أحد النَّقْدَيْنِ بِالْآخرِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَكِن يكمل نِصَاب جيد النقرة برديئها ثمَّ يخرج من كل بِقَدرِهِ وَلَا يكمل بِالنُّحَاسِ فَلَا زَكَاة فِي الدَّرَاهِم المغشوشة إِلَّا إِذا كَانَت النقرة فِيهَا بِقدر النّصاب وَتَصِح على الدَّرَاهِم المغشوشة وَإِن لم يكن قدر النقرة مَعْلُوما على أحد الْوَجْهَيْنِ كالغالية

والمعجونات الرَّابِعَة إِذا كَانَ لَهُ آنِية من الذَّهَب وَالْفِضَّة مختلطا وَزنه ألف وَوزن أَحدهمَا سِتّمائَة وَلم يدر أَن الستمائة ذهب أَو فضَّة يلْزمه التَّمْيِيز ليعرف الْقدر فَإِن عسر التَّمْيِيز فَالْمَذْهَب أَنه يخرج زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب وسِتمِائَة من النقرة ليخرج مِمَّا عَلَيْهِ بِيَقِين لِأَنَّهُ إِذا أخرج زَكَاة أَرْبَعمِائَة ذهب وَأَرْبَعمِائَة فضَّة فَيعلم اشْتِغَال ذمَّته بعد ذَلِك يَقِينا وَلَا يبرأ

يَقِينا إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ الْأَخْذ بغالب الظَّن إِذا كَانَ يُؤَدِّيه بِنَفسِهِ فَإِن أدّى إِلَى السُّلْطَان فَلَا بُد من الْيَقِين وَقيل يَأْخُذ بِمَا شَاءَ فَيُؤَدِّي زَكَاة سِتّمائَة من الذَّهَب أَو من الْفضة لِأَن اشْتِغَال ذمَّته لَيْسَ بمستيقن بِمَا سوى ذَلِك الْخَامِسَة لَو ملك مائَة نَقْدا وَمِائَة مُؤَجّلا على مَلِيء وَقُلْنَا لَا يجب تَعْجِيل الزَّكَاة فِي الْمُؤَجل فمقدار النَّقْد يجب أَدَاؤُهُ على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَقيل لَا يجب لِأَن النّصاب فِي حكم شئ وَاحِد فَلَا يَتَبَعَّض واجبه

النّظر الثَّانِي فِي جنسه وَلَا زَكَاة فِي شئ من اللآلئ واليواقيت وَسَائِر نفائس الْأَمْوَال وَإِنَّمَا يجب فِي النَّقْدَيْنِ تبرا كَانَ أَو مَضْرُوبا وَفِي مناطه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه عينهما كَمَا فِي الرِّبَا فَيجب فِي الْحلِيّ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمذهب عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَالثَّانِي أَنه مَنُوط بمعناهما وَهُوَ الِاسْتِغْنَاء عَنْهُمَا فِي عينهما إِذْ لَا يرتبط بذاتهما غَرَض فبقاؤهما سنة يدل على الْغناء بِخِلَاف اللآلئ واليواقيت وَالثيَاب والأواني فعلى هَذَا إِذا قصد بصياغته حليا اسْتِعْمَالا مُبَاحا لم تجب الزَّكَاة كَمَا أَن أَمْوَال الْقنية الَّتِى يرتبط بِأَعْيَانِهَا غَرَض إِذا عزم على ترك اسْتِعْمَالهَا بإرصادها للتِّجَارَة وَجَبت الزَّكَاة وَهَذَا مَذْهَب عَائِشَة وَابْن عمر والجديد من قولي الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وعَلى هَذَا فِي الْقَصْد مَرَاتِب الأولى أَن يصوغ مَا هُوَ مَحْظُور فِي نَفسه كالملاهي والأواني فَلَا تسْقط الزَّكَاة الثَّانِيَة أَن يصوغ الرجل حلي النِّسَاء ليلبسه بِنَفسِهِ لم تسْقط الزَّكَاة لِأَن الصَّارِف عَن الأَصْل قصد صَحِيح وَلم يُوجد الثَّالِثَة أَن يقْصد أَن يكنزها حليا وَلَا يسْتَعْمل فَالْمَذْهَب وجوب الزَّكَاة لِأَنَّهُ لم يصر مُحْتَاجا إِلَيْهِ لِأَن المكنوز مُسْتَغْنى عَنهُ كالدراهم وَالدَّنَانِير

الرَّابِعَة أَن لَا يقْصد سَببا أصلا فَفِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صَنْعَة الْحلِيّ وهيآته وَفِي الثَّانِي إِلَى عدم قصد الصّرْف إِلَى حَاجَة الِاسْتِعْمَال الْخَامِسَة أَن يقْصد إِجَارَتهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الِانْتِفَاع نوع حَاجَة فِي عينه سَوَاء حصل بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فرعان الأول حَيْثُ شرطنا الْقَصْد فطارئها بعد الصياغة كمقارنتها فِي الْإِسْقَاط والإيجاب وَهُوَ كنية الْقنية إِذا طرأت فِي مَال التِّجَارَة فَإِنَّهُ يقطع الْحول وَمُجَرَّد نِيَّة التِّجَارَة لَا يَكْفِي لانعقاد الْحول إِلَّا إِذا اقْترن بِالشِّرَاءِ لِأَن النِّيَّة دون الْمَنوِي لَا تُؤثر وَنِيَّة الْقنية مَعْنَاهَا الْإِمْسَاك والإمساك مقرون بهَا الثَّانِي لَو انْكَسَرَ الْحلِيّ بِحَيْثُ يتَعَذَّر اسْتِعْمَاله إِلَّا بإصلاح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا

أَنه ينْعَقد الْحول بتعذر الِاسْتِعْمَال فَأشبه التبر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مرصد للإصلاح والصنعة بَاقِيَة وَالثَّالِث إِن قصد الْمَالِك إِصْلَاحه فَلَا زَكَاة وَإِن قصد أَن لَا يصلحه جرى فِي الْحول وَإِن لم يشْعر بِهِ إِلَّا بعد سنة فقصد الْإِصْلَاح فَفِي السّنة الْمَاضِيَة وَجْهَان وعَلى هَذَا الْوَجْه الْأَصَح أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقَصْد تبين أَنه كَانَ مرْصدًا لَهُ فَإِن قيل مَا الْمَحْظُور فِي عينه مِمَّا يتَّخذ من الذَّهَب وَالْفِضَّة قُلْنَا هُوَ ثَلَاثَة أَقسَام الأول مَا يخْتَص الرِّجَال بِهِ وَالذَّهَب حرَام عَلَيْهِم مُطلقًا إِلَّا فِي اتِّخَاذ أنف لمن جدع أَنفه فَإِنَّهُ لَا يصدأ وَقد أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَأْس بتمويه الْخَاتم بِذَهَب لَا يتَحَصَّل

مِنْهُ وَأما أَسْنَان الْخَاتم من الذَّهَب حرَام وَقَالَ إمامي لَا يبعد أَن يشبه بضبة الْإِنَاء وتجنب ديباج على ثوب وَهَكَذَا حكم الطّراز الْمَذْهَب إِذا حصل مِنْهُ شئ أما الْفضة فَيحل للرجل التَّخَتُّم بِهِ وتحلية آلَات الْحَرْب من السَّيْف والسنان والمنطقة وَفِي تَزْيِين السرج واللجم وَجْهَان لِأَنَّهُ يشبه أَن يكون من آلَات الْحَرْب الْقسم الثَّانِي فِيمَا يخْتَص بِالنسَاء وَهُوَ حَلَال لَهُنَّ أَعنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا مَا فِيهِ تشبه بِالرِّجَالِ كتحلية آلَات الْحَرْب والسرج واللجم الْقسم الثَّالِث مَا لَا يخْتَص بِالرِّجَالِ وَلَا بِالنسَاء وَفِيه مسَائِل الأولى اتِّخَاذ الْأَوَانِي من الذَّهَب وَالْفِضَّة حرَام مُطلقًا وَفِي المكحلة الصَّغِيرَة تردد الثَّانِيَة سكاكين المهنة إِذا حليت بِالْفِضَّةِ فاستعمال الرِّجَال لَهَا فِيهِ تردد وَوجه جَوَازهَا تشبيهها بآلات الْحَرْب وَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يجوز للنِّسَاء

الثَّالِثَة تحلية الْمُصحف بِالْفِضَّةِ فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز حمله على الْإِكْرَام وَفِي الذَّهَب ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يفرق بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَأَما غير الْمُصحف من الْكتب لم يجوز تحليتها بِفِضَّة وَلَا ذهب كَمَا لَا يجوز تحلية الدواة والسرير والمقلمة وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر تَجْوِيز تحلية الدواة وَهَذَا يُوجب الْجَوَاز فِي المقلمة وَسَائِر الْكتب وَهُوَ منقدح فِي الْمَعْنى إِذْ لَا يبعد أَن يُقَال لم يثبت فِي الْفضة تَحْرِيم إِلَّا فِي الْأَوَانِي فأصله على الْإِبَاحَة الرَّابِعَة تحلية الْكَعْبَة والمساجد والمشاهد بقناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَمْنُوع هَكَذَا نَقله الْعِرَاقِيُّونَ عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَلَا يبعد مُخَالفَته حملا على الْإِكْرَام كَمَا فِي الْمُصحف وَلِأَن الأَصْل فِي الْفضة الْإِبَاحَة إِلَّا فِي الْأَوَانِي وَفِي الذَّهَب الْإِبَاحَة إِلَّا على ذُكُور الْأمة وَلَيْسَ هَذَا من تحلي الذُّكُور

النَّوْع الرَّابِع زَكَاة التِّجَارَة وأركانها أَرْبَعَة الأول المَال وَهُوَ كل مَا قصد فِيهِ الاتجار عِنْد اكْتِسَاب الْملك فِيهِ بمعاوضة مَحْضَة وَفِيه ثَلَاثَة قيود الأول أَن مُجَرّد النِّيَّة فِي دوَام الْملك لَا يَكْفِي لِأَن الْمَنوِي لم يقْتَرن بِهِ بِخِلَاف نِيَّة الْقنية فَإِنَّهَا تقطع التِّجَارَة لِأَن معنى الْقنية الْإِمْسَاك وَهُوَ مقرون بِهِ وَقَالَ الْكَرَابِيسِي يَكْفِي مُجَرّد نِيَّة التِّجَارَة الثَّانِي قصد التِّجَارَة عِنْد حُصُول الْملك بِإِرْث أَو اتهاب أَو رُجُوع برد بِعَيْب لَا يُؤثر وَعند حُصُوله عوضا عَن الْبضْع فِي الْخلْع وَالنِّكَاح وَجْهَان لِأَنَّهُ مُعَاوضَة لَيست بمتمحضة

الثَّالِث إِذا اشْترى عبدا على نِيَّة التِّجَارَة بِثَوْب قنية فَرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ انْقَطع حوله لِأَن الثَّوْب الْعَائِد إِلَيْهِ لم يجز فِيهِ النِّيَّة وَلم يعد بِتِجَارَة بِخِلَاف مَا إِذا تبَايع التاجران ثمَّ ترادا لِأَن الْعَائِد كَانَ مَال التِّجَارَة قبل العقد وَلَو بَاعَ ثوب تِجَارَة بِعَبْد الْقنية انْقَطع حول الثَّوْب فَلَو رد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ لم يعد الْحول مَا لم يسْتَأْنف سَببا آخر وَهُوَ بَيْعه على نِيَّة التِّجَارَة فرع إِذا اشْترى جَارِيَة للتِّجَارَة فَولدت فَهَل يدْخل الْوَلَد فِي حول التِّجَارَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل بِالتِّجَارَة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ لَو نقص قيمَة الْأُم بِالْولادَةِ تجبر بِهِ فَإِن ذَلِك لَا يعد خسرانا فَدلَّ على أَنه من فَوَائِد التِّجَارَة قبل العقد الرُّكْن الثَّانِي النّصاب وَهُوَ مُعْتَبر وَفِي وَقت اعْتِبَاره أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه يعْتَبر فِي جَمِيع الْحول كَسَائِر الزكوات

وَالثَّانِي لَا يعْتَبر إِلَّا فِي آخر الْحول لِأَن اخْتِلَاف الْقيمَة بانخفاض الأسعار فِي لحظات قريبَة لَا يَنْضَبِط وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر فِي أول الْحول وَآخره لِأَنَّهُمَا مضبوطان بِخِلَاف الْوسط وَالرَّابِع أَن النُّقْصَان بانخفاض الأسعار فِي أثْنَاء الْحول لَا يعْتَبر وَلَكِن إِن صَار محسوسا بِالرَّدِّ إِلَى الناض فَيعْتَبر لِأَن هَذَا منضبط فَإِن قُلْنَا يعْتَبر آخر الْحول فَلَو لم يكن نِصَابا ثمَّ صَار نِصَابا بعد شهر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يجب مَا لم يتم الْحول الثَّانِي لِأَن الأول قد بَطل وَالأَصَح أَنه يجب لِأَنَّهُ ملكه سنة وشهرا فَيقدر كَأَن الزَّائِد لم يكن فرع إِذا لم يعْتَبر وسط الْحول فَاشْترى عرضا بِمِائَتي دِرْهَم وَبَاعه بِعشْرين دِينَارا لَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالدَّنَانِير عرض إِذا التَّقْوِيم بِرَأْس المَال فَلَو انْقَضى عَلَيْهِ سنُون وَلم يبلغ نِصَابا بِاعْتِبَار الدَّرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا تجب

الزَّكَاة لِأَنَّهُ عرض فِي التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنا يعدل إِلَى زَكَاة الْعين لعسر زَكَاة التِّجَارَة وعَلى هَذَا فِي وَقت افْتِتَاح حوله وَجْهَان أَحدهمَا أَنه آخر حول الأول إِذْ عِنْد تعذر زَكَاة التِّجَارَة وَالثَّانِي أَنه من وَقت ملكه إِذْ بَان آخر الْحول أَنه كَانَ لَا يصلح لزكاة التِّجَارَة الرُّكْن الثَّالِث الْحول وَهُوَ مُعْتَبر بالِاتِّفَاقِ وَالنَّظَر فِي أَمريْن أَحدهمَا فِي ابْتِدَائه وَلما يشترى بِهِ سلْعَة التِّجَارَة ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن يكون من النَّقْدَيْنِ نِصَابا كَامِلا ابْتِدَاء الْحول من يَوْم ملك النّصاب من النَّقْد ليبتني حول التِّجَارَة على حول النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُمَا متشابهان فِي قدر الْوَاجِب والموجب فِيهِ ومتعلق الْوُجُوب وَكَذَا إِن كَانَ النّصاب نَاقِصا مهما نَظرنَا إِلَى آخر الْحول

وَإِن نَظرنَا إِلَى أَوله فَيبْدَأ الْحول حَيْثُ بلغت قيمَة السّلْعَة نِصَابا الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا لَا من جنس مَال الزَّكَاة فالحول من وَقت نِيَّة التِّجَارَة لَا من وَقت ملك الْعرض الثَّالِثَة أَن يكون عرضا من جنس من مَال الزَّكَاة كَمَا لَو اشْترى بنصاب من الْغنم السَّائِمَة سلْعَة للتِّجَارَة فَالْمَذْهَب أَن الْحول من وَقت الشِّرَاء وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هُوَ من وَقت ملك الْمَاشِيَة وَعَلِيهِ دلّ نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين الزكاتين حَتَّى يَنْبَنِي أَحدهمَا على الآخر الْأَمر الثَّانِي الْمُسْتَفَاد فِي أثْنَاء الْحول هَل يضم إِلَى الأَصْل لَهُ أَرْبَعَة أَحْوَال الأولى أَن يكون بارتفاع قيمَة مَال التِّجَارَة فَتجب الزَّكَاة فِيهِ بحول الأَصْل كَمَا فِي النِّتَاج مَعَ الْأُمَّهَات الثَّانِيَة أَن يَشْتَرِي شَيْئا بنية التِّجَارَة لَا بِمَال التِّجَارَة فيفرد بحوله وَلَا يضم إِلَى الأَصْل كالمستفاد من الْمَاشِيَة الثَّالِثَة إِذا ارْتَفَعت قيمَة مَال التِّجَارَة فَيردهُ إِلَى الناض كَمَا إِذا كَانَت سلْعَته تَسَاوِي

عشْرين دِينَارا فارتفعت قيمتهَا وباعها بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر بِأَرْبَعِينَ دِينَارا فَفِي الْعشْرين الزَّائِد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل كنتاج الْمَوَاشِي وكما إِذا ارْتَفَعت الْقيمَة من غير تنضيض وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَنه تفرد بحوله لِأَنَّهُ مُسْتَفَاد من كيس المُشْتَرِي لَا من عين السّلْعَة بِخِلَاف النِّتَاج الرَّابِعَة أَن يكون مَال التِّجَارَة حَيَوَانا أَو شَجرا فنتج وأثمر وَقُلْنَا إِن حكم الزَّكَاة يتَعَدَّى إِلَى الْوَلَد فَالْأَظْهر أَنه يضم فِي الْحول إِلَى الأَصْل وَمَا يحْتَمل أَن يلْتَحق بهما بِالرِّبْحِ الناض الرُّكْن الرَّابِع فِي مَا يجب إِخْرَاجه وَهُوَ ربع عشر قيمَة مَال التِّجَارَة وبماذا يقوم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال الأولى أَيْن يكون مشترى بِأحد النَّقْدَيْنِ وَكَانَ نِصَابا كَامِلا فَيقوم بِهِ وَإِن اشْترِي بنقدين فَيقوم بهما على نِسْبَة التقسيط يَوْم الشِّرَاء فَإِن قَومنَا وَلم يبلغ كل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا فَلَا زَكَاة وَإِن كَانَت بِحَيْثُ لَو قوم بِأحد النَّقْدَيْنِ لَكَانَ نِصَابا الثَّانِيَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ نَقْدا غير نِصَاب وَالأَصَح أَنه مقوم بِهِ فِيهِ وَجه أَنه يقوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب الثَّالِثَة أَن يكون الْمُشْتَرى بِهِ عرضا قوم بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَإِن غلب نقدان قوم بِمَا يبلغ بِهِ نِصَابا فَإِن بلغ كل وَاحِد بهما نِصَابا فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهمَا أَن الْمَالِك يتَخَيَّر وَالثَّانِي أَنه يتبع الأنفع للْمَسَاكِين وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر بأقرب الْبلدَانِ إِلَى حَيْثُ يغلب أحد النَّقْدَيْنِ

وَالرَّابِع أَنه يقوم بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ أَحْرَى فِي المستحقرات فَيكون أرْفق للْمَسَاكِين وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ قديمان أَحدهمَا أَن الْوَاجِب ربع الْعشْر من جنس المَال وَالثَّانِي أَنه يتَخَيَّر بَينه وَبَين الْقيمَة فرع إِذا وَجَبت الزَّكَاة فَيجوز لَهُ أَن يتَخَيَّر قبل الزَّكَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ يزِيل الْمَالِيَّة الَّتِي هى مُتَعَلق الزَّكَاة فَأَما إِن أَرَادَ الْإِعْتَاق أَو الْهِبَة فَيخرج على أَن مُتَعَلق الزَّكَاة الْعين أَو الذِّمَّة كَمَا مضى فِي الْمَوَاشِي

واختتام الْبَاب بفصلين الأول فِي اجْتِمَاع زَكَاة التِّجَارَة مَعَ سَائِر الزكوات ويفرض ذَلِك فِي الْفطْرَة والمعشرات والمواشي أما الْفطْرَة فَلَا تَنْتفِي بِزَكَاة التِّجَارَة بل على التَّاجِر أَن يخرج الْفطْرَة عَن عبيد التِّجَارَة وَإِن تمّ حول التِّجَارَة مثلا عِنْد هِلَال شَوَّال لِأَنَّهُمَا زكاتان يتابعد مأخذهما فَلَا تتنافيان خلافًا لأبي حنيفَة أما إِذا اشْترى نِصَابا من السَّائِمَة على نِيَّة التِّجَارَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْمُعْتَبر زَكَاة التِّجَارَة لِأَنَّهُ أرْفق بالمساكين وَلِأَن المَال خرج عَن كَونه قنية بنية التِّجَارَة وَلم يخرج عَن كَونه مَال التِّجَارَة بالسوم وَالثَّانِي أَن الْمُغَلب زَكَاة الْعين فَإِنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ نِصَابا بِأَحَدِهِمَا دون الآخر فَيكون الْغَالِب مَا بلغ بِهِ نِصَابا وَإِن كَانَ بهما جَمِيعًا نِصَابا فعلى التَّرَدُّد السَّابِق هَذَا إِذا توَافق ابْتِدَاء الْحَوْلَيْنِ أما إِذا اشْترى أَرْبَعِينَ معلوفة ثمَّ أنشأ إسامتها بعد سِتَّة أشهر فَإِن قُلْنَا إِن الْغَالِب زَكَاة التِّجَارَة فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا الْغَالِب زَكَاة الْعين فَفِي كَيْفيَّة تغليبها هَاهُنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يَنْقَطِع حول التِّجَارَة بطريان السّوم وَالثَّانِي أَنه تجب زَكَاة التِّجَارَة فِي الْحول الأول كَيْلا يحبط بعضه ويعدل إِلَى زَكَاة الْعين فِي الْحول الثَّانِي وَأما المعشرات فَإِذا اشْترى ثمارا بنية التِّجَارَة فَبَدَأَ الصّلاح فِي يَده قبل البيع فَإِن غلبنا زَكَاة التِّجَارَة لم يجب الْعشْر وَإِن غلبنا زَكَاة الْعين يخرج الْعشْر ثمَّ يسْتَأْنف حول التِّجَارَة عِنْد الْجذاذ إِذْ بِهِ تَنْقَطِع علائق زَكَاة الْعين فَإِن كَانَ المُشْتَرِي حديقة فإخراج الْعشْر يسْقط زَكَاة الثِّمَار

وَهل تسْقط زَكَاة الْأَشْجَار وَالْأَرْض فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا نعم لِأَن الْعشْر حق الْأَشْجَار ومغارسها فَهِيَ كالتابعة للثمرة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْعشْر حق الثِّمَار إِذْ يجب على من لَا يملك الْأَشْجَار الثَّالِث أَن الْأَشْجَار تتبع دون الأَرْض لِأَن الشَّجَرَة لَا ترَاد إِلَّا للثمرة فَإِن قُلْنَا تتبع الأَرْض فَلَا نتبع إِلَّا مَا يدْخل فِي الْمُسَاقَاة من الأرضي المتخللة بَين الْأَشْجَار فرع لَو اشْترى أَرضًا للتِّجَارَة وبذرا للْقنية وَزرع فَوَاجِب الزَّرْع الْعشْر الْمَحْض وواجب الأَرْض زَكَاة التِّجَارَة إِذْ لَيْسَ الزَّرْع مَحل التِّجَارَة حَتَّى يستتبع

الْفَصْل الثَّانِي فِي زَكَاة مَال الْقَرَاض فَإِذا سلم إِلَى رجل ألفا على أَن يكون الرِّبْح نِصْفَيْنِ فَكَانَ آخر الْحول أَلفَيْنِ فَإِن قُلْنَا الْعَامِل لَا يملك إِلَّا بِالْقِسْمَةِ فزكاة الْأَلفَيْنِ على الْمَالِك وَيحْتَمل على نصيب الْعَامِل وجد أَنه لَا يلْزمه لِأَن ملكه فِيهِ ضَعِيف إِذْ يتَعَلَّق بِهِ حق لِلْعَامِلِ لَازم ثمَّ مَا نؤديه من الزَّكَاة كالمؤن حَتَّى يحْتَسب من الرِّبْح أَو كاسترداد طَائِفَة من المَال فِيهِ وَجْهَان يلتفتان على أَن تعلق الزَّكَاة بِالْعينِ أغلب أَو بِالذِّمةِ فَإِنَّهُ إِن تعلق بِالذِّمةِ فإخراجه من غير هَذَا المَال يشبه الِاسْتِرْدَاد وَإِن قُلْنَا الْعَامِل يملك بالظهور قَالَ الْقفال لَا زَكَاة عَلَيْهِ لِأَن ملكه يسْتَقرّ بِالْقِسْمَةِ وَقيل يخرج على قولي الْمَغْصُوب فَإِن قُلْنَا يجب فَالصَّحِيح أَن حوله من وَقت الظُّهُور وَقيل إِنَّه يجب بحول الأَصْل لِأَنَّهُ ربح وَفِي استبداد الْعَامِل بِإِخْرَاجِهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مُتَرَدّد بَين المؤونة أَو أَخذ طَائِفَة من المَال

النَّوْع الْخَامِس من الزَّكَاة زَكَاة الْمَعَادِن والركاز وَفِيه فصلان الأول فِي الْمَعَادِن وَالزَّكَاة وَاجِبَة على كل حر مُسلم نَالَ من الْمَعَادِن نِصَابا من النَّقْدَيْنِ وَمَا عدا النَّقْدَيْنِ فَلَا زَكَاة فِيهِ وَفِيه وَجه آخر أَنه يجب فِي كل مَعْدن وَأوجب أَبُو حنيفَة فِيمَا ينطبع تَحت المطارق وَالنَّظَر فِي أُمُور ثَلَاثَة الأول فِي قدر الْوَاجِب وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا ربع الْعشْر تَشْبِيها بِزَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالثَّانِي أَنه الْخمس تَشْبِيها بالركاز وَالثَّالِث أَن مَا يصادفه قَلِيلا مَعَ كَثْرَة الْعَمَل ربع الْعشْر وَمَا يصادفه مجموعا كثيرا بِالْإِضَافَة إِلَى الْعَمَل فَفِيهِ الْخمس وَمعنى كَثْرَة الْعَمَل أَن يكون النّيل بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ قَلِيلا فِي الْعَادة فَإِن عد زَائِدا على الْمُعْتَاد فالمقدار اللَّاحِق بالمعتاد فِيهِ ربع الْعشْر وَالزَّائِد عَلَيْهِ يخص

بالخمس الْأَمر الثَّانِي النّصاب وَهُوَ مُعْتَبر إِن أَوجَبْنَا ربع الْعشْر وَإِن أَوجَبْنَا الْخمس فَقَوْلَانِ لتردده بَين مشابه الْغَنَائِم فِي قدر الْوَاجِب ومشابه الزكوات فِي الْجِنْس فَإِن لم نعتبر النّصاب فَلَا حول وَإِن اعْتبر النّصاب فَفِي الْحول قَولَانِ وَاعْتِبَار الْحول مَعَ النّصاب لَا يبقي لإضافة الزَّكَاة إِلَى الْمَعَادِن وَجها فَإِن اعْتبرنَا النّصاب مِمَّا يتواصل من النّيل بِضَم بعضه إِلَى الْبَعْض كتلا حق الثِّمَار فِي سنة وَاحِدَة وَالْجَامِع هَاهُنَا اتِّصَال الْعَمَل فَلَو أعرض على عزم أَن لَا يعود فقد انْقَطع وَإِن ترك لإِصْلَاح آلَة لم يَنْقَطِع وَإِن كَانَ لعذر سفر أَو مرض فَوَجْهَانِ فرع إِذا وجد تِسْعَة عشر دِينَارا فَأَعْرض ثمَّ عَاد بعد مُدَّة وَوجد دِينَارا وَكَانَت التِّسْعَة عشر بَاقِيَة فَعَلَيهِ أَن يخرج وَاجِب هَذَا الدِّينَار لِأَنَّهُ كمل عِنْد النّيل بِمَا فِي ملكه وَأما التِّسْعَة عشر فِيهِ شئ فَلَا لِأَنَّهُ لم يكن نِصَابا كَامِلا ذَلِك الْوَقْت والكمال بعده لَا ينفع وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي ملكه سلْعَة للتِّجَارَة فيكمل بِهِ نِصَاب الْمَعَادِن ويكمل سلْعَة

التِّجَارَة بِمَال الْمَعَادِن إِذا وجد مَعَ آخر حول التِّجَارَة وَقُلْنَا الْمُعْتَبر آخر الْحول لِأَن زَكَاة النَّقْدَيْنِ وَالتِّجَارَة والمعدن متداخلة فِي الْمَعْنى فينبني بَعْضهَا على الْبَعْض وَإِن كَانَت قد تخْتَلف فِي شَرط النّصاب والحول وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَن دِينَار الْمَعْدن لَا يكمل إِلَّا بِمَا يجب فِيهِ زَكَاة الْمَعْدن مَعَه الْأَمر الثَّالِث أَنه لَا يجب إِخْرَاج الْوَاجِب قبل التنقية كَمَا فِي الْحُبُوب ثمَّ لَا يُجزئهُ إِخْرَاج التُّرَاب الْمَخْلُوط فَإِن مَقْصُوده مَجْهُول فرع للْمُسلمِ أَن يزعج الذِّمِّيّ من معادن دَار الْإِسْلَام إِذا انْتهى إِلَيْهِ وَلَكِن مَا ناله بالمبادرة ملكه كالصيد والحشيش وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا قُلْنَا على وَجه بعيد أَن مصرف واجبه الْفَيْء على قَول إبجاب الْخمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس

الْفَصْل الثَّانِي فِي الرِّكَاز وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرِّكَاز الْخمس وَهُوَ وَاجِب فِي الْحَال من غير اعْتِبَار حول بِخِلَاف الْمَعْدن فَإِن فِيهِ قولا بَعيدا وَلَكِن للركاز شُرُوط الأول أَن يكون من جوهري النَّقْدَيْنِ وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي كل جنس اعْتِبَارا بالمغانم الثَّانِي أَن يكون نِصَابا تَشْبِيها بالزكوات وَفِيه قَول قديم أَن الْقَلِيل يُخَمّس كالغنيمة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو كنت أَنا الْوَاجِد لخمست الْقَلِيل وَالْكثير وَلَو وجدت فخارة لخمستها وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الِاحْتِيَاط فرع إِذا وجد مائَة دِرْهَم لم يجب الْخمس على الْجَدِيد فَلَو وجد مائَة أُخْرَى بعد ذَلِك وَالْمِائَة الأولى بَاقِيَة فِي ملكه أَو ملك مائَة أُخْرَى من مَال تِجَارَة أَو نقد وَجب الْخمس فِي مائَة

الرِّكَاز وكمل نصابه بِمَا لَيْسَ بركاز كَمَا ذكرنَا فِي الْمَعَادِن وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه إِن كَانَ فِي ملكه نِصَاب كَامِل فِي النَّقْدَيْنِ سوى الرِّكَاز وَقد تمّ عَلَيْهِ الْحول وَجب الْخمس فِي هَذِه الْمِائَة تكميلا لَهَا بِمَا هُوَ مَحل الْوُجُوب وَإِن وجد قبل حولان الْحول فَلَا يكمل بِهِ وَإِن وجد عِنْد حولان الْحول وَلَكِن كَانَ النّصاب نَاقِصا فالمنصوص فِي الْأُم أَنه يكمل بِهِ الرِّكَاز وحكوا وَجها آخر أَنه لَا يكمل لنُقْصَان النّصاب وَهَذِه الطَّرِيقَة جَارِيَة فِي الْمَعَادِن وَإِن لم نحكها ثمَّ الثَّالِث أَن يكون عَلَيْهِ ضرب الْجَاهِلِيَّة فَلَو كَانَ على ضرب الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة وَقيل إِن الإِمَام يحفظها كحفظ الْأَمْوَال الضائعة لِأَن اللّقطَة مَا هُوَ بصدد الضّيَاع وطرد هَذَا فِي الثَّوْب الذى تلقيه الرّيح فِي دَار إِنْسَان فَإِنَّهُ لَيْسَ معرضًا للضياع وَلَو انْكَشَفَ الرِّكَاز بسيل جارف ألحق باللقطة على مساق هَذَا الْمَعْنى فَأَما إِذا احْتمل أَن يكون من ضرب الْإِسْلَام وَالْكفْر جَمِيعًا كالأواني والحلى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لقطَة وَالثَّانِي أَنه ركاز

الشَّرْط الرَّابِع أَن يُوجد فِي مَوضِع مُشْتَرك كموات وشارع فَإِن وجد فِي عمرَان دَار الْحَرْب فَهُوَ غنيمَة أَو فَيْء وعَلى اخْتِلَاف الْحَال فِي إيجَاف خيل وركاب أَو عَدمه وَإِن وجده فِي ملك نَفسه نظر فَإِن كَانَ يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلهُ الْأَخْذ وَلَكِن يملك بِالْإِحْيَاءِ أم بِالْأَخْذِ فِيهِ وَجْهَان فعلى وَجه لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَجزَاء الأَرْض بِخِلَاف الْمَعَادِن وَإِن كَانَ الْملك قد انْتقل إِلَيْهِ من غَيره فَإِن قُلْنَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَعَلَيهِ طلب المحيي وَإِلَّا فَهُوَ لقطَة أَو مَال ضائع وَإِن قُلْنَا لَا يملك بِالْإِحْيَاءِ فَلَا شكّ فِي أَن المحيي أولى بِهِ وَلَا يبطل اخْتِصَاصه بِالْبيعِ فَلَا يملكهُ الْوَاجِد وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَإِنَّهُ يشبه بِمَا لَو عشش طير فِي دَاره فَأَخذه غير صَاحب الدَّار وَفِي ملكه خلاف فرع لَو تنَازع البَائِع وَالْمُشْتَرِي والمعير وَالْمُسْتَعِير وَقَالَ كل وَاحِد أَنا دفنت الرِّكَاز فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد فِي الْحَال فَإِن قَالَ الْمكْرِي بعد رُجُوع الدَّار إِلَى يَده أَنا كنت دَفَنته قبل الْإِجَارَة

لم يصدق على أحد الْوَجْهَيْنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ اعْترف بِثُبُوت يَد الْمُسْتَأْجر عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِدَعْوَى التَّقَدُّم الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون الْوَاجِد أَهلا لِلزَّكَاةِ فَلَا خمس على الذِّمِّيّ إِذا وجده إِلَّا على قَول بعيد أَن مصرف الْخمس الْفَيْء فَإذْ ذَاك يُؤْخَذ خمسه

النَّوْع السَّادِس زَكَاة الْفطر وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِي وَقت الْوُجُوب وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنه يجب بِأول جُزْء من لَيْلَة الْعِيد وَهُوَ وَقت الْغُرُوب آخر يَوْم من شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ مَنْسُوب إِلَى الْفطر وَهَذَا وقته وعَلى هَذَا لَو مَاتَ عَبده أَو وَلَده قبيل الْغُرُوب أَو ورث عبدا أَو ولد لَهُ بعد الْغُرُوب فَلَا فطْرَة عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ الثَّانِي أَنه يجب بِأول جُزْء من طُلُوع الْفجْر يَوْم الْعِيد لِأَن أثر الْفطر يظْهر فِي الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم

وَالثَّالِث أَنه لَا بُد من اعْتِبَار الْوَقْتَيْنِ فعلى هَذَا لَو زَالَ ملكه بعد الْغُرُوب وَعَاد قبل الطُّلُوع قبل الزَّوَال فَوَجْهَانِ الطّرف الثَّانِي فِي الْمُؤَدى عَنهُ والتحمل جَار فِي الْفطر لقَوْله أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون فتبعت الْفطْرَة النَّفَقَة وجهات تحمل النَّفَقَة ثَلَاثَة الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وكل قريب تجب نَفَقَته تجب فطرته إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ

إِحْدَاهمَا ابْن بَالغ لم يملك إِلَّا قوت يَوْمه فَقَط عَلَيْهِ لإعساره وَلَا على الْأَب لسُقُوط نَفَقَته فِي هَذَا الْيَوْم وَإِن كَانَ الابْن صَغِيرا قَالَ الصيدلاني تجب فطرته فَإِن حق الصَّغِير آكِد وَلذَلِك تتسلط الْأُم على الاستقراض لنفقة الصَّغِير دون الْكَبِير قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق فِي الْفطْرَة وَلَا فِي الاستقراض بل لَا تستقرض الْأُم دون إِذن السُّلْطَان بِحَال الثَّانِيَة فطْرَة زَوْجَة الْأَب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب كَالنَّفَقَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَن وجوب الإعفاف خَارج عَن الْقيَاس فيقصر على النَّفَقَة الَّتِى هى قدر الضَّرُورَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن الابْن يُؤَدِّي فطْرَة عبد أَبِيه إِذا

كَانَ مُسْتَغْرقا بِخِدْمَة أَبِيه فزوجة الْأَب أولى الْجِهَة الثَّانِيَة الزَّوْجِيَّة فَيجب على الزَّوْج الْحر الْمُوسر صَدَقَة الْفطر عَن زَوجته الْمسلمَة موسرة كَانَت أَو معسرة فَإِن كَانَ مُعسرا وَهِي موسرة قَالَ الشَّافِعِي الأولى لَهَا أَن تخرج عَن نَفسهَا وَلَا يتَبَيَّن لي إِيجَابهَا عَلَيْهَا وَنَصّ فِي الْأمة تَحت الزَّوْج الْمُعسر على أَن النَّفَقَة تجب على السَّيِّد فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج منشؤها التَّرَدُّد فِي أَن الزَّوْج أصل فِي الْوُجُوب أَو متحمل وَمِنْهُم من قرر النصين وَقَالَ مَالك الْيَمين أقوى فِي الْأمة من مالكته الْحرَّة وَلِهَذَا يلْزم الْحرَّة التَّمْكِين مُطلقًا وَلَا يجب على السَّيِّد تَسْلِيم الْأمة إِلَى زَوجهَا إِلَّا لَيْلًا وَإِن كَانَت موسرة تَحت مكَاتب فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يجب عَلَيْهَا لِأَن الْمكَاتب لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّة التَّحَمُّل فرعان الأول إِذا أخرج الزَّوْج زَكَاتهَا دون إِذْنهَا جَازَ فَإِنَّهُ مُخَاطب أصيلا كَانَ أَو متحملا وَإِن أخرجت هى فطْرَة نَفسهَا بِغَيْر إِذْنه لم يجز إِلَّا على قَوْلنَا إِن الزَّوْج متحمل

وَلَيْسَ بأصيل الْفَرْع الثَّانِي البائنة الْحَامِل تسْتَحقّ الْفطْرَة كَالنَّفَقَةِ وَقيل إِذا قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فَلَا فطْرَة الْجِهَة الثَّالِثَة ملك الْيَمين فَيجب إِخْرَاج الْفطْرَة عَن كل مَمْلُوك مُسلم بَاقٍ تَحت التَّصَرُّف أما الْكَافِر فَلَا فطْرَة لَهُ عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَأما العَبْد الْمُشْتَرك يجب فطرته على الشَّرِيكَيْنِ خلافًا لأبي حنيفَة وَمن نصفه حر وَنصفه عبد فَالْأَمْر بَينه وَبَين السَّيِّد على الشّركَة وَلَو جرت مُهَايَأَة واستهل هِلَال شَوَّال فِي نوبَة أَحدهمَا فَفِي اخْتِصَاص الْفطْرَة بِهِ وَجْهَان بِنَاء على أَن الْأُمُور النادرة هَل تدخل فِي الْمُهَايَأَة وَفِيه خلاف وَلَو اعْتبرنَا مَجْمُوع الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ وَقت الْغُرُوب فِي نوبَة أَحدهمَا وَوقت الطُّلُوع فِي نوبَة الآخر فَلَا سَبِيل إِلَّا الشّركَة وَأما نُفُوذ التَّصَرُّف احترزنا بِهِ عَن الْمكَاتب فَلَا يجب فطرته عَلَيْهِ لنُقْصَان حَاله وَلَا على السَّيِّد لسُقُوط النَّفَقَة وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب على السَّيِّد وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يجب على الْمكَاتب لِأَن إِسْقَاط فطرته مَعَ قدرته وقدرة السَّيِّد بعيد وَهُوَ أولى بِنَفسِهِ من السَّيِّد كَمَا فِي النَّفَقَة

أما من لَا ينفذ التَّصَرُّف فِيهِ بإباقة أَو كَونه مَغْصُوبًا أَو ضَالًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا كَسَائِر الزكوات فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِالْملكِ الضَّعِيف فِي الْمُسْتَوْلدَة وأطلقوا القَوْل بِوُجُوبِهِ فِي العَبْد الْمَرْهُون وَإِن احْتمل إِجْرَاء الْخلاف فِيهِ فروع ثَلَاثَة الأول العَبْد الْمُوصى بِهِ إِذا فرعنا على أَنه بعد موت الْمُوصي وَقبل الْقبُول ملك الْمَيِّت فَجرى الإهلال فَلَا زَكَاة وَذكر الفوراني وَجها أَنه يجب فِي مَال الْمَيِّت وَهَذَا يلْتَفت على تردد ذَكرْنَاهُ فِي مَال الْجَنِين لِأَن الْجَنِين مورده الْحَيَاة وَالْمَيِّت مصدره الْحَيَاة والاستصحاب كالاستعجال الثَّانِي إِذا غَابَ العَبْد وَانْقطع خَبره نَص على وجوب فطرته وَلَو أعْتقهُ عَن كَفَّارَة ظِهَار نَص على أَن الوقاع لَا يحل لَهُ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج لتقابل الْأَصْلَيْنِ وَقيل إِن الشَّافِعِي مَال إِلَى الِاحْتِيَاط فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

وَهَذَا فِيهِ نظر إِذا كَانَ انْقِطَاع الْخَبَر مَعَ تواصل الرفاق فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق عائق فَالْأَصْل بَقَاء العَبْد الثَّالِث نَفَقَة زَوْجَة العَبْد فِي كَسبه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فطرتها لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا لالتزام زَكَاة نَفسه فَلَا تحمل عَن غَيره وَالْمكَاتب إِن ألزمناه فطْرَة نَفسه ألزمناه فطْرَة زَوجته الطّرف الثَّالِث فِي صِفَات الْمُؤَدِّي وَالصِّفَات الْمَشْرُوطَة ثَلَاث الأولى الْإِسْلَام فَلَا زَكَاة على كَافِر إِلَّا فِي عَبده الْمُسلم وَزَوجته الْمسلمَة حَيْثُ يتَصَوَّر مسلمة تَحت كَافِر فِي دوَام النِّكَاح عِنْد اخْتِلَاف الدّين وَفِيهِمَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا تجب لِأَن الْمُؤَدِّي أصل وَهُوَ كَافِر وَالثَّانِي تجب لِأَنَّهُ متحمل وعَلى هَذَا تجزي دون النِّيَّة لتعذرها من الْكَافِر الصّفة الثَّانِيَة الْحُرِّيَّة فَلَا زَكَاة على رَقِيق إِلَّا على الْمكَاتب فِي رَأْي بعيد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمن نصفه حر وَجب عَلَيْهِ نصف صَاع وعَلى سَيّده الْبَاقِي وَيجب على الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي مَالهمَا الصّفة الثَّالِثَة الْيَسَار وَهُوَ مُعْتَبر فِي وَقت الْوُجُوب فَلَو كَانَ مُعسرا ثمَّ أيسر ضحوة الْعِيد مثلا فَلَا زَكَاة بِخِلَاف الْكَفَّارَة فَإِن الْأَظْهر أَن الْعَاجِز عَن جَمِيع الْخِصَال إِذا جرى عَلَيْهِ سَبَب الْكَفَّارَة اسْتَقر فِي ذمَّته إِلَى الْيَسَار لِأَن الْيَسَار ثمَّ اعْتبر للْأَدَاء وَسبب الْوُجُوب الْجِنَايَة وَهَاهُنَا الْيَسَار أولى بِأَن يَجْعَل سَببا للْوُجُوب من الْوَقْت

وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب الْكَفَّارَة كالفطرة وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْأَعرَابِي والمعني باليسار أَن يفضل عَن قوته وقوت من يقوته فِي يَوْمه ذَلِك صَاع وَاحِد وَذَلِكَ بِعَدَد سِتّ ثوب يَلِيق بِهِ ومسكن يسكن فِيهِ وَعبد يَخْدمه إِن كَانَ مثله مِمَّن يخْدم وَالْعَبْد والمسكن يباعان فِي الدُّيُون للآدميين وَلَكِن الْحَاجة إِلَيْهِ تمنع ابْتِدَاء الْوُجُوب لِأَن الِابْتِدَاء أَضْعَف وَلذَلِك يدْفع ابْتِدَاء الْفطْرَة بِالدّينِ كَمَا يدْفع بِالْحَاجةِ إِلَى نَفَقَة الْأَقَارِب فِي ذَلِك الْيَوْم وَإِن كَانَ لَا يدْفع سَائِر الزكوات فِي ابتدائها بِالدّينِ على قَول فروع أَرْبَعَة الأول لَو كَانَ الْفَاضِل صَاعا وَاحِدًا وَله عبد مستغن عَن خدمته صرف الصَّاع إِلَى نَفسه وَهل يلْزمه أَن يَبِيع جُزْءا من العَبْد فِي فطْرَة العَبْد فِيهِ ثَلَاثَة

أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اتِّحَاد الْمخْرج والمخرج عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يجب وَلَا بَأْس بالاتحاد وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل وَإِن لم يكن محكيا على هَذَا الْوَجْه أَنه إِن استغرق الصَّاع قِيمَته فَلَا يخرج وَإِن كَانَ عشرَة مثلا يَشْتَرِي بِتِسْعَة أعشار صَاع فليخرجه عَن الْبَاقِي بعد بيع الْعشْر لِأَن من لَا يملك إِلَّا تِسْعَة أعشار عبد يلْزمه تِسْعَة أعشار صَاع فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الِاتِّحَاد الْمَحْذُور الثَّانِي لَو فضل عَن قوته نصف صَاع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب إِخْرَاجه لِأَن الميسور لَا يسْقط بالمعسور كَمَا إِذا وجد بعض السَّاتِر للعورة الثَّانِي أَنه لَا يجب كبعض الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة وَالأَصَح الْفرق لِأَن الرَّقَبَة لَهَا بدل وَأما بعض الصَّاع فَيُشبه مَا لَو وجد بعض مَا يستر الْعَوْرَة

الثَّالِث إِذا فضل صَاع وَاحِد وَمَعَهُ زَوجته وأقاربه فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه يخرج عَن نَفسه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول وَالثَّانِي أَنه يبْدَأ بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حكم دين وَالثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين نَفسه وَبَين غَيره وعَلى هَذَا لَو وزع وَقُلْنَا إِخْرَاج بعض الصَّاع لَا يجب لم يجز التَّوْزِيع وَإِن قُلْنَا يجب ذَلِك وَيَقَع زَكَاة فهاهنا وَجْهَان وَالْفرق أَن هَاهُنَا لَا ضَرُورَة إِلَى التجزئة بِخِلَاف مَا إِذا لم يجد إِلَّا نصف صَاع الرَّابِع لَو أخرج فطْرَة نَفسه وَفضل صَاع وازدحم جمع مِمَّن يقوتهم يقدم من يقدم بِالنَّفَقَةِ فَإِن اسْتَويَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا التَّخْيِير وَالْآخر التقسيط الطّرف الرَّابِع فِي الْوَاجِب وَهُوَ صَاع مِمَّا يقتات والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالبغدادي

والقوت كل مَا يجب فِيهِ الْعشْر وَلَو كَانَ الأقط قوت طَائِفَة فَفِي إِخْرَاج صَاع مِنْهُ قَولَانِ مأخذهما التَّرَدُّد فِي صِحَة الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ فَإِن صَحَّ فاللبن والجبن فِي مَعْنَاهُ دون المخيض وَالسمن لِأَن الاقتيات باجتماعهما وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِي اللَّحْم من حَيْثُ إِن اللَّبن عصارته وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَا يقوت ثمَّ لَا يجْرِي المسوس والمعيب من هَذِه الْأَجْنَاس وَلَا الدَّقِيق فَإِنَّهُ بدل

وَذكر بعض الْأَصْحَاب فِي كَونه أصلا قَوْلَيْنِ وَهل يتَعَيَّن أحد الْأَجْنَاس فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا لوُرُود الْخَبَر بِلَفْظ التَّخْيِير وَهُوَ ضَعِيف لِأَن المُرَاد بِهِ التنويع وَالثَّانِي أَن الْمُعْتَبر قوته كَمَا يعْتَبر فِي الزَّكَاة مَاشِيَته وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يعْتَبر الْغَالِب من قوت الْبَلَد فِي وَقت وجوب الْفطْرَة لَا فِي جَمِيع السّنة ثمَّ إِذا تعين جنس تفرع عَنهُ ثَلَاثَة فروع الأول أَنه لَو أخرج جِنْسا أشرف مِمَّا عَلَيْهِ كالبر بدل الشّعير يُجزئهُ وَلَو أخرج الأردأ لَا يُجزئهُ وَالْبر أشرف من التَّمْر فِي غَرَض الاقتيات فَلَا ينظر إِلَى الْقيمَة وَالتَّمْر أشرف من الزَّبِيب وَفِي الزَّبِيب مَعَ الشّعير تردد وَلَو وَجب الشّعير فَأخْرج نصف صَاع من الشّعير وَنصف صَاع من الْبر لم يجز على أحد الْوَجْهَيْنِ لما فِيهِ من التنويع الثَّانِي لَو كَانَ يَلِيق الْبر بِحَالهِ فَكَانَ يتَنَاوَل الشّعير بخلا لزمَه الْبر وَلَو كَانَ يَلِيق بِهِ الشّعير وَكَانَ يتَنَاوَل الْبر توسعا فَفِي أَخذ الشّعير وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُؤْخَذ نظرا إِلَى اللَّائِق بِهِ الثَّالِث إِذا اخْتلف قوت السيدين فِي العَبْد الْمُشْتَرك قَالَ ابْن سُرَيج يُكَلف من قوته أردأ أَن يُوَافق الآخر ليتحد النَّوْع فَإِن العَبْد مُتحد وَقَالَ ابْن الْحداد لَا يُبَالِي بالتنويع لأجل الضَّرُورَة

وَلَا خلاف فِي أَن الْكَفَّارَات لَا يركب آحادها من الصّيام وَالْإِطْعَام إِلَّا كَفَّارَة الصَّيْد فَإِن الْجَمَاعَة إِذا اشْتَركُوا لَزِمَهُم جَزَاء وَاحِد وَلَا يلْزمهُم التوافق فِي الطَّعَام أَو الصّيام نعم لَو اتَّحد الْقَاتِل والمقتول فَفِي جَوَاز التنويع وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن هَذِه الْكَفَّارَة متبعضة بِالْجِنَايَةِ على أَطْرَاف الصَّيْد

= كتاب الصّيام = وَلَا خَفَاء بِكَوْنِهِ من أَرْكَان الشَّرْع وَالنَّظَر فِيهِ يحصره قِسْمَانِ الأول فِي نفس الصَّوْم وَالثَّانِي فِي مُوجبَات الْإِفْطَار ومبيحاته

الْقسم الأول فِي نفس الصَّوْم وَالنَّظَر فِي سَببه وركنه وَشَرطه وسننه القَوْل فِي السَّبَب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته وَإِن غم عَلَيْكُم فاستكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ يَوْمًا فرؤية الْهلَال سَبَب الْوُجُوب وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي طَريقَة مَعْرفَته وأقصاه بعد العيان شَهَادَة عَدْلَيْنِ سَوَاء كَانَت السَّمَاء مضحية أَو لم تكن

وَهل يقبل قَول وَاحِد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا فِي هِلَال شَوَّال وَالثَّانِي يقبل إِن كَانَ على صِفَات الشُّهُود لما رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ ترَاءى النَّاس الْهلَال فرأيته وحدي فَشَهِدت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ وَلِأَن فِيهِ احْتِيَاطًا لأمر الْعِبَادَة بِخِلَاف شَوَّال وعَلى هَذَا لَو شهد وَاحِد

واستكملنا ثَلَاثِينَ فَلم ير هِلَال شَوَّال فَفِي الْإِفْطَار وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن أول الشَّهْر إِذا ثَبت بقوله فالآخر ثَبت ضمنا لَا قصدا فَكَانَ كالنسب الذى يثبت ضمنا للولادة بقول مُجَرّد النِّسَاء وَلَو شهد عَدْلَانِ وَكَانَت السَّمَاء مضحية لَيْلَة الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَلم ير لم نجز الْإِفْطَار على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ قَول العدلين اجْتِهَاد وَهَذَا يَقِين فَلَا يعْمل مَعَه وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي صفة الروَاة فَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة وَكَانَ هَذَا من قبيل الْإِخْبَار فرع هَل يثبت الْهلَال بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة إِن قُلْنَا إِنَّه من قبيل الْإِخْبَار يثبت وَإِن قُلْنَا شَهَادَة تبنى على أَن حق الله هُوَ يثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَفِيه خلاف الْأَمر الثَّانِي عُمُوم حكم الْهلَال فَإِذا رأى فِي مَوضِع فَهَل يتَعَدَّى حكمه إِلَى سَائِر الْبِلَاد فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَن منَاط التَّعَبُّد أَن يصير مرئيا ببعده عَن الشَّمْس وَلَو فِي مَوضِع وَاحِد وَالثَّانِي لَا بل مناطه أَن يصير مرئيا فِي قطر الْمُكَلّفين وَذَلِكَ يخْتَلف بالبلاد وعَلى هَذَا لَا ضبط إِلَّا مَسَافَة الْقصر فَإِن تحكم المنجم قَبِيح شرعا فرع لَو رأى الْهلَال ببلدة وسافر إِلَى بَلْدَة أُخْرَى واستكمل الثَّلَاثِينَ وَلم ير النَّاس الْهلَال

فَإِن قُلْنَا الحكم يعم فَلهُ الْإِفْطَار وعَلى النَّاس مُوَافَقَته إِن ثَبت عِنْدهم عَدَالَته وَإِن قُلْنَا لكل بقْعَة حكمهَا فَعَلَيهِ مُوَافقَة الْقَوْم وَلَو أصبح معيدا مُفطرا فجرت بِهِ السَّفِينَة إِلَى قطر لم ير بِهِ الْهلَال قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يلْزمه الِامْتِثَال تشبها إِن لم نعمم الحكم وَفِيه بعد لما فِيهِ من تبعيض الْيَوْم الْوَاحِد الْأَمر الثَّالِث وَقت تَأْثِير الْهلَال اللَّيْل فَلَو رأى هِلَال شَوَّال نَهَارا لم يفْطر إِلَى الْغُرُوب سَوَاء رأى قبل الزَّوَال أَو بعده وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن رأى قبل الزَّوَال أفطر

القَوْل فِي ركن الصَّوْم وَهُوَ النِّيَّة والإمساك الرُّكْن الأول النِّيَّة فَيجب على الصَّائِم فِي رَمَضَان أَن يَنْوِي لكل يَوْم نِيَّة مُعينَة مبيتة جازمة وَفِي الرابطة قيود فَلْيتَأَمَّل أما قَوْلنَا يَنْوِي خَالَفنَا فِيهِ زفر وَقَوْلنَا لكل يَوْم خَالَفنَا فِيهِ مَالك إِذا اكْتفى فِي رَمَضَان بنية وَاحِدَة وَأما قَوْلنَا مُعينَة خَالَفنَا فِيهِ أَبُو حنيفَة إِذْ قَالَ لَو نرى قَضَاء أَو نذرا أَو تَطَوّعا انْعَقَد عَن رَمَضَان وَعِنْدنَا يلْزمه أَن يَقُول بِقَلْبِه أؤدي اإذا فرض صَوْم رَمَضَان فالتعرض للْأَدَاء لَا بُد مِنْهُ وَفِي الْفَرْضِيَّة خلاف وَمِنْهُم من زَاد أَن يَقُول رَمَضَان هَذِه السّنة وَهُوَ

فَاسد فَإِن فِي الْأَدَاء غنية عَنهُ وَالْمرَاد من النِّيَّة قصد الْقلب إِلَى الصَّوْم الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات بعد كَونه حَاضرا فِي الذِّهْن وَأما اللَّفْظ فَلَا أثر لَهُ وَأما قَوْلنَا مبيتة خَالَفنَا فِيهِ أَيْضا أَبُو حنيفَة وَيَعْنِي بِهِ أَنه يَنْوِي لَيْلًا وَلَا يتَعَيَّن لَهُ النّصْف الْأَخير على الْمَذْهَب وَلَا يبطل بِالْأَكْلِ بعده وَلَا يجب تَجْدِيد النِّيَّة إِن تنبه من النّوم على الْمَذْهَب وَلَو بِصُورَة الْقُدْرَة على أَن تقترن النِّيَّة بِأول جُزْء من الْيَوْم وَفِي صِحَّته وَجْهَان لوُرُود لفظ التبييت

أما التَّطَوُّع فَيصح بنية قبل الزَّوَال للْخَبَر وَفِيمَا بعد الزَّوَال قَولَانِ أَحدهمَا نعم ترغيبا فِي تَكْثِير النَّوَافِل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ ورد الْخَبَر فِيمَا قبل الزَّوَال والمعظم بَاقٍ فَلَا يكون مَا بعده فِي مَعْنَاهُ وَلَا مرد للتنصيف إِلَّا الزَّوَال وَإِن كَانَ مَا قبل الزَّوَال أَكثر ثمَّ قيل إِن الْعِبَادَة تحصل من وَقت النِّيَّة وَلَكِن الْإِمْسَاك فِيمَا قبله شَرط

وَلَو تقدم الْكفْر وَالْحيض ثمَّ زَالا ففى صِحَة الصَّوْم خلاف لِأَن ذَلِك لَا يبطل مَقْصُود الصَّوْم من الخواء لِأَن مَقْصُوده الخوى والطوى فرع لَا يبطل الصَّوْم بِمُجَرَّد نِيَّة الْخُرُوج على أحد الْوَجْهَيْنِ إِذْ لَيْسَ لَهُ عقد وَحل يرتبط بِالْقَصْدِ فَلَو كَانَ صَائِما قَضَاء فَنوى أَن يقبله نذرا وَقُلْنَا إِن نِيَّة الْخُرُوج تُؤثر بَطل الْقَضَاء وَلم يحصل النّذر وَهل يبْقى تَطَوّعا فِيهِ وَجْهَان أما قَوْلنَا جازمة أردنَا أَن النِّيَّة المرددة بَاطِلَة إِلَّا إِذا كَانَ لَهَا مُسْتَند والمردد أَن يَقُول لَيْلَة الشَّك أَصوم غَدا إِن كَانَ من رَمَضَان وَكَانَ من رَمَضَان لم يعْتد بصومه وَلَو كَانَ لَهُ مُسْتَند وَهُوَ مَعَ ذَلِك شَاك جَازَ والمستندات ثَلَاثَة الأول عَلامَة صَحِيحَة شرعا كَقَوْل شَاهِدين عَدْلَيْنِ أَو شَاهد وَاحِد إِن حكمنَا بِهِ أَو معرفَة تسيير الْأَهِلّة

وَأما قَول الصبية وَالْعَبْد وَإِن أبان ظنا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ شرعا وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا وَاقْتضى الْحساب الرُّؤْيَة فَفِي وُجُوبه على من عرف الْحساب وَجْهَان الثَّانِي الِاسْتِصْحَاب وَهُوَ أَن يَنْوِي كَذَلِك لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان صَحَّ لِأَن الأَصْل بَقَاء الشَّهْر واستصحاب الْأُصُول من الْقَوَاعِد الثَّالِث الِاجْتِهَاد فِي حق الْمَجُوس فِي مطمورة بإجراء الْفِكر فِي التواريخ

الْمَعْلُومَة فَإِذا غلب على ظَنّه نوى وَلم يضرّهُ التَّرَدُّد ثمَّ إِن وَقع شَوَّال وَمَا بعده لم يلْزمه الْقَضَاء بل أَجزَأَهُ مَا جَاءَ بِهِ وَلَكِن كَانَ أَدَاء لَهُ وَكَأن الشَّهْر بدل فِي حَقه للضَّرُورَة أَو هُوَ قَضَاء فِيهِ قَولَانِ وَفَائِدَة كَونه أَدَاء أَن ذَلِك الشَّهْر لَو خرج تسعا وَعشْرين وَكَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ فيكفيه ذَلِك وَإِن وَقع فِي شعْبَان فَمَا قبله فَإِن قُلْنَا إِن الْمُؤخر أَدَاء فَهَذَا يُجزئهُ وَإِن قُلْنَا قَضَاء فَلَا يعقل الْقَضَاء قبل الْوَقْت وَهَذَا إِذا لم يدْرك رَمَضَان فَإِن أدْرك وانكشف الْحَال لزمَه مَا أدْرك من رَمَضَان بِكُل حَال

الرُّكْن الثَّانِي الْإِمْسَاك عَن المفطرات والمفطرات ثَلَاثَة دُخُول دَاخل وَخُرُوج خَارج وجماع أما الْجِمَاع فحده مَعْلُوم وَأما الْخَارِج فالاستمناء قصدا والاستقاء قصدا وَقيل إِن الاستقاء من قبيل دُخُول دَاخل لِأَنَّهُ لَا يخلوا من رُجُوع شئ إِلَى الْبَاطِن وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قاء أفطر أَي استقاء وَمن ذرعه الْقَيْء لم يفْطر أما دُخُول الدَّاخِل فالضبط فِيهِ أَن كل عين وصل من الظَّاهِر إِلَى الْبَاطِن فِي منفذ مَفْتُوح عَن قصد مَعَ ذكر الصَّوْم فَهُوَ مفطر وَفِي الرابطة قيود أما قَوْلنَا كل عين جَمعنَا بِهِ مَا يعْتَاد أكله ومالا يعْتَاد أكله كالحصاة وَالْبرد وَخَالف فِي ذَلِك بعض الْعلمَاء

وَقُلْنَا وصل جَمعنَا بِهِ مَا ينْفَصل عَن الظَّاهِر وَمَا يبْقى طرفه باديا كَمَا لَو وجأ بالسكين الْبَطن وإرسال خيط فِي الْحلق مَعَ الاستمساك بطرفه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحصل الْإِفْطَار بِهِ وَأما الْبَاطِن عنينا بِهِ كل مَوضِع مجوف فِيهِ قُوَّة محيلة للدواء والغذاء كداخل القحف والخريطة وداخل الْبَطن والأمعاء والمثانة والسعوط والحقنة مفطران والاكتحال لَا يفْطر وَفِيمَا يصل إِلَى الإحليل وَجْهَان وَالصَّحِيح أَن تقطير الدّهن فِي الْأذن لَا يضر والاحتجام والفصد والوجاء بالسكين فِي الفخد لَا يفْطر إِذْ لم يصل إِلَى الْجوف وَأما قَوْلنَا فِي منفذ مَفْتُوح احترزنا بِهِ عَمَّا يصل إِلَى الدِّمَاغ أَو الْبَطن إِذا

طلي بالدهن فَإِن ذَلِك يشرب بالمسام فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يكون جِرَاحَة شاقة فَإِذا نزل عين الدَّوَاء إِلَى الْجوف أفطر أما قَوْلنَا عَن قصد المعني بِهِ أَن من طارت ذُبَابَة إِلَى جَوْفه أَو وجئ بالسكين دون رِضَاهُ أَو ضبطت الْمَرْأَة وجومعت أَو وصل غُبَار الطَّرِيق وغربلة الدَّقِيق إِلَى بَاطِنه أَو أوجر وَهُوَ مكره أَو نَائِم أَو مغمى عَلَيْهِ فَلَا يفْطر إِلَّا أَن يقْصد معالجة الْمغمى عَلَيْهِ فِي إيجاره فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه روعي مصلحَة فَنزل منزلَة تعاطيه وَيخرج عَن رِعَايَة الْقَصْد النّظر فِي الرِّيق وَمَاء الْمَضْمَضَة والنخامة وَبَقِيَّة الطَّعَام فِي خلال الْأَسْنَان وَسبق الْمَنِيّ والقيء أما الرِّيق فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ إِلَّا إِذا أخرج من الْفَم وَأعَاد إِلَيْهِ وَلَو جمع قصدا ثمَّ ابتلعه فَوَجْهَانِ

قَالَ الشَّافِعِي وأكره العلك فَإِنَّهُ يحلب الْفَم فَأَشَارَ إِلَى جمع الرِّيق والخياط إِذا بَلل الْخَيط ثمَّ رده إِلَى فِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب أفطر وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا أثر لذَلِك فَإِنَّهُ ينقص عَمَّا يبْقى فِي الْفَم بعد الْمَضْمَضَة وَلَو أخرج لسنه من فِيهِ وعَلى طرفه ريق ثمَّ أعَاد فَلَا بَأْس قطعا وَلَو خرج من اللثة دم فابتلع أَو ابتلع سنا يسْقط أفطر أما النخامة فَإِنَّهَا تبرز من ثقبة نَافِذَة من الدِّمَاغ إِلَى أقْصَى الْفَم فَإِن جرى إِلَى الْبَاطِن بِغَيْر اخْتِيَاره لم يفْطر وَإِن رده إِلَى فضاء الْفَم ثمَّ ازْدَردهُ قصدا أفطر وَإِن قدر على قِطْعَة من مجْرَاه وَدفعه عَن الجريان وَتَركه حَتَّى جرى بِنَفسِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يكلفه ذَلِك وَمِنْهُم من كلفه لقدرته

وَأما سبق المَاء فِي الْمَضْمَضَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يفْطر كسبق الذُّبَاب عِنْد فتح الْفَم وَالثَّانِي يفْطر لِأَن التحفظ فِيهِ مُمكن وَلَو بَالغ فَقَوْلَانِ مرتبان وَالظَّاهِر الْإِفْطَار لِأَن وُصُول المَاء فِيهِ لَيْسَ بنادر أما بَقِيَّة الطَّعَام فِي خلل الْأَسْنَان فَإِن قصر فِي تَخْلِيل الْأَسْنَان فَهُوَ كصورة الْمُبَالغَة وَإِن لم يقصر فَهُوَ كغبار الطَّرِيق أما الْمَنِيّ فَإِن خرج بالاستمناء فَهُوَ مفطر وَإِن خرج بِمُجَرَّد الْفِكر وَالنَّظَر فَلَا لِأَن الْحجر فِيهِ عسر فَإِن خرج بالقبلة والمعانقة مَعَ حَائِل فَهُوَ كالمضمضة وَإِن كَانَ غير حَائِل وَخرج بالمضاجعة فَهُوَ كالمبالغة ثمَّ قَالَ الْعلمَاء لَا تكره الْقبْلَة فِي الصَّوْم لمن يملك إربه كالشيخ الْهم وَيكرهُ للشاب كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل نِسَاءَهُ وَهُوَ صَائِم

وَأما الْقَيْء وَسَبقه فَهُوَ كالمني إِلَّا إِذا قُلْنَا إِنَّه إِنَّمَا يفْطر لرجوع شَيْء مِنْهُ إِلَى الْبَاطِن فَعِنْدَ ذَلِك لَو يحفظ لم يفْطر وَلَو اقتلع نحامة من بَاطِنه فَهَل يلْحق بالاستقاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مشبه بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن الاستقاء إِخْرَاج طَعَام عَن مقرة ثمَّ أقرب ضبط فِي الْفرق بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَن يُقَال المقتلع من مخرج الْخُلُو ظَاهر والمقتلع من مخرج الْحَاء بَاطِن هَذَا بَيَان فقد الْقَصْد حسا فَإِن فقد شرعا كَمَا فِي الْمُكْره على الْأكل فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا لَا يفْطر لسُقُوط قَصده شرعا وَالثَّانِي يفْطر لِأَن أثر الْإِكْرَاه فِي دَرْء المأثم وَأما قَوْلنَا مَعَ ذكر الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي للصَّوْم فَإِنَّهُ إِذا أكل مرّة أَو مرَارًا كثيرا أَو قَلِيلا لم يفْطر لوُرُود الحَدِيث وَفِي جماع النَّاسِي خلاف سَيَأْتِي وَأما الغالط فَيلْزمهُ الْقَضَاء كمن ظن أَن الشَّمْس غاربة وَأَن الصُّبْح غير طالع فَأكل ثمَّ بَان خِلَافه لِأَنَّهُ ذَاكر الصَّوْم وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا غلط فِي أول النَّهَار لم يقْض لِأَنَّهُ مَعْذُور فِي اسْتِصْحَاب حكم اللَّيْل فَإِن قيل فَمَتَى يحل الْأكل قُلْنَا أما فِي آخر النَّهَار فَعِنْدَ الْيَقِين للغروب أَو عِنْد اعْتِقَاد قَطْعِيّ فِي حق الصَّائِم فَإِن ظن الْغُرُوب بأمارة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يجوز خِلَافه

قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق لَا يحل لَهُ الْأكل وَلَو أكل وَاسْتمرّ الْإِشْكَال لزمَه الْقَضَاء لِأَن دَرك الْيَقِين مُمكن فَلَا يتَغَيَّر الِاسْتِصْحَاب بِالِاجْتِهَادِ وَمن أَصْحَابنَا من جوز الْأكل بِالِاجْتِهَادِ أما فِي ابْتِدَاء النَّهَار فَيجوز بِالظَّنِّ وَلَا يجوز هجوما وَلَكِن لَو اسْتمرّ الْإِشْكَال فَلَا قَضَاء لِأَن الأَصْل بَقَاء اللَّيْل

فرع إِذا طلع الصُّبْح وَهُوَ مجامع فَنزع انْعَقَد صَوْمه خلافًا للمزني وَزفر لِأَنَّهُ بالنزع تَارِك للجماع وَلَو اسْتمرّ فسد الصَّوْم وَلَو أحرم مجامعا ثمَّ نزع فَفِي انْعِقَاد إِحْرَامه وَجْهَان من حَيْثُ إِن الْإِحْرَام دَاخل تَحت اخْتِيَاره فَإِن قيل وَكَيف يتَصَوَّر اتِّصَال النزع بالصبح وَلَا يحسن بالصبح إِلَّا بعد زمَان من طلوعه قُلْنَا مَا قبل إِمْكَان الإحساس لَا يتَعَلَّق بِهِ الحكم كالزوال عِنْد زِيَادَة الظل

القَوْل فِي شَرَائِط الصَّوْم وَهِي أَرْبَعَة ثَلَاثَة فِي الصَّائِم وَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل والنقاء عَن الْحيض فَلَا يَصح صَوْم كَافِر وَلَا مَجْنُون وَلَا حَائِض فِي بعض النَّهَار أَو كُله ثمَّ الْعقل زَوَاله بالجنون بانغماره بالإغماء واستتاره بِالنَّوْمِ أما النّوم فَلَا يضر وَإِن استغرق جَمِيع النَّهَار لِأَنَّهُ فِي حكم عقله يَزُول بالتنبه وَفِي إِلْحَاق مُسْتَغْرق النّوم بمستغرق الْإِغْمَاء وَجه بعيد وَأما الْجُنُون فَيفْسد طارئه ومقارنه وَفِي إِلْحَاق طارئه بطارئ الْإِغْمَاء وَجه بعيد وَأما الْإِغْمَاء فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا إِجْرَاء خَمْسَة أَقْوَال ثَلَاثَة منصوصة وَاثْنَانِ مخرجان أَحدهَا وَعَلِيهِ نَص هَاهُنَا أَن الْمُسْتَغْرق يفْسد فَإِن أَفَاق فِي جُزْء من النَّهَار لم يفْسد وَالثَّانِي وَعَلِيهِ نَص فِي الظِّهَار أَنه إِن كَانَ فِي أول النَّهَار مفيقا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّالِث أَن الْإِغْمَاء كالحيض وَالرَّابِع مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ أَن الْإِغْمَاء كالنوم فَلَا يضر وَإِن

استغرق وَالْخَامِس شَرط الْإِفَاقَة فِي طرفِي النَّهَار مُرَاعَاة لأوّل الْعِبَادَة وَآخِرهَا الطَّرِيقَة الثَّانِيَة الْقطع بِمَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ فِي الصَّوْم وَهُوَ اشْتِرَاط الْإِفَاقَة فِي لَحْظَة كَانَت وَتَأْويل بَقِيَّة النُّصُوص الشَّرْط الرَّابِع الْوَقْت الْقَابِل للصَّوْم وَهُوَ جَمِيع الدَّهْر إِلَّا يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق وَفِي الْقَدِيم قَول أَن الْمُتَمَتّع يَصُوم الْأَيَّام الثَّلَاثَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقيل إِنَّه لَا يقبل غَيره وَقيل إِنَّه كَيَوْم الشَّك أما يَوْم الشَّك فصومه

صَحِيح إِن وَافق وردا أَو قَضَاء وَإِن لم يكن لَهُ سَبَب فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ وَفِي صِحَّته وَجْهَان كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَيَعْنِي بِيَوْم الشَّك أَن يتحدث النَّاس بِرُؤْيَة الْهلَال وَلَا يثبت عِنْد القَاضِي وَإِن كَانَ على مَحل الْهلَال قزع سَحَاب وَلم يتحدث بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ بشك فِي الْبِلَاد الْكَبِيرَة وَأما فِي حق الرّفْقَة فِي السّفر والقرى الصَّغِيرَة فَلَا يبعد أَن يَجْعَل يَوْم الشَّك وَإِن كَانَ الْغَيْم مطبقا فَلَيْسَ بِيَوْم الشَّك

القَوْل فِي السّنَن وَهِي ثَمَانِيَة الأول تَعْجِيل الْفطر بعد تَيَقّن الْغُرُوب بِتَمْر أَو مَاء مُسْتَحبّ وَيَقُول عِنْد ذَلِك اللَّهُمَّ لَك صمت وعَلى رزقك أفطرت الثَّانِي تَأْخِير السّحُور مَعَ الِاسْتِظْهَار بِالْيَقِينِ وَقد كَانَ بَين تسحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَلَاة الصُّبْح قدر خمسين آيَة الثَّالِث إكثار الصَّدقَات وَتَقْدِيم الطَّعَام لإفطار الصائمين

الرَّابِع الِاعْتِكَاف لَا سِيمَا فِي الْعشْر الْأَخير لطلب لَيْلَة الْقدر الْخَامِس كَثْرَة تِلَاوَة الْقُرْآن فِي هَذَا الشَّهْر مَعَ كف اللِّسَان عَن أَنْوَاع الهذيان وَكَذَا كف النَّفس عَن جَمِيع الشَّهَوَات فَهُوَ معنى الصَّوْم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّوْم جنَّة وحصن حُصَيْن فَإِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم فَلَا يرْفث وَلَا يفسق فَإِذا شاتمه رجل فَلْيقل إِنِّي صَائِم السَّادِس ترك السِّوَاك بعد الزَّوَال فَإِنَّهُ يزِيل خلوف فَم الصَّائِم وَهُوَ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك السَّابِع تَقْدِيم غسل الْجَنَابَة على الصُّبْح وَلَو أصبح جنبا فَلَا بَأْس كَانَ رَسُول

الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من جماع أَهله الثَّامِن ترك الْوِصَال وَلَا تَزُول الْكَرَاهِيَة إِلَّا بِأَن يَأْكُل شَيْئا بِاللَّيْلِ وَإِن قل فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ وَاصل فِي الْعشْر الْأَخير فواصل عمر وَغَيره فنهاهم وَقَالَ وددت لَو مد لي الشَّهْر مدا ليَدع المتعمقون تعمقهم أيقوى أحدكُم على مَا أقوى عَلَيْهِ إِنِّي أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني

الْقسم الثَّانِي فِي مبيحات الْإِفْطَار وموجباته أما الْمُبِيح فالمرض وَالسّفر الطَّوِيل وَقد ذكرنَا حدهما فِي التَّيَمُّم وَالصَّلَاة ثمَّ الْمَرَض إِن طَرَأَ أَبَاحَ الْفطر وَإِن زَالَ قبل الْإِفْطَار لم يجز الْإِفْطَار بعده وَقيل إِنَّه يجوز أما السّفر إِذا طَرَأَ فِي أثْنَاء النَّهَار لم يفْطر خلافًا لمزني وَأحمد وَإِن قدم الرجل غير مفطر لم يجز لَهُ الْإِفْطَار وَإِن أصبح الْمُسَافِر على نِيَّة الصَّوْم فَلهُ الْإِفْطَار بِخِلَاف مَا إِذا شرع فِي الْإِتْمَام حَيْثُ لَا يجوز الْقصر وَالصَّوْم أولى من الْفطر فِي السّفر بِخِلَاف الْإِتْمَام فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن فِي

الْقصر خُرُوجًا عَن الْخلاف مَعَ بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْفطر يبقي الذِّمَّة مَشْغُولَة بِالْقضَاءِ وَأما خلاف دَاوُد فِي إِيجَاب الْفطر فَلَا يعْتد بِهِ وَمَا ورد من الْأَخْبَار فِي النَّهْي عَن الصّيام فِي السّفر أُرِيد بِهِ من يتَضَرَّر بِالصَّوْمِ

بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن أنس أَنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمنا الصَّائِم وَمنا الْمُفطر وَمنا الْقَاصِر وَمنا المتمم وَلم يعب بَعْضًا بَعْضًا

أما مُوجبَات الْإِفْطَار فَأَرْبَعَة الْقَضَاء والإمساك تشبها وَالْكَفَّارَة والفدية أما الْقَضَاء فَوَاجِب على كل مفطر وتارك بردة أَو سفر أَو مرض أَو إِغْمَاء أَو حيض وَلَا يجب على من ترك بجنون أَو صبي أَو كفر أُصَلِّي وَلَا فرق فِي الْجُنُون بَين مَا طبق الشَّهْر وَبَين مَا قصر عَنهُ فَمَا فَاتَ فِي أَيَّام الْجُنُون لَا يقْضى وَلَو أَفَاق فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَجْهَان وَمن لزمَه قَضَاء الشَّهْر فِي يلْزمه التَّتَابُع خلاف لمَالِك أما الْإِمْسَاك تشبها بالصائمين فَوَاجِب على كل مُتَعَدٍّ بالإفطار فِي شهر رَمَضَان وَلَا يجب فِي غير رَمَضَان وَلَا على من أُبِيح لَهُ الْفطر إِبَاحَة حَقِيقِيَّة

كالمسافر وَالْمَرِيض وَإِن زَالَ عُذْرهمَا فِي بَقِيَّة النَّهَار خلافًا لأبي حنيفَة لِأَن الْإِمْسَاك نوع مُؤَاخذَة وَإِن أصبحا من غير نِيَّة فَزَالَ الْعذر قبل اتِّفَاق الْأكل فَفِي وجوب الْإِمْسَاك وَجْهَان فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِذْ لَا فرق بَين الْأكل وَترك النِّيَّة كَمَا فِي الْحَائِض فَأَما من أصبح يَوْم الشَّك مُفطرا ثمَّ بَان أَنه من رَمَضَان فَالْمَذْهَب وجوب الْإِمْسَاك لِأَنَّهُ مُخطئ وَالْكَفَّارَة تتَعَلَّق بِالْقَتْلِ الْخَطَأ وَحكى الْبُوَيْطِيّ قولا أَنه لَا إمْسَاك وَكَأن الْإِمْسَاك نتيجة المأثم أما الصَّبِي وَالْجُنُون وَالْكفْر إِذا زَالَ فِي أثْنَاء النَّهَار فَفِي وجوب الْإِمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْزمهُم لأَنهم أدركوا وَقت التَّشَبُّه إِن لم يدركوا وَقت الصَّوْم

لَا كالمسافر فَإِنَّهُ مترخص مَعَ كَمَال حَاله على بَصِيرَة وَالثَّانِي لَا يلْزم لِأَن وجوب الْإِمْسَاك يَنْفِي لُزُوم الصَّوْم وهولاء لم يلتزموا إِذْ لم يدركوا وَقت الْأَدَاء وَالثَّالِث أَن الْكَافِر يلْزمه دون الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَإِنَّهُ مُعْتَد بترك الصَّوْم مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ بتقدم الْإِسْلَام وَالرَّابِع أَن الصَّبِي مَعَ الْكَافِر يلْزمهُمَا لِأَن الصَّبِي مَأْمُور بِالصَّوْمِ وَهُوَ ابْن سبع ومضروب عَلَيْهِ وَهُوَ ابْن عشر ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب قَضَاء هَذَا الْيَوْم فِي حَقهم يبتنى على الْإِمْسَاك فَمن ألزم الْإِمْسَاك ألزم الْقَضَاء وَمن لَا فَلَا قَالَ الصيدلاني من أوجب الْإِمْسَاك اكْتفى بِهِ وَمن لَا يُوجب أوجب الْقَضَاء فرع من نوى التَّطَوُّع فِي رَمَضَان لم ينْعَقد تطوعه وَإِن كَانَ مُسَافِرًا أَو كَانَ قد أصبح لَيْلَة الشَّك غير ناو لِأَن الْوَقْت مُتَعَيّن للإمساك الْمَفْرُوض فِي حق من لَيْسَ مترخصا وَفِيه وَجه أَنه ينْعَقد أما الْكَفَّارَة فواجبة على كل من أفسد صَوْم يَوْم من رَمَضَان بجماع تَامّ أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم وَفِي الْحَد قيود أما قَوْلنَا أفسد احترزنا بِهِ عَن النَّاسِي إِذا جَامع فَإِنَّهُ لَا يفْطر على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَلَا يكفر وَمِنْهُم من خرج الْفطر على الْقَوْلَيْنِ فِي فَسَاد الْإِحْرَام بجماع النَّاسِي وَهُوَ

بعيد إِذْ إِلْحَاق الْجِمَاع بِالْأَكْلِ أولى من إِلْحَاقه باستهلاكات الْحَج ثمَّ إِن قُلْنَا الْفطر حَاصِل فَالظَّاهِر أَن الْكَفَّارَة لَا تجب لانْتِفَاء الْإِثْم وَفِيه وَجه لانتسابه إِلَى التَّقْصِير أما تقييدنا بِصَوْم رَمَضَان احترزنا عَن التَّطَوُّع وَالْقَضَاء وَالنّذر فَلَا كَفَّارَة فِيهَا أَثم الْمُفطر أَو لم يَأْثَم أما إضافتنا الْإِفْطَار إِلَى الْجِمَاع احترزنا بِهِ عَن الْمَرْأَة إِذا جومعت فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهَا أفطرت قبل الْجِمَاع بوصول أول جُزْء من الْحَشَفَة إِلَى بَاطِنهَا ولقصة الْأَعرَابِي وَنَصّ فِي الْإِمْلَاء على وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهَا ثمَّ اخْتلفُوا على قَول سُقُوط الْكَفَّارَة وَقيل إِن الْوُجُوب لَا يلاقيها أصلا

وَقيل يلاقيها وَلَكِن تندرج تَحت كَفَّارَة الزَّوْج فعلى هَذَا لَا ينْدَرج تَحت كَفَّارَة الزَّانِي لِأَن رابطة التَّحَمُّل الزَّوْجِيَّة فَيجب الْكَفَّارَة على الزَّانِيَة وَلَو كَانَ الزَّوْج مَجْنُونا لزمتها الْكَفَّارَة إِذْ لَا كَفَّارَة على الزَّوْج وَقيل يجب على الْمَجْنُون لِأَن مَاله يصلح للتحمل وَلَو كَانَت معسرة وواجبها الصَّوْم فَلَا سَبِيل للتحمل فيلزمها إِذْ الصَّوْم عبَادَة مَحْضَة وَلَو لَزِمَهَا الْإِطْعَام وَلزِمَ الزَّوْج الْإِعْتَاق فَفِي تَقْدِير الإدراج وَجْهَان لما بَينهمَا من اخْتِلَاف النَّوْع مَعَ اتِّحَاد جنس الْمَالِيَّة وَالْأمة إِذا وَطئهَا السَّيِّد فواجبها الصَّوْم فَهِيَ كالمعسرة وَالزَّوْج إِذا كَانَ مُسَافِرًا وَالْمَرْأَة حَاضِرَة فَلَا إدراج إِذْ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ مهما قصد التَّرَخُّص بالإفطار فَإِن لم يقْصد فَفِي وجوب

الْكَفَّارَة وَجْهَان الْأَصَح أَنَّهَا لَا تلْزم أما تقييدنا بِالْجِمَاعِ احترزنا بِهِ عَن الْأكل وَالشرب والاستمناء والإنزال بالتقبيل ومقدمات الْجِمَاع فَلَا كَفَّارَة فِيهَا وَقَالَ مَالك تجب بِكُل مفطر وَقَالَ أَبُو حنيفَة بِكُل مَقْصُود فِي جنسه وَقد أدرجنا تَحْتَهُ الزِّنَا وجماع الْأمة أما وَطْء الْبَهِيمَة والإتيان فِي غير المأتى فَالظَّاهِر تعلق الْكَفَّارَة بِهِ لِأَنَّهُ فِي معنى الْجِمَاع أما قَوْلنَا أَثم بِهِ لأجل الصَّوْم احترزنا بِهِ عَن الزَّانِي نَاسِيا إِذا قُلْنَا يفْطر وَمن أصبح مجامعا أَهله على ظن أَن الصُّبْح غير طالع إِذْ لَا كَفَّارَة إِلَّا على وَجه إِيجَابه على النَّاسِي وَكَذَا لَو أكل نَاسِيا فَظن فَسَاد صَوْمه فجامع لزمَه الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة للظن وَقد جَمعنَا بِهَذَا الْحَد مَا إِذا جَامع الْمُنْفَرد الْهلَال بعد رد شَهَادَته وَمَا إِذا جَامع فِي أَيَّام مرَارًا وَمَا إِذا جَامع ثمَّ أنشأ السّفر فالكفارة تجب فِي هَذِه الصُّور خلافًا لأبي حنيفَة فَأَما إِذا طَرَأَ بعد الْجِمَاع مرض أَو جُنُون أَو حيض فَفِي الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه يسْقط إِذْ بَان بِالآخِرَة أَن الصَّوْم لم يكن وَاجِبا وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهَا طرأت بعد فَسَاد الصَّوْم بِالْجِمَاعِ وَالثَّالِث أَنه يسْقط بطريان الْجُنُون وَالْحيض لِأَنَّهُمَا ينافيان الصِّحَّة وَفِي مَعْنَاهُمَا الْمَوْت بِخِلَاف الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الصِّحَّة وَقد حُكيَ طرد هَذِه الْأَقْوَال فِي طريان السّفر وَهُوَ بعيد فَإِنَّهُ غير مُبِيح أما كَيْفيَّة هَذِه الْكَفَّارَة فَهِيَ مرتبَة ككفارة الظِّهَار على مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَفِي وجوب قَضَاء الصَّوْم مَعَ الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب وَهُوَ الْقيَاس وَالثَّانِي لَا لقصة الْأَعرَابِي فَلَيْسَ فِيهَا أَمر بِالْقضَاءِ وَالثَّالِث إِن كفر بِالصَّوْمِ اندرج وَإِلَّا لزمَه الْقَضَاء وعمدة الْكَفَّارَة حَدِيث الْأَعرَابِي إِذْ جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينتف شعره وَيضْرب نَحره وَيَقُول هَلَكت وأهلكت واقعت أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أعتق رَقَبَة فَوضع يَده على سالفتيه وَقَالَ لَا أملك رَقَبَة غير هَذِه

فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ وَهل أتيت هَذَا إِلَّا من الصَّوْم فَقَالَ أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ وَالله مَا بَين لابتيها أفقر مني فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق من التَّمْر يسع خَمْسَة عشر صَاعا وَقَالَ تصدق بِهِ على الْفُقَرَاء قَالَ على أهل بَيت أفقر من أهل بَيْتِي فَأخذ الْأَعرَابِي التَّمْر وَولى وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبتسم

وَفِي الحَدِيث إشكالات أَحدهَا أَنه مهد عذره فِي ترك الصّيام بالغلمة المفرطة وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ وَالثَّانِي أَنه أَخذ لينفق على أهل بَيته فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز التَّفْرِقَة فِي الْكَفَّارَة على أهل الْبَيْت عِنْد الْفقر الثَّالِث أَنه لم يبين لَهُ اسْتِقْرَار الْكَفَّارَة فِي ذمَّته وَكَانَ عَاجِزا عَن جَمِيع الْخِصَال لَدَى الْجِمَاع وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ وَقَالُوا مَا يجب لله تَعَالَى يَنْقَسِم إِلَى مَا يجب لَا بطرِيق الْعقُوبَة والغرامة كَزَكَاة الْفطر فَإِذا اقْترن الْإِعْسَار بالاستهلال لم يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة وَمَا فِيهِ معنى الغرامة لَا ينْدَفع بِالْعَجزِ بل يثبت فِي الذِّمَّة كجزاء الصَّيْد وَأما الْكَفَّارَة فَفِيهَا وَجْهَان لترددها بَين الْقسمَيْنِ ثمَّ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يجوز للمظاهر أَن يُجَامع وَإِن كَانَ عَاجِزا فِي حَال الظِّهَار عَن جَمِيع الْخِصَال مَا لم يكفر فاستثنى كَفَّارَة الظِّهَار

وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَا فرق بَينهمَا فَإِن قيل وَمَا عذر من يُخَالف الحَدِيث قُلْنَا يرى أَن تَنْزِيل ذَلِك على تَخْصِيص الْأَعرَابِي أقرب من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس أما الْفِدْيَة فَهِيَ مد من الطَّعَام مصرفها مصرف الصَّدقَات ولوجوبها ثَلَاثَة طرق فقد يجب بَدَلا عَن نفس الصَّوْم وَقد يجب لفَوَات فَضِيلَة الْأَدَاء وَقد يجب لتأخير الْقَضَاء فَأَما الْوَاجِب عَن نفس الصَّوْم فَمن تعدى بترك الصَّوْم وَمَات قبل الْقَضَاء أخرج عَن تركته مد لكل يَوْم وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يَصُوم عَنهُ وليه

فَأَما من فَاتَهُ بِالْمرضِ وَلم يتَمَكَّن من الْقَضَاء حَتَّى مَاتَ فَلَا شئ عَلَيْهِ أما الشَّيْخ الْهَرم فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه الْفِدْيَة كَالْمَرِيضِ الدَّائِم الْمَرَض إِلَى الْمَوْت وَالثَّانِي يلْزمه لِأَنَّهُ لَيْسَ يتَوَقَّع زَوَال عذره بِخِلَاف الْمَرِيض فَإِنَّهُ عازم على الْقَضَاء

أما مَا يجب لفضيلة الْوَقْت فَهُوَ فِي حق الْحَامِل والمرضع إِذا أفطرتا خوفًا على ولديهما قضتا وأفدتا عَن كل يَوْم مدا كَذَلِك ورد الْخَبَر وَفِيه قَول آخر أَنه لَا يلْزمهُمَا كَالْمَرِيضِ وَفِيه قَول ثَالِث أَنه يجب على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا لَا تخَاف على نَفسهَا بِخِلَاف الْحَامِل فرعان أَحدهمَا العَاصِي بالإفطار هَل يلْزمه الْفِدْيَة مَعَ الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَيْسَ خَائفًا على نَفسه كالمرضعة بل حَاله أَسْوَأ مِنْهَا الثَّانِي لَا لِأَن الْفِدْيَة لَا تكفر عدوانه

الثَّانِي من رأى غَيره مشرفا على الْغَرق وَكَانَ لَا يتَوَصَّل إِلَى إنقاذه إِلَّا بِالْفطرِ فَلهُ الْفطر وَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه أفطر خوفًا على غَيره كالمرضعة وَوجه الْفرق أَن هَذَا نَادِر وَأما مَا يجب لتأخير الْقَضَاء فَمن فَاتَهُ صَوْم فَلَا يجوز لَهُ تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى السّنة الثَّانِيَة إِلَّا بِمَرَض دَائِم وَعذر مُسْتَمر فَلَو أخر مَعَ الْإِمْكَان عصى وَقضى وَأخرج لكل يَوْم مدا للْخَبَر وَلَو أخر سِنِين فَفِي تكَرر الْمَدّ بِعَدَد كل سنة وَجْهَان وَالشَّيْخ الْهم إِذا أخر الْمَدّ عَن السّنة الأولى فَفِي لُزُوم مد آخر للتأخير

وَجْهَان هَذَا حكم صَوْم الْفَرْض فَأَما صَوْم التَّطَوُّع فالإفطار فِيهِ جَائِز بِغَيْر عذر خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يكره دون عذر فِيهِ وَجْهَان أما صَوْم الْقَضَاء فَمَا يجب على الْفَوْر يلْزمه إِتْمَامه عِنْد الشُّرُوع وَمَا هُوَ على التَّرَاخِي فَيجوز الْإِفْطَار فِيهِ وَصَوْم التَّطَوُّع فِي السّنة صَوْم عَرَفَة وعاشوراء وتاسوعاء وَسِتَّة أَيَّام بعد عيد رَمَضَان وَفِي الشَّهْر الْأَيَّام الْبيض وَفِي الْأُسْبُوع الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَفِي الْجُمْلَة صَوْم الدَّهْر مسنون بِشَرْط الْإِفْطَار يَوْم الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق

= كتاب الِاعْتِكَاف = وَفِيه تمهيد وَثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع

الِاعْتِكَاف قربَة مسنونة وَلَا يلْزم إِلَّا بِالنذرِ وَأَحْرَى الْمَوَاقِيت بِهِ الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وابتداؤه عِنْد غرُوب الشَّمْس يَوْم الْعشْرين وَآخر هِلَال شَوَّال وَلَو اعْتكف لَيْلَة الْعِيد وأحياها تعرض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب وَالْغَرَض من الْعشْر الْأَخير طلب لَيْلَة الْقدر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشْر أطلبوها فِي الْأَخير واطلبوها فِي كل وتر وميل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين لحَدِيث ورد فِيهِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة هى فِي جَمِيع الشَّهْر وَقيل إِنَّهَا فِي جَمِيع السّنة وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ

فِي نصف رَمَضَان امْرَأَتي طَالِق لَيْلَة الْقدر لم تطلق مَا لم تنقض سنة لِأَن كَونهَا فِي جَمِيع الشَّهْر مُحْتَمل وَالطَّلَاق لَا يَقع بِالشَّكِّ وَلَيْسَ على انحصاره فِي الْعشْر الْأَخير دَلِيل ظَاهر هَذَا تمهيد الْكتاب ومقصوده ينْحَصر فِي ثَلَاثَة فُصُول

الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهِي أَرْبَعَة الِاعْتِكَاف وَالنِّيَّة والمعتكف والمعتكف الرُّكْن الأول نفس الِاعْتِكَاف وَهُوَ عبارَة عَن اللّّبْث فِي الْمَسْجِد مَعَ الْكَفّ عَن قَضَاء شَهْوَة الْفرج أما اللّّبْث فأقله مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم العكوف وَهُوَ زَائِد على طمأنينة السُّجُود وَلَو نذر اعتكافا مُطلقًا يَكْفِيهِ اعْتِكَاف سَاعَة كَمَا تكفيه فِي نذر الصَّدَقَة التَّصَدُّق بِحَبَّة وَقيل إِنَّه يَكْفِي الْمُرُور بِالْمَسْجِدِ كالمرور بِعَرَفَة وَقيل لَا بُد من يَوْم أَو مَا يدنو مِنْهُ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأما الْكَفّ عَن قَضَاء الشَّهْوَة فنعني بِهِ ترك الْجِمَاع فالاعتكاف يفْسد بِهِ وَلَا يفْسد بملامسة من غير شَهْوَة إِذْ كَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ترجل رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَفِي مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمعانقة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يحرم وَيفْسد كَمَا فِي الْحَد وَالثَّانِي لَا كَمَا فِي الصَّوْم وَالصَّحِيح أَنه إِن أفْضى إِلَى الْإِنْزَال فسد وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ

وَلَا يشْتَرط الْكَفّ عَن ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا التَّطَيُّب والتزين بالثياب وَالثَّانِي البيع وَالشِّرَاء والأحب أَن لَا يكثر مِنْهُ فَإِن أَكثر لم يفْسد اعْتِكَافه وَقَالَ مَالك تَركه يشرط أَعنِي تَركه الحرفة وَقد عزى ذَلِك إِلَى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَوَجهه أَنه يُنَاقض الْإِخْلَاص فِي الِاعْتِكَاف الثَّالِث الْكَفّ عَن الْأكل وَالشرب لَيْسَ بِشَرْط وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّوْم شَرط فِي صِحَّته حَتَّى لَا يَصح اعْتِكَاف لَيْلَة مُفْردَة مَا لم يتَّصل بِالنَّهَارِ وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ نعم لَو نذر أَن يعْتَكف يَوْمًا صَائِما لزمَه الِاعْتِكَاف وَالصَّوْم جَمِيعًا وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَو قَالَ أعتكف مُصَليا وَالثَّانِي نعم لتقارب العبادتين كَمَا فِي الْحَج وَالْعمْرَة

وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم معتكفا فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه الْجمع لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يصلح أَن يكون وَصفا للصَّوْم وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي صَلَاة أَقرَأ فِيهَا السُّورَة الْفُلَانِيَّة فَيلْزمهُ الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَفِي لُزُوم الْجمع قَولَانِ الرُّكْن الثَّانِي النِّيَّة وَلَا بُد مِنْهَا فِي الِابْتِدَاء ثمَّ إِذا نوى الِاعْتِكَاف مُطلقًا وَهِي سنة تكفيه تِلْكَ النِّيَّة فَإِن خرج من الْمَسْجِد وَلَو لقَضَاء حَاجَة فَإِذا عَاد لزمَه اسْتِئْنَاف النِّيَّة فَأَما إِذا نوى اعْتِكَاف يَوْم أَو شهر ثمَّ خرج وَعَاد فَفِي تَجْدِيد النِّيَّة ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا يلْزم لِأَن النِّيَّة شملت جَمِيع الْمدَّة الَّتِى عينهَا

وَالثَّانِي أَنه إِن قرب الزَّمَان لم يلْزم وَإِن بعد وَجب التَّجْدِيد وَالثَّالِث إِن خرج لقَضَاء الْحَاجة لم يلْزم وَإِن خرج لأمر آخر لزم التَّجْدِيد وَمهما نوى الْخُرُوج عَن الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَفِي بُطْلَانه مَا فِي بطلَان الصَّوْم الرُّكْن الثَّالِث الْمُعْتَكف وَهُوَ كل مُسلم عَاقل لَيْسَ بِجنب وَلَا حَائِض وَلَا يشْتَرط الْحُرِّيَّة فَيصح اعْتِكَاف الرَّقِيق وَلَكِن للسَّيِّد أَن يُخرجهُ مهما شَاءَ وَيصِح اعْتِكَاف الْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق لَهُ أَن يسْتَقلّ بالاعتكاف فِي نوبَته أما الرِّدَّة وَالشُّكْر إِذا قاربا الِابْتِدَاء منعا الصِّحَّة لتعذر النِّيَّة وَإِن طرآ فقد نَص على أَنه لَا يفْسد بِالرّدَّةِ وَيفْسد بالسكر وَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة أوجه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَحدهَا أَنه لَا يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي السكر مَا إِذا خرج لإِقَامَة الْحَد وَالثَّانِي أَنه يفْسد بهما وَتَأْويل نَصه فِي الرِّدَّة أَنَّهَا لَا تحبط مَا مضى

وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه يفْسد بِالرّدَّةِ لفَوَات شَرط الْعِبَادَة وَلَا يفْسد بالسكر كَمَا لَا يفْسد بِالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاء وَأما الْحيض مهما طَرَأَ قطع الِاعْتِكَاف والجنابة إِن طرأت باحتلام فَعَلَيهِ أَن يُبَادر إِلَى الْغسْل وَيكون خُرُوجه كخروجه للْوُضُوء وَقَضَاء الْحَاجة والجنابة فِي مُدَّة العبور لَا تفْسد الِاعْتِكَاف ثمَّ لَو قدر على الْغسْل فِي الْمَسْجِد جَازَ لَهُ الْخُرُوج للْغسْل وَلم يَنْقَطِع تتابعه صِيَانة لِلْمَسْجِدِ عَن أَن يتَّخذ محطا للجنابة الرُّكْن الرَّابِع الْمُعْتَكف وَهُوَ الْمَسْجِد وَيَسْتَوِي فِيهِ عندنَا سَائِر الْمَسَاجِد وَالْجَامِع أولى لِكَثْرَة الْجَمَاعَة وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن اعْتِكَاف الْمَرْأَة فِي مَسْجِد بَيتهَا

يَصح وَذكر فِي الرجل خلاف مُرَتّب وَهُوَ بعيد وَلَو عين مَسْجِدا بنذره فَالظَّاهِر أَن الْمَسْجِد الْحَرَام يتَعَيَّن وَسَائِر الْمَسَاجِد لَا تتَعَيَّن وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد الْمَدِينَة قَولَانِ وَقيل إِن الْكل لَا يتَعَيَّن وَقيل الْكل يتَعَيَّن فَإِذا قُلْنَا إِن الْكل لَا يتَعَيَّن فَلَو انْتقل فِي خرجاته لقَضَاء حَاجَة إِلَى مَسَاجِد مُتَقَارِبَة وَكَانَ اعْتِكَافه مُتَتَابِعًا جَازَ وَأما الزَّمَان فَالْمَذْهَب أَنه يتَعَيَّن كَمَا فِي الصَّوْم فَإِذا نذر اعْتِكَاف رَجَب مثلا لزمَه فَلَو فَاتَ فَالظَّاهِر وجوب الْقَضَاء وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ تعذر الْمُلْتَزم وَهُوَ بَاطِل بِالصَّوْمِ

الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب أَلْفَاظ النّذر وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي التَّتَابُع فَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لم يجز التَّفَرُّق وَإِن قَالَ مُتَفَرقًا جَازَ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ زَاد خيرا وَلَو أطلق فَالْمَذْهَب أَن التَّتَابُع لَا يلْزم كَمَا فِي الصَّوْم وَقَالَ ابْن سُرَيج يلْزم لِأَن اللَّيَالِي فِي الصَّوْم تقطع التَّتَابُع بِخِلَاف الِاعْتِكَاف وَهُوَ بعيد فَأَما إِذا نذر يَوْمًا فَفِي جَوَاز الْتِقَاط سَاعَات أَيَّام وَجْهَان أصَحهمَا الْمَنْع بِخِلَاف الشَّهْر فَإِن الْيَوْم عبارَة عَن سَاعَات محصورة بَين الطُّلُوع والغروب على اتِّصَال فعلى هَذَا لَو ابْتَدَأَ من وَقت الزَّوَال وصبر إِلَى الزَّوَال فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِن خرج لَيْلًا لم يجزه للتقطع وَإِن اعْتكف لَيْلًا قيل أَنه يُجزئ لحُصُول الِاتِّصَال وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يُجزئ لِأَن اللَّيْل لَيْسَ محسوبا من النَّهَار هَذَا إِذا أطلق الشَّهْر فَلَو عين شهرا أَو الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان كَانَ التَّتَابُع لَازِما

ضَرُورَة لَا قصدا حَتَّى لَو فسد آخِره لم يلْزم قَضَاء مَا مضى وَلَو ترك الْكل لم يجب التَّتَابُع فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف الْعشْر الْأَخير مُتَتَابِعًا فَفِي لُزُوم التَّتَابُع وَجْهَان وَوجه قَوْلنَا إِنَّه لَا يلْزم أَن تتَابع هَذَا يَقع ضَرُورَة فالتصريح بِهِ كالسكوت عَنهُ النّظر الثَّانِي فِي استتباع اللَّيَالِي فَإِذا نذر اعْتِكَاف شهر دخل اللَّيَالِي فِيهِ ويكفيه شهر بِالْأَهِلَّةِ وَلَو نذر اعْتِكَاف يَوْم لم يدْخل اللَّيْلَة فِيهِ وَلَو نذر ثَلَاثَة أَيَّام أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفِي دُخُول اللَّيَالِي المتخللة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يجب كَمَا فِي الشَّهْر وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الْأَصَح اتبَاعا للفظ وَالثَّالِث أَنه إِن نذر التَّتَابُع لزمَه اللَّيَالِي وَإِلَّا فَلَا وَلَو نذر ثَلَاث لَيَال فَفِي دُخُول الْيَوْمَيْنِ المتخللين هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة

وَإِذا نذر الْعشْر الْأَخير فنقص الْهلَال كَفاهُ التسع وَلَو نذر عشرَة أَيَّام من آخر الشَّهْر فنقص لزمَه قَضَاء يَوْم النّظر الثَّالِث فِي اسْتثِْنَاء الْأَغْرَاض فَإِذا قَالَ أعتكف شهرا مُتَتَابِعًا لَا أخرج إِلَّا لعيادة زيد جَازَ الْخُرُوج لَهُ وَلم يجز لعبادة عَمْرو وَلَا لشغل أهم مِنْهُ وَلَو قَالَ لَا أخرج إِلَّا لشغل يعن لي جَازَ الْخُرُوج لكل شغل ديني أَو دُنْيَوِيّ يُبَاح السّفر بِمثلِهِ وَلَا يجوز لأجل النظارة والتنزه وَحكى صَاحب التَّقْرِيب قولا قَدِيما أَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُنَاقض للتتابع فَيلْغُو وَيجب التَّتَابُع ثمَّ قَالَ إِذا فرعنا على الصَّحِيح فَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بِعشْرَة دَرَاهِم إِلَّا أَن أحتاج إِلَيْهِ قبل التَّصَدُّق صَحَّ ذَلِك وَلَو قَالَ إِلَّا أَن تبدو لي فَهَذَا مُحْتَمل وَأبي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْأَخير لِأَنَّهُ خيرة مُطلقَة يضاد اللُّزُوم

وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو نذر صوما وَشرط التَّحَلُّل لغَرَض لَا يُبِيح الْفطر صَحَّ الشَّرْط وَلَو جرى ذَلِك فِي الْحَج فَوَجْهَانِ وَعكس الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هَذَا التَّرْتِيب وَقَالَ الْحَج أولى بِاحْتِمَال ذَلِك إِذْ ورد فِيهِ شَرط التَّحَلُّل فرع إِذا اسْتثْنى غَرضا فالزمان المصروف إِلَيْهِ يجب قَضَاؤُهُ إِذا نذر اعْتِكَاف شهر مُطلقًا وَإِن نذر اعْتِكَاف شهر معِين لم يلْزم قَضَاؤُهُ إِذْ يُمكن حمله فِي الْمُطلق على نفي انْقِطَاع التَّتَابُع فَقَط فَينزل على الْأَقَل وَفِي الافتقار إِلَى تَجْدِيد النِّيَّة خلاق وَعند وجوب التَّتَابُع الْأَظْهر الِاسْتِغْنَاء عَن التَّجْدِيد لِأَن التَّتَابُع كالرابطة للْجَمِيع

الْفَصْل الثَّالِث فِي قواطع التَّتَابُع وَهُوَ الْخُرُوج بِكُل الْبدن عَن كل الْمَسْجِد بِغَيْر عذر احترزنا بِكُل الْبدن عَمَّا إِذا أخرج رَأسه أَو رجله من الْمَسْجِد فَإِنَّهُ لَا يبطل اعْتِكَافه واحترزنا عَن كل مَسْجِد عَمَّا إِذا صعد المنارة للأذان فَإِن كَانَت المنارة مُنْقَطِعَة عَن الْمَسْجِد انْقَطع التَّتَابُع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة وَكَأَنَّهَا فِي الْمَسْجِد لم تَنْقَطِع وَإِن كَانَت مُتَّصِلَة بحائط الْمَسْجِد فِي حريمه وَكَانَ بَابهَا خَارِجا عَن الْمَسْجِد فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَنْقَطِع لِخُرُوجِهِ عَن الْمَسْجِد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ من حَرِيم الْمَسْجِد وَالْأَذَان من حُقُوق الْمَسْجِد خأخرأخر فَكَأَنَّهُ لم يعرض عَن الْمَسْجِد وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ مُؤذنًا راتبا لم يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عذر فِي حَقه وَإِلَّا فَيَنْقَطِع

وَأما قَوْلنَا من غير عذر فالعذر على مَرَاتِب الرُّتْبَة الأولى وَهِي الْعليا الْخُرُوج لقَضَاء الْحَاجة وَهُوَ مُسْتَثْنى لتكرره بِحكم الجلبة فَلَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِهِ وَلَا يجب قَضَاء تِلْكَ الْأَوْقَات وَلَا يجب عِنْد الْعود تَجْدِيد النِّيَّة بِخِلَاف الِاعْتِكَاف الْمُطلق الذى لَا تتَابع فِيهِ فَإِنَّهُ يجب التَّجْدِيد هَذَا إِذا كَانَ دَاره قَرِيبا وَلم يكن بِهِ عِلّة يكثر خُرُوجه بِسَبَبِهَا فَإِن بَعدت دَاره أَو كَانَ بِهِ عِلّة فَوَجْهَانِ مِنْهُم من عمم حسما للباب وَلَو كَانَ لَهُ داران كِلَاهُمَا على حد الْقرب فَفِي جَوَاز خُرُوجه إِلَى الْأَبْعَد وَجْهَان وحد الْقرب فِي الزَّمَان وَالْمَكَان لَا يَنْضَبِط إِلَّا بِالْعَادَةِ فرع لَا بَأْس بِأَكْل لقم فِي الطَّرِيق وَلَا بعيادة الْمَرِيض فِي الْمُرُور من غير ازورار وَلَا

بَأْس بوقفة يسيرَة بِقدر صَلَاة الْجِنَازَة فَذَلِك جَائِز فِي الطَّرِيق وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِالسَّلَامِ وَالسُّؤَال فَإِنَّهُ لَا يزِيد على قدر صَلَاة الْجِنَازَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارا فِي اعْتِكَافه لَا يعرج عَلَيْهِ وَلَو جَامع فِي وَقت قَضَاء الْحَاجة من غير صرف زمَان إِلَيْهِ فسد اعْتِكَافه على الْأَصَح لِأَن وقعه عَظِيم فالاشتغال بِهِ أوقع من الْجُلُوس سَاعَة من غير حَاجَة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يفْسد لِأَنَّهُ لَيْسَ معتكفا فِي هَذِه

الْحَالة وَإِن كَانَ الزَّمَان محسوبا فِي مُدَّة الِاعْتِكَاف الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْخُرُوج بِعُذْر الْحيض غير قَاطع التَّتَابُع إِن كَانَ مُدَّة الِاعْتِكَاف بِحَيْثُ لَا يَتَّسِع لَهَا أَيَّام الطُّهْر غَالِبا فَإِن قصرت الْمدَّة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْقطع للإمكان وَالثَّانِي الْمُسَامحَة نظرا إِلَى جنس الْحيض فَإِنَّهُ متكرر بالجبلة لقَضَاء الْحَاجة الرُّتْبَة الثَّالِثَة الْمَرَض الذى يشق مَعَه الْمقَام فِي الْمَسْجِد وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه كالحيض وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر طبعا وَهَكَذَا الْخلاف فِي انْقِطَاع تتَابع الصَّوْم بِهِ وَهَذَا إِذا لم يضْطَر إِلَى

الْخُرُوج خيفة التلويث فَإِن خيف فَهُوَ كالحيض وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَيْضا الرُّتْبَة الرَّابِعَة أَن يخرج مَحْمُولا أَو يخرج نَاسِيا وَفِيه قَولَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بِأَن لَا يَنْقَطِع لِأَن الصَّوْم لَا يَنْقَطِع بِمثلِهِ وَإِن أكره فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يَنْقَطِع لِأَن لَهُ قصدا فِي الْخُرُوج الرُّتْبَة الْخَامِسَة أَن يلْزمه الْخُرُوج شرعا لأَدَاء شَهَادَة متعينة أَو إِقَامَة حد أَو قَضَاء عدَّة طَلَاق فَقَوْلَانِ مرتبان على الْمَرَض وَأولى بالانقطاع لِأَن مبادئ هَذِه الْأُمُور مندرجة تَحت اخْتِيَاره ثمَّ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقَطِع فَيجب قَضَاء الْأَوْقَات الْفَائِتَة بِهَذِهِ الْأَعْذَار وَفِي اسْتِئْنَاف النِّيَّة عِنْد الْعود خلاف كَمَا فِي تَفْرِيق الْوضُوء

= كتاب الْحَج = وَهُوَ ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام وَلَا يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة وَاحِد وَالنَّظَر فِي الْمُقدمَات والمقاصد واللواحق

الْقسم الأول فِي الْمُقدمَات وَهُوَ الشَّرَائِط والمواقيت القَوْل فِي الشَّرَائِط وشرائط وُجُوبه خَمْسَة الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ والاستطاعة وشرائط وُقُوعه عَن فرض الْإِسْلَام أَرْبَعَة وَهِي مَا ذَكرنَاهَا إِلَّا الِاسْتِطَاعَة وشرائط صِحَّته دون الْوُقُوع عَن حج الْإِسْلَام عل سَبِيل الْمُبَاشرَة الْإِسْلَام والتمييز إِذْ يَصح من الصَّبِي الْمُمَيز أَن يحجّ بِإِذن الْوَلِيّ وَشرط صِحَّته لَا بطرِيق الِاسْتِقْلَال الْإِسْلَام الْمُجَرّد إِذْ يجوز للْوَلِيّ أَن يحرم عَن الصَّبِي الذى لَا يُمَيّز كَمَا سَيَأْتِي

الْمَقْصُود بَيَان الِاسْتِطَاعَة وَهِي نَوْعَانِ النَّوْع الأول استطاعة الْمُبَاشرَة قَالَ الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي تَفْسِير الِاسْتِطَاعَة إِنَّهَا زَاد وراحلة والاستطاعة تتَعَلَّق بأَرْبعَة أُمُور الرَّاحِلَة والزاد وَالطَّرِيق وَالْبدن أما الرَّاحِلَة فالقدرة عَلَيْهَا شَرط فَلَا حج على الْقَادِر على الْمَشْي لما فِيهِ من الْمَشَقَّة خلافًا لمَالِك نعم لَو كَانَ على مَسَافَة دوم مَسَافَة الْقصر وَجب الْمَشْي على الْقوي وَلَا يجب على من يتَضَرَّر بِهِ وَالْمَشْي فِي هَذَا الْقدر كالركوب فِي السّفر الطَّوِيل وَمن لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فَلَا يلْزمه مَا لم يقدر على محمل فَإِن قدر على

شقّ محمل وَوجد شَرِيكا يلْزمه وَإِن لم يجد وَكَانَ يَتَّسِع مَاله لمحمل تَامّ لكنه يَكْتَفِي بشق فَلَا يلْزمه لِأَن الزِّيَادَة خسران لَا مُقَابل لَهُ أما الزَّاد فَهُوَ أَن يملك فَاضلا عَن قدر حَاجته مَا يبلغهُ إِلَى الْحَج وَالْمرَاد بالمبلغ نَفَقَة الذّهاب والإياب فِي حق من لَهُ أهل ومسكن أَو قريب وَإِن بعد وَهل يعْتَبر نَفَقَة الإياب فِي حق الْقَرِيب فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِاعْتِبَار حنين النَّفس إِلَى الأوطان وَالْمرَاد بالفاضل عَن قدر الْحَاجة أَن يكون وَرَاء الْمسكن وَالْعَبْد الذى يَخْدمه ودست ثوب يلْبسهُ وديونه الَّتِي يفْتَقر إِلَى قَضَائهَا وَمَا يخلفه على أَهله من النَّفَقَة وَمَا يحْتَاج إِلَى صرفه إِلَى نِكَاح إِن لم يكن متأهلا وَخَافَ على نَفسه الْعَنَت وَهل يجب أَن يكون وَرَاء رَأس مَاله الذى لَا يقدر على التِّجَارَة إِلَّا بِهِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَن رَأس مَاله كمسكنه وَعَبده وَالثَّانِي أَن رَأس المَال يصرف فِي أهبة الْحَج بِخِلَاف الْمسكن وَالْعَبْد فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهِمَا فِي الْوَقْت

فرعان أَحدهمَا أَن من لَا يملك نَفَقَة الذّهاب وَهُوَ كسوب لم يلْزمه الْحَج لِأَن ضَرَر الْكسْب مَعَ السّفر يزِيد عل ضَرَر الْمَشْي إِلَّا أَن تكون الْمسَافَة دون سفر الْقصر الثَّانِي إِذا كَانَت الأسعار غَالِيَة وَلَكِن وجد بِثمن الْمثل وَجب الْحَج كَمَا يجب شِرَاء المَال بِثمن الْمثل وَإِن غلا بِحكم الْحَال وَلَو كَانَ لَا يُبَاع الزَّاد إِلَّا بِغَبن لم يجب أما الطَّرِيق فشرطه أَن يكون خَالِيا عَمَّا يُوجب خوفًا فِي النَّفس والبضع وَالْمَال أما النَّفس فَإِن كَانَ فِي الطَّرِيق سبع لم يجز الْخُرُوج وَلَو كَانَ فِي الطَّرِيق بَحر اخْتلف فِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وللأصحاب أَرْبَعَة طرق أَحدهَا إِجْرَاء الْقَوْلَيْنِ لما فِيهِ من الْخطر الظَّاهِر مَعَ غَلَبَة السَّلامَة وَالثَّانِي لَا يجب على المستشعر لِأَن الجبان قد يخلع قلبه فِي الْبَحْر وَيجب

على غير المستشعر فَينزل النصين على حَالين وَالثَّالِث أَنه لَا يجب على المستشعر وَفِي غَيره قَولَانِ وَالرَّابِع أَنه يجب على غير المستشعر وَفِي المستشعر قَولَانِ وَهَذَا إِذا كَانَت السَّلامَة غالبة فَإِن كَانَ الْهَلَاك غَالِبا حرم الرّكُوب فرع لَو توَسط الْبَحْر واستوت الْجِهَات فِي التَّوَجُّه إِلَى مَكَّة والانصراف عَنْهَا فَفِي الْوُجُوب الْآن وَجْهَان على قَوْلنَا لَا يجب ركون الْبَحْر أَحدهمَا يجب لِأَن الرّكُوب لَا بُد مِنْهُ فِي كل جِهَة وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع لَيْسَ يكلفه ذَلِك فِي طَرِيق الْحَج وَله أَن يتَكَلَّف ذَلِك فِي غَرَضه وَهُوَ قريب منن الْمحصر إِذا أحَاط بِهِ الْعَدو وَفِيه خلاف أما الْبضْع فالمرأة كَالرّجلِ فِي الِاسْتِطَاعَة لَكِنَّهَا عَورَة مَقْصُودَة تحْتَاج إِلَى محرم يبذرقها فَإِن لم تَجِد لم يلْزمهَا الْخُرُوج إِلَّا إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا وَوجدت نسْوَة ثِقَات

وَقَالَ الْقفال لَا يلْزم مَا لم يكن مَعَ كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ محرم فقد ينوبهن أَمر يفْتَرق إِلَى الِاسْتِعَانَة بِذَات الْمحرم وَأما المَال فَلَو كَانَ على المراصد من يطْلب مَالا لم يلْزمه الْحَج لِأَنَّهُ خسران لَا مُقَابل لَهُ وَلَو وجد بذرقة بأجره فَفِي لُزُوم الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ خسران لدفع الظُّلم فَصَارَ كالتسليم إِلَى الظَّالِم وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ من جملَة أهبة الطَّرِيق فأجرة البذرقة ككراء الدَّابَّة وَإِذا لم يخرج محرم الْمَرْأَة إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فَفِي وُجُوبهَا عَلَيْهَا وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن يجب لِأَنَّهَا لَا تنفك عَن هَذِه الْحَاجة فَكَانَت من أهب سفرها أما الْمُتَعَلّق الرَّابِع للاستطاعة فَهُوَ الْبدن وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا قُوَّة يسْتَمْسك بهَا على الرَّاحِلَة وَالْأَعْمَى يجب عَلَيْهِ الْحَج وَلَكِن يحْتَاج إِلَى قَائِد احْتِيَاج الْمَرْأَة إِلَى محرم وَالْمَجْنُون لَا حج عَلَيْهِ وَلَو حج بِهِ الْوَلِيّ فَطَافَ بِهِ صَحَّ حجه وَلَكِن مُؤَن السّفر من مَال الْوَلِيّ وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير فَيلْزمهُ الْحَج وللولي أَن ينْفق عَلَيْهِ وَينصب عَلَيْهِ قواما إِلَى الْحَج هَذِه أَرْكَان الِاسْتِطَاعَة أما أَحْكَامهَا فَثَلَاثَة

الأول أَن وجوب الْحَج يسْتَقرّ فِي الذِّمَّة إِذا دَامَت الِاسْتِطَاعَة مُدَّة تتسع لِلْحَجِّ لَو اشْتغل بِهِ وَلَو افْتقر أَو جن قبل مُضِيّ مُدَّة الْإِمْكَان تبين أَنه لم يكن وَاجِبا وَلَو تخلف بعد الِاسْتِطَاعَة فَمَاتَ بعد حج النَّاس وَقبل رجوعهم فالحج مُسْتَقر فِي ذمَّته يخرج من تركته لِأَنَّهُ لَو خرج لَكَانَ مَوته بعد الْحَج وَكَذَلِكَ لَو طَرَأَ الْغَضَب فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو هلك مَاله بعد حج النَّاس حَيْثُ تعْتَبر نَفَقَة الإباب قَالَ الصيدلاني تبين أَنه لم يكن لَازِما لأَنا لَو علمنَا هَذَا فِي الِابْتِدَاء لم يلْزمه الْخُرُوج بِخِلَاف مَا لَو علمنَا مثلا أَنه يَمُوت بعد يَوْم النَّحْر فَإِنَّهُ كَانَ يلْزمه الْخُرُوج الثَّانِي أَن وجوب الْحَج على التَّرَاخِي عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ من السّنة الأولى وَلكنه لَو مَاتَ يخرج من تركته وَالظَّاهِر أَنه يلقى الله عَاصِيا إِذا جَازَ لَهُ التَّأْخِير بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَانَ على غرر فِي التَّأْخِير وَمِنْهُم من قَالَ لَا يعْصى إِذْ أخر عَازِمًا على الِامْتِثَال وَمَات فَجْأَة نعم إِن استشعر من نَفسه العضب عصى

بِالتَّأْخِيرِ فرع إِذا أخر مَعَ الْقُدْرَة وطرأ العضب عصى لتعذر الْمُبَاشرَة وَيلْزمهُ الِاسْتِنَابَة على التَّضْيِيق بِخِلَاف مَا لَو بلغ معضوبا فَإِن الِاسْتِنَابَة فِي حَقه على التَّرَاخِي كالمباشرة فِي حق الْقَادِر وَذكر الفوراني وَجها أَنه لَا تتضيق الِاسْتِنَابَة فِي العضب الطَّارِئ ثمَّ قَالَ إِن ضيقنا فَهَل للْقَاضِي أَن يسْتَأْجر عَلَيْهِ عِنْد امْتِنَاعه إجبارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز تشبيهه بِالزَّكَاةِ لتطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ الثَّالِث أَن من لم يؤد حج الْإِسْلَام لَا يجوز لَهُ أَن يحجّ أَجِيرا عَن غَيره

أَو يتَطَوَّع قبل الْفَرْض أَو يُؤَدِّي قَضَاء أَو نذرا قبله لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من شبْرمَة فَقَالَ صديق لي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة والسام أحججت عَن نَفسك فَقَالَ لَا فَقَالَ هَذِه عَنْك ثمَّ حج عَن شبْرمَة فَبِهَذَا عرف أَن غير حجَّة الْإِسْلَام لَا تقدم عَلَيْهَا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْعَاجِز والمستطيع لِأَن الْعَاجِز إِذا حضر وَقع حجه عَن حجَّة الْإِسْلَام وكما لَا يقدم التَّطَوُّع عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا يقدم على الْقَضَاء وَالنّذر وَفِي التَّرْتِيب بَين الْقَضَاء وَالنّذر تردد وَالْأولَى تَقْدِيم الْقَضَاء أما الْأَجِير إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات فَنوى التَّطَوُّع عَن نَفسه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينْصَرف إِلَى الْمُسْتَأْجر لِأَنَّهَا حجَّة وَاجِبَة فَتقدم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ وجوب تَقْتَضِيه الْإِجَارَة دون وضع الْحَج

النَّوْع الثَّانِي استطاعة الِاسْتِنَابَة وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الطّرف الأول فِي حَالَة جَوَاز الِاسْتِنَابَة وَله شَرْطَانِ الأول الْعَجز عَن الْمُبَاشرَة بِالْمَوْتِ أَو بزمانة لَا يُرْجَى زَوَالهَا وَقَالَ مَالك تخْتَص الِاسْتِنَابَة بِحَالَة الْمَوْت لوُرُود الحَدِيث فِيهِ لَكنا نقُول الْحَيّ الْعَاجِز المئيوس عَنهُ أولى بالاستنابة لقدرته على النِّيَّة ثمَّ لَو ظهر الْيَأْس وَفرغ الْأَجِير من الْحَج فَزَالَ العضب فَفِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ بَان زَوَال الْعَجز وَالثَّانِي أَن حج الْأَجِير وَقع موقعه فَلَا ينْقض

فَإِن قُلْنَا لم يَقع فَيَقَع عَن الْأَجِير أَو عَن تطوع الْمُسْتَأْجر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا عَن الْأَجِير لِأَنَّهُ لَو وَقع عَن الْمُسْتَأْجر لسبق النَّفْل الْفَرْض وَالأَصَح أَنه يَقع عَن الْمُسْتَأْجر لَان هَذَا عذر فِي التَّقْدِيم كعذر الصَّبِي وَالرّق فَإِن أوقعنا عَن الْأَجِير فَفِي أجرته ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يسْتَحق لوُقُوعه عَنهُ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ عمل مَا عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه يسْتَحق أجر الْمثل دون الْمُسَمّى لتبين فَسَاد الْإِجَارَة وَلَو كَانَ العضب يُرْجَى زَوَاله فاستناب واتصل العضب بِالْمَوْتِ فَفِي وُقُوع حج النَّائِب عَنهُ قَولَانِ كَمَا سبق الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون المستناب فِيهِ حجا مَفْرُوضًا أما التَّطَوُّع فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ خَارج عَن الْقيَاس وَقد ورد الحَدِيث فِي حجَّة الْإِسْلَام وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ إِذا تطرق النِّيَابَة إِلَيْهِ كَانَ التَّطَوُّع فِي معنى الْفَرْض أما إِذا لم يكن على الْمَيِّت حجَّة الْإِسْلَام لعدم الِاسْتِطَاعَة فَفِي اسْتِئْجَار الْوَارِث عَنهُ طَرِيقَانِ أَحدهمَا طرد قَول التَّطَوُّع لِأَنَّهُ تبرع وَالثَّانِي الْقطع بِالْجَوَازِ لِأَن

حج غير المستطيع يَقع عَن حجَّة الْإِسْلَام وَلِأَن الحَدِيث ورد فِيهِ رُوِيَ أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فَرِيضَة الْحَج أدْركْت أبي شَيخا زَمنا لَا يَسْتَطِيع أَن يحجّ أفأحج عَنهُ فَقَالَ نعم فرع لَا يجوز الْحَج عَن المعضوب بِغَيْر إِذْنه وَيجوز عَن الْمَيِّت من غير وَصيته يَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِث وَالْأَجْنَبِيّ كَمَا فِي قَضَاء دينه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يوص لم يحجّ عَنهُ وَإِن أوصى نفذت وَصيته بِالْحَجِّ من ثلث مَاله الطّرف الثَّانِي فِي حَالَة وجوب الِاسْتِنَابَة وَهُوَ أَن يسْتَقرّ فِي ذمَّته ثمَّ يطْرَأ العضب أَو يبلغ معضوبا قَادِرًا على الِاسْتِنَابَة وَالْقُدْرَة عَلَيْهَا بِمَال يملكهُ أَو بِمَال يبْذل لَهُ أَو بِطَاعَة تبذل لَهُ فَأَما مَا يملكهُ فَهُوَ قدر أُجْرَة الْأَجِير فضلا عَن حَاجته يَوْم الِاسْتِئْجَار وَلَا يعْتَبر أَن يفضل عَن نَفَقَة أَهله لما بعد فرَاغ الْأَجِير من الْحَج فِي مُدَّة إيابه وَهل يعْتَبر لما بَين يَوْم الْإِجَارَة إِلَى الْفَرَاغ من الْحَج فِيهِ تردد من حَيْثُ إِن

هَذِه مُدَّة فِيهَا يتم الْأَدَاء وَفِي زَكَاة الْفطر لم يعْتَبر إِلَّا قوت الْيَوْم لِأَن الْفَرْض يتَأَدَّى فِي الْحَال وَلَو ملك أُجْرَة ماش فَفِي لُزُومه وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْمَاشِي على خطر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّغْرِير بِمَالِه أما الْقُدْرَة ببذل الْغَيْر فَإِن كَانَ المبذول مَالا والباذل أَجْنَبِي لم يجب لما فِيهِ من الْمِنَّة وَإِن كَانَ المبذول طَاعَة والباذل هُوَ الابْن وَجب الْقبُول إِذْ لَا منَّة وَإِن بذل الْأَجْنَبِيّ الطَّاعَة أَو الابْن المَال فَوَجْهَانِ للتردد فِي الْمِنَّة وَالْأَب كالابن فِي بذل المَال وكالأجنبي فِي بذل الطَّاعَة هَذَا إِذا بذل الابْن الطَّاعَة رَاكِبًا فَإِن كَانَ مَاشِيا فَوَجْهَانِ إِذْ

يعز على الْأَب التَّغْرِير بولده فَإِن كَانَ مَعَ الْمَشْي يعول فِي زَاده على الْكسْب أَو السُّؤَال فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يجب وَإِن لم يكن كسب وَلَا سُؤال فَلَا يحل لَهُ الْخُرُوج وَمهما تحقق وجوب الْحَج فالعمرة تجب أَيْضا لقَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ تردد فِي الْقَدِيم فِي وجوب الْعمرَة الطّرف الثَّالِث فِي الِاسْتِئْجَار على 1 الْحَج وَالنَّظَر فِي شَرَائِطه وَأَحْكَامه أما الشَّرَائِط فَتذكر فِي الْإِجَارَة وَنَذْكُر هَاهُنَا أَربع شَرَائِط الأول أَن يكون الْأَجِير قَادِرًا على الْحَج فَإِن كَانَ مَرِيضا أَو كَانَ الطَّرِيق مخوفا أَو ضاف الْوَقْت وطالت الْمسَافَة لم تَنْعَقِد الْإِجَارَة وَلَو جرى فِي وَقت هجوم الأنداء والثلوج وَلَكِن كَانَ زَوَاله مَعْلُوما فَالْأَظْهر الصِّحَّة وَقيل لَا يجوز لتعذر النهوض فِي الْحَال وَمهما صحت الْإِجَارَة وَجب على الْأَجِير الْخُرُوج مَعَ أول رفْقَة وَلَا يجوز التَّأْخِير إِلَّا بعد انْتِظَار الرّفْقَة فَلَا عذر بعد وجودهَا

الثَّانِي أَن لَا يضيف الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الْعين إِلَى حجَّة فِي السّنة الْقَابِلَة إِلَّا إِذا كَانَت الْمسَافَة بِحَيْثُ لَا تقطع فِي سنة فَيجوز لَهُ ذَلِك لِإِمْكَان التشاغل بِالسَّفرِ فِي الْحَال وَإِن وَردت الْإِجَارَة على الذِّمَّة فَلهُ أَن يعين أَيَّة سنة شَاءَ فَإِن أطلق نزل على السّنة الأولى الثَّالِث كَون الْحَج مَعْلُوما بِأَعْمَالِهِ للْأَجِير وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف فِي العقد فَإِنَّهُ مشهر فِي الْعرف فَإِنَّهُ فرض جهل على الندور من أَحدهمَا لم يَصح العقد وَأما تعْيين مِيقَات الْإِحْرَام فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَقيل قَولَانِ أَحدهمَا يشْتَرط لِأَن غَرَض الْأَجِير يتَفَاوَت بِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَن غَرَض الْمُسْتَأْجر لَا يتَفَاوَت وَقيل بل هُوَ على حَالين فَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر لَهُ مَيتا فَلَا غَرَض إِلَّا تبرئة ذمَّته فَأَما الْحَيّ فَلهُ غَرَض فِي تعْيين الْمَوَاقِيت فَيلْزمهُ ذَلِك

وَقيل إِن كَانَ على طَرِيقه مِيقَات تعين بِالْعرْفِ وَإِن كَانَ طَرِيقه يقْضِي إِلَى مسلكين يقْضِي كل وَاحِد إِلَى مِيقَات آخر فَلَا بُد من التَّعْيِين الرَّابِع أَن لَا يعْقد بِصِيغَة الْجعَالَة فَلَو قَالَ المعضوب من حج عني فَلهُ مائَة فحج عَنهُ إِنْسَان نقل الْمُزنِيّ أَنه وَقع عَنهُ وَاسْتحق الْمِائَة وخر ج الْأَصْحَاب مِنْهُ تَصْحِيح صِيغَة الْجعَالَة فِي كل مَا يقبل الْإِجَارَة وَذهب بعض الْأَصْحَاب إِلَى تزييفه فَإِن ذَلِك يحْتَمل من ضَرُورَة الْجعَالَة فعلى هَذَا بطلت التَّسْمِيَة وَصَحَّ الْإِذْن وَاسْتحق الْمَأْذُون أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن وَمهما فَسدتْ الْإِجَارَة بِفساد الْعِوَض بَقِي الْإِذْن صَحِيحا وَوَجَب أُجْرَة الْمثل لوُقُوع الْحَج عَن الْإِذْن وَقيل إِن الْإِذْن يفْسد بِهَذَا الْعُمُوم فَإِن من قَالَ وكلت كل من أَرَادَ بيع دَاري لم تصح الْوكَالَة لعدم تعين الْوَكِيل فَكَذَلِك هَاهُنَا

النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْإِجَارَة عِنْد اخْتِلَاف أَحْوَال الْأَجِير وأحواله سَبْعَة الأولى إِذا فَاتَهُ الْحَج فِي السّنة الأولى بامتناعه عَن الْخُرُوج انْفَسَخت الْإِجَارَة إِن كَانَت وَارِدَة على الْعين فَإِن كَانَت وَارِدَة على الذِّمَّة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لم يَنْفَسِخ وللمستأجر الْخِيَار كَمَا لَو أفلس المُشْتَرِي بِالثّمن وَقَالَ المراوزة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي انْقِطَاع جنس الْمُسلم فِيهِ على قَول يَنْفَسِخ وعَلى قَول يثبت الْخِيَار فَإِن أثبتنا الْخِيَار وَإِن كَانَ الْمُسْتَأْجر مَيتا فَلَا خِيَار للْوَرَثَة لِأَنَّهُ يجب

عَلَيْهِم صرف الْأُجْرَة إِلَى أجِير آخر لتبرئة ذمَّته والأجير الذى عينه الْمَيِّت أولى وَفِيه احْتِمَال إِذْ قد يكون للْمَيت فِيهِ مصلحَة فِي إِبْدَال الْأَجِير بِمن هُوَ أَرغب مِنْهُ الثَّانِيَة إِذا خَالف فِي الْمِيقَات فَأحْرم بِعُمْرَة عَن نَفسه ثمَّ أحرم بِحَجّ الْمُسْتَأْجر فِي جَوف مَكَّة فيحط شَيْء من أجرته وَفِي الْقدر المحطوط قَولَانِ أَحدهمَا أَن يُقَال حجَّة من الْمِيقَات كم أجرتهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة كم أجرتهَا وَيعرف نِسْبَة التَّفَاوُت فَإِن كَانَ عشرا فيحط الْعشْر على الْمُسَمّى وَحَقِيقَة هَذَا القَوْل ترجع إِلَى أَن الْأُجْرَة تقَابل الْحَج الْمَقْصُود أبدا دون السّفر الذى هُوَ ذَرِيعَة فَلذَلِك لم يدْخلهُ فِي الِاعْتِبَار وَالثَّانِي أَنه يعرف التَّفَاوُت بَين حجَّة من الْبَلَد الذى اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا وَحجَّة من جَوف مَكَّة فيكثر التَّفَاوُت فيحط عَن أجرته وَحَاصِل هَذَا أَن السّفر إِن كَانَ تقابله الْأُجْرَة فَلَا يحْسب لَهُ فِي هَذَا القَوْل لِأَنَّهُ صرفه إِلَى عمْرَة نَفسه الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو عَاد إِلَى الْمِيقَات وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ عَنهُ فَإِن لم نقابل السّفر

بِأُجْرَة أصلا اسْتحق تَمام الْأُجْرَة وَإِن قابلنا أحبطنا مَا قَابل الْمسَافَة الَّتِى صرفهَا إِلَى عمرته فَإِن حَسبنَا لَهُ السّفر اسْتحق تَمام الْأُجْرَة فَإِن أحبطنا الْمسَافَة هَاهُنَا لصرفها إِلَى عمرته فيضبط التَّفَاوُت بَين أُجْرَة حجَّة من بَلْدَة نهضتها وَمن الْمِيقَات إحرامها وَبَين حجَّة أنشئت من الْمِيقَات من غير سبق سفر ويحط من الْمُسَمّى بنسبته الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لم يعْتَمر أصلا لَكِن أحرم من جَوف مَكَّة فَمَا صرف السّفر إِلَى نَفسه لَكِن لزمَه دم الْإِسَاءَة فَهَل ينجبر بِالدَّمِ مَا يحط من الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا ينجبر فَلَا يحط شئ وَالثَّانِي يحط لِأَن الدَّم وَجب حَقًا لله تَعَالَى ومقصود الْمُسْتَأْجر لَا ينجبر فعلى هَذَا يعود الْخلاف فِي أَن السّفر هَل يحْسب لَهُ فِي توزيع الْأُجْرَة وَهَاهُنَا أولى بِأَن يحْسب وَإِن قُلْنَا إِنَّه ينجبر بِالدَّمِ فَلَو كَانَ قيمَة الدَّم تنقص عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَط فَقدر التَّفَاوُت هَل يحط فِيهِ وَجْهَان

الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عين لَهُ الْكُوفَة ليحرم بهَا فجاوزها فَفِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن تَعْيِينه هَل يلْتَحق بِتَعْيِين الشَّرْع فَإِن قُلْنَا يجب الدَّم عَاد الْخلاف فِي أَنه هَل يجْبر النُّقْصَان وَإِن قُلْنَا لَا يجب عَاد الْخلاف فِي أَن الْمُسَافِر هَل يحْسب لَهُ وَلَا خلاف أَنه لَو ارْتكب مَحْظُورًا غير مُفسد لزمَه الدَّم وَلَا حط لِأَنَّهُ أَتَى بِتمَام الْعَمَل الثَّالِثَة إِذا خَالف فِي الْجِهَة بِأَن اسْتَأْجرهُ على الْقرَان فأفرد فقد زَاد خيرا وَلَو قرن بِإِذْنِهِ فأصح الْوَجْهَيْنِ أَن دم الْقرَان على الْمُسْتَأْجر وَكَأَنَّهُ قرن بِنَفسِهِ وَالثَّانِي على الْأَجِير لِأَنَّهُ الْتزم تَحْصِيل الْحَج وَالْعمْرَة بطرِيق الْقرَان وتتمة الْقرَان بِالدَّمِ فليف بِهِ وَلَو اسْتَأْجرهُ على الْإِفْرَاد فقرن فالدم على الْأَجِير قطعا وَالْحج وَالْعمْرَة واقعان عَن الْمُسْتَأْجر لِأَن الشَّرْع جعل الْقرَان كالإفراد وَهل يحط شئ من الْأُجْرَة

مَعَ جبره بِالدَّمِ فِيهِ الْخلاف السَّابِق وَإِن أمره بالقران فتمتع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه كالقرآن لِأَنَّهُ إِن نقص فِي إِحْرَام الْحَج من الْمِيقَات فقد زَاد فِي الْعَمَل وَالثَّانِي أَن زِيَادَته غير محسوبة فَإِنَّهُ غير مَأْمُور بِهِ وعَلى هَذَا فالدم عَلَيْهِ لأَنا جَعَلْنَاهُ مُخَالفا وَإِن جَعَلْنَاهُ مُوَافقا فالوجهان فِي الدَّم عائدان الرَّابِعَة إِذا جَامع الْأَجِير فسد حجه وانفسخت الْإِجَارَة إِن كَانَت

وَردت على عينه لفَوَات الْوَقْت وَلَزِمَه الْقَضَاء لنَفسِهِ ورد الْأُجْرَة وَإِن وَردت على ذمَّته لم تَنْفَسِخ وَعَلِيهِ الْقَضَاء فِي السّنة الثَّانِيَة فَإِذا قضى فَهَل يَقع عَن الْمُسْتَأْجر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا لِأَن الْقَضَاء يَقع عَمَّن انْصَرف الْفَاسِد إِلَيْهِ فعلى هَذَا عَلَيْهِ أَن يحجّ عَن الْمُسْتَأْجر حجَّة أُخْرَى سوى الْقَضَاء وَالثَّانِي أَنه يَقع عَنهُ فَإِنَّهُ لَو تمم الأول لوقع عَنهُ وَهَذَا قَضَاء الأول الْخَامِسَة لَو أحرم عَن مستأجره ثمَّ صرف إِلَى نَفسه على ظن أَنه ينْصَرف إِلَيْهِ وَأتم الْحَج فالحج عَن الْمُسْتَأْجر وَفِي اسْتِحْقَاقه الْأُجْرَة قَولَانِ وَوجه السُّقُوط أَنه قصد أَن يعْمل لنَفسِهِ وهما جاريان فِي الصّباغ إِذا جحد الثَّوْب وصبغه لنَفسِهِ فِي أَنه هَل يسْتَحق الْأُجْرَة السَّادِسَة إِذا مَاتَ الْأَجِير فِي أثْنَاء الْحَج يقدم على هَذَا أَن من مَاتَ فِي أثْنَاء حجه فَهَل لوريثه أَن يسْتَأْجر من يَبْنِي على حجه وَيَأْتِي بالبقية فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا نعم لِأَن الِاسْتِنَابَة فِي بعضه كالاستنابه فِي كُله وَالثَّانِي لَا إِذْ يبعد أَدَاء عبَادَة وَاحِدَة من شَخْصَيْنِ فَإِن جَوَّزنَا فَمَاتَ قبل الْوُقُوف أحرم الْأَجِير من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ الْمُسْتَأْجر عَنهُ وَلَا ضَرَر فِي وُقُوعه وَرَاء الْمِيقَات وَإِن مَاتَ بعد الْوُقُوف وَبعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر قَالَ المراوزة يحرم الْأَجِير وَإِن لم يكن فِي أشهر الْحَج لِأَن هَذَا بِنَاء على مَا سبق فِي الْأَشْهر وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يحرم بِعُمْرَة وَيَأْتِي بِبَقِيَّة أَعمال الْحَج وَلَا يَأْتِي بمناسك مني وَهُوَ بعيد

وَإِن مَاتَ بَين التحللين فَقِيَاس المراوزة أَن يَأْتِي بِإِحْرَام حكمه أَن لَا يمْنَع اللّبْس والقلم وَإِن مَاتَ بعد التحللين فَلَا يبْقى للْإِحْرَام وَجه فَيتَعَيَّن الرُّجُوع إِلَى إِبْدَال الْمَنَاسِك الْوَاقِعَة بعد التحللين رَجعْنَا إِلَى الْأَجِير فَإِن جَوَّزنَا الْبناء فالمستأجر مُتَمَكن مِنْهُ فَيسْتَحق وَرَثَة الْأَجِير قسطا من الْأُجْرَة لِأَن مَا سبق لم يحبط وَإِن قُلْنَا لَا يُمكن الْبناء فقد حَبط مَا سبق فَفِي اسْتِحْقَاق قسط من الْأُجْرَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يحصل لَهُ غَرَض وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ أَتَى بِالْبَعْضِ وَلم يقصر فِي الْبَعْض فَإِن قُلْنَا يسْتَحق قسطا فَفِي التَّوْزِيع وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تحسب الْمسَافَة بل يَبْتَدِئ التَّقْدِير من وَقت الْإِحْرَام فَمَا يُقَابله يسْتَحق وَالثَّانِي تحسب الْمسَافَة لِأَنَّهُ من عمله وعَلى هَذَا يسْتَحق الْأَكْثَر لَا محَالة وَإِن مَاتَ قبل الْإِحْرَام فَفِي احتساب السّفر خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحْسب لِأَن الذريعة إِذا لم تتصل بِالْمَقْصُودِ لَا يبْقى لَهَا حكم وَإِن كَانَت الْإِجَارَة وَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا تَنْفَسِخ بل يبْقى الْحَج دينا فِي تَركه الْأَجِير فيستأجر وَارثه من

تركته من يتم على قَول تَجْوِيز الْبناء أَو من يبتدىء حجا على قَول الْمَنْع السَّابِعَة لَو أحْصر الْأَجِير فتحلل فَهُوَ كالموت وَإِن فَاتَهُ الْحَج بعد الْإِحْرَام فَهُوَ كالإفساد لِأَنَّهُ يجب الْقَضَاء وَلَا يسْتَحق شَيْئا فِي مُقَابلَة عمله وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يسْتَحق قسطا

الْمُقدمَة الثَّانِيَة لِلْحَجِّ النّظر فِي الْمَوَاقِيت وَيُرَاد بالميقات الزَّمَان وَالْمَكَان أما الْمِيقَات الزماني لِلْحَجِّ فشهر شَوَّال وَذُو الْقعدَة وتسع من ذِي الْحجَّة وَفِي لَيْلَة الْعِيد إِلَى طُلُوع الْفجْر وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة لبَقَاء وَقت الْوُقُوف وَالثَّانِي لَا يَصح وَلَكِن يَدُوم فِي حق الْوُقُوف وَقَالَ أَبُو حنيفَة جَمِيع السّنة وَقت إِحْرَام الْحَج أما الْعمرَة فَجَمِيع السّنة وَقتهَا وَلَا يكره فِي وَقت كَرَاهِيَة الصَّلَاة وَلَا فِي سَائِر الْأَوْقَات إِذا كَانَ متخليا عَن النّسك أما الْحَاج العاكف بمنى فالمعرج على الرَّمْي وَالْمَبِيت لَا تَنْعَقِد عمرته فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ يحرم عَلَيْهِ الِاشْتِغَال بِعَمَل الْعمرَة فِي هَذَا الْوَقْت لوُجُوب الرَّمْي وَالْمَبِيت فرع إِذا أحرم قبل أشهر الْحَج انْعَقَد إِحْرَامه وَلم يكن حجا ويتحلل بِعَمَل عمْرَة وَهل تقع عمرته صَحِيحَة حَتَّى يتَأَدَّى بهَا عمْرَة الْإِسْلَام فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إِذا بَطل الْحَج بَقِي إِحْرَام مطبق وينصرف إِلَى الْعمرَة

وَالثَّانِي أَنه لَا يَقع عمْرَة بل هُوَ كمن فَاتَهُ الْحَج يتَحَلَّل بِعَمَل عمرته عَن إِحْرَامه وَلَا تتأدى عمرته بِهِ وَقيل إِن صرفه إِلَى الْعمرَة انصراف إِلَيْهِ أما الْمِيقَات المكاني فالحاج أَرْبَعَة أَصْنَاف الأول الآفاقي المتوجه إِلَى مَكَّة على قصد النّسك عمْرَة كَانَ أَو حجا فَعَلَيهِ أَن يحرم من الْمِيقَات وميقات أهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وميقات أهل الشَّام الْجحْفَة وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَلأَهل نجد الْيمن ونجد الْحجاز قرن وَلأَهل الْمشرق ذَات عرق لتعيين عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك وَاسْتمرّ النَّاس عَلَيْهِ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن يحرم من الْعَتِيق قبل ذَات عرق لوُرُود خبر مُرْسل فِيهِ

ثمَّ هَذِه الْمَوَاقِيت لأَهْلهَا وَلكُل من مر بهَا من سَائِر الْبِلَاد ويكفيه أَن يحرم من مَوضِع بِإِزَاءِ مِيقَاته فَإِن الْمَقْصُود مِقْدَار بعده عَن مَكَّة وَالْأولَى أَن يحرم من أول الْمِيقَات وَإِن أحرم من آخِره فَلَا بَأْس فروع أَرْبَعَة الأول رَاكب التعاسيف إِذا لم ينْتَه إِلَى مِيقَات أحرم من حَيْثُ يوازي أول

الْمِيقَات فَهُوَ مِيقَاته وَلَو حَاذَى ميقاتين نسبنا إِحْرَامه إِلَى أَي الميقاتين أردنَا فَإِن كَانَ أَحدهمَا أبعد من مَكَّة وَكَانَ أقرب من موقفه من الآخر نسبنا إِحْرَامه إِلَيْهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا على سَوَاء فَوَجْهَانِ أَحدهمَا النِّسْبَة إِلَى الْأَبْعَد وَالثَّانِي إِلَى الْأَقْرَب وتتبين فَائِدَته فِيمَن جَاوز غير محرم وَلَزِمَه الْعود وعسر الرُّجُوع إِلَى موقفه بالضلال فَإلَى أَي الميقاتين يرجع وَلَو رَجَعَ إِلَى موقفه كَفاهُ بل يَكْفِي كل مجاوز أَن يعود إِلَى مثل تِلْكَ الْمسَافَة وَإِن لم يعد إِلَى ذَلِك الْموقف بِعَيْنِه الثَّانِي الْغَرِيب إِذا أَتَى من جَانب وَلم يمر بميقات وَلَا حاذاه فَيحرم على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة نزولا على قَضَاء عمر رَضِي الله عَنهُ فِي تأقيت ذَات عرق لأهل الْمشرق والتفاتا إِلَى حد الْمَذْهَب فِي حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام الثَّالِث مهما جَاوز الْموضع الذى هُوَ مِيقَات فِي حَقه فقد أَسَاءَ فَعَلَيهِ الدَّم فَإِن عَاد وَلَكِن بعد دُخُول مَكَّة لم يَنْفَعهُ الْعود وَإِن قبل دُخُول مَكَّة وَقبل مُجَاوزَة الْمِيقَات من مَسَافَة الْقصر سقط دم الْإِسَاءَة وَصَارَ متداركا بإحرامه من الْمِيقَات وَإِن جَاوز مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ إِذا بعد انْقَطع طَرِيق التَّدَارُك هَذَا إِذا عَاد وَأَنْشَأَ الْإِحْرَام من الْمِيقَات فَإِن أنشأ الْإِحْرَام حَيْثُ انْتهى وَعَاد إِلَى الْمِيقَات محرما فَفِي

كَونه متداركا وَجْهَان فَإِن جَعَلْنَاهُ متداركا فَلَا يلْزمه أَن يعود ملبيا خلافًا لأبي حنيفَة الرَّابِع لَو أحرم قبل الْمِيقَات فَهُوَ أفضل قطع بِهِ فِي الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد يكره وَهُوَ متأول وَمَعْنَاهُ أَن يتوقى الْمخيط وَالطّيب من غير إِحْرَام وَإِذا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَمام الْحَج وَالْعمْرَة أَن يحرم بهما من دويرة أَهله

الصِّنْف الثَّانِي من يتَوَجَّه إِلَى مَكَّة لتِجَارَة لَا للنسك فَهَل يلْزمه أَن يدْخل مَكَّة محرما من الْمِيقَات فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فليجاوزه وَلَا إساءة فَإِن سنح لَهُ بعد ذَلِك أَن يحرم فميقاته عِنْد ظُهُور قصد النّسك فَإِن جاوزه فَهُوَ كَمَا لَو جَاوز الْمِيقَات الصِّنْف الثَّالِث من مَسْكَنه بَين الْمِيقَات وَبَين مَكَّة فميقاته مَسْكَنه فَلَا يُجَاوِزهُ الصِّنْف الرَّابِع الْمُقِيم بِمَكَّة مكيا كَانَ أَو آفافيا فميقاته مَكَّة وَالْأَفْضَل أَن يحرم من بَاب دَاره أَو فِي الْمَسْجِد قَرِيبا من الْبَيْت فِيهِ اخْتِلَاف نَص فَإِن خرج الْمَكِّيّ

إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ فَهُوَ مسيء يلْزمه الدَّم أَو الْعود إِن أحرم بعد مُفَارقَة الْعمرَان وَقبل الِانْتِهَاء إِلَى الْحل وَأحرم بِالْحَجِّ فَوَجْهَانِ منشؤهما أَن الْمِيقَات فِي حَقهم هُوَ الْحرم أَو خطة مَكَّة أما الْعمرَة فميقاتها كميقات الْحَج إِلَّا فِي حق الْمَكِّيّ والمستوطن بهَا فَإِن عَلَيْهِم الْخُرُوج إِلَى أَطْرَاف الْحل وَلَو بخطوة فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام أَو دَوَامه على رَأْي وَأفضل أَطْرَاف بقاع الْحل الْجِعِرَّانَة وَهِي الَّتِي أحرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَبعده التَّنْعِيم وَهُوَ أقرب إِلَى الْحرم وَقد اعْتَمَرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مِنْهُ وَبعده الْحُدَيْبِيَة

فرع وَلَو أحرم من مَكَّة فِي الْحرم وَلم يخرج إِلَى الْحل فَفِي الِاعْتِدَاد بعمرته قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ إساءة فِي الْمِيقَات فَلَا تمنع الِاعْتِدَاد كَالْحَجِّ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْجمع بَين الْحل وَالْحرم ركن فِي الْحَج فَإِن عَرَفَة من الْحل فَكَذَلِك فِي الْعمرَة فعلى هَذَا إِن خرج إِلَى الْحل ثمَّ أعَاد الطّواف وَالسَّعْي كَفاهُ

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي الْمَقَاصِد وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي وُجُوه أَدَاء النُّسُكَيْنِ وَله ثَلَاثَة أوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول الْإِفْرَاد وَهُوَ أَن يحرم بِالْحَجِّ من مِيقَاته أَولا فَإِذا فرغ خرج إِلَى طرف الْحل وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَكَذَا لَو قدم الْعمرَة فِي غير أشهر الْحَج ثمَّ حج من الْمِيقَات فَهُوَ مُفْرد الْوَجْه الثَّانِي الْقرَان وَهُوَ أَن يحرم بهما جَمِيعًا فتندرج الْعمرَة تَحت الْحَج وَيكون حَاله حَال الْحَج الْمُفْرد وَكَذَا لَو أحرم بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ قبل الشُّرُوع فِي أَعمال الْعمرَة فَإِن خَاضَ فِي الطّواف فَأدْخل عَلَيْهِ الْحَج لَغَا إِدْخَاله لِأَن أَعمال الْعمرَة من أَسبَاب التَّحَلُّل فَلَا يُمكن الْقُرْآن مَعَ اخْتِلَاف الْإِحْرَام وَفِي إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج قَولَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز كَعَكْسِهِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يتَغَيَّر حكم الْحَج بِدُخُول الْعمرَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعمرَة فَإِنَّهَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة دُخُول الْحَج فَإِن جَوَّزنَا فَفِي وقته أَرْبَعَة أوجه

أَحدهَا أَنه لَا يجوز مَا لم يستغل بِعَمَل وَلَو بِطواف الْقدوم وَالثَّانِي أَنه يجوز مَا لم يشْتَغل بِرُكْن وَلَو بالسعي بعد طواف الْقدوم وَالثَّالِث يجوز مَا لم يخرج وَقت الْوُقُوف وَإِن سعى من قبل لِأَن الْحَج عَرَفَة وَالرَّابِع يجوز وَإِن فَاتَ وَقت الْوُقُوف مَا لم يشْتَغل بِأَسْبَاب التَّحَلُّل وعَلى هَذَا لَو كَانَ قد سعى فَالصَّحِيح أَنه لَا يلْزمه إِعَادَة السَّعْي لِأَنَّهُ إِذا صَار قَارنا حصل الاندراج وَقيل لَا يَكْتَفِي بالسعي السَّابِق ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ قَارنا لم يُخرجهُ إِلَى نِيَّة الْقرَان بل يَكْفِيهِ إِحْرَامه بالنسك الثَّانِي وَيجب على الْقَارِن الآفاقي دم كَمَا على الْمُتَمَتّع الْوَجْه الثَّالِث التَّمَتُّع والمتمتع هُوَ كل آفاقي زاحم إِحْرَام الْحَج لنَفسِهِ بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج مَعَ نِيَّة التَّمَتُّع فَيلْزمهُ الدَّم لأمرين أَحدهمَا ربحه أحد الميقاتين إِذا أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة من غير عود إِلَى الْمِيقَات وَالثَّانِي زحمة الْحَج فِي أشهره بِالْعُمْرَةِ

وَقد اشْتَمَلت الرابطة على قيود الأول الآفاقي فَمن كَانَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ دم لِأَن مِيقَاته لِلْحَجِّ نفس مَكَّة

وحاضروا الْمَسْجِد الْحَرَام كل من كَانَ بَينه وَبَين مَكَّة مَا دون مَسَافَة الْقصر سَوَاء كَانَ مستوطنا أَو مُسَافِرًا حَتَّى إِن الآفاقي إِذا جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد نسكا فَلَمَّا دخل مَكَّة عَن لَهُ أَن يعْتَمر ثمَّ يحجّ لم يلْزمه الدَّم وَإِن عَن لَهُ ذَلِك قبل دُخُول مَكَّة على أقل من مَسَافَة الْقصر فَأحْرم بِالْعُمْرَةِ من مَوْضِعه ثمَّ حج فِي تِلْكَ السّنة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَو كَانَ وَطنه ذَلِك الْموضع وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن اسْم الْحَاضِر لَا يتَنَاوَلهُ إِلَّا إِذا كَانَ فِي نفس مَكَّة أَو كَانَ متسوطنا حواليها فرع لَو كَانَ لَهُ مسكنان أَحدهمَا خَارج عَن مَسَافَة الْقصر فَحكمه حكم الْمسكن الَّذِي أنشأ الْإِحْرَام مِنْهُ إِلَّا إِذا كَانَ سكونه بِأَحَدِهِمَا أَكثر أَو كَانَ أَهله بِأَحَدِهِمَا فَالْعِبْرَة بِهِ الْقَيْد الثَّانِي أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج فَلَو تقدّمت ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ

من جَوف مَكَّة كَانَ مُفردا لَا مُتَمَتِّعا وَهل يلْزمه دم الْإِسَاءَة بترك مِيقَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يُجَاوز الْمِيقَات غير محرم وَالثَّانِي نعم لِأَن مَكَّة لَيْسَ مِيقَات الْحَج فِي حق الآفاقي فعلى هَذَا عَلَيْهِ الْعود إِلَى الْمِيقَات فَإِن لم يفعل لزمَه الدَّم فَأَما إِذا وَقع بعض الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَإِن لم يسْبق إِلَّا الْإِحْرَام فَفِي كَونه مُتَمَتِّعا وَجْهَان وَإِن سبق بعض الْأَفْعَال فَوَجْهَانِ مرتبان منشؤهما أَن النّظر إِلَى أول الْإِحْرَام أَو آخِره وَقطع ابْن سُرَيج بِأَنَّهُ لَو دخل شَوَّال وَهُوَ محرم بِالْعُمْرَةِ لم يُفَارق الْمِيقَات بعد فَهُوَ متمتع الْقَيْد الثَّالِث أَن تقع الْعمرَة وَالْحج فِي سنة وَاحِدَة فَلَو فرغ من الْعمرَة فَأخر الْحَج إِلَى السّنة الثَّانِيَة وَأحرم بِهِ من مَكَّة فَلَا دم عَلَيْهِ إِذْ صَارَت مَكَّة ميقاتا لَهُ وَلَو عزم على الْإِقَامَة ثمَّ حج فِي السّنة الأولى لم يسْقط دم الْمُتَمَتّع فَإِنَّهُ بِالْعُمْرَةِ فِي الْمِيقَات الْتزم الْعود إِلَى الْمِيقَات أَو الدَّم الرَّابِع أَن لَا يعود إِلَى الْمِيقَات لِلْحَجِّ فَلَو عَاد إِلَيْهِ أَو إِلَى مثل مسافته كَانَ مُفردا وَلَو عَاد إِلَى مِيقَات قرب من ذَلِك الْمِيقَات فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان

وَلَو أحرم من مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات الأول محرما فَفِي سُقُوط الدَّم قَولَانِ كَمَا فِي دم الْإِسَاءَة الْخَامِس وُقُوع النُّسُكَيْنِ عَن شخص وَاحِد فالأجير إِذا اعْتَمر من الْمِيقَات لنَفسِهِ وَحج من جَوف مَكَّة لمستأجره فَلَيْسَ بمتمتع لِأَنَّهُ لم يزحم حجا وَاجِبا بِالشَّرْعِ بل بِالْإِجَارَة وَهَذَا الشَّرْط زَاده الخضرى وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه وعَلى مذْهبه يعود التَّرَدُّد فِي لُزُوم دم الْإِسَاءَة كَمَا فِي الْمُتَمَتّع إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل شَوَّال وَدم الْإِسَاءَة يُخَالف دم الْمُتَمَتّع فِي صفه الْبَدَل وَفِي أَنه يَعْصِي ملتزمه وَيجب عَلَيْهِ تَدَارُكه عِنْد الْإِمْكَان السَّادِس نِيَّة التَّمَتُّع وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا تعْتَبر كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى لَو كَانَ عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ على عزم أَن لَا يحجّ فِي هَذِه السّنة أَو على عزم أَن يعود إِلَى الْمِيقَات لم يكن نَاوِيا وَالثَّانِي لَا تعْتَبر هَذِه النِّيَّة كَمَا فِي الْقرَان

فَإِن اعْتبرنَا النِّيَّة فَفِي وقته وَجْهَان أَحدهمَا فِي أول إِحْرَام الْعمرَة وَالثَّانِي أَنه يتمادى إِلَى آخر إِحْرَام الْعمرَة كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ هَذِه شَرَائِط التَّمَتُّع فَلَو جَاوز الْمُتَمَتّع مَكَّة فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ كَانَ مسيئا ومتمتعا فَيلْزمهُ دمان كَمَا يجب دم الْإِسَاءَة على الْمَكِّيّ إِذا فَارق مَكَّة وَلَا يَكْفِيهِ دم التَّمَتُّع بل ذَلِك لزحمة إِحْرَام الْحَج عَن الْمِيقَات وَدم الْإِسَاءَة لمفارقة مَكَّة فِي إِحْرَام الْحَج مَعَ أَنَّهَا مِيقَاته فَإِن قيل فَأَي الْجِهَات أفضل قُلْنَا الْإِفْرَاد فَإِنَّهُ يَتَعَدَّد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل وَالْقرَان فِي آخر الرتب إِذْ يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَالْعَمَل والتمتع يتحد فِيهِ الْمِيقَات وَلَكِن يَتَعَدَّد الْعَمَل فَهُوَ بَينهمَا وَفِيه قَول أَن التَّمَتُّع أفضل من الْإِفْرَاد لاشْتِمَاله على الدَّم وَحكي قَول آخر أَن الْقرَان أفضل من التَّمَتُّع

ولنذكر الْآن مُوجب الْقرَان والتمتع وَهَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا على الْمُتَمَتّع والقارن فِي مَعْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والمتمتع إِن كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيهِ إِرَاقَة دم وَقت وُجُوبه الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَله إراقته قبل يَوْم النَّحْر لِأَنَّهُ دم جبران وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخْتَص بِهِ لِأَنَّهُ دم نسك وقربان وَفِي جَوَاز إراقته قبل الْحَج وَبعد الْعمرَة قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ كَفَّارَة مَالِيَّة فَيقدم على أحد سببيه ككفارة الْيَمين وَالثَّانِي لَا لِأَن اسْم الْيَمين مُتَحَقق قبل الْحِنْث وَاسم التَّمَتُّع إِلَى الْحَج لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد الْحَج

فَإِن جَوَّزنَا ذَلِك فَفِي جَوَازه قبل التَّحَلُّل عَن الْعمرَة وَجْهَان ومنشؤه أَن السَّبَب الأول يتم بِإِحْرَام الْعمرَة أَو بِتَمَامِهَا أما الْعَاجِز فَعَلَيهِ صِيَام عشرَة أَيَّام ثَلَاثَة فِي الْحَج وَسَبْعَة فِي الرُّجُوع وَيدخل وَقت الثَّلَاث بِإِحْرَام الْحَج وَلَا يجوز قبله لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا وَالْأولَى أَن تقدم على يَوْم عَرَفَة إِذْ الصَّوْم مَكْرُوه فِيهِ وَإِن أخر عَن النَّحْر فأيام التَّشْرِيق لَا تقبله كَيَوْم النَّحْر وَفِي الْقَدِيم قَوْله أَنه يقبل فَإِن تَأَخّر عَن أَيَّام التَّشْرِيق صَار قَضَاء وَيلْزمهُ الْقَضَاء خلافًا لأبي حنيفَة وَحكى ابْن سُرَيج قولا يُوَافق مَذْهَب أبي حنيفَة

وَأما السَّبْعَة فَأول وَقتهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الوطن وَهل يجوز فِي الطَّرِيق بعد التَّوَجُّه إِلَى الوطن فِيهِ وَجْهَان وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ هُوَ الرُّجُوع إِلَى مَكَّة وَقَول آخر أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ من الْحَج وعَلى هَذَا لَا يجوز فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَإِن قُلْنَا تقبل الْأَيَّام الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ لم يفرغ بعد من الْحَج وَالْأَيَّام السَّبْعَة لَا آخر لَهَا فَلَا تصير قَضَاء وَإِن فَاتَت الْأَيَّام الثَّلَاثَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى الوطن فَعَلَيهِ عشرَة أَيَّام

وَهل يجب التَّفْرِيق بَين الثَّلَاثَة والسبعة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا فِي الْأَدَاء وَالثَّانِي لَا كَمَا أَن قَضَاء رَمَضَان لَا يجب فِيهِ الْوَلَاء وَإِن كَانَ أَدَاؤُهُ متواليا فَإِن قُلْنَا يجب فَهَل يَكْفِي يَوْم وَاحِد أم يتَقَدَّر التَّفْرِيق بِالْقدرِ المتخلل فِي الْأَدَاء فِيهِ وَجْهَان

فَإِن قَدرنَا بِهِ فيبتني الْمِقْدَار المتخلل على معرفَة معنى الرُّجُوع وَأَن أَيَّام التَّشْرِيق هَل تقبل الصَّوْم فَإِن قُلْنَا تقبل وَالْمرَاد بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغ فَلَا يَتَخَلَّل بَينهمَا فطر فَهَل يجب التَّفْرِيق فِي الْقَضَاء بِيَوْم فَوَجْهَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الْحَال قد افترق فِي الْأَدَاء بِوَقع الثَّلَاثَة فِي الْحَج والسبعة بعْدهَا فَلَا بُد فِي الْقَضَاء أَيْضا من فرق بِالزَّمَانِ بَدَلا عَنهُ ثمَّ الصَّحِيح أَنه إِذا صَامَ أحد عشر يَوْمًا كَفاهُ وَالْيَوْم الرَّابِع لَا يَقع عَن هَذِه الْجِهَة وَوَقع تَطَوّعا وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا بُد من الْإِفْطَار فِي الْيَوْم الرَّابِع فرعان أَحدهمَا إِن وجد الْهَدْي بعد الشُّرُوع فِي الصَّوْم لم يلْزمه خلافًا للمزني وَإِن وجد قبله وَبعد إِحْرَام الْحَج ابتنى على أَقْوَال الْكَفَّارَة فِي أَن الِاعْتِبَار بِحَالَة الْأَدَاء أم بِحَالَة الْوُجُوب الثَّانِي إِذا مَاتَ الْمُتَمَتّع قبل الْفَرَاغ من الْحَج فَهَل نتبين أَنه لم يحصل

التَّمَتُّع قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْحَج لم يتم وَكَأَنَّهُ لم يحجّ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ يُحَقّق التَّمَتُّع وَلَو مَاتَ بعد الْفَرَاغ من الْحَج وَقبل الرُّجُوع إِلَى الوطن أخرج الدَّم من تركته فَإِن كَانَ عَاجِزا وَمَات بَرِئت الذِّمَّة لِأَنَّهُ لم يتَمَكَّن فِي السّفر فَهُوَ كَمَا إِذا دَامَ السّفر وَالْمَرَض فِي صَوْم رَمَضَان إِلَى الْمَوْت وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن فِي الوطن فَحكم هَذِه الْأَيَّام حكم أَيَّام رَمَضَان حَتَّى يَصُوم عَنهُ وليه أَو يفْدي كل يَوْم بِمد وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه لَا يُقَاس هَذَا على رَمَضَان فِي الْفِدْيَة وَصَوْم الْوَلِيّ لِأَنَّهُ غير مَعْقُول فِي نَفسه فَلم يرد إِلَّا فِي رَمَضَان وَالثَّانِي أَنه يرجح إِلَى الدَّم إِن أمكن لِأَن صَوْم رَمَضَان لَيْسَ لَهُ أصل يرجع إِلَيْهِ فعلى هَذَا لَو بَقِي يَوْم وَاحِد أَو يَوْمَانِ فَهُوَ كَمَا لَو حلق شَعْرَة وَاحِدَة أَو شعرتين وَسَيَأْتِي

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَعمال الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولنقدم عَلَيْهِ جملها فالآفاقي إِذا انْتهى إِلَى الْمِيقَات يحرم ويتزيا بزِي المحرمين فَإِذا دخل مَكَّة لم يعزم على شئ حَتَّى يطوف طواف الْقدوم وَلَيْسَ هَذَا الطّواف بِرُكْن ثمَّ إِن شَاءَ يسْعَى بعده فَيَقَع السَّعْي ركنا إِذْ لَيْسَ تَأْخِيره عَن الْوُقُوف شرطا فِي كَونه ركنا بِخِلَاف الطّواف ثمَّ يصبر إِلَى الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب بهم الإِمَام ويوصيهم بالبكور يَوْم التَّرويَة إِلَى مني وبالنهوض إِلَى عَرَفَة فيمتدون يَوْم التَّرويَة إِلَى مني ويبيتون لَيْلَة عَرَفَة بهَا وَذَلِكَ مبيت منزل وَعَادَة لَا مبيت نسك ثمَّ يُصْبِحُونَ يَوْم عَرَفَة متوجهين إِلَيْهَا فيوافونها قبل الزَّوَال ويشتغلون بِالدُّعَاءِ ويقبضون مِنْهَا عِنْد الْغُرُوب إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ الْمغرب مَعَ الْعشَاء ويبيتون بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك ثمَّ يصلونَ الصُّبْح يَوْم النَّحْر مغلسين ويتوجهون إِلَى منى وعَلى طريقهم الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا إِلَى الْإِسْفَار ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر فيسرعون فِيهَا عدوا وركضا ثمَّ يوافون منى عِنْد طُلُوع الشَّمْس ويرمون

ويحلقون ويذبحون ثمَّ يقبضون إِلَى مَكَّة ويطوفون طواف الرُّكْن وَيُسمى طواف الْإِفَاضَة والزيارة ثمَّ ينطلقون إِلَى منى للمبيت وَالرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَإِذا فرغوا عَادوا إِلَى مَكَّة وطافوا طواف الْوَدَاع وَانْصَرفُوا وَفِي الْحَج أَربع خطب يَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة وَيَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَيَوْم النَّفر الأول وكل ذَلِك بعد صَلَاة الظّهْر وإفراد إِلَّا يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ يخْطب خطبتين بعد الزَّوَال وَقبل الظّهْر هَذِه جملها أما التَّفْصِيل فَفِيهِ اثْنَا عشر فصلا

الْفَصْل الأول فِي الْإِحْرَام وَهُوَ عندنَا مُجَرّد النِّيَّة من غير حَاجَة إِلَى تَلْبِيَة خلافًا لأبي حنيفَة وَحكي قَول قديم مثل مذْهبه ثمَّ النِّيَّة لَهَا ثَلَاثَة أوجه الأول التَّفْصِيل فَإِذا نوى حجا أَو عمْرَة أَو قرانا قَضَاء كَانَ أَو نذرا أَو تَطَوّعا كَانَ كَمَا نوى إِلَّا إِذا غير التَّرْتِيب بِتَأْخِير فرض الْإِسْلَام أَو تَأْخِير الْفَرْض عَن النَّفْل وَلَو أهل بحجتين أَو عمرتين مَعًا أَو متلاحقا لَغَا أَحدهمَا وَلم تلْزمهُ الزِّيَادَة على الْوَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينعقدان ثمَّ ينْتَقل أَحدهمَا عِنْد الِاشْتِغَال بِالْعَمَلِ إِلَى الذِّمَّة الْوَجْه الثَّانِي الْإِطْلَاق فَإِذا نوى إحراما مُطلقًا مهما شَاءَ جعله حجا أَو عمْرَة أَو قرانا وَلَا يتَعَيَّن بِمُجَرَّد الِاشْتِغَال بِالطّوافِ للْعُمْرَة وَلَا بِالْوُقُوفِ لِلْحَجِّ بل لَا بُد من نِيَّة الصّرْف خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو أحرم مُطلقًا قبل الْأَشْهر ثمَّ عين لِلْحَجِّ بعد الْأَشْهر لم يجز على الْمَذْهَب

وَلَو أحرم بِالْعُمْرَةِ قبل الْأَشْهر ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهَا بعد الْأَشْهر للقران فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن الْإِحْرَام للقران كالمتحد فَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم على الْأَشْهر الْوَجْه الثَّالِث الْإِبْهَام فَإِذا قَالَ أَهلَلْت بإهلال كإهلال زيد صَحَّ إِذا أهل عَليّ بإهلال كإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن لم يكن زيد محرما انْعَقَد لَهُ إِحْرَام مُطلق وَإِن عرف أَنه لَيْسَ محرما بِأَن كَانَ مَيتا فَفِي انْعِقَاد أصل الْإِحْرَام وَجْهَان وَجه الِانْعِقَاد إِلْغَاء الْإِضَافَة وإبقاء الأَصْل وَقد نَص فِي الْأُم على أَنه لَو أحرم عَن مستأجرين تَعَارضا وتساقطا وانعقد عَن الْأَجِير وَلَو أحرم عَن نَفسه وَعَن الْمُسْتَأْجر فَكَذَلِك إِذْ بَطل التَّفْصِيل وَبَقِي أصل الْإِحْرَام

أما إِذا كَانَ زيد محرما فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يكون إِحْرَامه مفصلا فَينزل إِحْرَام الْمُعَلق عَلَيْهِ قرانا كَانَ أَو إفرادا الثَّانِيَة أَن يكون إِحْرَام زيد مُطلقًا فإحرام الْمُعَلق أَيْضا مُطلق وَإِلَيْهِ الْخيرَة فِي التَّعْيِين وَلَا يلْزمه اتِّبَاع زيد فِيمَا يستأنفه من التَّعْيِين فَأَما مَا فَصله قبل تَعْيِينه فَفِي لُزُومه وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أول الْإِحْرَام وَكَانَ مُطلقًا وَفِي الثَّانِي إِلَى الْحَالة الْمَوْجُودَة عِنْد التَّعْلِيق وَكَانَ مفصلا وَكَذَا إِذا كَانَ أحرم أَولا بِعُمْرَة ثمَّ أَدخل الْحَج عَلَيْهِ الثَّالِثَة أَن يُصَادف زيدا مَيتا بعد الْإِحْرَام وَتعذر مُرَاجعَته فهم كَمَا لَو نسي الرجل مَا أحرم بِهِ وَكَانَ قد أحرم مفصلا وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَن يجْتَهد وَيَأْخُذ بغالب الظَّن كَمَا فِي الْقبْلَة إِن كَانَ لَهُ ظن غَالب والجديد الصَّحِيح أَنه يلْزمه الْبناء على الْيَقِين وَطَرِيقه أَن يَجْعَل نَفسه قَارنا فَإِذا فرغ من الْحَج بَرِئت ذمَّته من الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُعْتَمِرًا أَولا فقد أَدخل الْحَج عَلَيْهِ وتبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة أَيْضا بِيَقِين إِلَّا إِذا منعنَا إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج فَيحْتَمل أَن يكون إِحْرَامه أَولا بِالْحَجِّ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِنَّه يبرأ عَن الْعمرَة وَيكون هَذَا عذرا فِي جَوَاز إِدْخَال الْعمرَة فِي الْحَج كَمَا أَن التَّرَدُّد فِي النِّيَّة عِنْد نِسْيَان صَلَاة من الصَّلَوَات الْخمس عذر فِي إِجْزَاء الصَّلَاة فَإِن قُلْنَا تَبرأ عَن الْعمرَة لزمَه دم الْقرَان وَإِلَّا فَلَا يلْزمه لِأَن الْقرَان مَشْكُوك فِيهِ فَأَما إِذا طَاف أَولا ثمَّ شكّ فَيمْنَع إِدْخَال الْحَج لَو كَانَ مُعْتَمِرًا فِي علم الله فَلَا يَكْفِيهِ الْقرَان بل طَرِيقه أَن يسعي ويحلق ويبتدأ إحراما بِالْحَجِّ من جَوف مَكَّة ويتممه فتبرأ ذمَّته عَن الْحَج بِيَقِين لِأَنَّهُ إِن كَانَ حَاجا فغايته حلق فِي غير أَوَانه وَفِيه دم وَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا فقد تحلل بِالْحلقِ وَالسَّعْي وَأَنْشَأَ بعده حجا فَصَارَ مُتَمَتِّعا وَفِيه دم وَلَا تَبرأ ذمَّته عَن الْعمرَة لاحْتِمَال أَن الأول كَانَ حجا وَالدَّم لَا بُد مِنْهُ وَلكنه لَا يدْرِي أهوَ دم حلق أم دم تمتّع وَتَعْيِين جِهَة الْكَفَّارَات فِي النِّيَّة لَيْسَ شرطا فَلَا يضر التَّرَدُّد نعم لَو كَانَ مُعسرا فبدل الْفِدْيَة ثَلَاثَة أَيَّام وَبدل التَّمَتُّع عشرَة أَيَّام فَإِن أَتَى بِالثلَاثِ فَهَل تَبرأ ذمَّته فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِد غير مستيقن فَلَا يُوجِبهُ وَالثَّانِي لَا لِأَن شغل الذِّمَّة بِالصَّوْمِ مستيقن والبراءة بِهَذَا الْقدر غير مستيقن وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحلق لَا نأمره بِهِ لاحْتِمَال أَنه حَاج وَالْحلق فِي غير

أَوَانه محرم إِلَّا بأذى من نفس الشّعْر والأذى هَاهُنَا من النسْيَان نعم لَو بَادر فحلق كَانَ حكمه مَا ذَكرْنَاهُ وَالْأَظْهَر أَنه يُؤمر بِهِ لِأَن هَذَا الضَّرَر أعظم من أَذَى الشّعْر إِذْ يُؤدى إِلَى فَوَات الْحَج لَو لم يفعل ذَلِك

الْفَصْل الثَّانِي فِي سنَن الْإِحْرَام وَهِي خمس الأولى الْغسْل للْإِحْرَام تنظيفا حَتَّى يسن للحائض وَالنُّفَسَاء فَإِن لم يجد المَاء يتَيَمَّم كَسَائِر أَنْوَاع الْغسْل قَالَ فِي الْأُم يغْتَسل الْحَاج لسبعة مَوَاطِن للْإِحْرَام وَدخُول مَكَّة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَالْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة ولرمي الْجمار الثَّلَاث لِأَن هَذِه الْمَوَاضِع يجْتَمع لَهَا النَّاس فَيُسْتَحَب لَهَا الِاغْتِسَال كَالْجُمُعَةِ وَلَا يغْتَسل لرمي جَمْرَة الْعقبَة لِأَن وقته من نصف اللَّيْل إِلَى آخر النَّهَار فَلَا يجْتَمع لَهَا النَّاس فِي وَقت وَاحِد وأضاف إِلَيْهَا فِي الْقَدِيم الْغسْل لطواف الزِّيَارَة وَطواف الْوَدَاع لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ لَهما وَلم يسْتَحبّ فِي الْجَدِيد لِأَن وقتهما يَتَّسِع فَلَا يتَّفق الِاجْتِمَاع الثَّانِيَة التَّطَيُّب للْإِحْرَام مُسْتَحبّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف وَرَأَيْت وبيص الْمسك فِي مفارقه بعد الْإِحْرَام

وَذَلِكَ يدل على أَن التَّطَيُّب مِمَّا يبقي جرمه جَائِز خلافًا لأبي حنيفَة أما تطييب ثوب الْإِحْرَام قصدا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا الْجَوَاز قِيَاسا على الْبدن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ رُبمَا ينْزع الثَّوْب فِي وَقت الْغسْل ثمَّ يُعِيدهُ إِلَى الْبدن فَيكون تطييبا مستأنفا وَالثَّالِث أَنه يجوز تطييبه مِمَّا لَا يبْقى لَهُ جرم مشَاهد فَإِن قُلْنَا يجوز فَلَو نزع بعد الْإِحْرَام وَأعَاد فَفِي لُزُوم الْفِدْيَة وَجْهَان وَلَو تنحى جرم الطّيب بالعرق من بدنه فَلَا فديَة على أظهر الْوَجْهَيْنِ لِأَن ذَلِك لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ وَمِنْهُم من قَالَ يجب إِن لم يُبَادر إِلَى إِزَالَته وَيسْتَحب الاختضاب للْمَرْأَة تعميما لليد لَا تطريفا وتزينا

وَيسْتَحب لَهَا ذَلِك فِي كل حَال ليستر بَشرَتهَا عَن الْأَعْين الثَّالِثَة أَن يتجرد عَن الْمخيط فِي إِزَار ورداء أبيضين ونعلين لِأَن أحب الثِّيَاب إِلَى الله الْبيض الرَّابِعَة أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْإِحْرَام ثمَّ يحرم فِي مُصَلَّاهُ بعد السَّلَام قَاعِدا وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يهل حَتَّى تنبعث بِهِ دَابَّته ليَكُون الْعَمَل مَقْرُونا بالْقَوْل الْخَامِسَة أَن لَا يقْتَصر على مُجَرّد النِّيَّة وَلكنه يُلَبِّي عِنْد النِّيَّة بِلِسَانِهِ فَيَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك

لَك وَيُصلي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده وَإِذا رأى شَيْئا فأعجبه قَالَ لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة ويجدد التَّلْبِيَة فِي طريان التغايير وَفِي كل صعُود وهبوط وَفِي أدبار الصَّلَوَات وإقبال اللَّيْل وَالنَّهَار وَيسْتَحب فِي مَسْجِد مَكَّة منى وعرفات وَفِيمَا عَداهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه يُلَبِّي فِي كل مَسْجِد وَفِي حَال الطّواف قَولَانِ وَالْقَدِيم أَنه يُلَبِّي ويخفض صَوته وَقَالَ فِي الْأُم لَا يُلَبِّي لِأَن للطَّواف ذكرا يخْتَص بِهِ وَيسْتَحب رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ لكل أحد إِلَّا النِّسَاء وَفِي كل مَكَان إِلَّا فِي الْمَسَاجِد وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ الرّفْع أَيْضا وَإِنَّمَا يجْتَنب فِي الْمَسْجِد رفع الصَّوْت بِغَيْر الْأَذْكَار

الْفَصْل الثَّالِث فِي سنَن دُخُول مَكَّة وَهِي أَرْبَعَة الأولى أَن يغْتَسل بِذِي طوى وَلَا يقنع بِمَا سبق من غسل الْإِحْرَام الثَّانِيَة أَن يدْخل مَكَّة من ثنية كداء بِفَتْح الْكَاف وَهِي ثنية فِي أَعلَى مَكَّة وَيخرج مِنْهُ ثنية كدى بِضَم الْكَاف وَهِي فِي أَسْفَلهَا وَقيل إِنَّه لَا نسك فِيهِ لِأَنَّهُ وَقع على طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقْصد الْعُدُول إِلَيْهِ الثَّالِثَة إِذا وَقع بَصَره على الْكَعْبَة عِنْد رَأس الرَّدْم فليقف وَليقل اللَّهُمَّ زد هَذَا

الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه أَو عظمه مِمَّن حجه أَو اعتمره تَعْظِيمًا وتشريفا وتكريما وَبرا وَيَقُول بعد هَذِه اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ ثمَّ يَدْعُو بِمَا أحب الرَّابِعَة أَن يدْخل الْمَسْجِد من بَاب بني شيبَة فيؤم الرُّكْن الْأسود من الْبَيْت وَقد عدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَاب بني شيبَة وَلم يكن على طَرِيقه فَدلَّ على كَونه سنة فَإِن قيل من دخل مَكَّة غير محرم هَل يَعْصِي قُلْنَا إِن كَانَ مرِيدا نسكا فَلَا بُد من إِحْرَامه فِي الْمِيقَات وَإِن دخل لتِجَارَة اسْتحبَّ وَفِي الْوُجُوب قَولَانِ أَحدهمَا يجب

لِاتِّفَاق الْخلق عَلَيْهِ عملا وَالثَّانِي لَا لِأَن سَبيله سَبِيل تَحِيَّة الْمَسْجِد وَهَذَا فِي الْغَرِيب أما الحطابون وَأَصْحَاب الروايا والمترددون إِلَى مَكَّة فِي مصالحهم لَا يلْزمهُم للْحَاجة وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَقيل يلْزمهُم فِي السّنة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد فَإِن ألزمنا الْغَرِيب فَترك فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجب لِأَن عوده يَقْتَضِي إحراما آخر أَدَاء وَالثَّانِي يجب وَيجب فِي الْعود إِحْرَام مَقْصُود لَهُ وَفِي الِابْتِدَاء كَانَ يلقِي إِحْرَام عَن نذر أَو قَضَاء أَو غَيره

هَذَا فِي الْأَحْرَار أما العبيد فَلَا إِحْرَام عَلَيْهِم سَوَاء دخلوها بِإِذن السَّادة أَو بِغَيْر إذْنهمْ فَإِن أذن السَّيِّد فِي الدُّخُول بِالْإِحْرَامِ لم يلْزم على أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا أذن فِي حُضُور الْجُمُعَة

الْفَصْل الرَّابِع فِي الطّواف فَإِذا دخل من بَاب بني شيبَة فليتوجه إِلَى الرُّكْن الْأسود وليستلمه وليجعل الْبَيْت على يسَاره وَيَطوف إِلَى أَن يعود إِلَى الْحجر سبع مَرَّات وَهَذَا طواف الْقدوم وَالنَّظَر فِي الطّواف فِي واجباته وسننه وأقسامه أما الْوَاجِبَات فثمانية الأول شَرَائِط الصَّلَاة من طَهَارَة الْحَدث والخبث وَستر الْعَوْرَة والقرب من الْبَيْت بدل عَن الِاسْتِقْبَال قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام وطهارة المطاف الذى يمشى عَلَيْهِ كطهارة مَكَان الصَّلَاة الثَّانِي التَّرْتِيب وَهُوَ أَن يبتدي بِالْحجرِ الْأسود وَيجْعَل الْبَيْت على يسَاره فَلَو

جعل الْبَيْت على يَمِينه لم يحْسب وَإِن استقبله تردد فِيهِ الْقفال وَلَو ابْتَدَأَ بِغَيْر الْحجر الْأسود لم يعْتد بطوافه إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْحجر فَمِنْهُ يسْتَأْنف الإحتساب وبنبغي أَن يبتدأ بِحَيْثُ يمر بِجَمِيعِ بدنه على جَمِيع الْحجر الْأسود فَإِن حاذاه بِبَعْض بدنه ثمَّ اجتاز فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا اسْتقْبل بِبَعْض بدنه طرف الْبَيْت وَصلى الثَّالِث أَن يكون بِجَمِيعِ بدنه خَارِجا عَن كل الْبَيْت فَلَا يطوف فِي الْبَيْت فَلَو مَشى على شاذروان الْبَيْت وَهُوَ عرض أساسه كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُزنِيّ التأزير بِمَعْنى التأسيس فَقيل التأزير مَأْخُوذ من الإزر

وَلَو مشي على الأَرْض وَأدْخل يَده فِي موازاة الشاذوران بِحَيْثُ كَانَ يمس الْجِدَار فيده فِي الْبَيْت وَلَكِن مُعظم بدنه خَارج فَيصح على الْأَظْهر وَلَو دخل فَتْحة الْحجر من جَانب وَخرج من الْجَانِب الآخر لم يعْتد بِهَذَا الشوط إِلَى أَن يعود إِلَى الفتحة الأولى فيدور على محوط الْحجر لِأَن سِتَّة أَذْرع من محوط الْحجر كَانَ من الْبَيْت فَأخْرج مِنْهُ لما قصرت النَّفَقَة عِنْد الْعِمَارَة

الرَّابِع أَن يطوف دَاخل الْمَسْجِد فَلَو طَاف خَارج الْمَسْجِد لم يجز وَلَو وسع الْمَسْجِد يجوز الطّواف فِي أقصي الْمَسْجِد لِأَن الْقرب مُسْتَحبّ لَا وَاجِب وَيصِح الطّواف على سطوح الْمَسْجِد وَفِي أروقته الْخَامِس الْمُوَالَاة وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط بل هُوَ من السّنَن وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الطَّهَارَة وَلَو أحدث فِي خلله فجدد الْوضُوء وَبنى فحاصل الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال أَصَحهَا الْجَوَاز وَالثَّانِي لَا لاشْتِرَاط الْمُوَالَاة وَالثَّالِث أَنه إِن تعمد لم يجز وَإِن كَانَ سَهوا جَازَ السَّادِس رِعَايَة الْعدَد فَلَو اقْتصر على سِتَّة أَشْوَاط لم يجز وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقوم الْأَرْبَعَة مقَام الْكل السَّابِع رَكْعَتَانِ عِنْد الْمقَام عقيب الطّواف وَيقْرَأ فِي إِحْدَاهمَا قل يَا أَيهَا

الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَة الْإِخْلَاص فهما مشروعتان وليستا من الْأَذْكَار كالأشواط وَفِي وجوبهما قَولَانِ وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بِشَرْط فِي الطّواف الْمسنون ومأخذ الْوُجُوب تطابق النَّاس على فعله وَتَركه لَا يجْبر بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت إِذْ يجوز أداؤهما بعد الرُّجُوع إِلَى الوطن نعم لَو مَاتَ فينقدح أَن يجْبر بِالدَّمِ كَسَائِر الْوَاجِبَات الثَّامِن النِّيَّة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تشْتَرط لِأَنَّهَا فِي حكم عبَادَة وَإِن كَانَ ركنا فِي الْحَج وَالثَّانِي لَا يشْتَرط لِأَن وُقُوعه ركنا بعد الْوُقُوف مُتَعَيّن حَتَّى لَو طَاف بِهِ

دَابَّته وَهُوَ غافل أَو طَاف فِي طلب غَرِيم أَجزَأَهُ وَالثَّالِث أَنه يُجزئ إِلَّا إِذا صرفه إِلَى طلب غَرِيم أَو غَرَض آخر وَهَذَا فِي ركن الْحَج أما الطّواف ابْتِدَاء فعبادة مفتقرة إِلَى النِّيَّة أما السّنَن فَهِيَ خَمْسَة الأولى أَن يطوف مَاشِيا لَا رَاكِبًا وَإِنَّمَا ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليظْهر فيستفتى فَلَا بَأْس فِي الرّكُوب لمن هُوَ فِي مثل هَذَا الْحَال الثَّانِيَة الاستلام وَهُوَ أَن يقبل الْحجر فِي أول الطّواف وَفِي آخِره بل فِي

كل نوبَة فَإِن عجز فَفِي كل وتر فَإِن عجز بالزحمة مَسّه بِالْيَدِ ثمَّ قبل الْيَد أَو قبل الْيَد ثمَّ مَسّه فَإِن بعد بالزحمة أَشَارَ بِالْيَدِ فَإِذا انْتهى إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ خصصه بالمس وَقَبله لِأَنَّهُ الْبَاقِي على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من جملَة الْأَركان وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الْحجر الْأسود ليَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَله لِسَان ذلق يشْهد لمن قبله الثَّالِثَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد ابْتِدَاء الطّواف بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ الرَّابِعَة الاضطباع وَصورته أَن يَجْعَل وسط إزَاره فِي إبطه الْيُمْنَى

ويعري عَنهُ مَنْكِبه الْأَيْمن وَيجمع طرفِي الْإِزَار على عَاتِقه الْأَيْسَر كدأب أهل الشطارة وَذَلِكَ فِي طواف فِيهِ رمل ثمَّ قيل إِنَّه يديم هَذِه الْهَيْئَة إِلَى آخر الطّواف وَقيل إِلَى آخر السَّعْي الْخَامِسَة الرمل وَهُوَ السرعة فِي الْمَشْي مثل الخبب أَو دونه فِي ثَلَاثَة أَشْوَاط فِي أول الطّواف والسكينة مُسْتَحبَّة فِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة يسْتَحبّ الرمل على جَمِيع أَرْكَان الْبَيْت إِذْ نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يرمل من الْحجر إِلَى الْحجر

وَقيل بترك الرمل بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هَكَذَا فعل إِذْ كَانَت الْكَعْبَة حائلة بَينه وَبَين الْكفَّار فَإِنَّهُ كَانَ يرمل ليظْهر الجلادة للْكفَّار وَيدْفَع طمعهم عَن استلانة جانبهم وَكَانَ يسكن حِين يغيب من أَبْصَارهم وَهَذَا وَإِن كَانَ على سَبَب فقد بَقِي مَعَ زَوَال السَّبَب تبركا بالتشبه بِهِ كَمَا قيل إِن سَبَب رمي الْجمار رمي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْحِجَارَة إِلَى ذبيح استعصى عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِك شرعا ومبنى الْعِبَادَات التأسي

فرعان أَحدهمَا الْقرب من الْبَيْت مُسْتَحبّ فِي الطّواف مَعَ الرمل فَإِن عجز عَن الرمل من الْقرب للزحمة فالرمل فِي الْبعد أولى وَإِن وَقع فِيمَا بَين النِّسَاء فالسكينة أولى من الرمل احْتِرَازًا عَن مصادمتهن الثَّانِي لَو ترك الرمل فِي الأشواط الأول فَلَا قَضَاء فِي الْأَخير لِأَن السكينَة مَشْرُوعَة فِي الْأَخير فَهُوَ كَمَا لَو ترك الْجَهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فَلَا يقْضِي فِي الْأَخير وَلَو ترك سُورَة الْجُمُعَة فِي الرَّكْعَة الأولى قَضَاهَا فِي الثَّانِيَة مَعَ سُورَة الْمُنَافِقين لِأَن الْجمع مُمكن وَلَو لم يتَمَكَّن من الرمل للزحمة فَحسن أَن يُشِير بمحاولة الرمل متشبها وَيسْتَحب أَن يَقُول فِي الرمل اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ثمَّ لَا خلاف أَن الرمل لَا يسْتَحبّ فِي كل طواف بل فِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا

فِي طواف الْقدوم وَفِي قَول لَا يسْتَحبّ إِلَّا فِي طواف بعد سعي فرع إِذا أحرم عَن الصَّبِي وليه وَحمله وَطَاف بِهِ أَجْزَأَ عَنهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلِيّ محرما وَلم يطف عَن نَفسه طواف الرُّكْن فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى الْحَامِل نعم لَو قصد بِهِ الْمَحْمُول فَهُوَ كَمَا لَو قصد بطوافه طلب الْغَرِيم وَلَو حمل صبيين وَطَاف بهما حصل لَهما الطّواف جَمِيعًا كَمَا إِذا ركب محرمان دَابَّة وَاحِدَة فالحركة الْوَاحِدَة تَكْفِي للمحمولين وَلَا تَكْفِي للحامل والمحمول

الْفَصْل الْخَامِس فِي السَّعْي فَإذْ فرغ عَن رَكْعَتي الطّواف اسْتَلم الْحجر وَخرج من بَاب الصَّفَا ورقي الصَّفَا بِمِقْدَار قامة الرجل وَيسْتَقْبل الْكَعْبَة حَتَّى يَقع بَصَره عَلَيْهَا وَيَقُول الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيى وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شئ قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ فَإذْ فرغ من الدُّعَاء نزل من الصَّفَا وَمَشى حَتَّى يكون بَينه وَبَين الْميل الْأَخْضَر الْمُعَلق بِفنَاء الْمَسْجِد نَحْو سِتَّة أَذْرع فيسعى سعيا شَدِيدا حَتَّى يُحَاذِي الميلين الأخضرين اللَّذين هما بِفنَاء الْمَسْجِد وحذاء دَار الْعَبَّاس

ثمَّ مَشى حَتَّى يصعد الْمَرْوَة وصعدها ودعا كَمَا دَعَا على الصَّفَا فيفعل ذَلِك سبع مَرَّات وَيَقُول فِي أثْنَاء السَّعْي رب اغْفِر وَارْحَمْ وَتجَاوز عَمَّا تعلم إِنَّك أَنْت الْأَعَز الأكرم كل ذَلِك مأثور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا وفعلا وَالْوَاجِب من هَذِه الْجُمْلَة السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة سبع مَرَّات وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي الذّهاب والمجيء مرّة وَاحِدَة فَيحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد أَربع عشرَة مرّة والبداية بالصفا وَاجِب وَوُقُوع السَّعْي بعد طواف مَا وَاجِب ثمَّ إِن سعى بعد طواف الْقدوم وَقع ركنا عَن الْحَج وَلَا يسْتَحبّ لَهُ الْإِعَادَة عقيب طواف الْإِفَاضَة لِأَن السَّعْي لَيْسَ عبَادَة بِنَفسِهِ فَلَا يُكَرر كالوقوف بِخِلَاف الطّواف

وَلَو تخَلّل بَين طواف الْقدوم وَالسَّعْي زمَان فَلَا بَأْس وَيَقَع ركنا وَإِن تخَلّل الْوُقُوف بِعَرَفَة فَفِيهِ تردد لِأَن الْوُقُوف كالحاجز وَلَا يشْتَرط فِي السَّعْي الطَّهَارَة وشروط الصَّلَاة بِخِلَاف الطّواف وَالرُّكُوب فِيهِ كالركوب فِي الطّواف

الْفَصْل السَّادِس فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِذا فرغ من طواف الْقدوم صَبر إِلَى السَّابِع من ذِي الْحجَّة فيخطب الإِمَام بعد الظّهْر بِمَكَّة وَيَأْمُرهُمْ بِالْغُدُوِّ إِلَى منى ويخبرهم بمناسكهم ثمَّ يخرج إِلَى منى فِي الْيَوْم الثَّامِن ويبيت بهَا تِلْكَ اللَّيْلَة وَلَا نسك فِي هَذَا الْمبيت فَإِذا طلعت الشَّمْس سَار إِلَى الْموقف وخطب بعد الزَّوَال خطْبَة خَفِيفَة وَيجْلس ثمَّ يقوم إِلَى الثَّانِيَة وَيبدأ الْمُؤَذّن بِالْأَذَانِ حَتَّى يكون فرَاغ الإِمَام بعد فرَاغ الْمُؤَذّن ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جمعا ثمَّ يروح إِلَى عَرَفَة وَيقف عِنْد الصخرات ويستقبلون الْقبْلَة ويكثرون فِي الدُّعَاء قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أفضل مَا دَعوته ودعا الْأَنْبِيَاء قبلي يَوْم عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله

وَحده لَا شريك لَهُ وَيسْتَحب رفع الْيَد فِي الدُّعَاء وَقَالَ فِي الْقَدِيم وَالْوُقُوف رَاكِبًا أفضل تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليكون أقوى على الدُّعَاء كَمَا أَن الْإِفْطَار أفضل وَقَالَ فِي الْأُم النَّازِل والراكب سَوَاء ثمَّ إِذا غربت عَلَيْهِم الشَّمْس أفاضوا مِنْهَا إِلَى مُزْدَلِفَة وَيصلونَ بهَا الْمغرب وَالْعشَاء وَالْوَاجِب من جَمِيع ذَلِك الْحُضُور فِي طرف من أَطْرَاف عَرَفَة وَلَو مَعَ الْغَفْلَة وَفِي النّوم إِذا سَارَتْ بِهِ دَابَّته وَلَا يَكْفِي حُضُور الْمغمى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهلا

لِلْعِبَادَةِ وَوقت الْوُقُوف بعد زَوَال يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَمن فَاتَهُ ذَلِك فقد فَاتَهُ الْحَج فَإِن الْحَج عَرَفَة وَقيل إِن اللَّيْل لَيْسَ وقتا وَقيل إِنَّه وَقت إِلَّا أَنه لَو أخر الْإِحْرَام إِلَى اللَّيْل لم يحز وَلَو أحرم نَهَارا ووقف لَيْلًا جَازَ وَالصَّحِيح أَن وَقت الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بَاقٍ إِلَى طُلُوع الْفجْر فروع ثَلَاثَة الأول فِي وجوب الْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار قَولَانِ ومستند وُجُوبه الْعَادة فَإِن قُلْنَا بِهِ فَلَو فَارق عَرَفَة نَهَارا وَعَاد قبل غرُوب الشَّمْس فقد تدارك وَإِن عَاد لَيْلًا وَلم يكن عِنْد الْغُرُوب حَاضرا فَوَجْهَانِ وَيرجع الْخلاف إِلَى أَن الْحُضُور عِنْد الْغُرُوب هَل هُوَ وَاجِب وَمهما رَأَيْنَاهُ وَاجِبا جبر تَركه بِالدَّمِ بِخِلَاف أصل الْوُقُوف الثَّانِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَة ومزدلفة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بعلة

النّسك فَيجوز للعرفي والمكي أَيْضا وَالثَّانِي أَنه بعلة السّفر الطَّوِيل فَلَا يجوز لَهما جَمِيعًا وَالثَّالِث أَنه بعلة أصل السَّعْي فَيجوز للمكي دون الْعرفِيّ الثَّالِث لَو وقفُوا يَوْم الْعَاشِر غَلطا فِي الْهلَال فَلَا قَضَاء إِذْ لَا يُؤمن وُقُوع مثله فِي الْقَابِل وَإِن وقفُوا يَوْم الثَّامِن فَوَجْهَانِ وَوجه الْفرق أَن ذَلِك نَادِر لَا يتَّفق إِلَّا بتوارد شهادتين كاذبتين فِي شَهْرَيْن

الْفَصْل السَّابِع فِي جمل أَسبَاب التَّحَلُّل فَإِذا جمعُوا بَين الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة باتوا بهَا وَهَذَا الْمبيت نسك وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ ثمَّ إِذا طلع الْفجْر ارتحلوا وَبينهمْ وَبَين منى الْمشعر الْحَرَام فَإِذا انْتَهوا إِلَيْهِ وقفُوا ودعوا وَهَذِه سنة غير مجبورة بِالدَّمِ ثمَّ يجاوزونه إِلَى وَادي محسر وَكَانَت الْعَرَب تقف ثمَّ وأمرنا بمخالفتهم فيؤثر تَحْرِيك الدَّابَّة والإسراع بِالْمَشْيِ فَإِذا وافى منى بعد طُلُوع الشَّمْس رمى جَمْرَة الْعقبَة وَهِي الْجَمْرَة الثَّالِثَة سبع حَصَيَات وَيسْتَحب أَن يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيرْفَع يَدَيْهِ حَتَّى يرى بَيَاض إبطه وَيتْرك التَّلْبِيَة لِأَن التَّلْبِيَة للْإِحْرَام وَالرَّمْي تحلل عَن الْإِحْرَام ثمَّ يحلق بعد الرَّمْي ثمَّ يعود إِلَى مَكَّة وَيَطوف طواف الزِّيَارَة وَهُوَ طواف

الرُّكْن وَيسْعَى بعده وَإِن لم يكن سعى عقيب طواف الْقدوم ثمَّ يعود إِلَى منى فِي بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَيُقِيم بهَا أَيَّام التَّشْرِيق للرمي فَهَذِهِ أَسبَاب التَّحَلُّل وللحج تحللان فَيحصل أَحدهمَا بِطواف الزِّيَارَة وَالْآخر بِالرَّمْي وَأيهمَا قدم أَو أخر فَلَا بَأْس وَالطّواف وَإِن كَانَ ركنا فَهُوَ من أَسبَاب التَّحَلُّل أَيْضا وَلَا يحصل أحد التحللين إِلَّا بِاثْنَيْنِ من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاث أَي اثْنَيْنِ كَانَ وَيحل بَين التحللين اللّبْس والقلم إِن لم يَجعله نسكا وَلَا يدْخل الْوَطْء إِلَّا بعد التَّحَلُّل الثَّانِي وَفِي التَّطَيُّب وَعقد النِّكَاح والمباشرة دون الْجِمَاع قَولَانِ لِأَنَّهَا من مُقَدمَات الْجِمَاع ومحركات داعيته وَفِي قتل الصَّيْد أَيْضا خلاف ثمَّ وَقت الْفَضِيلَة للتحلل طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر وَيدخل وَقت الْجَوَاز بِمُضِيِّ نصف اللَّيْل من لَيْلَة الْعِيد إِذْ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضعفة أَهله من مُزْدَلِفَة ليطوفوا

بِاللَّيْلِ فِي خلْوَة ويرجعوا إِلَى منى وَقت الطُّلُوع وَمهما فَاتَ الرَّمْي بِفَوَات وقته وَوَجَب الدَّم فَفِي وقُوف التَّحَلُّل على إِرَاقَة الدَّم وَجْهَان وَمِنْهُم من قَالَ يقف لِأَنَّهُ بدل فضاهى الْمُبدل وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ دَمًا وقف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ صوما فَلَا لطول الزَّمَان

الْفَصْل الثَّامِن فِي الْحلق وَوَقته فِي الْعمرَة بعد الْفَرَاغ من السَّعْي وَفِي الْحَج عِنْد طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَضِيلَة وَبعد منتصف لَيْلَة النَّحْر جَوَازًا وَفِي كَونه نسكا قَولَانِ أَحدهمَا لَا كالقلم واللبس وَالثَّانِي وَهُوَ نسك إِذْ لَا خلاف فِي أَنه مُسْتَحبّ يلْزم بِالنذرِ فِي الْحَج وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام رحم الله المحلقين فَقيل والمقصرين قَالَ رحم الله المحلقين فأعيد عَلَيْهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَالَ فِي الرَّابِع والمقصرين

وَيتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ أُمُور الأول أَن الْمُعْتَمِر إِذا جَامع بعد السَّعْي فَسدتْ عمرته وَإِن قُلْنَا الْحلق نسك إِذْ لم يتم تحلله بعد وَلَو أَرَادَ أَن يحلق فِي الْحَج قبل الطّواف وَالرَّمْي لم يجز إِن قُلْنَا إِنَّه مَحْظُور نسك وَذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَن أحد التحللين يحصل بِطُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر فَيجوز الْحلق عِنْده لكنه بعيد وعَلى كل حَال فَالْأولى أَن لَا يبْدَأ الْحلق خُرُوجًا من الْخلاف وَلكنه يَرْمِي ثمَّ ينْحَر الْهَدْي ثمَّ يحلق وَلَو نحر بعد الْحلق جَازَ خلافًا لأبي حنيفَة الثَّانِي أَنه إِذا جعل نسكا فَهُوَ ركن كالسعي لَا يجْبر فائته بِالدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يفوت فَإِن لم يكن على رَأسه شعر فَيُسْتَحَب إمرار الموسى على الرَّأْس وَلَا يجب إِذْ فَاتَ الْوُجُوب بِفَوَات مَحَله الثَّالِث أَنه إِذا جعل نسكا وَالْتزم بِالنذرِ فَلَا يَنْقَضِي إِلَّا بحلق ثَلَاث شَعرَات من الرَّأْس وَلَا يُجزئ شعر غير الرَّأْس وَلَا حلق شعره وَاحِدَة إِذْ قُلْنَا لَا يكمل فِيهِ الْفِدْيَة وَيقوم مقَام الْحلق التَّقْصِير والنتف والإحراق وكل مَا هُوَ مَحْظُور الْإِحْرَام فِي شعر الرَّأْس إِلَّا إِذا نذر الْحلق فَلَا يُجزئ إِلَّا الْحلق وَالْمَرْأَة لَا يسْتَحبّ لَهَا الْخلق وَلَا يلْزمهَا بِالنذرِ وَيسْتَحب لَهَا التَّقْصِير

الْفَصْل التَّاسِع فِي الْمبيت والنسك فِي الْمبيت أَربع لَيَال لَيْلَة بِالْمُزْدَلِفَةِ وَثَلَاث بمنى ومبيت اللَّيْلَة الْأَخِيرَة غير وَاجِب على من نفر فِي النَّفر الأول وَإِن بَقِي إِلَى غرُوب الشَّمْس لزمَه الْمبيت لَيْلَة النَّفر الثَّانِي وَفِي مِقْدَار الْوَاجِب من الْمبيت قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط الْمبيت مُعظم اللَّيْل وَالثَّانِي أَن الْمَقْصُود مِنْهُ انْتِظَار الرَّمْي فِي الْيَوْم الْقَابِل فَيَكْفِي الْحُضُور قبل طُلُوع الْفجْر وَهَذَا لَا ينقدح فِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فَإِنَّهُم يرحلون غَالِبا قبل الطُّلُوع وَفِي وجوب الْمبيت فِي هَذِه اللَّيَالِي قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه وَاجِب فَهُوَ مجبور بِالدَّمِ ووظائف الْحَج ثَلَاثَة السّنَن وَلَا حَاجَة إِلَى جبرها والأركان كالوقوف وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق إِن جعل نسكا وَلَا يَكْفِي جبرها والواجبات كالرمي وَالْإِحْرَام فِي الْمِيقَات وهما مجبوران بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا وَفِي الْمبيت وَالْجمع بَين اللَّيْل وَالنَّهَار بِعَرَفَة وَطواف الْوَدَاع قَولَانِ فِي الْوُجُوب فَإِن جعل وَاجِبا فَلَا بُد من الْجَبْر فَإِن قُلْنَا يجْبر فَلَو ترك الْمبيت فِي اللَّيَالِي الْأَرْبَع فَفِي قدر الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا أَنه دم وَاحِد للْجَمِيع لِأَنَّهُ جنس وَاحِد وَهُوَ كحلق جَمِيع الشّعْر وَالثَّانِي يلْزمه دمان بِمُزْدَلِفَة وَدم لليالي منى فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ

فَإِن قُلْنَا تفرد ليَالِي منى بِدَم فَمن نفر فِي النَّفر الأول فَفِي لَيْلَتي منى فِي حَقه وَجْهَان أَحدهمَا دم لِأَنَّهُ جنس بِرَأْسِهِ وَالثَّانِي يجب مدان أَو دِرْهَمَانِ أَو ثلثا دم كَمَا فِي شعرتين وَحكي قَول أَنه يجب لكل لَيْلَة دم كَمَا سيحكيه فِي رمي كل يَوْم وَلَا خلاف فِي أَن الْمَعْذُور لَا يلْزمه دم وَهُوَ الذى لم يدْرك عَرَفَة إِلَّا لَيْلَة النَّحْر فَلم يبت بِمُزْدَلِفَة وَكَذَا رعاه الْإِبِل فَإِنَّهُم يغيبون عَن منى لَيْلًا لتستريح الْإِبِل وَكَذَلِكَ أهل سِقَايَة الْعَبَّاس فَإِنَّهُم يقومُونَ بتعهد المَاء وَلَا يخْتَص ذَلِك ببني الْعَبَّاس عندنَا بل كل من يتعهد السِّقَايَة خلافًا لمَالِك وَهل تلتحق غير هَذِه الْأَعْذَار من تمريض أَو غَيره برعاية الْإِبِل وتعهد المَاء فِيهِ وَجْهَان

الْفَصْل الْعَاشِر فِي الرَّمْي وَهُوَ من الأبعاض الْوَاجِبَة المجبورة بِالدَّمِ قولا وَاحِدًا وَالْوَاجِب رمي سبعين حَصَاة سَبْعَة ترمى يَوْم النَّحْر إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَقَط وَإِحْدَى وَعشْرين حَصَاة ترمى كل يَوْم القر وَهُوَ أول يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق إِلَى الجمرات الثَّلَاثَة إِلَى كل جَمْرَة سَبْعَة فَيبْدَأ بالجمرة الأولى من جَانب الْمزْدَلِفَة وَيخْتم بجمرة الْعقبَة وَهِي تلِي مَكَّة وَكَذَلِكَ يفعل فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا إِذا نفر من النَّفر الأول قبل غرُوب الشَّمْس فَيسْقط عَنهُ الرَّمْي فِي الْيَوْم الْأَخير وَوقت رمي جَمْرَة الْعقبَة يدْخل بمنتصف اللَّيْل ويدوم إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر وَهل يتمادى إِلَى طُلُوع يَوْم القر فِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّمَادِي تشبيهه بِبَقَاء وَقت الْوُقُوف بعد غرُوب الشَّمْس وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق يدْخل وقته بالزوال إِلَى غرُوب الشَّمْس يَوْم النَّحْر

وَفِي تماديه لَيْلًا الْخلاف الْمَذْكُور ثمَّ النّظر فِي الرَّمْي يتَعَلَّق بأطراف الأول فِي الرَّمْي وَليكن حِجَارَة على قدر الباقلاء وَلَا يُجزئ غير الْحجر من الإثمد والزرنيخ والجواهر المنطبعة وَيُجزئ حجر النورة قبل الطَّبْخ وَكَذَا حجر الْحَدِيد فِي الظَّاهِر وَفِي الفيروزج والياقوت والعقيق تردد والحصاة الْوَاحِدَة إِذا رَمَاهَا سبع مَرَّات فَفِي إجزائها وَجْهَان وَمِنْهُم من رَاعى عدد الرَّمْي وَمِنْهُم من ضم إِلَيْهِ عدد المرمي وَلَو تعدد الزَّمَان أَو الشَّخْص أَو الْجَمْرَة أَجْزَأَ كَمَا إِذا رمى حَصَاة وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ أَو إِلَى جمرتين أَو رَمَاهَا شخصان

الطّرف الثَّانِي فِي الْكَيْفِيَّة وَيتبع فِيهِ اسْم الرَّمْي وَلَا يَكْفِي الْوَضع على الْجَمْرَة وَإِن أصَاب فِي رميه محملًا فَارْتَد بصدمته أَجْزَأَ وَإِن نفضه صَاحب الْمحمل فَلَا وَإِن تدحرج من الْمحمل إِلَى الْجَمْرَة بِنَفسِهِ فَهُوَ مُتَرَدّد بَين النفض والصدمة وَلَو وقف فِي الْجَمْرَة وَرمى إِلَى الْجَمْرَة فَلَا بَأْس وَلَو رمى حجرين دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يجْزِيه إِلَّا وَاحِدَة وَإِن تلاحقا فِي الْوُقُوع وَلَو أتبع حجرَة حجرَة فيجزئه عَن رميتين وَإِن تساوقا فِي الْوُقُوع وَالْعَاجِز عَن الرَّمْي يَسْتَنِيب إِذا كَانَ عَجزه لَا يَزُول فِي وَقت الرَّمْي كَمَا فِي أصل الْحَج وَلَو أُغمي على المستنيب لم يَنْعَزِل النَّائِب بِخِلَاف الْوَكِيل فِي التَّصَرُّفَات لِأَن عِلّة هَذِه النِّيَابَة الْعَجز فَلَا تضادها زِيَادَة الْعَجز الطّرف الثَّالِث فِي تدارك الْفَائِت فَإِن انْقَضى أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا قَضَاء إِذْ انْقَطع وَقت الْمَنَاسِك فإذه فَاتَهُ يَوْم النَّفر فَأَرَادَ أَن يقْضِي فِي الْيَوْمَيْنِ بعده فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذِه عبَادَة غير معقولة فَلَا يتَعَدَّى بهَا عَن موردها وَالثَّانِي يقْضى بِدَلِيل أَن رُعَاة الْإِبِل يقضون فِي

النَّفر الأول مَا فاتهم فِي يَوْم النَّفر ثمَّ هَذَا قَضَاء أَو أَدَاء فِيهِ قَولَانِ فَمن جعله أَدَاء زعم أَن جَمِيع الْأَيَّام وَقت وَإِنَّمَا التَّوْزِيع على الْأَيَّام مُسْتَحبّ وعَلى هَذَا لَا يجوز التَّدَارُك إِلَّا بعد الزَّوَال وَإِن جعل قَضَاء جَازَ قبل الزَّوَال لِأَن الْقَضَاء لَا يتأقت وَقيل إِنَّه لَا يبعد تأقيته ثمَّ يلْزمه رِعَايَة التَّرْتِيب فِي الْمَكَان فَلَو ابْتَدَأَ بالجمرة الْأَخِيرَة فِي الْقَضَاء لم يجزه وَهل يجب تَقْدِيم الْقَضَاء على الْأَدَاء بِالزَّمَانِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا فِي الْمَكَان وَالثَّانِي لَا يجب كَمَا فِي الصَّلَوَات فَإِن أَوجَبْنَا فَلَو رمى أَربع عشرَة حَصَاة إِلَى الْجَمْرَة الأولى عَن الْيَوْمَيْنِ لم يجزه إِلَّا سَبْعَة عَن الْقَضَاء وَهَذَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق أما رمي الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر فَفِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من منع وَجعل أَيَّام التَّشْرِيق فِيهَا كَغَيْر أَيَّام التَّشْرِيق فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق لِأَنَّهُ جنس

مُنْقَطع عَمَّا بعده فِي الْوَقْت والمقدار ثمَّ مهما ترك الْجَمِيع لزمَه الدَّم وَفِي مِقْدَاره ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا دم وَاحِد للْكُلّ وَالثَّانِي دمان وَاحِد ليَوْم النَّحْر وَوَاحِد لأيام منى وَالثَّالِث أَرْبَعَة دِمَاء لأربعة أَيَّام فَإِن اكتفينا بِدَم وَاحِد كمل الدَّم بوظيفة يَوْم وَاحِد كَمَا لَا يكمل فِي حلق ثَلَاث شَعرَات وَهل يكمل فِيمَا دونه من ترك ثَلَاث حَصَيَات أَو ترك جَمْرَة وَاحِدَة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يكمل فِي الثَّلَاث وَالثَّانِي لَا يكمل إِلَّا بوظيفة جَمْرَة وَاحِدَة وَالثَّالِث أَنه لَا يكمل فِي أقل من وَظِيفَة يَوْم

الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي طواف الْوَدَاع إِذا فرغ الْحَاج من الرَّمْي أَيَّام منى وَلم يبْق عَلَيْهِم طواف وَلَا سعي وَتمّ تحللهم وعزموا على الِانْصِرَاف طافوا طواف الْوَدَاع وَفِي كَونه وَاجِبا مجبورا بِالدَّمِ قَولَانِ أَحدهمَا يجب لتطابق الْحلق عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا كطواف الْقدوم وَلَا خلاف فِي أَن من خرج من مَكَّة لَا يلْزمه طواف الْوَدَاع إِلَّا إِذا كَانَ حَاجا وَطواف الْوَدَاع من تَوَابِع الْحَج ثمَّ شَرط إجزائه أَن لَا يعرج على شغل بعده فَلَو اشْتغل بشد الرّحال بعده فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من أَسبَاب الرحيل فَلَا يبعد أَن يكون بعد الْوَدَاع

فرع لَو ترك طواف الْوَدَاع وَتجَاوز مَسَافَة الْقصر يسْتَقرّ الدَّم وَلَا يُغْنِيه الْعود وَلَو عَاد قبل مَسَافَة الْقصر صَار متداركا وَالْمَرْأَة إِذا حَاضَت فَهِيَ مأذونة فِي النَّفر قبل الْوَدَاع وَلَا دم عَلَيْهَا فَلَو طهرت قبل مَسَافَة الْقصر لم يلْزمهَا الْعود نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لم تكن من أهل الْوُجُوب فِي الِابْتِدَاء بِخِلَاف من قصر فِي الْخُرُوج فَإِنَّهُ يلْزمه الْعود قبل مَسَافَة الْقصر وَمِنْهُم من نقل وَخرج وَجعل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مثارهما أَنه يفوت الْوَدَاع بمجاوزة خطة الْحرم أَو بمجاوزة مَسَافَة الْقصر

الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي حكم الصَّبِي وَالنَّظَر فِي إِحْرَامه وأعماله ولوازمه أما الْإِحْرَام فَإِن لم يكن الصَّبِي مُمَيّزا أحرم عَنهُ وليه وَهل للمقيم ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَفِي ثُبُوته للْأُم طَرِيقَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لما رُوِيَ أَن امْرَأَة رفعت صَبيا من محفته وَقَالَت يَا رَسُول الله أَلِهَذَا حج فَقَالَ نعم وَلَك أجر وَإِن كَانَ مُمَيّزا وَأحرم بِإِذن الْوَلِيّ صَحَّ وَإِن اسْتَقل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا ينْعَقد لِأَنَّهُ عقد خطير وَالثَّانِي ينْعَقد كَسَائِر الْعِبَادَات وَلَكِن الْوَلِيّ يحلله إِن رأى الْمصلحَة فِيهِ

فَإِن قُلْنَا لَا يسْتَقلّ فَفِي اسْتِقْلَال الْوَلِيّ دونه وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز اسْتِصْحَاب ولَايَته الثَّابِتَة قبل التَّمْيِيز وَأما أَعماله فيتعاطى الصَّبِي بِنَفسِهِ إِن قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا طَاف بِهِ الْوَلِيّ وسعى بِهِ وأحضره عَرَفَة وَرمى عَنهُ وَأما اللوازم الْمَالِيَّة فَمَا يزِيد من نَفَقَة السّفر فَهُوَ على الْوَلِيّ فِي وَجه لِأَنَّهُ الذى ورطه فِيهِ وعَلى الصَّبِي فِي وَجه كَأُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن فَإِن فِيهِ نظرا لَهُ وَأما فديَة اللّبْس وَالْحلق وَسَائِر الْمَحْظُورَات فَفِي وُجُوبهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن عقد الصَّبِي لَا يصلح للالتزام وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْإِحْرَام

فَإِن قُلْنَا يجب فَفِي مَال الصَّبِي أوفي مَال الْوَلِيّ فِيهِ وَجْهَان وَلَو جَامع الصَّبِي فَإِن قُلْنَا إِن جماع النَّاسِي لَا يفْسد وَعمد الصَّبِي لَيْسَ بعمد لم يفْسد حجه وَإِلَّا فسد وَهُوَ الْأَصَح لِأَن عمده فِي الْعِبَادَات مُعْتَبر كَمَا إِذا أفطر عمدا وَلَكِن هَل يلْزمه الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْفِدْيَة وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن هَذِه عبَادَة بدنية فيبعد وُجُوبهَا على الصَّبِي فَإِن أَوجَبْنَا فَهَل يَصح فِي الصَّبِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الصَّبِي يُنَافِي وُقُوع الْحَج فرضا وَقد صَار هَذَا الْقَضَاء فرضا فَإِن قُلْنَا لَا يقْضِي فِي الصَّبِي فَإِذا بلغ لزمَه تَقْدِيم فرض الْإِسْلَام أَولا حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقَضَاء فرعان أَحدهمَا لَو طيبه الْوَلِيّ من غير مَنْفَعَة للصَّبِيّ فالفدية على الْوَلِيّ وَكَذَا كل أَجْنَبِي طيب محرما أَو حلق شعره بِغَيْر إِذْنه وَلَو طيبه للمداواة فَهَل ينزل منزلَة تطييب الْوَلِيّ الصَّبِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان

الثَّانِي إِذا أحرم فِي الصَّبِي وَبلغ قبل مُفَارقَة عَرَفَة وَقع حجه عَن فرض الْإِسْلَام لِأَن الْحَج عَرَفَة وَإِن كَانَ قد سعى من قبل هَل يلْزمه إِعَادَة السَّعْي فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح وُجُوبه إِذْ لَا يُسمى بالوقوع فِي حَالَة الصبى إِلَّا فِي الْإِحْرَام فَإِن دَوَامه كَاف فِي حجَّة الْفَرْض وَالنُّقْصَان الذى وَقع فِي ابْتِدَائه هَل يجْبر بِالدَّمِ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أحرم من الْمِيقَات وَلم يجر إساءة وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ وَقع من نُقْصَان الصبى وَكَانَ هَذَا تردد فِي أَن الْإِحْرَام انْقَلب فرضا أَو تبين أَنه انْعَقَد فرضا فِي الِابْتِدَاء وَالْعَبْد أعتق إِذا قبل الْوُقُوف كَانَ كَالصَّبِيِّ إِذا بلغ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا أَعْرَابِي حج ثمَّ هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا صبي حج ثمَّ بلغ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام

قيل أَرَادَ بالأعرابي الْكَافِر وَقيل أَرَادَ بِهِ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِذْ كَانَ حجَّة الْأَعرَابِي قبل الْهِجْرَة نفلا لَا فرضا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي قسم الْمَقَاصِد فِي بَيَان مَحْظُورَات الْحَج وَالْعمْرَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَحْظُورَات الْحَج وَالْإِحْرَام سَبْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول اللّبْس وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ وَالْبدن أما الرَّأْس فَيحرم ستره بِكُل مَا سمي ساترا مُعْتَادا كَانَ أَو لم يكن فَلَو وضع على رَأسه خرقَة أَو إزارا أَو عِمَامَة لزمَه الْفِدْيَة وَلَو توسد بوسادة أَو عِمَامَة أَو استظل بسقف أَو مظلة الْمحمل أَو انغمس فِي مَاء حَتَّى اسْتَوَى المَاء على رَأسه لم يلْزمه شئ لِأَن مَا لَيْسَ مَحْمُولا على الرَّأْس لَا يعد ساترا وَخَالف مَالك فِي الاستظلال بالمظلة والخيمة وَلَو وضع زنبيلا أَو حملا على رَأسه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يحرم لِأَنَّهُ لَا يعد ساترا وَالثَّانِي يحرم لِأَن الْكَشْف قد زَالَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُود أما إِذا طين رَأسه فَفِيهِ احْتِمَال

وَتجب الْفِدْيَة بستر مِقْدَار يتَصَوَّر أَن يقْصد ستره بِوُقُوع شجة أَو غَيره وَلَو شدّ خيطا على رَأسه لم يضر بِخِلَاف الْعِصَابَة الَّتِى لَهَا عرض هَذَا فِي حق الرجل أما الْمَرْأَة فَالْوَجْه فِي حَقّهَا كالرأس فِي حق الرجل فلهَا أَن تستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه فَلَو أرْسلت ثوبا بحذاء وَجههَا متجافيا فَلَا بَأْس وَأما سَائِر الْبدن فَلَا وَظِيفَة على الْمَرْأَة فِيهِ أما الرجل فَلهُ ستره وَلَكِن بِثَوْب لَيْسَ مخيطا إخاطة الْخياطَة كالقميص والقباء والجبة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كالدرع وجبة اللبد وَلَو لبس القباء لزمَه الْفِدْيَة أَدخل يَده فِي الكمين أَو لم يدْخل وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزم مَا لم يدْخل يَده وَلَو ارتدى بقميص أوجبه فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَا يُحِيط بِهِ وَكَذَلِكَ إِذا التحف بِهِ نَائِما وَلَا بَأْس بالهميان والمنطقة وَإِن أحاطت وَلَا بإزار عقد أَطْرَافه بِالْعقدِ وَلَو جعل لردائه شرجا وعرى منظومة فَفِيهِ تردد لقُرْبه من الْخياطَة وَلَو اتخذ إزارا

ذَا حجرَة وَجعل فِيهَا تكة فَلَا بَأْس لِأَن اسْم الْإِزَار بَاقٍ فَلَو شقّ الْإِزَار من وَرَائه وَجعل لَهُ ذيلين ولف كل ذيل على سَاق قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يمْتَنع ذَلِك هَذَا كُله فِي غير الْمَعْذُور فَإِن كَانَ مَعْذُورًا بِسَبَب حر أَو برد حل اللّبْس وَلَكِن لزم الْفِدْيَة فَإِن كَانَ بِسَبَب من جِهَة الشَّرْع فَلَا فديَة فِيهِ كَمَا إِذا لم يجد إِلَّا سَرَاوِيل وَلَو فتقه لم يَأْتِ مِنْهُ إزارا ولبسه فَلَا فديَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يجد إزارا فليلبس السَّرَاوِيل وَمن لم يجد النَّعْل فليقطع الْخُفَّيْنِ أَسف من الْكَعْبَيْنِ والتعويل على الْخَبَر لِأَنَّهُ لَو كَانَ لأجل ستر الْعَوْرَة لجَاز لبس السَّرَاوِيل مَعَ الْقُدْرَة

على الْإِزَار كَمَا فِي الْمَرْأَة وَلذَلِك لَا يكلفه أَن يرفع السَّرَاوِيل إِلَى الرّكْبَة وَأما الْخُف فساتر مَحْظُور والنعل جَائِز وإحاطة الشرَاك للاستمساك لَا يعد ساترا وَفِي الجمشتك خلاف مِنْهُم من حمل ذَلِك الْقدر على الاستمساك كالنعل وَيشْهد لَهُ بِسُقُوط الْفِدْيَة إِذا قطع الْخُف أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ أما القفازان فقد ورد النَّهْي عَن لبسهما فِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ محرم على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ أصَحهمَا الْجَوَاز فَإِن لَهَا ستر سَائِر بدنهَا سوى الْوَجْه وَوجه الْمَنْع عُمُوم النَّهْي وَلَو اتخذ للحية خريطة أَو لعضو مُفْرد غلافا محيطا فَفِي إِلْحَاقه بالقفازين تردد لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد النَّوْع الثَّانِي التَّطَيُّب وَيحرم اسْتِعْمَال الطّيب قصدا فلنذكر الِاسْتِعْمَال وَالطّيب وَالْقَصْد أما الطّيب فَكل مَا يقْصد رَائِحَته وَإِن كَانَ مِنْهُ يقْصد غَيره فالزعفران طيب وَفِي مَعْنَاهُ الورس وَهُوَ أشهر طيب الْيمن والفواكه الطّيبَة لَيْسَ بِطيب كالأترج والسفرجل وَكَذَا الْأَدْوِيَة كالقرنفل والدارصيني إِذْ لَا يظْهر مِنْهُ قصد الرَّائِحَة

وَأما النَّبَات فالقيصوم والأزهار الطّيبَة فِي الْوَادي لَيْسَ طيبا إِذْ لَو ظهر ذَلِك لَا ستنبت قصدا والورد والبنفسج والنرجس والضيمران وَهُوَ الريحان الْفَارِسِي طيب وَإِنَّمَا تردد نَص الشَّافِعِي فِي الريحان لِأَنَّهُ لَا يعد طيبا فِي بِلَاده وَفِي البنفسج وَجه أَنه لَيْسَ بِطيب وَهُوَ بعيد وَأما دهن الْورْد ودهن البنفسج فِيهِ وَجْهَان وَأما البان ودهنه فليسا طيبين وَقد قيل إِنَّه يعْتَبر عَادَة كل نَاحيَة فِي طيبه وَذَلِكَ غير بعيد فرع إِذا تنَاول الخبيص المزعفر قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن انصبغ لِسَانه فَعَلَيهِ الْفِدْيَة فعول على اللَّوْن وَمِنْهُم من قَالَ اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء الرَّائِحَة وَمِنْهُم من قَالَ اكْتفى بِبَقَاء اللَّوْن لدلالته على بَقَاء جرم الطّيب وَإِن سَقَطت رَائِحَته ويبتنى على هَذَا تردد فِي جرم الطّيب إِذا بقى على الثَّوْب دون رَائِحَته بِأَن كَانَ بِحَيْثُ لَو أَصَابَهُ المَاء لفاحت الرَّائِحَة فالرائحة غير سَاقِطَة بل هى راكدة وَعَلِيهِ يخرج مَاء الْورْد إِذا مزج بِالْمَاءِ حَتَّى ذهبت رَائِحَته

أما الِاسْتِعْمَال فَهُوَ إلصاق الطّيب بِالْبدنِ أَو الثَّوْب فَلَو ألصق الطّيب بعقبه مثلا لَزِمته الْفِدْيَة وَلَزِمتهُ الْمُبَادرَة إِلَى الْإِزَالَة كالنجاسات وَإِن عبق بِهِ الرَّائِحَة دون الْعين بجلوسه على حَانُوت عطار أَو فِي بَيت يجمر ساكنوه فَلَا فديَة لِأَن التَّطَيُّب لَا يقْصد كَذَلِك وَلَو احتوى على مجمرة لَزِمته الْفِدْيَة لِأَنَّهُ قصد إِلَيْهِ وَلَو مس جرم الْعود والمسك وَلم يعبق رَائِحَة فَلَا فديَة وَإِن عبق بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يلْزم لِأَنَّهُ غير مُعْتَاد وَالثَّانِي يلْزم لحُصُول الرَّائِحَة مَعَ الْمَسِيس وَلَا خلاف أَنه لَو استروح إِلَى رَائِحَة طيب مَوْضُوع بَين يَدَيْهِ لم يلْزمه فديَة وَلَو طيب فرَاشه ونام عَلَيْهِ لزمَه وَكَذَلِكَ إِذا شدّ مسكا على طرف إزَاره وَلَو حمل مسكا فِي قَارُورَة مصممة الرَّأْس فَلَا فديَة وَإِن حمله فِي فَأْرَة غير مشقوقة فَفِيهِ وَجْهَان وَأما الْقَصْد فبيانه بصور إحدها أَن النَّاسِي للْإِحْرَام لَا فديَة عَلَيْهِ كالناسي للصَّوْم وَكَذَا إِذا لبس نَاسِيا وَأما الاستهلاكات كَقَتل الصَّيْد والقلم وَالْحلق

فَالظَّاهِر أَن النَّاسِي فِيهَا كالعامد كَمَا فِي إِتْلَاف الْأَمْوَال وَقيل فِيهِ قَولَانِ وَدلّ عَلَيْهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْمغمى عَلَيْهِ لَو انْقَلب على جَراد فَقتله فَلَا شئ عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذا جهل كَون الطّيب محرما فَهُوَ مَعْذُور كالناسي وَلَو علم بِحرْمَة وَلم يعلم وجوب الْفِدْيَة لَزِمته وَلَو لم يعلم كَونه طيبا فمسه فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو علم أَنه طيب وَلم يعلم أَنه رَقِيق مغبق بِهِ فَالْأَصَحّ وجوب الْفِدْيَة الثَّالِثَة إِذا أَلْقَت الرّيح عَلَيْهِ فلينفض ثَوْبه أَو ليغسله وَلَا شئ عَلَيْهِ وَلَو توانى لَزِمته الْفِدْيَة وَلَو لطخه غَيره فالفدية على الملطخ وَهَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب فرع لَو وجد مَاء لَا يَكْفِيهِ إِلَّا لإِزَالَة الطّيب أَو الْوضُوء قدم إِزَالَة الطّيب كَمَا يقدم إِزَالَة النَّجَاسَة لِأَن للْوُضُوء بَدَلا وَهُوَ التَّيَمُّم النَّوْع الثَّالِث ترجيل شعر الرَّأْس واللحية بالدهن محرم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحَاج أَشْعَث أغبر تفل

وَأما غسيل الشّعْر بالسدر والخطمي وَغَيره فَجَائِز لِأَن ذَلِك لإِزَالَة الأنتان والترجيل تنمية للشعر وتزيين لَهُ فِي عَادَة الْعَرَب وَلَو دهن الْأَقْرَع رَأسه فَلَا بَأْس إِذْ لَا تَزْيِين فِيهِ وَلَو كَانَ الشّعْر محلوقا فَوَجْهَانِ لِأَن فِيهِ إصْلَاح المنبت وَإِن لم يكن تزيينا والاكتحال فَلَا بَأْس بِهِ إِذا لم يكن فِيهِ طيب وَالْغسْل جَائِز وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِنَّه مَكْرُوه وَهُوَ بعيد إِذْ دخل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حمام الْجحْفَة محرما وَقَالَ إِن الله لَا يعبأ بأوساخكم شَيْئا أما الخصاب فِي الشّعْر تردد فِيهِ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِنَّه تردد فِي أَنه هَل يلْحق بالترجيل أم لَا لما فِيهِ من التزيين وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الْحِنَّاء طيب أم لَا وَهُوَ بعيد وَقيل هُوَ تردد فِي أَن الخريطة المحيطة باللحية هَل يحرم اتخاذها أم لَا لِأَن الخضاب يحوج إِلَيْهِ النَّوْع الرَّابِع التنظف بِالْحلقِ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَلَم وَهُوَ حرَام وَيجب فِيهِ الْفِدْيَة ويكمل الدَّم فِي ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا مهما أبين بإحراق أَو نتف أَو حلق

وَفِي الشعرة الْوَاحِدَة أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مد وَفِي الشعرتين مدان لِأَن الْمَدّ مرجوع إِلَيْهِ فِي الشَّرِيعَة حَتَّى فِي صَوْم رَمَضَان وَالثَّانِي فِي الْوَاحِدَة دِرْهَم وَفِي الاثنتين دِرْهَمَانِ واستأنس فِيهِ مَذْهَب عَطاء وَالثَّالِث فِي الْوَاحِدَة ثلث دم وَفِي الاثنتين ثلثان وَالرَّابِع فِي الْوَاحِد يكمل الدَّم وَلَا تزيد بِزِيَادَتِهِ وَهَذَا فِي شعر الْمحرم فَأَما إِذا حلق الْمحرم شعر الْحَلَال فَلَا فديَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو قطع يَد نَفسه وَعَلَيْهَا شعيرات فَلَا فديَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقْصد إبانتها وَلَو امتشط لحيته فَسَقَطت شعيرات فَإِن انتتفت بامتشاطه لَزِمته الْفِدْيَة وَإِن انسلت وَكَانَت قد انفصلت بِنَفسِهَا فَلَا فديَة وَإِن شكّ فِي ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا لَا شئ عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي يجب إِحَالَة على سَبَب ظَاهر كَمَا يحِيل موت الْجَنِين على ضرب بطن الْأُم هَذَا إِذا حلق بِغَيْر عذر فَإِن كَانَ يُؤْذِيه هوَام رَأسه جَازَ لَهُ الْحلق وَلَزِمتهُ الْفِدْيَة وَإِن كَانَ الْأَذَى من نفس الشّعْر كَمَا إِذا نَبتَت شَعْرَة فِي دَاخل الجفن أَو انْكَسَرَ ظفر وَظهر مِنْهُ التأذي فَلهُ أَخذهَا وَلَا فديَة عَلَيْهِ كَمَا إِذا صال الصَّيْد بِنَفسِهِ

وَقيل فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على مَا إِذا عَم الْبِلَاد الْجَرَاد وتخطاها المحرمون فَهَل يضمنُون فِيهِ قَولَانِ ومسألتنا أولى بِسُقُوط الدَّم لِأَن أَذَى الشّعْر لَازم فرع إِذا حلق الْحَلَال شعر الْحَرَام بِإِذْنِهِ فالفدية على الْحَرَام وَإِن كَانَ مكْرها أَو نَائِما فالفدية لَازِمَة وقراره على الْحَلَال وَفِي ملاقاة الْوُجُوب للْمحرمِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يلاقيه فَتحمل الصَّوْم غير مُمكن وَهُوَ أحد خِصَال الْفِدْيَة فَإِن بَادر الْحَرَام وَصَامَ بَرِئت ذمَّة الْحَلَال وَإِن بَادر الْحَلَال وفدى بِالْمَالِ فَلَا شئ على الْحَرَام وعَلى كل قَول فللحرام مُطَالبَة الْحَلَال بِإِخْرَاج الْفِدْيَة وَكَأَنَّهُ ذُو حق فِي أصل الْأَدَاء وَإِن كَانَ الْحَرَام ساكتا فحلق بِغَيْر إِذْنه مِنْهُم من ألحق السُّكُوت بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحقهُ بِالْإِكْرَاهِ النَّوْع الْخَامِس من الْمَحْظُورَات الْجِمَاع ونتيجته الْفساد وَالْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أما الْفساد فَإِن جرى قبل التحللين بعد الْوُقُوف أَو قبله فسد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يفْسد بعد الْوُقُوف وَإِن جرى فِي الْعمرَة بعد السَّعْي وَقُلْنَا الْحلق نسك فسد وَإِن قُلْنَا الْحلق لَيْسَ بنسك فقد حصل التَّحَلُّل بالسعي وَلَيْسَ للْعُمْرَة

إِلَّا تحلل وَاحِد وَإِن جَامع فِي الْحَج بَين التحللين لم يفْسد حجه لِأَن تَحْرِيم اللّبْس وَالطّيب قد ارْتَفع فَلم يُصَادف الْجِمَاع إحراما مُطلقًا وَفِيه وَجه أَنه يفْسد وَإِن قُلْنَا لَا يفْسد فَفِي واجبه وَجْهَان أَحدهمَا الْبَدنَة كَمَا قبل التَّحَلُّل وَالثَّانِي شَاة لِأَنَّهُ مَحْظُور لم يفْسد فَأشبه سَائِر الْمَحْظُورَات وَفِيه وَجه أَنه لَا يجب شئ وَهُوَ بعيد ثمَّ مهما فسد لزمَه الْمُضِيّ فِي فاسده وَهُوَ أَن يَأْتِي بِكُل عمل كَانَ يَأْتِي بِهِ لَوْلَا الْإِفْسَاد وَيكون فِي عقد لَازم يلْزمه الْفِدْيَة فِيهِ بارتكاب الْمَحْظُورَات على الْمَذْهَب فَلَو جَامع ثَانِيًا فَالْوَاجِب بدنه أَو شَاة فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الْجِمَاع بَين التحللين وَفِيه قَول إِنَّه لَا يجب شئ بالتداخل وواجب الْجِمَاع فِي الْعمرَة واجبها فِي الْحَج من غير فرق أما الْكَفَّارَة فواجبة على الرجل وَفِي الْمَرْأَة قَولَانِ كَمَا فِي الصَّوْم مَعَ الْخلاف الْمَذْكُور فِي ملاقاة الْوُجُوب لَهَا والتحمل عَنْهَا فَإِن قُلْنَا بالتحمل فَإِذا لَزِمَهَا الْقَضَاء فَهَل عَلَيْهِ مُؤنَة تَحْصِيل الْقَضَاء لَهَا ببذل المَال فِيهِ وَجْهَان أما الْقَضَاء فَفِيهِ أَربع مسَائِل الأولى قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا عَاد فِي الْقَضَاء إِلَى ذَلِك الْمَكَان فرق بَينهمَا وَاخْتلفُوا فِي أَنه مُسْتَحقّ أَو مُسْتَحبّ فَالظَّاهِر الِاسْتِحْبَاب حذارا من أَن يكون تذكر تِلْكَ الْوَاقِعَة مهيجا لشَهْوَة الْعود إِلَيْهَا الثَّانِيَة إِذا أحرم فِي الْأَدَاء من مَسَافَة شاسعة يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام من ذَلِك الْمَكَان لِأَن تَأْخِير الْمَكَان نُقْصَان فِي الْإِحْرَام

بِخِلَاف مَا لَو أحرم فِي أول الشَّهْر من أشهر الْحَج فَإِنَّهُ لَا يلْزمه فِي الْقَضَاء الْإِحْرَام فِي ذَلِك الْوَقْت الثَّالِثَة إِنَّمَا يجب الْقَضَاء على المتطوع بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ من فروض فَمَا يَأْتِي بِهِ قَضَاء يتَأَدَّى بِهِ ذَلِك الْفَرْض الْوَاجِب إِذْ يقوم الْقَضَاء مقَام الْأَدَاء الرَّابِعَة قَضَاء الْحَج على الْفَوْر أم على التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا على الْفَوْر كقضاء صَلَاة عصى بِتَرْكِهَا وَالثَّانِي لَا لِأَن قَضَاء الْحَج لَا يزِيد على الْأَدَاء وَأما الصَّلَاة فَيتَعَيَّن الْقَتْل بِتَرْكِهَا فَلَا بُد من التَّضْيِيق فَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي قَضَاء صَوْم تعدى بِتَرْكِهِ وَفِي كَفَّارَة لَزِمت بِسَبَب مَحْظُور فَأَما مَا لَا عدوان بِسَبَبِهِ فَلَا تضييق فِي واجبه فرع الْقَارِن إِذا جَامع هَل يلْزمه دم الْقرَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينْتَفع بالقران وَالثَّانِي بلَى لِأَن حكم الْفَاسِد فِي لوازمه كَحكم الصَّحِيح ثمَّ الْعمرَة تفْسد بِفساد الْقرَان قولا وَاحِدًا وَهل يفوت بِفَوَات الْحَج فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن فِي الْفَوات يتَحَلَّل بأعمال الْعمرَة فَلَا معنى لتفويت عمرته هَذَا كُله فِي الْعَامِد وَأما النَّاسِي فَفِيهِ قَولَانِ يبتنيان على أَنه من قبيل الاستمتاعات فَيكون النسْيَان عذرا فِيهِ

فَإِن قيل وَهل يفْسد بشئ سوى الْجِمَاع قُلْنَا يبطل بِالرّدَّةِ طَالَتْ أم قصرت فَلَو عَاد إِلَى الْإِسْلَام فَهَل يُخَاطب بالمضي فِي فاسده فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالجماع وَالثَّانِي لَا لِأَن الرِّدَّة تحبط مَا سبق وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يفْسد بتخلل الرِّدَّة وَلَكِن لَا يعْتد بِمَا جرى فِي حَال الرِّدَّة وَذكر هَذَا فِي الْوضُوء وَالِاعْتِكَاف وَهُوَ هَاهُنَا أبعد النَّوْع السَّادِس مُقَدمَات الْجِمَاع كالقبلة والمماسة وَذَلِكَ حرم مُوجب للفدية والضبط فِيهِ كل ملاسة تنقض الطَّهَارَة وجد الْإِنْزَال أَو لم يُوجد وَقَالَ مَالك لَا يجب الدَّم إِلَّا عِنْد الْإِنْزَال ثمَّ لَا تجب الْبَدنَة بمقدمات الْجِمَاع وَإِنَّمَا تجب الشَّاة وَفِي وجوب الْفِدْيَة بالاستمناء فِي الصَّوْم وَجْهَان وَمن مُقَدمَات الْجِمَاع النِّكَاح والإنكاح وهما محرمان على الْمحرم وَلكنه لَا فديَة لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد وَفِي رَجْعَة الْمحرم وشهادته كَلَام فَإِن قيل لَو بَاشر جَمِيع هَذِه الْمَحْظُورَات هَل يتداخل الْوَاجِب أم لَا قُلْنَا إِن اخْتلف الْجِنْس لم يتداخل كالاستهلاك مَعَ الِاسْتِمْتَاع وَإِن اخْتلف النَّوْع فِي الاستهلاكات لم يتداخل أَيْضا كالقلم وَالْحلق لِأَن الِاسْتِهْلَاك بعيد عَن التَّدَاخُل وَلَا خلاف فِي أَن جَزَاء الصيور لَا يتداخل وَأما الاستمتاعات إِن اتَّحد النَّوْع وَالزَّمَان وَالْمَكَان تداخلا كَمَا إِذا لبس الْعِمَامَة والقميص والسراويل والخف على التَّوَاتُر الْمُعْتَاد فيكفيه دم وَاحِد وَإِن استدام جَمِيع الْإِحْرَام

وَلَو تخَلّل بَينهمَا زمَان فاصل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا لَا يتداخل للمنقطع وَالثَّانِي نعم لِاتِّحَاد النَّوْع واتحاد الْعِبَادَة مَعَ أَنه وَاجِب يفرق فِيهِ بَين الساهي والعامد فَيُشبه الْحُدُود بِخِلَاف الْجِمَاع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان لِأَنَّهُ يلاقي عبادتين فَأَما إِذا اخْتلف النَّوْع فِي الِاسْتِمْتَاع كالتطيب واللبس فَالظَّاهِر التَّعَدُّد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق اخْتِلَاف النَّوْع باخْتلَاف الزَّمَان فروع ثَلَاثَة الأول حَيْثُ حكمنَا بالتداخل فَلَو تخَلّل تَكْفِير منع التَّدَاخُل كَمَا إِذا تخَلّل حد بَين زنيتين إِلَّا إِذا قصد بالتكفير الْمَاضِي والمستقبل جَمِيعًا وَقُلْنَا يجوز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على مَحْظُورَات الْإِحْرَام فَفِي امْتنَاع التَّدَاخُل بِهِ وَجْهَان الثَّانِي إِذا حكمنَا بِتَعَدُّد الْوَاجِب عِنْد اخْتِلَاف نوع وَاخْتِلَاف زمَان واتحد الْعذر الشَّامِل كَمَا إِذا تداوى لمَرض وَاحِد مرَارًا أَو شج رَأسه فَاحْتَاجَ إِلَى حلق وَستر ومداواة بالطيب فَهَل يتحد الْوَاجِب لِاتِّحَاد الْعذر فِيهِ وَجْهَان الثَّالِث لَو حلق ثَلَاث شَعرَات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات مُتَفَرِّقَة فَإِن قُلْنَا متفرق الْأَزْمِنَة كالمجموع فَالْوَاجِب دم وَإِن قُلْنَا لَا يجمع فَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة أَمْدَاد وَأما الْوَطْء إِذا تكَرر فِي زمانين فَهُوَ كالحلق فِي زمانين وَإِن قُلْنَا إِنَّه اسْتِهْلَاك والتطيب فِي زمانين إِن قُلْنَا إِنَّه استمتاع وَأما كَثْرَة الإيلاجات فِي وطر

وَاحِد لَا يُوجب تعدد الْكَفَّارَة بِحَال النَّوْع السَّابِع من الْمَحْظُورَات إِتْلَاف الصَّيْد وَالصَّيْد محرم بشيئين أَحدهمَا الْإِحْرَام وَالْآخر الْحرم وَالنَّظَر فِي الْإِحْرَام يتَعَلَّق بأطراف الأول فِي الصَّيْد وَهُوَ عبارَة عَن كل متوحش مَأْكُول لَيْسَ مائيا فَهَذِهِ ثَلَاثَة قيود أما الأول فقد دخل فِيهِ الصَّيْد الْمَمْلُوك وَغَيره والمستأنس لِأَنَّهُ من جنس المتوحش وَقَالَ مَالك لَا جَزَاء فِي المستأنس وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا جَزَاء فِي الْمَمْلُوك ويلتحق بِهَذَا الصَّيْد أجزاؤه وبيضه فِي التَّحْرِيم وَالْجَزَاء وَأما الْمَأْكُول احْتِرَازًا عَن السبَاع والحشرات وكل مَا لَا يُؤْكَل وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس من الفواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم الْحَيَّة والحدأة والغراب وَالْعَقْرَب وَالْكَلب الْعَقُور ويلتحق بِهِ كل مَا فِي مَعْنَاهُ وَعند أبي حنيفَة يجب الْجَزَاء فِي الْأسد والنمر وأشباههما

والمتولد عَن الْمَأْكُول وَغير الْمَأْكُول لما تعَارض فِيهِ الْأَمر أوجب الشَّافِعِي فِيهِ الْجَزَاء احْتِيَاطًا واحترزنا بِغَيْر المائي عَن صيد الْبَحْر فَإِنَّهُ حَلَال للْمحرمِ وَالْجَرَاد من صيد الْبر وَإِن كَانَ نشوءه من رَوْث السّمك على مَا قيل والطرف الثَّانِي فِي الْأَفْعَال الْمُوجبَة للضَّمَان وَهِي ثَلَاثَة الْمُبَاشرَة والتسبب وَالْيَد وَلَا تخفى الْمُبَاشرَة وَكَذَا كل سَبَب يضمن بِهِ الْآدَمِيّ وَيزِيد فِي الصَّيْد أَسبَاب ثَلَاثَة الأول لَو حفر الْمحرم بِئْرا فِي ملكه فتردى فِيهِ صيد لم يضمن وَلَو كَانَ فِي مَحل الْعدوان ضمن وَسَاكن الْحرم إِذا حفر بِئْرا فِي ملكه فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه التَّضْمِين أَن الْملك من الْحرم أَيْضا وَلَو نصب شبكه فِي غير ملكه ضمن وَفِي ملكه وَجْهَان أظهرهمَا الْوُجُوب لِأَن الشبكة لَا تنصب إِلَّا للصَّيْد وَهَذَا جَار فِي الْمحرم الثَّانِي لَو نفر صيدا فَتطلق وتعثر بتطلقه ضمن إِلَّا أَن يَقع ذَلِك بعد سكونه وَلَو مَاتَ بِآفَة سَمَاوِيَّة فِي وَقت النفار فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه إِيجَاب الْجَزَاء تَنْزِيل النفار منزلَة إِثْبَات الْيَد وَلَو دلّ الْمحرم حَلَالا على الصَّيْد عصى وَلَا جَزَاء لِأَن مُبَاشرَة غَيره قطع أثر دلَالَته الثَّالِث لَو أرسل كَلْبا ضمن مَا يصطاده وَلَو حل الرِّبَاط وَلَا صيد ثمَّ ظهر

صيد فَفِيهِ تردد وَلَو انحل الرِّبَاط فِي صُورَة نسب إِلَيْهَا إِلَى التَّفْرِيط فَهُوَ كحله وَأما الْيَد فَإِذا أثبت على صيد فَتلف ضمن إِلَّا إِذا أحرم وَفِي يَده صيد فَفِي لُزُوم رفع الْيَد قَولَانِ أَحدهمَا لَا يلْزمه كَمَا لَا يَنْقَطِع دوَام نِكَاحه وَإِن امْتنع ابتداؤه وَالثَّانِي يلْزمه لِأَن النَّهْي مُطلق فَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه فَلَو قَتله ضمن لِأَنَّهُ ابْتِدَاء فعل وَإِن مَاتَ فَلَا وَإِن قُلْنَا يجب إرْسَاله فِي زَوَال ملكه ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول بِمُجَرَّد الْإِحْرَام وَالثَّانِي أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَالثَّالِث أَنه لَا يَزُول إِلَّا بِالْإِرْسَال وَقصد التَّحْرِيم ثمَّ لَو أخر الْإِرْسَال حَتَّى تحلل فَالْأَمْر مُسْتَمر بِالْإِرْسَال وَفِيه وَجه أَنه يَنْقَطِع وَأما أَسبَاب الْملك فَمَا هُوَ قهري كَالْإِرْثِ لَا يمْنَع الْملك على الصَّحِيح لَكِن يجب الْإِرْسَال وَمَا هُوَ قصدي كالاصطياد فَلَا يُفِيد الْملك وَفِي الشِّرَاء قَولَانِ كَمَا فِي شِرَاء الْكَافِر عبدا مُسلما إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْإِحْرَام بِقطع دوَام الْملك فَلَا يَصح الشِّرَاء بِحَال فَإِن صححنا الشِّرَاء فَبَاعَهُ حرم البيع وَلَكِن انْعَقَد وَوَجَب على المُشْتَرِي الْإِرْسَال وَإِذا أرسل فَهَل يكون من ضَمَان البَائِع فِيهِ من الْخلاف مَا فِي العَبْد الْمُرْتَد هَذَا كُله من الْعَامِد والمخطئ وَالنَّاسِي كالعامد فِي الْجَزَاء إِلَّا فِي الْإِثْم لِأَن هَذَا من قبيل الغرامات

نعم لَو صال عَلَيْهِ صيد فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي دَفعه وَلَو أكله فِي مَخْمَصَة ضمن وَلَو عَم الْجَرَاد المسالك فوطئه الْمحرم فَفِيهِ وَجْهَان وَإِذا قصد الْمحرم لص على حمَار وَحش وَلم يتأت دَفعه إِلَّا بقتل الْحمار فَفِي الضَّمَان وَجْهَان فرعان الأول لَو وجد صيدا مجروحا فَأَخذه ليداويه فَمَاتَ فَالصَّحِيح أَنه لَا يضمن لِأَن يَده يَد أَمَانَة الثَّانِي لَو أمسك محرم صيدا فَقتله مَحل فَالضَّمَان على الْمحرم وَإِن قَتله محرم فقرار الْجَزَاء على الْقَاتِل وكل وَاحِد مطَالب شرعا الطّرف الثَّالِث فِي الْأكل وَيحل للْمحرمِ أكل صيد ذبحه مَحل إِذا لم يصد لَهُ بِإِذْنِهِ وَلَا بدلالته وَلَا بإعانته فَإِن جرى شئ من ذَلِك فَهُوَ حرَام لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام للمحرمين لحم الصَّيْد حَلَال لكم مَا لم تصطادوه أَو يصاد لكم وذبيحة الْمحرم من الصَّيْد حرَام عَلَيْهِ وَهل هُوَ ميتَة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كذبيحة الْمَجُوس وَالثَّانِي أَنه مُبَاح وَلَا تَحْرِيم على غَيره

وَفِي صيد الْحرم طَرِيقَانِ فَهُوَ أولى بِأَن يَجْعَل ميتَة لِأَن الْمَانِع فِي نفس الذَّبِيح ثمَّ مهما أكل الْمحرم من صيد لزمَه جَزَاء وَلَو ذبحه لم يتَكَرَّر الْجَزَاء بِالْأَكْلِ خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو أكل من صيد دلّ عَلَيْهِ لزمَه الْجَزَاء على أحد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لم يضمن أَصله الطّرف الرَّابِع فِي بَيَان الْجَزَاء وَله ثَلَاث خِصَال الْمثل من النعم أَو بِقدر قيمَة النعم من الطَّعَام أَو بِقدر كل مد من الطَّعَام يَوْم من الصَّوْم فَإِن انْكَسَرَ مد كمل وَهُوَ يتَخَيَّر بَين هَذِه الثَّلَاثَة فَإِن لم يكن الصَّيْد مثلِيا فَالْوَاجِب طَعَام بِقدر قِيمَته أَو عدل ذَلِك صياما وَالْعبْرَة فِي قيمَة الصَّيْد مَحل الْإِتْلَاف وَفِي قيمَة النعم بِمَكَّة لِأَنَّهُ مَحل ذبحه فَإِن قيل وَكَيف يجب الْمثل من النعم قُلْنَا يرْعَى فِي الْمُمَاثلَة فِي الْخلقَة وَالْكبر والصغر وَمَا وجد للصحابة فِيهِ قَضِيَّة اتبعت فقد حكمُوا فِي النعامة ببدنة وَفِي حمَار الْوَحْش ببقرة وَفِي الضبع بكبش وَفِي الأرنب عنَاق وَفِي أم حبين وَهُوَ من صغَار الضَّب جدي صَغِير وَفِي الظبي عنز وَفِي الْكَبِير كَبِير وَفِي الصَّغِير صَغِير فَإِن لم يجد نَص الصَّحَابَة حكم بِالِاجْتِهَادِ ذَوا عدل من الْمُسلمين فَإِن كَانَ الْقَاتِل أحد العدلين وَكَانَ مخطئا فِي الْقَتْل كَيْلا يفسق فِيهِ وَجْهَان

أقيسهما الْمَنْع إِذْ لَا يكون الْوَاحِد حَاكما ومحكوما عَلَيْهِ لَكِن رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور أحد الصَّحَابَة فِي صيد قَتله فتوافقا على التَّعْدِيل بِشَاة فَأَما مَا لَيْسَ مثلِيا كالعصافير وَمَا دون الْحمام وكالجراد والبيص فَفِيهَا الطَّعَام بِقدر قيمتهَا أَو الصّيام وَفِي الْحمام شَاة لقَضَاء الصَّحَابَة وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا عب وهدر من الْقمرِي والدمسي والفواخت وَفِيمَا فَوق الْحمام من الطُّيُور قَولَانِ أَحدهمَا الشَّاة إِلْحَاقًا بالحمام لِأَنَّهُ أكبر مِنْهُ وَالثَّانِي لَا إِذْ لم يحكم الصَّحَابَة بالمشابهة شكلا بل لَعَلَّ ذَلِك لِلْخلقِ الْجَامِع وَهُوَ الِاسْتِئْنَاس فروع سِتَّة الأول الْمَعِيب يُقَابل بِالنعَم الْمَعِيب إِذا اتَّحد جنس الْمَعِيب فَإِن اخْتلف لم يجْبر عيب بفصيله وَكَذَا الْمَرِيض بالمريض وَفِي مُقَابلَة الذّكر بِالْأُنْثَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز لِأَن الِاخْتِلَاف فِيهِ لَا يقْدَح فِي الْمَقْصُود كالاختلاف فِي اللَّوْن وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَنَّهُ اخْتِلَاف فِي الخلفة وَالثَّالِث أَن الْأُنْثَى تُجزئ عَن الذّكر لِأَنَّهَا أفضل مِنْهُ فِي الزَّكَاة وَأما الذّكر فَلَا يُجزئ عَن الْأُنْثَى وَهَذَا الِاخْتِلَاف إِنَّمَا يحْتَمل إِذا لم يظْهر أَثَره فِي خبث اللَّحْم ونقصان الْقيمَة

وَالثَّانِي لَو قتل ظَبْيَة حَامِلا لَا فَائِدَة فِي ذبح شَاة حَامِل إِذْ تبطل فَضِيلَة الْحمل بِالذبْحِ فَليرْجع إِلَى تَعْدِيل الطَّعَام بِقِيمَة الشَّاة الْحَامِل وَقيل يخرج شَاة حَامِلا تعدل قيمَة الْحَامِل وَإِن أَلْقَت الظبية جَنِينا مَيتا بِجِنَايَة فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ينقص من الْأُم وَقَالَ أَو ثَوْر يلْزم عشر قيمَة الْأُم وَلَو مَاتَت الْأُم مَاتَ الْجَنِين بعد انْفِصَاله فَعَلَيهِ جزاؤهما جَمِيعًا الثَّالِث إِن جرح ظَبْيًا فنقص من قِيمَته الْعشْر فَعَلَيهِ الْعشْر من ثمن شَاة نَص عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لم يجب عَلَيْهِ الْعشْر من الشَّاة حذارا من التجزئة وَقَالَ الْمُزنِيّ عَلَيْهِ عشر شَاة فَقيل هُوَ الصَّحِيح الرَّابِع إِذا جنى على صيد فأزمته فَالظَّاهِر فِيهِ كَمَال الْجَزَاء كَمَا فِي قطع يَدي العَبْد وَقيل قسط من الْقيمَة أَو الْمثل وَهُوَ بعيد فَلَو أتلف هَذَا المزمن محرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ معيبا وَلَو أبطل من النعامة قُوَّة الْمَشْي وَقُوَّة الطيران وَله امتناعات فَفِي تعدد الْجَزَاء وَجْهَان وَلَو أزمنه ثمَّ قَتله اتَّحد الْجَزَاء كَمَا فِي النَّفس الْخَامِس إِذا كسر بيض نعَامَة وَكَانَت مذرة فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِن كَانَت

للقشرة قيمَة لِأَنَّهُ لم يبْق حُرْمَة الرّوح وَلَو نفر طيرا عَن بيض حَتَّى فسد ضمن السَّادِس المحرمون إِذا اشْتَركُوا فِي قتل صيد فَعَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ شبه بِالْكَفَّارَةِ والقارن إِذا قتل صيدا فَعَلَيهِ جَزَاء وَاحِد كالدية وَلَو قتل الْمحرم صيدا حرميا لم يَتَعَدَّد الْجَزَاء نظرا منا إِلَى اتِّحَاد الْمُتْلف وَهَذِه الْفُرُوع جَارِيَة فِي صيود الْحرم السَّبَب الثَّانِي للتَّحْرِيم الْحرم وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الأول السَّبَب كل صيد يضمن بِالْإِحْرَامِ يضمن بِالْحرم وَكَذَا السَّبَب كالسبب وَيخْتَص هَذَا بِأُمُور الأول لَو أَدخل الْحرم صيدا مَمْلُوكا لم يحرم عَلَيْهِ بل كَانَ كالنعم بِخِلَاف مَا سبق الثَّانِي لَو كَانَ الصَّيْد فِي الْحرم والواقف فِي الْحل أَو كَانَ فِي الْحل والواقف فِي الْحرم فَرمى وَجب الضَّمَان وَلَو قطع السهْم فِي مروره هَوَاء طرف الْحرم والرامي وَالصَّيْد كِلَاهُمَا فِي الْحل فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو أرسل فِي الْحل إِلَى الصَّيْد فِي الْحل كَلْبا فتخطى الْكَلْب طرف الْحرم فَلَا جَزَاء إِلَّا إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق سوى الْحرم وَلَو اصطاد حمامة فِي الْحل فَهَلَك لَهَا فرخ فِي الْحرم أَو بِالْعَكْسِ ضمن كَمَا فِي الرَّمْي وَلَو نفر

صيدا حرميا فَنَكس فِي طرف الْحل قبل سكُوت النفار ضمن الطّرف الثَّانِي فِي الْجَزَاء وَحكمه حكم الْإِحْرَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُفَارِقهُ فِي أَن الصَّوْم لَا يدْخل جَزَاؤُهُ وَعِنْدنَا وَلَا فرق فَأَما الشّجر والحشيش فَإِنَّهُمَا يحرمان فِي الْحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تَعَالَى حرم مَكَّة لَا يعضد شَجَرهَا وَلَا يخْتَلى خلاؤها وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقطها إِلَّا لِمُنْشِد قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا وسقوفنا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخر إِلَّا الْإِذْخر وَاخْتلفُوا فِي أَن غير الْإِذْخر لَو مست إِلَيْهِ حَاجَة دَوَاء أَو حَاجَة الْإِذْخر فَهَل يلْحق بِهِ ثمَّ لَا يحرم من نَبَات الْحرم إِلَّا مَا لَا يستنبت فِي جنسه كالعوسج والطرفا والأراك دون النخيل والصنوبر وَالْخلاف فَلَو استنبت مَا لَا يستنبت أَو نبت بِنَفسِهِ مَا يستنبت فالنظر إِلَى الْجِنْس لَا إِلَى الْحَال خلافًا لصَاحب التَّلْخِيص وعَلى هَذَا لَو نقل أراكا حرميا وعرسه فِي الْحل لم يَنْقَطِع حكم الْمحرم لكَونه مُتَعَدِّيا

وَلَا خلاف فِي أَن تَسْرِيح الْبَهَائِم فِي مراعيها جَائِز لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا نهى حفظا على الْبَهَائِم والصيود فَلَو اختلى لإعلاف الْبَهَائِم فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان ثمَّ ضَمَان الْحَشِيش وَالْأَشْجَار الصَّغِيرَة كضمان الْحَيَوَانَات الصَّغِيرَة الَّتِي لَا مثل لَهَا من النعم وَأما الشَّجَرَة الْكَبِيرَة فَفِيهَا بقرة وَفِي الصَّغِيرَة شَاة فَكَأَنَّهَا سبع الْكَبِيرَة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لِابْنِ الزبير وَفِي الْقَدِيم قَول أَن تَأْثِير الْحرم فِي النَّبَات مَقْصُور على التَّحْرِيم فَلَا ضَمَان فِيهِ الطّرف الثَّالِث فِي مَوَاضِع الْحرم وَالْأَصْل مَكَّة وَالْمَدينَة مُلْحقَة بهَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمت مَا بَين لابتيها فَهِيَ فِي التَّحْرِيم كمكة وَفِي الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا يجب قِيَاسا عَلَيْهِ وَالثَّانِي لَا إِذْ ورد فِيهِ سلب ثِيَاب الصَّائِد فَكَأَنَّهُ أوجب هَذِه الْجِنَايَة وَفِي حكم سلبه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه فِي بَيت المَال وَالْآخر أَنه يفرق على محاويج الْمَدِينَة القاطنين بهَا والعابرين كَمَا فِي الْجَزَاء وَالثَّالِث أَنه للسالب لما رُوِيَ أَن سَعْدا رَحمَه الله تَعَالَى طُولِبَ هَذَا السَّلب فَقَالَ مَا كنت لأرد شَيْئا

أمرنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْموضع الثَّالِث وَج الطَّائِف وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صيدها وشجرها وكلأها قَالَ صَاحب التَّلْخِيص من فعل ذَلِك أدبه الْحَاكِم وَلم ألزمهُ شَيْئا قلته تخريجا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا تردد فِي الْكَرَاهِيَة وَالتَّحْرِيم فَإِن ثَبت تَحْرِيمه لم يبعد الضَّمَان كالمدينة وَالظَّاهِر نفي الضَّمَان الرَّابِع النقيع وَقد حماه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصدقات وَلَا يمْنَع إِلَّا من كلأه فَإِن تعرض بِهِ فَفِي ضَمَانه بِالْقيمَةِ وَجْهَان وَلَا سلب وَفِي أشجاره تردد لترددها بَين الصَّيْد والحشيش

فرع من يسلب بِالْمَدِينَةِ فَلَا يسلب إِلَّا إِذا اصطاد أَو أرسل الْكَلْب وَيحْتَمل التَّأْخِير إِلَى الْإِتْلَاف وَلَا يفرق فِي السَّلب بَين الشّجر وَالصَّيْد وَالْمرَاد بالسلب ثِيَابه فَقَط لَا كسلب الْقَتِيل وَإِن كَانَ عَلَيْهِ حلي فَوَجْهَانِ

الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي التوابع واللواحق وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْمَوَانِع من إتْمَام الْحَج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي سِتَّة الأول الْإِحْصَار من جِهَة الْعَدو وَهُوَ مُبِيح للتحلل فِي نَص الْقُرْآن وَذَلِكَ مَتى احْتَاجَ فِي دفع الصادين إِلَى بذل مَال وَلَو دِرْهَم أَو إِلَى قتال إِلَّا أَن يَكُونُوا كفَّارًا وَنقص عَددهمْ عَن الضعْف فَيتَعَيَّن الْقِتَال إِن كَانَ مَعَهم أهبة وَلَا يجوز التَّحَلُّل وَلَو أحَاط الْعَدو من الجوانب فَقَوْلَانِ وَوجه الْمَنْع أَن التَّحَلُّل لَيْسَ يرِيح مِنْهُ فَأشبه الْمَرَض فَإِنَّهُ لَا يُبِيح التَّحَلُّل عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَو شَرط التَّحَلُّل عِنْد الْمَرَض فَقَوْلَانِ الْقيَاس منع التَّحَلُّل وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لضباعة الأسْلَمِيَّة لما تعللت بِالْمرضِ أَهلِي واشترطى أَن محلي حَيْثُ حبستنى

وعَلى هَذَا إِذا تحلل بِالْمرضِ فَفِي لُزُوم الدَّم وَجْهَان تَشْبِيها لَهُ بالإحصار وَلَو شَرط التَّحَلُّل بالإحصار فَفِي سُقُوط الدَّم وَجْهَان الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط الْمَانِع الثَّانِي حبس السُّلْطَان فَلَو سد على جَمِيعهم جِهَة الْكَعْبَة فَهُوَ الْحصْر الْعَام وَلَو حبس شخصا أَو شرذمة فطريقان أَحدهمَا أَنه كالعام وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ وَجوز الْعِرَاقِيُّونَ التَّحَلُّل وردوا الْقَوْلَيْنِ إِلَى وجوب الْقَضَاء وَهُوَ أوجه الثَّالِث الرّقّ فللسيد أَن يمْنَع عَبده الْمحرم من الْخُرُوج إِذا أحرم بِغَيْر إِذْنه وَلَا يحلله إِن أحرم بِإِذْنِهِ خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ إِذا مَنعه السَّيِّد تحلل تحلل الْمحصر وَلكنه لَا دم لَهُ فَهَل يتَوَقَّف تحلله على الْيَسَار بِالْعِتْقِ فِيهِ خلاف مُرَتّب على الْمحصر الْمُعسر فَإِن قُلْنَا يتَحَلَّل من غير دم فَمَاتَ وأراق السَّيِّد عَنهُ دَمًا وَقع عَنهُ لِأَن الْمَالِك امْتنع فِي الْحَيَاة لكَونه مَمْلُوكا مسخرا وَلَا يسخر بعد الْمَوْت الرَّابِع الزَّوْجِيَّة فالمستطيعة لحج الْإِسْلَام هَل للزَّوْج منعهَا عَن الْخُرُوج لِأَن الْحَج على التَّرَاخِي وَحقّ الزَّوْج على الْفَوْر فِيهِ قَولَانِ فَإِن أَحرمت فَفِي الْمَنْع قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجوز وَإِن أَحرمت لحجة التَّطَوُّع فَفِي الْمَنْع قَولَانِ وَأولى بِالْجَوَازِ وَإِن كَانَ التَّطَوُّع أَيْضا يلْزم بِالشُّرُوعِ فَإِن قُلْنَا لَهُ الْمَنْع من الْخُرُوج فعلَيْهَا أَن تحلل تحلل الْمُعسر فَإِن لم تفعل فالزوج يُبَاشِرهَا وَالْإِثْم عَلَيْهَا لَا على الزَّوْج وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَطئهَا على قصد التَّحَلُّل حصل التَّحَلُّل بِفِعْلِهِ وَكَذَا لَو حلق

رَأس العَبْد أَو طببه الْخَامِس لمستحق الدّين أَن يمْنَع الْمحرم من الْخُرُوج إِن كَانَ قَادِرًا مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّل وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا فَلَا يمنعهُ وَإِن قرب الْأَجَل بل عَلَيْهِ أَن يصاحبه أَو يُوكل من يُطَالِبهُ عِنْد حُلُول الْأَجَل السَّادِس الْقَرَابَة وللأبوين منع الْوَلَد من التَّطَوُّع بِالْحَجِّ وَعَن فَرْضه طَرِيقَانِ قيل إِنَّه كالزوج وَقيل لَا يَنْتَهِي شَفَقَة الْقَرَابَة إِلَى الْمَنْع من الْفَرْض فَإِن قيل فَمَا حكم التَّحَلُّل والفوات قُلْنَا أما الْمحصر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دم دم يريقه فِي مَحل الْإِحْصَار وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه أَن يبْعَث إِلَى الْحرم ويتوقف عَلَيْهِ تحلله وَهُوَ إبِْطَال الرُّخْصَة ثمَّ هَل يجوز التَّحَلُّل قبل إراقته فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أقيم مقَام الطّواف الذى هُوَ سَبَب التَّحَلُّل وعَلى هَذَا الْمُعسر إِن قُلْنَا يعدل إِلَى الصَّوْم فَفِي توقفه على الصَّوْم قَولَانِ لِأَن الِانْتِظَار فِيهِ طَوِيل وَالثَّانِي أَن التَّحَلُّل لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ بل هُوَ مُوجب التَّحَلُّل لَا موقعه فيتحلل بِالْحلقِ ويكفيه نِيَّة التَّحَلُّل على الصَّحِيح وَأما الْقَضَاء فَلَا يجب على الْمحصر بل يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْإِحْرَام وَفِي معنى الْمحصر كل من تحلل بِمَنْع غَيره على مَا سبق

فَأَما إِذا فَاتَ الْحَج بنوم أَو تَقْصِير فَلَا يحل التَّحَلُّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت بِطواف وسعي فَإِنَّهُ سَبَب التَّحَلُّل فِي الْعمرَة وَقَالَ فِي مَوضِع يطوف فَقيل يَكْفِي الطّواف وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَلَا خلاف فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ الرَّمْي وَالْمَبِيت بل يَكْفِيهِ أَعمال الْعمرَة ثمَّ الْمَذْهَب أَنه لَا تحصل بِهِ عمْرَة وَأما الْعمرَة فَإِذا أحرم بهَا لم يتَصَوَّر فَوَاتهَا ثمَّ من فَاتَهُ الْحَج يلْزمه دم وَيلْزمهُ الْقَضَاء إِن كَانَ مُتَطَوعا وَإِن كَانَ فِي فرض فالرجوع إِلَى الْفَرْض يَكْفِيهِ قَضَاء وَأَدَاء بِخِلَاف الْإِحْصَار فَإِنَّهُ لَا تَقْصِير فِيهِ فَإِن تركب الْعذر من الْفَوات والإحصار فَفِي الْقَضَاء خلاف وَذَلِكَ إِذا وجد طَرِيقا أطول مِمَّا صد عَنهُ فَعدل إِلَيْهِ وَفَاته فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَلَو صابر الْإِحْرَام منتظرا لانجلاء الْإِحْصَار ففاته الْحَج فَقَوْلَانِ وَمِنْهُم من قطع بِوُجُوب الْقَضَاء لِأَنَّهُ استجلب الْفَوات إِلَى نَفسه فرعان الأول لَو فَاتَهُ الْحَج أَو فسد الْإِحْرَام قصد فِي بَقِيَّة إِحْرَامه عَن لِقَاء الْبَيْت فيستفيد التَّحَلُّل بالإحصار وَلَكِن لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء الذى سبق لُزُومه وَعَلِيهِ دمان أَحدهمَا للإحصار وَالْآخر للفوات الثَّانِي إِذا صد بعد الْوُقُوف عَن لِقَاء الْبَيْت فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ وَوجه الْوُجُوب أَن الْإِحْرَام تَأَكد بِالْوُقُوفِ أما الْعِرَاقِيُّونَ قطعُوا بِسُقُوط الْقَضَاء عَن كل مَمْنُوع من لِقَاء الْبَيْت وَذكروا الْخلاف فِي المتمكن من لِقَاء الْبَيْت إِذا منع من عَرَفَة وَقَالُوا فِي الْقَضَاء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الدِّمَاء وأبدالها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي بَيَان التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب فِي الْأَبدَان والمبدلات والدماء ثَمَانِيَة أَنْوَاع الأول دم التَّمَتُّع قد اجْتمع فِيهِ التَّرْتِيب وَالتَّقْدِير فِي نَص الْقُرْآن وَفِي مَعْنَاهُ دم الْقرَان وَدم الْفَوات الثَّانِي جَزَاء الصَّيْد وَهُوَ على التَّعْدِيل والتخيير فَلَا تَرْتِيب وَلَا تَقْدِير لقَوْله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} وَالثَّالِث فديَة الْحلق وَفِي بدله التَّقْدِير والتخيير أما التَّخْيِير فمنصوص فِي الْقُرْآن وَأما التَّقْدِير فمأخوذ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة إِذْ خَيره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الدَّم وَبَين ثَلَاثَة آصَع كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد يطعم سِتَّة مَسَاكِين وَبَين صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام

فَهَذِهِ الْأُصُول الثَّلَاثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي حكم التَّقْدِير وَالتَّرْتِيب الرَّابِع الْوَاجِبَات المجبورة بِالدَّمِ فِيهَا تَرْتِيب دم إِلْحَاقًا لَهَا بالتمتع وتعديل للبدل جَريا على الْقيَاس لِأَن التَّقْدِير لَا يعرف إِلَّا تَوْفِيقًا وَأما التَّرْتِيب فَلهُ وَجه مَعْقُول وَأدْخل الْعِرَاقِيُّونَ التَّقْدِير فِي الْقيَاس وَقَالُوا بدل هَذِه الدِّمَاء كبدل التَّمَتُّع الْخَامِس الاستمتاعات كالطيب واللبس وتغطية الرَّأْس والقبلة والاستمناء ومقدمات الْجِمَاع فِي كل وَاحِد مِنْهَا دم تَرْتِيب قِيَاسا على التَّمَتُّع وَهُوَ دم تَعْدِيل جَريا على الْقيَاس وَفِي قَول آخر أَنَّهَا دم تَخْيِير اعْتِبَارا بِالْحلقِ والعراقيون اعتبروه بِالْحلقِ أَيْضا بالتقدير وَهُوَ أبعد وَأما الْقَلَم فَهُوَ فِي معنى الْحلق فَيظْهر إِلْحَاقه بِهِ السَّادِس دم الْجِمَاع وَفِي الْجِمَاع الْمُفْسد بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن عجز قوم الْبَدنَة دَرَاهِم وَالدَّرَاهِم طَعَاما وَصَامَ عَن كل مد يَوْمًا فَهُوَ دم تَعْدِيل وترتيب وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على التَّعْدِيل فِيهِ دَلِيل على أَنه لَيْسَ يدْخل التَّقْدِير فِي الْقيَاس إِذْ لم يلْحقهُ بِالْحلقِ وَفِيه قَول آخر أَنه دم تَخْيِير وَقيل إِنَّا وَإِن قُلْنَا بالترتيب فَلَا تَرْتِيب بَين الْبَدنَة وَالْبَقَرَة والشياه السَّبْعَة السَّابِع الْجِمَاع الثَّانِي أَو الْجِمَاع بَين التحللين إِن قُلْنَا فِيهِ بَدَنَة فَهُوَ كالجماع الأول وَإِن قُلْنَا شَاة فَهُوَ كالقبلة واللمس الثَّامِن دم التَّحَلُّل بالإحصار وَهُوَ شَاة فِي نَص الْكتاب فَإِن أعْسر أَو تعذر

فَهَل لَهُ بدل فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم ينص على بدله وَنَصّ على بدل غَيره وَالثَّانِي أَنه يجب قِيَاسا للمسكوت عَنهُ على الْمَنْطُوق بِهِ فَإِن قُلْنَا يجب فَبِأَي أصل يلْحق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه مثل دم التَّمَتُّع تَرْتِيب وَتَقْدِير وَالثَّانِي أَنه كَدم الْحلق تَقْدِير وتخيير لِأَنَّهُ تخلص من الْأَذَى وَالثَّالِث أَنه مثل دم الْوَاجِبَات المجبورة تَعْدِيل وترتيب لِأَنَّهُ ترك الْأَفْعَال الْوَاجِبَة

الْفَصْل الثَّانِي فِي مَحل إِرَاقَة الدِّمَاء وزمانها أما الزَّمَان فَلَا يخْتَص شييء من دِمَاء المحضورات والجبرانات بعد جَرَيَان سَببهَا بِزَمَان وَإِنَّمَا يخْتَص بأيام النَّحْر الضَّحَايَا وَكَذَا دم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَأما دم الْفَوات فيراق فِي الْحجَّة الْفَائِتَة أَو فِي الْحجَّة المتقضية فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا فِي الْفَائِتَة لِأَن السَّبَب قد تحقق وَالثَّانِي لَا لمعنيين أَحدهمَا أَن هَذِه حجَّة نَاقِصَة وَكَأن الْفَوات أوجب الْقَضَاء وَالدَّم فيريق فِي الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ شَبيه بالتمتع لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَال عمْرَة وتمتع بالتحلل ليؤدي حجَّة فِي السّنة الثَّانِيَة وعَلى هَذَا الْمَعْنى لَا يمْتَنع تَقْدِيمه على الْقَضَاء إِذْ جَوَّزنَا تَقْدِيم دم التَّمَتُّع على الْحَج وَإِنَّمَا يمْتَنع ذَلِك فِي الصَّوْم وَأما الْمَكَان فَيخْتَص جَوَاز الإراقة بِالْحرم خلافًا لأبي حنيفَة وَالْأَفْضَل النَّحْر فِي الْحَج بمنى فِي الْعمرَة عِنْد الْمَرْوَة لِأَنَّهُمَا مَحل تحللها وَقد قيل لَو ذبح على طرف الْحرم وَفرق غضا طريا على مَسَاكِين الْحرم جَازَ وَقد قيل من ارْتكب مَحْظُورًا أراقه فِي مَحل الارتكاب وَقيل مَا لزم بِسَبَب مُبَاح بِعُذْر لَا يخْتَص بمَكَان وَمَا عصى بِسَبَبِهِ فاختص بِالْحرم وَهَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة بعيدَة وَأما الْأكل من هَذِه الدِّمَاء فَسَيَأْتِي حكمه فِي الضَّحَايَا واختتام الْكتاب بِبَيَان الْأَيَّام المعلومات وَهِي الْعشْر الأولى من ذِي الْحجَّة عندنَا وفيهَا الْمَنَاسِك وَأما المعدودات فَهِيَ أَيَّام التَّشْرِيق وفيهَا الْهَدَايَا والضحايا

تمّ بِحَمْد الله ربع الْعِبَادَات من كتاب الْوَسِيط فِي الْمَذْهَب فِي الثَّامِن عشر من شهر رَمَضَان الْمُبَارك سنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة عشر لِلْهِجْرَةِ والموافق الْعَاشِر من فبراير سنة ألف وَتِسْعمِائَة وَسِتَّة وَتِسْعين وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس عصرا وَالْحَمْد لله الذى بنعمته تتمّ الصَّالِحَات ونسأل الله الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين

0 -. = كتاب البيع = {وَأحل الله البيع} وَاجْتمعت الْأمة على كَونه سَببا لإِفَادَة الْملك وَالنَّظَر فِي أَحْكَامه يتَعَلَّق بِخَمْسَة أَقسَام الْقسم الأول فِي صِحَّته وفساده وَالثَّانِي فِي لُزُومه وجوازه وَالثَّالِث فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده وَالرَّابِع فِيمَا يَقْتَضِيهِ مُطلق أَلْفَاظه فِي الثِّمَار وَالْأَشْجَار واستتباع الْأُصُول الْفُرُوع وَالْخَامِس فِي مداينة العبيد وتصرفاتهم

الْقسم الأول فِي بَيَان صِحَّته وفساده وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان البيع وَهِي ثَلَاثَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة العقد فَلَا بُد مِنْهَا لوُجُود صُورَة العقد

الرُّكْن الأول الصِّيغَة وَهِي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَسبب اعْتِبَارهَا الِاسْتِدْلَال بهما على الرِّضَا فَإِن الأَصْل هُوَ التَّرَاضِي وَلَكِن الرِّضَا خَفِي فيناط الحكم بِسَبَب ظَاهر يدل عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل ثَلَاث مسَائِل نذكرهُ فِي معرض السُّؤَال فَإِن قيل فليكتف بالمعاطاة فَإِنَّهَا دلَالَة على الرِّضَا فِي المحقرات قُلْنَا الْأَفْعَال مترددة مَا صيغت للدلالة على الضمائر وَإِنَّمَا الْعبارَات هِيَ الْمَوْضُوعَة لهَذَا الْغَرَض فَكَانَ الحكم مَنُوطًا بهَا وَقد ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِلَى الِاكْتِفَاء بِهِ فِي المحقرات وَهُوَ قَول خرجه ابْن سُرَيج

فَإِن قيل فليكتف بقوله بِعني وَقَول الْمُخَاطب بِعْت قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أقيسهما الِاكْتِفَاء بِهِ كَمَا فِي النِّكَاح وَالثَّانِي لَا يكْتَفى بِهِ لِأَنَّهُ قد يَقُول بِعني لاستبانة الرَّغْبَة فينوب عَن قَوْله هَل تبيع وَأما النِّكَاح فَلَا يقدم عَلَيْهِ فَجْأَة فِي غَالب الْأَمر فَتكون الرَّغْبَة قد ظَهرت من قبل

فَإِن قيل فلينعقد بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّة فَإِنَّهَا تدل على الرِّضَا قُلْنَا قطع الْأَصْحَاب بذلك فِي الْخلْع وَالْكِتَابَة وَالصُّلْح عَن دم الْعمد وَالْإِبْرَاء وكل مَا يتَصَوَّر الِاسْتِقْلَال بمقصوده دون قبُول الْمُخَاطب فِي بعض الْأَحْوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ يعْتَمد فهم الْمُخَاطب وَقَطعُوا بِالْبُطْلَانِ فِي النِّكَاح وَبيع الْوَكِيل إِذا شَرط عَلَيْهِ الْإِشْهَاد لَان الشُّهُود لَا يطلعون على النِّيَّة وَاخْتلفُوا على الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة وَوجه الْمَنْع أَن الْإِيجَاب وَالْقَبُول سَبَب لقطع النزاع إِذا كَانَ صَرِيحًا والنيات يطول فِيهَا النزاع فليشترط التَّصْرِيح للْمصْلحَة كَمَا فِي النِّكَاح فَإِن قيل فَلَو توافرت الْقَرَائِن حَتَّى أفادت الْعلم انْقَطع الِاحْتِمَال والنزاع قُلْنَا أما النِّكَاح فَفِيهِ تعبد للشَّرْع فِي اللَّفْظ وَأما البيع الْمُقَيد بِالْإِشْهَادِ وَغَيره فَالظَّاهِر عِنْدِي الِانْعِقَاد وان لم يتَعَرَّض لَهُ الْأَصْحَاب

الرُّكْن الثَّانِي الْعَاقِد وأهلية الْمُعَامَلَات تستفاد من التَّكْلِيف فتصرفات الصَّبِي وَالْمَجْنُون بِإِذن الْوَلِيّ وَدون إِذْنه وبالغبطة والغبينة بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة نعم فِي تَدْبيره ووصيته وَرِوَايَته وإسلامه خلاف يَأْتِي فِي مَوْضِعه وَفِي البيع الَّذِي يختبر بِهِ الصَّبِي لإيناس الرشد خلاف وَالْأولَى مَنعه وَلَا يعْتد بِقَبض الصَّبِي أَيْضا فَإِنَّهُ سَبَب ملك أَو ضَمَان فَلَو قَالَ أد حَقي إِلَى

الصَّبِي فَأدى لم يبرأ لَان مَا فِي الذِّمَّة لَا يتَعَيَّن ملكا إِلَّا بِقَبض صَحِيح بِخِلَاف مَا لَو قَالَ رد الْوَدِيعَة إِلَيْهِ فَإِن الْوَدِيعَة متعينة وَلَو سلم الصَّبِي درهما إِلَى صراف لينقده لَهُ فَأَخذه دخل فِي ضَمَانه فليرده على وليه وَلَو رد عَلَيْهِ لم يبرأ وَفِي إِخْبَار الصَّبِي عَن التَّمْلِيك فِي إِيصَال الْهَدِيَّة وَعَن الْإِذْن عِنْد فتح الْبَاب طَرِيقَانِ مِنْهُم من خرجه على الْخلاف فِي رِوَايَته وَمِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ اقْتِدَاء بالأولين وَعَادَة السّلف وَلَا شكّ فِي الْقبُول إِذا ظَهرت الْقَرَائِن فان الْعلم إِذا حصل سقط اثر إخْبَاره أما إِسْلَام الْعَاقِد فَغير مَشْرُوط إِلَّا فِي شِرَاء العَبْد الْمُسلم وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يَصح من الْكَافِر لما فِيهِ من الذل وَلِأَنَّهُ يقطع ملكه لَا محَالة فَدفعهُ أولى وَالثَّانِي أَنه يَصح لَان الْملك مُتَصَوّر لَهُ على الْمُسلم فِي الْإِرْث فسبب الْملك صَحِيح فِي حَقه وَالأَصَح الْمَنْع خلافًا لأبي حنيفَة وَفِي شِرَاء الْكَافِر الْمُصحف قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لَان العَبْد يدْفع الذل عَن نَفسه

وَفِي الْملك الَّذِي يستعقب الْعتْق كَشِرَاء الْكَافِر وَلَده الْمُسلم أَو كشرائه من شهد من قبل بحريَّته وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالصِّحَّةِ لاستعقابه الْحُرِّيَّة ضَرُورَة وَلَو قَالَ الْكَافِر اعْتِقْ عَبدك الْمُسلم عَليّ فَأعتق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان مرتبان وَهَذَا أولى بالنفوذ لَان الْملك حصل ضمنا فيبعد اعْتِبَار الشَّرَائِط فِيهِ التفريغ إِن أبطلنا الشِّرَاء فَعَلَيهِ فروع أَرْبَعَة أَحدهَا فِي الارتهان والاستئجار وَجْهَان أَحدهمَا يَصح إِذْ لَيْسَ فيهمَا ملك وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الِاسْتِيلَاء بِالِانْتِفَاعِ وَالْحَبْس إذلال فان صححنا الْإِجَارَة فَهَل يُكَلف الْكَافِر أَن يؤاجره من مُسلم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يلْزمه كَمَا فِي الشِّرَاء وَالثَّانِي لَا إِذْ الْمُسلم إِذا عمل باجرة لم يكن فِيهِ ذل وَكَأَنَّهُ يعْمل لنَفسِهِ وَالْأولَى جَوَاز الرَّهْن وَالْإِجَارَة كَمَا فِي الْإِيدَاع والإعارة وَأما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَلَا خلاف فِي جَوَازهَا وَالثَّانِي الْمُسلم إِذا اشْترى العَبْد الْمُسلم لكَافِر لم يَصح وَإِن اشْتَرَاهُ الْكَافِر لمُسلم إِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُسلم صَحَّ وَإِن أضمر فَوَجْهَانِ يبتنيان على

تعلق الْعهْدَة بالوكيل الثَّالِث إِذا اشْترى الْمُسلم عبدا مُسلما من كَافِر بِثَوْب فَوجدَ الْكَافِر عَيْبا بِالثَّوْبِ فَفِي رده ليعود العَبْد إِلَيْهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ توصل إِلَى جلب الْملك بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي يجوز لَان الِاخْتِيَار فِي الرَّد أما عود الْعِوَض إِلَيْهِ فَيَقَع ضَرُورَة قهرا وَكَذَلِكَ الْمُسلم إِذا وجد عَيْبا بِالْعَبدِ فَفِي رده إِلَيْهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ مَمْنُوع عَن التَّمْلِيك كَمَا يمْنَع الْكَافِر عَن التَّمْلِيك ثمَّ إِذا منعنَا الرَّد تعين الارش وَكَانَ ذَلِك عذرا مَانِعا الرَّابِع لَو كَانَ العَبْد كَافِرًا فَأسلم قبل الْقَبْض فينفسخ العقد كَمَا يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ أَو يثبت الْخِيَار كَمَا يثبت بالإباق فِيهِ وَجْهَان وتشبيهه بالاباق أولى هَذَا إِذا اشْتَرَاهُ من مُسلم فان اشْتَرَاهُ من كَافِر فَفِي الِانْفِسَاخ وَجْهَان مرتبان

وَأولى بألا يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تردد انْقَلب إِلَى كَافِر فالاستصحاب أولى فَإِن قضينا بِبَقَاء العقد فيقبضه الْكَافِر ثمَّ يُبَاع عَلَيْهِ أم يَسْتَنِيب القَاضِي عَنهُ من يقبضهُ كَيْلا يذل العَبْد بِقَبْضِهِ فِيهِ وَجْهَان وَإِن فرعنا على قَول الصِّحَّة فَيُبَاع عَلَيْهِ بعد قَبضه أَو قبض القَاضِي عَنهُ على وَجه وَكَذَلِكَ مَتى أسلم فِي دوَام الْملك فَلَو مَاتَ قبل البيع بيع على وَارثه وَيَنْقَطِع عَنهُ الْمُطَالبَة بِالْإِعْتَاقِ وكل مَا يزِيل الْملك وَلَا يَنْقَطِع بِالتَّزْوِيجِ وَالرَّهْن وَالْإِجَارَة وَهل يَنْقَطِع بِالْكِتَابَةِ وان كَانَت لَا تزيل الْملك فِي الْحَال لإفضائها إِلَى الزَّوَال وَلُزُوم الْحجر فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان وَأولى بالاكتفاء بهَا وَلَو رَضِي بالحيلولة بَينهمَا لم يكتف بِهِ إِلَّا فِي الْمُسْتَوْلدَة فان بيعهَا مُتَعَذر وإعتاقها تخسير فيستكسبها لأَجله فِي يَد غَيره وَقيل انه تعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد

الرُّكْن الثَّالِث الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَبِيع وَله خَمْسَة شَرَائِط وَهُوَ أَن يكون طَاهِرا مُنْتَفعا بِهِ مَمْلُوكا للعاقد أَو لمن يَقع العقد لَهُ مَقْدُورًا على تَسْلِيمه مَعْلُوما للمتعاقدين الشَّرْط الأول الطَّهَارَة وَلَا يجوز بيع السرقين وَسَائِر الْأَعْيَان النَّجِسَة خلافًا لأبي حنيفَة ومعتمد الْمَذْهَب الْإِجْمَاع على بطلَان بيع الْخمر والجيفة والعذرة وَمَنْفَعَة الْعذرَة تسميد

الأَرْض وَمَنْفَعَة الجيفة إطعامها لجوارح الطُّيُور وَمَنْفَعَة الْخمر مصيرها خلا كَمَا يصير الصَّغِير ابْن الْيَوْم مُنْتَفعا بِهِ فِي الْكبر فَلَا عِلّة لبُطْلَان بيعهَا إِلَّا النَّجَاسَة فرع الودك النَّجس بِوُقُوع نَجَاسَة فِيهِ أَن حكمنَا بِإِمْكَان غسله جَازَ بَيْعه وَإِلَّا ابتني على جَوَاز الاستصباح بِهِ وَفِيه قَولَانِ وَوجه الْمَنْع انتشار دخانه النَّجس مَعَ تعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ وبالنجاسة يُعلل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ امْتنَاع بيع الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَقد ورد الْخَبَر فِيهِ أَيْضا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَصح بَيْعه وَالْخِنْزِير لَا يُبَاع وفَاقا وَمَا يتَوَلَّد من الْكَلْب وَالْخِنْزِير أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر فَلهُ حكمهمَا فِي بطلَان البيع

الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ فبه تتَحَقَّق الْمَالِيَّة وَمَا لَا مَنْفَعَة لَهُ ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن تسْقط الْمَنْفَعَة للقلة كالحبة من الْحِنْطَة وَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَة محسوسة فِي ذَاته إِلَّا بِضَم غَيره إِلَيْهِ فبيعه بَاطِل وَمن أتْلفه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِذْ لَا قيمَة لَهُ وَقَالَ الْقفال عَلَيْهِ مثله إِن كَانَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَخَالفهُ غَيره الثَّانِي أَن تسْقط منفعَته لخسته كحشرات الأَرْض من الخنافس والعقارب وَأما الْهِرَّة والفيل والنحل فَفِيهَا مَنْفَعَة فَيجوز بيعهَا وَلَا مَنْفَعَة للأسد والنمر وَمَا

لَا يصطاد من السبَاع وَلَكِن فِيهَا وَفِي الْحمار الَّذِي تَكَسَّرَتْ قوائمه وَجه لَا بَأْس بِهِ أَنه يَصح بيعهَا لجلودها بِخِلَاف جلد الْميتَة فانه لَا يُبَاع لنجاسته لَا لعدم الْمَنْفَعَة وَفِي بيع العلق وَفِيه مَنْفَعَة المص للدم والسم الَّذِي لَا يصلح إِلَّا بِالْقَتْلِ تردد وَالْأولَى الصِّحَّة وَوجه الْمَنْع انه لَا يحتفل بِهَذِهِ الْمَنْفَعَة إِذْ قد ينْتَفع بِحَبَّة وَاحِدَة تجْعَل فِي فخ الطَّائِر وَلَا يعْتد بِمثل ذَلِك وَيجوز بيع لبن الْآدَمِيَّة خلافًا لأبي حنيفَة فانه طَاهِر منتفع بِهِ وَلَيْسَ بآدمي وَيجوز بيع المَاء على شاطئ الْبَحْر وَبيع الصَّخْرَة على الْجبَال لوُجُود الْمَنْفَعَة وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا لِكَثْرَة وَكَذَا بيع التُّرَاب وَقيل المَاء لَا يملك وَهُوَ بعيد الثَّالِث مَا سَقَطت منفعَته شرعا كالمعازف وَمَا هِيَ لغَرَض محرم لَا يصلح لغيره فتيك الْمَنْفَعَة الْمُحرمَة شرعا كالمعدومة حسا نعم أَن كَانَ رضاضة بِكَسْر بعد تَقْدِير الْكسر يتمول فَفِي صِحَة بَيْعه اعْتِمَادًا عَلَيْهِ ثَلَاثَة اوجه وَالْأَظْهَر انه إِن كَانَ من ذهب أَو فضَّة أَو عود أَو شَيْء نَفِيس صَحَّ لِأَنَّهُ

مَقْصُود فغلب قصد الصَّنْعَة وان كَانَ من خشب فَلَا لَان الْقَصْد مُرْتَبِط بالصنعة فَلَا يعْتَمد البيع غَيره وَفِي بيع الْقنية والكبش الَّذِي يطْلب للنطاح كَلَام سَنذكرُهُ

الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون مَمْلُوكا للعاقد فَبيع الْفُضُولِيّ مَال الْغَيْر عندنَا بَاطِل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقف على إِجَازَته وَهُوَ قَول قديم لم يعرفهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَوْلَيْنِ فِيمَن غصب أَمْوَالًا واتجر فِيهَا وَتصرف فِي أثمانها أَحدهمَا بطلَان الْبياعَات وتتبعها بِالنَّقْضِ وَهُوَ قِيَاس الْمَذْهَب وَالثَّانِي أَن الْمَالِك بِالْخِيَارِ فان شَاءَ أجَاز واخذ الْأَثْمَان وتعليله بِالْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجة لعسر تتبع التَّصَرُّفَات المتعاقبة فرع لَو قَالَ اشْتريت لزيد وَهُوَ لَيْسَ بوكيل لم يَقع عَن زيد وَهل يَقع عَنهُ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لَان الْفَاسِد إِضَافَته فتخصص بالإفساد وَيبقى قَوْله اشْتريت

وَالثَّانِي لَا وَهُوَ الأولى لَان الْكَلَام يعْتَبر جملَة وَهُوَ لم يشتر شَيْئا لنَفسِهِ أصلا فان قيل لَو بَاعَ مَالا على ظن انه ملك الْغَيْر فَإِذا هُوَ ملكه هَل يَصح قُلْنَا نقل الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن انه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت فَالْقِيَاس صِحَّته وَالظَّن الْخَطَأ لَا أثر لَهُ وَوجه الْمَنْع أَن مُقْتَضى لَفظه من حَيْثُ قرينَة الْحَال تَعْلِيق البيع على الْمَوْت وان أَتَى بِصِيغَة التَّنْجِيز فَلَا يكون بعبارته معربا عَن تَنْجِيز الْملك فِي الْحَال وَهُوَ لَا يعْتَقد لنَفسِهِ ملكا الشَّرْط الرَّابِع أَن يكون مَقْدُورًا على تَسْلِيمه حسا وَشرعا ومستنده النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَالْعجز الْحسي فِي الضال والآبق وَالْمَغْصُوب فروع ثَلَاثَة الأول بيع السّمك فِي الْحَوْض الْوَاسِع المسدودة المنافذ وَالطير المفلت فِي دَار فيحاء الَّذِي يقدر عَلَيْهِ وَلَكِن بعد عسر وتعب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لَان مثل هَذَا التَّعَب لَا يحْتَمل فِي غَرَض البيع فَلَا نظر إِلَى الْقُدْرَة بعد تحمله وَالثَّانِي وَهُوَ الأولى الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَقْدُور عَلَيْهِ ومستند هَذَا الشَّرْط النَّهْي عَن بيع الْغرَر وَهَذَا موثوق بِهِ بَالا لَا غرر فِيهِ

الثَّانِي بيع حمام البرج نَهَارا وعادته أَن تأوي إِلَى البرج لَيْلًا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْعَبْدِ الْغَائِب ثِقَة بعوده الطبيعي وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْغرَر ظَاهر فِي عوده بِخِلَاف العَبْد وَهُوَ الأولى إِذْ الِاشْتِغَال بِأَسْبَاب التَّسْلِيم من طلب العَبْد مُمكن وَهَا هُنَا لَا طَرِيق إِلَى الِانْتِظَار على غرر الثَّالِث الْمَغْصُوب الَّذِي يقدر المُشْتَرِي على اسْتِرْدَاده دون البَائِع فِيهِ خلاف لتعارض الْقُدْرَة وَالْعجز من الْجَانِبَيْنِ وَالْأولَى الصِّحَّة إِذا الْمَقْصُود التَّسْلِيم وَهُوَ مُمكن فِي نَفسه نعم لَو كَانَ المُشْتَرِي جَاهِلا فَلهُ الْخِيَار إِذا البيع لَا يكلفه تَعب الانتزاع وان كَانَ عَالما فَلهُ الْخِيَار أَن عجز وَإِلَّا فَلَا أما المعجوز عَن تَسْلِيمه شرعا فَهُوَ الْمَرْهُون فبيعه بَاطِل وَفِي بيع الدَّار المكراة خلاف سَيَأْتِي وَفِي بيع العَبْد الْجَانِي جِنَايَة تعلق الارش بِرَقَبَتِهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع كَالرَّهْنِ وَأولى فانه أقوى من وَثِيقَة الرَّهْن وَلذَلِك يقدم الْأَرْش إِذا جنى العَبْد الْمَرْهُون وَالثَّانِي الصِّحَّة وَهُوَ الأولى لِأَنَّهُ لم يحْجر على نَفسه وَجِنَايَة العَبْد لَا تحجر عَلَيْهِ فِي ملكه وتصرفه لَكِن يثبت مُتَعَلقا فِي رقبته إِن رغب السَّيِّد عَن

فدائه ليَكُون عصمَة لحقه بِقدر الضَّرُورَة أما إِذا اسْتوْجبَ العَبْد الْقطع بِالسَّرقَةِ أَو بِالْقَتْلِ بِالرّدَّةِ فَيصح بَيْعه إِذْ لَا ارش وَفِي الْقَتْل الْمُوجب للْقصَاص خلاف مُرَتّب على أَن مُوجب الْعمد مَاذَا وعَلى كل حَال فَهَذَا أولى بِجَوَاز البيع لَان الدِّيَة غير متعينة للْوُجُوب التَّفْرِيع أَن حكمنَا بِفساد البيع فَفِي الْإِعْتَاق خلاف كَمَا فِي الرَّهْن وان حكمنَا بِالصِّحَّةِ فَلَو كَانَ مُعسرا بِالْفِدَاءِ فَالظَّاهِر الْمَنْع وَفِيه وَجه منقاس انه يَصح وَلَكِن يثبت الْخِيَار للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وان كَانَ مُوسِرًا مهما امْتنع الْفِدَاء بِسَبَب من الْأَسْبَاب أما السَّيِّد فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات انه لم يُصَرح بِالْتِزَام الْفِدَاء فَلَا يلْزمه وَله دفع الطّلبَة عَن نَفسه بِالْفَسْخِ وَهَذَا بعيد عِنْد علمه بِجِنَايَة العَبْد فانه بِالْتِزَام التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي الْتزم الْفِدَاء فليؤاخذ بهما وَلَكِن لَو كَانَ جَاهِلا فَيظْهر إِثْبَات الْخِيَار لَهُ

فرع إِذا بَاعَ نصفا من نصل أَو سيف أَو آنِية ينقصها التَّبْعِيض فَهُوَ بَاطِل لَان البيع لَا يلْزم بنقيض غير الْمَبِيع وَالشَّرْع قد يمْنَع مِنْهُ إِذا كَانَ فِيهِ إِسْرَاف فيتقاعد البيع عَن إِيجَاب التَّسْلِيم وَلَو بَاعَ ذِرَاعا من كرباس لَا تنقص بِالْقطعِ قِيمَته فِيهِ وَجْهَان ذهب صَاحب التَّلْخِيص إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ غير مُمكن إِلَّا بتغيير عين الْمَبِيع وَالْبيع لَا يلْزمه وَلَعَلَّ التَّصْحِيح أولى الشَّرْط الْخَامِس أَن يكون مَعْلُوما للمتعاقدين وَالْعلم يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَقدره وَوَصفه مرتبَة من مَرَاتِب الْعلم الْعلم بِالْعينِ وَهُوَ شَرط فَلَو بَاعَ عبدا من عبيده أَو ثوبا من ثِيَابه أَو شَاة من قطيعه لَا على التَّعْيِين بَطل لما فِيهِ من الْغرَر الَّذِي يسهل اجتنابه ولان العقد لم يجد موردا يتأثر بِهِ فِي الْحَال فَأشبه النِّكَاح

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو قَالَ بِعْت عبدا من العبيد الثَّلَاثَة وَلَك خِيَار التَّعْيِين صَحَّ وَلم يصحح فِي الثِّيَاب وَلَا فِيمَا فَوق الثَّلَاثَة وَلَا دون شَرط الْخِيَار

وَفَسَاد هَذِه التحكمات بَين فروع ثَلَاثَة أَحدهمَا لَو قَالَ بِعْت صَاعا من هَذِه الصُّبْرَة وَهِي مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ قطعا وان كَانَت مَجْهُولَة فَوَجْهَانِ يبتنيان على العلتين إِن عللنا بَان مورد العقد لم يتأثر بِهِ فِي الْحَال بَطل هَذَا العقد فان الْإِبْهَام مَوْجُود هَهُنَا وَفِي صُورَة الْعلم بِعَدَد الصيعان ينزل على الإشاعة حَتَّى لَو تلف نصف الصُّبْرَة انْفَسَخ العقد بتلفه فِي ذَلِك الْقدر وَالْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَهَذَا اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح

وان عللنا بَان الْإِبْهَام منع لأجل الْغرَر فَلَا غرر هَا هُنَا لتساوي أَجزَاء الصُّبْرَة بِخِلَاف العبيد وَبِخِلَاف مَا إِذا بَاعَ ذِرَاعا من ارْض لَا على التَّعْيِين فان الْغَرَض يخْتَلف فِيهِ باخْتلَاف الجوانب وَيلْزم عَلَيْهِ التَّصْحِيح إِذا بَاعَ قدر صَاع من جملَة الصُّبْرَة وَقد فرقت صيعانها وَبِه اسْتشْهد الْقفال وَيبعد تَصْحِيحه وَاسْتشْهدَ بِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة إِلَّا صَاعا وَهِي مَجْهُولَة الصيعان بَطل فَأَي فرق بَين اسْتثِْنَاء الْمَعْلُوم من الْمَجْهُول واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم والإبهام يعمهما وَفِي الْفرق غموض

الثَّانِي إِذا اشْترى قِطْعَة من الأَرْض محفوفة بِملك البَائِع فان صرح بِإِثْبَات الْمَمَر ثَبت حق الاجتياز من كل جَانب إِلَّا إِذا كَانَ أحد جوانبها متاخما للشارع أَو ملك الْمُشْتَرى

فالعرف خصص الْمُرُور بِهِ وان خصص بِجَانِب من الجوانب لَا على التَّعْيِين فسد للإيهام وتفاوت الْأَغْرَاض وان صرح بِنَفْي الْمَمَر فَفِي صِحَة البيع وَلَا مَنْفَعَة للْمَبِيع دون الْمَمَر وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة إِذا التَّوَصُّل إِلَى الِانْتِفَاع بشرَاء الْمَمَر واستعارته واجارته مُمكن وان سكت عَن ذكر الْمَمَر فطريقان أَحدهمَا انه يَقْتَضِي الْمَمَر من كل جَانب اعْتِمَادًا على الْعرف وَالثَّانِي انه يخرج على الْوَجْهَيْنِ كَمَا إِذا نفى الْمَمَر لِأَنَّهُ سَاكِت عَنهُ الثَّالِث لَو عين جانبا من الأَرْض وَبَاعَ عشرَة اذرع وَلَكِن لم يذرع حَتَّى يتَبَيَّن

مقطع الْملكَيْنِ فِي العيان فَفِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الصِّحَّة للتعيين وَانْتِفَاء الْغرَر وَوُجُود العيان وَلَو بَاعَ الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان وَلم يعين المقطع فسد لَان الْعَادة تَتَفَاوَت فِي مقادير الجز بِخِلَاف الكراث فان الْعَادة فِي جزه تتقارب وَلَو قبض على كتلة وَعين المجز صَحَّ وَفِيه احْتِمَال لِأَنَّهُ يتَعَيَّن بِهِ عين الْمَبِيع خلاف الأَرْض وَالشَّجر فان الجز وَالْقطع لَا يغيرهما الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالْقدرِ أما إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَلَا بُد من التَّقْدِير سَوَاء كَانَ نَقْدا أَو عرضا فَلَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه أَو ثَوْبه أَو بزنة هَذِه الصنجة لَا يَصح لِأَنَّهُ غرر مجتنب يسهل دَفعه وَلَا بُد من تَعْرِيف جنسه وَإِذا تَعَارَضَت النُّقُود لَا بُد من التَّعْرِيف فَإِن غلب وَاحِد كفى الْإِطْلَاق وان غلب فِي الْعرُوض جنس وَاحِد فَفِي الِاكْتِفَاء بِالْإِطْلَاقِ اعْتِبَار بِالنَّقْدِ أَو اشْتِرَاط الْوَصْف نظرا إِلَى أَن الأَصْل فِي الْعرُوض التَّفَاوُت وَجْهَان فروع ثَلَاثَة الأول إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة دَرَاهِم وَهِي

مُعَاينَة غير مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ بصرة مُعَاينَة من الدَّرَاهِم لَان العيان هُوَ المنتهي عرفا فِي الْعُقُود وَلَو قَالَ بِعْتُك الصُّبْرَة كل صَاع بدرهم صَحَّ وان كَانَت مَجْهُولَة الصيعان وَلم يكن مبلغ جملَة الثّمن مَعْلُوما لِأَنَّهُ إِذا رأى جنس الْمَبِيع وَعرف قدر ثمن كل صَاع فقد انْتَفَى الْغرَر وسلك طَرِيق معرفَة الرِّبْح والخسران الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة بِعشْرَة على أَن أزيدك صَاعا فان أَرَادَ بِهِ التَّبَرُّع بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ شَرط هبة فِي بيع فَيفْسد وان أَرَادَ إِدْخَاله فِي الْمُقَابلَة بِالثّمن فان كَانَت مَعْلُومَة الصيعان صَحَّ وان كَانَت الصُّبْرَة عشرَة أصيع فَمَعْنَاه صَاع وَعشر بدرهم وان كَانَت مَجْهُولَة لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي اشْترى بدرهم صَاعا وَعشرا أَو صَاعا وتسعا أَو مَا يتَرَدَّد فِيهِ فَيكون الثّمن مَجْهُول الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل

فان قيل فَإِذا تردد اللَّفْظ بَين الِاحْتِمَالَات فَكيف يَصح العقد بِمُجَرَّد إِرَادَة صُورَة الصِّحَّة قُلْنَا يلْتَفت هَذَا على الْأَصَح فِي انْعِقَاد البيع بِالْكِنَايَةِ الثَّالِث إِذا بَاعَ سمنا فِي بستوقة تَتَفَاوَت أجزاؤها فِي الغلظ والدقة اَوْ صبرَة على ارْض فِيهَا حفر مُتَفَاوِتَة فَهَذَا يبطل فَائِدَة العيان فِي تخمين الْمِقْدَار لَا فِي معرفَة الصَّفْقَة فَفِيهِ ثَلَاث طرق قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي مَجْمُوعه وَجْهَان فِي أَن البيع يَصح لَان معرفَة الْمِقْدَار بعد العيان لَو كَانَت شرطا لما صَحَّ البيع بصبرة من الدَّرَاهِم مرتبَة غير موزونة وَهَذَا غَرِيب لم يذكرهُ فِي شَرحه الثَّانِيَة أَن العقد بَاطِل قطع بِهِ بعض الْمُحَقِّقين لَان غرره كغرر الْجَهْل بِالصّفةِ وَقد تعذر تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب لَان الرُّؤْيَة حَاصِلَة فَمَتَى يثبت الْخِيَار أَو كَيفَ يلْزم دون الْخِيَار وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الثَّالِثَة وَهُوَ المنقاس تَخْرِيجه على بيع الْغَائِب فانه لَا يتقاصر عَمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك الثَّوْب الَّذِي فِي كمي فان فِيهِ قَوْلَيْنِ فَكَذَلِك هَا هُنَا وَهَذَا وَجه التَّخْرِيج اخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ قِيَاسه أَن يُقَال معرفَة الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو بِرُؤْيَة الدكة وَقت ثُبُوت الْخِيَار كَمَا أَن معرفَة الصّفة بِالرُّؤْيَةِ وقته فِي بيع الْغَائِب

التَّفْرِيع أَن أبطلنا العقد فَلَو نظر إِلَى صبرَة وَلم يدر أَن تحتهَا دكة فعقد اعْتِمَادًا على اعْتِقَاده فظهرت دكة فَهَل يتَبَيَّن بطلَان العقد أم يقْتَصر على الْخِيَار وَجْهَان اخْتَار الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْأَبْطَال لَان معرفَة الْقدر تَحْقِيقا أَو تخمينا شَرط وَقد تبين فقد الشَّرْط وَالثَّانِي انه يَصح اعْتِمَادًا على الِاعْتِقَاد الْمرتبَة الثَّالِثَة الْعلم بِالصِّفَاتِ بطرِيق الرُّؤْيَة وَفِي اشْتِرَاطه فِي الشِّرَاء قَولَانِ وَفِي الْهِبَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بَالا يشْتَرط لِأَنَّهُ لَيْسَ من عُقُود المغايبات ليبعد عَن الْغرَر وَذهب الْمُزنِيّ إِلَى الْإِبْطَال لَان الْغرَر المجتنب الَّذِي يسهل إِزَالَته يبطل العقد لنَهْيه عَن بيع الْغرَر وَلَا خلاف أَن الشم والذوق فِي المشموم والمذوق غير مَشْرُوط لَان الرُّؤْيَة اعظم

طَرِيق يعرف بِهِ جَمِيع الْأَشْيَاء فالصفات المرئية تدل على جَمِيع الْمَقَاصِد الْخفية غَالِبا واضطرب الْأَصْحَاب فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا البَائِع إِذا بَاعَ مَا لم يره مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْبُطْلَانِ لَان الْخِيَار بعيد عَن البَائِع قَالَه المراوزة وَقيل أولى بِالصِّحَّةِ لِأَن الْمُشْتَرى مُحَصل وَالْبَائِع معرض والمتملك بِالِاحْتِيَاطِ أَجْدَر قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ واصح الْمَذْهَب الْبطلَان فِي الشِّرَاء وَالْبيع جَمِيعًا ثمَّ أَن صححنا بيع الْغَائِب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار لَهُ عِنْد الرُّؤْيَة وَجْهَان أصَحهمَا الثُّبُوت كالمشتري وَقيل لَا يثبت لَان جَانِبه بعيد عَن الْخِيَار وَلذَلِك إِذا ظن الْمَبِيع معيبا فَإِذا هُوَ سليم لَا خِيَار لَهُ وان استضر بِهِ وَهَذَا يبطل بِخِيَار الْمجْلس وَالشّرط فانهما يَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَهَذَا من جنسه الثَّانِيَة فِي شِرَاء الْأَعْمَى طَرِيقَانِ ينشآن على أَن التَّوْكِيل بِالرُّؤْيَةِ وَالْفَسْخ هَل يجوز وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ رَأْي مُجَرّد فَصَارَ كَمَا إِذا أسلم على عشر نسْوَة ووكل بِالِاخْتِيَارِ وَالثَّانِي الْجَوَاز كالتوكيل بِالرُّؤْيَةِ وَالشِّرَاء

فان جَوَّزنَا بِالتَّوْكِيلِ خرج شِرَاؤُهُ على الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا قَطعنَا بِالْبُطْلَانِ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْإِلْزَام وَلَا إِلَى خِيَار لَا مُنْتَهى لَهُ وَفِي قَبضه بِالْهبةِ وَالدّين خلاف مُرَتّب على شِرَائِهِ وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ فعل يبعد عَن الْغرَر وَلَو عمى بعد شِرَاء الْغَائِب فَقُلْنَا لَا تَوْكِيل فِي الرُّؤْيَة انْفَسَخ العقد لِاسْتِحَالَة التَّقْيِيد وَصحح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سلم الْأَعْمَى فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يرد بِهِ إِلَّا كمه لِأَنَّهُ لَا يعرف الصِّفَات وَمن الْأَصْحَاب من خَالفه لِأَنَّهُ يتخيل فرقا بَين صِفَات الرداءة والجودة التَّفْرِيع أَن فرعنا على قَول اشْتِرَاط الرُّؤْيَة فَعَلَيهِ ثَلَاث مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى أَن استقصاء الْأَوْصَاف على وَجه يُفِيد الْإِحَاطَة بالمقاصد هَل يقوم مقَام الرُّؤْيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لحُصُول ثَمَرَتهَا وَهِي الْمعرفَة وَالثَّانِي لَا إِذْ الرُّؤْيَة تطلع على دقائق لَا تحيط الْعبارَة بهَا الثَّانِيَة رُؤْيَة بعض الْمَبِيع تقوم مقَام رُؤْيَة الْكل إِذا كَانَ المرئي يدل على الْبَاقِي كظاهر صبرَة الْحُبُوب والمائعات هَذَا إِذا كَانَ مُتَّصِلا

فان رأى مِنْهُ أنموذجا وَلم يدْخل فِي البيع فَهُوَ كاستقصاء وصف الْمَبِيع وَالأَصَح وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد انه لَا يقوم مقَام الْوَصْف فِي السّلم لَان اللَّفْظ وَالْوَصْف هُوَ الْمرجع عِنْد الأشكال فِي السّلم وان ادخل فِي البيع صَحَّ على اخْتِيَار الْقفال وَهُوَ الْأَصَح وَفِيه وَجه وان كَانَ المرئي لَا يماثل الْبَاقِي نظر فان كَانَ صَلَاح الشَّيْء فِي إبقائه مَسْتُورا كحب الرُّمَّان ولب الْجَوْز واللوز وَأَمْثَاله كفى رُؤْيَة الظَّاهِر للْحَاجة وَمَا لَيْسَ كَذَلِك يخرج على بيع الْغَائِب فروع أَرْبَعَة الأول القشرة الْعليا من الْجَوْز الرطب مِنْهُم من جعله مَانِعا للاستغناء عَنهُ وَمِنْهُم من ألحقهُ بالسفلى فَفِيهِ مصلحَة إبْقَاء الرُّطُوبَة وَالظَّاهِر أَن النشرة الْعليا من الْبَاقِي تَكْفِي رؤيتها لَان الرُّطُوبَة فِيهَا مَقْصُودَة وَالثَّانِي الْفَأْرَة من الْمسك كالمسح من النوري وَالْجَلد من اللَّحْم فَلَا يَكْفِي النّظر إِلَيْهِ إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهِ كثير صَلَاح والمسك نَفِيس فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِيهِ اعتيادا وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا لم تكن الْفَأْرَة مَفْتُوحَة يحْتَمل إلحاقها بقشرة الْجَوْز ثمَّ

إِذا أدخلت الْفَأْرَة فِي البيع خرج على نَجَاسَة الْفَأْرَة وَالصَّحِيح أَنَّهَا طَاهِرَة تَشْبِيها بالبيضة فان الطبية تلقي بطبعها فِي كل سنة وَاحِدَة والمسك كَانَ احب الطّيب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَلِيق بِالشَّرْعِ تنجيس طرفه وَقيل انه نجس لِأَنَّهُ جُزْء مبان من حَيّ الثَّالِث الديباج المنقش لَا يدل أحد وجهيه على الآخر وَالأَصَح أَن الكرباس يدل أحد وجهيه على الآخر وَفِيه وَجه اعْتِبَارا لأحد الْوَجْهَيْنِ بِأحد النصفين الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الرُّؤْيَة السَّابِقَة كالمقارنة إِذا كَانَ الشَّيْء مِمَّا لَا يتَغَيَّر غَالِبا خلافًا لأبي الْقَاسِم الانماطي لَان الْمَقْصُود الْمعرفَة فرعان أَحدهمَا إِذا اقدم على العقد على ظن انه لم يتَغَيَّر على الْغَالِب فَكَانَ قد تغير على الندور فيتبين بطلَان العقد لتبين انْتِفَاء الْمعرفَة أم يَكْتَفِي بِالْخِيَارِ لبِنَاء العقد على ظن فِيهِ خلاف الثَّانِي إِذا قَالَ المُشْتَرِي تغير ولي الْخِيَار وَأنْكرهُ البَائِع قَالَ صَاحب

التَّقْرِيب القَوْل قَول البَائِع إِذْ الأَصْل عدم التَّغْيِير وَقَالَ الخضري بل الأَصْل عدم لُزُوم الثّمن وَالْأول اصح التَّفْرِيع على صِحَة بيع الْغَائِب أَربع مسَائِل الأولى إِذا اشْترى منديلا نصفه فِي صندوق لم يره قطع الْمُزنِيّ بالإبطال فِيمَا نَقله نصا وَمن الْأَصْحَاب من تكلّف لَهُ وَجها وَهُوَ أَن إِثْبَات الْخِيَار فِي النّصْف تَخْصِيصًا محَال والتعميم إِثْبَات فِي المرئي فَيُؤَدِّي إِلَى تنَاقض الحكم وَمِنْهُم من جعل هَذَا بيع غَائِب وَهُوَ الاقيس فان مُوجب الْخِيَار فِي الْبَعْض تسليط على رد كل الْمَبِيع كالعيب بِأحد الْعَبْدَيْنِ فالتعميم غير مُمْتَنع الثَّانِيَة بيع اللَّبن فِي الضَّرع بَاطِل فانه انْضَمَّ إِلَى عدم الرُّؤْيَة الْعَجز عَن تَمْيِيز الْمَعْقُود عَلَيْهِ عَن غَيره إِذا اللَّبن فِي الْعُرُوق ينصب إِلَى الضَّرع وَقت الْحَلب فيختلط بِهِ وَكَذَلِكَ لَو رأى مِنْهُ أنموذجا وَغلط الفوراني إِذْ ذكر فِي الأنموذج وَجْهَيْن نعم لَو قبض على قدر من الضَّرع واحكم شده فَوَجْهَانِ مِنْهُم من حسم الْبَاب لَان الِاطِّلَاع على عدم الِاخْتِلَاط غير مُمكن والشد قد يكون سَبَب حَرَكَة الطبيعة وانصباب اللَّبن

وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ أَن بَاعَ دون الْجلد فَلَا يُمكن تَسْلِيمه إِلَّا بتغيير الْجلد وبشقه ثقبه غَالِبا وان بَاعَ مَعَ الْجلد قطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْبُطْلَانِ وَوَجهه اتِّصَال الْمَقْصُود بِمَا لَيْسَ بمقصود على وَجه لَا يُمكن تَحْصِيل الْمَقْصُود إِلَّا بتغيير وَتصرف فِي الْجلد بالسلخ وَالصَّحِيح تَخْرِيجه على الْقَوْلَيْنِ أما بيع الروس والاكارع المسموطة مَعَ النّظر إِلَى الظَّاهِر فَجَائِز على الْقَوْلَيْنِ فان الْجلد فِي حكم جُزْء يُؤْكَل مِنْهُ الثَّالِثَة إِذا صححنا بيع الْغَائِب فقد اتّفق الاكثرون على انه لَو قَالَ بِعْت مِنْك مَا فِي كمي وَلم يذكر الْجِنْس لَا يجوز وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب أبي حنيفَة وَفِيه وَجه منقاس انه يجوز بِحُصُول التَّعْيِين بِالْإِشَارَةِ ثمَّ للأصحاب طَرِيقَانِ قَالَت المراوزة لَا يشْتَرط شَيْء سوى ذكر الْجِنْس كَقَوْلِه بِعْت العَبْد الَّذِي فِي الْبَيْت فَلَو استقصى الْأَوْصَاف فَهَل يسْقط الْخِيَار لقِيَام الْوَصْف مقَام الرُّؤْيَة فعلى الْخلاف السَّابِق قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يشْتَرط ذكر النَّوْع مَعَ الْجِنْس قطعا وَهُوَ أَن يَقُول عَبدِي التركي

وَهل يشْتَرط استقصاء الْأَوْصَاف حَتَّى ينْعَقد بيع الْغَائِب على خِيَار الرُّؤْيَة فعلى وَجْهَيْن والطريقتان متباعدتان الرَّابِعَة يثبت الْخِيَار فِي بيع الْغَائِب بِالرُّؤْيَةِ وَله الْفَسْخ قبل الرُّؤْيَة وَفِي الْإِجَازَة قبلهَا وَجْهَان أظهرهمَا أَنَّهَا لَا تصح لَان الرِّضَا قبل حَقِيقَة الْمعرفَة وَلَو تصور لحصل بقوله اشْتريت فَلَيْسَ فِي قَوْله أجزت زِيَادَة عَلَيْهِ فرع لَو رأى ثَوْبَيْنِ ثمَّ سرق أَحدهمَا من الْبَيْت وَهُوَ لَا يدْرِي أَن الْمَسْرُوق أَيهمَا فَاشْترى الثَّوْب الْبَاقِي فقد اشْترى معينا مرئيا وَقد وَقعت الْمَسْأَلَة فِي الْفَتَاوَى فَقلت أَن تساوى صفة الثَّوْبَيْنِ وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس وَاحِد صَحَّ العقد وان اخْتلف شَيْء من ذَلِك خرج على قولي بيع الْغَائِب لِأَنَّهُ لَيْسَ يدْرِي أَن الْمُشْتَرى خَمْسَة اذرع مثلا أم عشرَة ورؤيته السَّابِقَة لم تفد الْعلم بِقدر الْمَبِيع وَوَصفه فِي حَالَة البيع فَلَا اثر لَهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي فَسَاد البيع بِجِهَة الرِّبَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَبِيع إِذا كَانَ ربويا اشْترط فِي عقده وَرَاء مَا ذَكرْنَاهُ من الشَّرَائِط السَّابِقَة فِي الْبَاب الأول ثَلَاث شَرَائِط التَّمَاثُل بمعيار الشَّرْع والحلول ونعني بِهِ منع الْأَجَل وَالسّلم وَوُجُوب التَّقَابُض فِي مجْلِس العقد

هَذَا إِذا بيع الرِّبَوِيّ بِجِنْسِهِ فَإِن بيع بربوي آخر يُشَارِكهُ فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ قرينَة الجنسية يسْقط اشْتِرَاط التَّمَاثُل وَبَقِي اشْتِرَاط التَّقَابُض والحلول وَأنكر أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شَرط التَّقَابُض إِلَّا فِي عقد الصّرْف وان بيع بِمَا لَا يدْخل فِي الربويات سَقَطت هَذِه الشَّرَائِط كلهَا ومعتمد الْبَاب مَا روى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِإِسْنَادِهِ عَن مُسلم بن يسَار وَرجل آخر عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْوَرق بالورق وَالْبر بِالْبرِّ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء عينا بِعَين يدا بيد فَإِذا اخْتلف الجنسان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم يدا بيد

أوجب عِنْد التجانس ثَلَاثَة أُمُور وَعند اخْتِلَاف الْجِنْس أوجب التَّقَابُض وَنفي السّلم بقوله يدا بيد والربا فِي النَّقْدَيْنِ عندنَا مُعَلل بكونهما جوهري الْأَثْمَان فيتعدى إِلَى الْحلِيّ وكل مَا يتَّخذ مِنْهُمَا وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة

مُعَلل بِالْوَزْنِ والجنسية وَعلة الرِّبَا فِي الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة عندنَا الطّعْم وَالْجِنْس وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعلَّة مركبة من الْكَيْل والجنسية وَمذهب ابْن الْمسيب أَن الْعلَّة هِيَ الطّعْم فِي الْجِنْس وَالتَّقْدِير وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ والجنسية عندنَا مَحل الْعلَّة فَهِيَ بمجردها لَا تحرم النِّسَاء بل يجوز إِسْلَام الثَّوْب

فِي جنسه خلافًا لأبي حنيفَة وَيجْرِي الرِّبَا عندنَا فِي دَار الْحَرْب خلافًا لَهُ وَإِذا اشْترى الشَّيْء بِأَقَلّ مِمَّا بَاعه نَقْدا صَحَّ العقدان عندنَا وَقَالَ مَالك بَطل العقدان لِأَنَّهُ ذَرِيعَة إِلَى الرِّبَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة بَطل العقد الثَّانِي

وأدلة هَذِه الْمسَائِل مستقصاة فِي الْخلاف وَالنَّظَر الْآن إِنَّمَا يطول فِي الرِّبَا الْفضل فان التَّقَابُض وَتَحْرِيم النَّسِيئَة فرعان لَهُ يجريان فِي كل عينين جمعتهما قرينَة الجنسية من النقدية أَو الطّعْم وَالْكَلَام يتَعَلَّق بأطراف الطّرف الأول فِيمَا يجْرِي الرِّبَا فِيهِ بعلة الطّعْم وَهُوَ كل مَا ظهر مِنْهُ قصد الطّعْم وان ظهر مِنْهُ قصد آخر وَيدخل فِيهِ الْفَوَاكِه والأدوية وَمِنْه الطين الأرضي وَكَذَا الطين الَّذِي يُؤْكَل سفها على الصَّحِيح وَكَذَا الزَّعْفَرَان وان قصد مِنْهُ الصَّبْغ وَكَذَا المَاء فانه مطعوم وَفِي دهن البنفسج ودهن الْكَتَّان وودك السّمك خلاف وَقطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَن الرِّبَا لَا يجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَل فِي حَالهَا على عُمُوم وَلَا على الندور بل دهن الْكَتَّان للاستصباح وودك السّمك لطلي السفن

أما دهن البنفسج قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ القَوْل الْمَنْصُوص فِيهِ انه يجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِأَن النَّاس لَا يتناولونه ضنة بِهِ وَفِيه قَول قديم مخرج وَمن أَصْحَابنَا من أجْرى الرِّبَا فِي الْكل نظرا إِلَى الأَصْل الَّذِي مِنْهُ الاستخراج وإعراضا عَن الْحَال الطّرف الثَّانِي فِي الْخَلَاص من رَبًّا الْفضل والمطعوم يَنْقَسِم فَالَّذِي يعْتَاد تَقْدِيره تحصل الْمُمَاثلَة فِيهِ بمعيار الشَّرْع وَالْعبْرَة فِيهِ بعصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يُوزن مَكِيل فِي عصره وَلَا يُكَال مَوْزُون فَإِن فعل فَلَا أثر لَهُ فِي الصِّحَّة وان وجد شَيْء لَا يعرف لَهُ معيار فِي عصره فخمسة أوجه أَحدهمَا الْوَزْن لِأَنَّهُ احصر الثَّانِي الْكَيْل لِأَنَّهُ أَعم الثَّالِث التَّخْيِير للتعادل الرَّابِع يرجع إِلَى عَادَة أهل الْعَصْر وَهُوَ الأفقه الرَّابِع يرجع إِلَى معيار اصله أَن كَانَ مستخرجا من أصل وَيجوز الْكَيْل بقصعة لَا يعْتَاد الْكَيْل بهَا كَمَا يجوز التَّعْدِيل بِالْوَضْعِ فِي كفتي الْمِيزَان وللقفال فِي الْكَيْل بالقصعة تردد

أما إِذا بَاعَ صبرَة بَصِيرَة جزَافا فَهُوَ بَاطِل وَإِن خرجتا متماثلتين خلافًا لزفَر أما غير الْمُقدر كالبطيخ والسفرجل والقثاء وَالْبيض والجوز مِمَّا لَهُ كَمَال فِي حَالَة جفافه فَلَا يُبَاع بعضه بِالْبَعْضِ فِي حَالَة الرُّطُوبَة أصلا وَإِن لم يكن لَهُ حَالَة جفاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا جَوَاز البيع بِالْوَزْنِ مُتَسَاوِيا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز إِذْ لَيْسَ للشَّرْع فِيهِ معيار وَلَا للْعَادَة ثمَّ إِن جفف نَادرا فَفِي بيع بعضه بِالْبَعْضِ وزنا وَجْهَان مرتبان على حَالَة الرُّطُوبَة وَأولى بِالْجَوَازِ وَوجه الْمَنْع أَن الْجَفَاف نَادِر فِيهِ غير مَقْصُود فَيلْحق بِحَالَة الرُّطُوبَة كَأَنَّهُ لم يُوجد الْجَفَاف وَالْجَوَاز أَقيس الطّرف الثَّالِث فِي الْحَالة الَّتِي تعْتَبر الْمُمَاثلَة فِيهَا وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ أينقص الرطب إِذا جف فَقَالَ السَّائِل نعم فَقَالَ فَلَا إِذا منع وَعلل بتوقع النُّقْصَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الْجَفَاف فَدلَّ على أَن الْمَطْلُوب التَّمَاثُل بِالْإِضَافَة إِلَى تِلْكَ الْحَالة فَلَا يُبَاع الرطب

بالرطب وَالْعِنَب بالعنب وان تماثلا لَان تفَاوت النُّقْصَان عِنْد الْجَفَاف لَا يَنْضَبِط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجوز بيع الرطب بالرطب وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ جَمِيعًا وَمَا تخْتَلف حَاله من المطعومات ثَلَاثَة الْفَوَاكِه والحبوب والمعروضات على النَّار أما الْفَوَاكِه فَكل مَا يجفف للادخار يحرم بَيْعه فِي حَالَة الرُّطُوبَة فروع أَرْبَعَة أَحدهَا الرطب الَّذِي لَا يتهمر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا منع البيع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف على الْجُمْلَة والرطوبة توجب تَفَاوتا وَالثَّانِي الْجَوَاز لأَنا فهمنا رِعَايَة الْمُمَاثلَة فِي أكمل الْأَحْوَال وَفِي أشرف الْأَشْيَاء والشرف فِي الطّعْم وَكَمَال الْحَال فِي الرُّطُوبَة فِيمَا يفْسد بالجفاف وعَلى هَذَا لَا يجوز بيع رطبه بِالتَّمْرِ هَذَا مَدْلُول كَلَام الْأَصْحَاب وينقدح جَوَازه كَمَا جَازَ بالرطب

الثَّانِي المشمش والخوخ وَمَا يجفف على ندور فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لِأَن لَهُ حَالَة جفاف وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الرُّطُوبَة أكمل أَحْوَاله وَالثَّالِث الْمَنْع رطبا ويابسا إِذا لم يَتَقَرَّر لَهُ حَالَة كَمَال وللعنب فِي الْكَمَال حالتان الزَّبِيب والخل الثَّالِث يُبَاع الزَّيْتُون بالزيتون وَاللَّبن بِاللَّبنِ وَهِي أَحْوَال كمالها فَإِن الزَّيْت وَالسمن وَمَا إِلَيْهِ مصيرهما لَيْسَ من جنسهما الرَّابِع يحرم بيع التَّمْر بعد نزع النَّوَى لِأَنَّهُ يفْسد كَمَاله وادخاره وللعراقيين فِيهِ وَجه وَاللَّحم يُبَاع الْبَعْض بِالْبَعْضِ فِي حَالَة التَّعَدُّد بعد نزع الْعظم وَمَعَ الْعظم لَا لِأَن الْإِصْلَاح فِي نَزعه وَقيل إِنَّه يجوز بيع اللَّحْم فِي حَالَة الرُّطُوبَة بِاللَّحْمِ لِأَن التَّقْدِير فِيهِ كالنادر وَقيل إِن نزع الْعظم غير وَاجِب وَهُوَ بعيد وَأما المشمش والخوخ مِنْهُم من ألحقهما بِالتَّمْرِ وَمِنْهُم من ألحقهما بِاللَّحْمِ

فِي وجوب نزع النَّوَى أَو مَنعه أما الْحُبُوب فَلَا خلاص عَن الرِّبَا فِيهَا بالمماثلة إِلَّا فِي حَالَة كمالها وَهُوَ أَن يكون حبا فكمال الْبر فِي حَالَة كَونه برا إِلَّا أَن تكون مقلية أَو مبلولة أَو كشكا مهرسا فان كل ذَلِك يفْسد الادخار والأرز لَا يبطل ادخاره بتنحية قشرته وَفِي الجاورش تردد فان خرج عَن كَونه حبا فَلَا خلاص فِيهَا بالمماثلة كالدقيق والسويق والكعك وَالْخبْز وَسَائِر أَجزَاء الْبر وَللشَّافِعِيّ نُصُوص قديمَة فِي أَجزَاء الْبر مضطربة وَلَكِن قَرَار الْمَذْهَب مَا ذَكرْنَاهُ نعم السمسم وَمَاله دهن من الْحُبُوب يجوز بيع الدّهن بالدهن مِنْهُ متماثلا لِأَنَّهُ أَيْضا حَالَة كَمَال أما اللَّبن فكماله أَن يكون لَبَنًا وَيُبَاع الزّبد بالزبد أَيْضا كَمَا فِي دهن السمسم بدهن السمسم وَكَذَا المخيض بالمخيض إِلَّا أَن يكون فِيهِ مَاء

وَيُبَاع اللَّبن بالرائب المنعقد وان كَانَ خاثرا إِلَّا أَن يكون معروضا على النَّار وأجزاء اللَّبن كالمصل والأقط والجبن لَا يُبَاع بَعْضهَا بِبَعْض وَلَا بالمخيض وَلَا بِاللَّبنِ لمفارقة حَالَة الْكَمَال وأجزاء اللَّبن كالدقيق وَالْخبْز مَعَ الْبر أما المعروضات على النَّار فَهِيَ مُفَارقَة لحالة الْكَمَال وَمِنْه اللَّحْم المشوي والمطبوخ والدبس أما السكر والفانيذ والقند واللبأ وَهُوَ لبن عرض على النَّار أدنى عرض وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالنَّار فِي كل ذَلِك خلاف لضعف أثر النَّار وَالْعَسَل الْمُصَفّى بالشمس حَاله حَال كَمَال وفَاقا وَالصَّحِيح جَوَاز بيع الْعَسَل بالعسل وان عرض على النَّار لَان ذَلِك للتمييز فَهُوَ كَبيع السّمن بالسمن فانه جَائِز وان كَانَ لَا يجوز بيع السّمن بالزبد لَان اثر النَّار عِنْد ذَلِك يظْهر التَّفَاوُت الطّرف الرَّابِع فِي اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه وَالنَّظَر فِي اللحوم والألبان والأدقة والأدهان والخلول والحلاوات أما اللحوم فَفِيهَا قَولَانِ أصَحهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنَّهَا أَجنَاس

لاخْتِلَاف الْحَيَوَانَات وَكَيف يجانس لحم العصفور لحم الْإِبِل وَالثَّانِي أَنَّهَا جنس لِأَنَّهَا اندرجت تَحت اسْم وَاحِد لَا يتَمَيَّز بَعْضهَا إِلَّا بِالْإِضَافَة كأنواع التَّمْر وَالْعِنَب وعَلى هَذَا فِي الْبري مَعَ البحري وَجْهَان لأَنا قد لَا ندرج الْحُوت تَحت اسْم اللَّحْم فِي التَّمْيِيز وان قُلْنَا إِنَّهَا أَجنَاس فأنواع الْغنم من الضَّأْن والمعز جنس وَاحِد وَكَذَا أَنْوَاع الْحمام من الدبسي والفواخت والبحريات جنس وَاحِد إِن أطلقناه أَحللنَا الْكل بتسميتها حوتا وان لم ندرجها تَحت اسْم الْحُوت فَهِيَ أَجنَاس فان قيل الكرش والكبد وَالطحَال والرئة والأمعاء وَمَا يخْتَص باسم وَاحِد خَاص مَا حكمهَا إِن قُلْنَا إِن اللحوم أَجنَاس فَهَذِهِ مَعَ اخْتِلَاف الْأَسَامِي أولى وان قُلْنَا أَنَّهَا جنس فَهَذَا يَنْبَنِي على الْيَمين فَكل مَا يَحْنَث الْحَالِف على تنَاول اللَّحْم بتناوله فَهُوَ جنس اللَّحْم وكل مَا لَا يَحْنَث بِهِ فَفِيهِ وَجْهَان لَان الْيَمين يبْنى على الِاسْم لَا على حَقِيقَة الجنسية وَالْمذهب أَن الْحَالِف على اللَّحْم لَا يَحْنَث بِشَيْء من ذَلِك وَيحنث بالروس والأكارع وَلَا يَحْنَث بالشحم والإلية وَيحنث بسمين اللَّحْم وَألْحق المراوزة الْقلب بِاللَّحْمِ وألحقه الْعِرَاقِيُّونَ بالكبد

فان قيل هَل يجوز بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ قُلْنَا لَا إِذْ ورد النَّهْي فِيهِ وَذَلِكَ فِي بيع لحم الْغنم بالغنم أما الْبَقر وَغير الْغنم يبْنى على اتِّحَاد الْجِنْس إِن قُلْنَا اللحوم جنس حرم وان قُلْنَا أَجنَاس فَقَوْلَانِ أقيسهما الصِّحَّة إِذْ فهمنا تَقْدِير اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ إِذا قوبل بِجِنْسِهِ إِذْ لَو استرسلنا على الْعُمُوم انجر إِلَى منع بيع اللَّحْم بالحمار وبالعبد وَنحن قد نخصص الْعُمُوم بِقَرِينَة معنوية تفهم من اللَّفْظ كتخصيصنا اللَّمْس بِغَيْر الْمَحَارِم وحرمان الْمِيرَاث بِمن لَيْسَ مُسْتَحقّا للْقَتْل حَتَّى لَا يحرم الْمُقْتَص والجلاد أما الأدقة فَهِيَ أَجنَاس مُخْتَلفَة وَالْمذهب أَن الألبان كاللحوم لِأَنَّهَا أجزاؤها انحصرت مِنْهَا والأدهان مُخْتَلفَة وَقيل يخرج على قولي اللحوم أما الدّهن وَالْكَسْب فجنسان كالسمن والمخيض والخلول كالأدهان وَفِي خل الْعِنَب وعصيره وَجْهَان أظهرهمَا اخْتِلَاف الْجِنْس وان كَانَ ذَلِك بِغَيْر الصّفة لَان تَغْيِير الصّفة قد يَجْعَل غير الرِّبَوِيّ ربويا وَالظَّاهِر أَن السكر والفانيذ جنسي لَان اصلهما الْقصب والتفاوت يسير

الطّرف الْخَامِس فِي قَاعِدَة مد عَجْوَة وَضبط الْقَاعِدَة أَن الصَّفْقَة مهما اشْتَمَلت على مَال الرِّبَا من الْجَانِبَيْنِ وَاخْتلف الْجِنْس من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَالْبيع بَاطِل ولأجله يبطل بيع الْهَرَوِيّ بالهروي وبالنقرة وبالنيسابوري وَكَذَلِكَ بيع المعجونات والمخلوطات بَعْضهَا بِبَعْض وَكَذَلِكَ الشهد فانه عسل وشمع وَكَذَا الْجُبْن فَفِيهِ مَاء وملح وَكَذَا خل الزَّبِيب فَفِيهِ مَاء وَبيع مد وَدِرْهَم بمدين أَو دِرْهَمَيْنِ أَو مد وَدِرْهَم بَاطِل وَالْأَصْل فِيهِ مَا روى فضَالة بن عبيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بقلادة فِيهَا ذهب وخرز

تبَاع بِالذَّهَب فَأمر بِنَزْع الذَّهَب وَقَالَ الذَّهَب بِالذَّهَب وزنا بِوَزْن ولان مَا فِي أحد الْجَانِبَيْنِ إِذا وزع على مَا فِي الْجَانِب الثَّانِي بِاعْتِبَار الْقيمَة أفْضى إِلَى المفاضلة أَو الْجَهْل بالمماثلة وَهَذَا الْمَعْنى يجْرِي فِي اخْتِلَاف النَّوْع فنص الشَّافِعِي على انه لَو راطل مائَة دِينَار عتق وَمِائَة دِينَار رَدِيء بِمِائَتي دِينَار وسط بَطل العقد وَهَذَا مُشكل مَعَ تحقق الْمُمَاثلَة فِي الْوَزْن بَين الْعِوَضَيْنِ وَلَكِن التَّوْزِيع بِاعْتِبَار الْقيمَة يُفْضِي إِلَى المفاضلة

وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يُخَالف الْمَذْهَب فِي مَسْأَلَة المراطلة وَيبْطل التَّعْلِيل بالتوزيع ويعلل بِالْجَهْلِ بالمماثلة وَذَلِكَ يجْرِي عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس فروع ثَلَاثَة الأول إِذا بَاعَ خَمْسَة دَرَاهِم مكسرة وَخَمْسَة صحاحا بِعشْرَة مكسرة أَو صَحِيحَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا الْأَصْحَاب أَحدهمَا الْبطلَان كَمَا فِي مَسْأَلَة

المراطلة لِأَن الْقيمَة تخْتَلف بِالصِّحَّةِ والتكسر وَالثَّانِي الصِّحَّة إِذْ الْغَالِب جَرَيَان الْمُسَامحَة باشتمال الدَّرَاهِم على مكسرات فصفة الصِّحَّة فِي مَحل الْمُسَامحَة فَهُوَ خَارج عَن الْقَصْد بِخِلَاف الْعتْق والرداءة فِي الذَّهَب بل هَذَا كاشتمال الصَّاع على تميزات رَدِيئَة لَو ميزت لنَقص قيمتهَا بِالْإِضَافَة إِلَيّ غَيرهَا وَلَا خلاف أَن ذَلِك غير مَنْظُور إِلَيْهِ الثَّانِي إِذا بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحدهمَا حبات من جنس الآخر إِن كَانَ مِقْدَارًا يقْصد اخْتِلَاطه أَو تَحْصِيله فَهُوَ مَانع وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ إِن بيع الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ وَفِيهِمَا تُرَاب إِن كَانَ يظْهر أَثَره فِي الْمِكْيَال فَبَاطِل لِأَنَّهُ يتَفَاوَت الْقدر وتجهل الْمُمَاثلَة ويرعى فِي الحبات من جنس الآخر ظُهُور قصد الْمَالِيَّة لَا النُّقْصَان فِي الْمِكْيَال الثَّالِث بيع الشَّاة اللَّبُون بِالشَّاة اللَّبُون بَاطِل لَان اللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة وَفِي بيع دَار فِيهَا جمة مَاء بِمِثْلِهَا وَجْهَان إِذا قُلْنَا المَاء رِبَوِيّ لَان المَاء لَا يقْصد عينه مَعَ الدَّار وَاللَّبن مَقْصُود مَعَ الشَّاة وَسوى أَبُو الطّيب بن سَلمَة بَين اللَّبُون وَبَين مَسْأَلَة الدَّار فِي الْمَنْع

فان قيل مَا الْفرق بَين التَّمْر والشهد وَفِي التَّمْر نوى كَمَا أَن فِي الشهد شمعا قُلْنَا النَّوَى من صَلَاح التَّمْر وَلَيْسَ الشمع من صَلَاح الْعَسَل فَلم يعد جُزْءا مِنْهُ فان قيل إِذا جوزتم بيع اللَّبن بِاللَّبنِ وَلم تقدروه سمنا ومخيضا فَلم منعتم بيع السّمن بِاللَّبنِ وهلا قُلْتُمْ لَا يقدر السّمن فِي اللَّبن كَمَا لم يقدر إِذا قوبل اللَّبن بِاللَّبنِ قُلْنَا لَان الجنسية مَعْلُومَة بَين اللبنين فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير وَلَا تَمْيِيز بَين السّمن والمخيض فِيهِ حَتَّى نحكم باجتماع الجنسين وَإِذا قوبل السّمن بِاللَّبنِ لم يُمكن إِطْلَاق القَوْل بالجنسية وَلَا باخْتلَاف الْجِنْس لِأَن فِيهِ من جنسه فغلب جَانب التَّحْرِيم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي فَسَاد العقد من جِهَة نهي الشَّارِع عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعِنْدنَا أَن مُطلق النَّهْي عَن العقد يدل على فَسَاد العقد إِلَّا إِذا ظهر تعلق النَّهْي بِأَمْر غير العقد اتّفق مجاورته للْعقد كَقَوْلِه تبَارك وَتَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} فَحكم بِصِحَّة البيع فِي وَقت النداء إِذْ علم قطعا أَن النَّهْي عَن البيع لَا لأمر رَاجع إِلَى عينه فانه غير مَحْذُور والمحذور ترك الْجُمُعَة وَقد حصل البيع وَهُوَ غير مُتَعَلق بمقاصد البيع فَلم يتأثر بِهِ فَإِذن المناهي قِسْمَانِ

الْقسم الأول مَا لم يدل على الْفساد وَهِي خَمْسَة الأول نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النجش قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ ذَلِك من أَخْلَاق ذَوي الدّين والنجش هُوَ الرّفْع والناجش من يطْلب سلْعَة بَين يَدي الرَّاغِب فِيهَا بِأَكْثَرَ من قيمتهَا وَهُوَ لَا يريدها ليرغب فِيهَا المستام فَهَذِهِ خديعة مُحرمَة وَلَكِن العقد صَحِيح من الْعَاقِدين وَالْإِثْم يلْحق غَيرهمَا ثمَّ لَا خِيَار إِن لم تجر مواطأة من البَائِع وان جرى فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يثبت بِالْغبنِ فِي كل بيع وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ غبن اسْتندَ إِلَى تلبيس فضاهى غبن الْمُصراة وَصُورَة تلقي الركْبَان

الثَّانِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يبيعن أحدكُم على بيع أَخِيه وَلَا يسومن على سوم أَخِيه فَإِذا كَانَ المتعاقدان فِي مجْلِس العقد فَطلب طَالب السّلْعَة بِأَكْثَرَ من الثّمن ليرغب البَائِع فِي فسخ العقد فَهَذَا هُوَ البيع على بيع الْغَيْر وَهُوَ محرم لِأَنَّهُ إِضْرَار بِالْغَيْر وَلكنه مُنْعَقد لِأَن نفس البيع غير مَقْصُودَة بِالنَّهْي فَإِنَّهُ لَا خلل فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا رغب المُشْتَرِي فِي الْفَسْخ لغَرَض سلْعَة أَجود مِنْهَا بِمثل ثمنهَا أَو مثلهَا بِدُونِ ذَلِك الثّمن والسوم على السّوم أَن يطْلب السّلْعَة بِزِيَادَة على مَا اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَين المتساومين قبل البيع

وَإِنَّمَا يحرم على من بلغه الْخَبَر فان تَحْرِيمه خَفِي قد لَا يعرفهُ كل وَاحِد بِخِلَاف النجش فان تَحْرِيم الخداع جلي فِي الشَّرْع ثمَّ قَالَت المراوزة الْخطْبَة على الْخطْبَة أَيْضا مُحرمَة كالسوم وَلَكِن سكُوت الْوَلِيّ ثمَّ كالإجابة على أحد الْقَوْلَيْنِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي النِّكَاح وَالسُّكُوت فِي البيع لَا يحرم السّوم وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فرق بل التعويل على فهم الرِّضَا بِالْقَرِينَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيحرم ذَلِك بعد فهم الرِّضَا بالإجابة فيهمَا وَهَذَا أفقه الثَّالِث نهى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يَبِيع حَاضر لباد وَهُوَ أَن يَأْتِي البدوي الْبَلدة وَمَعَهُ قوت يَبْغِي التسارع إِلَى بَيْعه رخيصا فَيَقُول لَهُ الْبَلَدِي اتركه عِنْدِي لأغالي فِي بيعَته فَهَذَا الصَّنِيع محرم لما فِيهِ من الْإِضْرَار بِالْغَيْر وَالْبيع إِذا جرى مَعَ المغالاة

مُنْعَقد وَهَذَا إِذا كَانَت السّلْعَة مِمَّا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا فان كَانَت سلْعَة مِمَّا لَا تعم الْحَاجة إِلَيْهَا وَكَثُرت الأقوات واستغني عَنهُ فَفِي التَّحْرِيم وَجْهَان يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم ظَاهر النَّهْي وحسم بَاب الضَّرَر وَفِي الثَّانِي على معنى الضَّرَر الرَّابِع قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تتلقوا الركْبَان بِالْبيعِ فَمن تلقي فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق وَصورته أَن يسْتَقْبل الركْبَان ويكذب فِي سعر الْبَلَد وَيَشْتَرِي بِأَقَلّ من ثمن الْمثل فَهُوَ تغرير محرم وَلَكِن الشِّرَاء مُنْعَقد

ثمَّ إِن كذب وَظهر الْغبن ثَبت الْخِيَار وَإِن صدق فَوَجْهَانِ يعول فِي أَحدهمَا على عُمُوم النَّهْي وَفِي الآخر على معنى الضَّرَر فجامع هَذِه المناهي يرجع إِلَى عقد لَا خلل فِيهِ ويتضمن إِضْرَارًا ولأجله نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن الاحتكار وَهُوَ ادخار الأقوات للغلاء وَنهى عَن التسعير لَان تصرف الإِمَام فِي الأسعار يُحَرك الرغبات ويفضي إِلَى الْقَحْط وَقَالَ الْعلمَاء يكره بيع السِّلَاح من قطاع الطَّرِيق وَبيع الْعصير من الْخمار لِأَنَّهُ إِعَانَة على الْمعْصِيَة والإضرار الْخَامِس نهى عَن التَّفْرِيق بَين الوالدة وَوَلدهَا فِي البيع وَالظَّاهِر أَن الْوَالِد فِي معنى الوالدة وَلَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهمَا من الْأَقَارِب وَفِي الْجدّة احْتِمَال

ثمَّ يخْتَص بِمَا قبل التَّمْيِيز فَلَا يجْرِي فِيمَا بعد الْبلُوغ وَفِيمَا بَين السنين وَجْهَان وَفِي فَسَاد هَذَا البيع قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن النَّهْي رَاجع للأضرار فَيحرم وَلَا يفْسد البيع إِذْ لَا خلل فِي نَفسه وَالثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد لَان التَّسْلِيم تَفْرِيق وَهُوَ محرم والممنوع شرعا كالممتنع حسا فَيلْحق بِالْعَجزِ عَن التَّسْلِيم وَيقرب من هَذَا بيع السِّلَاح من أهل الْحَرْب قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لأَنهم لَا يعدون إِلَّا لقتالنا فالتسليم إِلَيْهِم إِعَانَة مُحرمَة وَفِيه وَجه آخر أَنه محرم وَينْعَقد كَالْبيع من قطاع الطَّرِيق وَهُوَ منقاس وَلكنه غير مَشْهُور الْقسم الثَّانِي من المناهي مَا حمل على الْفساد وَذَلِكَ إِمَّا لتطرق خلل إِلَى الْأَركان والشرائط الَّتِي سبقت فِي الْبَاب

الأول أَو لِأَنَّهُ لم يبْق للنَّهْي مُتَعَلق سوى العقد مُنْفَصِلا عَنهُ فَحمل على الْفساد وَهِي ثَمَانِيَة الأول نَهْيه عَن بيع حَبل الحبلة وَله تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا أَن يَبِيع بِثمن إِلَى اجل وَهُوَ وضع نتاج النَّاقة فَإِنَّهُ اجل مَجْهُول يطْرق جهلا إِلَى الثّمن وَالثَّانِي بيع نتاج النِّتَاج قبل الْوُجُود على عَادَة الْعَرَب وَهُوَ بيع مَا لَيْسَ بمملوك وَلَا مَقْدُور وَلَا مَعْلُوم الثَّانِي نَهْيه عَن بيع الملاقيح والمضامين والملقاح هُوَ مَا فِي بطن الْأُم

والمضامين مَا هُوَ فِي أصلاب الفحول فَهِيَ غير مقدورة وَلَا مَعْلُومَة الثَّالِث نَهْيه عَن بيع الْمُلَامسَة وَله تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا أَن يَقُول مهما لمست ثوبي فَهُوَ مَبِيع مِنْك وَهُوَ بَاطِل لانه تَعْلِيق أَو عدُول عَن الصِّيغَة الشَّرْعِيَّة وَقيل مَعْنَاهُ أَن يَجْعَل اللَّمْس بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة قَاطعا للخيار وَيرجع ذَلِك إِلَى تَعْلِيق اللُّزُوم وَهُوَ غير نَافِذ وَنهى عَن بيع الْمُنَابذَة وَهُوَ فِي معنى الْمُلَامسَة فالنبذ كاللمس وَقيل مَعْنَاهُ أَن تتنابذ السّلع وَتَكون معاطاة وَلَا ينْعَقد بهَا البيع عندنَا الرَّابِع نهى عَن بيع الْحَصَاة وَهُوَ أَن يَجْعَل رمي الْحَصَاة بيعا أَو يَقُول بِعْت مِنْك من السّلع مَا تقع عَلَيْهِ حصاتك إِذا رميت أَو بِعْت من الأَرْض إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي حصاتك فَالْكل فَاسد لما سبق من الْمعَانِي الْخَامِس نَهْيه عَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تأولين

أَحدهمَا أَن تَقول بِعْتُك بِأَلفَيْنِ نَسِيئَة أَو بِأَلف نَقْدا أَيهمَا شِئْت أخذت بِهِ فاخذ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ فَاسد لانه إِبْهَام وَتَعْلِيق وَالْآخر أَن تَقول بِعْتُك عَبدِي على أَن تبيعني فرسك وَهُوَ فَاسد لانه شَرط لَا يلْزم ويتفاوت بِعَدَمِهِ مَقْصُود العقد وَقد نهى مُطلقًا عَن بيع وَشرط وَكَذَلِكَ نهى عَن بيع وَسلف وَمَعْنَاهُ أَن يشْتَرط فِيهِ قرضا السَّادِس نهى عَن ثمن الْكَلْب وَالْخمر وَهُوَ مُعَلل بِالنَّجَاسَةِ فيتعدى إِلَى كل نجس عندنَا وَصحح أَبُو حنيفَة رَحمَه الله شِرَاء الْخمر للْمُسلمِ بوكالة الذِّمِّيّ إِذا بَاشرهُ الذِّمِّيّ وَهُوَ وَكيل السَّابِع نهى عَن بيع مَا لم يقبض وَعَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان وَعَن بيع الكالئ بالكالئ وَسَيَأْتِي تَفْصِيله وَنهى عَن بيع الْغرَر

وَعَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَقد ذَكرْنَاهُ وَقد نهى عَن ثمن عسب الْفَحْل وَذَلِكَ لانه غير مَقْدُور على التَّسْلِيم الثَّامِن نهى عَن بيع وَشرط فَاقْتضى مطلقه امْتنَاع كل شَرط فِي البيع وَالْمَفْهُوم من تَعْلِيله انه إِذا انْضَمَّ شَرط إِلَى البيع بقيت مَعَه علقَة بعد العقد يتَصَوَّر بِسَبَبِهَا مُنَازعَة ويفوت بفواتها مَقْصُود الْعَاقِد وينعكس على أصل العقد فيحسم الْبَاب وَلم يكن مَحْذُور هَذَا النَّهْي مُنْفَصِلا عَن العقد فَيدل على فَسَاده أَو فَسَاد الشَّرْط لَا محَالة وَيسْتَثْنى من هَذَا الأَصْل حَال الْإِطْلَاق سِتَّة شُرُوط الأول أَن يشْتَرط مَا يُوَافق العقد كَقَوْلِه بِعْت بِشَرْط أَن تنْتَفع بِهِ وتتصرف كَمَا تُرِيدُ لَا يبْقى علقَة

وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَلا يَأْكُل إِلَّا الهريسة وَلَا تلبس إِلَّا الْخَزّ وَمَا لَا غَرَض فِيهِ لانه لَيْسَ فِيهِ علقَة يتَعَلَّق بهَا نزاع يتَغَيَّر بِهِ غَرَض فَهُوَ هذيان سَاقِط وَهَذَا اسْتثِْنَاء عَن صُورَة اللَّفْظ وَلكنه منطبق على الْمَعْنى الْمَفْهُوم الثَّانِي شَرط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا دونه بِشَرْط أَن يكون مَعْلُوما وان لَا يكون زَائِدا وَسَببه الْحَاجة لِكَثْرَة الغبينة وَعرف ذَلِك بِنَصّ الْأَحَادِيث الثَّالِث شَرط المهلة فِي الثّمن إِلَى مِيقَات مَعْلُوم عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويتأيد ذَلِك بِالْحَاجةِ الْعَامَّة الرَّابِع شَرط الْوَثِيقَة فِي الثّمن بِالرَّهْنِ أَو الْكَفِيل أَو الشَّهَادَة عرف ذَلِك بِالنَّصِّ ويعلل بِعُمُوم الْحَاجة لكَي يعرف الْكَفِيل بتعيينه والمرهون بتعيينه

أَن الْغَرَض يتَفَاوَت بِهِ وَلَا يشْتَرط تعْيين الشُّهُود إِذْ لَا يتَفَاوَت الْغَرَض وَهل يشْتَرط تعْيين من يعدل الرَّهْن على يَده فِيهِ وَجْهَان وَلَو عين الشُّهُود فَهَل يتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَعَيَّن كالكفيل وَالثَّانِي لَا كتعيين الْمِيزَان إِذا لَا أرب فِيهِ فان قُلْنَا لَا يتَعَيَّن فَلَا يفْسد بِهِ العقد بل هُوَ لاغ لَا يتأثر العقد بِهِ وَلَو شَرط أَن يكون الْمَبِيع رهنا بِالثّمن قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ البيع مفسوخ قَالَ الْأَصْحَاب ذَلِك يبْنى على قَوْلنَا الْبِدَايَة فِي التَّسْلِيم بالبائع اَوْ فان قُلْنَا الْبِدَايَة بالبائع أَو يجب التَّسْلِيم عَلَيْهِمَا فيتخيران بالمشتري أَو يتساويان ليَكُون الشَّرْط مغيرا مُقْتَضى العقد وتعليله أَن التَّسْلِيم إِذا وَجب عَلَيْهِ بِمُقْتَضى العقد فَاشْترط أَن يكون البيع رهنا فِي يَده على الثّمن فقد غير مُقْتَضى العقد فِي إِيجَاب التَّسْلِيم

فَيفْسد وان قُلْنَا الْبِدَايَة بالمشتري فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة إِذْ لَا مَانع وَالثَّانِي الْبطلَان لَان يَد البَائِع يَد ضَمَان وَلَيْسَ يَد الْمُرْتَهن يَد ضَمَان بل يَد أَمَانَة فهما ضدان فَلَا يجمع بَين حكميهما فِي حَال وَاحِدَة وَالْأول أظهر ثمَّ هَذِه الشُّرُوط إِذا صححت فَلَو امْتنع المُشْتَرِي عَن الْوَفَاء بالكفيل وَالرَّهْن وَالْإِشْهَاد ثَبت لَهُ الْخِيَار فِي البيع وَلَو أجَاب فَامْتنعَ البَائِع من قبُول الرَّهْن مثلا فَيجْبر أم يُخَيّر بَين الْقبُول وَبطلَان الْخِيَار فِيهِ تردد ذكره صَاحب التَّقْرِيب وَيثبت الْخِيَار مهما تلف الْمَرْهُون قبل التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ إِذا خرج الْعين الْمعِين للرَّهْن معيبا وَهُوَ لم يطلع عَلَيْهِ وَلَو تلف بعد الْقَبْض فِي الْمَرْهُون فَلَا خِيَار وَلَو اطلع بعد فَوَاته فِي يَده على عيب فَفِي ثُبُوت الْخِيَار فِي اصل البيع وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لانه لم يتَمَكَّن من الرَّد وَالثَّانِي نعم إِذْ بَان أَن مَا سبق لم يكن وَفَاء بالملتزم فان قيل فَهَذِهِ الشُّرُوط لَو فَسدتْ بِجَهَالَة أَو غَيرهَا أَو ذكر شرطا لَيْسَ فِي هَذِه الْأَقْسَام المستثناة وَحكم بفسادها فَهَل يفْسد العقد وَتبقى علته وَذَلِكَ فِي الْأَجَل وَالْخيَار وَغَيره وَفِي شَرط الْوَثِيقَة قَولَانِ وَوجه الْفرق أَنَّهَا أُمُور مُسْتَقلَّة مُنْفَصِلَة ففسادها لَا يُوجب فَسَاد العقد بل يَلْغُو والاقيس الأول لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن بيع وَشرط وَالْمَقْصُود بِالنَّهْي البيع فليفسد العقد بِمُطلق النَّهْي ولان مَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إِذا ضم إِلَى العقد تأثر بِهِ فاشبه الْخِيَار وَالْأَجَل وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ نصا غَرِيبا أَن البيع لَا يفْسد بالشرائط الْفَاسِدَة بل يَلْغُو الشَّرْط كَمَا فِي النِّكَاح وَحَكَاهُ أَبُو ثَوْر أَيْضا عَن الشَّافِعِي وَهُوَ بعيدَة

الْخَامِس مِمَّا اسْتثْنِي عَن النَّهْي شَرط الْعتْق فِي الْمَبِيع لما روى أَن بَرِيرَة قَالَت لَهَا

عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو باعك أولياؤك لصببت لَهُم ثمنك صبا فَقَالَ السَّادة لَا نَفْعل ذَلِك إِلَّا بِشَرْط أَن تعتقك وَيكون الْوَلَاء لنا فَذكرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اشْترِي واشترطي لَهُم الْوَلَاء ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا بَال أَقوام يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله عز وَجل فِي خطْبَة طَوِيلَة فَأذن فِي ذَلِك وَلَا يَأْذَن فِي بَاطِل وَأنكر هَذَا التَّكْلِيف عَلَيْهِم مَعَ الْإِذْن فِي الْإِجَابَة وَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا أَن شَرط الْعتْق كَسَائِر الشُّرُوط الْفَاسِدَة وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَلكنه لَا وَجه لَهُ بتأييد القَوْل الْغَرِيب بِهِ وَهُوَ أَن العقد صَحِيح وَالشّرط فَاسد وَتَأْويل الحَدِيث انه إِذن فِي العقد وَالشّرط أما العقد فَصَحِيح واما الشَّرْط فَغير لَازم وَلَكِن كَانَ يَثِق بعائشة أَنَّهَا تفي بِالشّرطِ تكرما وَهَذَا أولى كي لَا يكون مناقضا للْقِيَاس والتأويل بِالْقِيَاسِ غير مَمْنُوع

وَنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله على مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ مُوَافقَة الحَدِيث فِي تَصْحِيح الشَّرْط وَالْعقد أما الْمصير إِلَى فَسَاد العقد فَلَا يعقل لَهُ وَجه مَعَ الحَدِيث بِحَال وَلَو قَالَ بِهِ قَائِلُونَ والتفريع بِهِ على النَّص فِي صِحَة الشَّرْط فعلى هَذَا لَو شَرط الْوَلَاء للْبَائِع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يَصح وَله الْوَلَاء لقصة بَرِيرَة رَحمهَا الله وانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَأْمر بِفساد وَالثَّانِي الْمَنْع فانه فِي غَايَة الْبعد عَن الْقيَاس وَاحْتِمَال تَقْدِير مساهلة من الشَّارِع فِي هَذِه المشارطة أَهْون من تشويش قَاعِدَة الْقيَاس وَهَذَا أَيْضا يشوش التَّعَلُّق بِالنَّصِّ فِي اصل الشَّرْط فليقبل النَّص جملَة وتفصيلا فان قيل الْعتْق الْمُسْتَحق بعد صِحَة الشَّرْط لمن هُوَ قُلْنَا اخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ هُوَ حق الله تَعَالَى

كَأَنَّهُ الْتزم الْعتْق بِشَرْطِهِ فاشبه النّذر وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ حق البَائِع لانه ثَبت بِشَرْطِهِ ويبتنى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهمَا أَنه هَل تثبت لَهُ الْمُطَالبَة فان قُلْنَا حَقه فَنعم وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَوَجْهَانِ أصَحهمَا انه يملك الطّلب إِذْ ثَبت بِشَرْطِهِ وَتعلق بِهِ غَرَضه وان كَانَ لله تَعَالَى فِيهِ حق الثَّانِي انه هَل يسْقط اللُّزُوم بعفوه وان قُلْنَا حق الله تَعَالَى فَلَا وان قُلْنَا حَقه فَوَجْهَانِ إِذْ رب الْحق لَا يقبل الْإِسْقَاط إفرادا كالأجل ويطرد هَذَا فِي عَفْو مُسْتَحقّ الْكَفِيل وَالرَّهْن وعَلى الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يجْرِي إِعْتَاق المُشْتَرِي إِيَّاه عَن الْكَفَّارَة لتَعلق اسْتِحْقَاق الْغَيْر بِهِ الثَّالِث إِذا امْتنع المُشْتَرِي من الْإِعْتَاق ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ

أَحدهمَا ثُبُوت الْخِيَار للْبَائِع كَمَا فِي الِامْتِنَاع من الْكَفِيل وَالرَّهْن وَالثَّانِي انه يجْبر على الْعتْق كَمَا يجْبر الْمولى على الطَّلَاق وَهَذَا يلْتَفت على انه حق الله تَعَالَى فَلَا وَجه لإسقاطه بِفَسْخ البَائِع وَلَا بإجازته وَرضَاهُ بِعَدَمِ الْعتْق فرع لَو مَاتَ العَبْد قبل اتِّفَاق الْعتْق فقد تصدى تَفْوِيت حق البَائِع من الْعتْق إِلَى غير بدل أَو إِيجَاب بدل بعد زَوَال ملكه وسلامة الثّمن لَهُ فَاخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ يفْسخ العقد فيسترد الثّمن وَيضمن المُشْتَرِي الْقيمَة حذارا عَن ارْتِكَاب محَال وَمِنْهُم من قَالَ الِانْفِسَاخ بعد الْقَبْض من غير سَبَب أَيْضا محَال فَيغرم المُشْتَرِي قدر التَّفَاوُت بَين قِيمَته مَعَ الشَّرْط وَقِيمَته دون الشَّرْط وَالثَّالِث أَن الْغرم لَا بُد مِنْهُ وَلَكِن يغرم مثل نِسْبَة هَذَا التَّفَاوُت من الثّمن لَا من الْقيمَة بِعَينهَا وَهَذَا أعدل الْوُجُوه

السَّادِس إِذا شَرط فِي البيع وَصفا ناجزا لَيْسَ يتَوَقَّف على إنْشَاء أَمر بعده وَذَلِكَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يرجع إِلَى عين والى مَا هُوَ وصف مَحْض أما الْوَصْف الْمَحْض فَيصح شَرطه كَقَوْلِه بِعْت العَبْد على انه كَاتب أَو خباز ثمَّ أَن اخلف ثَبت لَهُ الْخِيَار أما مَا يرجع إِلَى الْعين كَقَوْلِه بِعْت الْجَارِيَة على أَنَّهَا حُبْلَى وَكَذَا الْبَهِيمَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لانه يرجع إِلَى شَرط إدراج الْحمل فِي البيع فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْت الْجَارِيَة وَحملهَا بِدِينَار فيلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه الأول أَن الْحمل كالوصف فِي الْحَيَوَان

أما إِذا شَرط فِي الشَّاة أَن تكون لبونا مِنْهُم من قَالَ هُوَ كوصف الحرفة وَالْكِتَابَة فانه لَيْسَ بِشَرْط وجود اللَّبن فِي الْحَال فاللبن يتَحَصَّل بِصفة غريزية ناجزة وَاللَّبن من ثَمَرَتهَا وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحمل فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ وَلَو شَرط حَشْو فِي الْجُبَّة فَهُوَ من قبيل الْحمل وَأولى بِالصِّحَّةِ لَان الحشو يعلم وجوده وَالْحمل يتَرَدَّد فِيهِ ولسنا نشترط رُؤْيَة حَشْو الْجُبَّة على قَول منع بيع الْغَائِب لَان الْجُبَّة قد تقصد على هَذَا الْوَجْه وَكَذَلِكَ لَا نشترط أَن يرى من الدَّار كل ضبة وسلسلة على بَاب لانه صَار وَصفا وتبعا أما إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة على أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صَاعا فَالشَّرْط صَحِيح فان خرج كَذَلِك فَلَا كَلَام وان زَاد لم يَصح فِي الزَّائِد وَفِي الْبَاقِي يخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة وان نقص فَفِي صِحَّته فِي ذَلِك الْقدر خلاف يلْتَفت على مَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِه النعجة فَإِذا هِيَ رمكة

فَفِي قَول يعول على الْإِشَارَة وَفِي آخر يعول على الْعبارَة وانما صححنا الشَّرْط وَلم نفسد العقد فِي الأَصْل لَان كَثْرَة الصيعان فِي حكم الْوَصْف للصبرة فروع ثَلَاثَة أَحدهَا إِذا قَالَ بِعْتُك وَلم يذكر الثّمن فسد وَالْمَبِيع مَضْمُون فِي يَد المُشْتَرِي أَن قَبضه وان لم يذكر الثّمن لَان البيع يَقْتَضِي بمطلقه طلب عوض وان قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن فَهَل ينْعَقد هبة ذكر القَاضِي قَوْلَيْنِ أَحدهمَا نعم لانه أَفَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّمْلِيك مجَّانا وَالثَّانِي لَا لَان اللَّفْظ متهافت فان البيع يَقْتَضِي ثمنا فان قُلْنَا لم ينْعَقد فَفِي الضَّمَان على الْمُشْتَرى إِذا قبض وَجْهَان أَحدهمَا يجب ككل شِرَاء فَاسد وَالثَّانِي لَا لَان عِلّة الضَّمَان انه لم ينزل عَنهُ إِلَّا بِبَدَل فليرد إِلَيْهِ اَوْ بدله وَهَا هُنَا نزل عَنهُ مجَّانا الثَّانِي إِذا اسْتثْنى حمل الْحَيَوَان عَن البيع فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة كَمَا لَو كَانَ الْوَلَد حرا فان بيع ألام صَحِيح على الظَّاهِر وَالثَّانِي لَا لَان الْمَبِيع معرض لغرر بِسَبَب غير الْمَبِيع الثَّالِث إِذا قَالَ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع بِدِينَار على أَن تحصده لي

من أَصْحَابنَا من قَالَ يفْسد لانه شَرط فعلا فِي عقد فَكَأَنَّهُ يَبْغِي مِنْهُ فعلا مَعَ الْمَبِيع وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل مَعْنَاهُ اشْتريت مِنْك هَذَا الزَّرْع واستأجرتك على حَصَاده بِدِينَار فالدينار ثمن واجرة فَهُوَ جمع بَين الْإِجَارَة وَالْبيع فَيخرج على قولي تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفات الْأَحْكَام فان جَوَّزنَا الْجمع بَين البيع وَالْإِجَارَة على الْجُمْلَة فَهَذَا يلْتَفت على اصل آخر وَهُوَ أَن أحد شقي عقد الْإِجَارَة على الْعَمَل فِي الزَّرْع جرى قبل ملك الزَّرْع والاستئجار على الْعَمَل فِي ملك الْغَيْر غير جَائِز فَيخرج على وَجْهَيْن فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك وبعتك ثوبي هَذَا بِأَلف فَقَالَ العَبْد قبلت واشتريت لانه جرى إِيجَاب البيع قبل أَن صَار العَبْد أَهلا للْبيع مِنْهُ وَلَكِن تَأَخّر الْقبُول عَنهُ وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة هَذَا تَمام القَوْل فِي الشَّرَائِط الْفَاسِدَة وَمَا فسد مِنْهَا وافسد العقد قبل اللُّزُوم

فان الْملك وان لم ينْقل هَا هُنَا أَلا أَن الْمُقَابلَة بِالْعقدِ حَاصِلَة فَلَا يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف فِي مُدَّة الْخِيَار وَلَا فِي مجْلِس العقد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ الْجَهَالَة الْمفْسدَة إِذا رفعت فِي الْمجْلس لم ينْتَفع أما الشَّرْط الصَّحِيح إِذا الْحق بِالْعقدِ فِي الْمجْلس كالخيار وَالْأَجَل أَو زِيَادَة الثّمن والمثمن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كَمَا بعد اللُّزُوم وَالثَّانِي انه يَصح لَان الْمجْلس كَأَنَّهُ حَرِيم العقد وأوله وَهَذَا يُفْسِدهُ قَوْلنَا أَن حذف الْجَهَالَة فِي الْمجْلس لَا يُغني فيعلل هَذَا التَّفْرِيع على قَوْلنَا الْملك غير منتقل

فَقبل الْعِوَض وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهَذَا أَيْضا مُشكل على قِيَاس مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَنْع من إِلْحَاق الزَّوَائِد والشروط

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي فَسَاد العقد لانضمام فَاسد إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْرُوف بتفريق الصَّفْقَة وَذَلِكَ لَهُ ثَلَاث مَرَاتِب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمرتبَة الأولى أَن يجْرِي فِي الِابْتِدَاء كَمَا لَو بَاعَ ملكه وَملك الْغَيْر فِي صَفْقَة وَاحِدَة فسد فِي ملك الْغَيْر وَفِي ملكه قَولَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لَان الصَّحِيح لم يتأثر بالفاسد فَلَا يفْسد بمساوقته وَالثَّانِي الْفساد لعلتين أصَحهمَا أَن الصَّحِيح تأثر بِهِ إِذْ صَار مَا يَخُصُّهُ من الثّمن مَجْهُولا وَجَمِيع الْمُسْتَحق ثمنا يَنْبَغِي أَن يعلم وَحِصَّة ملكه من الْجَمِيع لم يعرف مبلغه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك عَبدِي هَذَا بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع عَلَيْهِ وعَلى قيمَة عبد فلَان وَالثَّانيَِة أَن الصِّيغَة المتحدة إِذا فَسدتْ فِي بعض مسمياتها لم تقبل التَّبْعِيض وَهَذِه الْعلَّة توجب الْفساد بِحكم التَّفْرِيق فِي النِّكَاح أَيْضا

وان عللنا بِجَهَالَة الْعِوَض لم يجز فِي الرَّهْن وَالْهِبَة إِذْ لَا عوض فيهمَا وَلَا فِي النِّكَاح فان الْجَهْل فِيهِ بِالْعِوَضِ لَا يفْسد وَلَا فِيمَا تتناسب أجزاؤه كَعبد مُشْتَرك انْفَرد أَحدهمَا بِبيعِهِ فانه يعلم أَن النّصْف مشترى بِالنِّصْفِ وَالثلث بِالثُّلثِ وَكَذَا فِي سَائِر الْأَجْزَاء المتناسبة وان فرعنا على الصِّحَّة ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَإِن فسخ فَذَاك وان أجَاز فبقسطه من الثّمن وَفِيه قَول آخر انه يخبر بِكُل الثّمن حذارا من أَن يكون مبلغ الثّمن الْمُسْتَحق غير مَعْلُوم وَكَأن هَذِه زِيَادَة فَاسِدَة لم تقبل الْعِوَض كالعيب وَهُوَ بعيد وَالصَّحِيح أَن البَائِع لَا خِيَار لَهُ وان أُجِيز بقسط من الثّمن لانه سلم لَهُ كل بدل ملكه هَذَا إِذا بَاعَ مَمْلُوكا ومعصوبا فان ضم إِلَى الْمَمْلُوك حرا فَالْخِلَاف مُرَتّب وَالْفساد أولى إِذْ تَقْدِير قيمَة الْحر أبعد فَإِن ضم إِلَيْهِ خمرًا أَو خنزيرا أَو كَلْبا فَمر بِهِ على الْحر وَالْفساد أولى إِذْ لَا بُد من تَقْدِير صفة خلقته لمعْرِفَة الْقيمَة

ثمَّ إِن صححنا فقد قيل يقدر الْخِنْزِير نعجة وَالْخمر خلا ليمكن تقويمه وَهُوَ بعيد بل الْأَصَح أَن تقدر قِيمَته على حَاله عِنْد من لَهُ قيمَة عِنْده أما إِذا ضم إِلَى الصَّحِيح غَائِب مَجْهُول لَا مطمع فِي معرفَة قِيمَته فَيتَعَيَّن إبِْطَال العقد إِلَّا على القَوْل الضَّعِيف فِي أَن الْإِجَازَة تجْرِي بِكُل الثّمن فَأَما إِن أجزنا

بِقسْطِهِ لم نَعْرِف مبلغه بِحَال فان قيل قطعْتُمْ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا إِذا قَالَ بِعْتُك عَبدِي بِمَا يَخُصُّهُ من الْألف لَو وزع على قِيمَته وَقِيمَة عبد آخر عينه وترددتم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَمَا الْفرق قُلْنَا إِن كَانَ المتعاقدان عَالمين بِحَقِيقَة الْحَال عِنْد العقد بَطل العقد إِذْ لَا فرق هَكَذَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وانما الْخلاف عِنْد الْجَهْل إِذْ قد ظنا أَن مبلغ الثّمن مَعْلُوم حَالَة العقد وللظن تَأْثِير فِي أَمْثَاله كَمَا سبق فِي نَظَائِره فِي فُصُول علم الْمَبِيع وَلَا وَجه إِلَّا مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله الْمرتبَة الثَّانِيَة التَّفْرِيق فِي الدَّوَام وَذَلِكَ بِأَن يتْلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض على وَجه يَنْفَسِخ فِيهِ فَفِي الِانْفِسَاخ فِي الْبَاقِي قَولَانِ مرتبان على العلتين

وَالصَّحِيح انه لَا يَنْفَسِخ لَان الْجَهْل مَحْذُور فِي الِابْتِدَاء وَالْعقد الْآن قد اسْتَقر وعَلى هَذَا يَأْخُذ الْبَاقِي بِقسْطِهِ وَقَول التَّكْمِيل هَا هُنَا فِي نِهَايَة الضعْف لِأَن العقد قد سبق مقتضيا للتوزيع التَّفْرِيع إِن جَوَّزنَا تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الدَّوَام فَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَوجد بِأَحَدِهِمَا أَو بهما عَيْبا وَأَرَادَ إِفْرَاد وَاحِد بِالرَّدِّ وَهُوَ الْمَعِيب فَلهُ ذَلِك وَلَو أَرَادَ ردهما جَازَ أَيْضا وان كَانَ الْمَعِيب وَاحِدًا لانه لم يسلم لَهُ كل الْمُشْتَرى وَفِيه وَجه انه لَا يردهما إِلَّا إِذا كَانَا معيبين وَلَا خلاف فِي أَنه لَو أَرَادَ رد نصف عبد لم يجز لَان التَّبْعِيض عيب فِي حق البَائِع وان فرعنا على القَوْل الآخر فَلَيْسَ لَهُ إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ أَن رَضِي البَائِع فَوَجْهَانِ أقيسهما الْمَنْع لَان اسْتِحَالَة تَفْرِيق الصَّفْقَة الْوَاحِدَة لَا تخْتَلف بِالتَّرَاضِي وَالثَّانِي الْجَوَاز وَكَأن هَذَا الْقَائِل يُعلل بتضرر البَائِع بِرُجُوع بعض الْمَبِيع إِلَيْهِ

وَلَو كَانَ الثَّانِي تَالِفا فَهَل يُمْهل عذره فِي إِفْرَاد الْقَائِم فِيهِ وَجْهَان فان منعناه فَلَو ضم قيمَة التَّالِف إِلَيْهِ فَهَل يتَمَكَّن مِنْهُ فِيهِ خلاف مُرَتّب على مَا إِذا أَرَادَ ضم ارش الْعَيْب الْحَادِث إِلَى الْمَبِيع ورده بِالْعَيْبِ الْقَدِيم وَهَا هُنَا أولى بِالْمَنْعِ لَان النُّقْصَان فِي حكم تَابع وَالْعَبْد مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَلَا يَجْعَل تَابعا للقائم فرع لَو حكمنَا برد قيمَة التَّالِف ضما الى الْقَائِم فتنازعا فِي مِقْدَاره فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الْغَارِم والاصل بَرَاءَة ذمَّته وَلَو تلف أحد الْعَبْدَيْنِ قبل الْقَبْض وَقُلْنَا يرد البَائِع مَا يَخُصُّهُ دون الْبَاقِي فتنازعا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول البَائِع لانه الْغَارِم برد بعض الثّمن وَالثَّانِي بل القَوْل قَول المُشْتَرِي لانه الَّذِي يسلم بعض الثّمن للْبَاقِي والمنازع يرجع إِلَى مزِيد فِيهِ يَدعِيهِ البَائِع وينكره المُشْتَرِي الْمرتبَة الثَّالِثَة أَن يجمع بَين عقدين مختلفي الحكم فِي الْفَسْخ والانفساخ كَالْإِجَارَةِ وَالْبيع أَو النِّكَاح وَالْبيع أَو الصّرْف وَالسّلم الَّذِي يَنْفَسِخ بالتفرق قبل

الْقَبْض مَعَ غَيره مِمَّا لَا يَنْفَسِخ بِهِ أَو السّلم فِي جنس وَاحِد إِلَى آجال أَو فِي أَجنَاس إِلَى اجل وَاحِد فِيهِ قَولَانِ مرتبان على الْمرتبَة الثَّانِيَة وَأولى بِالصِّحَّةِ إِذْ آحَاد هَذِه الْعُقُود صَحِيحَة فَلَا مَانع فِي الْجمع فِي الحكم وَوجه الْفساد أَن انْفِسَاخ العقد فِي الْبَعْض لَو جرى لانفسخ الْبَاقِي وَذَلِكَ مترقب فان الْعُقُود المتفرقة لَا تنتظم أحوالها فِي الْمَآل فَجعل المتوقع كالواقع وَهَذَا بعيد جدا فان قيل إِذا كَانَ سَبَب الْفساد تفَرقا وَاقعا فِي صَفْقَة متحدة فَبِمَ يعرف اتِّحَاد الصَّفْقَة وتعددها قُلْنَا إِن اتَّحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي والعوض اتّحدت الصَّفْقَة وتتعدد بِتَعَدُّد البَائِع قطعا وَكَذَا بِتَعَدُّد الْعِوَض فَإِذا قَالَ اشْتريت عَبدك بِدِينَار واستأجرت جاريتك بدرهم كَانَت الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة فَإِذا قَالَ اشْتريت العَبْد واستأجرت الْجَارِيَة بِدِينَار فَعِنْدَ ذَلِك تتحد وَفِي التَّعَدُّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي مَعَ اتِّحَاد البَائِع وَصِيغَة العقد والعوض قَولَانِ أَحدهمَا الْقيَاس على البَائِع وَالثَّانِي الْفرق فان المُشْتَرِي كالقائل الثَّانِي على الْإِيجَاب السَّابِق فالنظر إِلَى من مِنْهُ الْإِيجَاب أما إِذا اتَّحد الْوَكِيل وتعدد الْمُوكل أَو على الْعَكْس فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النّظر إِلَى الْوَكِيل فانه الْعَاقِد

وَالثَّانِي إِلَى الْمُوكل فانه من يَقع العقد لَهُ وَالثَّالِث أَن النّظر فِي الشِّرَاء إِلَى الْوَكِيل لانه الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ العقد ظَاهرا وَفِي البيع إِلَى الْمُوكل لانه سفير لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي فَلَو قَالَ لِرجلَيْنِ بِعْت مِنْكُمَا فَقبل أَحدهمَا دون الآخر فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة للتعدد وَالثَّانِي الْمَنْع لَان الْجَواب غير منطبق على الْخطاب وَقد الْتبس جوابهما جَمِيعًا وَهَذَا بعيد إِذْ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انه لَو خَالع زوجتيه فَقبلت إِحْدَاهمَا صَحَّ مَعَ أَن فِيهِ معنى التَّعْلِيق وَالْمُعَلّق بصفتين لَا يحصل بِإِحْدَاهُمَا وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لوَاحِد بِعْت مِنْك هذَيْن الصاعين بدرهم فَقَالَ اشْتريت أَحدهمَا بِنصْف دِرْهَم لَا يَصح وَإِن فرعنا فعلى جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة للخلل فِي الْقبُول وَعدم مطابقته للخطاب وَقطع الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِأَنَّهُ لَو قَالَ لعَبْدِهِ زوجت مِنْك أمتِي فَقبل إِحْدَاهمَا صَحَّ النِّكَاح وَفرق بَينه وَبَين البيع وَلَا ينقدح فِيهِ فرق من حَيْثُ انتظام الْجَواب وَالْخطاب وَلَكِن النِّكَاح أبعد عَن قبُول الْفساد بانضمام فَاسد إِلَيْهِ فان غَايَته أَن يكون ضم الْفَاسِد إِلَيْهِ كَشَرط فَاسد وَالنِّكَاح لَا يفْسد بِهِ وَلَعَلَّه رأى تعدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد الزَّوْجَة فان منصبها منصب الْعَاقِد لَا منصب الْمَبِيع

إِلَّا أَن هَذَا التَّعْلِيل تخدشه مَسْأَلَة وَهِي انه لَو اصدق امرأتيه عبدا ثمَّ بَان الْفساد فِي نِكَاح إِحْدَاهمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ للزَّوْج الْخِيَار على الَّتِي صَحَّ نِكَاحهَا فِي نصف العَبْد حَتَّى يَنْفَسِخ وَيسلم مهر الْمثل حَتَّى لَا يَتَبَعَّض عَلَيْهِ العَبْد قَالَ وَعرضت هَذَا على الْقفال فارتضاه وَلَا تنفك هَذِه الْمَسْأَلَة عَن احْتِمَال فَإِن الْمَرْأَتَيْنِ كالمشتريين للْعَبد فَلَا يبعد تعدد الصَّفْقَة بهما وَسَنذكر انْفِرَاد أحد المشتريين بِالرَّدِّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا خلاف أَن أحد المشتريين لَو وفى نصِيبه من الثّمن وَقُلْنَا الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة تسلم إِلَيْهِ حِصَّته من الْمَبِيع وان قُلْنَا الصَّفْقَة متحدة فهما كالمشتري الْوَاحِد وَفِيه إِذا سلم بعض الثّمن خلاف وَالظَّاهِر انه لَا يسلم إِلَيْهِ شَيْء من الْمَبِيع وان كَانَ يَنْقَسِم كالحنطة مثلا مَا لم يسلم تَمام الثّمن وَفِيه وَجه أَنه يسلم بِقَدرِهِ لِأَن الثّمن متوزع على الْمَبِيع لَا كَالدّين فِي حق الْمَرْهُون فَأَما إِذا كَانَ لَا يَنْقَسِم فَلَا خلاف فِي أَنا لَا نكلفه الْمُهَايَأَة فِي قدر مَا سلم ثمنه لِأَن حق الْجِنْس ضَعِيف لَا يحْتَمل التَّسْلِيم والاسترداد وَلذَلِك يبطل بالإعارة

الْقسم الثَّانِي فِي بَيَان لُزُوم العقد وجوازه وَهُوَ أهم مَا يذكر بعد بَيَان صِحَّته وفساده وَالْأَصْل فِي البيع اللُّزُوم وَالْجَوَاز بِأَسْبَاب خَاصَّة فنعقد فِيهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط فِي خِيَار النقيصة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي خِيَار الْمجْلس وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي مجاريه وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا بيع الْخِيَار قيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شرطا فِيهِ الْخِيَار فَلَا يلْزم بالتفرق وَقيل مَعْنَاهُ أَلا بيعا شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس فَيلْزم بِنَفسِهِ عِنْد قومه وَلما ثَبت خِيَار الْمجْلس بِالْحَدِيثِ اخْتصَّ بِالْبيعِ فَكل مَا يُسمى بيعا من الصّرْف وَالسّلم والإشراك أَن شرك بَينه وَبَين غَيره بَان يَقُول أَشْرَكتك فِي هَذَا البيع وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي البيع وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَة وَالصُّلْح ثَبت فِيهِ الْخِيَار قطعا وَيسْتَثْنى أَربع مسَائِل الأولى بيع شَرط فِيهِ نفي خِيَار الْمجْلس وَفِيه وَفِي نفي خِيَار الرُّؤْيَة

وَالْعَيْب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لُزُوم العقد وَصِحَّة الشَّرْط وَالثَّانِي فَسَاد العقد لفساد الشَّرْط وَالثَّالِث أَن الشَّرْط لاغ وَالْعقد بَاقٍ على مُقْتَضَاهُ الثَّانِيَة كل بيع يستعقب عتقا كَشِرَاء الْوَالِد وَشِرَاء العَبْد نَفسه من سَيّده لَا خِيَار فِيهِ لانه لَيْسَ عقد مغابنة وَقَالَ أَبُو بكر الاودني يثبت الْخِيَار فِي شِرَاء الْقَرِيب وَاسْتدلَّ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لن يَجْزِي ولد وَالِده حَتَّى يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه فَيدل على تعلق الْعتْق بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ ضَعِيف

الثَّالِثَة إِذا بَاعَ مَال الطِّفْل من نَفسه فقد قيل لَا خِيَار لانه لَا يعقل فِي الْوَاحِد اجْتِمَاع وتفرق وَالصَّحِيح ثُبُوت الْخِيَار لانه فِي معنى شَخْصَيْنِ نعم الْخلاف يتَّجه فِي أَن خِيَاره يَنْقَطِع بمفارقة مجْلِس العقد أم لَا يَنْقَطِع أَلا بِصَرِيح الْإِلْزَام لانه ملازم نَفسه أبدا ثمَّ لاشك فِي انه يثبت لَهُ خياران وَاحِد لَهُ على طِفْله وَوَاحِد لطفله عَلَيْهِ الرَّابِعَة بيع الْغَائِب وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه كَسَائِر الْبيُوع وَالثَّانِي لَا لانه بصدد خِيَار الرُّؤْيَة وكل وَاحِد مِنْهُمَا خِيَار يشتهى فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي عقد وَاحِد وَالْأول أظهر فان قُلْنَا يثبت فَوَجْهَانِ أَحدهمَا عِنْد العقد وَهُوَ الْقيَاس وَالثَّانِي عِنْد الرُّؤْيَة إِذْ قبلهَا لَا يتَصَوَّر حَقِيقَة الرِّضَا أما النِّكَاح وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْكِتَابَة وكل عقد جَائِز من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا فَلَا خِيَار فِيهَا لِأَنَّهَا لَيست فِي معنى البيع وَكَذَلِكَ كل مَا لَا يُسمى بيعا إِلَّا فِي سَبْعَة أُمُور أَحدهَا الْإِجَارَة وَفِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس وَالشّرط فِيهَا ثَلَاثَة أوجه وَجه

الْإِثْبَات أَنَّهَا صنف من الْبيُوع وَوجه الْمَنْع أَنه يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل الْمَنَافِع فمدة الْخِيَار بِخِلَاف البيع وَفِي الثَّالِث يثبت فِيهِ خِيَار الْمجْلس إِذْ الْغَالِب انه يتصرم على قرب فَلَا وزن لتِلْك الْمَنْفَعَة بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط والمسابقة إِذا قُلْنَا إِنَّهَا لَازِمَة من الْجَانِبَيْنِ فِي معنى الْإِجَارَة وَلكنهَا أبعد عَن البيع قَلِيلا أما الْإِجَارَة الْوَارِدَة على الذِّمَّة فَيثبت فِيهَا الْخِيَار إِذْ لَا يحذر فِيهَا فَوَات مَنْفَعَة وَالْإِجَارَة بيع تَحْقِيقا الثَّانِي الْإِقَالَة وَيثبت فِيهَا الخياران على قَوْلنَا أَنَّهَا ابْتِدَاء بيع الثَّالِث الْحِوَالَة وفيهَا وَجْهَان على قَوْلنَا حكم الْمُعَاوضَة غَالب على الِاسْتِيفَاء وَوجه الْمَنْع أَن وجود معنى الِاسْتِيفَاء غير مُنكر وان كَانَ مَغْلُوبًا الرَّابِع الْهِبَة بِشَرْط الثَّوَاب إِن قُلْنَا تَنْعَقِد بيعا فَفِيهَا وَجْهَان كالخلاف فِي أَنَّهَا هَل تفِيد الْملك قبل الْقَبْض الْخَامِس الْقِسْمَة وَلَا يثبت فِيهَا خِيَار الشَّرْط على الْأَصَح لانه لَا مدْخل للفظ فِيهِ وَفِي خِيَار الْمجْلس على قَوْلنَا إِنَّه بيع خلاف وان كَانَ قهريا فَلَا

وَجه لإِثْبَات الْخِيَار أصلا السَّادِس الشَّفِيع إِذا بذل عوض الْمَشْفُوع فَمَا دَامَ فِي مجْلِس بذل الْعِوَض هَل يتَخَيَّر فِي الرُّجُوع وَهِي مُعَاوضَة مُحَققَة وَلكنه قهري لَا يتَعَلَّق بِاللَّفْظِ فِيهِ وَجْهَان وَلَا يثبت خِيَار الشَّرْط بِحَال السَّابِع الصَدَاق وَالْمَشْهُور انه لَا يثبت فِيهِ الخياران وَحكى الصيدلاني قَوْلَيْنِ لانه عقد مُسْتَقل بِنَفسِهِ لَا يَنْفَسِخ النِّكَاح بفسخه فَكل هَذِه الْمسَائِل منشأ التَّرَدُّد فِيهَا التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل هِيَ فِي معنى البيع لاشتمالها على الْمُعَاوضَة والمغابنة فرع الْعَاقِد فِي الصّرْف إِذا الزم فِي الْمجْلس ثمَّ فَارق قبل الْقَبْض انْفَسَخ العقد وَعصى أَن فَارق دون إِذن صَاحبه فانه ابطل عَلَيْهِ حَقًا لَازِما وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يعْصى لَان عِلّة الْقَبْض قَائِمَة فَلَا يلْزم وَلَا يثبت اللُّزُوم قبل الْقَبْض مَا دَامَ فِي الْمجْلس وان جرى صَرِيح الْإِلْزَام وَالظَّاهِر أَنه يلْزم وَإِن كَانَ يَنْفَسِخ بِفَوَات الْقَبْض

الْفَصْل الثَّانِي فِي قواطع الْخِيَار وَهُوَ قَول أَو فعل أما القَوْل فَهُوَ كل مَا يُصَرح بِهِ كقولهما اخترنا والتزمنا ورفعنا الْخِيَار أَو مَا يتضمنه كَالْعِتْقِ وَالْبيع على مَا سَيَأْتِي وان انْفَرد أَحدهمَا وَقَالَ التزمت لم يسْقط خِيَار صَاحبه وَيسْقط خِيَاره على الْأَصَح وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِنَّه أثبت هَذَا الْخِيَار للمتبايعين جَمِيعًا فَلَا يسْتَقلّ بِهِ أَحدهمَا أما الْفِعْل فَهُوَ الِافْتِرَاق وَذَلِكَ بالشخص وَالروح وَالْعقل أما التَّفَرُّق بالشخص فَهُوَ أَن يُفَارق صَاحبه الى حد لَو اسْتَقر فِيهِ عدا خَارِجين عَن مجْلِس التخاطب ثمَّ يبطل خِيَار الْقَاعِد أَيْضا لانه قَادر على مساوقته وَلَو تساوقا فِي مشي أَو سفينة دَامَ الْخِيَار إِلَى الِافْتِرَاق وَفِيه لطيف أَنه لَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام فانه مُنْتَهى أمد الشَّرْع فِي جَوَاز البيع وَتَخْصِيص الْمجْلس هَا هُنَا جرى بِنَاء على الْغَالِب أما التَّفَرُّق بِالروحِ فَهُوَ بِالْمَوْتِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على بَقَاء الْخِيَار للْوَارِث وَنَصّ فِي الْمكَاتب إِذا مَاتَ فِي مجْلِس العقد أَنه وَجب العقد فَمن الْأَصْحَاب من تكلّف فرقا وَهُوَ أَن الْخِيَار للْوَارِث وَالْمكَاتب لَا وَارِث لَهُ وَالسَّيِّد لَيْسَ وَارِثا تَحْقِيقا فَانْقَطع خِيَار الْمجْلس بِمَوْتِهِ إِذْ لم يُمكن نَقله

وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ منشؤهما أَن الْمُفَارقَة بِالروحِ هَل تنزل منزلَة الْمُفَارقَة بالشخص وَمِنْهُم من قطع بِالْبَقَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ للْوَارِث وَللسَّيِّد لِأَنَّهُ حق مَقْصُود فَلَا يبطل بِالْمَوْتِ كَخِيَار الشَّرْط نعم ينقدح الْخلاف فِي أَن الْوَارِث إِذا بلغه الْخَبَر يَدُوم خِيَاره بدوام مجْلِس بُلُوغ الْخَبَر أم هُوَ على الْفَوْر من حَيْثُ إِن التَّفَرُّق بِالْمَوْتِ أبطل الْمجْلس وَبَقِي مُجَرّد الْحق فَثَبت اخْتِيَاره على الْفَوْر وَالْوَجْه الآخر أَن الْحق إِذا بَقِي بَقِي بوصفه وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا مَاتَ وَقد بَقِي من مُدَّة خِيَار الشَّرْط يَوْم وَبلغ الْوَارِث الْخَبَر بعد تصرم ذَلِك الْيَوْم أَن بَقِيَّة الْمدَّة هَل تبقى فِي حَقه من حَيْثُ إِ تعين إبْقَاء الْحق فوصف الْمدَّة والمجلس بعد جَرَيَان الِاخْتِصَاص فِيهِ قد بَطل أما الْعَاقِد الْحَيّ فَيَنْقَطِع خِيَاره أَيْضا إِن قَطعنَا خِيَار صَاحبه وَإِلَّا فَيبقى ويدوم إِلَى أَن يَسْتَوْفِي الْوَارِث خِيَار نفس إِذا بلغه الْخَبَر فَإِذا بَطل خِيَار الْوَارِث بَطل خِيَاره إِذْ ذَاك وَإِلَّا فَلَا وَقيل إِن الْحَيّ لَا يتَصَرَّف بِالْخِيَارِ بالفسح وَالْإِجَارَة

قبل بُلُوغ الْخَبَر إِلَى الْوَارِث كي لَا ينْفَرد أحد الْعَاقِدين وَهُوَ بعيد وَلَو أكره أَحدهمَا على الْخُرُوج أَو حمل قهرا فَفِيهِ وَجْهَان يقربان من الْمَوْت وَقيل إِنَّه يَنْقَطِع بِسُقُوط خِيَاره إِن كَانَ مَفْتُوح الْفَم فَإِنَّهُ قدر على الْفَسْخ وَلَا وَجه لَهُ فَإِن صدمة الْحَال قد تدهشه ثمَّ إِذا نَفينَا خِيَاره فمهما عَاد إِلَى اخْتِيَاره كَانَ كالوارث يبلغهُ الْخَبَر وَلَا فرق بَين أَن يحمل أَو يكره على الْخُرُوج وان فرقنا فِي الْيَمين على قَول لِأَن هَذَا حكم مَنُوط بِصُورَة الْمُفَارقَة وَذَلِكَ يتَعَلَّق بِالْحِنْثِ والمخالفة وللقصد فِيهِ مدْخل وَأما الْمُفَارقَة بِالْعقلِ بِأَن جن أَحدهمَا أَو أُغمي عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن الْخِيَار يبْقى للقيم وَالْوَلِيّ وَلَا يبطل بمفارقته بعد الْجُنُون وَفِيه وَجه مخرج من الْمَوْت أَنه يَنْقَطِع إِذْ هَذَا الْخِيَار بعيد عَن قبُول النَّقْل وَقد تعذر إبقاؤه للعاقد

فرع إِذا تنَازع المتعاقدان فِي التَّفَرُّق وجاءا متساوقين وَقَالَ أَحدهمَا لم أفارقه بعد ولي الْخِيَار فَالْقَوْل قَوْله إِذا الأَصْل عدم التَّفَرُّق وَلَو تنَازعا فَقَالَ أَحدهمَا فسخت فِي الْمجْلس وَأنكر الآخر قَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول مدعي الْفَسْخ لِأَنَّهُ تصرف يستبد بِهِ وَقَالَ غَيره القَوْل قَول الآخر لِأَن العقد والتفرق معلومان وَهُوَ يَدعِي فسخا فَعَلَيهِ إثْبَاته

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي خِيَار الشَّرْط وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي حكمه فِي نَفسه ومدته وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى فِي آخر مدَّته وَلَا يزِيد على ثَلَاثَة أَيَّام عندنَا لِأَنَّهُ ثَبت على خلاف الْقيَاس لحَاجَة دفع الغبينة إِذْ كَانَ حبَان بن منقذ يخدع فِي البيعات فَشَكا أَهله إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ قل لَا خلابة وَاشْترط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو سيف لَا حصر فِيهِ أصلا وَقَالَ مَالك يتَعَذَّر بِهِ إِلَّا فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَة أَيَّام مِمَّا تغمض مَعْرفَته

الثَّانِيَة أول مدَّته وَفِيه وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يحْسب من وَقت العقد وَالثَّانِي أَنه يحْتَسب من وَقت التَّفَرُّق لِأَن الْجمع بَين خيارين متجانسين لَا يعقل وَلِأَن الشارط يَبْغِي الْإِثْبَات لنَفسِهِ فِي وَقت يَقْتَضِي العقد لُزُومه وعَلى هَذَا فَلَو صرح بِشَرْط ابْتِدَائه من وَقت العقد انبنى على الْمَعْنيين فَإِن عللنا بِمُطلق إِرَادَته ظَاهرا فقد تغير بالتصريح وَإِن عللنا بِأَن اجْتِمَاع المتماثلين لَا يعقل لم يثبت هَذَا الشَّرْط وعَلى الأول لَو صرح بِاشْتِرَاط ابْتِدَائه من وَقت التَّفَرُّق فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَنَّهُ يصير مَجْهُول الأول ثمَّ إِذا اجْتمع الخياران فيرتفعان بقولهمَا ألزمنا وأسقطنا الْخِيَار الْجَوَاز وَلَو خصصا أحد الخيارين بالإسقاط لم يسْقط الآخر والوجهان وَهُوَ أَن يعْتَبر من وَقت العقد فِي أول مُدَّة الْأَجَل فِي الثّمن

جاريان لَان الْخِيَار أَيْضا يُفِيد قطع الْمُطَالبَة وَهُوَ أولى بِأَن يحْتَسب من أول العقد لما بَينهمَا من الِاخْتِلَاف وَأما مُدَّة الْإِجَازَة أَن حكمنَا بِثُبُوت خِيَار الشَّرْط فِيهَا فَفِي ابتدائها أَيْضا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَالأَصَح أَنه من وَقت العقد الثَّالِثَة معرفَة قدر الْمدَّة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فَلَو أجل الْخِيَار بِمَجْهُول فسد وَلم يَنْقَلِب صَحِيحا بالحذف بعده وَكَذَلِكَ لَو أبهم بِأَن أثبت الْخِيَار فِي أحد الْعَبْدَيْنِ لَا بِعَيْنِه وَلَو شَرط الْخِيَار فِي وَاحِد معِين من عَبْدَيْنِ فَيخرج على تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي الْجمع بَين مختلفي الحكم الرَّابِعَة من أَثَره إِفَادَة سلطة الْفَسْخ دون حُضُور الْخصم وَقَضَاء القَاضِي خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يُؤثر فِي دفع الْملك وبقائه للْبَائِع فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه لَا يَزُول ملك البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة لِأَن الرِّضَا لم يتكامل مَعَ الشَّرْط الْخِيَار وَالثَّانِي يَزُول إِذْ ثَبت الْخِيَار على خلاف الْقيَاس دفع الغبينة فَيثبت بِقدر الضَّرُورَة وَلَا حَاجَة إِلَى إِخْرَاج البيع عَن كَونه مُفِيدا بِسَبَبِهِ وَالثَّالِث التَّوَقُّف فَمن اسْتَقر الْأَمر عَلَيْهِ بَينا ملكه فِي الِابْتِدَاء الْخَامِسَة إِذا شَرط الْخِيَار لثالث ثَبت لَهُ وَهل يثبت لَهما وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا اتبَاعا للشّرط وَالثَّانِي بلَى لعلتين إِحْدَاهمَا أَن مُطلق الشَّرْط يبْنى على الثُّبُوت للثَّالِث بطرِيق النِّيَابَة فعلى هَذَا فَلَو صرح بِالنَّفْيِ انْتَفَى وَالثَّانيَِة أَن ثُبُوته للْغَيْر لَا يعقل اسْتِقْلَالا بل هُوَ بطرِيق النِّيَابَة ضَرُورَة فعلى هَذَا لَو صرحا بِالنَّفْيِ لم يعقل الثُّبُوت

للثَّالِث دون الثُّبُوت لَهما أما الْوَكِيل الْمَأْذُون فِي العقد بِشَرْط الْخِيَار إِذا أطلق شَرط الْخِيَار فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يثبت للْمُوكل لانه وَقع العقد لَهُ وَالثَّانِي للْوَكِيل لانه الْعَاقِد وَالثَّالِث لَهما جَمِيعًا وَأما خِيَار الْمجْلس فَيخْتَص بالوكيل قطعا لانه الْحَاضِر فَلَو كَانَ الْمُوكل فِي الْمجْلس حجر على الْوَكِيل فِي الْخِيَار فَإِن قُلْنَا عَلَيْهِ الِامْتِثَال رَجَعَ حَقِيقَة الْخِيَار إِلَى الْمُوكل وَإِن قُلْنَا لَا يمتثل فَإِنَّهُ من لَوَازِم السَّبَب السَّابِق وَهَذَا وَإِن كَانَ بَعيدا أَيْضا فَفِيهِ تَأمل للنَّاظِر

الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الْخِيَار فِي الطوارئ فِي مدَّته وَالنَّظَر فِي الزِّيَادَات والتصرفات وَالْوَطْء والتلف فالمتصلة مِنْهَا تَابِعَة والمنفصلة كَالْوَلَدِ وَالْكَسْب يسلم لمن حكمنَا لَهُ بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول فِي آخر الْأَمر فَإِن اقْتضى تَفْرِيع أَقْوَال الْملك الحكم بِالْملكِ فِي حَالَة الْحُصُول دون آخر الْأَمر أَو على الْعَكْس فَوَجْهَانِ منشؤهما تعَارض النّظر إِلَى الْحَال والمآل أما التَّصَرُّفَات فالعتق إِن صدر من الْمُنْفَرد بِالْخِيَارِ نفذ وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما وَصدر من البَائِع نفذ لِأَن عتقه فسخ وَهُوَ مستبد بِهِ وَإِن صدر من المُشْتَرِي لَا بِإِذن البَائِع فَإِن قُلْنَا لَا ملك لَهُ لم ينفذ وان قُلْنَا الْملك لَهُ فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي عتق الرَّاهِن إِذْ للْبَائِع حق مُتَعَلق بِالْعينِ لَازم فان قُلْنَا ينفذ فَالظَّاهِر أَنه لَا يبطل خِيَار البَائِع وَلَكِن فِي فَائِدَته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يفْسخ العقد وَيرجع إِلَى الْقيمَة إِذْ الْعتْق لَا مرد لَهُ وَالثَّانِي انه يرد الْعتْق وَكَأَنَّهُ نفذ بِشَرْط أَلا يرد

وَقيل إِن خِيَار البَائِع يبطل لانه لَا يُقَاوم قُوَّة الْعتْق كحق الْمُرْتَهن من الِاخْتِصَاص وَالْبيع كَالْعِتْقِ وَفِي صُورَة الْخلاف وَجه مُرَتّب عَلَيْهِ وَأولى بِأَن لَا ينفذ وَإِن نفذ فَلَا يتَّجه إبِْطَال خِيَار البَائِع بل يتَعَيَّن أَن يُسَلط على فسخ البيع الثَّانِي وَالْأول إِن شَاءَ إِذْ البيع يحْتَمل الرَّد وان قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق وَالْبيع فَهَل ينفذ بِإِجَازَة البَائِع أما البيع فَلَا فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوَقْت وَفِي الْعتْق خلاف وَإِن قُلْنَا ينفذ فيستند إِلَى وَقت الْعتْق أَو من وَقت الْإِجَازَة ينفذ فِيهِ وَجْهَان وَهل يَجْعَل التَّصَرُّف الْمَرْدُود إجَازَة من الْمُتَصَرف فِي جَانِبه فِيهِ وَجْهَان إِذا فهمنا انه إجَازَة لانه وَاقع من ضَرُورَته وَالرَّدّ جرى لحق الْغَيْر فرع لَو اشْترى عبدا بِجَارِيَة وَالْخيَار للْمُشْتَرِي فَلهُ أَن يستبد بِعِتْق أَيهمَا

شَاءَ على الْبَدَل لانه مستبد بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَة فَلَو أعتقهما جَمِيعًا قَالَ أَبُو حنيفَة يعتقان وَهُوَ متناقض لِأَنَّهُ جمع بَين الْفَسْخ وَالْإِجَازَة فَالْوَجْه التَّرْجِيح وَحكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنَّهُمَا يتدافعان كالجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي النِّكَاح وَاخْتَارَ ابْن الْحداد وَهُوَ الْأَصَح انه يرجح جَانب العَبْد لانه إجَازَة للْعقد فَهُوَ أولى من الْفَسْخ ولان الصَّحِيح أَن العَبْد ملكه وَمِنْهُم من قَالَ الْجَارِيَة أولى لَان الْفَسْخ أقوى من الْإِجَازَة وَلَو فرعنا على أَن الْملك فِي زمَان الْخِيَار للْبَائِع وَهُوَ بعيد فِي هَذِه الصُّورَة فَتكون الْجَارِيَة مُعتقة أولى لِاجْتِمَاع الْملك وسلطان الْفَسْخ أما الْوَطْء إِن صدر من البَائِع وَله خِيَار فَلَا حد وَلَا مهر وَلَا تَحْرِيم لانه فسخ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ وَخرج بعض أَصْحَاب الْخلاف وَجها من إِبْهَام الْعتْق بَين أمتين وانه لَا يكون فسخا كَمَا لَو وطئ إِحْدَى الأمتين وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تعرض بِالْوَطْءِ للتَّحْرِيم وان جَعَلْنَاهُ فسخا إِذْ كَانَ من حَقه أَن يفْسخ ثمَّ يطَأ وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِنَفْي التَّحْرِيم لجَرَيَان الْملك مَعَ الْوَطْء غير مُتَأَخّر عَنهُ وَقَالَ لَو رَأينَا الْوَطْء رَجْعَة لأحللناه فِي الرَّجْعِيَّة

أما المُشْتَرِي فَهُوَ كالبائع فِي الْإِبَاحَة وَكَونه إجَازَة إِن لم يكن للْبَائِع خِيَار وان كَانَ لَهُ خِيَار حرم الْوَطْء وحصلت الْإِجَازَة من جَانِبه على الْأَصَح وَقيل انه يحمل من جَانِبه على الامتحان كالخدمة وَلَو وطئ بِإِذن البَائِع لزم من جَانب البَائِع أَيْضا وان كَانَ بمرأى مِنْهُ وَهُوَ سَاكِت فَوَجْهَانِ إِذْ السُّكُوت عَلَيْهِ مَعَ خطره حُضُور دَلِيل على الرِّضَا وَأما الْحَد فساقط للشُّبْهَة وَالْمهْر حكمه حكم الْكسْب فَإِن جرى الإحبال مَعَ الْوَطْء فحرية الْوَلَد وَنسبه ثَابت للشُّبْهَة وَقِيمَة الْوَلَد لَهَا حكم الْكسْب وَالْمهْر وَأُميَّة الْوَلَد لَهَا حكم الْعتْق وَأولى بالتنفيذ لِأَنَّهُ فعل وَقيل خِلَافه لِأَن الْعتْق حريَّة منجزة وَالتَّرْتِيب متقادم وَأما تلف الْمَبِيع فان كَانَ فِي يَد البَائِع انْفَسَخ العقد وان كَانَ فِي يَد المُشْتَرِي وَقُلْنَا الْملك للْبَائِع انْفَسَخ العقد لَان بَقَاء الْملك أقوى من بَقَاء علقَة الْيَد وان قُلْنَا أَن الْملك للْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ بَقَاء علقه الْخِيَار للْبَائِع

وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْخِيَار وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يبْقى لفَوَات الْمَعْقُود عَلَيْهِ فيضاهي فَوَات الرَّد بِالْعَيْبِ عِنْد فَوَات الْمَبِيع وَالثَّانِي يبْقى لِأَن الرَّد يعْتَمد الْمَرْدُود وَهَا هُنَا الْخِيَار يقوم بِالْعقدِ وَالْعقد قَائِم وان قُلْنَا يَنْفَسِخ وَجَبت الْقيمَة على المُشْتَرِي وَيعْتَبر يَوْم الْقَبْض أَو التّلف حكمه حكم الْمُسْتَعَار إِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع وان قُلْنَا الْملك للْمُشْتَرِي يعْتَبر حَالَة التّلف وان كَانَ قبله ملكا لَهُ فَإِن قيل بِمَاذَا يَنْقَطِع الْخِيَار قُلْنَا بِمَا يدل على الرِّضَا من البيع وَالْعِتْق وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وكل تصرف مزيل للْملك وَكَذَلِكَ بِالْهبةِ وَالتَّسْلِيم مَعَ الْوَلَد وان كَانَ خِيَار الرُّجُوع ثَابتا لَان ذَلِك اسْتِدْرَاك بعد ثبات الْملك وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالْهبةِ قبل الْقَبْض وَلَا بِالْبيعِ بِشَرْط الْخِيَار إِن قُلْنَا انه لَا يزِيل الْملك وَلَا بِالْعرضِ على البيع وَالْإِذْن فِي البيع فانه هم دون الْإِتْمَام بخلا ف الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا تَنْقَطِع بِالْعرضِ على البيع لغاية الضعْف وَلَا يَنْقَطِع الْخِيَار بِالتَّسْلِيمِ والتسلم وَلَا بالاستخدام وركوب الدَّابَّة وَيَنْقَطِع بِالْوَطْءِ على الصَّحِيح

وَالْأَظْهَر أَنه يَنْقَطِع بِالْإِجَارَة وَالتَّزْوِيج وَقد تنخل مِنْهُ أَن الْوَصِيَّة أَضْعَف من البيع بِشَرْط الْخِيَار وَحقّ الشُّفْعَة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ أَضْعَف من الْوَصِيَّة لانقطاعها بِالتَّأْخِيرِ وَأما الرُّجُوع عَن الْهِبَة فَلَا يحصل إِلَّا بالتصريح وَفِي حُصُوله بِالْإِعْتَاقِ خلاف فَهَذِهِ مَرَاتِب الْحُقُوق وَالله أعلم وَأحكم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي خِيَار النقيصة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا سبق كَانَ ثَابتا على طَرِيق التشهي وَهَذَا الْخِيَار لَا يثبت إِلَّا بِفَوَات أَمر مظنون ينشأ الظَّن فِيهِ من الْتِزَام شرطي أَو قَضَاء عرفي أَو تغرير فعلي وَالنَّظَر فِيهِ يَنْقَسِم إِلَى بَيَان الْأَسْبَاب المثبتة والموانع المبطلة السَّبَب الأول الِالْتِزَام الشرطي وَهُوَ الأَصْل وَمَا عداهُ مُلْحق بِهِ فمهما شَرط وَصفا يتَعَلَّق بِفَوَات نُقْصَان مَالِيَّة لكَونه خبازا أَو كَاتبا أَو متجعد الشّعْر وَغَيره فَإِذا فقد ثَبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي وان شَرط مَا لَا غَرَض فِيهِ وَلَا مَالِيَّة فِيهِ كَكَوْنِهِ مُشَوه الْخلق ألغى الشَّرْط وَلزِمَ العقد كَأَن شَرط مَا فِيهِ غَرَض وَلَا مَالِيَّة كالثيابة فِي الْجَارِيَة وَالْكفْر فِي العَبْد وَهُوَ فِي بِلَادنَا فَفِيهِ تردد وَوجه ظَاهر السَّبَب الثَّانِي الْعَيْب وَهُوَ كل وصف مَذْمُوم اقْتضى الْعرف سَلامَة الْمَبِيع عَنهُ غَالِبا وَقد يكون ذَلِك

بِنُقْصَان وصف أَو زِيَادَته وَقد يكون نُقْصَان عين كالخصي أَو زِيَادَته كالإصبع الزَّائِدَة والخصي وَإِن زَادَت قِيمَته وَلَكِن مَا فَاتَ مِنْهُ مَقْصُود وَيتَعَلَّق بِهِ مَالِيَّة وَإِنَّهَا الزِّيَادَة الْجب بالْخبر لغَرَض آخر حصل بِهِ فَلم يَنْفَكّ عَن نُقْصَان وَالْبَوْل فِي الْفراش والبخر الَّذِي ينشأ من تَغْيِير الْمعدة والصنان الَّذِي يُخَالف الْعَادة وَلَا يقبل العلاج عيب فِي العبيد وَالْإِمَاء خَالف أَبُو حنيفَة فِي العبيد واعتياد الأباق وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا عيب فيهمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة الزِّنَا هُوَ عيب فِي الْإِمَاء دون العبيد واحتباس الْحيض عيب فِي الْجَوَارِي وَكَون الْجَارِيَة أُخْتا للْمُشْتَرِي أَو وَلَده لَيْسَ بِعَيْب وَإِن اقْتضى ذَلِك تَحْرِيم الْوَطْء أَو حُصُول عتق لِأَنَّهُ نقص فِي نفس الْجَارِيَة وَثقل الْخراج فِي الضَّيْعَة واعتياد الْجند النُّزُول فِي الدَّار عيب فيهمَا لقلَّة الرغبات بِسَبَبِهِ وشق الْأذن فِي الشَّاة لَيْسَ بِعَيْب إِن لم يمْنَع الْأَجْزَاء فِي الْأُضْحِية وَحَيْثُ يمْنَع ألحقهُ صَاحب التَّقْرِيب بالخصي لِأَن فِيهِ فَوَات غَرَض

هَذَا كُله فِي عيب تقدم وجوده على العقد أَو على الْقَبْض فَأَما مَا حدث بعد الْقَبْض فَلَا يرد بِهِ إِلَّا إِذا اسْتندَ إِلَى سَبَب قديم كَمَا إِذا اشْترى عبدا مُرْتَدا فَقيل إِن كَانَ فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه وَإِن قتل فِي يَد المُشْتَرِي فَهَل هُوَ من ضَمَان البَائِع فِيهِ وَجْهَان وان كَانَ عَالما حَال العقد بردته فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بألا يكون من ضَمَان البَائِع وَوجه كَونه من ضَمَان البَائِع قيام علقَة الرِّدَّة السَّابِقَة فِي الْوُجُود على العقد أَو الْقَبْض فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ أرش التَّفَاوُت بَين الْمُرْتَد وَالْمُسلم إِن كَانَ جَاهِلا عِنْد العقد فان قيل هلا أبطلتم بيع الْمُرْتَد وَهُوَ هَالك حكما قُلْنَا حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه بَاطِل وَلكنه بعيد لِأَن الْمَالِيَّة فِي الْحَال مُحَققَة وَالْعود إِلَى الْإِسْلَام مُمكن نعم فِي العَبْد الْمُسْتَحق قَتله فِي قطع الطَّرِيق وَجه نظر أظهر مِنْهُ أَنه يمْتَنع بَيْعه إِذْ لَا محيص من الْقَتْل وَالظَّاهِر صِحَة بَيْعه أَيْضا نظرا إِلَى الْحَال أما إِذا مَاتَ العَبْد بِمَرَض تقدم على البيع فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بِالرّدَّةِ فِي كَونه من ضَمَان البَائِع وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ من ضَمَان المُشْتَرِي إِذْ الْمَرَض يتزايد وَالرِّدَّة فِي حكم الشَّيْء الْوَاحِد فَأَما إِذا اسْتحق قطع يَده فِي السّرقَة فَقطع بعد الْقَبْض إِن قُلْنَا إِن الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَهَذَا أَيْضا من ضَمَانه حَتَّى يُطَالب بِأَرْش التَّفَاوُت بَين الأقطع والسليم عِنْد تعذر الرَّد وَإِلَّا فَلهُ الرَّد وان قُلْنَا لَيْسَ الْمُرْتَد من ضَمَان البَائِع فَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إِلَّا التَّفَاوُت بَين عبد اسْتحق قطعه وَبَين المنفك عَن هَذَا الِاسْتِحْقَاق والاقتراع بعد الْقَبْض بتزويج سَابق على العقد حكمه حكم الْقطع

السَّبَب الثَّالِث التصرية وَفِيه فصلان الأول فِي حد السَّبَب قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تصروا الْإِبِل وَلَا الْغنم وَمن اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها ثَلَاثَة إِن رضيها أمْسكهَا وان سخطها ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من التَّمْر وَمعنى التصرية أَن يشد إخلاف النَّاقة ليجتمع فِيهَا اللَّبن فيظن المُشْتَرِي غزارة اللَّبن وَلَو تخلفت النَّاقة بِنَفسِهَا فَفِيهِ وَجْهَان مستندهما أَن سَبَب الْخِيَار فَوَات ظن اسْتندَ إِلَى قرينَة حَالية حَتَّى ينزله منزلَة ظن السَّلامَة إِذا اسْتندَ إِلَى الْعرف أَو

مُسْتَنده تغرير الْعَاقِد بِفِعْلِهِ ونزوله منزلَة الْتِزَامه حَتَّى ينزل منزلَة شَرط الغزارة وكل قَائِل يتشوف إِلَى التَّقْرِيب من اصل مُتَّفق عَلَيْهِ من خِيَار الْعَيْب أَو خِيَار الْحلف والأخير أولى وَقد اخْتلف الْأَصْحَاب فِيمَا لَو لطخ ثوب العَبْد بالمداد مخيلا انه كَاتب أَو صرى ثدي الْجَارِيَة أَو حفل الأتان أَو علف الدَّابَّة حَتَّى رَبًّا بَطنهَا وخيل أَنَّهَا حَامِل وَوجه التَّرَدُّد أَن اعْتِقَاد صفة الْكِتَابَة بِمُجَرَّد المداد كاعتقاد الْحمل بكبر الْبَطن لقُصُور فِي الْعقل وَأما الأتان فلبنها نجس وان قصد لاجل الجحش وَالْجَارِيَة لَا يرى ثديها غَالِبا فَلَا يقْصد بهَا التَّغْرِير

الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم السَّبَب وَفِيه مسَائِل ثَلَاثَة إِحْدَاهَا أَن الْخِيَار على الْفَوْر أَن عرف التصرية بعد ثَلَاثَة أَيَّام وان اطلع قبله فَوَجْهَانِ أفقههما أَنه على الْفَوْر وَالتَّقْدِير فِي الحَدِيث مَحْمُول على مهلة النّظر للمعرفة إِذْ لَا يتَحَقَّق عرفان جَرَيَان التصرية قبله غَالِبا الثَّانِيَة الْوَاجِب صَاع من التَّمْر بَدَلا عَن اللَّبن الَّذِي كَانَ فِي الضَّرع لَدَى العقد فان قيل هلا وَجب رد الْعين أَو الْمثل أَو الْقيمَة قُلْنَا لَا لَان عين اللَّبن لَا تبقى غَالِبا وان بقى فيمزج بأجزاء اجْتمعت فِي الضَّرع بعد جَرَيَان العقد إِلَى تَمام الْحَلب وَإِنَّمَا لم يُكَلف رد الْمثل لَان الْقدر إِذا لم يكن مَعْلُوما بمعيار الشَّرْع كَانَت الْمُقَابلَة من بَاب الرِّبَا وَإِنَّمَا قدر بِالتَّمْرِ لَا من جنس النَّقْد لفقد النَّقْد غَالِبا ولان التَّمْر يُشَارك اللَّبن فِي الْمَالِيَّة وَكَونه قوتا وَهُوَ قريب مِنْهُ إِذْ يُؤْكَل مَعَه فِي بِلَادهمْ نعم ولفهمهم هَذَا الْمَعْنى نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على انه لَو رد الشَّاة الْمُصراة بِعَيْب آخر سوى التصرية رد صَاعا من التَّمْر لأجل اللَّبن نعم قَالَ قَائِلُونَ يجب صَاع من التَّمْر أبدا وان زَادَت قِيمَته على قيمَة الشَّاة مثلا بَعيدا وَمِنْهُم من قَالَ أَن زَادَت على الشَّاة أَو على نصفهَا لم توجب كَمَال الصَّاع فَأَنا نعلم انه عَلَيْهِ السَّلَام قدر بِهِ لانه وَقع فِي ذَلِك الْوَقْت قَرِيبا من قيمَة

اللَّبن الْمجمع فِي الضَّرع فعلى هَذَا يعدل بِالْقيمَةِ فَيقدر قيمَة شَاة وسط وَقِيمَة صَاع وسط فِي أَكثر الْأَحْوَال فَإِذا قيل هُوَ عشر الشَّاة مثلا أَوجَبْنَا من التَّمْر مَا قِيمَته عشر الشَّاة الثَّالِثَة لَو أخرج بدل التَّمْر زبيبا أَو قوتا آخر فَفِيهِ تردد مِنْهُم من اتبع التَّوْفِيق وَمِنْهُم من رَآهُ فِي مَعْنَاهُ سَوَاء كَمَا فِي صَدَقَة الْفطر وَقد ورد فِي بعض أَلْفَاظ الْمُصراة لَفْظَة الْحِنْطَة وترددوا أَيْضا فِي أَن صَاعا من التَّمْر هَل يجب فِي رد الْجَارِيَة الْمُصراة إِذا رَأينَا ردهَا فَمن صائر إِلَيْهِ تعبدا وَمِمَّنْ قَائِل إِن لَبنهَا على حَاله غير مَقْصُود فَإِن قيل إِذا فَاتَ اللَّبن الْكَائِن فِي الضَّرع وَهُوَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَهَلا خرج رد الشَّاة دونه على تَفْرِيق الصَّفْقَة قُلْنَا لَا لانه لَا يُقَابله قسط من الثّمن على رَأْي فَهُوَ فِي حكم وصف لَا يُوجب زَوَاله عيب الْبَاقِي بِخِلَاف الْعَيْب الْحَادِث وان قُلْنَا يُقَابله قسط من الثّمن فَلَا وَجه لمُخَالفَة الحَدِيث فليؤيد بِهِ قَول جَوَاز تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِنَّهُ الْمُخْتَار سِيمَا فِي الدَّوَام

الْقسم الثَّانِي فِي مبطلات الْخِيَار ودوافعه وَهِي خَمْسَة الْمَانِع الأول شَرط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب وَقد قضى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بِبَرَاءَة البَائِع عَن كل عيب لم يُعلمهُ دون مَا علمه وكتمه وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يدل فِي ابْتِدَاء الْبَاب على مُوَافَقَته وَقَالَ فِي آخر الْبَاب لَوْلَا أثر عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَكَانَ الْقيَاس أَن يبرأ عَن الْجَمِيع أَولا يبرأ عَن الْجَمِيع فَقَالَ الْأَصْحَاب كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مردد بَين ثَلَاث احتمالات فَهِيَ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه يبرأ لِأَن مُسْتَند الْخِيَار أَنه مُلْتَزم للسلامة بِمُطلق العقد عرفا وَقدرا وَقد انْتَفَى مُوجب الْإِطْلَاق بالتصريح وَمِنْهُم من علل ذَلِك بِالْحَاجةِ لخفاء الْعُيُوب حَتَّى خصص فريق بِالْحَيَوَانِ لِكَثْرَة عيوبه وَقَطعُوا فِي غَيره بِبُطْلَان الشَّرْط وَمِنْهُم من سوى وَالثَّانِي أَنه لَا يبرأ لَان هَذَا خِيَار ثَبت شرعا فَلَا يَنْتَفِي شرطا وَلِأَنَّهُ إِبْرَاء عَن مَجْهُول لَا يدرى وعَلى العلتين انبنى خلاف فِيمَا إِذا عين عَيْبا وابرأ عَنهُ وَالثَّالِث انه يبرأ عَمَّا لم يُعلمهُ لَان الْحَاجة متحققة فِيهِ دون مَا كتمه وَاخْتلفُوا على هَذَا فِي أَن مَا تيَسّر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ هَل يلْحق بِمَا علمه لتَقْصِيره فِي عدم الْبَحْث وَاخْتلفُوا فِي أَن قَول صِحَة الشَّرْط هَل يجْرِي فِي عيب يحدث بعد العقد وَقبل الْقَبْض من حَيْثُ انه بعد لم يُوجد سَببه ثمَّ مهما فسد هَذَا الشَّرْط فَفِي فَسَاد العقد بِهِ قَولَانِ نبهنا عَلَيْهِمَا فِيمَا قبل الْمَانِع الثَّانِي من الرَّد التَّقْصِير وَذَلِكَ بِالتَّأْخِيرِ وَالِانْتِفَاع فان كَانَ الْعَاقِد حَاضرا فليرد عَلَيْهِ كَمَا اطلع على الْعَيْب فِي الْحَال

وان كَانَ غَائِبا فليشهد على الرَّد اثْنَيْنِ فان عجز فليحضر مجْلِس القَاضِي مبادرا وليخبره بِالرَّدِّ فان رفع إِلَى القَاضِي والخصم حَاضر فمقصر وان كَانَ الشُّهُود حضورا فَرفع إِلَى القَاضِي فَوَجْهَانِ إِذْ فِي الرّفْع إِلَى القَاضِي مزِيد تَأْكِيد وَلَو كَانَ الْمَعِيب دَابَّة فركبها فِي طَرِيقه إِلَى القَاضِي أَو عبدا فاستخدمه بَطل حَقه وَكَذَلِكَ إِن حمل الدَّابَّة إكافا أَو سرجا فليحطمها كَمَا عثر على الْعَيْب وَلَا يجب حل العذار فَهُوَ فِي مَحل التسامح وَكَذَلِكَ لَو عسر سوق دَابَّة وقودها جَازَ الرّكُوب وعَلى الْجُمْلَة مدرك التَّقْصِير الْعرف وَذَلِكَ ظَاهر فرع إِذا بَطل حَقه بالتقصير فَلَا أرش لَهُ بِخِلَاف مَا لَو تعذر الرَّد بِسَبَب وَلَكِن لَو تَرَاضيا على الْأَرْش مَعَ إِمْكَان الرَّد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن ذَلِك جَائِز إِذْ الْحق لَا يعدوهما وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا تقَابل سلطنته الْخِيَار بعوض وَمَا فَاتَ بِالْعَيْبِ قوبل بغرامة عِنْد عسر الرَّد لضَرُورَة الْعَجز عَن تدارك الْحق بطرِيق أقرب مِنْهُ وَالْمعْنَى بِالْأَرْشِ حَيْثُ نوجب أَن يعرف قدر النُّقْصَان بِسَبَب الْعَيْب وينسب إِلَى تَمام الْقيمَة فَإِن كَانَ عشر الْقيمَة رَجَعَ إِلَى عشر الثّمن وَالْقيمَة مُعْتَبرَة لمعْرِفَة النِّسْبَة لَا لإِيجَاب عينهَا الْمَانِع الثَّالِث هَلَاك الْمَعْقُود عَلَيْهِ حسيا بالتلف أَو حكما بِالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَاد فَإِذا اطلع بعد الْفَوات فَلَا رد إِذْ

لَا مَرْدُود وَتعين الْحق فِي الْأَرْش وَهُوَ جُزْء من الثّمن كَمَا سبق وَهل يبرأ عَن ذَلِك الْجُزْء من الثّمن بِمُجَرَّد الِاطِّلَاع أم يتَوَقَّف على طلبه فِيهِ تردد وميل القَاضِي إِلَى انه لَا يتَوَقَّف على الطّلب بِخِلَاف مَا لَو قدر على الرَّد فان الْفَسْخ لَا يحصل دون طلبه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ كَمَا بَقِي لَهُ طَرِيق الرِّضَا بالمعيب بِكُل الثّمن مَعَ الْبَقَاء يبْقى لَهُ ذَلِك بعد الْفَوات فَلَا بُد من الطّلب فان قيل لَو كَانَ قد استوفى الثّمن وَطلب المُشْتَرِي الْأَرْش فَهَل يتَعَيَّن حَقه فِي عين الثّمن أم يجوز للْبَائِع الْإِبْدَال قُلْنَا فِيهِ تردد للأصحاب إِذْ يحْتَمل أَن يُقَال الْمَعِيب فِي مُقَابلَة كل الثّمن إِن رَضِي بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابلَة بعضه فَيخرج ذَلِك الْبَعْض عَن الْمُقَابلَة وَتعين لاستحقاقه وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَكَأن الْمُقَابلَة تَغَيَّرت وَلَكِن جوز ذَلِك مهما اسْتندَ إِلَى سَبَب فِي اصل العقد وان كَانَ لَا يجوز ذَلِك بِالتَّرَاضِي عِنْد إِلْحَاق زِيَادَة بِالثّمن بعد اللُّزُوم وَيحْتَمل أَن يُقَال هَذِه غَرَامَة وَكَأن البَائِع جعل معيبا لملك المُشْتَرِي إِذْ العقد الْوَاحِد لَا يَقْتَضِي مقابلتين فِي حالتين وَيشْهد لَهُ أَن مُشْتَرِي الْجَارِيَة بِعَبْد معيب يعلم عَيبه يسْتَحل وَطأهَا وَلَو كَانَ جُزْء مِنْهُ لغَرَض الْعود إِلَى بَائِع الْجَارِيَة لَو اطلع على عيب العَبْد لَا ورث توقعه شُبْهَة وَهَذِه المباحثة من دَقِيق الْفِقْه فلتفهم

فرع لَو تلف أحد الْعِوَضَيْنِ فِي بيع العَبْد بالجارية فَمن وجد عَيْبا بالقائم رده وَرجع إِلَى قيمَة المعوض الْفَائِت اعْتِمَادًا فِي الرَّد على قيام الْمَرْدُود وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَقُلْنَا يمْتَنع إِفْرَاد أحد الْعَبْدَيْنِ بِالرَّدِّ لتفريق الصَّفْقَة رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَالْقيمَة الْمعرفَة لنسبة الارش حَيْثُ يرجع إِلَى الارش قيمَة يَوْم العقد أَو قيمَة يَوْم الْقَبْض فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا يَوْم العقد فانه يَوْم الِاسْتِحْقَاق وَالثَّانِي يَوْم الْقَبْض لانه يَوْم الضَّمَان وَالثَّالِث اقل الْقِيمَتَيْنِ نظرا لجَانب المُشْتَرِي الْمَانِع الرَّابِع زَوَال الْملك عَن البيع يمنعهُ من الرَّد فِي الْحَال فَلَو عَاد إِلَيْهِ بَان بَاعَ فَرد إِلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَلهُ الرَّد على الأول لَان الْعَائِد هُوَ الْملك الأول وان عَاد إِلَيْهِ بِبيع مُسْتَأْنف فَإِن رد على الْأَخير حَتَّى إِذا رد عَلَيْهِ على الأول

جَازَ وان ابْتَدَأَ بِالْأولِ ورد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ لَو عَاد إِلَيْهِ بِهِبَة فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ فِي البيع قدر على الرَّد على الثَّانِي حَتَّى يرد على الأول بعد الْعود إِلَيْهِ بِالرَّدِّ ومنشأ الْوَجْهَيْنِ أَن الزائل الْعَائِد كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَيجْرِي ذَلِك فِي رُجُوع شطر الصَدَاق بِالطَّلَاق وَفِي رُجُوع البَائِع إِلَى السّلْعَة بعد إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن فَمن قَائِل رد مَا اشْترى كَمَا اشْترى وَمن قَائِل لَيْسَ هَذَا الْملك الَّذِي ينقصهُ مَا اسْتَفَادَ مِنْهُ بل استفاده بِالْهبةِ وَإِنَّمَا ذَلِك الْملك قد زَالَ وَلم يعد فَصَارَ كَمَا إِذا فَاتَ ثمَّ إِذا منعناه من الرَّد ثَبت لَهُ الارش وان كَانَ ذَلِك فِي ملك الْغَيْر وَامْتنع الرَّد فِي الْحَال وَلَكِن قُلْنَا لَو عَاد لقدر على الرَّد فَفِي جَوَاز الْمُطَالبَة بالارش فِي الْحَال لوُقُوع الْحَيْلُولَة وَجْهَان يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي شُهُود الْأَمْوَال إِذا رجعُوا لَان الْحَيْلُولَة وَاقعَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وتوقع الْوُصُول إِلَى أصل الْحق مرجو فيهمَا وَالأَصَح جَوَاز طلب الْبَدَل فِي الْحَال فرعان أَحدهمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ فَالْأَصَحّ أَن للْأولِ الْمُطَالبَة

بالارش فان تبرع غَيره عَلَيْهِ لَا يلْزمه التَّبَرُّع على غَيره الثَّانِي إِذا كَانَ عوض الْمَرْدُود خَارِجا عَن الْملك وعائدا فَالْأَصَحّ أَن ذَلِك لَا يضر وَجها وَاحِدًا لَان عود ذَلِك يجْرِي قهرا فَيرجع إِلَى عينه وَلِأَنَّهُ لَو تلف لرجع إِلَى قِيمَته جبرا لَهُ والآن هُوَ بِعَيْنِه قَائِم فَهُوَ أولى بِأَن يكون جَائِزا الْمَانِع الْخَامِس الْعَيْب الْحَادِث يمْنَع من الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم لَان جَانب البَائِع أَيْضا يصان عَن الضَّرَر الْحَادِث كَمَا صين جَانب المُشْتَرِي عَن الْقَدِيم فمسلك التَّدَارُك أَن يضم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث إِلَيْهِ وَيرد أَو يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم حَتَّى لَا يرد فَإِن اتفقَا على أحد المسلكين فَذَاك وان تنَازعا فِي التَّعْيِين فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن البَائِع متبوع لَان الأَصْل أَلا يلْحقهُ دَرك أصلا إِلَّا إِذا لم يتَضَرَّر وَالثَّانِي المُشْتَرِي متبوع لَان الأَصْل إِن تَمام الثّمن لَا يلْزمه إِلَّا بمبيع سليم وَالثَّالِث أَن من يَدْعُو إِلَى ارش الْعَيْب الْقَدِيم أولى لِأَن اسْتِرْدَاده يسْتَند إِلَى اصل العقد أما ملك الارش عَن الْعَيْب الْحَادِث فجديد لَا مدْخل لَهُ فِي العقد فان قيل لَو زَالَ الْعَيْب الْحَادِث بعد اخذ الارش عَن الْقَدِيم هَل يعود حَقه فِي الرَّد

قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ الارش مَأْخُوذَة للْحَيْلُولَة الناجزة وَالثَّانِي لَا لوُقُوع الرِّضَا بِالْعَيْبِ فان لم يقبض بعد وَلَكِن قضى القَاضِي بالارش فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يعود الْحق أما إِذا لم يطلع حَتَّى زَالَ الْعَيْب الْحَادِث فَالْمَذْهَب جَوَاز الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم هَذَا إِذا لم يكن للعيب الْحَادِث أمد ينْتَظر زَوَاله فَإِن كَانَ لَهُ أمد كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ إِذا طرأت على الْجَارِيَة فانه عيب فَلَو اطلع على الْعَيْب وَلم يرد فِي الْحَال منتظرا زَوَاله فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل حَقه إِذْ قدر على طلب الارش وَالثَّانِي لَا لكَونه مَعْذُورًا فِي الِانْتِظَار فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو أنعل الدَّابَّة ثمَّ اطلع على الْعَيْب فلينزع النَّعْل وليرده إِن كَانَ لَا يتعيب بالنزع وَلَيْسَ يلْزم البَائِع قبُول النَّعْل وان كَانَ يعِيبهُ فَلهُ الرَّد وعَلى البَائِع

قبُول النَّعْل فانه تَابعا وَلَو قَالَ المُشْتَرِي لَا اسمح بالنعل وأطلب الارش لم يكن لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ كالمحتقر فِي مُؤنَة الرَّد نعم تردد الْأَصْحَاب فِي أَن ذَلِك إِعْرَاض عَن النَّعْل أَو تمْلِيك حَتَّى لَو سقط فَهُوَ للْبَائِع أَو المُشْتَرِي وَهُوَ مُحْتَمل أما إِذا صبغ الثَّوْب وزادت قِيمَته فَلهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الْقَدِيم إِن لم يطْلب قيمَة الصَّبْغ وَلَيْسَ للْبَائِع الِامْتِنَاع وان طلب قيمَة الصَّبْغ فَهَل يجب على البَائِع ذَلِك مَعَ رد الثّمن وَجْهَان وَالْفرق إِن النَّعْل تَابع والصبغ مَقْصُود وَلَا يسمح بِهِ فَإِن قُلْنَا لَا نكلفه قِيمَته فَهُوَ كعيب حَادث فتعود الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي أَن تمْلِيك أرش عيب حَادث أولى أم غرم أرش الْعَيْب الْقَدِيم وَلم يذهب أحد إِلَى أَن المُشْتَرِي يبْقى شَرِيكا بالصبغ لِأَن المُشْتَرِي يتَضَرَّر بذلك بِخِلَاف الْغَاصِب إِذا صبغ فَإنَّا نبقيه شَرِيكا وَلَا نلتفت إِلَى تضرره لعدوانه

أما إِذْ اشْترى رجلَانِ عَبْدَيْنِ فَفِي انْفِرَاد أَحدهمَا برد نصِيبه قَولَانِ وَوجه الْمَنْع تَفْرِيق الصَّفْقَة إِن قُلْنَا إِنَّهَا تتحد مَعَ تعدد المُشْتَرِي أَو عيب التَّبْعِيض على البَائِع إِذا عَاد إِلَيْهِ النّصْف وَإِذا عللنا بِهَذَا جَوَّزنَا الرَّد فِيمَا لَا ينقصهُ التَّبْعِيض وَالْمَقْصُود أَنا لَو منعناه من الْأَفْرَاد فَاشْترى نصيب شَرِيكه واخذ برد الْكل دافعا عَنهُ ضَرَر التَّبْعِيض وَيُطَالب بِقِيمَة النّصْف فَهَل يجْبر البَائِع عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الصَّبْغ الثَّانِي اشْترى حليا وَزنه ألف دِرْهَم بِأَلف حدث بِهِ عيب انكسار واطلع على عيب قديم فَلَو ضم إِلَيْهِ أرش الْعَيْب الْحَادِث لاسترد ألفا ورد مَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ عين الرِّبَا وَلَو كلف البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم لصار الْألف بعد حط الارش فِي مُقَابلَة الْألف فَهُوَ رَبًّا فَقَالَ ابْن سُرَيج هَذَا عقد تعذر إمضاؤه فينفسخ وَيسْتَرد الثّمن وَلَا ترد الْحلِيّ بل يغرم قِيمَته غير معيب بِالْعَيْبِ الْحَادِث بِالذَّهَب إِن كَانَ الْحلِيّ من الْفضة

أَو بِالْفِضَّةِ إِن كَانَ من الذَّهَب فِرَارًا من رَبًّا الْفضل وَهَذَا يستمد مِمَّا نفرد من أَن الارش يتَعَيَّن فِي الثّمن وَيتَعَيَّن الْمُقَابلَة بِأَخْذِهِ وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب بل يغرم البَائِع أرش الْعَيْب الْقَدِيم فَإِن ذَلِك الْأَرْش غرم فِي مُقَابلَة الْعَيْب وَكَأن البَائِع هُوَ الْمَعِيب وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يتَعَيَّن فِي الثّمن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بل يغرم المُشْتَرِي أرش الْعَيْب الْحَادِث وَيرد وَلَا مُقَابلَة إِلَّا بَين الثّمن والحلي وهما متوازيان وَهَذِه غَرَامَة عيب حدث فِي يَد المُشْتَرِي مَضْمُونا وَهَذَا أَيْضا بعيد لَان الارش كالبدل عَن ذَلِك الْجُزْء من الْمَعْقُود عَلَيْهِ الَّذِي فَاتَ بِالْعَيْبِ حَتَّى يرد الْفَسْخ عَلَيْهِ فتتناوله الْمُقَابلَة فتحصلنا على احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَة كل وَاحِد من الأرشين وَأَنه غرم مُبْتَدأ أم هُوَ من مُقَابلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَالْمَشْهُور مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن سُرَيج فيهمَا جَمِيعًا الثَّالِث إِذا قور الْبِطِّيخ وَكسر الْجَوْز وَالرُّمَّان وَالْبيض واطلع على عيب بَاطِن فَإِن زَاد فِي الْكسر على حَاجَة الْمعرفَة فعيب حَادث وَإِن اقْتصر فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه عيب حَادث وَهُوَ ظَاهر النَّص

وَالثَّانِي أَنه يرد من غير أرش إِذْ يَسْتَحِيل أَن يبطل رده بطرِيق الِاطِّلَاع والاطلاع سَبَب الرَّد وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَن استقلاله بِالرَّدِّ لَا يبطل وَلَكِن يضم أرش الْكسر حَتَّى لَا يتَضَرَّر البَائِع أَيْضا أما إِذا لم يبْق لَهُ بعد الْكسر قيمَة كالبيضة المذرة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يسْتَردّ كَمَال الثّمن فَقَالَ الْأَصْحَاب مَعْنَاهُ انه يسْتَردّ أرش النُّقْصَان وَلَكِن أرش النُّقْصَان كَمَال الثّمن إِذا لم يبْق لَهُ قيمَة وَفَائِدَته أَن القشرة تبقى مُخْتَصَّة بالمشتري فَتبقى الطَّرِيق عَنْهُمَا وَالْوَجْه أَن يُقَال تبين أَن العقد بَاطِل إِذْ ورد على غير مُتَمَوّل وَهُوَ تَأْوِيل كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والقشرة مُخْتَصَّة بالبائع فَإِن فرض لَهُ قيمَة قبل الْكسر للنقش وَلعب الصّبيان فقد بطلت الْمَالِيَّة الْآن فَإِن قُلْنَا إِن طَرِيق الِاطِّلَاع من عُهْدَة البَائِع حَتَّى لَا يجب بِهِ أرش فها هُنَا أَيْضا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن وَيجْعَل كَأَنَّهُ لم يشتر إِلَّا مَا بَقِي بعد الإطلاع وَإِن جعل ذَلِك من ضَمَان المُشْتَرِي فَلَا ينقدح مَعَه اسْتِرْدَاد تَمام الثّمن هَذَا تَمام القَوْل فِي لُزُوم العقد وجوازه واختتام الْقسم بِثَلَاثَة فُصُول

الْفَصْل الأول فِي حَقِيقَة الرَّد وَالْفَسْخ وَهُوَ عندنَا رفع العقد من وقته وَلذَلِك لم يمْتَنع الرَّد بِالْعَيْبِ بالزوائد الْمُنْفَصِلَة وَلَا بِوَطْء الثّيّب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ رفع للْعقد من أَصله ولأجله خَالف فِي وَطْء الثّيّب والزوائد الْمُنْفَصِلَة أما الْفَسْخ قبل الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه رفع من أَصله لِأَن العقد بعد ضَعِيف لم يتكامل وعَلى هَذَا نقُول الزَّوَائِد الْحَاصِلَة قبل الْقَبْض تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع وَالثَّانِي انه رفع من وقته كَمَا بعد الْقَبْض وعَلى هَذَا فالزوائد تبقى للْمُشْتَرِي فَإِن قُلْنَا تنْقَلب بِالْفَسْخِ إِلَى البَائِع فَلهُ حبس الزَّوَائِد للثّمن إِذا قُلْنَا لَهُ حبس الْمَبِيع لانه يتَوَقَّع التَّعَلُّق بِهِ وان قُلْنَا تسلم للْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حق الْحَبْس فان قيل وَمَا وَجه رُجُوع الزَّوَائِد إِلَى ملك البَائِع وَقد حدثت فِي ملك المُشْتَرِي كَمَا بعد الْقَبْض قُلْنَا لأَجله قَالَ فريق لَا يرجع إِلَيْهِ وَالْقَائِل الآخر يتَعَلَّق بِمَا رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن غلَّة الْمَبِيع تسلم للْمُشْتَرِي بعد الْفَسْخ وَبعد الْقَبْض فَقَالَ الْخراج بِالضَّمَانِ أَي هُوَ على خطر الضَّمَان

بِالْقَبْضِ فالغنم بالغرم وَمَفْهُومه أَنه لَا يسلم قبل الْقَبْض لَهُ وَالْقَائِل الأول يتبع الْقيَاس وَيَقُول ذَلِك عِلّة لمنع الرُّجُوع ذكره لقطع استبعاد السَّائِل وَقبل الْقَبْض لَا يرجع لعِلَّة أُخْرَى وَهُوَ أَنه حدث من ملكه وَالْحكم قد يُعلل بعلتين

الْفَصْل الثَّانِي فِي حَقِيقَة الْإِقَالَة وَفِيه قَولَانِ الْجَدِيد أَنه فسخ لَان اللَّفْظ يُنبئ عَنهُ وَلِأَنَّهُ جَائِز قبل الْقَبْض وَفِي الْمُسلم فِيهِ وَالْبيع لَا يجوز وَالْقَدِيم أَنه بيع جَدِيد وَلَيْسَ لَهُ وَجه وان تكلفنا لَهُ تقريرا فِي كتاب الْبَسِيط فِي الْمَذْهَب فرع لَو كَانَ الْمَبِيع تَالِفا فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة على الْجَدِيد وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كالرد بِالْعَيْبِ فانه يمْتَنع بعد الْفَوات وَالثَّانِي الْجَوَاز فَإِن العقد مُعْتَمد الْفَسْخ وَهُوَ قَائِم وَالرَّدّ يعْتَمد الْمَرْدُود وَهُوَ هَالك فَإِن كَانَ الْهَالِك أحد الْعَبْدَيْنِ فَفِي جَوَاز الْإِقَالَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ إِذْ الْقَائِم يستتبع الْهَالِك وَإِن كَانَا قَائِمين فَأَرَادَ إِفْرَاد أَحدهَا بِالْفَسْخِ فليلتفت على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَالْمذهب جَوَازه لَا سِيمَا فِي الدَّوَام

الْفَصْل الثَّالِث فِي النزاع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِذا قَالَ المُشْتَرِي هَذَا الْعَيْب قديم وَقَالَ البَائِع بل هُوَ حَادث فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الأَصْل السَّلامَة وَلُزُوم العقد فَلَو حلف ثمَّ جرى الْفَسْخ بعده بتحالف فَأخذ يُطَالب المُشْتَرِي بأرشه وَزعم أَنِّي أثبت حُدُوثه بيميني لم نمكنه لَان يَمِينه صلحت للدَّفْع عَنهُ فَلَا يصلح لشغل ذمَّة المُشْتَرِي بل للْمُشْتَرِي أَن يحلف الْآن على أَنه لَيْسَ بحادث ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يحلف أَنِّي بِعته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْمُزنِيّ بل يزِيد وَيَقُول بِعته وأقبضته وَمَا بِهِ عيب فَقَالَ الْأَصْحَاب أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا إِذا لم يدع المُشْتَرِي إِلَّا عَيْبا قبل العَبْد فيكفيه يَمِين على مُطَابقَة ضد الدَّعْوَى قَالَ ابْن أبي ليلِي كَيفَ يحلف على الْبَتّ مَا بِهِ عيب فَلَعَلَّهُ كَانَ وَلم يعرفهُ فليحلف على نفي الْعلم قَالَ الْأَصْحَاب بل يحلف على الْبَتّ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كَمَا يشْهد على الْملك والإعسار وَنفي وَارِث سوى الْحَاضِر وكل ذَلِك على النَّفْي يعرف بطول الْخِبْرَة بل أَمر الْيَمين أسهل وَلذَلِك ثَبت الْحلف على اعْتِمَاد حَظّ أَبِيه فَلَا يشْهد بِهِ فَإِذا لم يعرف عَيْبا جَازَ لَهُ أَن يُطلق الْيَمين لأجل الْحَاجة فرع لَو توافقا على وجود بياضين بِالْعَبدِ أَحدهمَا قديم وَالْآخر حَادث وَقد زَالَ أَحدهمَا وتنازعا فِي أَن الزائل هُوَ الْقَدِيم أَو الْحَادِث فدعواهما على التَّعَارُض وَالْقَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل هُوَ اللُّزُوم

الْقسم الثَّالِث من كتاب البيع فِي حكمه قبل الْقَبْض وَبعده وَالنَّظَر فِي الْقَبْض يتَعَلَّق بثمرته وَحكمه ثمَّ بصورته وكيفيته ثمَّ بِصفتِهِ فِي الْوُجُوب والإجبار عَلَيْهِ

النّظر الأول فِي ثَمَرَته وَحكمه وَله حكمان الحكم الأول نقل الضَّمَان إِذْ الْمَبِيع عندنَا وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي ضَمَان البَائِع قبل الْقَبْض على معنى أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه وَيسْتَرد الثّمن وَقَالَ أَبُو ثَوْر هُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي بِمُجَرَّد العقد واليه ذهب مَالك رَحمَه الله وَلَكِن فِيمَا يشترى جزَافا لَا تَقْديرا هَذَا إِذا تلف بِآفَة سَمَاوِيَّة فَإِن أتْلفه المُشْتَرِي فَهُوَ قبض من جِهَته مُقَرر للْعقد

وَإِن أتْلفه أَجْنَبِي فطريقان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لِأَن الْمَالِيَّة بَاقِيَة بِبَقَاء الْقيمَة وَقَالَ المراوزة قَولَانِ وَوجه الِانْفِسَاخ أَن مُتَعَلق العقد الْعين وَقد فَاتَت فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فالبائع هَل يحبس الْقيمَة لتسليم الثّمن كَمَا يحبس الْمُرْتَهن قيمَة الْمَرْهُون أم يُقَال هَذَا حق ضَعِيف وَلَا يسري إِلَى الْبَدَل فِيهِ وَجْهَان فَلَو أثبتا لَهُ حبس الْقيمَة فَفِي الِانْفِسَاخ بِتَلف الْقيمَة أَيْضا وَجْهَان أما

إِتْلَاف البَائِع فَمنهمْ من نزله منزلَة إِتْلَاف الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهُ متعرض وَهَا هُنَا يبعد إِثْبَات الْحَبْس لَهُ من الْقيمَة وَهُوَ المعتدي بِالْإِتْلَافِ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كالآفة السماوية إِذْ هُوَ عَاقد فَلَا يتَعَرَّض لضمان الْأَجَانِب وَلذَلِك لم نطالب الْمُرضعَة بِمهْر الْمثل مُطَالبَة الْأَجْنَبِيَّة إِذا فوتت النِّكَاح بِالرّضَاعِ فَإِن قيل فَلَو فَاتَ بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ قُلْنَا يَنْفَسِخ فِي ذَلِك الْقدر وَفِي الْبَاقِي قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن قيل فَلَو نقصت صفة بِالْعَيْبِ قبل الْقَبْض قُلْنَا فَائِدَته إِثْبَات الْخِيَار فَإِن أجَاز يُخَيّر بِكُل الثّمن وَلَا يُطَالب بِأَرْش أصلا إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة أَجْنَبِي فَيُطَالب الْأَجْنَبِيّ بالارش إِن أجَاز وَإِن فسخ فالبائع يُطَالِبهُ وَجِنَايَة البَائِع فِي إِيجَاب الارش مترددة بَين الآفة السماوية وَبَين جِنَايَة الْأَجْنَبِيّ كَمَا سبق فِي الْإِتْلَاف فَإِن قيل احتراق سقف الدَّار قبل الْقَبْض مَا حكمه قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه عيب كسقوط يَد العَبْد لِأَنَّهُ تَابع للدَّار وَلَيْسَ كموت أحد الْعَبْدَيْنِ وَالثَّانِي أَنه كَأحد الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بالمالية عِنْد تَقْدِير الِانْفِصَال بِخِلَاف الْيَد من العَبْد

فرع لَو اغتصب المُشْتَرِي الْمَبِيع حَيْثُ أثبتا للْبَائِع الْحَبْس فَللْبَائِع اسْتِرْدَاده فَلَو أتْلفه البَائِع قبل الِاسْتِرْدَاد ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه بِالْإِتْلَافِ قَابض ومتلف فَيكون كالإتلاف قبل الْقَبْض وَالثَّانِي أَنه كَالْأَجْنَبِيِّ لوُقُوعه بعد جَرَيَان صُورَة الْقَبْض وَقبل عود صُورَة الْيَد إِلَيْهِ الحكم الثَّانِي للقبض تسلط المُشْتَرِي على التَّصَرُّف فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي بيع مَا اشْتَرَاهُ قبل الْقَبْض لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع مَا لم يقبض فَنَشَأَ من الحَدِيث تصرف فِي ثَلَاث مَرَاتِب الأولى فِيمَا يلْحق بِالْبيعِ من التَّصَرُّفَات فَكل تمْلِيك بعوض فَهُوَ بيع وَالْعِتْق لَا يلْحق بِهِ لِأَن منع البيع إِمَّا أَن يُعلل

بِضعْف الْملك أَو بتوالي الضامنين وَلَا تَأْثِير للعلتين فِي الْعتْق نعم لَو كَانَ قبل تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ كعتق الْمَرْهُون وَأولى بالنفوذ لضعف حق الْحَبْس أما الْإِجَارَة فَفِيهَا وَجْهَان إِن عللنا بِضعْف الْملك منعناها وَإِن عللنا بتوالي الضامنين فَالْإِجَارَة لَا توجب ضَمَان الْعين فَلَا يتواليان وَالتَّزْوِيج كَالْإِجَارَةِ إِلَّا أَنه ينقبض فقد يمْنَع مِنْهُ قبل تَوْفِيَة الثّمن وَأما الهيبة وَالرَّهْن فيجريان مجْرى الْعتْق قَالَ صَاحب التَّقْرِيب رهن مَا لَا يَصح بَيْعه بَاطِل وَهَذَا لَا يَصح بَيْعه فَيتَّجه بطرِيق الدّلَالَة مَنعه وَفِي الْهِبَة أَيْضا وَجه أَنه ينزل منزلَة هبة الْمَرْهُون الْمرتبَة الثَّانِيَة فِيمَا يلْحق بيد البَائِع من الْأَيْدِي فَكل يَد ثَابِتَة لمملك عَن جِهَة مُعَاوضَة مَحْضَة فَهِيَ يَد بَائِع كَمَا فِي الصّرْف وَالسّلم وَالتَّوْلِيَة والاشتراك وَمَا لَا يسْتَند إِلَى مُعَاوضَة كيد الْأَمَانَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة وَالْعَارِية وَالْغَصْب والسوم وَيَد المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع بعد الِانْفِسَاخ لَا يلْحق لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَن مُعَاوضَة وتمليك

وَيَد تمْلِيك الصَدَاق وَالْبدل فِي الْخلْع وَالصُّلْح عَن دم الْعمد يخرج على أَنَّهَا مَضْمُونَة ضَمَان العقد أم ضَمَان الْيَد فَإِن فرعنا على ضَمَان العقد ألحقناه بيد البَائِع وَإِلَّا فَلَا الْمرتبَة الثَّالِثَة النّظر فِي أَنْوَاع الْمَبِيع وَهُوَ منقسم إِلَى عين وَدين أما الْعين فَلَا تبَاع قبل الْقَبْض مَنْقُولًا كَانَ أَو عقارا وَجوز أَبُو حنيفَة بيع الْعقار قبل الْقَبْض وَأما الدّين والمثمن مِنْهُ كَالْمُسلمِ فِيهِ وَالْحِنْطَة الْمَبِيعَة وَصفا فِي الذِّمَّة فَلَا يجوز بَيْعه قبل الْقَبْض وَلَا الِاعْتِيَاض عَنهُ وَفِي جَوَاز الْحِوَالَة فِي الْمُسلم فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع هُوَ الْأَصَح لِأَن فِيهِ معنى الْمُعَاوضَة وَالثَّانِي الْجَوَاز تَغْلِيبًا لِمَعْنى الِاسْتِيفَاء وَالثَّالِث أَنه تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ فَإِن لَا يتبدل عين الْمُسْتَحق وَلَا تجوز الْحِوَالَة بِهِ فَإِنَّهُ تَبْدِيل وتحويل إِلَى ذمَّة أُخْرَى

أما الثّمن فَإِن عين فَتعين عندنَا بِالتَّعْيِينِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وينفسخ العقد عندنَا بتلفه وَلَكِن إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة فَفِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الثّمن وَالثَّانِي الْجَوَاز لما رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كُنَّا نبيع الْإِبِل فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدَّنَانِيرِ فنأخذ بهَا الدَّرَاهِم وبالدراهم فنأخذ بهَا الدَّنَانِير فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا بَأْس إِذا تفرقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا لبس وَالْقَائِل الأول يحمل الحَدِيث على جَرَيَانه فِي مجْلِس العقد فَيكون تغييرا للْعقد فِي حَالَة الْجَوَاز وَالثَّالِث أَنه يسْتَبْدل أحد النَّقْدَيْنِ عَن الآخر للْحَدِيث وَلَا يسْتَبْدل سَائِر الْأَجْنَاس عَنْهَا للْقِيَاس وَهَذَا أعدل ويتأيد باتحاد مَقْصُود النقدية مِنْهُمَا

فَإِن قيل وَبِمَ يتَمَيَّز الثّمن عَن الْمُثمن قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا ثمن إِلَّا النقدان وَالثَّانِي أَن الثّمن مَا يتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَالثَّالِث أَن الصَّفْقَة إِن اشْتَمَلت على نقد فَهُوَ الثّمن وَإِلَّا فَمَا اتَّصل بِهِ بَاء الثمينة وَهُوَ الأعدل فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا ثمن إِلَّا لنقد فَلَو قَالَ بِعْت هَذِه الدَّرَاهِم بِالْعَبدِ فَفِي صِحَة العقد خلاف لتغيير نظم العقد وَالصَّحِيح الصِّحَّة وَكَذَلِكَ نقُول الْأَصَح جَوَاز السّلم فِي الدَّرَاهِم فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ جعل الثّمن كالمثمن فِي التَّعْيِين بِالتَّعْيِينِ فَإِن قُلْنَا حكم الثمينة غير مَقْصُود على النَّقْدَيْنِ فجواز الِاسْتِبْدَال هَل يتَعَدَّى إِلَى غير النَّقْدَيْنِ فِيهِ وَجْهَان وَمن يُلَاحظ الحَدِيث وَمعنى النقدية لم يجوز الِاسْتِبْدَال فِي غير النَّقْدَيْنِ بِحَال وَلَعَلَّه الأولى أما الْفُلُوس إِن راجت رواج النُّقُود فَالصَّحِيح أَنَّهَا كالعروض فَإِن قيل الدّين الثَّابِت بالقرض أَو بِالْإِتْلَافِ أَو بِسَبَب غير الْمُعَاوضَة مَا حكمه قُلْنَا بَيْعه من غير من عَلَيْهِ الدّين فِيهِ قَولَانِ وَالْمَنْع غير مَأْخُوذ من قَاعِدَة الْقَبْض وَلكنه من ضعف الْملك لعدم التَّعْيِين وَلَعَلَّ الْأَصَح الْمَنْع فَإِنَّهُ لَيْسَ مَالا حَاضرا وَإِن

كَانَ لَهُ حكم المَال من بعض الْوُجُوه وَإِن بَاعه مِمَّن عَلَيْهِ الدّين فَإِن استبدل عَنهُ عينا وَقبض فِي الْمجْلس جَازَ وَإِن استبدل دينا لم يجز لِأَنَّهُ منطبق على بيع الكالئ بالكالئ وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ والكالئ هُوَ الدّين وَإِن استبدل عينا وَلم يقبض فِي الْمجْلس فَإِن جَوَّزنَا بيع الدّين فَلَا مَأْخَذ لاشْتِرَاط الْقَبْض وَإِن لم نجوز فَلَا بُد من الْقَبْض إِذْ يجوز الِاسْتِبْدَال على تَقْدِير كَونه اسْتِيفَاء للمالية فَيخْتَص بِمَجْلِس الِاسْتِيفَاء إِذْ الأَصْل فِيهِ الْفِعْل دون القَوْل

النّظر الثَّانِي فِي صُورَة الْقَبْض وكيفيته والمقبوض إِن عقارا فمجرد التَّخْلِيَة كَاف إِلَّا إِذا كَانَ غَائِبا فَفِي نظر يذكر فِي الرَّهْن واما الْمَنْقُول هَل يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَة الْمُجَرَّدَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لَا بُد من النَّقْل لَان الِاعْتِمَاد فِيمَا نيط باسم الْقَبْض على الْعرف وَالْعرْف يفرق بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار وَنقل حَرْمَلَة قولا للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه يكْتَفى بِالتَّخْلِيَةِ وَهُوَ مَذْهَب مَالك لِأَن الْمَقْصُود اسْتِيلَاء المُشْتَرِي وَقد حصل وَالثَّالِث أَن التَّخْلِيَة تَكْفِي لنقل الضَّمَان لِأَنَّهُ حق البَائِع وَقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي التسليط على التَّصَرُّف فَإِنَّهُ حق المُشْتَرِي وَقد قصر إِذْ لم يقبض وَلم ينْقل وَهَذَا يعضده أَن ركُوب الدَّابَّة وَالْجُلُوس على الباسط قد يَجعله سَببا لضمان الْغَصْب دون النَّقْل التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا بُد من النَّقْل فَإِن وجد من المُشْتَرِي فَهُوَ الْكَامِل وَذَلِكَ بِأَن ينْتَقل إِلَى مَحل يخْتَص بِهِ وَلَا اخْتِصَاص للْبَائِع بِهِ فَلَو نقل إِلَى زَاوِيَة من دَار البَائِع فَلَا يَكْفِي لِأَن الدَّار وَمَا فِيهَا فِي يَد البَائِع إِلَّا أَن يَأْذَن البَائِع فِي الْقَبْض وَالنَّقْل إِلَيْهِ فَيكون إِعَادَة لتِلْك الزاوية فَيحصل الْقَبْض هَذَا إِذا قبض بِرِضا البَائِع

فَإِن أَخذه قهرا إِن كَانَ بعد تَوْفِيَة الثّمن فَهُوَ صَحِيح وَإِن قبله وأثبتا حق الْحَبْس فَهُوَ فَاسد يصلح لنقل الضَّمَان وَهل يُفِيد التَّصَرُّف فِيهِ وَجْهَان أما البَائِع إِذا نَقله إِلَى دَار المُشْتَرِي أَو وَضعه بَين يَدَيْهِ أَو فِي جُحْره أَو فِي مَحل قريب مِنْهُ وَالْمُشْتَرِي رَاض حصل الْقَبْض وان كَانَ كَارِهًا فَوَجْهَانِ هَذَا فِي مَنْقُول بيع جزَافا فَإِن بيع مكايلة كصبرة الْحِنْطَة إِذْ قَالَ بعتها كل صَاع بدرهم فتمام الْقَبْض بِالْكَيْلِ على المُشْتَرِي فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَلم يكل فَالضَّمَان انْتقل إِلَيْهِ وَهل يتسلط على البيع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يتسلط وَهَذَا قبض فَاسد إِذْ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يجْرِي فِيهِ الصاعان صَاع البَائِع وَصَاع المُشْتَرِي إِذْ من عَادَة الْعَرَب فِي المواسم شِرَاء صبرَة من الْحِنْطَة مكايلة وَبَيْعهَا بِزِيَادَة ربح مكايلة فَلَا بُد من إِجْرَاء الصَّاع قبل البيع حَتَّى يكون الحَدِيث مُفِيدا وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالشَّيْخ

أَبُو مُحَمَّد إِذْ مثل هَذَا النَّهْي لَا يحمل إِلَّا على الْفساد وَلَو حمل على اصل الْقَبْض كَانَ إِلْغَاء لفائدة خُصُوص هَذَا الحَدِيث وَالأَصَح أَنه لَو اشْترى الطَّعَام مكايلة وأبقاه فِي المكاييل وباعاها مكايلة ثمَّ صبه على المُشْتَرِي للْمُشْتَرِي جَازَ فصورة أَجزَاء الصَّاع لَا يُرَاد لعَينه وَمِنْهُم من قَالَ لَا بُد من التَّفْرِيع أَولا ليبني صِحَة البيع الثَّانِي عَلَيْهِ لظَاهِر الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف إِذْ دوَام الْكَيْل فِي معنى ابْتِدَائه وَلما كَانَ قَرَار العقد مَوْقُوفا على التَّقَابُض فِي الْمجْلس فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ اخْتلفُوا فِي أَنه لَو بَاعَ الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ مكايلة وتقاضيا جزَافا فَإِن العقد هَل يَنْفَسِخ وَهَذَا مُرَتّب على حكم البيع وَأولى بألا يَسْتَدْعِي قَرَار العقد جَرَيَان الْكَيْل فرع الْقَبْض يجْرِي فِيهِ النِّيَابَة وَلَكِن لَو قَالَ لمستحق الْحِنْطَة فِي ذمَّته اكتل على نَفسك من صبرتي هَذِه قدر حَقك فَفعل فَفِي تعين حَقه بِهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه من وَجه اتَّحد الْقَابِض والمقبض لِأَنَّهُ مقبض بِالْإِذْنِ وقابض لنَفسِهِ وَإِنَّمَا يسلم ذَلِك للْأَب يقبض لنَفسِهِ من طِفْله ولطفله من نَفسه كَمَا يسلم لَهُ فِي تولي طرفِي البيع وَلَو قَالَ لمستحق الدّين اقبض حَقك مِمَّا لي على فلَان فَقبض لم

يَصح لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يقبض للْمُسْتَحقّ ثمَّ يقبض لنَفسِهِ فَلَو قَالَ اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ قَبضه لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ وَلَو ألْقى إِلَيْهِ كيسا وَقَالَ خُذ مِنْهُ قدر حَقك فَلَا يملك بِمُجَرَّد الْأَخْذ دون الْوَزْن قطعا وَإِنَّمَا الْخلاف بعد الْوَزْن فِي تعْيين حَقه لكَونه قَابِضا قبضا وَلَكِن هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ لَو تلف لِأَنَّهُ أَخذه ليتملكه فضاهى اخذ المستام والكيس لَيْسَ مَضْمُونا لِأَن يَده فِيهِ يَد الْوَكِيل وَلم يَأْخُذ الْكيس ليتملكه وَلَو دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَقَالَ اشْتَرِ بهَا قدر حَقك لم يَصح الشِّرَاء لَهُ وَالْقَبْض لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ الْوَجْهَانِ

النّظر الثَّالِث فِي وجوب الْبِدَايَة بِالْقَبْضِ وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب على البَائِع الْبِدَايَة بِتَسْلِيم الْمَبِيع لانه متسلط على التَّصَرُّف فِي الثّمن فليتسلط المُشْتَرِي على الْمَبِيع وَالثَّانِي أَن الْبِدَايَة بالمشتري لِأَن حَقه مُتَعَيّن فليغير حق البَائِع وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يتساويان فَيجْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا من غير تَقْدِيم وَالرَّابِع أَنَّهُمَا لَا يجبران بل إِن تبرع أَحدهمَا بالبدار أجبر الثَّانِي

التَّفْرِيع المُشْتَرِي إِذا بَادر قبل الْقَبْض وَسلم الثّمن فَيجب تَسْلِيم الْمَبِيع فَلَو كَانَ آبقا فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد بل لَهُ الْفَسْخ إِن شَاءَ والاسترداد بعده وَإِن علم إباقة فَلَا يلْزمه تَسْلِيم الثّمن قولا وَاحِدًا وَأما البَائِع إِذا بَدَأَ فَيجْبر المُشْتَرِي على الْقبُول وَلم يكن كَالدّين فَإِنَّهُ قد لَا يجْبر مُسْتَحقّه على الْقَبْض لِأَن حَقه غير مُتَعَيّن فِيهِ فَإِن أَبى وَلم يقبض فَتلف فِي يَد البَائِع فَهُوَ من ضَمَانه لدوام صُورَة الْيَد وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِذا أَبى المُشْتَرِي فَللْبَائِع أَن يقبض لَهُ من نَفسه لتصير يَده يَد أَمَانَة أَو يرفع يَده الى القَاضِي حَتَّى يودعه عِنْده وَهُوَ بعيد وَقبض القَاضِي عَنهُ وإيداعه لَهُ أقرب قَلِيلا وَإِن قبل المُشْتَرِي وَقبض طُولِبَ بِالثّمن من سَاعَته فَإِن تحقق إفلاسه وَلم يكن لَهُ شَيْء سوى الْمَبِيع أَو كَانَ وزادت الدُّيُون عَلَيْهِ فَللْبَائِع الرُّجُوع إِلَى عين السّلْعَة وَإِن كَانَ غَنِيا وَلَكِن مَاله غَائِب قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يجْبر المُشْتَرِي على دفع الثّمن سَاعَته فَإِن كَانَ مَاله غَائِبا أشهد على وقف مَاله فَإِن وفى أطلق الْوَقْف عَنهُ وَهَذَا حجر غَرِيب يرَاهُ الشَّافِعِي من حَيْثُ إِن البَائِع على خطر من إِنْفَاقه جَمِيع أَمْوَاله واستهلاك الثّمن بالإفلاس فالحجر أقرب من حَبسه أَو فسخ البيع أَو إهمال الْحق وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحْجر عَلَيْهِ وَهَذَا لتخريجه وَجه وَلكنه مُخَالف للنَّص ثمَّ اتَّفقُوا على أَنه لَا حجر عِنْد إِمْكَان الْفَسْخ بالفلس فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى الْحجر

وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ المَال غَائِبا فَوق مَسَافَة الْقصر فَهُوَ كالفلس لِأَنَّهُ عجز فِي الْحَال وَإِن كَانَ دون مَسَافَة الْقصر فَوَجْهَانِ وَإِن كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ بل يحْجر عَلَيْهِ وَالصَّحِيح مَا قَالَه ابْن سُرَيج من أَن الْغَيْبَة لَيْسَ كَالْعدمِ بل الإعدام يُوجب الْفَسْخ والغيبة توجب الْحجر فَأَما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد فَلَا فسخ وَلَا حجر بل يُطَالب بِهِ

الْقسم الرَّابِع = كتاب البيع = فِي مُوجب الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي البيع وَبَيَان مَا يُزَاد فِيهَا على مُوجب اللُّغَة أَو ينقص وَيسْتَثْنى بِحكم اقتران الْعرف وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن الْقسم الثَّالِث مَا يُطلق فِي البيع

الأول الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة فِي العقد وَهِي مَشْهُورَة وَالْغَرَض بَيَان لفظين الأولى التَّوْلِيَة فَإِذا اشْترى شَيْئا وَقَالَ لغيره وليتك هَذَا العقد فَقَالَ قبلت صَحَّ البيع بِهَذَا اللَّفْظ وَنزل على ثمن العقد الأول وَهُوَ ملك متجدد يَتَجَدَّد بِسَبَبِهِ حق الشُّفْعَة وتسلم الزَّوَائِد للْمُشْتَرِي الأول أَعنِي مَا حصل قبل التَّوْلِيَة وَلَو حط عَن الثّمن الأول شَيْء انحط عَن الثَّانِي لِأَن التَّوْلِيَة توجب نُزُوله فِي الثّمن منزلَة الأول حَتَّى لَا يُطَالب إِلَّا بِمَا يُطَالب الأول فَهُوَ فِي حق الثّمن كالبناء وَفِي حق نقل الْملك كالابتداء وَلما عسر الْفرق بَين هَذَا وَبَين سَلامَة الزَّوَائِد وَالشُّفْعَة ذكر القَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَيْن ورد التَّرَدُّد إِلَى أَن هَذَا ملك بِنَاء أَو ابْتِدَاء وَهُوَ ضَعِيف فَلَا وَجه للتردد فِي الشُّفْعَة والزوائد نعم ينقدح وَجه أَن الْحَط لَا يلْحق كَمَا لَا يلْحق الشَّفِيع إِلَّا أَن يكون الْحَط فِي مجْلِس العقد فَإِن ذَاك فِيهِ خلاف فِي حق الشَّفِيع أَيْضا فرع فِي التَّوْلِيَة قبل الْقَبْض وَجْهَان وَوجه التجويز الاستمداد من حكم الْبناء حَتَّى كَانَ المطرد هُوَ الْملك الأول

ويتأيد ذَلِك بلحوق الْحَط وَفِي تَوْلِيَة البَائِع خلاف مُرَتّب على البيع من البَائِع الأول وَأولى بِالصِّحَّةِ اللَّفْظ الثَّانِي الْإِشْرَاك فَلَو قَالَ أَشْرَكتك فِي هَذَا العقد على المناصفة كَانَ حكمه التَّوْلِيَة فِي النّصْف من غير فرق وَلَو أطلق وَلم يذكر المناصفة فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ لم يبين الْمِقْدَار فَكَانَ مَجْهُولا وَالثَّانِي الْجَوَاز وَينزل الْمُطلق على التشطير

الْقسم الثَّانِي مَا يُطلق فِي الثّمن وَهُوَ أَلْفَاظ الْمُرَابَحَة فَإِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت وَربح ده يازده نزل على مَا قَالَه إِن كَانَ مَا اشْتَرَاهُ مَعْلُوما للْمُشْتَرِي الثَّانِي وَكَذَلِكَ فِي صُورَة التَّوْلِيَة يشْتَرط أَن يكون ثمن الأول مَعْلُوما للْمُشْتَرِي فَإِن لم يُعلمهُ فَلْيقل بِعْت بِمَا اشْتريت وَهُوَ مائَة فَإِن لم يذكر بَطل كَمَا لَو قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه وَفِيه وَجه أَن هَذَا يَصح لارتباط العقد الأول بالعاقد وسهولة الِاطِّلَاع عَلَيْهِ ثمَّ تردد هَؤُلَاءِ فِي انه هَل يشْتَرط زَوَال الْجَهَالَة فِي الْمجْلس أما إِذا قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ دخل فِيهِ الثّمن وَأُجْرَة الدَّلال والكيال وَكَذَا الْبَيْت الَّذِي تحفظ فِيهِ الأقمشة وكل مَا يعد من خرج التِّجَارَة بِخِلَاف قَوْلنَا بِعْت بِمَا اشْتريت وَلَو تعاطى الْكَيْل بِنَفسِهِ أَو كَانَ الْبَيْت مَمْلُوكا لَهُ لم يقدر لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ علف الدَّابَّة لَا يضم إِلَيْهَا والمحكم الْعرف فَإِن ذَلِك لَا يعد من خرج التِّجَارَة عرفا

فرعان أَحدهمَا إِذا اشْترى شَيْئا بِعشْرَة وَبَاعه بِخَمْسَة عشر ثمَّ اشْتَرَاهُ بِعشْرَة ثمَّ قَالَ بِعْت بِمَا قَالَ عَليّ فَالظَّاهِر أَنه ينزل على الْعشْرَة وَقَالَ ابْن سُرَيج يحْسب الرِّبْح عَلَيْهِ فَتكون السّلْعَة قد قَامَت بِخَمْسَة فَينزل عَلَيْهَا وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَ يدل ربح الْخَمْسَة خسران خَمْسَة لم ينزل هَذَا اللَّفْظ على خَمْسَة عشر وَهَذَا يضعف تَوْجِيه مذْهبه الثَّانِي إِذا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتريت بحط ده يازده وَكَانَ قد اشْترى بِمِائَة وَعشرَة مثلا فَالظَّاهِر هُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَابْن أبي ليلى أَنه ينزل على الْمِائَة وتحط الْعشْرَة فَيكون قد حط من كل أحد عشر درهما وَاحِدًا لتبقى نِسْبَة ده يازده بَين الأَصْل والمحطوط وَفِيه وَجه آخر غامض أَنه ينزل على مائَة دِرْهَم إِلَّا درهما فيحط عَن كل عشرَة دِرْهَم وَاحِد كَمَا كَانَ يُزَاد على عشرَة وَاحِد فِي ربح ده يازده فَإِن قيل لَو لم يصدق المُشْتَرِي فِي قدر الثّمن وَزَاد أَو كَانَ قد طَرَأَ بعد الشِّرَاء عيب فَلم يذكرهُ فَهَل يحط عَن الثَّانِي بِقدر الْعَيْب قُلْنَا ليعلم أَن هَذَا العقد عقد

أَمَانَة فَإِن المُشْتَرِي لَا يوطن نَفسه على ذَلِك الثّمن وَعلم أَن المُشْتَرِي لم يسمع بِالثّمن الَّذِي ذكره البَائِع وشترى بِهِ إِلَّا تعويلا على مماكسته واستقصائه فِي طلب الْغِبْطَة فيرضى لنَفسِهِ مَا ارْتَضَاهُ الأول لنَفسِهِ فَيجب عَلَيْهِ الْأَخْبَار بِكُل مَا طَرَأَ من عيب أَو جِنَايَة منقصة للعين كالإحصاء أَو للقيمة وَإِن اشْترى بِأَجل وَجب ذكره وَلَا يجب ذكر الزِّيَادَات الْحَادِثَة وَلَا ذكر مَا اشْترى مَعَه إِذا قوم هَذَا الْقدر بِحِصَّتِهِ وَلَا ذكر البَائِع إِذا اشْترى من وَلَده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب ذكر ذَلِك كُله وَلَو اشْترى بِغَبن وَهُوَ عَالم بِهِ فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب ذكره وَفِيه وَجه أَنه يجب لِأَن الثَّانِي اعْتمد على أَنه لَا يحْتَمل الْغبن وَهَذَا الْقَائِل يُوجب أَن يذكر إِذا اشْترى من وَلَده الطِّفْل وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى بدين غير مُؤَجل وَلَكِن الرجل مطول لِأَن ذَلِك سَبَب احْتِمَال غبن على الْجُمْلَة ثمَّ إِن كذب المُشْتَرِي فَزَاد فِي الثّمن أَو لم يخبر عَمَّا طَرَأَ من الْعَيْب فَهَل يحط عَن الثَّانِي قدر التَّفَاوُت

فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحط لِأَنَّهُ جزم العقد بِمِائَة مثلا وَكذب فِي قَوْله اشْتريت بِهِ نعم لَهُ الْخِيَار إِن شَاءَ لتلبيسه فَإِن أجَاز فليجر لكل الثّمن وَالثَّانِي أَنه يحط لِأَنَّهُ لم يقْتَصر على ذكر الْمِائَة بل ربط وَقَالَ بِعْت بِمِائَة وَهُوَ الَّذِي اشْتريت بِهِ فَلَا تلْزمهُ الْمِائَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يحط فَفِي ثُبُوت الْخِيَار للْمُشْتَرِي قَولَانِ وَوجه الْإِثْبَات أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِمِائَة لتحلة قسم أَو وَفَاء بموعود فَإِن قُلْنَا لَهُ الْخِيَار مَعَ ذَلِك فَأجَاز أَو قُلْنَا لَا خِيَار لَهُ فَفِي ثُبُوته للْبَائِع وَجْهَان وَوجه الْإِثْبَات أَنه طمع فِي سَلامَة الْمِائَة لَهُ وَلم تسلم وَإِن قُلْنَا لَا يحط عَن الْمِائَة فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لِأَنَّهُ مظلوم بالتلبيس إِلَّا أَن يكون التَّفَاوُت من جِهَة

الْعَيْب وَكَانَ قد علم طرآن الْعَيْب فَيكون رَاضِيا مَعَ ذَلِك لما اشْترى فَإِن هم بِالْفَسْخِ فَقَالَ البَائِع لَا تفسخ فَإِنِّي أحط لِأَجلِك فَهَل يبطل خِيَاره فِيهِ وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْخِيَار أَنه رُبمَا يكون لَهُ غَرَض فِي الشِّرَاء بِالْمِائَةِ كَمَا سبق هَذَا إِذا تبين خَطؤُهُ بتذكر المُشْتَرِي أمرا مشاهدا أَو بقوله أَخْطَأت إِقْرَارا على نَفسه أَو بِقِيَام بَيِّنَة على مِقْدَار مَا اشْترى بِهِ فَأَما إِذا قَالَ تَعَمّدت الْكَذِب وَإِنَّمَا اشْتريت بِكَذَا وَكَذَا فَحكمه مَا سبق وَلَكِن حَيْثُ ترددنا ثمَّ فِي ثُبُوت الْخِيَار فها هُنَا الْإِثْبَات أولى إِذْ أظهر بقوله خيانته فَرُبمَا يكذب فِيمَا يخبر عَنهُ الْآن من الْبَقِيَّة أَيْضا وَإِن علم المُشْتَرِي كذبه حَالَة الشِّرَاء فَلَا خِيَار لَهُ إِلَّا أَن يَقُول كنت أَظن أَنه يحط مَعَ علمي بِالنُّقْصَانِ فَفِي ثُبُوت الْخِيَار بِهَذَا الظَّن وَجْهَان

هَذَا إِذا كذب بِالزِّيَادَةِ فَلَو كذب بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ اشْترى بِمِائَة فَقَالَ اشْتريت بسبعين فميل الْأَصْحَاب هَا هُنَا إِلَى الْبطلَان لانه لَا بُد من الزِّيَادَة وَلَا سَبِيل إِلَيْهَا إِذْ الزِّيَادَة لَا تلْحق الثّمن أما الْحَط فيلحقه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله لَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذْ لَيست الْمِائَة عبارَة عَن تسعين كَمَا لَيست التِّسْعُونَ عبارَة عَن الْمِائَة فليبطل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَو ليَصِح فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَنْزِيلا على الصدْق لَا على مَا كذب بِهِ وَقد حكى صَاحب التَّقْرِيب قولا أَنه يبطل العقد فِي صُورَة الزِّيَادَة أَيْضا وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يُشِير الى أَن الْحَط لَيْسَ بطرِيق الْإِبْرَاء بل هُوَ بطرِيق تبين نزُول العقد عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَمَا ذكره الْأَصْحَاب يُشِير الى أَنه نزل العقد على اقدر الْمُسَمّى والحط يضاهي حط أرش الْعَيْب وَهَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من الْإِجَازَة وَالرِّضَا بِالْمِائَةِ وَلِأَنَّهُ طرد بذلك فِي صُورَة ظُهُور النُّقْصَان بِعَيْب طَارِئ مَعَ أَنه صَادِق فِي إخْبَاره عَمَّا اشْترى بِهِ وَالْخلاف فِي كل وَاحِد فرع إِذْ ادّعى البَائِع أَنه اشْترى بِزِيَادَة وَكذبه المُشْتَرِي فَلَا تسمع الدَّعْوَى البَائِع وبينته لِأَنَّهُ على نقيض قَوْله السَّابِق وَهل أَن يحلفهُ على نفي الْعلم فِيهِ وَجْهَان يبنيان على أَن يَمِين الرَّد كالبينة أَو كإقرار الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن جعلنَا كإقراره فَلهُ ذَلِك على رَجَاء النّكُول ورد الْيَمين ليَكُون ذَلِك

كالتصديق وَإِن قُلْنَا كالبينة فَلَا وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَنه إِن قَالَ غَلطت وَذكر وَجها مُحْتملا بِأَن قَالَ عولت على قَول الْوَكِيل والآن طالعت الجريدة وتذكرت فَلهُ التَّحْلِيف قطعا وَهَذَا مُتَّجه حسن وَيجب طرد هَذَا فِي قبُول دَعْوَاهُ وبينته أَيْضا وَالله أعلم

الْقسم الثَّالِث من الْأَلْفَاظ مَا يُطلق فِي البيع وَهِي فِي غرضنا سِتَّة أَلْفَاظ اللَّفْظ الأول الأَرْض وَفِي مَعْنَاهُ لفظ الساحة والعرصة والبقعة فَإِن قَالَ بِعْتُك هَذِه الأَرْض فالنظر فِي اندراج الشّجر وَالْبناء وَالزَّرْع والدفائن فَأَما الشّجر وَالْبناء فنص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي البيع يدل على الاندراج وَفِي الرَّهْن يدل على أَنه لَا ينْدَرج فَاخْتلف الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة طرق الْأَصَح أَنَّهَا لَا تندرج إِذْ اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعا وَلم يكن دَعْوَى عرف مطرد فِيهِ فَينزل منزلَة التَّصْرِيح وَهَذَا الْقَائِل نسب الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى إخلاف فِي النَّقْل وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا قَالَ بِعْت الأَرْض بحقوقها وَمن هَؤُلَاءِ من قَالَ وَلَو قَالَ بحقوقها أَيْضا لم ينْدَرج لِأَن الْحُقُوق عبارَة عَن

الْمَمَر ومجرى المَاء وَأَمْثَاله الطَّرِيقَة الثَّانِيَة ذكر قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالثَّالِثَة الْفرق بِأَن الرَّهْن ضَعِيف لَا يستتبع بِخِلَاف البيع أما الزَّرْع فَلَا ينْدَرج قطعا تَحت اسْم الأَرْض لِأَنَّهُ لم يثبت للدوام بِخِلَاف الْبناء وَالشَّجر والبقل لَهُ حكم الشّجر أعنى أُصُوله لَا مَا ظهر مِنْهُ فَإِنَّهُ للدوام كالشجر وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَنَّهَا كالزرع ثمَّ إِذا بَقِي الزَّرْع لصَاحب الأَرْض فَفِي صِحَة بيع الأَرْض طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الأَرْض المكراة إِذْ تقع الْمَنْفَعَة مُسْتَثْنَاة فِي مُدَّة وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ الْمَانِع فِي الْإِجَارَة عسر التَّسْلِيم وَهَا هُنَا تَسْلِيم الأَرْض مُمكن فِي الْحَال وَلَعَلَّه الْأَصَح تَشْبِيها لَهُ بِالدَّار المشحونة بالأمتعة التَّفْرِيع إِن حكمنَا بِالصِّحَّةِ فتسليم الأَرْض مزروعة هَل يُوجب إِثْبَات يَد المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الِامْتِنَاع أَنه لَا يقدر على الِانْتِفَاع وَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي تَسْلِيم الدَّار المشحونة بالأمتعة وَمِنْهُم من فرق إِذْ التشاغل بالتفريع ثمَّ مُمكن فِي الْحَال بِخِلَاف الزَّرْع ثمَّ المُشْتَرِي

إِن لم يعلم بالزرع فَلهُ الْخِيَار فَإِن أجَاز فَهَل لَهُ طلب أُجْرَة تيك الْمدَّة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا لَا يُطَالب بارش الْعَيْب عِنْد الْإِجَارَة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَنْفَعَة متميزة عَمَّا قابله الثّمن أما الدفائن فَلَا تندرج تَحت البيع حَتَّى الْحِجَارَة المدفونة إِلَّا أَن تكون مركبة فِي أساس الْبُنيان والجدار فيندرج حَيْثُ ينْدَرج الْجِدَار وان كَانَت الْحِجَارَة مخلوقة فِي الأَرْض اندرجت تَحت اسْم الأَرْض ثمَّ المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما باشتمال الأَرْض على الْحِجَارَة المدفونة فَلَا خِيَار لَهُ وَللْبَائِع النَّقْل وان أضرّ بالمشتري وَلَو أَبى فَلِلْمُشْتَرِي إِجْبَاره على تَفْرِيغ ملكه وان كَانَ لَا يتَضَرَّر المُشْتَرِي ببقائها وَفِيه وَجه أَنه إِذا لم يتَضَرَّر لم يجْبرهُ على النَّقْل أما إِذا كَانَ جَاهِلا فان لم يكن فِي النَّقْل ضَرَر فَلَا خِيَار وَإِن كَانَ ضَرَر فِي حُصُول وهاد فِي الأَرْض أمكن تَسْوِيَة الأَرْض على قرب فَلَا خِيَار أَيْضا كَمَا إِذا عرض فِي السّقف عَارض قبل الْقَبْض يُمكن إِزَالَته على قرب وَيجب تَسْوِيَة الأَرْض على البَائِع وَلَا يلْزمه أرش النُّقْصَان بِالْحفرِ بِخِلَاف هدم الْجِدَار لَان الْجِدَار يتَفَاوَت بِنَاؤُه وإعادته قد لَا تماثل الأول فَأَما هَذَا فَمن قبيل ذَوَات الْأَمْثَال فِي المضمونات أما إِذا تضرر بِسَبَب تعطل الْمَنْفَعَة فِي مُدَّة أَو كَانَ الْحفر يحدث عَيْبا بِأَن كَانَ يمْنَع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَفِي

الْمُطَالبَة بِأُجْرَة الْمثل خلاف منشؤه تَمْيِيز الْأُجْرَة عَن ارش الْعَيْب وَفِي طلب ارش النُّقْصَان بتعيب الأَرْض خلاف منشؤه أَن جِنَايَة البَائِع هَل تكون كجناية الْأَجْنَبِيّ فرعان أَحدهمَا لَو كَانَت الأَرْض تتضرر بِالنَّقْلِ دون التّرْك واثبتا للْمُشْتَرِي الْخِيَار فَقَالَ لَهُ البَائِع لَا انقل بَطل خِيَار المُشْتَرِي وَلزِمَ تَركه أبدا كالنعل على الداية ثمَّ ينظر فان قَالَ وهبت مِنْك الْحِجَارَة وَقبل وَكَانَ بِحَيْثُ يقبل الْهِبَة لوُجُود الشَّرَائِط من الرُّؤْيَة وَالتَّسْلِيم وَغَيره ملكه المُشْتَرِي على الظَّاهِر وَفِيه وَجْهَان أَنه لَا يملك وان وجدت الشَّرَائِط لانه لَيْسَ مُتَبَرعا وانما يَبْتَغِي بِهِ نفي الْخِيَار فحقيقته إِعْرَاض وَفِيه وَجه آخر أَنه يملك وان لم تُوجد شَرَائِط الْهِبَة لِأَنَّهُ كالمستفاد ضمنا وتبعا

وَلَيْسَ مَقْصُودا فَيحصل للضَّرُورَة وَأما إِذا قَالَ تركت الْحِجَارَة فَالظَّاهِر انه لَا يملك بِهَذَا اللَّفْظ بل هُوَ إِعْرَاض وَفِيه وَجه أَنه يَجْعَل تَمْلِيكًا لانه فَاتَ بِهِ حق الْخِيَار فليحصل فِي مُقَابلَته ملك وَهَذَا التَّفْصِيل يجْرِي فِي مَسْأَلَة النَّعْل وان لم نذكرهُ ثمَّ الثَّانِي إِذا كَانَ فِي الأَرْض حِجَارَة خلقية تمنع عروق الْأَشْجَار من الإنبتات فَهَل يكون هَذَا عَيْبا مثبتا للخيار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الِانْتِفَاع بِالْبِنَاءِ مُمكن فان تعذر الْغِرَاس فَهَذَا فَوَات كَمَال الْمَقَاصِد فَلَا يعد عَيْبا مذموما منقصا وَعِنْدِي أَن هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاضِع وَالْمَقْصُود فِي الاعتياد اللَّفْظ الثَّانِي الباغ وَفِي مَعْنَاهُ الْبُسْتَان وَالْكَرم ويندرج تحتهَا الْأَشْجَار والقضبان وَفِي اندراج الْعَريش الَّذِي تُوضَع عَلَيْهِ القضبان تَحت لفظ الْكَرم تردد للشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَالأَصَح الاندراج للْعُرْف وَلَو كَانَ فِي طرف الْبُسْتَان بِنَاء فَفِي اندراجه تَحت مُطلق الِاسْم خلاف كَمَا فِي اسْم الأَرْض

وَأما اسْم الْقرْيَة والدسكرة فيستتبع الْأَبْنِيَة وَالْأَشْجَار جَمِيعًا لَان الْعبارَة مَوْضُوعَة لَهَا وكل ذَلِك لَا يستتبع الزَّرْع الظَّاهِر وَلَا الْبذر وان كَانَ كامنا إِلَّا أصُول البقل كَمَا سبق

اللَّفْظ الثَّالِث الدَّار وَلَا ينْدَرج تحتهَا المنقولات كالرفوف المنقولة والسلاليم والسرر وَالْحَاصِل من مَاء الْبِئْر مَنْقُول لَا ينْدَرج وَقيل إِنَّه ينْدَرج كالثمار الَّتِي لم تؤبر والنفط الْحَاصِل من الْمَعْدن لَا ينْدَرج وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص عَن المنقولات مِفْتَاح بَاب الدَّار فَأَنَّهُ ينْدَرج تبعا للمغلاق ونوزع فِيهِ وَمَا ذكره أولى واما الثوابت وَهُوَ مَا أثبت للدوام من تَتِمَّة الدَّار كالأبنية والأبواب والمغاليق وَمَا عَلَيْهَا من السلَاسِل والضبات فيندرج وَكَذَا المراقي الثَّابِتَة من الْآجر والرفوف المثبتة من نفس الْبناء وحمام الدَّار إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ دون الدَّار اندرج وَإِن اسْتَقل فَهُوَ من الدَّار كالبناء من الْبُسْتَان وترددوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الاشجار وفيهَا ثَلَاثَة اوجه احدها انها لَا تندرج تَحت اسْم الدَّار فانها لَيست من اجزاء الدَّار وَالثَّانِي انها تندرج لِأَن الدَّار قد تشْتَمل على الاشجار وَالثَّالِث وَهُوَ الأعدل أَنه إِن كَانَ بِحَيْثُ يُمكن تَسْمِيَة الدَّار بستانا لم تندرج تَحت اسْم الدَّار وَإِلَّا ينْدَرج

الثَّانِي حجر الرحي وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يتبع لانه مُثبت للبقاء وَالثَّانِي لَا لانه لَيْسَ من مرافق الدَّار وانما اثْبتْ لتيسر الِانْتِفَاع وَالثَّالِث أَن الاسفل ينْدَرج دون الاعلى وَلَا خلاف فِي اندراجها تَحت اسْم الطاحونة وَالثَّالِث الإجانات المثبتة للصبغ تنزل منزلَة الْحجر الاسفل من الرَّحَى الا اذا بَاعَ باسم المدبغة أَو المصبغة والسلاليم والرفوف المثبتة بالمسامير فِي معنى الاجانات اللَّفْظ الرَّابِع اسْم العَبْد فِي بيع العَبْد لَا يتَنَاوَل مَال العَبْد وان قُلْنَا انه يملك بالتمليك وَفِي ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لقُصُور اللَّفْظ مَعَ أَن الثَّوْب لَيْسَ جُزْءا مِنْهُ وَالثَّانِي نعم لقَضَاء الْعرف بِهِ وَالثَّالِث أَنه يدْخل مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة دون غَيره وَلَعَلَّ العذار من الْفرس كساتر الْعَوْرَة من العَبْد لِأَن للْعُرْف فِيهِ حكما ظَاهرا

اللَّفْظ الْخَامِس الشّجر وَهُوَ فِي جَانب الْعُلُوّ يتَنَاوَل الاغصان والاوراق وَكَذَا ورق الفرصاد الا على رَأْي بعض الاصحاب فِي تشبيهها بالثمار المؤبرة وَفِي جَانب السّفل يتَنَاوَل الْعُرُوق وَيُوجب اسْتِحْقَاق الابقاء فِي ارْض البَائِع فيصبر المغرس مُسْتَحقّا للابقاء وَهل نقُول أَنه صَار ملكا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم لانه اسْتحق ابقاؤه فِيهَا على التأييد واللزوم فَلَا يُمكن أَن يَجْعَل إِعَارَة وَلَا إِجَارَة فَلَا بُد وَأَن يَجْعَل ملكا تَابعا وَالثَّانِي وَهُوَ الاصح انه يملك إِذْ اللَّفْظ قَاصِر عَنهُ والمغرس أصل فَكيف يكون تبعا نعم اسْتحق الابقاء على الْعَادة كَمَا يسْتَحق إبْقَاء الثِّمَار على الاشجار على الْعَادة من غير ملك الاشجار وَمن غير تَقْدِير إِعَارَة وَإِجَارَة هَذَا إِذا لم يكن على الاشجار ثمار فان اثمرت وَكَانَت الثِّمَار غير مؤبرة دخل فِي العقد كَمَا يدْخل الْحمل من الْجَارِيَة فِي البيع بِلَفْظ الْجَارِيَة لاجتنانه بِجُزْء مِنْهَا وان كَانَت مؤبرة بقيت على ملك البَائِع لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاعَ نَخْلَة بعد أَن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشترطها الْمُبْتَاع

وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لما أنكر القَوْل بِالْمَفْهُومِ حكم بَان غير المؤبرة ايضا تبقى على ملك البَائِع فانه لَيْسَ جُزْءا من نفس الشَّجَرَة وَالْمرَاد بالتأبير ان يتشقق الكمام حَتَّى تبدو عناقيد الثَّمر من الطّلع ومناط انْقِطَاع التّبعِيَّة ظُهُور الثِّمَار فيلتحق بِهِ الظُّهُور فِي كل مَا يظْهر فِي ابْتِدَاء الْوُجُود كالتين وَكَذَلِكَ مَا يَبْدُو بالتشقق كالورد يتشقق كمامه وكالمشمش والخوخ إِذا تشققت أنوارها وتصلبت الحبات وَمَا دَامَت لَا تَنْعَقِد ثَمَرَة لصغرها تندرج تَحت البيع والاصح ان القشرة الْعليا على الْجَوْز لَيْسَ ساترا وان كَانَ أكمة الفحول قبل التشقق تندرج تَحت البيع كالإناث فان قيل كَيفَ يشْتَرط البدو فِي كل عنقود وَثَمَرَة للْحكم بِالْبَقَاءِ على ملك البَائِع قُلْنَا لما عسر ذَلِك اقام الْفُقَهَاء وَقت التَّأْبِير حَتَّى إِذا تأبرت وَاحِدَة صَارَت وَغير المؤبر فِي الْبَقَاء مُتحد النَّوْع وداخلا تَحت صَفْقَة وَاحِدَة وَلَو وجد اتِّحَاد النَّوْع وَلَكِن اقْتصر العقد على غير مؤبر أَو شملها العقد وَلَكِن اخْتلف النَّوْع فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه لَا اتِّبَاع لِأَن التَّفْصِيل لَا عشر فِيهِ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف

وَالثَّانِي الِاتِّبَاع حسما للباب فان النَّوْع الْوَاحِد ايضا قد يتَفَاوَت ويهون تَفْصِيله فِي بعض الصُّور وَشرط أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة شرطا ثَالِثا وَهُوَ ان تكون الَّتِي لم تؤبر مطلعة حَتَّى تبقى تبعا للمؤبرة وَخَالفهُ كَافَّة الاصحاب وَهُوَ قريب من اخْتِلَاف النَّوْع وَبَين الفحول والاناث اخْتِلَاف النَّوْع فان قيل فاذا بقيت على ملكه فَهَل يجب الْقطع فِي الْحَال تَفْرِيعا للاشجار وان لم يجب فَكيف يفْرض الْقيام بسقي الثِّمَار والاشجار قُلْنَا الابقاء مُسْتَحقّ للْبَائِع الى اوان القطاف وَهَذَا مُوجب الْعرف لَا كتفريع الدَّار عَن الاقمشة فان ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعرف ايضا فَلم يجز الابقاء بل هَذَا كالزرع وَقد ذكرنَا ان الابقاء مُسْتَحقّ فِيهِ ثمَّ من يحْتَاج الى السَّقْي فَلهُ ان يسْتَقلّ بِهِ إِذا لم يضر بالاخر وَلم يكن للاخر مَنعه وَلَو كَانَ السَّقْي يضر بِوَاحِد وَتَركه يضر بالاخر وتنازعا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا ان المُشْتَرِي اولى بالاجابة اذ الْتزم لَهُ البَائِع سَلامَة الاشجار وَالثَّانِي البَائِع اولى فانه اسْتحق إبْقَاء الثِّمَار

وَالثَّالِث انهما يتساويان فان اصطلحا فَذَاك والا فقد تعذر إِمْضَاء العقد فينفسخ فروع ثَلَاثَة الاول اذا كَانَت الثِّمَار لَو سقيت لم ياضرر وَلَو تركت تضررت الاشجار بامتصاصها رطوبتها فعلى البَائِع السَّقْي اَوْ الْقطع فان لم يجد مَاء فَفِي تَكْلِيفه الْقطع وَجْهَان الثَّانِي لَو كَانَ السَّقْي يضر بجانبه وَتَركه يمْنَع حُصُول زِيَادَة فِي الْجَانِب الآخر ففوت الزِّيَادَة هَل يلْحق بِالضَّرَرِ حَتَّى يتقابل الجانبان فِيهِ وَجْهَان الثَّالِث لَو أَصَابَت الثِّمَار آفَة وَلم يكن فِي تبقيتها فَائِدَة فَهَل يجب الْآن تَفْرِيع الاشجار ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ وَهَذِه التوجيهات بَيِّنَة وتعارض الِاحْتِمَالَات ظَاهر

اللَّفْظ السَّادِس أسامي الثِّمَار وَمُطلق بيعهَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاق الابقاء الى اوان القطاف وان لم يُصَرح بِهِ لعُمُوم الْعرف اذ الْقَرِينَة الْعُرْفِيَّة كاللفظية وَلذَلِك نزل الْعرف فِي الْمنَازل والات الدَّابَّة فِي بَاب الاجارة منزلَة التَّصْرِيح وَلَو جرى عرف بِقطع الْعِنَب حصرما لانه لَا تتناهى نهايته اَوْ جرى الْعرف بِالِانْتِفَاعِ بالمرهون من الْمُرْتَهن فقد منع الْقفال الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ هُوَ كالتصريح وَخَالفهُ غَيره لَان المتبع هَا هُنَا هُوَ الْعرف الْعَام لَا عرف اقوام على الْخُصُوص وَهَذَا يلْتَفت على مَا لَو اصْطلحَ العاقدان فِي النِّكَاح على ان يعبروا بالالفين عَن ألف تخييلا لِكَثْرَة الْمهْر ان اللَّازِم الالف أم الالفان لَان مثاره ان الِاصْطِلَاح الْخَاص هَل يلْتَحق بالاصطلاح الْعَام فِي اللُّغَات وَكَذَا فِي الْعرف ثمَّ لَا بُد من التَّنْبِيه لثلاث شَرَائِط فِي بيع الثِّمَار الشَّرْط الاول انه لَا بُد من شَرط الْقطع إِن بيع قبل الصّلاح فان شَرط التبقية بَطل وان أطلق لَكَانَ كَشَرط التبقية خلافًا لأبي حنيفَة فِي

الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمُعْتَمد مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهي وَرُوِيَ حَتَّى أَن تنجو من العاهة وَسَببه ان التَّسْلِيم لَا يتم الا بالقطاف والجوائح غالبة فِي الِابْتِدَاء فَلم تكن الْقُدْرَة على التَّسْلِيم موثوقا بهَا وَمِنْهُم من علل تضرر الاشجار بِكَثْرَة امتصاص الثِّمَار رطوبتها فِي الِابْتِدَاء وَهُوَ فَاسد على مَا تبين فَسَاده فِي التَّفْرِيع

وَإِذا شَرط الْقطع صَحَّ وَلم تندرج تَحت النَّهْي لفقد الْعلَّة وَتَخْصِيص النَّهْي بِمَا يعْتَاد اما الْقطع قبل بَدو الصّلاح فَغير مُعْتَاد وَكَذَلِكَ لَو اشْترى الْبِطِّيخ قبل بَدو الصّلاح لَا بُد من شَرط الْقطع وان اشْترى مَعَ اصوله اذ لَا ثبات لأصوله وَهُوَ مَعَ الْأُصُول متعرض للآفات وَلَو بَاعَ الثِّمَار مَعَ الْأَشْجَار لم يشْتَرط الْقطع لفقد الْعلَّة إِذْ تمّ التَّسْلِيم بِتَسْلِيم الاشجار وامن من العاهة فوازنه ان يَبِيع الْبِطِّيخ مَعَ الارض والاصح ان الثِّمَار لَو كَانَت لغير من لَهُ الاشجار فاشتراها صَاحب الاشجار لَا يشرط الْقطع لفقد الْعلَّة وَحُصُول تَمام التَّسْلِيم وَفِيه وَجه للنَّظَر الى عُمُوم النَّهْي وَهُوَ بعيد إِذا لَو شَرطه لم يجب عَلَيْهِ ان يقطع ثمار نَفسه عَن اشجار نَفسه وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ الاشجار وَبقيت الثِّمَار على ملكه فَلَا يشْتَرط الْقطع وان انقسم الْملك لَان الْمَبِيع هُوَ الشّجر وَهُوَ آمن من العاهة وَالثَّمَر مَمْلُوك بِحكم الدَّوَام فَلَا يَنْقَطِع بالتعرض للعاهة نعم لَو كَانَت الثِّمَار بِحَيْثُ تندرج لَو أطلق العقد فاستثناها فالبقاء على هَذَا

الْوَجْه مُلْحق بختلاف الْمُبْتَدَأ أَو بالاستدامة فِيهِ اخْتِلَاف للاصحاب ثمَّ اتّفق الاصحاب على ان بَدو الصّلاح كَاف فِي الْبَعْض لسُقُوط هَذَا الشَّرْط إِقَامَة لوقت الصَّلَاة مقَام نَفسه دفعا للمعسر كَمَا فِي التَّأْبِير هَذَا بِشَرْط اتِّحَاد الْبُسْتَان وشمول الصَّفْقَة واتحاد الْملك فان اخْتلف الْبُسْتَان اَوْ الْملك اَوْ تعدّدت الصَّفْقَة فَفِي كل ذَلِك وَجْهَان بعد الِاتِّفَاق على اشْتِرَاطه اتِّحَاد الْجِنْس واما النَّوْع فَهُوَ كَمَا سبق فِي التَّأْبِير فمسل الْعِرَاقِيّين الى مُرَاعَاة اتِّحَاد الْبُسْتَان وَلم يتَعَرَّض الاصحاب للبستان فِي التَّأْبِير نعم ثمَّ المُرَاد ببدو الصّلاح فِي الثِّمَار بَان يطيب أكلهَا وَذَلِكَ فِي الْبِطِّيخ لظُهُور مبادئ الْحَلَاوَة وَفِي الْعِنَب الابيض بالتموه وَفِي غَيره بالتلون وَفِي الزَّرْع بِزَوَال الخضرة واما البقل فان بيع مَعَ الاصول فَلَا يشْتَرط الْقطع فانه لَا يتَعَرَّض لعاهة وان بيع دون الاصول نزل على الْقطع فانه يحذر من التَّأْخِير النمو واختلاط مَا دخل تَحت العقد بِمَا لم يدْخل الشَّرْط الثَّانِي ان تكون الثِّمَار قد انكشفت من أكمتها على قَول بطلَان بيع الْغَائِب إِلَّا مَا فِي إبقائه فِيهِ صَلَاح كالرمان

وَاخْتلفُوا فِي الباقلاء والجوز ان ابقاءها فِي القشرة الْعليا هَل فِيهِ صَلَاح وَالظَّاهِر فِي الباقلاء انه صَلَاح وَقد صَحَّ ان الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَمر بِأَن يشترى لَهُ الباقلاء الرطب واما الْحِنْطَة فِي سنبلها والارز فِي القشرة فَفِيهِ ثَلَاث أوجه أَحدهَا أَن فِيهَا صلاحا وَالثَّانِي أَنه لَا صَلَاح وَالثَّالِث أَن صَلَاح الْأرز فِيهِ دون صَلَاح الْحِنْطَة

واما الشّعير فَهُوَ بادئ الْحبّ من السنابل فَيجوز بَيْعه وَقد ذكرنَا احكام بيع الْغَائِب وَالَّذِي نزيده قطع بعض الاصحاب بِبُطْلَان بيع الذَّهَب فِي تُرَاب الْمَعْدن وَلَا يَسْتَقِيم ذَلِك الا بالتفريع على ابطال بيع الْغَائِب اذ لَو بَاعه فِي الْكمّ لجَاز فَمَا الْفرق بَينه وَبَين التُّرَاب وَلَو بيع اللَّحْم فِي الْجلد قبل السلخ مَعَ الْجلد فَهُوَ خَارج على بيع الْغَائِب وَقد نقلنا فِي بَابه عَن الشَّيْخ أبي على الْقطع بِالْبُطْلَانِ أَيْضا والاظهر مَا نَقَلْنَاهُ الان الشَّرْط الثَّالِث ان يحذر بيع الرِّبَا فَلَا تبَاع الثِّمَار بجنسها فان بَاعَ الْحِنْطَة فِي سنبلها بِالْحِنْطَةِ فَهِيَ المحاقلة وَقد نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَنْهَا وَهِي مُشْتَقَّة من

الحقل وَهِي ساحة يزرع فِيهَا سمي الزَّرْع بهَا للاتصال وَلَو بَاعَ الرطب بالتمرة فَهُوَ بَاطِل وَهِي الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنْهَا وَهُوَ مُشْتَقّ من الزَّبْن وَهُوَ الدّفع لَان هَذِه الْمُعَامَلَة فِي الْغَالِب تُفْضِي الى المدافع والمنازعة وَقد اسْتثْنِي عَنْهَا الْعَرَايَا وَهِي بيع الرطب خرصا بِمثل مَا يرجع اليه الرطب عِنْد التتمر من التَّمْر فِيمَا دون خَمْسَة أوسق لما روى زيد بن ثَابت أَن محاويج الانصار جَاءُوا الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا إِن الرطب ليَأْتِينَا وَفِي أَيْدِينَا فضول من

قوت فأرخص لَهُم فِي الْعَرَايَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق اَوْ فِي خَمْسَة أوسق وَالشَّكّ من الرَّاوِي وَوجه الْخُرُوج عَن قِيَاس الرِّبَا إِقَامَة الْخرص مقَام الْكَيْل وَقد وَردت الرُّخْصَة مُقَيّدَة بأَرْبعَة قيود يتَطَرَّق النّظر الى كلهَا الاول التَّقْدِير فَلَا زِيَادَة على خَمْسَة أوسق وَفِي خَمْسَة أوسق قَولَانِ لتردد الراوية مِنْهُم من يرجح جَانب الْمَنْع الا بِيَقِين وَمِنْهُم يرجح جَانب الْجَوَاز وَتَقْدِير الْخرص أصلا إِلَّا فِي مَحل تَيَقنا فِيهِ الْمَنْع وَقد يتخيل ان الْغَالِب تَقْدِير خَمْسَة أوسق للْجُوَاز فِيهِ لَا لربط الْجَوَاز بِقدر دونه وعَلى هَذَا لَو اشْترى فِي صفقات ألف وسق فَلَا حجر وانما الْحجر فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَلَو اشْترى رجلَانِ من وَاحِد تِسْعَة أوسق من الرطب جَازَ قطعا إِذْ لم يدْخل فِي ملك أَحدهمَا إِلَّا مَا دون الْقدر وَإِن اشْترى رجل من رجلَيْنِ فَوَجْهَانِ

وَوجه الْفرق مشير الى الِالْتِفَات على جَانب من يدْخل الرطب فِي ملكه لَان الرطب خرج التَّقْدِير فِيهِ بالخرص عَن الْقيَاس وَلم يبن الاصحاب ذَلِك على تعدد حكم الصَّفْقَة بِتَعَدُّد البَائِع وَالْمُشْتَرِي لما نبهنا عَلَيْهِ من قبل مَعَ أَن الرِّبَا يتَعَلَّق بِجَانِب التَّمْر وَالرّطب جَمِيعًا الثَّانِي ان الْعِنَب فِي معنى الرطب وَسَائِر الثِّمَار تبنى على جَرَيَان الْخرص فِيهَا وَفِيه قَولَانِ مذكوران فِي الزَّكَاة الثَّالِث أَنه ورد فِي بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَلَو بَاعَ الرطب بالرطب فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع اتبَاعا للقيد والتفاتا الى الْغَرَض التفكه وَالْحَاجة اليه وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذْ قد يخْتَلف الْغَرَض باخْتلَاف الرطب وَالثَّالِث إِن كَانَ أَحدهمَا مَوْضُوعا على الارض جَازَ ليستبقي الْبَاقِي للتفكه والرطوبة وَإِن كَانَ

على الشّجر فَلَا الرَّابِع أَنه ورد فِي المحاويج فَمن يرى الْخرص أصلا يلْحق الْأَغْنِيَاء بِهِ وَمن

لَا يرَاهُ أصلا تردد وَلِأَن الرُّخص لَا تقصر بعد مهدها على أَرْبَابهَا والآن فَبعد معرفَة شَرَائِط صِحَة البيع فَلَا بُد من معرفَة أَحْكَام الطوارئ على الثِّمَار قبل القطاف من الاجتياح والاختلاط أما الِاخْتِلَاط فبالتلاحق وَذَلِكَ إِن كَانَ مِمَّا يغلب فَالْبيع بَاطِل وان كَانَ بعد بَدو الصّلاح لَان ذَلِك يعسر بِهِ التَّسْلِيم أَيْضا كوقوع الجوائح وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه مَوْقُوف لَان هَذَا الْعسر يُمكن دَفعه بِهِبَة البَائِع ثماره فان لم يهب حكمنَا بِالْبُطْلَانِ أما إِذا كَانَ التلاحق نَادرا حكم فِي الْحَال بِالصِّحَّةِ فان اتّفق التلاحق قبل تَسْلِيم الْأَشْجَار فَفِي الِانْفِسَاخ قَولَانِ أَحدهمَا يَنْفَسِخ لوُقُوع الْيَأْس عَن التَّسْلِيم فَهُوَ كَمَا لَو وَقعت درة فِي لجة بَحر قبل التَّسْلِيم وَالثَّانِي لَا لَان دفع هَذَا الْعسر بِهِبَة الثِّمَار الجديدة مَقْدُور للْبَائِع وعَلى هَذَا فَلهُ الْخِيَار أَن لم يهب وان وهب بَطل خِيَاره كَمَا ذكرنَا فِي هبة الاحجار فِي الارض والنعل فِي الدَّابَّة وَحكم التَّمْلِيك والاعراض على مَا سبق وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قولا آخر أَنه لَا خِيَار لَهُ وَلَا انْفِسَاخ

ولكنهما ملكان اختلطا فَصَارَ كصبرة حِنْطَة الثَّالِث على حِنْطَة الْغَيْر وَهُوَ بعيد لانه أورث عسر التَّسْلِيم فِي مَبِيع هَا هُنَا فَلَو فرض ذَلِك فِي حِنْطَة مبيعة اطرد الْخلاف وَهَذَا اذا كَانَ قبل الْقَبْض فان تلاحق بعد الْقَبْض فَهُوَ مَبْنِيّ على ان الجوائح من ضَمَان من فان قُلْنَا من ضَمَان البَائِع كَانَ كَمَا قبل الْقَبْض والا فيتفاضلان بِالْخُصُومَةِ اَوْ الاصلاح وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الاشجار وَبقيت لَهُ الثِّمَار فتلاحقت فَلَا فسخ فان الثِّمَار الجديدة لَيست مَبِيع وَلَا مختلطا بِالْمَبِيعِ والمزني نقل تردد الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِه الصُّورَة وَاتفقَ الْمُحَقِّقُونَ على تخطئته وَمِنْهُم من صَوبه وَجعل الثِّمَار الْمَمْلُوكَة ملك الشّجر الْمَبِيع كَالْمَبِيعِ وَهُوَ ضَعِيف فان قيل وَكَيف نفصل الْخُصُومَة قُلْنَا يَدعِي أَحدهمَا مِقْدَارًا وينكره الاخر فَفِي قدر الانكار القَوْل قَول صَاحب الْيَد وَهَذَا فِي الْحِنْطَة واما فِي الثِّمَار على الشّجر فان قُلْنَا انه من ضَمَان البَائِع فَهُوَ فِي يَده وان قُلْنَا من ضَمَان المُشْتَرِي فَهُوَ فِي يَده وَقيل إِنَّه فِي يدهما لَان بَائِع الثِّمَار لَهُ مداخلة بِوُجُوب السَّقْي عَلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي صَاحب الْيَد حسا الْعَارِض الثَّانِي الاجتياح فان وَقع قبل تَسْلِيم الثِّمَار بِتَسْلِيم الاشجار فَهُوَ فِي ضَمَان البَائِع وان كَانَ

بعد التَّسْلِيم فالمنصوص جَدِيدا أَنه من ضَمَان المُشْتَرِي لانه تسلط على التَّصَرُّف بِإِثْبَات الْيَد وَالْقَوْل الْقَدِيم أَنه من ضَمَان البَائِع إِذْ لَا خلاف أَن السَّقْي وَاجِب على البَائِع لتنمية الثِّمَار وتربيتها فَكَأَنَّهُ فِي عُهْدَة التَّسْلِيم الى القطاف وَقد نقل فِي بعض الرِّوَايَات والامر بِوَضْع الجوائح وَلَكِن قَالَ الرَّاوِي كَانَ قبله كَلَام فَنسيته فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْجَدِيد لَعَلَّه كَانَ قبله مَا يدل على اسْتِحْبَاب الْوَضع وَاخْتلفُوا فِي أَن القَوْل الْقَدِيم هَل يجْرِي فِي الْفَوات بِآفَة السّرقَة وَمَا لَيْسَ من الجوائح السماوية وعَلى الصَّحِيح الْجَدِيد لَو فَسدتْ الثِّمَار بترك السَّقْي وتعيبت فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار قطعا لَان السَّقْي وَاجِب بِحكم العقد واقتضاء الْعرف وَلَو فَاتَ الْكل بترك السَّقْي فَفِي الِانْفِسَاخ طَرِيقَانِ كَمَا فِي موت العَبْد الْمَرِيض بِمَرَض قبل الْقَبْض لِأَن

الثِّمَار لضعف البنية قبل الْقَبْض متعرضة للْفَسَاد بعده إِن لم تعالج بالسقي فَإِن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلهُ الْخِيَار فَإِن فسخ فَذَاك وَإِن أجَاز فَيُطَالب بِالْمثلِ أَو بِالْقيمَةِ لَان الاتلاف من جِهَته وان كَانَ قد تعيب فَفِي الْمُطَالبَة بالارش وَجْهَان نبهنا على نظيرهما فِي الِاسْتِئْجَار

الْقسم الْخَامِس من كتاب البيع وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مداينة العبيد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِيهِ فِي الْمَأْذُون وَغير الْمَأْذُون أما الْمَأْذُون فالنظر فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول فِيمَا يجوز من التَّصَرُّفَات وَلَيْسَ للْعَبد الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة أَن يُؤَاجر نَفسه وَلَا ان يَأْذَن عبدا من عبيده فِي التِّجَارَة وان كَانَ يُوكل فِي احاد التَّصَرُّفَات وَلَا ان يتَّخذ دَعْوَة للمجهزين وَلَا ان يُعَامل سَيّده بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَلَا ان يتَصَرَّف فِيمَا يكتسبه بالاحتطاب والاحتشاش وَلَا ان يتَعَدَّى جِنْسا من التَّصَرُّف الَّذِي عين لَهُ وَلَا يَشْتَرِي من يعْتق على سَيّده لِأَن العَبْد متصرف للسَّيِّد بتفويضه فَيقْتَصر على مُوجب الْإِذْن وَالْإِذْن بمطلقه لَا يدل على جَمِيع ذَلِك وَلما رأى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أَن العَبْد متصرف لنَفسِهِ وَاسْتدلَّ على ذَلِك بتعلق الْعهْدَة بِهِ خَالَفنَا فِي جَمِيع الْمسَائِل وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِجَارَة عبيده ودوابه من حَيْثُ إِن ذَلِك مِمَّا قد يعتاده

التُّجَّار أَحْيَانًا بِخِلَاف إِجَارَة نَفسه وَكَذَلِكَ لَو أبق الْمَأْذُون لم يَنْعَزِل وَلَو رأى السَّيِّد عَبده يتَصَرَّف فَسكت لم يكن سُكُوته إِذْنا فِي التَّصَرُّفَات وَإِذا ركبته الدُّيُون لم يزل ملك السَّيِّد عَمَّا فِي يَده وَلَو أقرّ فِي الْمُعَامَلَة بدين لِأَبِيهِ وَابْنه قبل وَلَو أذن لعَبْدِهِ فِي أَن يَأْذَن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة فَفعل جَازَ وفَاقا وَلَو حجر على الأول اسْتمرّ على الثَّانِي وَلَو حجر على الثَّانِي جَازَ وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الْكل وَشرط فِي الْحجر على العَبْد الثَّانِي أَعنِي مَأْذُون الْمَأْذُون أَن يَأْخُذ مَا فِي يَده لينفذ عَزله فَإِن قيل وَبِمَ يعلم المعامل كَونه العَبْد مَأْذُونا قُلْنَا بِسَمَاع إِذن السَّيِّد أَو بِبَيِّنَة عادلة وَفِي جَوَاز اعْتِمَاد الشُّيُوع وَجْهَان وَلَا يكْتَفى بِمُجَرَّد قَول العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

فَإِنَّهُ رَآهُ عاقدا لنَفسِهِ فَاكْتفى بقوله وَمن عرف كَونه مَأْذُونا وَأقر بِهِ فَلهُ أَن يمْتَنع عَن تَسْلِيم عوض مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ إِلَيْهِ احْتِرَازًا من إِنْكَار السَّيِّد الى ان تقوم بَيِّنَة على كَونه مَأْذُونا وَكَذَلِكَ الْمقر بِالْوكَالَةِ فِي اسْتِيفَاء الْحق لَهُ الِامْتِنَاع عَن التَّسْلِيم الى اقامة الْبَيِّنَة وَلَو قَالَ العَبْد حجر عَليّ السَّيِّد وَقَالَ السَّيِّد لم أحجر فَالصَّحِيح أَنه لَا تجوز مُعَامَلَته فَإِنَّهُ يُبَاشر صُورَة العقد وَفِيه وَجه أَنه يجوز نظرا إِلَى جَانب السَّيِّد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة

النّظر الثَّانِي فِي لُزُوم الْعهْدَة وَمَا لزم العَبْد من أَثمَان وَمَا اشْتَرَاهُ اقر بِهِ فَهُوَ مطَالب بِهِ قطعا وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ أَنه لَا يُطَالب أما السَّيِّد فَفِي مُطَالبَته وتعلقه بِذِمَّتِهِ ثَلَاثَة اوجه الْأَظْهر انه يُطَالب لانه وَقع العقد لَهُ وَالْعَبْد طُولِبَ لانه مبَاشر للْعقد وَالثَّانِي لَا لانه قصر أطماع المعاملين على مَا سلمه إِلَى العَبْد الْمَأْذُون وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي رب المَال مَعَ الْعَامِل فِي الْقَرَاض وَمِنْهُم من طرده فِي الْوَكِيل إِذا سلم إِلَيْهِ ألف معِين وَالثَّالِث انه لَا يُطَالب أَن كَانَ مَا فِي يَد العَبْد وَفِي بِهِ وَإِلَّا فَيُطَالب فَإِن قيل قطعْتُمْ بمطالبة العَبْد وَهَذَا يدل على أَن العقد وَاقع لَهُ قُلْنَا قد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْوَكِيل إِذا اشْترى لَا بِصِيغَة السفارة فِي انه هَل يُطَالب مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ وَكيل

وَوجه الْفرق أَن العَبْد وان كَانَ وَكيلا فَهُوَ مَأْمُور وَأمر السَّيِّد نَافِذ عَلَيْهِ وَله أَن يعرضه لمطالبات لَا يتَضَرَّر بهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يعرض الْوَكِيل للمطالبة وَلما وَجب عَلَيْهِ أَدَاء الدّين مِمَّا فِي يَده بِحكم الْأَمر كَانَت الْمُطَالبَة من ضَرُورَته ثمَّ اسْتَقل حَتَّى طُولِبَ بِهِ بعد الْعتْق وَفِي رُجُوعه بِمَا يغرم وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه فِي حَالَة الرّقّ قد علقه السَّيِّد بإكسابه حَتَّى كَانَ يلْزمه الِاكْتِسَاب لقَضَاء الدّين فَبَقيَ ذَلِك كالمستثنى عَن الْعتْق وَهُوَ مثل الْخلاف فِي انه لَو أجره ثمَّ أعْتقهُ فَعمل بعد الْعتْق هَل يرجع بِالْأُجْرَةِ فرع إِذا سلم إِلَى العَبْد ألف ليتجر فِيهِ فَاشْترى بِعَيْنِه شَيْئا فَتلف قبل التَّسْلِيم انْفَسَخ العقد وان اشْترى فِي الذِّمَّة فَفِي الِانْفِسَاخ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يَنْفَسِخ لَان الْإِذْن مَحْصُور فِيهِ وَقد فَاتَ وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَالثَّانِي لَا يَنْفَسِخ وَيجب على السَّيِّد ألف آخر خُرُوجًا من عُهْدَة مَا جرى بِإِذْنِهِ

وَالثَّالِث أَن السَّيِّد يتَخَيَّر بَين الْفَسْخ وَبَين تَسْلِيم ألف آخر إِلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَهُوَ قريب وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا سلم إِلَى عَامل الْقَرَاض فَتلف التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَادى إِلَيْهِ السَّيِّد الْألف فَلَو ارْتَفع العقد بِسَبَب وَعَاد الْألف إِلَى العَبْد فَهَل يتَصَرَّف فِيهِ أم يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد فِيهِ وَجْهَان فَمنهمْ من قَالَ هُوَ جبر للْأولِ فَنزل منزلَة الْألف الأول فيتصرف فِيهِ وَمِنْهُم من قَالَ لم يجر فِيهِ صَرِيح إِذن وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْقَرَاض فِي أَن رَأس المَال مَجْمُوع الْأَلفَيْنِ أَو هُوَ ألف وَاحِد

النّظر الثَّالِث فِي المَال الَّذِي تقضى مِنْهُ دُيُون التِّجَارَة وَلَا يتَعَلَّق عندنَا بِرَقَبَتِهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَكِن إِذا ركبته الدُّيُون تتَعَلَّق ببضاعته دُيُون الأربح وَرَأس المَال وَلَا يتَعَلَّق بِسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَفِي تعلقه بإكساب العَبْد من الاحتطاب والاحتشاش أَو مَا يسلم إِلَيْهِ من مَال آخر بعد الْمُعَامَلَة للاتجار وَجْهَان أَحدهمَا انه يتَعَلَّق بِهِ بِخِلَاف لَوَازِم النِّكَاح لَان الْمَأْذُون فِي النِّكَاح مَأْذُون فِي الْأَدَاء وَلَا مَحل للْأَدَاء سوى إكسابه وَأما هَا هُنَا فَالْمَال هُوَ المرصد لَهُ فالإذن لَا يدل على التَّعَلُّق إِلَّا بِهِ وَلذَلِك لم يعلقه بِرَقَبَتِهِ وَالثَّانِي انه يتَعَلَّق بِهِ ويستكسب فِيهِ أَن لم يبْق شَيْء من المَال لَان السَّيِّد نزله منزلَة الْأَحْرَار المستقلين فيطمع فِيهِ كَمَا يطْمع فِي الْأَحْرَار فليتعلق بِكَسْبِهِ وعَلى هَذَا الْخلاف يَنْبَغِي أَن يبْنى رُجُوع العَبْد بِمَا يغرمه بعد الْعتْق على السَّيِّد لانه أَن لم يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فِي الْحَال فَلَا وَجه لقطع رُجُوعه فرع لَو بَاعَ قبل قَضَاء الدُّيُون وَقُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي إِذْ لَا ضَرَر عَلَيْهِ من تعلقه بِذِمَّتِهِ وان قُلْنَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ فَلهُ الْخِيَار لانه تبقى إكسابه مُسْتَحقَّة كَمَا فِي العَبْد الناكح إِذا بيع

الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي غير الْمَأْذُون وكل مَا يجر ضَرَرا على الْمَالِك لَا يملكهُ قطعا كَالنِّكَاحِ والمأذون فِي التِّجَارَة ايضا لَا يملكهُ لانه لَيْسَ من التِّجَارَة وان كَانَ يُمكن أَن يُقَال ينْعَقد للسَّيِّد الِاعْتِرَاض وَلَكِن قطعُوا بِأَنَّهُ لَا ينْعَقد إِذْ يَسْتَحِيل أَن يخْتَلف الْحل عَن النِّكَاح وَفِي التَّحْلِيل تسليط وإضرار ناجز وَفِي هِبته وقبوله الْوَصِيَّة وَجْهَان وَالْقِيَاس هُوَ الْجَوَاز وَوجه الْمَنْع انه جلب ملك إِلَى السَّيِّد فِي جِهَة مَقْصُودَة قَابِلَة للرَّدّ بِغَيْر إِذْنه احْتِرَازًا عَن الاحتطاب والاصطياد فانه فعل لَا يقبل الرَّد وَعَن عوض خلعه زَوجته فانه غير مَقْصُود وَفِي ضَمَانه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع انه الْتِزَام مِمَّن لَا يتَصَوَّر مِنْهُ فِي الْحَال التشاغل بِهِ لمنع ناجز بِخِلَاف الْمُفلس وَفِي شِرَائِهِ طَرِيقَانِ نزله الْعِرَاقِيُّونَ منزلَة شِرَاء الْمُفلس فَإِنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ لحق السَّيِّد كَمَا أَن الْمُفلس مَحْجُور عَلَيْهِ لحق الْغُرَمَاء وَهَذَا تَفْرِيع على صِحَة هِبته وَقطع صَاحب التَّقْرِيب وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِالْبُطْلَانِ لَان السَّيِّد اخذ الْمَبِيع مِنْهُ فَيفوت الثّمن بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ عجز مُحَقّق بِخِلَاف الْمُفلس فان حق البَائِع يتَعَلَّق بِعَين الْمَبِيع وَلَا يتَعَلَّق حق من سبق الْغُرَمَاء بِمَا تجدّد ثمَّ على الصَّحِيح اخْتلفُوا فِي

انه لَو أَخذه السَّيِّد مِنْهُ فَيجْعَل ذَلِك كزوال ملك الْمُفلس حَتَّى يمْنَع البَائِع من التَّعَلُّق بِهِ أم يُقَال كَانَ الْملك مستمرا فَيتَعَلَّق بِهِ حق البَائِع فان قيل الْملك وَاقع للْعَبد أم للسَّيِّد قُلْنَا هُوَ وَاقع للسَّيِّد ابْتِدَاء فان فِي ملك العَبْد بِتَمْلِيك السَّيِّد قَوْلَيْنِ وَلَا خلاف فِي انه لَا يملك بِتَمْلِيك غير السَّيِّد وَالْقَوْل الْقَدِيم انه يملك بِتَمْلِيك السَّيِّد لانه يتَصَوَّر لَهُ ملك النِّكَاح بِإِذن السَّيِّد فَكَذَا ملك الْيَمين والجديد الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى انه لَا يملك لتناقض فَوَائده إِذْ لَا خلاف انه لَا يملك من غير جِهَة السَّيِّد حَتَّى قَالُوا لَو احتطب أَو أتهب على هَذَا القَوْل أَيْضا فانه لَا يملكهُ وَلَا يملك البيع وَالْعِتْق وَإِزَالَة الْملك فِيمَا ملكه وفَاقا وَللسَّيِّد أَن يزِيل ملكه وَيرجع فِيهِ بل يكون بِبيع ملكه وإعتاقه وهبته رَاجعا وَهَذِه أُمُور مُتَّفق عَلَيْهَا لَو لم يقل بهَا كَانَ غضا من كَمَال مالكية السَّيِّد وَلَو قيل بِهِ لم يبْق لملك العَبْد حَقِيقَة بِخِلَاف ملك النِّكَاح فان مَقْصُوده الْخَاص مُتَصَوّر فِي حَقه من غير تنَاقض وَلَا معنى للتفريع على القَوْل الْقَدِيم وَلَا فَتْوَى عَلَيْهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الِاخْتِلَاف الْمُوجب للتحالف وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول فِي وُجُوه الِاخْتِلَاف وَالْأَصْل فِي الْبَاقِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ تحَالفا وترادا وَصورته أَن يَقُول البَائِع بِعْت بِأَلف فَيَقُول المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَقِيَاس الْخُصُومَات تَحْلِيف المُشْتَرِي لَان الْملك مُسلم لَهُ وَقد ادّعى عَلَيْهِ زِيَادَة وَهُوَ ينكرها وَلَكِن لما كثر الِاخْتِلَاف فِي الْعُقُود ومبنى الْمُعَاوَضَات على تَسَاوِي المتعارضين كَانَ تَخْصِيص أَحدهمَا بالتصديق إِضْرَارًا بِالْآخرِ فَلَمَّا عقلنا هَذَا الْمَعْنى حكمنَا بالتحالف وان كَانَت السّلْعَة هالكة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وحكمنا

بإجرائه مَعَ وَارِث الْعَاقِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجْرِي مَعَه قبل الْقَبْض وَلَا يجْرِي بعد قبل الْمَبِيع وَكَذَلِكَ حكمنَا بِهِ فِي الِاخْتِلَاف فِي جنس الْمَبِيع وَصفته وَفِي سَائِر الشَّرَائِط من الْأَجَل وَالْخيَار وَالْكَفِيل وَالرَّهْن وكل شَرط يقبله العقد وَالضَّابِط فِيهِ أَن يتَّفقَا على بيع ومبيع معينا وَيَقَع الِاخْتِلَاف فِيمَا وَرَاءه مِمَّا يَقع وَصفا للْبيع الْمُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا إِذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الدَّار بِهَذَا الثَّوْب أَو بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَا بل بِهَذَا العَبْد أَو بِمِائَة دِينَار أَو مَا يجْرِي مجْرَاه وَلَو لم يتَّفقَا على العقد بَان قَالَ بِعْتُك بِأَلف فَقَالَ بل وهبتنيه لم يكن من صُورَة التَّحَالُف بل نفصل الْخُصُومَة بطريقها وَكَذَلِكَ لَو تنَازعا فِي شَرط مُفسد لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على عقد صَحِيح بل يَدعِي أَحدهمَا العقد وَالْآخر يُنكره فَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب القَوْل قَول من يَدعِي الشَّرْط الْفَاسِد لانه مُنكر للْعقد وَقَالَ غَيره بل القَوْل قَول الآخر لانه وَافق على جَرَيَان العقد بصورته وَيَدعِي مُفْسِدا لَهُ وَلَو اتفقَا على قدر فِي الثّمن وَاخْتلفَا فِي الْمَبِيع بَان قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِأَلف فَقَالَ الآخر بل بعتني العَبْد بِأَلف فَفِي التَّحَالُف وَجْهَان

مِنْهُم من جعل الِاتِّفَاق على الْألف كالاتفاق على الْمَبِيع وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ الْألف معينا ليتحد موردا للْعقد بل هِيَ فِي الذِّمَّة فَكل وَاحِد يَدعِي عقدا آخر يتماثل فِيهِ الثّمن وَلَا يتحد وَهَذَا يلْتَفت على أَن من اقر لإِنْسَان بِأَلف من جِهَة قرض فَأنْكر الْمقر لَهُ الْجِهَة وَقَالَ بل هُوَ من جِهَة إِتْلَاف فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بِهِ وَلما عقل الْمَعْنى أَيْضا طردنا التَّحَالُف فِي كل مُعَاوضَة كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالْإِجَارَة وَالْمُسَاقَاة وَالْكِتَابَة وَالصَّدَاق والقراض والجهالة وكل مَا فِيهِ معنى الْمُقَابلَة ثمَّ مَا لَا يقبل الْفَسْخ بِسَبَب الْعِوَض يقْتَصر اثر التَّحَالُف فِيهِ على الْعِوَض كالصلح عَن دم الْعمد وَالْخلْع وَالنِّكَاح فَيسْقط مَا فِيهِ النزاع وَيرجع إِلَى قيمَة الْمثل فان قيل وَأي فَائِدَة للتحالف فِي الْقَرَاض والجهالة وكل وَاحِد قَادر على الْفَسْخ دون التَّحَالُف وَقد قطع القَاضِي حُسَيْن بِأَنَّهُ لَا تحالف فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَقُلْنَا الْوَجْه منع ذَلِك فِي الْجعَالَة والقراض أَيْضا قبل الشُّرُوع فِي الْعَمَل إِذْ لَا معنى للتحالف وكل وَاحِد مِنْهُمَا قَادر على الْخَلَاص والامتناع إِذْ لَا لُزُوم أما بعد الْخَوْض فِي الْعَمَل فالفسخ لَا يُغير مِقْدَار الْمُسْتَحق وَقد لزم الِاسْتِحْقَاق لما مضى فرع إِذا رد العَبْد الْمَبِيع بِالْعَيْبِ فَقَالَ البَائِع لَيْسَ هَذَا مَا اشْتَرَيْته مني فَالْقَوْل قَوْله لانه

يَبْغِي اسْتِيفَاء العقد وَلَو قَالَ الْمُسلم إِلَى لَيْسَ هَذَا مَا قَبضته مني فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا القَوْل قَوْله كالبائع وَالثَّانِي لَا لَان الْمُسلم إِلَيْهِ يَدعِي انه قبض الْمُسْتَحق مِنْهُ وَالْآخر يُنكره وَقَالَ ابْن سُرَيج أَن كَانَ زُيُوفًا فَهُوَ كَذَلِك وان كَانَ كعيبا فقد اعْترف خَصمه لَهُ بِقَبض لَو رَضِي بِهِ لجَاز كَمَا فِي البيع فَلَا فرق عِنْد ذَلِك

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة التَّحَالُف وَالنَّظَر فِي الْبِدَايَة وَالْعدَد والصيغة أما الْبِدَايَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ انه يبْدَأ فِي البيع بالبائع وَفِي السّلم بِالْمُسلمِ إِلَيْهِ وَهُوَ بَائِع وَفِي الْكِتَابَة بالسيد وَهُوَ فِي رُتْبَة البَائِع وَنَصّ فِي النِّكَاح انه يبْدَأ بِالزَّوْجِ وَهُوَ فِي رُتْبَة المُشْتَرِي فَاخْتلف الْأَصْحَاب فَمنهمْ من قَالَ فِي الْكل قَولَانِ وَالْقَوْل الْمخْرج أَنه يبْدَأ بالمشتري كَمَا يبْدَأ بِالزَّوْجِ وَمِنْهُم من اقر النُّصُوص وَقَالَ اثر التَّحَالُف يظْهر فِي النِّكَاح فِي الصَدَاق وَالزَّوْج فِيهِ فِي رُتْبَة البَائِع وَهُوَ وَاقع وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طريقتين إِحْدَاهمَا انه يقرع بَينهمَا وَالْأُخْرَى أَن القَاضِي يتَخَيَّر فَيبْدَأ بِمن شَاءَ بِخِلَاف المتساوقين فِي

خصومتين إِذْ لَيْسَ يتفضل هَاهُنَا غَرَض أَحدهمَا دون الآخر وَمَا ذكره قِيَاس حسن وَهُوَ مُتَعَيّن فِي بيع العَبْد بالجارية إِذْ لَا يتَمَيَّز بَائِع عَن مُشْتَرِي وَلكنه فِي غير هَذِه الصُّورَة كالإعراض عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أما الْعدَد والصيغة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن البَائِع يحلف يَمِينا وَاحِدَة يبْدَأ فِيهَا بِالنَّفْيِ وَيَقُول وَالله إِنِّي مَا بِعته بِخَمْسِمِائَة وَإِنَّمَا بِعته بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَيْته بِأَلف وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَة فَيجمع بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَيسْتَحق تَقْدِيم لَان الْبِدَايَة بالإثبات فِي الْيَمين بعيد احْتمل تَابعا للنَّفْي وَقَالَ الاصطخري يتَعَيَّن الْبِدَايَة بالإثبات لانه الْمَقْصُود وَهَذَا بعيد فرع لَو حلف البَائِع على النَّفْي وَالْإِثْبَات فَحلف المُشْتَرِي على النَّفْي وَنكل عَن الْإِثْبَات قضي عَلَيْهِ بِيَمِين البَائِع وان لم يسلم عَن مُعَارضَة فِي طرق النَّفْي

وَلَكِن لما اتَّصل النَّفْي بالإثبات فِي هَذِه الْمَسْأَلَة جعل النّكُول عَن الْبَعْض كالنكول عَن الْكل وَالْقَوْل الثَّانِي انه لَا يجمع فِي يَمِين وَاحِدَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات لَان يَمِين الْإِثْبَات لَا يبتدأ بهَا إِلَّا فِي الْقسَامَة على خلاف الْقيَاس فَيحلف البَائِع على النَّفْي ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على النَّفْي ثمَّ يحلف البَائِع على الْإِثْبَات ثمَّ يحلف المُشْتَرِي على الْإِثْبَات فيتعدد الْيَمين وَهُوَ بعيد إِذْ لَو اتَّبعنَا قِيَاس الْخُصُومَات لصدقنا المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَقضي لَهُ أَن حلف لما سبق وَلَكِن خرج هَذَا القَوْل من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَا لَو تنَازع رجلَانِ فِي دَار فِي يدهما ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن جَمِيعهَا لَهُ إِذْ قَالَ يحلف أَحدهمَا على النَّفْي أَولا فِي النّصْف الَّذِي فِي يَده ويعرض على صَاحبه فَإِن نكل حلف على الْإِثْبَات وَهَذِه الْمَسْأَلَة مُتَّفق عَلَيْهَا التَّفْرِيع أَن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْيَمين فللمسألة أَحْوَال إِحْدَاهَا انه لَو نكل الأول عَن النَّفْي عرض على الثَّانِي يَمِين وَاحِدَة جَامِعَة للنَّفْي وَالْإِثْبَات لانه الْآن قد تقدم نُكُول فَلَا بَأْس بالإثبات

الثَّانِيَة أَن يتحالفا على النَّفْي قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد تمّ التضاد والتعاند فَيفْسخ العقد وَمِنْهُم من قَالَ تعود إِلَى الأول ويعرض عَلَيْهِ يَمِين فان حلف عرضنَا على الثَّانِي فان حلف فقد تمّ الْآن التَّحَالُف فعلى هَذَا لَو حلف الأول يَمِين الْإِثْبَات فعدنا إِلَى الثَّانِي فنكل قضينا لأوّل لَا محَالة وان لم تسلم يَمِينه عَن الْمُعَارضَة بِالنَّفْيِ وَلَعَلَّ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أولى الثَّالِثَة أَن يتناكلا جَمِيعًا فِي الِابْتِدَاء فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تناكلاهما كتحالفهما لحُصُول التضاد وَهَذَا كَمَا أَن تداعي اثْنَيْنِ مولودا كتناكرهما وَكَذَلِكَ نَص الْأَصْحَاب انه لَو حلف الأول على النَّفْي وَنكل الثَّانِي فَرد على الأول فنكل عَن الْإِثْبَات كَانَ نُكُوله كحلف صَاحبه وَالثَّانِي انه يتَوَقَّف لَان مَأْخَذ التفاسخ الحَدِيث وَهُوَ مَنُوط بالتحالف وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ التناكل

الْفَصْل الثَّالِث فِي حكم التَّحَالُف وَحكمه جَوَاز إنْشَاء الْفَسْخ هَذَا هُوَ النَّص الِانْفِسَاخ وَذكر أَبُو بكر الْفَارِسِي قولا مخرجا انه يَنْفَسِخ فَكَأَنَّهُ صدق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي يَمِينه وَصَارَ كَأَن البَائِع قَالَ بِعْت بِأَلف فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت بِخَمْسِمِائَة فَلم ينْعَقد أصلا حَتَّى فرع الشَّيْخ أَبُو عَليّ على هَذَا وَحكم برد الزَّوَائِد الْمُنْفَصِلَة وتتبع التَّصَرُّفَات بِالنَّقْضِ وَهُوَ بعيد نعم اخْتلف الْأَصْحَاب فِي أَن إنْشَاء الْفَسْخ هَل يخْتَص بِالْقَاضِي من حَيْثُ إِنَّه مَنُوط بتعذر الْإِمْضَاء وَذَلِكَ عِنْد الْيَأْس عَن التصادق بعد التَّحَالُف وَهُوَ مُتَعَلق بنظره والاقيس أَن الْعَاقِد يسْتَقلّ بِهِ إِذا قطعُوا بَان البَائِع هُوَ الَّذِي يفْسخ بإفلاس المُشْتَرِي وَالْمَرْأَة تفسخ بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ وَقَالُوا القَاضِي هُوَ الَّذِي يفْسخ بِعُذْر الْعنَّة كَذَا نَقله إمامي رَحمَه الله وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ عسير

فان قيل وَهل يَنْفَسِخ بَاطِنا قُلْنَا إِن فوضناه إِلَى القَاضِي فَالظَّاهِر انه يَنْفَسِخ بَاطِنا لينْتَفع بِهِ المحق الْمَعْذُور وان جَوَّزنَا للعاقدين فان تطابقا عَلَيْهِ انْفَسَخ بَاطِنا كَمَا لَو تقابلا وان اقدم عَلَيْهِ من هُوَ صَادِق فكمثل وان بَادر الْكَاذِب فَلَا يَنْفَسِخ بَينه وَبَين الله وطرق الصَّادِق أَن ينشئ الْفَسْخ إِن أَرَادَ

فرع فِي جَوَاز وَطْء الْجَارِيَة بعد التَّنَازُع وَقبل التَّحَالُف وَجْهَان وَبعد التَّحَالُف وَقبل التفاسخ وَجْهَان مرتبان لِأَنَّهُ جرى سَبَب الزَّوَال وأشرف عَلَيْهِ فَهُوَ كالزائل من وَجه وَالْوَطْء يحرم بِالشُّبْهَةِ وَالْقِيَاس الْجَوَاز لاستمرار الْملك

الْفَصْل الرَّابِع فِي أَحْوَال الْمَبِيع عِنْد التفاسخ وَفِيه خمس مسَائِل الأولى أَن الْمَبِيع أَن كَانَ تَالِفا ثَبت التفاسخ عندنَا وَيغرم المُشْتَرِي قيمَة الْمَبِيع بِأَيّ اعْتِبَار فِيهِ أَقْوَال الْأَصَح انه يعْتَبر يَوْم التّلف وَالثَّانِي انه يعْتَبر أقْصَى قيمَة من يَوْم الْقَبْض إِلَى يَوْم التّلف وَهَذَا ضَعِيف وَالثَّالِث انه يعْتَبر يَوْم الْقَبْض لانه وَقت دُخُوله فِي ضَمَانه فَمَا زَاد بعده فَهُوَ لَهُ وَمَا نقص فَهُوَ عَلَيْهِ وَالرَّابِع انه يعْتَبر اقل قيمَة من يَوْم العقد إِلَى الْقَبْض لانه إِن زَاد فقد زَاد فِي ملكه وان نقص وَقع فِي ضَمَان البَائِع لكَونه فِي يَده وَكَذَلِكَ يجْرِي هَذَا الْخلاف إِذا رد أحد الْعِوَضَيْنِ بِالْعَيْبِ وَقد تلف الآخر أَو اشْترى عَبْدَيْنِ وَتلف أَحدهمَا وتحالفا وَقُلْنَا نضم قيمَة التَّالِف إِلَى الْقَائِم وَلَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَتلف أَحدهمَا وَوجد بِالْآخرِ عَيْبا وَقُلْنَا لَا يرد بل يُطَالب بالارش فَالْأَصَحّ انه يعْتَبر فِي تقويمه يَوْم العقد لَان الْقيمَة مَطْلُوبَة لتعرف

التَّوْزِيع عِنْد الْمُقَابلَة لَا ليعزم بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فانه يطْلب الْقيمَة ليغرمه الثَّانِيَة إِذا كَانَ الْمَبِيع معيبا ضم إِلَيْهِ ارش الْعَيْب لَان كل يَد أوجبت ضَمَان الْكل أوجبت ارش النُّقْصَان وَحَيْثُ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الزَّكَاة المعجلة إِذا استردت لتلف النّصاب وَقد تعيبت فِي يَد الْقَابِض غرم الإِمَام ارش النُّقْصَان وَلَو تلف غرم الْمِسْكِين القيمه حمل ذَلِك على الأستحباب لِأَن أرش النُّقْصَان قد يخف فيحمله بَيت المَال فان احْتمل اصل الْقيمَة فَيُسْتَحَب ذَلِك أَيْضا الثَّالِثَة أَن يكون آبقا فَيغرم قِيمَته وَلَكِن يرد الْفَسْخ على الْقيمَة كَمَا فِي التّلف أَو على الْآبِق وَالْقيمَة للْحَيْلُولَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ مملك فَلَا يرد على الْآبِق كالعقد وَفَائِدَته انه لَو عَاد يَوْمًا من الدَّهْر لم يلْزمه الرَّد فِي الْحَال وَلَو آخر الْمُطَالبَة إِلَى رُجُوع العَبْد لم يجز لَان حَقه فِي الْقيمَة لَا فِي العَبْد الرَّابِعَة أَن كَانَ كَاتبا أَو مَرْهُونا غرم الْقيمَة وَهل يرد الْفَسْخ على الْقيمَة فِيهِ وَجْهَان مرتبان على الْآبِق وَهَاهُنَا أولى بَان نجْعَل الْقيمَة أصلا لَان الرَّهْن وَالْكِتَابَة تمنع ملك الْغَيْر فانه إبِْطَال لَهُ وَهُوَ لَازم

وَكَذَلِكَ إِذا وجد البَائِع مَتَاعه مَرْهُونا لم يفْسخ بالإفلاس وان وجده آبقا فسخ الْخَامِسَة لَو كَانَ مكرى وَقُلْنَا يَصح بَيْعه ورد الْفَسْخ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مردد بَين الْآبِق والمرهون هَذَا تَمام النّظر فِي كتاب البيع وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

= كتاب الْحِوَالَة = وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي خَمْسَة اللَّفْظ والمحيل والمحال عَلَيْهِ والمحتال وَالدّين الْمحَال بِهِ وأصل صِحَة الْمُعَامَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم فَإِذا أُحِيل أحدكُم على غَنِي فليحل وَفِي حَقِيقَته مشابه الِاعْتِيَاض كَأَنَّهُ اعتاض دينا على دين ومشابه الِاسْتِيفَاء فَكَأَنَّهُ استوفى مَا عَلَيْهِ بِاسْتِحْقَاق الدّين على غَيره أما لفظ الْحِوَالَة فَلَا بُد مِنْهُ وَلَا بُد من الْقبُول فَإِنَّهُ معاقدة بَين الْمُحِيل والمحتال وَأما الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله والاصطخري لِأَن ذمَّته مَحل

التَّصَرُّف فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ وَهل يشْتَرط أَن يكون عَلَيْهِ دين فِيهِ وَجْهَان يرجع حاصلهما إِلَى أَن الضَّمَان بِشَرْط بَرَاءَة الْأَصِيل هَل يَصح وَفِيه خلاف وَعَلِيهِ ترجع الْحِوَالَة على من لَا دين عَلَيْهِ وَلذَلِك يقطع بِاشْتِرَاط رِضَاهُ والتزامه إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين ثمَّ تردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي أَن هَذِه الْحِوَالَة هَل تلْزم قبل الْقَبْض وَالأَصَح لُزُومهَا فانه حَقِيقَة الْحِوَالَة أما الدّين فَيشْتَرط فِيهِ أَن يكون مجانسا لما على الْمحَال عَلَيْهِ قدرا وجنسا ووصفا فان كَانَ بَينهمَا من التَّفَاوُت مَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء إِلَّا بالمعاوضة امْتنعت الْحِوَالَة وان كَانَ لَا يمْنَع الِاسْتِيفَاء بل يجب الْقبُول وَلَا يشْتَرط فِيهِ رضَا لمستحق كتسليم الصَّحِيح على المكسر والأجود عَن الأردأ وَالْحَال عَن الْمُؤَجل وَفِي بعض الْأَحْوَال جَازَت الْحِوَالَة فان كَانَ يفْتَقر إِلَى الرِّضَا الْمُجَرّد دون الْمُعَاوضَة فَفِيهِ وَجْهَان الشَّرْط الثَّانِي للدّين أَن يكون لَازِما أَو مصيره إِلَى اللُّزُوم فَتجوز الْحِوَالَة

بِالثّمن وعَلى الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار على الصَّحِيح ثمَّ أَن فسخ انْقَطَعت الْحِوَالَة وَفِي نُجُوم الكتبة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْمَنْع لانه لَيْسَ بِلَازِم عَلَيْهِ وَالثَّانِي نقل عَن ابْن سُرَيج جَوَاز الْحِوَالَة بِهِ وَعَلِيهِ جَمِيعًا لثُبُوته وتأكده وَالثَّالِث انه لَا تجوز الْحِوَالَة عَلَيْهِ إِذْ لَو صَحَّ لعتق العَبْد ولصار الدّين لَازِما على العَبْد وَتَصِح حِوَالَة العَبْد بِهِ فَيبرأ العَبْد وَيعتق وَيلْزم الدّين فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا بعد فِيهِ فرعان أَحدهمَا إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ أَو جحد لم يثبت الرُّجُوع على الْمُحِيل بِالدّينِ خلافًا لأبي حنيفَة

أما إِذا كَانَ الإفلاس مُقَارنًا وجهله الْمُحْتَال فَفِي ثُبُوت الْخِيَار ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع كَمَا إِذا كَانَ طارئا وَالْأَظْهَر الثُّبُوت فان اخذ اسْتِيفَاء أَو عوضا معيبا فَلهُ الرَّد وَالثَّالِث انه لَا يثبت الْخِيَار إِلَّا إِذا شَرط كَونه مَلِيًّا وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْخِيَار الشَّرْط هَل يتَطَرَّق إِلَى الْحِوَالَة بتغليب مشابه الْمُعَاوضَة فِيهِ الثَّانِي إِذا حَال المُشْتَرِي البَائِع بِالثّمن على إِنْسَان فَرد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِالْعَيْبِ

فَالَّذِي ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله تحريا أَن الْحِوَالَة تَنْفَسِخ وَتَخْرِيج الْمُزنِيّ مَعْدُود من مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَنَصّ فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير على أَنَّهَا لَا تبطل فَقَالَ للأصحاب قَولَانِ مأخذهما تَغْلِيب مشابه الِاسْتِيفَاء أَو الِاعْتِيَاض وَمُوجب الِاعْتِيَاض انه لَا ينْقض وَالأَصَح انه يَنْفَسِخ كَمَا لَو اسْتحق مكسرا فاستوفى الصَّحِيح وَفسخ البيع رد الصِّحَاح وان كَانَ فِيهِ شبه الْمُعَاوضَة وَلَو جرى ذَلِك قبل قبض الْمَبِيع فَمنهمْ من قطع بِفَسْخ الْحِوَالَة لانه رد الْمَبِيع من أَصله على رَأْي وَلَو جرى بعد قبض الْمُحْتَال مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تَأَكد بِالْقَبْضِ وَلَو جرى فِي الصَدَاق ثمَّ عَاد النّصْف بِالطَّلَاق مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه فِي حكم رد مُبْتَدأ بِخِلَاف مَا لَو فسخ النِّكَاح بِسَبَب وَلذَلِك تمْتَنع بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَة

وَلَو أحَال البَائِع على المُشْتَرِي بِالدّينِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخ لانه تعلق الْحق بالثالث فَلَا سَبِيل إِلَى إِبْطَاله وَمن الْأَصْحَاب من طرد الْخلاف فِي كل هَذِه السُّورَة من غير فرق التَّفْرِيع أَن قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رد عين مَا أَخذه من الْمحَال عَلَيْهِ وان لم يكن استوفى بعد فَهَل يغرم المُشْتَرِي فِي الْحَال وَجْهَان أَن قُلْنَا لَا يغرم فَالظَّاهِر انه يُطَالِبهُ المُشْتَرِي لتحصيله من جِهَة الْمحَال عَلَيْهِ حَتَّى يغرم لَهُ فانه لَا سَبِيل إِلَى قطع مُطَالبَته بِالتَّأْخِيرِ إِلَى غير نِهَايَة وان قُلْنَا يَنْفَسِخ فَلَو قبض لم يَقع عَن جِهَة الْمُحْتَال وَهل يَقع عَن جِهَة المُشْتَرِي الْمُحِيل فِيهِ وَجْهَان وَوجه وُقُوعه أَن الْفَسْخ قد ورد على خُصُوص جِهَة الْحِوَالَة لَا على مَا تضمنه من الْإِذْن فِي الْأَخْذ فيضاهي تردد الْعلمَاء فِي أَن الْوُجُوب إِذا نسخ هَل يبْقى الْجَوَاز وان من يحرم بِالظّهْرِ قبل الزَّوَال هَل ينْعَقد نفلا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التَّنَازُع وَفِيه مسَائِل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الاولى إِذا بَاعَ عبدا واحال بِثمنِهِ على المُشْتَرِي فَقَالَ العَبْد انا حر الاصل وَصدقه الْمُتَبَايعَانِ والمحتال فقد بَطل البيع وَالْحوالَة فَلَو كذبه الْمُحْتَال بَطل البيع فِي حَقّهمَا وَلم تبطل الْحِوَالَة إِذْ ثَبت لَهُ حق لَازم وقولهما لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ الثَّانِيَة إِذا قَالَ مُسْتَحقّ الدّين أحلتني على فلَان وَقَالَ لَا بل وكلتكباستيفاء ديني مِنْهُ فَالْقَوْل قَول الامر فِي نفي لحوالة ثمَّ ان لم يكن قد قبض فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْض لانه أنكر الْوكَالَة فانعزل وَفِي مُطَالبَة مُنكر الْحِوَالَة بِأَصْل الدّين وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه اعْترف ببراءته بِمَا ادَّعَاهُ من الْحِوَالَة وَالثَّانِي بلَى لانه لم يسلم لَهُ ذَلِك فَليرْجع حَتَّى لَا يتعطل حَقه بِمُجَرَّد إِنْكَاره أما إِذا كَانَ قد قبض وَهُوَ قَائِم فللموكل اخذه الا اذا مَنعه حَقه فَلهُ ان يَتَمَلَّكهُ لانه من جنس حَقه وان كَانَ تَالِفا فَلَا مُطَالبَة باصل الدّين لانه بِزَعْمِهِ قد استوفى وَتلف فِي يَده من ضَمَانه وَبرئ الْمحَال عَلَيْهِ على كل تَقْدِير أما إِذا قَالَ الْمُسْتَحق وكلتني وَقَالَ من عَلَيْهِ لَا بل أحلتك وَمَا وَكلتك فان كَانَ قبل الْقَبْض فَلَا يَسْتَوْفِي لَان الْمَالِك أنكر الْوكَالَة وللمستحق مُطَالبَته إِذْ لَا يسْقط حَقه بِدَعْوَى من عَلَيْهِ الدّين الْحِوَالَة مَعَ إِنْكَار الْمُسْتَحق

وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا انه يملكهُ الان لانه من جنس حَقه والمستحق يزْعم أَنه ملكه وَالثَّانِي أَنه لَا بُد من مُطَالبَته بِالْحَقِّ ورد هَذَا عَلَيْهِ الى ان يجْرِي تمْلِيك صَحِيح وان جرى النزاع بعد التّلف فَفِي ضَمَانه وَجْهَان أَحدهمَا لَا ضَمَان لانه مُصدق فِي نفي الْحِوَالَة فقد تلف فِي يَده أَمَانَة بِحكم الْوكَالَة وَالثَّانِي أَنه يضمن لِأَن مُصدق فِي نفي الحواله لَا فِي اثبات الْوكَالَة فينفعه فِي بَقَاء دينه وَلَا يَنْفَعهُ فِي اسقاط الضَّمَان والاصل ان مَا تلف فِي يَده من ملك غَيره فَهُوَ مَضْمُون وَهَذَا كالبائع اذا انكر قدم الْعَيْب صدق فِيهِ وَلَا يثبت بِهِ حُدُوثه وَلذَلِك لَا يُطَالب بارشه اذا رد اليه بِسَبَب آخر فان قيل فَلَو اتّفق على جَرَيَان لفظ الْحِوَالَة فَقَالَ اللافظ أردْت بِهِ الْوكَالَة دون الْحِوَالَة أَو قَالَ الْقَابِل قبلت الْوكَالَة دون الْحِوَالَة

قُلْنَا فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن النّظر الى ظَاهر اللَّفْظ وَالثَّانِي أَن المتبع قَول اللافظ وَنِيَّته

= كتاب الضَّمَان = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب وَالضَّمان مُعَاملَة صَحِيحَة دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر والاجماع وَمَعْنَاهُ تضمين الدّين فِي ذمَّة الضَّامِن حَتَّى يصير مطالبا بِهِ مَعَ الاصيل وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَهِي سِتَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول الْمَضْمُون عَنهُ وَلَا يشْتَرط رِضَاهُ لَان لغيره ان يقْضِي دينه بِغَيْر اذنه فَكَذَا لَهُ ان يضمن وَلَا يشْتَرط حَيَاته ويساره بل يَصح الضَّمَان عَن الْمَيِّت الْمُفلس خلافًا لأبي حنيفَة وَهل يشْتَرط كَونه مَعْلُوما عِنْد الضَّامِن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا تعلق لمعاملته بِهِ وَلذَلِك لم نشترط رِضَاهُ وَالثَّانِي نعم فان الضَّامِن قد يعول على كَونه الْمَضْمُون عَنهُ مَلِيًّا اَوْ متشمرا للاداء فَفِي الضَّمَان عَن الْمَجْهُول غرر

الرُّكْن الثَّانِي الْمَضْمُون لَهُ وَفِي شَرط مَعْرفَته وَجْهَان مرتبان على الْمَضْمُون عَنهُ واولى بَالا يعْتَبر لَان الْمُطَالبَة تتجدد لَهُ فيختلف الْغَرَض باخْتلَاف المطالبين فِي المساهلة والمضايقة ان قُلْنَا يشْتَرط مَعْرفَته فَفِي اشْتِرَاط رِضَاهُ وَجْهَان أَحدهمَا بلَى اذ تجدّد لَهُ ملك مُطَالبَة لم تكن وَلَيْسَ لَهُ ان يملك غَيره بِغَيْر رِضَاهُ وَالثَّانِي لَا لَان الدّين لَيْسَ يزِيد انما هَذِه امكان مُطَالبَة مَعَ بَقَاء الدّين على مَا كَانَ عَلَيْهِ فان قُلْنَا يشْتَرط رِضَاهُ فَفِي اشْتِرَاط قبُوله وَجْهَان يقربان من الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاط قبُول الْوَكِيل لَان التَّوْكِيل اثبات سلطنة لم تكن للْوَكِيل كَمَا ان الضَّمَان اثبات سلطنة للمضمون لَهُ فان قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله اكنفي بِالرِّضَا وان تقدم على الضَّمَان

الرُّكْن الثَّالِث الضَّامِن وَلَا يشْتَرط فِيهِ الا صِحَة الْعبارَة وَكَونه من اهل التَّبَرُّع فان الضَّمَان تبرع فضمان الْمكَاتب كتبرعه وَضَمان الرَّقِيق دون اذن السَّيِّد فِيهِ وَجْهَان ذَكرْنَاهُ فِي شِرَائِهِ وَفَائِدَة صِحَّته ان يُطَالب بِهِ إِذا اعْتِقْ وان ضمن بالاذن صَحَّ وَفِي تعلقه بِكَسْبِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا انه يتَعَلَّق بِهِ كالمهر وَنَفَقَة النِّكَاح فان الاذن فِي الِالْتِزَام اذن فِي الاداء وَالْكَسْب مُتَعَيّن لادائه وَالثَّانِي لَا بل اذنه رضَا بِمَا للْعَبد الِاسْتِقْلَال بِهِ على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّالِث انه يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ ان كَانَ ماذونا فِي التِّجَارَة والا فَلَا هَذَا اذا لم يكن عَلَيْهِ دين فان كَانَ عَلَيْهِ دين وَحجر عَلَيْهِ فَلَا يتَعَلَّق بِكَسْبِهِ وان اذن فِيهِ السَّيِّد إِذْ لَيْسَ للسَّيِّد التَّبَرُّع بِمَا فِي يَده وان لم يحْجر عَلَيْهِ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لانه فِي حكم الْمَرْهُون بِالدّينِ وَالثَّانِي يتَعَلَّق لانه لم يجر حجر وَرهن وَالثَّالِث ان قدر الدّين يسْتَثْنى فان فضل شَيْء تعلق بِهِ الضَّمَان

الرُّكْن الرَّابِع الْمَضْمُون بِهِ وَشَرطه ان يكون حَقًا ثَابتا لَازِما مَعْلُوما الْقَيْد الأول الثُّبُوت احترزنا بِهِ عَمَّا إِذا قَالَ ضمنت لَك من فلَان مَا تقرضه مِنْهُ أَو ثمن هَذَا الْمَبِيع إِذا بِعته فَهُوَ بَاطِل على القَوْل الْجَدِيد وصحيح على الْقَدِيم وَفِي ضَمَان نَفَقَة الْغَد للْمَرْأَة وَكَذَا كل مَا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه قَولَانِ مشهوران فِي الْجَدِيد أَحدهمَا لَا لانه لم يلْزم وَالثَّانِي نعم لَان السَّبَب مُتَقَدم وَكَأن هَذَا تَأْخِير يضاهي التَّأْجِيل وَضَمان الْعهْدَة صَحِيح فِي ظَاهر الْمَذْهَب على الْجَدِيد وَالْقَدِيم وان كَانَ يُخَالف قِيَاس الْجَدِيد من حَيْثُ انه لم يعلم لُزُومه فان البَائِع إِن بَاعَ ملك نَفسه فَمَا اخذه من الثّمن لَيْسَ بدين عَلَيْهِ حَتَّى يضمن وَلكنه احْتمل ذَلِك فجوز بعد جَرَيَان البيع وَقبض الثّمن الضَّمَان لمصْلحَة الْعُقُود فَإِنَّهُ لَا يرغب فِي مُعَاملَة الْغُرَمَاء الا بِهِ وَعَلِيهِ اشْتَمَلت الصكوك فِي الاعصار الخالية وَخرج ابْن سُرَيج قولا انه لَا يَصح أصلا وَفِيه قَول آخر انه يَصح قبل قبض الثّمن وَبعده وَمهما جرى البيع والاعدل انه لَا يَصح قبل قبض الثّمن حَتَّى يكون سَبَب اللُّزُوم على تَقْدِير ثُبُوت

الْعهْدَة جَارِيا هَذَا فِيهِ إِذا خَافَ المُشْتَرِي كَون الْمَبِيع مُسْتَحقّا فَلَو كَانَ يخَاف فَسَاد العقد من جِهَة اخرى أَو كَون البيع معيبا فضمن لَهُ هَذِه الْعهْدَة صَرِيحًا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بلَى كَمَا إِذا خَافَ خُرُوجه مُسْتَحقّا وَالثَّانِي لَا لَان التَّعَلُّق بِالْمَبِيعِ مُمكن هَاهُنَا الى رد الثّمن والتحرز عَن المفسدات والعيوب مُمكن وَمَا بني على الْحَاجة والمصلحة يتبع فِيهِ مَرَاتِب الْحَاجة فان قُلْنَا إِنَّه يَصح ضَمَانه صَرِيحًا فَفِي اندراجه تَحت مُطلق ضَمَان الْعهْدَة وَجْهَان وَلَو كَانَ يشك فِي كَمَال الصنجة اَوْ فِي جودة جنس الثّمن قَالَ ابْن سُرَيج صَحَّ هَذَا الضَّمَان تخريجا على ضَمَان الْعهْدَة فَهَذَا يقرب من مَخَافَة الْعُيُوب فيعتضد بِهِ ذَلِك الْوَجْه ثمَّ مهما ادّعى نُقْصَان الصنجة فَالْقَوْل قَول البَائِع لَان الاصل عدم اسْتِيفَاء الْكَمَال فان حلف طَالب المُشْتَرِي وَهل يُطَالب الضَّامِن بِمُجَرَّد حلفه دون بَيِّنَة يقيمها على النُّقْصَان فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع ان الاصل فِي حَقه الْبَرَاءَة فَلَا ينتهض يَمِينه حجَّة عَلَيْهِ

الْقَيْد الثَّانِي كَون الْحق لَازِما فَكل دين لَازم يَصح ضَمَانه وَلَا يَصح ضَمَان نُجُوم الْكِتَابَة لانه لَا مصير لَهَا الى اللُّزُوم والاصح صِحَة ضَمَان الثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لَان مصيره الى اللُّزُوم وَالْجَوَاز عَارض وَفِي ضَمَان الْجعل فِي الْجعَالَة وَجْهَان الْقَيْد الثَّالِث كَونه مَعْلُوما فَلَا يَصح ضَمَان الْمَجْهُول على الْجَدِيد كَمَا لَا يَصح الابراء عَنهُ وَفِي الْقَدِيم يَصح ضَمَان الْمَجْهُول والابراء عَنهُ وَلَا خلاف فِي جَوَاز ضَمَان إبل الدِّيَة وان كَانَ فِيهِ ضرب جَهَالَة وَكَذَا الابراء وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه ان ضَمَانه لَا يَصح للْجَهْل بِهِ وَلَو قَالَ ضمنت من عشرَة الى مائَة فَفِي الْجَدِيد قَولَانِ الاشهر الصِّحَّة لَان الاقصى مَعْلُوم وَقد وَطن نَفسه عَلَيْهِ والاقيس الْفساد لَان الْغرَر حَاصِل بِجَهْل الْمِقْدَار بَين الْعشْرَة وَالْمِائَة

الرُّكْن الْخَامِس ويتشعب عَن الْمَضْمُون بِهِ النّظر فِي الْكفَالَة بِالْبدنِ وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى صِحَّته وَعَلِيهِ جرى الصَّحَابَة وَالسَّلَف قَالَ الْمُزنِيّ ضعف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن فَمنهمْ من جعل ذَلِك ترديد قَول وعَلى هَذَا يَصح ضَمَان عين الْمَغْصُوب وَالْمَبِيع وكل مَا يجب تَسْلِيمه وَلَا يَصح ضَمَان عين الودائع والامانات اذ لَا يجب تَسْلِيمهَا فكأنا نكتفي بَان يكون الْمَضْمُون بِهِ حَقًا لَازِما وَلَا يشْتَرط كَونه دينا فَيصح الْكفَالَة ببدن كل من يجب عَلَيْهِ الْحُضُور مجْلِس الْقَضَاء باستدعاء الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ تصح الْكفَالَة بِالْبدنِ قبل قيام الْبَيِّنَة على الدّين لانا معتمده الْحُضُور وَهُوَ وَاجِب والاصح صِحَّته بعد حُضُور الْمُدعى عَلَيْهِ وإنكاره إِذا لم يقم الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة لانه بَقِي لَهُ مُتَعَلق فِي إِحْضَاره وَيصِح الضَّمَان ببدن الزَّوْجَة وَقَالَ ابْن سُرَيج يَصح الضَّمَان ببدن العَبْد الْآبِق وَيجب السَّعْي فِي احضاره ورده وَتَصِح الْكفَالَة ببدن الْمَيِّت إِذْ قد يسْتَحق إِحْضَاره ليشاهد الشُّهُود صورته فَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ وَلَو تكفل ببدن شخص فَمَاتَ فَفِي انْقِطَاعه بِالْمَوْتِ وَجْهَان وَوجه الْقطع ان مُطلق التَّصَرُّفَات تحمل على

حَالَة الْحَيَاة وَفِي الْكفَالَة ببدن من عَلَيْهِ عُقُوبَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا بلَى لانها من الْحُقُوق وَالثَّانِي لَا لانها تعرض السُّقُوط بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّالِث انها تصح فِيمَا للادميين بِخِلَاف مَا يثبت لله تَعَالَى وَلَو تكفل بإحضار شخص بِبَغْدَاد والمكفول بِبدنِهِ بنيسابور لما يجز لانه لَا يلْزمه الْحُضُور على هَذَا الْوَجْه فان قيل بِمَاذَا يخرج عَن عُهْدَة هَذِه الْكفَالَة قُلْنَا بإحضاره فِي الْمَكَان الَّذِي الْتَزمهُ وبتعين الْمَكَان الَّذِي عين فان سلم فَقَالَ لَا اريده الْآن فقد خرج عَن الْعهْدَة الا اذا كَانَ عَاجِزا عَن التَّعَلُّق بِهِ لاستناده الى ركن وثيق فان غَابَ حَيْثُ يعرف خَبره فعلى الْكَفِيل السَّعْي فِي إِحْضَاره ويمهل مُدَّة الذّهاب والمجيء فان لم يحضرهُ حبس فان حضر الاصيل وَسلم نَفسه برِئ الْكَفِيل كَمَا لَو أدّى الْمَضْمُون عَنهُ برِئ الضَّامِن من الدّين فان عجز عَن إحضارن بِمَوْتِهِ اَوْ هروبه فالاصح انه لَا يلْزمه شَيْء وَهُوَ معنى تَضْعِيف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَفَالَة الْبدن وَالثَّانِي انه يلْزمه بدل الْحُضُور الَّذِي عجز عَنهُ ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه

يلْزمه الدّين بَالغا مَا بلغ فَهُوَ الاصل مهما قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَالثَّانِي يلْزمه دِيَة الْمَكْفُول بِبدنِهِ فانه بدل بدنه الا اذا كَانَ الدّين اقل مِنْهُ وَاشْتِرَاط رضَا الْمَكْفُول بِبدنِهِ يبتنى على هَذَا فان قُلْنَا الِالْتِزَام مَقْصُور على الْحُضُور فَلَا يجوز دون رِضَاهُ لانه لَيْسَ يقدر على استبداد بِالنَّقْضِ عَنهُ وان قُلْنَا يلْزم المَال فَلهُ الِانْفِرَاد بِهَذِهِ الْكفَالَة كَمَا يلْزمه بِضَمَان المَال فَلَو أنكر الْمَكْفُول بِهِ الرِّضَا فَهَل لَهُ تَكْلِيفه الْحُضُور فِيهِ وَجْهَان وَوجه التجويز أَن الْحُضُور مُسْتَحقّ وَالْكَفِيل لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل قَالَ صَاحب التَّقْرِيب فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح الْكفَالَة بِغَيْر إِذْنه وَيقدر على

تَكْلِيفه الْحُضُور لانه لَا يتقاعد عَن الْوَكِيل فروع أَرْبَعَة الأول اذا مَاتَ الْمَكْفُول لَهُ هَل ينْتَقل حَقه الى ورثته فِيهِ ثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج أَحدهَا لَا لانه حق ضَعِيف وَلم يلْزم الا لَهُ وَالثَّانِي بلَى كَسَائِر الْحُقُوق وَهُوَ الأقيس وَالثَّالِث إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين أَو وَصِيّ يثبت وَكَأَنَّهُ نَائِب عَن جِهَته الثَّانِي إِذا كفل ثَلَاثَة ببدن انسان فَأحْضرهُ وَاحِد برِئ هُوَ قَالَ الْمُزنِيّ وَبرئ صَاحِبَاه كَمَا فِي ضَمَان الدّين قَالَ ابْن سُرَيج لَا يبرأ صَاحِبَاه بِخِلَاف أَدَاء الدّين فان الْمَقْصُود قد حصل ثمَّ وَهَاهُنَا لَا يحصل بِمُجَرَّد الْحُضُور الثَّالِث لَو تكفل ببدن الْكَفِيل جَازَ وَلَو ضمن الضَّامِن بِالْمَالِ جَازَ وَإِذا تكفل ثَلَاثَة ببدن انسان وكل وَاحِد تكفل ببدن صَاحبه جَازَ فان احضر وَاحِد برِئ هُوَ عَن كفَالَته وَبرئ من تكفل ببدن الَّذِي أحضرهُ وَأمر البَاقِينَ فِي إِحْضَار الْخصم يخرج على مَذْهَب الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج الرَّابِع لَو ضمن تَسْلِيم عين الْمَبِيع فَتلف قبل الْقَبْض انْفَسَخ البيع فان قُلْنَا

الْكَفِيل عِنْد الْعَجز لَا يغرم شَيْئا فَكَذَلِك هَذَا وان قُلْنَا انه يغرم فهذبا على وَجه يغرم الثّمن وعَلى وَجه اقل الامرين من الثّمن اَوْ الْقيمَة يَوْم التّلف وَقيل يعْتَبر اقصى الْقيم كَمَا فِي الْغَاصِب

الرُّكْن السَّادِس فِي الصِّيغَة وَمَا يقْتَرن بهَا من شَرط وَمن تَقْيِيد وَفِيه مسَائِل الاولى ان الضَّمَان يَصح بِكُل لفظ يدل على الِالْتِزَام كَقَوْلِه تقلدت والتزمت وضمنت وتكفلت وتحملت وَلَا يَصح بقوله أؤدي وأحضره لانه وعد الثَّانِيَة تَعْلِيق الضَّمَان بَاطِل على الْجَدِيد وَهُوَ ان يَقُول ضمنت اذا جَاءَ رَأس الشَّهْر اَوْ اذا بِعْت من فلَان أما تَعْلِيق الْكفَالَة بِالْبدنِ على مَجِيء رَأس الشَّهْر ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن وَفِي التَّعْلِيق على الْحَصاد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ وعَلى قدوم زيد وَجْهَان مرتبان واولى بِالْمَنْعِ وَلَو نجز الْكفَالَة وَشرط تَأْخِير الطّلب الى مَجِيء الشَّهْر فَهِيَ أولى بِالْجَوَازِ

وَهَذَا الْخلاف لَيْسَ يجْرِي فِي ضَمَان المَال وَلَا فِي الابراء لَان كَفَالَة الْبدن تنبني على الْمصلحَة فاتبعت فِيهِ الْحَاجَات اما اذا قَالَ الق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي الف لزمَه كَمَا اذا قَالَ طلق زَوجتك واعتق عَبدك وَعلي الف لانه الْتِزَام لغَرَض صَحِيح وَلَو قَالَ بِعْ عَبدك من فلَان بِمِائَة وَعلي ائة اخرى فَوَجْهَانِ الاصح انه لَا يلْزمه إِذْ لَا يظْهر لَهُ فِيهِ غَرَض الثَّالِثَة لَو شَرط فِي ضَمَان الدّين الْحَال لم يثبت الاجل لانه يضمن مَا عَلَيْهِ فَهُوَ تَابع فَلَا يُغير وَصفه وَفِي طَريقَة الْعرَاق جَوَاز ذَلِك لانه نوع رفق فَجَاز إثْبَاته وَيشْهد لَهُ قطع ابْن سُرَيج بانه لَو نجز كَفَالَة الْبدن وَشرط تَأْخِير التَّسْلِيم شهرا جَازَ وَلَكِن احْتمل فِي كَفَالَة الْبدن مَا لم يحْتَمل فِي الضَّمَان ثمَّ قَالَ الْمُزنِيّ لَو أحضرهُ قبل الشَّهْر برِئ عَن الْعهْدَة وَقَالَ ابْن سريح ينظر ان كَانَ الدّين مُؤَجّلا اَوْ كَانَت الْبَيِّنَة غَائِبَة فَلَا يبرأ وان لم يكن لَهُ غَرَض فَيخرج على ان الْحق الْمُؤَجل اذا عجل هَل يجْبر على قبُوله وَفِيه قَولَانِ ثمَّ اذا أفسدنا شَرط الاجل فِي ضَمَان الدّين الْحَال فَفِي فَسَاد الضَّمَان بِفساد الشَّرْط وَجْهَان

وَلَو ضمن الدّين الْمُؤَجل حَالا فَفِي فَسَاد الشَّرْط وَجْهَان وان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان الرَّابِعَة لَو شَرط الضَّامِن ان يُعْطي الْمَضْمُون عَنهُ ضَامِنا فَفِي صِحَة شَرطه وَجْهَان فان فسد فَفِي فَسَاد الضَّمَان وَجْهَان وان صَحَّ فَعَلَيهِ الْوَفَاء فان لم يَفِ فَلهُ الْفَسْخ الْخَامِسَة لَو تكفل بعضو من بدنه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا يَصح لَان فِي تَسْلِيمه تَسْلِيم الْبَاقِي وَالثَّانِي لَا إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّصَرُّفَات المبنية على السَّرَايَة وَالثَّالِث انه ان عين عضوا لَا يقبل التَّسْلِيم الا بِتَسْلِيم الْبدن كالقلب والبطن وَالظّهْر لزم وان كَانَ كَالْيَدِ وَالرجل لم يلْزم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الضَّمَان الصَّحِيح وَله أَحْكَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم الأول أَنه يَتَجَدَّد لمستحق الدّين مُطَالبَة الضَّامِن وَلَا يَنْقَطِع مُطَالبَته عَن الْمَضْمُون عَنهُ لَان مَعْنَاهُ ضم ذمَّة الى ذمَّة وَقَالَ مَالك لَا يُطَالب البضامن مَا لم يعجز عَن الممضمون عَنهُ وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يُطَالب الْمَضْمُون عَنهُ مَا لم يعجز عَن الضَّامِن فروع ثَلَاثَة الاول لَو ابرأ الضَّامِن لم يبرأ الاصيل وَلَو ابرأ الاصيل برِئ الْكَفِيل وَقَوله للضامن وهبت مِنْك اَوْ تَصَدَّقت عَلَيْك كالابراء لَا كالتوفية ثمَّ اسْتِئْنَاف الْهِبَة حَتَّى لَا يثبت الرُّجُوع خلافًا لابي حنيفَة رَحمَه الله فانه قَالَ كالتوفية

فَلهُ الرُّجُوع الثَّانِي لَو كَانَ الدّين مُؤَجّلا وَمَات الْأَصِيل وَحل الدّين لم يُطَالب الْكَفِيل لانه حَيّ وَلم يلْتَزم ذَلِك أصلا الثَّالِث لَو قضى الضَّامِن ثمَّ وهب مِنْهُ بعد الْقَبْض فَفِي الرُّجُوع خلاف كَمَا فِي هبة الصَدَاق

الحكم الثَّانِي يجوز للضامن إِجْبَار الْمَضْمُون لَهُ على قبُول الدّين مهما أَدَّاهُ لانه صَار مُلْتَزما بِخِلَاف مَا إِذا أدّى دين غَيره مُتَبَرعا فانه لَا يجْبر على الْقبُول بل لَهُ ذَلِك إِن أَرَادَ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الضَّمَان فِي صُورَة لَا يرجع إِذا ضمن لَا يلْزمه الْقبُول لَان فِي قبُوله إِدْخَال المَال فِي ملك الْمَضْمُون عَنهُ ضمنا ثمَّ وُقُوعه عَن جِهَته وَهُوَ ضَعِيف

الحكم الثَّالِث يَتَجَدَّد للضامن مُطَالبَة الْمَضْمُون عَنهُ بتخليصه بِقَضَاء الْحق اتّفق الْأَصْحَاب عَلَيْهِ سوى الْقفال فانه قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي وَجه حَكَاهُ وَلَو حبس فَهَل لَهُ أَن يَقُول احْبِسُوا الْمَضْمُون عَنهُ معي فِيهِ وَجْهَان أما الْمُطَالبَة بِتَسْلِيم الدّين إِلَى الضَّامِن قبل أَن يغرم الضَّامِن فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه رُجُوع قبل الْأَدَاء وَالثَّانِي نعم لانه مُلْتَزم لَهُ فَلهُ الِاسْتِيفَاء مِنْهُ وَيَنْبَنِي على هَذَا انه إِذا صَار مُسْتَحقّ دين عَلَيْهِ فَلهُ أَن يشْتَرط كَفِيلا عَلَيْهِ فِي اصل الضَّمَان وَله الْإِبْرَاء عَنهُ والمصالحة وَفِي طَريقَة الْعرَاق انه لَو سلم إِلَى الضَّامِن مَا يسْتَحبّ لَهُ بِقَضَاء الدّين هَل يملكهُ وَجْهَان وَوجه التَّمْلِيك انه يسْتَحق بسببين الضَّمَان وَالْقَضَاء وَقد جرى أَحدهمَا فَكَانَ كاليمين مَعَ الْحِنْث ومأخذ الْخلاف مِمَّا ذَكرْنَاهُ أولى

الحكم الرَّابِع الرُّجُوع بعد الْأَدَاء ونقدم عَلَيْهِ انه لَو أدّى دين غَيره من غير ضَمَان بِغَيْر إِذْنه لم يرجع بِإِذْنِهِ مَعَ شَرط الرُّجُوع رَجَعَ عَلَيْهِ وان أطلق الْإِذْن فَوَجْهَانِ يقربان من الْقَوْلَيْنِ فِي أَن الْهِبَة الْمُطلقَة هَل تَقْتَضِي ثَوابًا بِالْعرْفِ وَلَو قَالَ أد دين فلَان لم يرجع على الْأَمر قطعا وَلَو قَالَ أد دين الضَّامِن عني فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أد ديني لَان لَهُ فِيهِ غَرضا فرع وَلَو صَالح الْمَأْذُون على غير جنسه فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يرجع لَان مَا أَدَّاهُ غير مَأْذُون فِيهِ فَبَطل اثر الْإِذْن وَالثَّانِي يرجع لانه مَأْذُون لَهُ فِي أصل الْأَدَاء وَهَذِه مراضاة فِي التَّفْصِيل جرى بَينهمَا وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ أد ديني رَجَعَ وان قَالَ اقْضِ مَا عَليّ لم يرجع فان خَالفه رَجعْنَا إِلَى الضَّمَان فَإِذا ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِإِذْنِهِ رَجَعَ وان لم يشْتَرط الرُّجُوع هَذَا هُوَ الْمَذْهَب لانه أذن فِي الِالْتِزَام وَالْأَدَاء بِخِلَاف مُجَرّد الْإِذْن فِي الْأَدَاء وان ضمن بِغَيْر إِذْنه وَغرم بِغَيْر إِذْنه فَلَا رُجُوع وَإِن ضمن بِإِذْنِهِ وَأدّى بِغَيْر إِذْنه فَثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا انه يرجع لَان مُوجب الرُّجُوع هُوَ الْأَدَاء وَهُوَ غير مَأْذُون وَالثَّانِي بلَى وَهُوَ الْمَنْصُوص لَان الْإِذْن فِي الِالْتِزَام أذن فِي الْأَدَاء وَالثَّالِث انه ان طُولِبَ فغرم رَجَعَ وان ابْتَدَأَ مبادرا إِلَيْهِ لم يرجع وان ضمن بِغَيْر أذن وَغرم بِالْإِذْنِ فَوَجْهَانِ مرتبان على من لم يضمن إِذا أدّى بِالْإِذْنِ فَأولى بَان لَا يرجع لانه سبق الْتِزَامه فأداؤه خُرُوج عَن الْتِزَام نَفسه وَهُوَ الْأَصَح هَذَا كُله إِذا شهد على الْأَدَاء فَلَو لم يشْهد فَلَا رُجُوع لَهُ إِلَّا إِذا صدقه الْمَضْمُون لَهُ والمضمون عَنهُ جَمِيعًا فان صدقه الْمَضْمُون عَنهُ دون الْمَضْمُون لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا برجع مُؤَاخذَة لَهُ بتصديقه وَالثَّانِي لَا لانه لم يَنْفَعهُ بِأَدَائِهِ فَلَا يرجع بِهِ وَإِن صدقه الْمَضْمُون لَهُ وَكذبه الْمَضْمُون عَنهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بلَى لِأَن الْبَرَاءَة حصلت باعتراف الْمَضْمُون لَهُ وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَقَول غَيره لَيْسَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو كَانَ بمرأى من الْمَضْمُون عَنهُ رَجَعَ لِأَن التَّقْصِير مَنْسُوب إِلَيْهِ فِي ترك الْإِشْهَاد لَا إِلَى الضَّامِن وَلَو أشهد فماتوا أَو غَابُوا لم يمْتَنع الرُّجُوع وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَأنكر

المرجوع عَلَيْهِ اصل الْإِشْهَاد فَالْقَوْل قَول من فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يرجع إِذْ الِاحْتِرَاز عَنهُ غير مُمكن وَالْأَصْل عدم التَّقْصِير وَالثَّانِي لَا لَان الأَصْل عدم الْإِشْهَاد وَلَو قَالَ أشهدت زيدا وعمرا فَقَالَا كذب فَهُوَ كَتَرْكِ الْإِشْهَاد وَلَو قَالَا لَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَسِينَا فَوَجْهَانِ وَلَو أشهد رجلا وَامْرَأَتَيْنِ رَجَعَ وَلَو أشهد مستورين فعدلا رَجَعَ وان لم يعدلا فَوَجْهَانِ يقربان من الْخلاف فِي انْعِقَاد النِّكَاح بشهادتها وَلَو أشهد وَاحِدًا ليحلف مَعَه فَوَجْهَانِ وَوجه التَّقْصِير أَن القَاضِي رُبمَا يكون حنفيا ثمَّ لَو كذبه الْمَضْمُون لَهُ وطالبه مرّة أُخْرَى فَأشْهد على الْأَدَاء الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنه يرجع الْآن

وَقيل إِنَّه إِذا ثَلَاثَة رَجَعَ بِالْأولِ فَهُوَ مظلوم بِالثَّانِي بِزَعْمِهِ فَلَا يرجع أَيْضا بِهِ فروع ثَلَاثَة الأول لَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ نظر فان سومح بِمِقْدَار أَو بِصفة فِيهِ لم يرجع إِلَّا بِمَا بذل وَلَو صَالح على عوض يُسَاوِي تِسْعمائَة عَن دين مبلغه ألف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يرجع بِتمَام الْألف فان الْمُسَامحَة مَعَه فِي شِرَاء مَاله بِالْغبنِ مَخْصُوص بِهِ وَالثَّانِي لَا بل فانه لم يبْذل إِلَّا قدر تِسْعمائَة وَلَو صَالح الضَّامِن الْمَضْمُون لَهُ على خمر وَكَانَا ذميين والمضمون عَنهُ مُسلم فَفِي صِحَة الصُّلْح وَجْهَان فان صححنا وَقُلْنَا الرُّجُوع بِمَا بذله فهاهنا لَا يطْمع فِيهِ وان قُلْنَا الرُّجُوع بِالدّينِ رَجَعَ الثَّانِي إِذا ضمن العَبْد من سَيّده بِإِذْنِهِ فأداه بعد الْحُرِّيَّة من كَسبه فَفِي رُجُوعه وَجْهَان يقربان من الْخلاف فِي اسْتِمْرَار الْإِجَارَة بعد الْعتْق الثَّالِث لَو ضمن السَّيِّد عَن عَبده بِإِذْنِهِ وَأَدَّاهُ بعد عتقه رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِن أَدَّاهُ قبل

الْعتْق رَأَيْت للأصحاب انه يرجع وَفِيه نظر من حَيْثُ أَن فِيهِ إِثْبَات دين السَّيِّد على عَبده فِي دوَام الرّقّ وان ضمن السَّيِّد عَن العَبْد الْمَأْذُون دين التِّجَارَة فَهَل يرجع بعد الْعتْق فَإِن قُلْنَا إِن العَبْد لَو أَدَّاهُ رَجَعَ على السَّيِّد فالسيد لَا يرجع عَلَيْهِ وان قُلْنَا لَا يرجع فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَن السَّيِّد إِنَّمَا يرجع لانه يَقُول ضمنت بإذنك فللعبد أَن يَقُول وَأَنا التزمت دين التِّجَارَة بإذنك فيقاوم الْأَمْرَانِ فَلَا رُجُوع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاخْتِلَاف وَفِيه مَسْأَلَتَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَاهمَا فِيمَا يسمع من تنَاقض قَول الْمُدَّعِي مِثَاله أَن من بَاعَ شَيْئا من رجلَيْنِ بِأَلف بِشَرْط أَن يكون كل وَاحِد ضَامِنا عَن صَاحبه بَطل البيع لانه شَرط على المُشْتَرِي الْتِزَام غير الثّمن وَلَكِن لَو جرى الضَّمَان من غير شَرط صَحَّ من كل جَانب وَكَانَ لَهُ أَن يُطَالب من شَاءَ مِنْهُمَا بِأَلف فَلَو أَخذ من أَحدهمَا خَمْسمِائَة وَقَالَ أديته عَن جِهَة الضَّمَان وحصتك بَاقِيَة فَالْقَوْل قَول الْمُؤَدِّي وان حلف انه أدّى عَن جِهَة نَفسه فَهَل لَهُ أَن يُطَالِبهُ عَن جِهَة الضَّمَان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه يُنَاقض قَوْله الأول إِذا اعْترف فِي دَعْوَاهُ ببراءته عَن جِهَة الضَّمَان وَالثَّانِي قطع بِهِ الْقفال وَهُوَ الصَّحِيح انه يجوز إِذْ بني ذَلِك على خيال وانكشف بِيَمِينِهِ فَلَا يبطل حَقه هُوَ كَمَا لَو ادّعى على المُشْتَرِي أَن الْمُشْتَرى غصب فَقَالَ مُنْكرا بل هُوَ ملكي وَملك من اشْتَرَيْته مِنْهُ فأقيمت الْبَيِّنَة فانه يرجع على البَائِع بِالثّمن وان كَانَ قد اعْترف لَهُ بِالصّدقِ وانه ملكه وَلَكِن قيل هُوَ بِنَاء على ظَاهر وَقد ظهر بِالْبَيِّنَةِ نقيضه وَمن الْأَصْحَاب من طرد وَجها انه لَا يرجع إِذْ كَانَ حَقه أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي تَسْلِيمه إِلَيْك وَلَا يقر للْبَائِع بِالْملكِ وَهُوَ بعيد

وَلَو ادّعى على شخص ضمانا عَن غَائِب فَأنْكر فأقيمت الْبَيِّنَة فغرم فَأَرَادَ الرُّجُوع على الْغَائِب نقل الْمُزنِيّ أَن لَهُ ذَلِك وَهَذَا بعيد لانه قطع بِنَفْي الضَّمَان وَهُوَ فعله الَّذِي يَنْفِيه فالرجوع مُنَاقض لَهُ فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يرجع وَهُوَ الْأَصَح وَحمل كَلَام الْمُزنِيّ على مَا إِذا سكت أَو أنكر وَكيله وَلم يُنكر هُوَ بِنَفسِهِ وَلَو قَالَ الْكَفِيل أبرأت الْأَصِيل فبرئت فَحلف الْمُسْتَحق فَهَل للْكَفِيل مُطَالبَة الْأَصِيل وَهُوَ مُنَاقض لما تقدم مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان الْأسد الْجَوَاز لانه قد يَدعِي ذَلِك عَن سَماع وَظن فيتبين بِالْحلف نقيضه وَكَذَلِكَ لَو تكفل ثمَّ قَالَ كنت أبرأت قبل كفالتي وَلَو أعرف فَهَل يسمع دَعْوَاهُ للتحليف فِيهِ وَجْهَان يجْرِي فِي كل دَعْوَى مُحْتَمل مناقضة عقد سَابق الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ادّعى ضمانا بِأَلف وَأقَام شَاهدا انه ضمن ألفا وَآخر أَنه ضمن خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت الْخَمْسمِائَةِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَمَا لَو أطلق دَعْوَى الْألف من غير إِسْنَاد إِلَى الضَّمَان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَاحِد وَضَمان الْألف يُخَالف ضَمَان الْخَمْسمِائَةِ بِخِلَاف الدّين الْمُطلق وَلَو شهد الآخر أَيْضا على الْألف وَلَكِن قَالَ قد قضى مِنْهُ خَمْسمِائَة فَفِي ثُبُوت تَمام الْألف وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَانْفَرَدَ أَحدهمَا بِشَهَادَة قَضَاء الدّين فَيلْغُو وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وصل بِشَهَادَتِهِ ذَلِك فَكَأَنَّهُ لم يشْهد إِلَّا على خَمْسمِائَة ثمَّ لَا شكّ أَنه لَو حلف مَعَ شَاهد على قَضَاء الْخَمْسمِائَةِ يقْضى لَهُ بِهِ بِشَرْط أَن تُعَاد الشَّهَادَة فَإِنَّهَا جرت قبل الاستشهاد وَالله أعلم

= كتاب الشّركَة = الشّركَة مُعَاملَة صَحِيحَة وَلَيْسَ عقدا برأسها وَإِنَّمَا هُوَ وكَالَة على التَّحْقِيق وَإِذن كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ صَاحبه فِي التَّصَرُّف فِي المَال الْمُشْتَرك وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول

الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه وَهِي ثَلَاثَة الأول المَال الَّذِي فِيهِ الشّركَة وَالشَّرِكَة أَنْوَاع وَالصَّحِيح وَاحِدَة من الشَّرِيكَيْنِ لصَاحبه وَهِي شركَة الْعَنَان اشْتقت من عنان الدَّابَّة لتساوي جانبيه فكأنهما يتساويان فِي الْعَمَل وَالْمَال كعنان الدَّابَّة وَله شُرُوط الأول أَن تجْرِي فِي نقد فَإِن جرت فِي عرُوض مُشْتَركَة فَالْأَصَحّ الْجَوَاز إِذْ لَا معنى للشَّرِكَة إِلَّا الْإِذْن فِي التَّصَرُّف وَالرِّبْح متوزع على قدر الْمَالَيْنِ وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن مقصودهما الاتجار فَأشبه الْقَرَاض الشَّرْط الثَّانِي الِاخْتِلَاط يمْتَنع مَعَه التَّمْيِيز حَتَّى يقوم مقَام الشّركَة فَإِن كَانَ المَال مُشْتَركا على الشُّيُوع فَهُوَ الْغَرَض وَإِلَّا فلابد من اخْتِلَاط فَلَو اخْتلفَا فِي النَّوْع أَو فِي الصنجة أَو فِي الصكة لم يَصح لِأَنَّهُ متميز بِملكه وَكَذَلِكَ لَو تعذر التَّمْيِيز كَمَا لَو خلط السمسم بالكتان وَلَو خلط الْحِنْطَة الْحَمْرَاء بالبيضاء فَفِيهِ وَجْهَان لِأَن اتِّحَاد الْجِنْس مَعَ مُعسر التَّمْيِيز قد يجعلهما بِحكم الْعرف كالشيء الْوَاحِد

فروع الأول شركَة الْمُفَاوضَة بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ أَن لَا يخلطا ماليهما وَلَكِن يتفاوضان فِي الِاشْتِرَاك فِي الْغنم وَالْغُرْم فِي كل مَا يُفِيد وَيُوجب غرما وَهُوَ فَاسد لِأَن كل وَاحِد متميز بِملكه وجنايته فَكَانَ متميزا بثمرته وغرمته الثَّانِي شركَة الْأَبدَان بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة وَهُوَ اشْتِرَاك الدلالين والحمالين فِي أُجْرَة أَعْمَالهم لِأَن كل وَاحِد متميز بِاسْتِحْقَاق منفعَته فاختص بِاسْتِحْقَاق بدله الثَّالِث شركَة الْوُجُوه بَاطِلَة وَهُوَ أَن يَبِيع الْوَجِيه المقبول اللهجة فِي البيع مَال الخامل بِرِبْح على أَن يكون بعض الرِّبْح لَهُ فَالرِّبْح كُله لصَاحب المَال وَله أجره تَعبه إِن عمل وَإِن لم يصدر مِنْهُ إِلَّا كلمة لَا تَعب فِيهَا فَلَا قيمَة لَهَا

الرَّابِع إِذا كَانَ لوَاحِد بغلة وَللْآخر راوية وشاركهما ثَالِث ليستقي المَاء بِنَفسِهِ وَيكون مُشْتَركا بَينهمَا فَإِن استقى نَاوِيا نَفسه اخْتصَّ بِالْملكِ وَلَهُمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل وَإِن قصد الشّركَة فِي المَاء فَفِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الِاسْتِنَابَة هَل تُؤثر فِي إِحْرَاز الْمُبَاحَات حَتَّى يتَصَرَّف الْملك عَن المحرز بِالْقَصْدِ وسنذكره فِي الْوكَالَة فَإِن قُلْنَا تُؤثر فالتوزيع هَاهُنَا على عدد الرُّءُوس أَو على قدر أُجْرَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يتوزع على عدد الرُّءُوس فيتراجعون بِمَا يتَفَاوَت من أُجْرَة الْمثل لَا محَالة وَلَو اسْتَأْجَرت بغلة وراوية ورجلا للاستقاء وأفرد كل إِجَارَة بصفقة فَلَا شكّ فِي الصِّحَّة وَأَن الْملك فِي المَاء يَقع للْمُسْتَأْجر وَإِن فَسدتْ الْإِجَارَة بِسَبَب قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَقع المَاء أَيْضا للْمُسْتَأْجر إِن قصد الْأَجِير أَيْضا المَاء نَفسه لتأثير الْعِوَض وَفِيمَا إِذا قصد نَفسه الْإِجَارَة نظر لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاق وَلَا قصد من جِهَة المستقي إِلَّا لنَفسِهِ فَيَنْبَغِي ان يَقع لَهُ وَهَكَذَا إِذا كَانَ من وَاحِد بذر وَمن آخر آلَة الحراثة وَمن ثَالِث الْعَمَل على

الِاشْتِرَاك فِي الزَّرْع فالزرع لصَاحب الْبذر وَلَهُمَا عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل وَلَا طَرِيق للاشتراك فِي الزَّرْع إِلَّا الِاشْتِرَاك فِي الْبذر الشَّرْط الثَّالِث اقتران الْخَلْط بِالشّركَةِ فَلَو عقد الشّركَة لفظا ثمَّ جرى الْخَلْط بعده قَالَ للأصحاب لَا يَصح وَفِيه نظر مُحْتَمل إِذْ لَا معنى للشَّرِكَة إِلَّا الْإِذْن وَلَا يَنْقَطِع الْإِذْن بالخلط الطَّارِئ وَلَا يمْتَنع فِي حَالَة الْإِفْرَاد الشَّرْط الرَّابِع اسْتِوَاء الْمَالَيْنِ شَرطه أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي وَهُوَ هفوة فَلَا مُسْتَند لاشترط ذَلِك أصلا الشَّرْط الْخَامِس معرفَة مِقْدَار النَّصِيب حَالَة الشّركَة وَفِيه وَجْهَان ومأخذه أَن الْإِذْن فِي التَّصَرُّف مَعَ الْجَهْل بِقدر الْمُتَصَرف فِيهِ على هَذَا الْوَجْه هَل يَصح وَلَعَلَّ الْأَظْهر الصِّحَّة فالمتفق عَلَيْهِ من جملَة الشَّرَائِط الْخَمْسَة وَاحِد وَهُوَ اخْتِلَاط الْمَالَيْنِ حَتَّى ينزل منزلَة الْمُشْتَرك وَمَا عداهُ مُخْتَلف فِيهِ الرُّكْن الثَّانِي صِيغَة العقد وَهُوَ أَن يَقُولَا اشتركنا على أَن يتَصَرَّف كل وَاحِد منا فِي مَال صَاحبه فَيرجع حَاصِل العقد إِلَى إِذن كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فِي التَّصَرُّف

فَلَو اقْتصر على لفظ الِاشْتِرَاك فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن بِمُجَرَّدِهِ يحكم الْعرف إشعارا بِالْمَقْصُودِ وَإِن لم يُصَرح بِهِ الرُّكْن الثَّالِث العاقدان وَيشْتَرط فيهمَا مَا يشْتَرط فِي الْوَكِيل وَالْمُوكل وَسَيَأْتِي فِي الْوكَالَة نعم يكره مُشَاركَة أهل الذِّمَّة والفساق لأَنهم لَا يحترزون عَن الرِّبَا

الْفَصْل الثَّانِي فِي حكم الشّركَة الصَّحِيحَة وَلها ثَلَاثَة أَحْكَام الأول أَن يتسلط كل وَاحِد على التَّصَرُّف بِشَرْط الْغِبْطَة سَوَاء انْفَرد بِالْيَدِ أَو كَانَ المَال فِي يدهما وَلَا يشْتَرط أَيْضا كَون المَال فِي يدهما لصِحَّة العقد بل يَصح كَيفَ مَا كَانَ فَمَا يَشْتَرِيهِ أحد الشَّرِيكَيْنِ بِعَين مَال الشّركَة يَقع مُشْتَركا وَمَا يَشْتَرِيهِ فِي الذِّمَّة على قصد الشّركَة أَيْضا يَقع مُشْتَركا الثَّانِي أَن الرِّبْح والخسران موزع على نِسْبَة الْمَالَيْنِ فَلَو شَرط اخْتِصَاص أَحدهمَا بمزيد ربح بَطل الشَّرْط ويوزع على قدر الْملك خلافًا لأبي حنيفَة

هَذَا إِذا شَرط لمن لَا يخْتَص بمزيد عمل فَإِن شَرط للمنفرد بِكُل الْعَمَل أَو بِبَعْض فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ انْضَمَّ الْقَرَاض إِلَى الشّركَة فعلى هَذَا يشْتَرط انْفِرَاد الْعَامِل بِالْيَدِ وَالثَّانِي لَا لِأَن المَال إِذا كَانَ مُشْتَركا كَانَ هُوَ الرُّكْن وَالْعلَّة وَعَلِيهِ حِوَالَة الرِّبْح وَالْعَمَل سَاقِط الْعبْرَة بِخِلَاف الْقَرَاض فَإِنَّهُ لَا سَبَب من جِهَة الْعَامِل إِلَّا عمله وَالثَّالِث أَنه إِن انْفَرد بِكُل عمل جَازَ أَن يشْتَرط لَهُ فَإِن انْفَرد بمزيد بعد التعاون فِي الأَصْل فَلَا فَإِنَّهُ لَا يدرى الرِّبْح حصل بِأَيّ عمل فتعينت الإحالة على المَال الحكم الثَّالِث أَن الشّركَة جَائِزَة يَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُون وَالْفَسْخ فَلَو قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه عزلتك انْعَزل الْمُخَاطب دون العازل وَلَو قَالَ فسخت الشّركَة انْعَزل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَسَببه ظَاهر فَإِن قيل مَا معنى فَسَاد الشّركَة إِذا لم يكن عقدا برأسها قُلْنَا نعني بِالْفَسَادِ مرّة فَسَاد الْإِذْن وَمرَّة فَسَاد الشَّرْط وَذَلِكَ عِنْد شَرط التَّفَاوُت فِي الرِّبْح وَمرَّة فواد الْمَقْصُود وَذَلِكَ عِنْد تَمْيِيز الْملكَيْنِ إِذْ الْعرض لَا يَقع مُشْتَركا على حسب المُرَاد وَقد يظْهر فَائِدَته فِي طلب أُجْرَة الْمثل فِي الْعَمَل الَّذِي صَادف نصيب شَرِيكه إِذا كَانَ مُخْتَصًّا بمزيد عمل وَأما إِذا صحت الشّركَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يُطَالب بِأُجْرَة الْمثل وَإِن اخْتصَّ

بمزيد عمل لِأَن التَّبَرُّع يتَفَاوَت وَالْعَمَل فِي الشّركَة الصَّحِيحَة مُعْتَاد

الْفَصْل الثَّالِث فِي الِاخْتِلَاف وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو ادّعى عَلَيْهِ أحد الشَّرِيكَيْنِ الْجِنَايَة لم يسمع الدَّعْوَى مُطلقًا حَتَّى يفصل فَإِذا فصلها فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِذا أنكر وَلَو ادّعى أَن مَا فِي يَده مَال شركَة فَأنكرهُ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ صَاحب الْيَد وَلَو قَالَ كَانَ من مَال الشّركَة ثمَّ خلص لي بالإفراز وَالْقِسْمَة فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْقِسْمَة فَالْقَوْل قَوْله فِي إِنْكَار الْقِسْمَة وَإِن اشْترى شَيْئا ظهر فِيهِ ربح أَو خسران أَو تنَازعا فِي أَنه اشْتَرَاهُ لنَفسِهِ أَو للشَّرِكَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ أعرف بنيته وَيَد الشَّرِيك يَد أَمَانَة مَا لم تخن فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا هلك فَإِن ادّعى هَلَاكًا بِسَبَب خَفِي فَالْقَوْل قَوْله لِأَن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ عسير وَإِن كَانَ السَّبَب ظَاهرا من حريق أوة غَارة فَلَا بُد من إِثْبَات السَّبَب ثمَّ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِي الْهَلَاك بذلك السَّبَب هَكَذَا نقل فِي طَريقَة الْعرَاق الثَّانِيَة إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ عبد مُشْتَرك فَوكل أَحدهمَا صَاحبه بِبيعِهِ فَبَاعَ ثمَّ ادّعى الْمُوكل وَالْمُشْتَرِي أَن الْوَكِيل قبض تَمام الثّمن وَأنكر الْوَكِيل فَلَا خُصُومَة بَين الْمُوكل وَالْمُشْتَرِي إِذا اعْترف لَهُ بِتَسْلِيم نصِيبه إِلَى الْوَكِيل وَلَكِن الْخُصُومَة بَين الْمُوكل

وَالْوَكِيل وَبَين الْوَكِيل البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَإِن تخاصم البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَالْقَوْل قَول البَائِع أَنه لم يقبض فَإِن حلف أَخذ نصِيبه وَلم يَأْخُذ نصيب الْمُوكل لِأَنَّهُ مَعْزُول بقول الْمُوكل أَنه أَخذ من قبل وَلَا يساهمه الْمُوكل فِيمَا أَخذه لِأَنَّهُ ظَالِم فِيمَا أَخذه الْآن بِزَعْمِهِ وَلَو شهد الْمُوكل للْمُشْتَرِي على البَائِع بِالْقَبْضِ ليحلف مَعَه فشهادته فِي نصِيبه مَرْدُودَة وَفِي نصيب شَرِيكه قَولَانِ سَيَأْتِي نظائرهما فِي الشَّهَادَات أما إِذا تحاكم الْوَكِيل وَالْمُوكل فَالْقَوْل قَول الْوَكِيل أَنه لم يقبض وَلَيْسَ للمشترى أَن يشْهد الْمُوكل على البَائِع فَإِنَّهُ يشْهد بِهِ على نَفسه فَإِن نكل الْوَكِيل وَحلف الْمُوكل وأستحق نصِيبه فللوكيل مُطَالبَة المُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ وَلَا يسْقط ذَلِك بِنُكُولِهِ وبيمين الْمُوكل وَحكي وَجه أَنه إِذا قيل إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كالبينة سَقَطت مُطَالبَته وَهُوَ فَاسد الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا أَدعِي البَائِع وَالْمُشْتَرِي أَن الْوَكِيل قبض تَمام الثّمن وَأنكر فَالْمُشْتَرِي لَا يبرأ عَن حِصَّة الْوَكِيل البَائِع وَإِن صدق فِي التَّسْلِيم لِأَن الْمُوكل لم يكن وَكيله فَلَا يبرأ بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ ثمَّ إِذا أَخذ حِصَّته فَهَل للْمُوكل مساهمته قَالَ الْمُزنِيّ نعم لِأَنَّهُ وَكيله وَقد أَخذ خَمْسمِائَة مثلا من جملَة الْألف فَيتَخَيَّر بَين أَن يُطَالب البَائِع بمائتين وَخمسين وَالْمُشْتَرِي بمائتين وَخمسين وَبَين أَن يَأْخُذ

خَمْسمِائَة دفْعَة وَاحِدَة من المُشْتَرِي بعد أَن لم يقم بَيِّنَة على أَخذه كَمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يرجع لِأَن الْوَكِيل لما ادّعى أَن الْمُوكل أَخذ الْكل فقد عزل نَفسه فَلَا يَقع قَبضه محسوبا من جِهَته وَهُوَ كَمَا قَالَ وَيبقى لكَلَام الْمُزنِيّ وَجه فِي أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ وَإِن لم وَكيلا فِي الِاسْتِيفَاء إِذا استوفى جُزْءا من الثّمن لنَفسِهِ هَل يخْتَص بِهِ أَن يَقع مُشْتَركا أخذا من الْمكَاتب الْمُشْتَرك إِذا أدّى بعض النُّجُوم وَفِيه خلاف فَإِن قُلْنَا بقول الْمُزنِيّ فَلَا تقبل شَهَادَة البَائِع للْمُشْتَرِي على قبض بالموكل نصِيبه لِأَنَّهُ يدْفع عَن نَفسه الرُّجُوع والمشاركة وعَلى قَول ابْن سُرَيج لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجر بِهِ نفعا وَلَا يدْفع بِهِ ضرا وَالله أعلم

= كتاب الْوكَالَة = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانهَا وَهِي أَرْبَعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول مَا فِيهِ التَّوْكِيل وَله ثَلَاثَة شَرَائِط الأول أَن يكون قَابلا للنيابة وَهُوَ مَا لَا يتَعَيَّن بِحكمِهِ مُبَاشرَة فقد وكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشِّرَاء ووكل عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فِي نِكَاح أم حَبِيبَة ووكل الجباة فِي أَخذ الْجِزْيَة وَالصَّدقَات فَكَانَ

فِي معنى الشِّرَاء البيع وَالْإِجَارَة وَالسّلم وَالرَّهْن وَالصُّلْح وَالْحوالَة وَالضَّمان وَالْكَفَالَة وَالشَّرِكَة وَالْوكَالَة والوديعة والإعارة وَالْمُضَاربَة والجعالة وَالْمُسَاقَاة وَالْقَرْض وَالْهِبَة وَالْوَقْف وَالصَّدَََقَة لِأَنَّهَا أَسبَاب شرعت ذرائع إِلَى الْمَقَاصِد تكْثر الْحَاجة إِلَى التَّوْكِيل فِيهَا وَفِي معنى النِّكَاح الْخلْع وَالطَّلَاق والفسوخ فِي الْعُقُود وَالرَّجْعَة على الصَّحِيح وَفِي معنى اسْتِيفَاء الجزى وَالصَّدقَات قبض الْحُقُوق فِي الرَّهْن وَالْبيع وَقبض الدُّيُون الْمُسْتَحقَّة وَلَا تجوز النِّيَابَة فِيمَا يتَعَلَّق الْقَصْد بِعَيْنِه كالعبادات فَإِنَّهَا بِأَعْيَانِهَا مَقْصُودَة فِي المتعاطين امتحانا وتكليفا فَكيف تقبل التَّحْوِيل بِالتَّوْكِيلِ وَكَذَا الْمعاصِي كالسرقة وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَالْغَصْب فَهِيَ وَاقعَة من الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَقْصُود بالزجر عَن عينه فَيثبت حكمه فِي حَقه فَلَا يتَحَوَّل عَنهُ وَألْحق بفن الْعِبَادَات الْإِيمَان والشهادات فَإِن حكم الْيَمين يتَعَلَّق بِذكر اسْم الله تَعَالَى على سَبِيل التَّعْظِيم وَلَيْسَ فِي التَّوْكِيل ذَلِك وَكَذَلِكَ حكم الشَّهَادَات يتَعَلَّق بِلَفْظ الشَّهَادَة حَتَّى لَا يقوم غَيره مقَامه فَكيف يتَعَلَّق بالساكت عَن كلمة أَدَاء الشَّهَادَة ويلتحق بِالْيَمِينِ اللّعان وَالْإِيلَاء وَكَذَا الظِّهَار إِن قُلْنَا إِن الْمُغَلب عَلَيْهِ شوائب الْإِيمَان لَا شوائب الطَّلَاق

وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاث مسَائِل الأولى الْإِقْرَار وَظَاهر النَّص جَوَاز التَّوْكِيل فِيهِ لِأَنَّهُ سَبَب مُلْزم لمَال فَأشبه الضَّمَان وَغَيره وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابْن سُرَيج واختياره أَنه لَا يَصح لِأَن الْإِقْرَار لَا يلْزم وَإِنَّمَا هُوَ حجَّة وإخبار كَالشَّهَادَةِ فَإِن لم يجوز التَّوْكِيل بِهِ فَهَل نجعله مقرا يالتوكيل فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم حملا لقَوْله على الصدْق وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ لم يقر الثَّانِيَة التَّوْكِيل فِي تملك الْمُبَاحَات بِإِثْبَات الْيَد كالإحتطاب والاصطياد واستقاء المَاء وَفِيه وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد بَين قبض الْحُقُوق فَإِنَّهَا قَابِلَة للتوكيل وَقبض الْمَحْظُورَات كالسرقة وَالْغَصْب فَإِنَّهُ لَا يقبل الْوكَالَة

الثَّالِثَة أَن التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ لإِثْبَات الْأَمْوَال والعقوبات للآدميين كَحَد الْقَذْف فِي الْقصاص جَائِز بِرِضا الْخصم وَدون رِضَاهُ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَلَا يجوز التَّوْكِيل بِإِثْبَات الْحُدُود لله تَعَالَى فَإِن الْحق لله تَعَالَى وَهُوَ على الدراء مبناه وَهل يجوز التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاء الْقصاص وحد الْقَذْف لَا شكّ فِي جَوَازه فِي حُضُور الْمُوكل وَفِي غيبته نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْوكَالَة أَنه لَا يسْتَوْفى وَقَالَ فِي الْجِنَايَات وَلَو وكل فَتنحّى بِهِ فَعَفَا الْمُوكل فَقتله الْوَكِيل قبل الْعلم بِالْعَفو فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَمنهمْ من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا فِي حَضرته وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ إِذا حضر رُبمَا رَحمَه فَعَفَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ مأخذهما أَن الْإِبْدَال هَل يتَطَرَّق إِلَيْهَا كالإثبات

بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة لِأَن الْوَكِيل بدل وَهُوَ بَاطِل بِحَال الْحُضُور الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون مَا بِهِ التَّوْكِيل مَمْلُوكا لمُوكلِه فَلَو وَكله بِطَلَاق زَوْجَة سينكحها أَو بيع عبد سيملكه فالوكالة فِي الْحَال بَاطِلَة لِأَنَّهُ فوض إِلَيْهِ مَا لَا يملكهُ الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُوكل بِهِ مضبوط الْجِنْس مَعْلُوما وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا وكل على الْعُمُوم فَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير لم يجز لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر وَلَو قَالَ وَكلتك بِمَا إِلَيّ من تطليق زوجاتي وَعتق عَبِيدِي وَاسْتِيفَاء حقوقي وَقَضَاء ديوني فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ فصل وَقيد بِمَا إِلَيْهِ فَانْتفى الْغرَر وَلَو قَالَ وَكلتك بِكُل قَلِيل وَكثير مِمَّا إِلَيّ من التَّصَرُّفَات فَفِيهِ وَجْهَان

لتردده بَين المرتبين الثَّانِيَة إِذا وكل بِتَصَرُّف خَاص وَقَالَ اشْتَرِ لي عبدا تركيا بِمِائَة صَحَّ وَلم يشْتَرط وَرَاءه وَصفا قطعا لِأَن هَذَا الْقدر ينفى الْغرَر عرفا وَإِن اقْتصر على قَوْله اشْتَرِ عبدا فَالْمَذْهَب الْمَنْع لِأَنَّهُ يعظم فِيهِ الْغرَر وَإِن قَالَ عبدا تركيا وَلم يذكر الثّمن فَفِيهِ وَجْهَان لتردده بَين المرتبتين وَاخْتَارَ ابْن سُرَيج صِحَّته لِأَنَّهُ يكون قد وَطن نَفسه على أَعلَى الْجِنْس الْمَذْكُور الثَّالِثَة إِذا جَوَّزنَا التَّوْكِيل بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَصح حَتَّى يتَبَيَّن قدر الْمقر بِهِ وجنسه لِأَن الْغرَر يعظم فِيهِ وَإِن وَكله بِالْإِبْرَاءِ فليذكر مِقْدَاره فَإِن قَالَ أبرئه من مَالِي عَمَّا لي عَلَيْهِ وعرفه الْمُوكل دون الْوَكِيل والمبرأ عَنهُ جَازَ فَلَا يشْتَرط إِلَّا معرفَة الْمُسْتَحق وَلَو قَالَ بِعْ عَبدِي بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه وَالْمُوكل عَالم بذلك الْقدر وَالْوَكِيل جَاهِل لم يجز فَيعْتَبر فِي العقد علم الْوَكِيل لِأَنَّهُ مُتَعَلق الْعهْدَة بِخِلَاف الْإِبْرَاء الرَّابِعَة لَو قَالَ وَكلتك بمخاصمة خصمي فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْجَوَاز لِأَن الْخُصُومَة جنس وَاحِد وَالثَّانِي لَا لما فِيهِ من الِاخْتِلَاف وَالْأولَى تَصْحِيحه

الرُّكْن الثَّانِي الْمُوكل وَشَرطه أَن يكون قَادِرًا على التَّصَرُّف بِنَفسِهِ فَلَا يَصح تَوْكِيل المحنون وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة فِي عقد النِّكَاح وَالْفَاسِق فِي نِكَاح ابْنَته إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي وَالْعَبْد فِي نِكَاحه لنَفسِهِ وَللْأَب وَالْجد ذَلِك التَّوْكِيل وَهل للْأَخ وَالْعم وَمن يفْتَقر إِلَى الْإِذْن فِي ذَلِك فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم بالوكيل وَالْعَبْد الْمَأْذُون وهما لَا يملكَانِ التَّوْكِيل فِي التَّصَرُّف الْمعِين إِلَّا بِالْإِذْنِ وَمِنْهُم من ألحق بالجد وَالْأَب

الرُّكْن الثَّالِث الْوَكِيل وَشَرطه أَن يكون صَحِيح الْعبارَة فالمرأة مسلوبة الْعبارَة فِي النِّكَاح إِيجَابا وقبولا وَكَذَا الْمحرم عندنَا وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون مسلوبا الْعبارَة مُطلقًا وَالأَصَح أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالتبذير صَحِيح الْعبارَة وَكَذَا الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس فَيصح توكيلهم وَذكروا فِي تَوْكِيل العَبْد بِقبُول النِّكَاح وتوكيل الْمَرْأَة بتطليق غَيرهَا وتوكيل الْفَاسِق بِالْإِيجَابِ فِي النِّكَاح وَجْهَيْن إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا يَلِي مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ يتوكل فِي الْقبُول وَيَنْبَغِي أَن يطرد الْوَجْهَانِ أَيْضا فِي إِيجَاب العَبْد فِي النِّكَاح والأسد الْجَوَاز فِي الْكل إِذْ لَا خلل فِي نفس الْعبارَة وَإِنَّمَا امْتنع الِاسْتِقْلَال لِمَعْنى لَا يَقْتَضِي منع الْوكَالَة

الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن الْإِيجَاب لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ قَوْله وَكلتك أَو أَذِنت لَك أَو مَا يقوم مقَامه وَفِي الْقبُول ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ تسليط وَإِبَاحَة فَأشبه إِبَاحَة الطَّعَام وَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه لابد من الْقبُول ثمَّ يَكْفِي التَّرَاضِي وَالْقَبُول بِالْفِعْلِ وَهَذَا عين إِسْقَاط الْقبُول بتنزيله منزلَة الْإِبَاحَة وَالثَّانِي أَنه يشْتَرط لِأَنَّهُ عقد كالعقود وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي إِن قَالَ بِعْ وطلق وأتى بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ كالإباحة وَإِن قَالَ وَكلتك أَو أنبتك فَهَذَا من حَيْثُ الصِّيغَة يَسْتَدْعِي قبولا لينتظم وَقد أطلق الْأَصْحَاب أَن الْوَكِيل لَو عزل نَفسه يَنْعَزِل وعَلى رَأْي القَاضِي يحْتَمل أَن يُقَال لَا تَأْثِير لرد الْوكَالَة كَمَا لَا تأثر لرد الْإِبَاحَة وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِبَاحَة تبطل بِالرَّدِّ فَيحْتَاج إِلَى استئنافها بعد ذَلِك إِن قُلْنَا لَا يشْتَرط قبُوله فَفِي اشْتِرَاط علمه وَجْهَان مرتبان على انعزاله

بِالْعَزْلِ دون علمه وَأولى بِأَن يشْتَرط فَإِن قُلْنَا يشْتَرط علمه فَفِي اشْتِرَاط اتِّصَاله بِالْوكَالَةِ مقترنا وَجْهَان الثَّانِيَة تَعْلِيق الْوكَالَة بِالشُّرُوطِ فِيهِ خلاف مَشْهُور مِنْهُم من بناه على اشْتِرَاط الْقبُول فَإِن التَّعْلِيق مَعَه لَا يَنْتَظِم قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِن لم يشْتَرط الْقبُول جَازَ التَّعْلِيق لِأَن الْحَاجة قد تمس إِلَيْهِ وَإِن شرطنا الْقبُول فَوَجْهَانِ فَإنَّا نجوز تَعْلِيق الْخلْع وَقد شَرط فِيهِ الْقبُول فَإِن أفسدنا التَّعْلِيق فَوجدَ الشَّرْط قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَازَ التَّصَرُّف بِحكم الْإِذْن وَفَائِدَة فَسَاد الْوكَالَة سُقُوط الْمُسَمّى إِن سمى لَهُ أُجْرَة وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بِأَن الْإِذْن لَيْسَ مُنْفَصِلا عَن الْوكَالَة فَمَعْنَى فَسَادهَا بطلَان الْإِذْن فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ وَكلتك الْآن وَلَكِن لَا تباشر التَّصَرُّف إِلَّا بعد شهر أَو بعد قدوم فلَان قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ وَقَالُوا لَيْسَ هَذَا تَعْلِيقا إِنَّمَا هُوَ تَأْخِير فَيجب عَلَيْهِ الِامْتِثَال وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الثَّانِي إِذا قَالَ كلما عزلتك فَأَنت وَكيلِي وجوزنا التَّعْلِيق عَاد وَكيلا فطريقه فِي الْعَزْل أَن يَقُول كلما عدت وَكيلِي فَأَنت مَعْزُول حَتَّى يتقاوم الْعَزْل وَالْوكَالَة وَيكون الأَصْل منع التَّصَرُّف

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْوكَالَة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلها أَرْبَعَة أَحْكَام الحكم الأول وجوب الْمُوَافقَة والامتثال وَيعرف ذَلِك من مُوَافقَة اللَّفْظ وَلَا يعرف بِمُجَرَّدِهِ بل قد يُوَافق اللَّفْظ وَلَا يَصح لمُخَالفَة الْمَقْصُود وَقد يُخَالف اللَّفْظ فَيصح لموافقة الْمَقْصُود فَأَما مَا يُوَافق اللَّفْظ فِي عُمُومه وَيمْتَنع بمخالفة الْمَقْصُود فَذَلِك فِي الْوَكِيل الْمُطلق وَفِيه صور الأولى أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يَبِيع بِالْعرضِ وَلَا النَّسِيئَة وَلَا بِمَا دون ثمن الْمثل وَلَا بِثمن الْمثل إِن قدر على مَا فَوْقه فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك لم يَصح تصرفه عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عته لِأَن قرينَة الْعرف عرفت هَذِه الْمَقَاصِد فَنزل منزلَة اللَّفْظ فَهُوَ كَمَا إِذا أمره بشرَاء الجمد فِي الصَّيف فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الشتَاء وَإِذا أمره بشرَاء الفحم فِي الشتَاء فَلَا يَشْتَرِيهِ فِي الصَّيف تركا لعُمُوم اللَّفْظ بِقَرِينَة الْحَال فَيجب أَن يَبِيع بِالنَّقْدِ الْغَالِب وَثمن الْمثل فَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل فَطلب فِي مجْلِس الْخِيَار بِزِيَادَة فَفِي وجوب الْفَسْخ وَجْهَان فصلناهما فِي كتاب الرَّهْن الثَّانِيَة أَن يَبِيع مِمَّن شَاءَ من أَقَاربه وَلَا يَبِيع من نَفسه عِنْد الْإِطْلَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَبِيع مِمَّن ترد شَهَادَته لَهُ

وَذَلِكَ وَجه لِأَصْحَابِنَا مَشْهُور فِي طَريقَة الْعرَاق وَالصَّحِيح أَنه ينفذ مهما رَاعى الْغِبْطَة وَبيعه من نَفسه خَارج عَنهُ بِقَرِينَة الْعرف نعم لَو صرح بِالْإِذْنِ فِي بَيْعه من نَفسه فقد ذكر ابْن سُرَيج وَجْهَيْن الْقيَاس الظَّاهِر صِحَّته وَوجه الْمَنْع أَنه يتحد البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَالْبيع فعل شَرْعِي مُتَعَدٍّ إِلَى مبتاع ومبيع فَلَا يقوم إِلَّا بمفعولين وطرد ابْن سُرَيج هَذَا فِي ابْن الْعم أَنه هَل يتَوَلَّى طرفِي النِّكَاح لنَفسِهِ وَكَذَا الْوَكِيل فِي النِّكَاح وطرد هَذَا فِي قطع الْيَد بِإِذن الإِمَام سَرقَة وقصاصا وَإِقَامَة الْحَد إِذا تعاطاها من عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ وَكَذَلِكَ من عَلَيْهِ الدّين إِذا قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق اقبض لي من

نَفسك وَقَالَ لَو وَكله من عَلَيْهِ الدّين بإبراء نَفسه جَازَ وطرد الْعِرَاقِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ وَلَعَلَّ منشأه أَنه إِذا قيل هَل يفْتَقر إِلَى الْقبُول يلْتَحق بِسَائِر التَّصَرُّفَات وَإِلَّا فَمَا ذكره ابْن سُرَيج ظَاهر وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ من الْجَانِبَيْنِ أَنه هَل يَصح وَلَا خلاف أَن الْأَب يتَوَلَّى طرفِي البيع فِي مَال وَلَده وَذَلِكَ من خاصية الْأُبُوَّة وَفِي تولي الْجد طرفِي النِّكَاح على حفدته الْوَجْهَانِ وَلَو كَانَ وَكيلا بِالْبيعِ وَالشِّرَاء من الطَّرفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَن يخرج على الْوَجْهَيْنِ فَإِن التَّنَاقُض فِيهِ لَا يزِيد على بَيْعه من نَفسه وَلَو وكل عبدا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من مَوْلَاهُ صَحَّ وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجه أَنه لَا يَصح لِأَن تَوْكِيل العَبْد كتوكيل الْمولى فَإِن يَده بِيَدِهِ وَلَو وَكله ليَشْتَرِي لَهُ من نَفسه لَا يجوز على أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف نعم قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو أضَاف العَبْد الشِّرَاء إِلَى مُوكله وَقع عَنهُ وَلَو أطلق وَقع عَن العَبْد وَعتق لِأَن قَوْله اشْتريت صَرِيح فِي اقْتِضَاء الْعتْق فَلَا يتَحَوَّل إِلَى الْملك بِمُجَرَّد النِّيَّة وَلَو وكل العَبْد أَجْنَبِيّا ليَشْتَرِي لَهُ نَفسه من سَيّده فَإِن صرح بِالْإِضَافَة إِلَى العَبْد صَحَّ وَإِن أضمر وَقع عَنهُ لِأَن السَّيِّد لم يرض بِالْعِتْقِ وَالنَّقْل إِلَى العَبْد كالإعتاق الثَّالِثَة الْوَكِيل بِالْبيعِ إِلَى أجل إِن فصل لَهُ الْأَجَل لم يزدْ وَإِن أذن

مُطلقًا فِي الأَصْل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْبطلَان لِأَنَّهُ مَجْهُول وَالأَصَح الصِّحَّة ثمَّ يتَقَيَّد بِشَرْط الْغِبْطَة وَقيل لَا يزِيد على سنة فَإِنَّهُ أجل الشَّرْع فِي الْجِزْيَة وَالزَّكَاة وَهُوَ ضَعِيف الرَّابِعَة الْوَكِيل بِالْبيعِ مُطلقًا لَا يملك تَسْلِيم الْمَبِيع قبل توفير الثّمن لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فِيهِ فَإِن وفر على الْمَالِك جَازَ التَّسْلِيم لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ فَعَلَيهِ الْأَدَاء أَن لَا يمْنَع من الْحق لِأَنَّهُ ملكه بِالتَّوْكِيلِ وَكَذَلِكَ التَّوْكِيل بِالشِّرَاءِ يملك تَسْلِيم الثّمن وَيملك قبض المُشْتَرِي لِأَن الْعرف يدل عَلَيْهِ وَهُوَ يملك قبض ثمن الْمَبِيع الْمعِين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ لم يَأْذَن وَتَعْيِين ملكه بِالْقَبْضِ يَسْتَدْعِي أمرا مجددا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع البيع كقبض المُشْتَرِي الْمعِين فَكَذَلِك الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَات حق هَل يملك استيفاءه الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ هَل يملك الْخُصُومَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

الثَّالِث أَن الْوَكِيل بِإِثْبَات الْحق لَا يملك الِاسْتِيفَاء أما الْوَكِيل بِالِاسْتِيفَاءِ فَيملك الْخُصُومَة لِأَنَّهُ من جملَة الِاسْتِيفَاء وَكَذَا الْخلاف فِي أَن الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا توجه الدَّرك بِالثّمن عِنْد خُرُوج الْمَبِيع مُسْتَحقّا هَل يُخَاصم فِي اسْتِرْدَاد الثّمن لِأَنَّهُ من التوابع وَلَا خلاف فِي أَنه لَا يملك الْإِبْرَاء عَن الثّمن خلافًا لأبي حنيفَة وَيقرب من هَذَا الأَصْل الْخلاف فِي أَنه هَل يملك إِثْبَات الْخِيَار وَشَرطه فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَن لم يُؤذن لَهُ فِيهِ وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ من تَوَابِع العقد ومصالحه وَالثَّالِث أَنه يملك فِي الشِّرَاء للْحَاجة إِلَى التروي وَلَا يملك فِي البيع الْخَامِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِالشِّرَاءِ إِن اشْترى عبدا معيبا يُسَاوِي مَا اشْتَرَاهُ بِهِ فَإِن جهل الْعَيْب وَقع عَن الْمُوكل وَإِن علمه فَثَلَاثَة أوجه لأحدها نعم لِأَن صِيغَة العَبْد عَام وَالثَّانِي لَا لِأَن لعرف يخصص بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّالِث أَن مَا لَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لَا يَقع عَن جِهَته فَقَوله اشْتَرِ رَقَبَة كَقَوْل الله تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة}

أما إِذا كَانَ لَا يُسَاوِي مَا اشْترى بِهِ فَإِن علم الْعَيْب لم يَقع عَن الْمُوكل لِأَنَّهُ مُخَالف وَإِن جهل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا كَمَا لَو كَانَ يغبن وَلم يعرف وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغبن لَا تدارك لَهُ وإيقاع هَذَا عَنهُ ووقوعه على رضَا الْمُوكل مُمكن التَّفْرِيع إِذا اشْترى الْمَبِيع الْمَعِيب بِثمن الْمثل وَقُلْنَا يَقع عَنهُ فللموكل الرَّد وَهل للْوَكِيل الرَّد بِالْعَيْبِ نظر إِن لم يكن العَبْد معيبا من جِهَة الْمُوكل فَالظَّاهِر أَن لَهُ ذَلِك ليخرج عَن الْعهْدَة فَيكون من تَوَابِع العقد ومصالحه وَفِيه وَجه حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يملك وَهُوَ مُتَّجه قِيَاسا بل يرجع إِلَى الْمُوكل أما إِذا كَانَ العَبْد معينا من جِهَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ مشهوران وَوجه الْفرق أَنه قطع بِالتَّعْيِينِ نظره فَلَعَلَّ لَهُ فِيهِ غَرضا يجْبر الْعَيْب إِذا علمه

فَإِذا أثبتنا الْخِيَار للْوَكِيل فَإِذا رَضِي الْمُوكل سقط خِيَار الْوَكِيل فَإِن رَضِي الْوَكِيل لم يسْقط خِيَار الْمُوكل فَلَو عَاد الْوَكِيل بعد الرِّضَا جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن رِضَاهُ كَانَ سَاقِطا وَفِيه وَجه أَنه لم يجز لَهُ الرَّد فَلَو أَرَادَ الْوَكِيل الرَّد فَادّعى البَائِع رضَا الْمُوكل فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَو يحلف الْوَكِيل أَنه لَا يعلم رضَا الْمُوكل وَيرد ليخرج عَن الْعهْدَة أما إِذا كَانَ الْوَكِيل عَالما بِالْعَيْبِ وَقُلْنَا يَقع عَن الْمُوكل فَلَا رد لَهُ وَهل للْمُوكل الرَّد فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن علم الْوَكِيل كعلم الْمُوكل كَمَا أَن رُؤْيَته تمنع الْمُوكل من خِيَار الرُّؤْيَة فَإِن قُلْنَا لَهُ الرَّد فَإِذا رد هَل يتَحَوَّل العقد الْآن إِلَى المُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه وَقع فِي الِابْتِدَاء عَن الْمُوكل فَلَا يعقل انْتِقَاله السَّادِسَة الْوَكِيل الْمُطلق بِتَصَرُّف معِين لَا توكل فِيهِ

وَلَو فوض إِلَيْهِ تَصَرُّفَات لَا يطيقها فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فَلْيفْعَل مَا يقدر عَلَيْهِ وليترك الْبَاقِي وَالثَّانِي نعم لِأَن قرينَة الْحَال يدل على أَنه أَرَادَ تَحْصِيله مِنْهُ بطريقة وَالثَّالِث أَنه لَا يُوكل فِي الْقدر الميسور ويوكل فِي الْبَاقِي آما إِذا أذن لَهُ فِي التَّوْكِيل بَان قَالَ بِعْ أَو وكل عني فَلهُ أَن يُوكل أَمينا فَلَو وكل خائنا لم يَصح لِأَنَّهُ خلاف الْغِبْطَة فان كَانَ أَمينا فخان فَهَل للْوَكِيل عَزله فِيهِ وَجْهَان ثمَّ إِذا قَالَ وكل عني فَوكل أَمينا فالوكيل الثَّانِي وَكيل الْمُوكل لَا يَنْعَزِل بعزل الْوَكِيل فان قَالَ وكل عَن نَفسك فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا ان الْوَكِيل الثَّانِي وَكيل الْوَكِيل كَمَا صرح بِهِ وَالثَّانِي وَكيل الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل لَا يملك فَكيف يكون لَهُ وَكيل ان قُلْنَا انه وَكيل الْوَكِيل فَلهُ عَزله وسبيل الْمُوكل إِلَيّ عَزله بعزل الْوَكِيل الأول فان خصصه بِالْعَزْلِ فَوَجْهَانِ

وان قُلْنَا وَكيل الْمُوكل فَلَا يَنْعَزِل الْوَكِيل الأول وَهل يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ وَجْهَان وَوجه الانعزال أَنه فرع على الْجُمْلَة وَلَو قَالَ بِعْ أَو وكل وَلم يقل عَن نَفسك أَو عني فعلى أَيهمَا يحمل على وَجْهَيْن هَذَا كُله فِي الْوَكِيل الْمُطلق أما الْوَكِيل الْمُقَيد فَيجب عَلَيْهِ أَن يتبع قيود التَّوْكِيل وَلَا يُخَالف وَفِيه صور الأولى لَو قَالَ بِعْ من شخص مَخْصُوص أَو فِي مَكَان مَخْصُوص أَو بِنَقْد مَخْصُوص أَو وَقت مَخْصُوص أَو أجل مَخْصُوص لم يجز لَهُ ان يتَعَدَّى الى مَا نَهَاهُ وَلَا الى مَا سكت عَنهُ اذ 1 تصور ان يكون لَهُ فِي الْمَخْصُوص غَرَض وَفِي تَخْصِيص الْمَكَان الَّذِي لَا يظْهر فِيهِ تفَاوت ثمن وَجه

آخر أَنه لَا يجب اتِّبَاعه وَيحمل التَّخْصِيص على وفَاق فَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَلَا تبع بِمَا فَوْقه لَا يَبِيع بِمَا فَوْقه وَلَو قَالَ بِعْ بِمِائَة وَاقْتصر عَلَيْهِ لَا يَبِيع منا دونه وَيبِيع بِمَا فَوْقه ألانه امتثل مَا آمُر وَزَاد خيرا فَلم تكن مُخَالفَة كَذَلِك إِذا قَالَ اشْتَرِ بالفين فَاشْتَرَاهُ بآلف صَحَّ لِأَنَّهُ زَاده خيرا آلا إِذا نَهَاهُ عَمَّا دون الآلفين وَلَو قَالَ بِعْ بآلف دِرْهَم فَبَاعَ بآلف دِينَار لم يَصح قطعا لانه مُخَالفَة فِي الْجِنْس وَاللَّفْظ لم يدل عَلَيْهِ فيبق ميله طبعا إِلَيْهِ فَهُوَ كَمَا قبل التَّوْكِيل وَلَو قَالَ بِعْ بِالنَّسِيئَةِ بِمِائَة فَبَاعَ بمئه نَقْدا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه اخْتِلَاف جنس فَلَا يحْتَمل وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَنَّهُ زَاده مَكَان الْمُطَالبَة فِي الْحَال فَهَذَا زِيَادَة قدر الثَّانِيَة إِذا سلم إِلَيْهِ دِينَارا وَقَالَ اشْتَرِ بِهِ شَاة فَاشْترى بِهِ

شَاتين وكل وَاحِدَة تَسَاوِي دِينَارا أَو دِينَارا وَنصفا لم يجز لِأَنَّهُ رُبمَا يَبْغِي شَاة تَسَاوِي دِينَارا فَلَو اشْترى شَاتين كل وَاحِدَة يُسَاوِي دِينَارا فَقَوْلَانِ أصَحهمَا الصِّحَّة لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دفع دِينَارا إِلَى عُرْوَة ليَشْتَرِي لبه شَاة فاشتري شَاتين وَبَاعَ إحديهما بِدِينَار وَجَاء بِدِينَار وَالشَّاة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام بَارك الله لَك فِي صَفْقَة يَمِينك فان قيل فَمَا قَوْلكُم فِي بيع الشَّاة الثَّانِيَة قُلْنَا ذكر ابْن سُرَيج قَوْلَيْنِ وَوجه الْفساد يخرج الى تَأْوِيل الحَدِيث وَحمله الى أَنه كَانَ وَكيلا مُطلقًا فِي التَّصَرُّفَات وَوجه الصِّحَّة يعضد قَول وقف الْعُقُود وَيُمكن أَن يُقَال جرى هَاهُنَا لفظ يدل على أَن الَّذِي جرى يُوَافق الرِّضَا فَلم يكن كوقف الْعُقُود بل يَصح فِي الْحَال وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يَصح وَهَذَا لَا وَجه لَهُ مَعَ الْخَبَر

وَلَو قَالَ بِعْ هَذَا العَبْد بِمِائَة فَبَاعَ بِمِائَة وَعبد آخر يُسَاوِي مائَة فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لانه جمع بَين جِنْسَيْنِ فان قُلْنَا لَا يَقع عَنهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انه يفْسد وَالثَّانِي انه يَصح فِي نصف العَبْد فَكَانهُ قَالَ بِعْ العَبْد بآلف فَبَاعَ نصفه بإلف صَحَّ لانه زَاده خير الثَّالِثَة لَو كُله بشرَاء عبد بِأَلف فَاشْترى نصفه باربعمائة لم يَقع عَنهُ فَلَو اشْترى النّصْف الْبَاقِي باربعمائة أُخْرَى لم يَنْقَلِب إِلَيْهِ الْكل بعد انْصِرَافه عِنْد ابْتِدَاء وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد بصفقة وَاحِدَة فليشتر من شخص وَاحِد فَلَو اشْترى من أشخاص فِي صَفْقَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا لالان الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع وَالثَّانِي نعم لَان الْمَقْصُود ان يكون الْكل مجموعا فِي ملكه أما إِذا قَالَ اشْتَرِ لي عشرَة اعبد مُطلقًا فَلهُ ان يَشْتَرِي فِي صفقات وَفِي صَفْقَة كَيفَ شَاءَ الربعة إِذا وَكله بشرَاء فَاسد لم يَصح الْوكَالَة وَلَا يَسْتَفِيد بهَا الشِّرَاء الصَّحِيح وَلَو قَالَ خَالع زَوْجَتي على خمر فَفعل وَقع الْخلْع كَمَا لَو تعاطاه بِنَفسِهِ فَلَو خَالع على خِنْزِير فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يَصح لانه مُخَالف وَالثَّانِي نعم لَان قَوْله فِي التَّعْيِين فَاسد إِنَّمَا الصَّحِيح اصل الْخلْع حَتَّى لَو خَالع على عوض صَحِيح نفذ الْخلْع وَفَسَد الْعِوَض وَكَذَا فِي الصُّلْح عَن الدَّم الْخَامِسَة الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لَا يقر على مُوكله لَان اللَّفْظ لَا يتَنَاوَلهُ وضعتا وَعرفا خلافًا لأبى حنيفَة رَحمَه الله وَلَا تقبل شَهَادَته لمُوكلِه فانه مُتَّهم فان شهد بعد الْعَزْل وَكَانَ قد انتصب مخاصما فِي الْوكَالَة لم تقبل لانه صَار ذَا غَرَض طبعي فِي تَصْدِيق نَفسه وتمشية قَوْله وان لم ينْتَصب فعزل سَمِعت شَهَادَته

وَقَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ لَهُ أَن يعدل شُهُود خصم الْمُوكل كَمَا لَا يملك الْإِقْرَار وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لم يستفد التَّعْدِيل من الْوكَالَة فَإِنَّهُ يعدل من غير وكَالَة نعم لَا يَجْعَل تعديله وَحده كإقرار الْمُوكل بعد التهم وَلَا وَجه لما أطلقهُ الْأَصْحَاب إِلَّا أَنه بتعديل الشُّهُود مقصر فِي الْوكَالَة وتارك حق النصح وَالْغِبْطَة لَهُ السَّادِسَة إِذا قَالَ خُذ مَالِي من فلَان فَمَاتَ لم يَأْخُذهُ من ورثته لِأَنَّهُ قد رَضِي بيد ورثته وَلَو قَالَ خُذ مَالِي من الْحق على فلَان جَازَ أَن يَأْخُذ من ورثته لِأَن قَصده اسْتِيفَاء الْحق وَكَذَلِكَ لَو وكل الْعدْل فِي بيع الْمَرْهُون وَهُوَ حِنْطَة فأتلفها أَجْنَبِي فَأخذ مثلهَا لم يكن لَهُ بيعهَا لِأَن الْإِذْن لَا يتَنَاوَل الْبَدَل السَّابِعَة لَو وكل رجلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ فَهَل لكل وَاحِد الاستبداد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كالوصيين والوكيلين فِي التَّصَرُّف وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعرف فِي الْخُصُومَة يجوز ذَلِك الثَّامِنَة إِذا سلم إِلَيْهِ ألفا وَقَالَ اشْتَرِ بِعَينهَا عبدا فَاشْترى فِي الذِّمَّة لم يَقع عَن الْمُوكل لمُخَالفَته وَلَو قَالَ اشْتَرِ فِي الذِّمَّة واصرف الْألف فِيهِ فَاشْترى بِعَينهَا فَوَجْهَانِ وَوجه التَّصْحِيح أَنه لم يتَفَاوَت إِلَّا أَنه يَنْفَسِخ العقد بتلفه فَلَا يلْزمه الْألف عِنْد

التّلف وَلَو اشْترى فِي الذِّمَّة للزمه فِي التّلف والبقاء فقد زَاده خيرا وَلَو سلم للألف وَقَالَ اشْتَرِ عبدا مُطلقًا فعلى مَاذَا يحمل فِيهِ وَجْهَان فَإِن حملنَا على الشِّرَاء بِعَيْنِه لم يجز الشِّرَاء فِي الذِّمَّة التَّاسِعَة إِذا قَالَ بِعْ من زيد بِأَلف فَبَاعَ بِأَلفَيْنِ لم يجز لِأَن لَهُ فِي مسامحته غَرضا بعد التَّعْيِين إِلَّا إِذا علم خِلَافه بِالْقَرِينَةِ وَإِن وَكله فِي بيع عبد بِأَلف فَبَاعَ نصفه بِأَلف جَازَ وَلَو كَانَ بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يشترى بِمَا يكمل الْألف وَلَو قَالَ بِعْ ثَلَاثَة أعبد بِأَلف فَبَاعَ وَاحِدًا بِمَا دون الْألف لم يجز لِأَن الْبَاقِي رُبمَا لَا يَشْتَرِي بِمَا لايكمل الْألف وَلَو بَاعَ بِأَلف جَازَ وَهل يبْقى وَكيلا فِي بيع الْبَاقِي وَجْهَان أَحدهمَا لَا لحُصُول الْمَقْصُود وَالثَّانِي نعم كَمَا إِذا بَاعَ دفْعَة وَاحِدَة بِأَلفَيْنِ مَعَ الْقُدْرَة على بيع وَاحِد بِأَلف فَإِن قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة وَلَا تشتره بِخَمْسِينَ لم يشتر بالخمسين وَلَا بِمَا فَوق الْمِائَة وَيَشْتَرِي بِمَا بَين الْخمسين وَالْمِائَة وَهل يَشْتَرِي بِمَا دون الْخمسين وَجْهَان وَلَو قَالَ اشْتَرِ العَبْد بِمِائَة فَاشْترى بِمِائَة وَعشرَة لم يَقع عَن الْمُوكل

وَقَالَ ابْن سُرَيج يَقع ويلتزم الْوَكِيل من عِنْده عشرَة وَهُوَ بَاطِل بِمَا لَو بَاعَ العَبْد الْمَأْذُون فِي بَيْعه بِمِائَة بتسعين فَإِنَّهُ لَا يَصح البيع اعْتِمَادًا على ضَمَان الْعشْرَة وَقَالَ الإِمَام مَا ذكره ابْن سُرَيج لَهُ وَجه فَإِن من قَالَ لغيره بِعْ دَارك من فلَان وَلَك عَليّ عشرَة جَازَ على أحد الْوَجْهَيْنِ فَكَذَلِك فعله ينزل على هَذَا إِذْ لَيْسَ يرد عَلَيْهِ إِذا قَالَ بِعْ بِمِائَة فَبَاعَ بتسعين لِأَن الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي الْتِزَامه المَال بِأَن يَبِيع بتسعين فَإِن قيل فَحَيْثُ خَالف الْوَكِيل مَا حكمه قُلْنَا إِن خَالف فِي البيع لبطل أصلا وَإِن خَالف فِي الشِّرَاء وَاشْترى بِعَين مَال الْمُوكل أَيْضا بَطل وَإِن كَانَ فِي الذِّمَّة وَقع عَن الْوَكِيل إِلَّا إِذا صرح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُوكل فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يلغي إِضَافَته وَالثَّانِي أَنه يبطل من أَصله لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل كَلَامه مَعَ التَّصْرِيح بإضافته إِلَيْهِ بِخِلَاف الْمُطلق

الحكم الثَّانِي للوكالة ثُبُوت حكم الْأَمَانَة للْوَكِيل حَتَّى أَن مَا يتْلف فِي يَده من الْمَبِيع وَالثمن وَالْمُشْتَرِي لَا يضمنهُ إِذا لم يَتَعَدَّ فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ فَامْتنعَ عصى وَصَارَ ضَامِنا وَلَو انْتفع بِالْمَبِيعِ أَيْضا صَار ضَامِنا فَلَو بَاعَ بعد التَّعَدِّي صَحَّ وَلم يضمن الثّمن وَإِن قَبضه لِأَنَّهُ لم يَتَعَدَّ فِي عَيبه وَلَو وكل بِبيع شَيْء يُسَاوِي عشرَة فَبَاعَ بِتِسْعَة يجوز لِأَن هَذَا الْقدر يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ والاحتراز عَنهُ عسير فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة لم يَصح العقد وَلَا يضمن إِذا لم يسلم لِأَنَّهُ هذيان صدر مِنْهُ وَلم يتَعَلَّق بِالْعينِ فَيصح بَيْعه بعد ذَلِك بِالْعشرَةِ فَلَو بَاعَ بِثمَانِيَة وَسلم فقد تعدى وَالْمُوكل يسْتَردّ الْمَبِيع إِن كَانَ بَاقِيا وَإِن تلف فِي يَد المُشْتَرِي ضمن المُشْتَرِي عشرَة وَله أَن يُطَالب الْوَكِيل أَيْضا وَلَكِن بكم يُطَالِبهُ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا بِالْعشرَةِ وَهُوَ الْأَظْهر وَالثَّانِي بِتِسْعَة إِذْ لَو بَاعَ بِتِسْعَة وَسلم إِلَيْهِ لبرئ عَنهُ وَالثَّالِث أَنه يُطَالِبهُ بدرهم وَالْبَاقِي يتَعَيَّن المُشْتَرِي وبمطالبته إِذْ كَانَ تَنْقَطِع الْمُطَالبَة بِأَن يَبِيع بِتِسْعَة فَإِذا بَاعَ بِثمَانِيَة فقد نقص دِرْهَم وَالصَّحِيح هُوَ الأول ثمَّ كل مَا ضمنه الْوَكِيل يرجع بِهِ على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ تلف فِي يَد المُشْتَرِي فالقرار عَلَيْهِ وَالْوَكِيل فِي السّلم إِذا أَبْرَأ الْمُسلم إِلَيْهِ عَن الْمُسلم فِي وَلم يعْتَرف بِكَوْنِهِ وَكيلا نفذ الْإِبْرَاء ظَاهرا وَلَا ينفذ بَاطِنا وَضمن الْوَكِيل للْمُوكل إِن قُلْنَا إِن

الْحَيْلُولَة بالْقَوْل سَبَب الضَّمَان ثمَّ يضمن لَهُ قيمَة رَأس المَال فَإِن الِاعْتِيَاض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل الْقَبْض لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ عينا وَأَبْرَأ عَن الثّمن فَإِنَّهُ يضمن مبلغ الثّمن لَا قيمَة الْمَبِيع وَمهما طُولِبَ الْوَكِيل أَو الْمُودع بِالرَّدِّ فَكَانَ فِي الْحمام أَو مَشْغُولًا بِالطَّعَامِ لم يعْص بِهَذَا الْقدر من التَّأْخِير وَهُوَ ظَاهر بِالْعرْفِ وَلَكِن قَالَ الْأَصْحَاب لَو تلف فِي هَذِه الْمدَّة ضمن وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِير لغَرَض نَفسه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَهَذَا منقدح إِذا كَانَ التّلف بِسَبَب التَّأْخِير وبعيد إِذا لم يكن التَّأْخِير سَببا فِيهِ

الحكم الثَّالِث الْعهْدَة والمطالبة وَلها ثَلَاث مَوَاضِع الأول فِي الشِّرَاء فالوكيل بِالشِّرَاءِ إِن سلم إِلَيْهِ الثّمن كَانَ مطالبا بِتَسْلِيم مَا سلم إِلَيْهِ وَإِن لم يسلم الْمُوكل إِلَيْهِ شَيْئا وَأنكر البَائِع كَونه وَكيلا فَلهُ مُطَالبَته وَإِن اعْترف بِكَوْنِهِ وَكيلا فَثَلَاثَة أوجه ذكرهَا ابْن سُرَيج أَحدهَا أَنه المطالب فَإِنَّهُ الْعَاقِد وَالثَّانِي أَنه لَا يُطَالب إِلَّا الْمُوكل فَإِنَّهُ المتملك وَالْوَكِيل سفير وَالثَّالِث أَنه يُطَالب أَيهمَا شَاءَ ثمَّ إِن طَالب الْوَكِيل فَالْأَصَحّ أَنه يرجع على الْمُوكل وَفِيه وَجه أَن قَوْله اشْتَرِ لي اقتراح هبة فَهُوَ كَقَوْلِه أد ديني وَفِي الرُّجُوع ثمَّ خلاف الْموضع الثَّانِي إِذا خرج الْمَبِيع مُسْتَحقّا وَقد تلف الثّمن فِي يَد الْوَكِيل فَالْمُشْتَرِي يُطَالب من فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة أَحدهَا الْوَكِيل فَقَط فَإِنَّهُ تلف فِي يَده وَالثَّانِي الْمُوكل فَإِنَّهُ سفير من جِهَته وَالثَّالِث يطالبهما جَمِيعًا ثمَّ قَرَار الضَّمَان على من فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه على الْوَكِيل إِذا تلف فِي يَده فالموكل يرجع عَلَيْهِ

وَالثَّانِي على الْمُوكل لِأَن الْوَكِيل كَانَ مَأْمُورا من جِهَته وَالثَّالِث لَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه بل كل من طُولِبَ اسْتَقر عَلَيْهِ الْموضع الثَّالِث الْوَكِيل بشرَاء العَبْد إِذا قبض العَبْد الْمُشْتَرى وَتلف فِي يَده وَخرج مُسْتَحقّا فالمستحق يُطَالب البَائِع لَا محَالة وَفِي مُطَالبَته للْوَكِيل وَالْمُوكل الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَكَذَا الْخلاف فِي الْقَرار وَتَقْرِير الضَّمَان على الْمُوكل هَاهُنَا أبعد لِأَنَّهُ لم يسْبق مِنْهُ تغرير بِخِلَاف التَّوْكِيل فِي البيع

الحكم الرَّابِع للوكالة الْجَوَاز فَهُوَ جَائِز من الْجَانِبَيْنِ وينعزل الْوَكِيل بِثَلَاثَة أَسبَاب الأول عزول الْمُوكل إِيَّاه بمشهد مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي غيبته فينعزل مهما بلغه الْخَبَر وَقيل بُلُوغ الْخَبَر قَولَانِ الْمَنْصُوص أَنه يَنْعَزِل لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر إِلَى رِضَاهُ فَلَا يفْتَقر إِلَى حُضُوره وَعلمه وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يوثق بتصرفه لتصور عَزله دون مَعْرفَته فَصَارَ كَالْقَاضِي وَفِي القَاضِي وَجه أَنه يَنْعَزِل فِي الْغَيْبَة وَهُوَ بعيد فَإِن عزل القَاضِي بِغَيْر سَبَب لَا يجوز وعزل الْوَكِيل جَائِز وَلَا خلاف فِي أَن الْمُوكل لَو بَاعَ مَا وكل فِي بَيْعه أَو أعتق انْعَزل الْوَكِيل ضمنا فَإِن قُلْنَا ينفذ عَزله فِي الْغَيْبَة فليشهد الْمُوكل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يسمع مُجَرّد قَوْله بعد تصرف الْوَكِيل السَّبَب الثَّانِي عزل الْوَكِيل نَفسه وتعديه فِي مَال الْوكَالَة لَيْسَ ردا للوكالة بل يبْقى وَكيلا على الْأَصَح وَإِن صَار ضَامِنا بإنكاره الْوكَالَة هَل يَجْعَل إنْشَاء للرَّدّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَالأَصَح هُوَ الثَّالِث وَهُوَ أَنه إِن قَالَ ذَلِك عَن نِسْيَان

أَو لغَرَض فِي إخفاء الْوكَالَة فَلَا يكون عزلا وَإِن أنكر مَعَ الْعلم فَهُوَ رد للوكالة من جِهَته الثَّالِث أَن يخرج الْمُوكل بالجنون أَو الْمَوْت عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة التَّوْكِيل أَو الْوَكِيل عَن أَهْلِيَّة الِامْتِثَال بالجنون وَالْمَوْت وَالأَصَح أَنه لَا يَنْعَزِل بالإغماء وينعزل بالجنون وَإِن قل وَقيل لَا يَنْعَزِل بهما وَقيل يَنْعَزِل بهما جَمِيعًا فَلَو وكل عَبده ثمَّ أعْتقهُ أَو بَاعه أَو كَاتبه فَفِي انعزاله ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لعُمُوم الْإِذْن وَبَقَاء الْأَهْلِيَّة وَالثَّانِي نعم لِأَن أمره مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام وَقد بَطل محلية الِاسْتِخْدَام فِي حَقه وَالثَّالِث أَنه ينظر إِلَى لَفظه فَإِن قَالَ وَكلتك بَقِي بعد زَوَال سلطنته وَإِن قَالَ بِعْ واشتر بِصِيغَة الْأَمر فَهُوَ مَحْمُول على الِاسْتِخْدَام

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تنَازع الْوَكِيل وَالْمُوكل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتنازعهما فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع الأول التَّنَازُع فِي أصل الْوكَالَة أَو صفتهَا كَقَوْل الْوَكِيل وكلتني فَقَالَ مَا وَكلتك أَو قَالَ وكلتني بِبيع الْكل فَقَالَ بل بِالْبَعْضِ أَو قَالَ أَذِنت لي فِي البيع بِالنَّسِيئَةِ فَقَالَ بل بِالنَّقْدِ أَو قَالَ أَذِنت فِي الشِّرَاء بِعشْرين فَقَالَ بل بِالْعشرَةِ فَالْقَوْل فِي جَمِيع ذَلِك قَول الْمُوكل لِأَن الأَصْل عَدمه فرعان أَحدهمَا إِذا بَاعَ الْوَكِيل بِالنَّسِيئَةِ وَأنكر البَائِع الْإِذْن فِي الْأَجَل فَإِن كَانَ الْمَبِيع قَائِما اسْتردَّ وَالْقَوْل قَوْله وَلَو أنكر المُشْتَرِي كَونه وَكيلا لم يقبل قَول الْمُوكل عَلَيْهِ بل يحلفهُ على أَنه لَا يعلم كَونه وَكيلا من جِهَته فَإِذا حلف فللموكل مُطَالبَة الْوَكِيل بِقِيمَة السّلْعَة ثمَّ إِذا انْقَضى الْأَجَل فللوكيل أَن يُطَالب المُشْتَرِي بِالثّمن وَيَأْخُذهُ بِمَا غرمه فَإِن زَاد على مَا غرمه فَالزِّيَادَة لَا يدعيها لنَفسِهِ وَلَا البَائِع وَلَا المُشْتَرِي فَمَاذَا يصنع بِهِ وَفِي مثله خلاف مَشْهُور فَإِن كذب الْوَكِيل نَفسه أَيْضا وَقَالَ صدق الْمُوكل لم يكن لَهُ أَن يُطَالب إِلَّا بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الثّمن أَو الْقيمَة ليجبر حق نَفسه مِمَّا غرم

الثَّانِي إِذا اشْترى جَارِيَة عشْرين فَقَالَ الْمُوكل مَا أَذِنت إِلَّا فِي عشرَة فَالْقَوْل قَوْله فَإِن كَانَ اشْترى بِعَين مَاله فَهُوَ بَاطِل وَإِن اشْترى فِي الذِّمَّة واعترف البَائِع بِالْوكَالَةِ فكمثل فَإِن أنكر الْوكَالَة لم يقبل قَوْله على البَائِع وَيغرم الْوَكِيل للْمُوكل مَاله مهما حلف على أَنه لم يَأْذَن وَتبقى الْجَارِيَة فِي يَد الْوَكِيل فيتلطف الْحَاكِم بالموكل وَيَقُول لَهُ لَا يَضرك أَن تَقول للْوَكِيل بِعْتُك الْجَارِيَة بِعشْرين حَتَّى تسلم لَك الْعشْرُونَ فَإِن قَالَ ذَلِك حصل الْغَرَض فَإِن قَالَ إِن كنت قد أَذِنت لَك فَلَو بِعْتُك فَفِي هَذِه الصِّيغَة وَجْهَان أصَحهمَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن هَذَا من مُقْتَضى الشَّرْع وَإِن لم يُصَرح وَإِن أَبى الْمُوكل ذَلِك قَالَ الْمُزنِيّ يَبِيع الْوَكِيل الْجَارِيَة وَيَأْخُذ مَا غرم من ثمنهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي وَجْهَان أَحدهمَا مَا قَالَه الْمُزنِيّ وَالثَّانِي أَنه يملك ظَاهرا وَبَاطنا بِنَاء على مَا إِذا ادّعى على غَيره أَنَّك اشْتريت دَاري فَأنْكر وَحلف فَيُسْتَحَب للْمُشْتَرِي أَن يَقُول إِن كنت اشْتَرَيْته فقد فسخت فَإِن لم يقل فالبائع على قَول يَبِيع الدَّار وَيَأْخُذ ثمنهَا وعَلى قَول يملكهُ وَيكون إِنْكَاره كإفلاسه فَهُوَ أَحَق بِعَين مَاله قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يملك الْجَارِيَة قولا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيح بِخِلَاف مسالة

الدَّار فَإِن تعذر الثّمن ثَبت الرُّجُوع إِلَى الْمَبِيع وَهَاهُنَا لَا مُعَاملَة بَين الْوَكِيل وَالْمُوكل فعلى هَذَا الْوَجْه أَن يُقَال قد ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخذهُ بِحقِّهِ وَيقطع بِهَذَا القَوْل هَاهُنَا لِأَن من لَهُ الْحق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ بِخِلَاف مَا إِذا ظفر بِغَيْر جنس حَقه من مَال من يَدعِي المَال لنَفسِهِ

النزاع الثَّانِي فِي التَّصَرُّف الْمَأْذُون فِيهِ فَإِذا قَالَ الْوَكِيل بِعْت أَو أعتقت أَو اشْتريت وَأنكر الْمُوكل فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْوَكِيل لِأَنَّهُ مَأْذُون أَمِين قَادر على الْإِنْشَاء وَهُوَ أعرف بِهِ وَالثَّانِي أَن القَوْل قَول الْمُوكل إِذا الأَصْل عَدمه وَقَوله بِعْت إِقْرَار على الْمُوكل فَلَا يلْزمه وَكَذَا الْخلاف إِذا وَكله بِقَضَاء الدّين فَقَالَ قضيت أما إِذا ادّعى الْوَكِيل تلف المَال فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين فإقامة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ غير مُمكن وَلَو ادّعى الرَّد على الْمُوكل فَكَذَلِك القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يَبْغِي دفع الْعهْدَة عَن نَفسه لَا إِلْزَام الْمُوكل شَيْئا وطرد المراوزة هَذَا فِي كل يَد هِيَ أَمَانَة فِي حق من صدر مِنْهُ إِثْبَات الْيَد كيد الرَّهْن وَالْإِجَارَة وَالْوَكِيل بالجعل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي كل ذَلِك وَجْهَيْن هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن الْوَكِيل لَو مَاتَ فَادّعى وارثة الرَّد لم يصدق لِأَنَّهُ لَيْسَ مؤتمنا من جِهَته وَكَذَا الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذا ادّعَيَا رد المَال إِلَى الطِّفْل بعد الْبلُوغ وَفِي الْوَلِيّ وَجه أَنه يصدق نعم أشهر بِالْخِلَافِ فِي أَن مَا صرفه إِلَى نَفَقَته فِي صغره هَل يُطَالب بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ أم يصدق بِمُجَرَّد يَمِينه لِأَن فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ نوع عسر والملتقط وَمن طير الرّيح ثوبا فِي دَاره هَؤُلَاءِ لَا يصدقون فِي دَعْوَى الرَّد

بِمُجَرَّد الْيَمين أما إِذا ادّعى الْوَكِيل الرَّد على رَسُول الْمُوكل وَالْمُودع فَالظَّاهِر أَنه لَا يصدق وَفِيه وَجه أَن الرَّسُول كالمرسل فَيجب على الْمُوكل التَّصْدِيق لِأَنَّهُ أَمِين فرع من يصدق فِي دَعْوَى الرَّد فَلَو طُولِبَ بِالرَّدِّ هَل لَهُ التَّأْخِير بِعُذْر الْإِشْهَاد وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ مُصدق يَمِينه والودائع تخفى غَالِبا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يتورع عَن الْيَمين الصادقة وَأما من عَلَيْهِ الدّين فَلهُ أَن يُؤَخر الْإِشْهَاد إِن كَانَ دينه ثَابتا بِبَيِّنَة وَإِن لم يكن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ كَالْوَدِيعَةِ إِذْ يُمكنهُ أَن يَقُول لَا يلْزَمنِي شَيْء فَيصدق بِيَمِينِهِ مِمَّا ادعِي عَلَيْهِ وَقَالَ المراوزة لَهُ تَكْلِيف الْإِشْهَاد وَلَو قَالَ لوَكِيله لتقض ديني فليشهد على الْقَضَاء ليَكُون مراعيا الْغِبْطَة فَإِن لم يشْهد وَكَانَ فِي غيبَة الْمُوكل ضمن مهما أنكر الْمُسْتَحق وَإِن كَانَ فِي حَضْرَة الْمُوكل فَوَجْهَانِ وَإِذا قَالَ سلم وديعتي إِلَى وَكيلِي فَإِن سلم بِحَضْرَتِهِ وَلم يشْهد لم يضمن وَإِن كَانَ فِي غيبته فَوَجْهَانِ فَإِن قيل فَمن فِي يَده المَال أَو عَلَيْهِ الْحق إِذا اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَكيل الْمُسْتَحق بِالِاسْتِيفَاءِ فَهَل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم دون الْإِشْهَاد

قُلْنَا يجوز التَّسْلِيم وَلَا يجب لِأَن الْمُوكل لَو أنكر وكَالَته لم تحصل بَرَاءَة من عَلَيْهِ الْحق وَقَالَ الْمُزنِيّ يلْزمه لِأَنَّهُ اعْترف بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا للاستيفاء بِالْوكَالَةِ فَصَارَ كَمَا لَو كَانَ فِي يَده مَال ميت اعْترف لشخص بِأَنَّهُ وَارثه لَا وراث لَهُ سواهُ لَا يُطَالِبهُ بِالْإِشْهَادِ بل يجب عَلَيْهِ التَّسْلِيم وَالْفرق بَينهمَا أَنه اعْترف للْوَارِث بِالْملكِ وَلَا يتَوَقَّع من غير الْمَالِك دَعْوَى يعْتد بِهِ أما هَاهُنَا فالإنكار من جِهَة الْمُوكل الْمَالِك متوقع نعم لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف من جِهَة حِوَالَة أحالها عَليّ رجل آخر فَفِيهِ وَجْهَان أَنه أَحدهمَا بِهِ يجب التَّسْلِيم دون إِقَامَة حجَّة على الْحِوَالَة لِأَنَّهُ اعْترف بِالِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَاف صُورَة الْوكَالَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يَجعله متأصلا فِي الِاسْتِحْقَاق بل زعم أَنه تحول إِلَيْهِ من جِهَة مُسْتَحقّ فَلَعَلَّ الْمُسْتَحق يُنكر

النزاع الثَّالِث فِي اسْتِيفَاء الثّمن وَقد أطلق الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا فِي البيع وَالْعِتْق وَالتَّفْصِيل فِيهِ عِنْد المراوزة أَنه إِن ادّعى الْمُوكل الثّمن على المُشْتَرِي فَقَالَ الْوَكِيل قبضت وَتلف فِي يَدي فَلَا يجب تَصْدِيقه لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدعِي على الْوَكِيل شَيْئا فَلَا يتَعَرَّض الْوَكِيل لغرم بِسَبَب دَعْوَاهُ إِلَّا إِذا نسبه إِلَى تَسْلِيم الْمَبِيع دون إِذْنه فَالْقَوْل قَوْله حَتَّى لَا يتَعَرَّض للغرم فَإِن حلف فَهَل يبرأ المُشْتَرِي بحلفه وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ صدق فِي اسْتِيفَاء الثّمن وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِينه حجَّة دافعة عَنهُ لَا يصلح لتبرئة ذمَّة المُشْتَرِي أما إِذا ادّعى الْمُوكل على الْوَكِيل أَنه قبض الثّمن فَأنْكر الْوَكِيل فَالْقَوْل قَوْله فَلَو أَقَامَ الْمُوكل بَينه على الْقَبْض فَادّعى الْوَكِيل تلفا أَو ردا قبل الْجُحُود لم يصدق لِأَنَّهُ صَار خائنا بالجحود فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يقبل لِأَن الْبَيِّنَة تبتنى على الدعْوَة ودعواه مناقضة لقَوْله الأول وجحوده فَلَا يسمع وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على تلف بعد الْجُحُود فَكَذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على رده بعد الْجُحُود قبل لِأَنَّهُ إِذا ثَبت كَونه غَاصبا فأقصى مَا عَلَيْهِ أَن يرد وَيشْهد فَكيف تكلفه أمرا يزِيد عَلَيْهِ

= كتاب الْإِقْرَار وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة الْمقر وَالْمقر لَهُ وَالْمقر بِهِ وَصِيغَة الْإِقْرَار

الرُّكْن الأول الْمقر وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ مُطلق ومحجور عَلَيْهِ ونعني بالمطلق الْمُكَلف الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَيقبل إِقْرَاره على نَفسه بِكُل مَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْتِزَامه لَهُ لقَوْله تَعَالَى {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا الْحق وَلَو على أَنفسكُم وَأما الْمَحْجُور عَلَيْهِ فأسباب الْحجر سِتَّة الصِّبَا وَالْجُنُون والتبذير وَالرّق والفلس وَالْمَرَض أما الصِّبَا وَالْجُنُون فيقتضيان حجرا مُطلقًا عَن سَائِر الأقارير نعم لَو أقرّ الصَّبِي بالتبذير وَالْوَصِيَّة قيل إِن جعلناهما من أَهلهَا وَلَو قَالَ بلغت بالاحتلام صدق لِأَنَّهُ لَا يقدر على إِقَامَة بَيِّنَة وَلم يحلف إِذْ لَا فَائِدَة فِي تَحْلِيفه فَإِنَّهُ إِن كذب فالصبي لَا يَأْثَم بِالْحلف وَإِن قَالَ بلغت بِالسِّنِّ لم يقبل لِأَن تَارِيخ المواليد يعرف إِلَّا الصَّبِي

الْمَجْهُول الخامل فَفِيهِ تردد وَاحْتِمَال وَلَعَلَّ الْأَظْهر الِاعْتِمَاد على الْإِثْبَات فِي حَقه كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي صبيان الْكفَّار لأجل الضَّرُورَة أما التبذير فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بموجبات الْعُقُوبَات لِأَنَّهُ قَادر على التزامها وَإِقْرَاره بالأموال غير مَقْبُول كَمَا مضى فِي كتاب الْحجر وَفِي إِقْرَاره بِالْإِتْلَافِ لِلْمَالِ خلاف وَلَا يقبل إِقْرَاره بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد بِهِ وَفِيه الْتِزَام مَال ويقر بِالطَّلَاق لِأَنَّهُ يسْتَقلّ بِهِ وَكَذَا بِالْعَفو عَن الْقصاص وبالنسب والسفيهة إِذا أقرَّت بِالنِّكَاحِ فَفِيهِ تردد من حَيْثُ إِنَّهَا بالسفه رُبمَا ترق نَفسهَا فِي غير مَوضِع أما الْفلس فَلَا يُوجب حجرا إِلَّا فِي الْإِقْرَار بِمَا يفوت حق الْغُرَمَاء وَفِي إِقْرَاره بدين مُسْتَند إِلَى مَا قبل الْحجر أَو بِإِتْلَاف مَال فِي الْحَال إِذا قُلْنَا إِن الْمُتْلف عَلَيْهِ يضارب الْغُرَمَاء لَو ثَبت إِتْلَافه بِالْحجرِ فِيهِ قَولَانِ سبق ذكرهمَا فِي كتاب التَّفْلِيس ثمَّ مَا يرد من إِقْرَاره لحق الْغُرَمَاء فِي الْحَال فَالصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد فك الْحجر لَا محَالة أما الرّقّ فَلَا يُوجب حجرا عَن الْإِقْرَار بالعقوبات لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على التزامها وَلَا نظر إِلَى إِبْطَاله حق السَّيِّد لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر والمزني رَحِمهم الله لَا يقبل إِقْرَاره

نعم اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أقرّ بِسَرِقَة فَقطعت يَده فَإِنَّهُ غير مُتَّهم فَهَل يتَعَلَّق الْمَسْرُوق بِرَقَبَتِهِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يرجع إِلَى المَال وَالثَّانِي بلَى وَأما إِقْرَاره بِإِتْلَاف مَال يُوجب التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يُوجب عُقُوبَة فَهُوَ مَرْدُود إِن لم يصدق السَّيِّد ثمَّ الصَّحِيح أَنه يُطَالب بِهِ بعد الْعتْق أما إِقْرَاره بدين الْمُعَامَلَة فَلَا يقبل فِي حق سَيّده إِلَّا إِذا كَانَ مَأْذُونا فِي التَّصَرُّف فَيتَعَلَّق مَا أقرّ بِهِ بِمَالِه وَإِن أقرّ الْمَأْذُون بِمَال مُطلق فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذا لم يسْندهُ إِلَى الْمُعَامَلَة وَمِنْهُم من نزل الْمُطلق على الْمُعَامَلَة ثمَّ لَو حجر السَّيِّد علية فَأقر بِأَنَّهُ كَانَ لزمَه دين قبل الْحجر فَالظَّاهِر انه لَا يقبل لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْإِنْشَاء فِي هَذِه الْحَالة وَحكي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يقبل فَأَنَّهُ لَا يُؤمن ان الْحجر السَّيِّد عَلَيْهِ لما عرف إحاطة الدُّيُون بِهِ وَهَذَا يُعَارضهُ أَنه لَا يُؤمن أَن يكذب العَبْد على سَيّده مهما حجر عَلَيْهِ أَبَد الدَّهْر

أما الْمَرَض فَلَا يُوجب الْحجر عَن الْإِقْرَار فِي حق الْأَجَانِب بِالْإِجْمَاع وَفِي حق الْوَارِث قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من أَجَارَ إِقْرَار الْوَارِث أجَازه وَمن أَبى رده فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ هَذَا ترديد قَول من الشَّافِعِي رَضِي الله فَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا مَأْخَذ للرَّدّ أَلا التُّهْمَة وَحَالَة الْمَرَض حَاله انْتِفَاء التهم كَيفَ وَلَو تبنى ولدا وَحرم بِهِ ابْن عَمه المكاشح لقبل وَكَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَحْمُول على حِكَايَة مَذْهَب الْغَيْر ثمَّ إِن قُلْنَا إِنَّه مَرْدُود فَلَو أقرّ لِأَخِيهِ وَله أبن ثمَّ مَاتَ وَلَا أبن لَهُ أَو أقرّ وَلَا ابْن لَهُ ثمَّ ولد لَهُ أبن فالاعتبار بِحَال الْإِقْرَار أَو بِحَال الْمَوْت فِيهِ خلاف مَشْهُور

فروع ثَلَاثَة أَحدهَا لَو أقرّ فِي الْمَرَض بِأَنَّهُ وهب من الْوَارِث قبل الْمَرَض وَسلم فَمنهمْ من قَالَ لَا يقبل قولا وَاحِد لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا لَا يقدر على إنشائه فِي الْحَال وَاخْتِيَار القَاضِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ لَو ثَبت صدقه لنفذ فَلْيَكُن لَهُ طَرِيق الى الْخَلَاص بِالصّدقِ على نَفسه الثَّانِي لَو أقرّ بِعَين مَا فِي يَده لغيره ثمَّ اقر بدين فالإقرار بِالْعينِ مقدم لِأَنَّهُ أقرّ بِالدّينِ وَلَا مَال لَهُ وَلَو قدم الْإِقْرَار بِالدّينِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا تَقْدِيم الْعين لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَا مَال لَهُ وَالْإِقْرَار بِالدّينِ لم يحْجر عَلَيْهِ فِي مَاله فِي حَال حَيَاته وَلذَلِك كَانَ ينفذ تَصَرُّفَاته فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يتزاحمان على التَّسَاوِي إِذْ لاحدهما قُوَّة التَّقَدُّم وَللْآخر قُوَّة الْإِضَافَة الى الْعين وَكَذَلِكَ لَو أقرّ فِي حَيَاته بدين مُسْتَغْرق وَأقر وَارثه عَلَيْهِ بعد مَوته بدين آخر

فَقَوْلَانِ أَحدهمَا يستبد الأول وَإِقْرَار الْوَارِث إِقْرَار بعد الْحجر وَهَذَا يقرب من الْقَوْلَيْنِ فِي إِقْرَار الْمُفلس وَكَذَا الْخلاف فِيمَا يَتَجَدَّد من دين بعد مَوته بتردي إِنْسَان فِي بِئْر حفره فِي حَيَاته أَنه هَل يَقْتَضِي مُضَارَبَة مَا ثَبت فِي الْحَيَاة من الدُّيُون فَكَذَا الْخلاف فِي الْوَارِث إِذا أقرّ بإقرارين متواليين أَن اللَّاحِق هَل يزاحم السَّابِق الثَّالِث إِذا ادّعى إِنْسَان أَنه أوصى لَهُ بِالثُّلثِ وَآخر أَنه أقرّ لَهُ بِأَلف وَالْمِيرَاث ألف فصدقهما الْوَارِث قَالَ الصيدلاني يصرف إِلَى الدّين لِأَن قَوْله كَقَوْل الْمُورث وَقَالَ أَكثر الْأَصْحَاب إِن أقرّ بِالْوَصِيَّةِ أَولا يسلم للْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَالْبَاقِي للدّين وَإِن جَاءَا مَعًا قسم الْألف بَينهمَا على نِسْبَة الأرباح كَمَا إِذا أقرّ لوَاحِد بِالْألف وَلآخر بِثلث الْألف

الرُّكْن الثَّانِي الْمقر لَهُ وَله شَرْطَانِ الأول أَن يكون محلا للاستحقاق فَلَو قَالَ لهَذَا الْحمار عَليّ ألف بَطل إِقْرَاره وَلَو قَالَ بِسَبَبِهِ عَليّ ألف جعل إِقْرَارا لمَالِكه كَأَنَّهُ اسْتَأْجر مِنْهُ وَلَو قَالَ لهَذَا العَبْد عَليّ ألف فَهُوَ إِقْرَار لسَيِّده وَلَو تقال للْحَمْل الَّذِي فِي بطن فُلَانَة عَليّ ألف عَن جِهَة وَصِيَّة لَهُ أَو عَن إِرْث لَهُ صَحَّ فَإِنَّهُ مَقْصُور وَإِن أطلق وَلم يذكر السَّبَب فَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يبعد الِاسْتِحْقَاق للْحَمْل فَيحمل على الْوَعْد وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ الأقيس وَمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه يَصح وَينزل على مَا يُمكن وَلَو أَضَافَهُ إِلَى جِهَة مُعَاملَة وَقُلْنَا لَا يقبل الْمُطلق فَهَذَا أولى وَإِن قبلنَا الْمُطلق فَهَذَا كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف من ثمن الْخمر وَسَيَأْتِي وَقيل إِن هَذَا هزل مَحْض فَلَا يقبل قولا وَاحِدًا فرعان أَحدهمَا لَو خرج الْحمل مَيتا طُولِبَ بتفسير إِقْرَاره حَتَّى إِن كَانَ وَصِيَّة رد إِلَى وَرَثَة الْمُوصى وَإِن كَانَ إِرْثا صرف إِلَى بَقِيَّة وَرَثَة الْمُورث وَهَذِه مُطَالبَة لَيْسَ يتَعَيَّن مستحقها إِذْ لَا يدرى أَنَّهَا لمن هِيَ فَلَعَلَّ القَاضِي ذَلِك بطرِيق الْحِسْبَة

وَإِن خرج حَيا وَزَاد على وَاحِد سوي فِي الْوَصِيَّة بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَفضل فِي الْمِيرَاث الذّكر على الْأُنْثَى الثَّانِي لَو انْفَصل لما دون سِتَّة أشهر من وَقت الْإِقْرَار فَهُوَ لَهُ وَلَو انْفَصل لما فَوق أَربع سِنِين فَلَا يصرف إِلَيْهِ وَلَو كَانَ لما بَينهمَا فَقَوْلَانِ أظهرهمَا الصّرْف اعْتِمَادًا على الظَّاهِر الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يكذب الْمقر لَهُ فَإِن كذب لم يكن تَسْلِيم المَال إِلَيْهِ فيقرر فِي يَد الْمقر أَو يَأْخُذهُ القَاضِي على رَأْي فَإِن رَجَعَ الْمقر لَهُ يسلم إِلَيْهِ وَإِن رَجَعَ الْمقر لم يُؤثر لِأَنَّهُ ثَبت بِإِقْرَارِهِ اسْتِحْقَاق القَاضِي أَو الْمقر لَهُ وَقيل أَنا إِذا قُلْنَا يُقرر فِي يَده فرجوعه مَقْبُول بِشَرْط أَن لَا يرجع الْمقر لَهُ تعده فَإِن رَجَعَ تَبينا بطلَان رُجُوعه وَبطلَان تَصَرُّفَاته

الرُّكْن الثَّالِث الْمقر بِهِ وَشَرطه أَن يكون مِمَّا يسْتَحق جنسه وَأَن يكون فِي يَد الْمقر وولايته وتختص بِهِ وَلَا يشْتَرط كَونه مَعْلُوما وَلَو أقرّ بِمَا فِي يَد غَيره فَهُوَ دَعْوَى أَو شَهَادَة وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَلَا يشْتَرط أَن يكون فِي ملكه لِأَن الْإِقْرَار لَيْسَ بمزيل بل شَرطه أَن لَا يكون فِي ملكه حَتَّى لَو شهد بِأَنَّهُ أقرّ وَكَانَ ملكه إِلَى أَن أقرّ بطلت الشَّهَادَة وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار ملكي وَهِي الْآن لفُلَان فَهُوَ إِقْرَار بَاطِل وَلَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان وَكَانَت ملكي إِلَى الْإِقْرَار أخذناه بصدر كَلَامه وألغينا آخِره المناقض لَهُ وَلَو قَالَ دَاري لفُلَان أَو مَالِي لفُلَان فَهُوَ بَاطِل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يحمل على أَن قَوْله دَاري أَرَادَ بِهِ إِضَافَة السّكُون أَو الْمعرفَة وَإِن كَانَ لذَلِك اتجاه فرع لَو شهد بحريّة عبد فِي يَد غَيره فَلم تقبل شَهَادَته فَأقبل على شِرَائِهِ

صحت الْمُعَامَلَة وَفِي حَقِيقَتهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه شِرَاء وَالْآخر أَنه فدَاء وَالثَّالِث أَنه بيع من جَانب البَائِع فدَاء من جَانب المُشْتَرِي وَهُوَ الْأسد ويبتنى عَلَيْهِ ثُبُوت الْخِيَار لَهما جَمِيعًا وَالأَصَح أَن لَا يثبت للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ يثبت لَهُ ملك فِيهِ بِمُوجب قَوْله لَا كَشِرَاء الْقَرِيب فَإِن الأودني ذكر أَنه يثبت الْخِيَار للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يملك أَولا ثمَّ يعْتق عَلَيْهِ أما العَبْد إِذا اشْترى نَفسه فَلَا خِيَار لَهُ وَلَا لبَائِعه مِنْهُ قطعا لِأَنَّهُ عقد عباقة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت حر على مَالِي

وَنقل الرّبيع قولا أَن هَذِه الْمُعَامَلَة لَا تصح من السَّيِّد وَعَبده وَهُوَ بعيد وَإِن شهد أَنه غصبه من فلَان ثمَّ اشْتَرَاهُ لم يَصح الشِّرَاء إِن صححنا بطرِيق الْفِدَاء إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَخْلِيص العَبْد ثمَّ الْوَلَاء فِي الْمَشْهُود بحريَّته مَوْقُوف لَا للْبَائِع وَلَا للْمُشْتَرِي فَلَو مَاتَ العَبْد قَالَ الْمُزنِيّ لَهُ أَن يَأْخُذ من مَاله مِقْدَار الثّمن الَّذِي بذله لِأَنَّهُ إِن كذب فِي الشَّهَادَة فَالْمَال إكساب عَبده فجميعها لَهُ وَإِن صدق فَهُوَ للْبَائِع بِحكم الْوَلَاء وَقد ظلمه بِأخذ الثّمن مِنْهُ وَقد ظفر بِمَالِه فَيَأْخذهُ وَمن الْأَصْحَاب من خالفهم لِأَنَّهُ يَأْخُذهُ على تَقْدِير أَنه مظلوم وَهُوَ غير مُصدق فِي الْجِهَة وَمَا ذكره الْمُزنِيّ أقوم

الرُّكْن الرَّابِع صِيغَة الْإِقْرَار فَإِذا قَالَ عَليّ لفُلَان أَو عِنْدِي لفُلَان ألف فَكل ذَلِك الْتِزَام فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي لي عَلَيْك ألف فَقَالَ زن أَو زنه أَو خُذ أَو خُذْهُ لم يكن إِقْرَارا وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَوْله زنه إِقْرَار دون قَول زن وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ بلَى أَو أجل أَو نعم أَو صدقت فَكل ذَلِك إِقْرَار وَلَو قَالَ أَنا مقرّ بِهِ فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ أَنا مقرّ وَلم يقل بِهِ فَلَا لِأَنَّهُ رُبمَا يكون مقرا بِبُطْلَان قَوْله وَلَو قَالَ أَنا أقرّ بِهِ قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ إِقْرَار قَالَ القَاضِي صِيغَة للوعد بِالْإِقْرَارِ فَلَيْسَ بِإِقْرَار بِخِلَاف قَول الشَّاهِد أشهد فَإِنَّهُ صَنِيعَة تَعْتَد بهَا ودلت الْقَرِينَة على أَنه للْحَال لَا للوعد وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن سلم أَنه وعد فالوعد بِالْإِقْرَارِ إِقْرَار فرع لَو قَالَ أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ بلَى فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ نعم فَلَيْسَ

بِإِقْرَار مَعْنَاهُ نعم لَيْسَ لَك على ألف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا فرق بَينهمَا فَإِن استعمالهما فِي وضع اللِّسَان على وَجه وَاحِد شَائِع وَلَو قَالَ أَعْطِنِي عَبدِي هَذَا أَو اشْتَرِ مني عَبدِي هَذَا فَقَالَ نعم فَهُوَ إِقْرَار بِالْعَبدِ وَلَو قَالَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ لَعَلَّ أَو عَسى أَو أَظن أَو أقدر لم يكن إِقْرَارا لِأَن كل ذَلِك للشَّكّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الأقارير المجملة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وألفاظها كَثِيرَة وَالَّذِي يقْصد بَيَانه عشرَة أَلْفَاظ اللَّفْظ الأول الشَّيْء فَإِذا قَالَ لفُلَان عَليّ شَيْء فَيقبل تَفْسِيره بِكُل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الشَّيْء مِمَّا هُوَ مَال فَلَو فسر بِمَا لَا يتمول وَيتَصَوَّر الْمُطَالبَة بِهِ كَجلْد الْميتَة والسرجين وَالْكَلب الْمعلم فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ عَلَيْهِ إِذْ فِيهِ اخْتِصَاصه للْمَالِك وَيجب رده فَإِن فسره بِخَمْر وخنزير فَالظَّاهِر أَنه لَا يقبل إِذْ لَا يلْزم بِهِ مُطَالبَته وَفِيه وَجه انه يقبل وَلَو فسر بحبه حِنْطَة أَو سمسم أَو فصة ثومة فَوَجْهَانِ وَظَاهر النَّص أَنه مَقْبُول لِأَنَّهُ شَيْء وَهُوَ وَاجِب الرَّد

ومهم من قَالَ لَا يقبل وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَا يسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا الْمُطَالبَة بردهَا وَهُوَ بعيد أما إِذا فسره برد جَوَاب سَلام وعيادة مَرِيض فَلَا يقبل بِحَال فَإِن قيل لم صَحَّ الْإِقْرَار الْمُجْمل دون الدَّعْوَى المجملة قُلْنَا لَا فرق بَينهمَا إِذْ يُطَالب الْمُدَّعِي بِبَيَان الدَّعْوَى وَيُطَالب الْمقر أَيْضا نعم لَو امْتنع الْمُدَّعِي من الْبَيَان فَهُوَ تَارِك حق نَفسه لَو امْتنع الْمقر من البييان فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحبس إِلَى الْبَيَان كمن أسلم على عشر نسْوَة وَالثَّانِي أَنه يَجْعَل ناكلا عَن الْجَواب وَالْيَمِين حَتَّى يحلف الْمقر لَهُ ويستفيد بِإِقْرَارِهِ تحول الْيَمين إِلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ وَالثَّالِث أَنه يُقَال للْمُدَّعِي أتدعي مَا شِئْت وَتعرض الْيَمين عَلَيْهِ فَيحلف على مَا يَدعِيهِ فَإِن نكل ردَّتْ عَلَيْك وَهَذَا إبِْطَال لفائدة التَّفْسِير ثمَّ لَو فسر الْمقر بدرهم مثلا فَقَالَ الْمُدَّعِي بل أردْت بالشَّيْء عشرَة فَالْأَصَحّ أَن دَعْوَى الْإِرَادَة لَا تقبل وَكَذَا لَو ادّعى أَن فلَانا أقرّ لي بِعشْرَة دَرَاهِم لم يسمع بل يُقَال يَنْبَغِي أَن

تدعى عشرَة حَتَّى تحلف على عين الْحق لَا على إِقْرَار يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الشَّاهِد يشْهد على الْإِقْرَار فَيسمع لِأَنَّهُ قد لَا يطلع على حَقِيقَة الْملك اللَّفْظ الثَّانِي إِذا قَالَ غصبت فلَانا على شَيْء ثمَّ قَالَ غصبت نَفسه لم يقبل وَلَو قَالَ غصبته الْخمر أَو الْخِنْزِير قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قبلت التَّفْسِير وأرقت الْخمر وَقتلت الْخِنْزِير وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي شَيْء قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ كَمَا لَو قَالَ غصبت وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قَوْله لَهُ إِثْبَات ملك فَلَا يقبل تَفْسِيره بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير اللَّفْظ الثَّالِث المَال فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال قبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول وَلم يقبل تَفْسِيره بالكلب والسرجين وَالْخِنْزِير وَمَا لَا يتمول وَلَو فسر بمستولدة فَالْأَظْهر أَنه يقبل لِأَنَّهُ مَال وَلَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كَبِير فَهُوَ كَالْمَالِ وَلَا تَأْثِير لهَذِهِ الزِّيَادَة فَكل

مَال عَظِيم وَكثير بِالْإِضَافَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يقبل تَفْسِير الْعَظِيم إِلَّا بِمِائَتي دِرْهَم وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا بُد وَأَن يذكر لوصفه بالعظيم وَجها من عظم فِي الجثة أَو الجرم أَو يزِيد على أقل مَا يتمول بِشَيْء ليظْهر لَهُ فَائِدَة وَذَلِكَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اللَّفْظ الرَّابِع الْأَكْثَر فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ أَكثر من مَال فلَان قبل بتفسيره بِأَقَلّ مَا يتمول على معنى أَن الْحَلَال أَكثر من الْحَرَام أَو مَا فِي الذِّمَّة أبقى وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا شهد بِهِ الشُّهُود على فلَان فكمثل وَمَعْنَاهُ أَن ذَلِك زور وَلَو قَالَ أَكثر مِمَّا قضى بِهِ القَاضِي فكمثل وَمِنْهُم من أَبى هَذَا فِي الْقَضَاء وَقَالَ يجب تَنْزِيله على الصدْق وَلَو قَالَ أَكثر من الدَّرَاهِم الَّتِي فِي يَد فلَان وَفِي يَده ثَلَاثَة ففسر بِثَلَاثَة يقبل

وَيكون الْأَكْثَر للمرتبة وَلَو فسر بِأَقَلّ مِنْهُ قَالَ الجماهير لَا يقبل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يقبل تَنْزِيلا على الْمرتبَة اللَّفْظ الْخَامِس كَذَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ شَيْء فيفسر بِمَا مضى وَلَو قَالَ كَذَا كَذَا فَهُوَ تكْرَار وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَقَوْلِه شَيْء وَشَيْء فقد جمع بَين مبهمين أما إِذا قَالَ كَذَا دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَكَذَا إِذا قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم فَيكون تكريرا وَالْوَاجِب دِرْهَم وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم نقل الْمُزنِيّ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن الْوَاجِب دِرْهَم فَكَأَنَّهُ عقب مبهمين بِبَيَان وَاحِد وَالثَّانِي دِرْهَمَانِ فَكَأَنَّهُ فسر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي وَجَمَاعَة الْمَسْأَلَة على حالتين فَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ نصب على التَّفْسِير فَيكون تَفْسِيرا لكل وَاحِد وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه بقول كَذَا درهما عشرُون درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا كَذَا درهما

لزمَه أحد عشر درهما وَبِقَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا درهما أحد وَعِشْرُونَ درهما مُرَاعَاة لمطابقة اللَّفْظ فَأَقل الدره ينْتَصب الدِّرْهَم بعده على هَذَا النّظم وَلَو قَالَ كَذَا دِرْهَم صَحِيح فقد سلم أَنه لَا يلْزمه مائَة وَإِن كَانَ الدِّرْهَم لَا ينكسر إِلَّا بعده وَبعد نصف دِرْهَم عَنهُ احترزنا بِالصَّحِيحِ اللَّفْظ السَّادِس ذكر الْمُبين عقيب مُبْهَم كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف وَدِرْهَم فَالْأول عندنَا مُبْهَم يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله صَار مُفَسرًا إِذا كَانَ الْعَطف بَين المكيلات والموزونات وَسلم أَنه إِذا قَالَ ألف وثوب يبْقى الْألف مُجملا أما إِذا قَالَ ألف دِرْهَم وَخَمْسَة عشر درهما فالدرهم بَيَان لِأَنَّهُ لم يثبت بِنَفسِهِ وَخَمْسَة عشر اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فَلَا يخْتَص بِالْبَيَانِ بالعشر عَن الْخمس وَلَو قَالَ ألف وَمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما فالدرهم تَفْسِير للْكُلّ

لما ذَكرْنَاهُ وَقَالَ الاصطخري وَهُوَ تَفْسِير الْأَخير وَمَا سبق مُجمل فَإِنَّهُ مَقْطُوع عَنهُ بواو الْعَطف وَهُوَ مَتْرُوك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ على خلاف عَادَة الْحساب وَإِذا قَالَ لَهُ دِرْهَم وَنصف فَفِي النّصْف وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح أَيْضا أَنه مُفَسّر بالدرهم اللَّفْظ السَّابِع الدَّرَاهِم إِذا قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم فِيهِ سِتَّة دوانيق عشرَة مِنْهَا تَسَاوِي فِي الْوَزْن سَبْعَة مَثَاقِيل وَهِي دَرَاهِم الْإِسْلَام فِي الدِّيَة وَغَيرهَا فَلَو فسر بعدديات فِيهَا أَرْبَعَة دوانيق إِن كَانَ مُتَّصِلا قبل فَكَأَنَّهُ قَالَ دِرْهَم الا دانقين وَفِيه وَجه أَن هَذِه الصِّيغَة لَا تصلح للاستثناء فَلَا تقبل وَإِن كَانَ مُنْفَصِلا لم يقبل الا إِذا كَانَ فِي بلد يعْتَاد التَّعَامُل بهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا ينزل عَلَيْهِ كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي لَا لِأَن البيع إِيجَاب فِي الْحَال وَالْحَال حَال التَّعَامُل والاقرار إِخْبَار عَن سَابق لَيْسَ يدْرِي مَتى وَجب فيرعي أصل الشَّرْع فِيهِ وَالتَّفْسِير بِالدَّرَاهِمِ المغشوشة كالتفسير بِالنَّقْصِ وَلَو فسر الدَّرَاهِم بالفلوس لم يقبل أصلا وَلَا فرق بَين أَن يَقُول على دَرَاهِم أَو دريهمات أَو دَرَاهِم صغَار فِيمَا قدمْنَاهُ من الْوَزْن وَإِذا قَالَ دَرَاهِم فَمن حَيْثُ الْعدَد لَا ينزل على أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم

وَإِذا قَالَ مائَة دِرْهَم عددا لزمَه الْجمع بَين الْوَزْن وَالْعدَد فَلَو أُتِي بِخَمْسِينَ عددا يُسَاوِي مائَة دِرْهَم وزنا فقد ترددوا فِيهِ فرع لَو قَالَ لَهُ على من دِرْهَم إِلَيّ عشرَة فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يلْزمه ثَمَانِيَة فَلَا يدْخل الحدان فِيهِ وَالثَّانِي تِسْعَة فَيدْخل الحدان الأول وَالثَّالِث عشرَة فَيدْخل الْحَد اللَّفْظ الثَّامِن فِي معنى الْإِضَافَة إِلَيّ الظّرْف وَله أَربع صور الأولى أَن يَقُول لَهُ عِنْدِي زَيْت فِي جرة وَسمن فِي بستوقة وَسيف فِي

غمد لَا يكون مقرا بالظرف خلافًا لأبي حنيفه رَحمَه الله وَكَذَا لَو قَالَ عِنْدِي بستوقة فِيهَا سمن وغمد فِيهِ سيف وجرة فِيهَا زَيْت لَا يكون مقرا الا بالظرف وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي عبد على رَأسه عِمَامَة ودابة على ظهرهَا سرج لَا يكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد كَمَا لَو قَالَ لَهُ عِنْدِي عِمَامَة على رَأس عبد وسرج على ظهر فرس لايكون مقرا بالفرس وَالْعَبْد وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص إِنَّه إِذا قَالَ عبد على رَأسه عِمَامَة يلْزمه الْعِمَامَة بِخِلَاف الْفرس عَلَيْهِ سرج لِأَن مَا فِي يَد العَبْد لسَيِّده وَهُوَ الَّذِي أورد فِي طَريقَة الْعرَاق وَأنكر المراوزة هَذَا الْفرق وزيفوه إِذْ ينقدح أَن يَقُول عبد على رَأسه عِمَامَة لي كَيفَ وَقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان فِي يَدي دَار مفروشة لم يلْزم الْفرش وَإِن جعله صفة وَمَا كَانَ فِي دَار الْإِنْسَان فَهُوَ فِي يَده وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِي الثَّوْب الْمُطَرز وَجْهَيْن أَنه هَل يكون إِقْرَارا بالطراز إِذا كَانَ الطّراز يعْمل بعد النسج وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي خَاتم وَجَاء بِخَاتم وَعَلِيهِ فصه وَقَالَ مَا أردْت الفص

فَوَجْهَانِ الْأَظْهر انه مقرّ بِهِ لِأَن الِاسْم شَامِل وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَة فجَاء بِجَارِيَة فِي بَطنهَا جَنِين وأدعي كَونه جَنِينا لَهُ فَوَجْهَانِ مرتبان وَهَا هُنَا أولى بإن لَا يُؤَاخذ بالجنين بل من يؤاخذه يَأْخُذهُ من التّبعِيَّة فِي البيع وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي فص فِي خَاتم أَو جَنِين فِي يطن جَارِيَة لَا يكون مقرا بالجارية والخاتم الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف دِرْهَم غي هَذَا الْكيس لَا يكون إِقْرَار بالكيس ثمَّ إِن لم يكن فِي الْكيس شئ يلْزمه ألف وَإِن كَانَ وَلكنه نَاقص عَن ألف قَالَ أَبُو زيد لَا مَا يلْزمه الا فِي الْكيس للحصر وَقَالَ الْقفال يلْزمه الْإِتْمَام كَمَا لَو لم يكن فِي الْكيس شئ أما إِذا عرف بِالْألف وَاللَّام وَقَالَ لَهُ عِنْدِي أُلَّاف الَّذِي فِي الْكيس فَإِن

كَانَ نَاقِصا فَالْأَظْهر أَنه لَا يلْزمه الْإِتْمَام للحصر وَلَو لم يكن فِيهِ شئ حُكيَ الشَّيْخ أَبُو على قَوْلَيْنِ وقربهما من الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لأشربن مَاء هَذِه الأداوة وَلَا مَاء فِيهَا أَن الْيَمين هَل تَنْعَقِد فَإِن قُلْنَا الْيَمين ينْعَقد فها هُنَا يَصح الاقرار وَيلْزمهُ وَإِن قُلْنَا لَا تَنْعَقِد فالإقرار هَا هُنَا لَغْو الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقُول لفُلَان فِي هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم أَو لَهُ من هَذَا العَبْد ألف دِرْهَم يُطَالب بتفسيره فَإِن قَالَ وزن فِيهِ ألف دِرْهَم فَيَقُول وَكم وزنت أَنْت فَإِن قَالَ ألفا فَالْعَبْد بَينهمَا وَإِن قَالَ أَلفَيْنِ فَالْعَبْد إثلاث وَإِن قَالَ وزن هُوَ ألفا فِي عشرَة واشتريت الْبَاقِي أَنا بِأَلف صدق فِي الْكل لِأَنَّهُ مُحْتَمل وَقَالَ مَالك يسلم للْمقر لَهُ مِقْدَار مَا يُسَاوِي ألفا من العَبْد وَمَا يبقي بيقى للْمقر وان قَالَ جُزْء العَبْد عَلَيْهِ بِأَلف فَيثبت مُوجبه وَلَو قَالَ هُوَ مَرْهُون عِنْده بِأَلف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل لِأَن الدّين فِي الذِّمَّة لَا فِي العَبْد وَالثَّانِي يقبل لِأَن الْإِضَافَة إِلَيْهِ معقولة كَمَا فِي جِنَايَة العَبْد الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ فِي هَذَا المَال ألف أَو فِي مِيرَاث أبي ألف لزمَه الْألف

وَلَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف أَو فِي ميراثي من أبي ألف لم يلْزمه الْألف لأضافته إِلَيّ نَفسه ويفيد الْوَعْد بِالْهبةِ هَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمَقْطُوع فِي طَريقَة الْعرَاق وَنقل صَاحب التَّقْرِيب وَالْقَاضِي من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله لَهُ من مَالِي ألف أَنه يلْزمه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ثمَّ قَالُوا أختلف الْأَصْحَاب على طَرِيقين مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريح وَمِنْهُم من فرق وَقَالَ القَاضِي الْفرق بِالْعَكْسِ أولى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فِي ميراثي من أبي أحتمل أَن يكون الدّين على أَبِيه وَالْمِيرَاث لَهُ لِأَن الدّين عندنَا لَا يمْنَع من صِحَة الْإِرْث ثمَّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو على أَخطَأ بعض الْأَصْحَاب بطرد الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان من دَاري نصفهَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص أَنه لَو قَالَ دَاري لفُلَان كَانَ الاقرار بَاطِلا لأضافته إِلَيّ نَفسه فَلَا فرق بَين النّصْف وَبَين الْكل وأنما السديد الْمَعْقُول مَا نقل فِي طَرِيق الْعرَاق اللَّفْظ التَّاسِع فِي تَكْرِير الْمقر بِهِ إِذا قَالَ على دِرْهَم دِرْهَم دِرْهَم لَا يلْزمه الا دِرْهَم وَاحِد لِأَنَّهُ مُحْتَمل للتكرار وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَن الْوَاو منع التّكْرَار وَلَو قَالَ

على دِرْهَم ودرهمان لزمَه ثَلَاثَة دَرَاهِم وَلَو قَالَ دِرْهَم فدرهم لزمَه دِرْهَم أَي فدرهم لَازم أَو خير مِنْهُ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فطالق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح فطالق خير مِنْهُ وَنقل أبن خيران الْجَواب من الْمَسْأَلَتَيْنِ وجعلهما على قَوْلَيْنِ وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم دِرْهَم وَقَالَ أردْت بالثالث تكْرَار الثَّانِي قبل وَلَو قَالَ أردْت تكْرَار الأول لم يقبل وَعند الاطلاق يلْزمه ثَلَاثَة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَلم ينْو شَيْئا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يَقع طَلْقَتَانِ وَيجْعَل الثَّالِث تكْرَار الثَّانِي وَالثَّانِي أَنه يَقع ثَلَاث لِأَنَّهُ لم يقْصد التّكْرَار فَنقل أبن خيران قولا إِلَيّ الاقرار حَتَّى لَا يلْزم عِنْد الاطلاق الا دِرْهَمَانِ وَمن فرق عول على ان التَّأْكِيد يَلِيق بِالطَّلَاق الَّذِي هُوَ إنْشَاء دون الْأَخْبَار وَلَو قَالَ دِرْهَم ثمَّ دِرْهَم فَكَلمهُ ثمَّ كالواو فِي قطع التَّأْكِيد وَلَو قَالَ دِرْهَم فَوق دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم اَوْ فَوْقه دِرْهَم أَو مَعَ دِرْهَم

أَو مَعَه دِرْهَم فَلَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد وَالْبَاقِي يكون على تَأْوِيل ملك الْمقر أَي دِرْهَم فَوق دِرْهَم لي وَفِي نَظِيره فِي الطَّلَاق يَقع طَلْقَتَانِ إِذْ لَا ينقدح هَذَا وَقيل بتخريج ذَلِك فِي الْإِقْرَار وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ دِرْهَم قبل دِرْهَم أَو قبله دِرْهَم أَو بعد دِرْهَم أَو بعده دِرْهَم يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَن ذَلِك لَا يحْتَمل إِلَّا فِي تَأْخِير الْوُجُوب وتقديمه وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَم يلْزمه دِرْهَم وَاحِد وَلَو قَالَ بل دِرْهَمَانِ يلْزمه دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ أعَاد الأول فِي الثَّانِي وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِينَارَانِ يلْزمه دِرْهَم وديناران لِأَن الثَّانِي رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ عشرَة لَا بل تِسْعَة يلْزمه الْعشْرَة لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَو قَالَ دِينَارَانِ بل قفيزان يلْزمه الْكل لِأَنَّهُ رُجُوع وَلَيْسَ بِإِعَادَة وَلَو قَالَ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ بل ثَلَاثَة دَرَاهِم لَا يلْزمه إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم وَيكون مَا مضى معادا فِيهِ هَذَا كُله إِذا جرى على الِاتِّصَال فَلَو أقرّ بِأَلف يَوْم السبت وبألف يَوْم الْأَحَد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد وَيجمع بَينهمَا فالأخبار تتداخل إِلَّا أَن يظيف إِلَى سببين مُخْتَلفين فَلَو أضَاف أَحدهمَا دون الآخر نزل الْمُطلق على الْمُضَاف وَلَا يخْتَلف ذَلِك بتكرير الْإِشْهَاد فَلَو شهد شَاهِدَانِ أَنه أقرّ يَوْم السبت بِأَلف وآخران أَنه أقرّ يَوْم الْأَحَد بِأَلف لم يلْزمه إِلَّا ألف

وَلِهَذَا قَالُوا لَو شهد أَحدهمَا على إِقْرَاره يَوْم السبت بِأَلف وَالْآخر على إِقْرَاره يَوْم الْأَحَد بِأَلف ثَبت ألف وَإِن لم يجتمعا على إِقْرَار وَاحِد وَلَكِن اجْتمعَا فِي حق الْمخبر عَنهُ وَكَذَلِكَ إِذا حكى أحد الشَّاهِدين العجمية من لفظ الْمقر فِي الْإِقْرَار وَحكى الآخر الْعَرَبيَّة يجمع بَينهمَا وَمثل ذَلِك فِي الْأَفْعَال كالغضب وَالْقَبْض والإنشاءات كَالْبيع وَالْقَذْف لَا يجمع هَكَذَا نقل صَاحب التَّقْرِيب النَّفْي ثمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أما تَخْرِيجه فِي الْجمع فِي جَانب الإنشاءات فبعيد وللتخريج فِي جَانب الأقارير وَجه لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا على شَيْء وَاحِد وَلَا خلاف فِي أَنه لَو ادّعى حَقًا وَشهد لَهُ الشُّهُود بل لَو ادّعى على الْإِقْرَار من عَلَيْهِ الْحق قبل وَلم يكن ذَلِك مُخَالفَة فِي نَفسه وَلم يلْزمه أَن يَدعِي الْإِقْرَار حَتَّى يُوَافقهُ لفظ الشُّهُود بل لَو ادّعى الْإِقْرَار لم يسمع وَقَالَ قَائِلُونَ لابد من دَعْوَى الْإِقْرَار لتتوافق الشَّهَادَة وَالدَّعْوَى وَلَا يجب على الشَّاهِد إِذا شهد على الْإِقْرَار أَن يذكر كَونه مُكَلّفا طَائِعا بل

هُوَ الْمَفْهُوم عِنْد الْإِطْلَاق فَلَو أَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَيِّنَة على أَنه كَانَ مكْرها قدمت بَيِّنَة الْإِكْرَاه وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه كَانَ فِي الْحَبْس والقيد صَار الظَّاهِر مَعَه حَتَّى يكون القَوْل قَوْله فِي الْإِكْرَاه اللَّفْظ الْعَاشِر إِذا قَالَ هَذَا وَلَدي وَلدته هَذِه الْجَارِيَة وَقد علقت بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بالاستيلاد فِي الْأُم وَلَو قَالَ وَلدته وَلم يقل علقت بِهِ فِي ملكي وَلَا ولدت فِي ملكي فَوَجْهَانِ ظَاهر النَّص أَنه إِقْرَار بالاستيلاد بِنَاء على الْغَالِب وَلَو قَالَ ولدت فِي ملكي وَلم يقل علقت فِي ملكي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت فرع دخيل فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ إِذا تنَازع رجلَانِ فِي جَارِيَة فَقَالَ أَحدهمَا زوجتنيها وَقَالَ الآخر بعتكها وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أُمُور الأول فِي فصل الْخُصُومَة قَالَ الْأَصْحَاب هما خصومتان إِذْ كل وَاحِد يَدعِي عقدا فَعَلَيهِ إثْبَاته وَيَدعِي عَلَيْهِ عقد فَالْقَوْل قَوْله فتعرض الْيَمين على كل وَاحِد فِي نفي مَا يَدعِي عَلَيْهِ وَفِي إِثْبَات مَا يَدعِيهِ مهما رد الْيَمين عَلَيْهِ

استدرك صَاحب التَّقْرِيب وَقَالَ من يدعى أَنه بَاعَ فَهُوَ يطْلب الثّمن فَلهُ التَّحْلِيف على نفي الشِّرَاء أما من يَدعِي التَّزْوِيج على الآخر وَالْآخر قد قَالَ بِعْت فقد أنكر ملك نَفسه فِي الْجَارِيَة فَلَو أقرّ لَكَانَ لَا يقبل إِقْرَاره فَأَي فَائِدَة فِي تَحْلِيفه ثمَّ قَالَ الْآن يَبْنِي على أَن يَمِين الرَّد كالبينة ففائدته النّكُول واستدراكه على وَجهه النّظر الثَّانِي أَنه إِن حلف الزَّوْج نفي على الشِّرَاء لم يُطَالب بِالثّمن وَللْبَائِع الرُّجُوع فِي الْجَارِيَة مِنْهُم من قَالَ يصير كَأَنَّهُ عجز عَن أستيفاء الثّمن بالإفلاس فيفسح وَيثبت حَقه فِي الْجَارِيَة وَإِن زَاد قيمتهَا على الثّمن وَمِنْهُم من فال لَا بل طَرِيقه انه ظفر بِغَيْر جنس حَقه فَيَأْخُذ مِنْهَا مُقَدرا الثّمن مِنْهُ هَذَا كُله إِذا لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَإِن جرى الِاسْتِيلَاد أمتنع الرُّجُوع بِمُوجب قَول البَائِع وَكَانَ الْوَلَد أَيْضا حرا بِمُوجب قَوْله فَلَا مرجع لَهُ النّظر الثَّالِث أَن الزَّوْج هَل يحل لَهُ وَطْؤُهَا نظر فَإِن كَانَ صَادِقا حل لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنا وَفِي الظَّاهِر وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْعبْرَة بقولهمَا وَهِي حَلَال بِمُوجب قَول البَائِع وَالزَّوْج جَمِيعًا

وَالثَّانِي أَنَّهَا حرَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف فِي الْجِهَة فَأَنَّهُ لَو قَالَ لي عَلَيْك ألف من قرض فَقَالَ بل من ثمن مَبِيع فَهَل يقدر على الْمُطَالبَة فِيهِ خلاف فالاختلاف فِي الْجِهَة فِي الْبضْع أولى وَمِنْهُم من شبه هَذَا بِمَا إِذا اشْترى زَوجته بِشَرْط الْخِيَار فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَطَؤُهَا فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته أَو مملوكته مَعَ أَنه كَيفَ مَا كَانَ فَهُوَ حَلَال وسبيل حل إِشْكَال النَّص تخريجة على أَقْوَال الْملك وَإِن قُلْنَا الْملك للْبَائِع فَلهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يدْرِي أَنه يطَأ زَوجته وَإِن قُلْنَا للمشترى فَلَا لِأَنَّهُ يطَأ مملوكته بِملك ضعييبف يمْنَع الْوَطْء لبَقَاء خِيَار البَائِع وَإِن قُلْنَا أَنه مَوْقُوف ملا يطَأ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أيطأ زَوجته فَتحل أَو يطَأ مملوكته بِملك ضَعِيف فَلَا تحل لَهُ النّظر الرَّابِع نَفَقَة الْوَلَد بعد الِاسْتِيلَاد على المستولد لِأَنَّهُ حر بِمُوجب قَول البَائِع فنفقته على ابيه وَنَفَقَته الْمُسْتَوْلدَة على المستولد إِن قُلْنَا تحل لَهُ وَإِن قُلْنَا لَا تحل لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا على البَائِع إِذْ يقبل قَوْله فِي زَوَال ملكه عَلَيْهِ لَا فِي مَا على غَيره وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة وَالثَّانِي أَنَّهَا تَأْكُل من كسبها فَأن لم يكن فَمن بَيت المَال لِأَنَّهَا فقيرة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي تعقب الْإِقْرَار بِمَا يرفعهُ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول أَن يعقبه بِمَا يرفعهُ كُله وَفِيه مسَائِل سبع الأولى إِذا قَالَ لفُلَان على ألف من ثمن خمر أَو خِنْزِير أَو من ضَمَان شَرط فِيهِ الْخِيَار لنَفسِهِ أَو سَبَب فَاسد أسْندهُ إِلَيْهِ ويعتاد التَّعَامُل بِمثلِهِ على الْفساد فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْألف وَالْإِضَافَة الْفَاسِدَة رفع بعد إِثْبَات فَهُوَ كَقَوْلِه على ألف أَلا ألفا وَالثَّانِي وَلَعَلَّه الأولى أَنه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يقر بملزوم شئ وَكَلَامه منظوم فِي نَفسه فَصَارَ كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَن شَاءَ الله فَإِنَّهُ لما أنتظم لم يكترث باندفاع الطَّلَاق وَقطع الاكثرون بِأَنَّهُ لَو قَالَ لفُلَان على ألف أَن شَاءَ الله لَا يلْزمه شئ لِأَنَّهُ للشَّكّ فِي الْإِقْرَار وللتعليق فِي الْإِقْرَار وَحكي صَاحب التَّقْرِيب عَن بعض الْأَصْحَاب طرد الْقَوْلَيْنِ وَلَا خلاف فِي أَنه إِذا قَالَ لَهُ على ألف إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر وَقصد بِهِ التَّعْلِيق أَنه

يخرج عَن الْقَوْلَيْنِ بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَلهُ على ألف فَإِنَّهُ لَا يلْزمه قولا وَاحِد لِأَنَّهُ قدم كلمة التَّعْلِيق إِلَّا أَن يُفَسر ذَلِك بِأَجل أَو وَصِيَّة فَيحْتَمل وَلَكِن لَا يلْزمه دون تَفْسِيره وَلَو قَالَ لَك على ألف ان شِئْت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يلْزمه لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ قَالَ الإِمَام ليخرج على الْقَوْلَيْنِ إِن قدم صِيغَة الِالْتِزَام وَإِن أخر فَيقطع بِأَنَّهُ لَا يلْزمه الثَّانِيَة إِذا قَالَ على ألف لَا يلْزَمنِي يلْزمه الْألف لِأَنَّهُ متناقض وَلَو قَالَ ألف قَضيته فطريقان مِنْهُم من قطع باللزوم لتناقضه وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ إِذْ ذَلِك مِمَّا يُطلق فِي الْعَادة الثَّالِثَة إِذا قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل طَرِيقَانِ

مِنْهُم من قطع بِالْقبُولِ للصِّحَّة والاعتياد جَمِيعًا وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَو ذكر الْأَجَل مُنْفَصِلا لم يقبل وَجعل مَانِعا للُزُوم فَكَذَلِك إِذا ذكره مُتَّصِلا وَكَذَا إِذا قَالَ عَليّ ألف من ثمن عبد أَن سلم سلمت لِأَنَّهُ إِضَافَة صَحِيحَة مُعْتَادَة وَلَو قَالَ عَليّ ألف مُؤَجل من جِهَة تحمل الْعقل فَيقطع بِصِحَّتِهِ لِأَن الأَصْل فِيهِ الْأَجَل والحلول فِيهِ دخيل وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف ثمَّ جَاءَ بِأَلف وَقَالَ هَذِه وَدِيعَة عِنْدِي فَقَالَ الْمقر لَهُ مَا أَقرَرت بِهِ ألف أخر هُوَ دين فَالَّذِي قطع بِهِ المراوزة قبُوله وَعَلِيهِ يدل نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو قَالَ عَليّ شئ ثمَّ فسر بالوديعة قبل لِأَن الْوَدِيعَة عَلَيْهِ ردهَا وَقد يتَعَدَّى فِيهَا فَيضمن نعم لَو قَالَ تلف فِي يَدي فَلَا يقبل قَوْله فِي سُقُوط الضَّمَان لِأَن قَوْله عَليّ مستشعر بِهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي اتِّحَاد الْألف قَولَانِ

وَإِن قَالَ لَهُ على ألف فِي ذِمَّتِي فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يُفَسر بالوديعة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دينا فِي ذِمَّتِي فأولي بِأَن يَتَعَدَّد وَهَا هُنَا يظْهر خيال التَّعَدُّد وَيبعد تَفْسِيره بالوديعة فَإِن قُلْنَا إِن التَّفْسِير بالوديعة مُنْفَصِلا مَقْبُول فمتصلا أولى وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فَيخرج الْمُتَّصِل على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَات الْفَاسِدَة وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم عَارِية فِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه لِأَن إِعَارَة الدَّرَاهِم يَصح فَتكون مَضْمُونَة وَإِن قُلْنَا لَا يَصح فَهِيَ عَارِية فَاسِدَة مضمونه وَفِي طَريقَة المراوزة أَن عَارِية الدَّرَاهِم إِذا لم تصح فَهِيَ بَاطِلَة لِأَنَّهَا غير قَابِلَة للِانْتِفَاع أصلا فَلَا ضَمَان فعلى هَذَا يخرج على قولي الْإِضَافَة إِلَيّ الْجِهَة الْفَاسِدَة الْخَامِسَة لَو قَالَ هَذِه الدَّار لَك عَارِية أَو هبة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يخرج الْمقر لَهُ مِنْهَا مهما شَاءَ لِأَن قَوْله لَك وَإِن كَانَ ظَاهره للْملك فَإِذا تعقب بالعارية نزل عَلَيْهِ وَكَذَا لَو قَالَ لَك هبة ثمَّ قَالَ أردْت هبة لم أقبضها فموجب النَّص الْقبُول وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب يَنْبَغِي أَن يخرج الْكل على قولي ثمن الْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ

رفع لما تقدم من لَام التَّمْلِيك وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّام ظَاهر فِي التَّمْلِيك ومحتمل لوجوه فِي الْإِضَافَة إِذا ذكر مُتَّصِلا بِهِ السَّادِسَة إِذا قَالَ رهنت فأقبضت أَو وهبت وأقبضت ثمَّ قَالَ كنت أقبضت فلَانا وظننت أَن الْقَبْض حَاصِل بِهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قبُول دَعْوَاهُ فِي تحلف الْخصم وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ كذبت من غير تَأْوِيل لم تقبل دَعْوَاهُ وَلَو قَالَ أَقرَرت أشهادا على الصَّك على الْعَارِية ثمَّ لم يتَّفق فَفِي قبُول الدَّعْوَى للتحليف وَجْهَان أولاهما الْقبُول لِأَنَّهُ مُحْتَمل فَلَا خلاف أَن الْعَرَبِيّ إِذا أقرّ بالعجمية ثمَّ قَالَ لقنت وَلم أفهم أَنه تقبل دَعْوَاهُ السَّابِعَة إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد بل لعَمْرو سلم إِلَيّ زيد فَهَل يغرم لعَمْرو فِيهِ قَولَانِ

الْمَنْصُوص هَا هُنَا أَنه لَا يغرم لِأَن الدَّار قَائِمَة ومنازعة صَاحب الْيَد فِيهَا مُمكن وَلم يصدر مِنْهُ إِلَّا مُجَرّد قَول وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس أَنه يضمن بالحيلولة كَمَا لَو أبق الْمَغْصُوب من يَده وَهَذَا الْخلاف جَار فِي شُهُود المَال إِذا رجعُوا وَعين المَال بَاقِيَة أَو إِمْكَان الْمُطَالبَة بِقِيمَتِه قَائِم فَإِنَّهُم هَل يغرمون ثمَّ من الْأَصْحَاب من أطلق الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من خصص بِمَا إِذا لم يسلم إِلَى زيد بِنَفسِهِ بل أخرج القَاضِي من يَده فَإِن سلمه فَفعله غصب بِمُوجب قَوْله مُوجب للضَّمَان أما إِذا قَالَ غصبت الدَّار من زيد وملكها لعَمْرو وَسلم إِلَى زيد لم يلْزمه شَيْء لعَمْرو لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون مرتهنا أَو مُسْتَأْجرًا وغصبت فبرىء بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَلَا يغرم للثَّانِي وَقيل بتخريج ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ مِنْهُ أما إِذا قدم الْإِقْرَار بِالْملكِ فَقَالَ هِيَ لفُلَان وَأَنا غصبتها من فلَان فالأكثرون سووا بَين الصُّورَتَيْنِ حَتَّى يسلم إِلَى من غضب مِنْهُ وَلَا يغرم للْمَالِك وَمِنْهُم من رأى تَخْرِيج هَذَا على الْقَوْلَيْنِ ظَاهرا وَزعم أَنه يسلم إِلَى الأول وَهل يغرم للثَّانِي قَولَانِ

الْقسم الثَّانِي فِيمَا يرفع بعض الْإِقْرَار وَفِيه ثَلَاث مسَائِل الأولى جَوَاز الِاسْتِثْنَاء الْأَقَل وَالْأَكْثَر مهما بَقِي من الْمقر بِهِ شَيْء فَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة قبل فَمَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَلَو قَالَ عشرَة إِلَّا عشرَة بَطل الِاسْتِثْنَاء وَلَزِمَه الْعشْرَة وَلَو قَالَ عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة هَكَذَا إِلَى أَن انْتهى إِلَى الْوَاحِد يلْزمه خَمْسَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات فَإِذا جمع صِيغ الْإِثْبَات على الْيَد الْيُمْنَى والصيغ الَّتِي بعْدهَا على الْيُسْرَى اجْتمع على الْيُسْرَى خَمْسَة وَعِشْرُونَ وعَلى الْيمن ثَلَاثُونَ فَإِذا أسقطت الْمَنْفِيّ عَن الْمُثبت بَقِي خَمْسَة الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس صَحِيح عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح إِلَّا فِي اسْتثِْنَاء الْمكيل من الْمَوْزُون أَو الْمَوْزُون من الْمكيل وَصورته أَن يَقُول عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا فَمَعْنَاه إِلَّا قيمَة ثوب وَلَكِن

مَعْنَاهُ أَن يُفَسر قيمَة الثَّوْب بِمَا ينقص عَن الْألف فَلَو فسره بِمَا استغرق فَوَجْهَانِ أَحدهمَا بطلَان التَّفْسِير إِلَى أَن يُفَسر بِمَا ينقص عَن الْألف وَالثَّانِي بطلَان أصل الِاسْتِثْنَاء الثَّالِثَة الِاسْتِثْنَاء عَن الْعين كَقَوْلِه هَذِه الدَّار لفُلَان وَالْبَيْت الْفُلَانِيّ مِنْهَا لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا الْبَاب أَو هَذَا الْخَاتم إِلَّا الفص أَو هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فَالْمَذْهَب صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَفِيه وَجه أَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا ورد فِي اللِّسَان عَن الْأَعْدَاد فَلذَلِك يقبل وَإِلَّا فَالْأَصْل أَن رفع الْإِقْرَار السَّابِق بَاطِل فرع لَو قَالَ هَؤُلَاءِ العبيد لفُلَان إِلَّا وَاحِدًا وَقُلْنَا صَحَّ طُولِبَ بتعيينه وَقبل قَوْله فَلَو مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا هُوَ الْمُسْتَثْنى فَالصَّحِيح قبُوله كَمَا لَو عين أَولا ثمَّ مَاتَ الآخر وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَنَّهُ يُوجب إعدام أثر الْإِقْرَار بِخِلَاف مَا لَو قَالَ غصبت هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يقبل تعين الْوَاحِد الْبَاقِي لِأَن أثر الْإِقْرَار يبْقى فِي مُطَالبَته بِقِيمَة الْمَوْت

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الْإِقْرَار بِالنّسَبِ وَهُوَ قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحدهمَا أَن يقر على نَفسه ويستلحق شخصا فَقَوله مَقْبُول بِشَرْط أَن يسلم عَن تَكْذِيب الْحس بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق أكبر سنا مِنْهُ أَو مثله وَعَن تَكْذِيب الشَّرْع بِأَن يكون الْمُسْتَلْحق مَشْهُور النّسَب لغيره وَعَن تَكْذِيب الْمقر لَهُ بِأَن يكون بَالغا فيكذبه فَلَا يثبت النّسَب فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا يثبت فِي مَجْهُول يُولد مثله لمثله وَهُوَ أَن يقر إِن كَانَ بَالغا أَو هُوَ صَغِير أَو مَجْنُون أَو ميت حَتَّى لَا يتَصَوَّر تَكْذِيبه فَإِن إِقْرَاره لَيْسَ بِشَرْط فَلَو استلحق صَغِيرا فَمَاتَ الصَّغِير وَرثهُ وَلَو مَاتَ الْمُسْتَلْحق وَرثهُ الصَّغِير بل لَو مَاتَ الصَّغِير أَولا وَله مِيرَاث ثمَّ اسْتَلْحقهُ قبل قَوْله عندنَا وَلم يتْرك بِسَبَب التُّهْمَة خلافًا لأبي حنيفَة نعم لَو مَاتَ بَالغا فاستلحقه ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وَمَال القَاضِي إِلَى أَنه لَا

يقبل إِذا خَيره إِلَى مَوته مَعَ مصادفته حَالَة يتَصَوَّر تَصْدِيق الْمقر لَهُ فِيهِ يُوهم كذبه وَهَذَا لَا يَلِيق بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يرد الأقارير بالتهم نعم لَو استلحق صَغِيرا فَبلغ وَأنكر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا مبالاة بإنكاره إِذْ حكمنَا بِثُبُوت النّسَب والتوريث من الْجَانِبَيْنِ وَالثَّانِي يقبل وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك حكما بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة كتصحيح الأقارير والتصرفات فِي مرض الْمَوْت فرعان أَحدهمَا لَهُ أمتان وَلكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ولد وَلَا زوج لَهما فَقَالَ أحد هذَيْن الِابْنَيْنِ وَلَدي فقد ثَبت نسب وَاحِد مُبْهما فَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِذا عين تعين وَعتق وَصَارَت الْأُم مُسْتَوْلدَة إِن كَانَ قد قَالَ هَذَا وَلَدي مِنْهَا قد علقت بِهِ فِي ملكي وَإِن أطلق وَقَالَ وَلَدي مِنْهَا فقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فتعيين الْوَرَثَة كتعيين الْمُورث وَإِن عجزنا عرضنَا على الْقَائِف وَتَعْيِين الْقَائِف كتعينه فِي النّسَب وَالِاسْتِيلَاد وَسَائِر الْأَحْكَام فَإِن عجزنا عَن الْقَائِف أقرعنا بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق وَلم يثبت نسبه وَلَا مِيرَاثه إِذْ لَا عمل للقرعة إِلَّا فِي الْعتْق وَبَينهمَا عتق مُبْهَم

وَهل يقرع بَين الأمتين وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ أُميَّة الْوَلَد وَالْعِتْق بِهِ تبع بِسَبَب الْوَلَد وَلَا نسب وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهما نسبا وإحداهما عتيقة بِحكم ذَلِك فيقرع لأجل الْعتْق وَهل يقف نصيب ابْن من الْمِيرَاث وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ أَحدهمَا نسيب وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نسب ميئوس عَن ظُهُوره والموالاة بِهِ فَلَا يُؤثر فِي التوريث الْفَرْع الثَّانِي أمة لَهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد فَقَالَ السَّيِّد أحد هَؤُلَاءِ وَلَدي استولدتها بِهِ فِي ملكي فَهُوَ إِقْرَار بأمية الْوَلَد وَيُطَالب بِالتَّعْيِينِ فَإِن عين الْأَصْغَر عتق وَثَبت نسبه وَإِن عين الْأَوْسَط ثَبت نسبه وَعتق الْأَصْغَر أَيْضا وَثَبت نسبه لِأَنَّهُ ولد على فرَاشه إِلَّا إِذا ادّعى الِاسْتِبْرَاء وَقُلْنَا الْوَلَد يَنْتَفِي بِمُجَرَّد دَعْوَى الِاسْتِبْرَاء فِي الْمُسْتَوْلدَة وَعند ذَلِك يحكم بِعِتْق الْأَصْغَر لِأَنَّهُ ولد الْمُسْتَوْلدَة ولاكن وَلَكِن إِذا عتقت الستولدة بِمَوْت السَّيِّد وَفِيه وَجه أَنه لَا يعْتق لاحْتِمَال اسْتَوْلدهَا بالأوسط وَهِي مَرْهُونَة وَلنَا لَا ينفذ الِاسْتِيلَاد فبيعت وَولدت الْأَصْغَر فِي يَد المُشْتَرِي ثمَّ اشتراهما المستولد وَقُلْنَا يَقُود الِاسْتِيلَاد وَلَكِن لَا يتَعَدَّى إِلَى ولد ولدت فِي ملك الْغَيْر وَالْقَائِل الأول إِن اعْترف بِهَذَا التَّفْرِيع فَيَأْتِي دفع مُطلق الْإِقْرَار بِهَذَا التَّقْدِير الْبعيد

هَذَا إِذا عين قبل الْمَوْت فَإِن مَاتَ فوارثة أَو الْقَائِف يقومُونَ مقَامه فَإِن عجزنا عَنْهُم أَقرع بَين الْأَوْلَاد الثَّلَاثَة فَإِن خرج على الْأَصْغَر تعين لِلْعِتْقِ وَإِن خرج على الْأَوْسَط عتق مَعَ الْأَصْغَر إِلَّا على تَقْدِير الْخُرُوج على مَسْأَلَة الرَّد قَالَ الْمُزنِيّ مُعْتَرضًا على نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَيفَ يدْخل الصَّغِير الْقرعَة وَهُوَ حر بِكُل حَال وَمَا ذكره الْمُزنِيّ خطأ لِأَنَّهُ يدْخل فِي الْقرعَة ليخرج عَلَيْهِ فَيقْتَصر الْعتْق عَليّ أَو يخرج على غَيره فَيعتق هُوَ مَعَ غَيره ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تَأْثِير للقرعة فِي النّسَب وَالْمِيرَاث مَصْرُوف إِلَى الْوَارِث الْمُتَيَقن وراثته قَالَ الْمُزنِيّ وَيَنْبَغِي أَن يُوقف مِيرَاث ابْن وَهُوَ ظَاهر الْقيَاس وَلَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم ير الْموقف بعد الْيَأْس عَن ظُهُور هَذَا النّسَب

الْقسم الثَّانِي أَن يقر بِالنّسَبِ على مُوَرِثه وَمن لَهُ ولَايَة استغراق الْمِيرَاث فَلهُ إِلْحَاق النّسَب بمورثه سَوَاء انْفَرد أَو كَانُوا جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَو خلف ابْنا وَاحِدًا فَأقر بِأَخ آخر لم يثبت إِلَّا إِذا كَانَا ابْنَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف فَإِنَّهُ إِذا لم تعْتَبر صِفَات الشُّهُود بل قبل قبُول الأقارير فَلَا معنى للعدد ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب يعْتَبر إِقْرَار الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق إِذا كَانَ من جملَة الْوَرَثَة وَلَا مبالاة بِإِقْرَار التَّقْرِيب الْمَحْجُور بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَإِن كَانَ هُوَ أقرب إِلَى النّسَب لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من اسْتِحْقَاق الْإِرْث وَفِي الزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق وَجه أَنه لَا يعْتَبر قَوْلهمَا وَالْبِنْت الْوَاحِدَة إِذا أقرَّت وَأقر مَعهَا إِمَام الْمُسلمين فَفِي ثُبُوت النّسَب بقول الإِمَام وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالمولى الْمُعْتق وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ غير مُسْتَحقّ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحق وجهة الْإِسْلَام فَلَا يتَصَوَّر صدر الْإِقْرَار مِنْهُ

أما إِذا خلف ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا وَأنكر الآخر فالنسب لَا يثبت قطعا وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن الْمِيرَاث لَا يثبت لِأَنَّهُ فرع النّسَب وَعَلِيهِ إشكالات قررناها فِي مسَائِل الْخلاف ولأجله خرج ابْن سُرَيج وَجها أَنه يَرث وَذكر صَاحب التَّقْرِيب طَرِيقين أَحدهمَا أَن الْمِيرَاث يثبت بَاطِنا وَهل يثبت ظَاهرا وَجْهَان وَالثَّانِي أَنه لَا يثبت ظَاهرا وَهل يثبت بَاطِنا وَجْهَان التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يثبت الْمِيرَاث على الْمقر فَإِذا كَانَت التَّرِكَة سِتّمائَة فَيَأْخُذ الْمقر لَهُ من الْمقر كم وَجْهَان أَحدهمَا مائَة وَخمسين وَهُوَ نصف مَا فِي يَده لِأَنَّهُ أعترف لَهُ بالمساواة فِي كل شَيْء وَالثَّانِي مائَة وَهُوَ ثلث مَا فِي يَده فَإِنَّهُ مظلوم بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى من الْمُنكر وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب هَذَا إِذا كَانَ الْمقر مجبرا فِي الْقِسْمَة فَلَو كَانَ الْقِسْمَة بِالتَّرَاضِي فقد تعدى بِتَسْلِيم نصِيبه إِلَى المكذوب فَيغرم لَهُ وَالْقِيَاس مَا قَالَه فروع سَبْعَة الأول لَو أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بزوجية امْرَأَة لِأَبِيهِ وَأنكر الآخر فَالظَّاهِر أَنه لَا يثبت الْمِيرَاث كَمَا فِي النّسَب وَفِيه وَجه أَنه يثبت لِأَن الْمَقْصُود بِالْإِقْرَارِ هَا هُنَا الْإِرْث دون الزَّوْجِيَّة

الثَّانِي أقرّ أحد الِابْنَيْنِ وَأنكر الآخر وَمَات الْمُنكر نظر فَإِن كَانَ خلف ابْنا وَهُوَ مقرّ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يثبت الْمِيرَاث لِأَن الِاسْتِغْرَاق لَهُم وَقد توافقوا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فرع فَلَيْسَ لَهُ تَكْذِيب أَصله وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْوَارِث هَل يلْتَحق بِمن نَفَاهُ الْمُورث بِاللّعانِ وَإِن لم يخلفا إِلَّا الْأَخ الْمقر فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالثبوت وَلَو أَنه مَاتَ قبل التَّكْذِيب فَلَا خلاف فِي أَن الْمِيرَاث يثبت بتوافق البَاقِينَ لِأَن التَّكْذِيب لم يصدر مِنْهُ بعد الثَّالِث خلف ابْنَيْنِ صَغِيرا وكبيرا فَأقر الْكَبِير بِأَخ ثَالِث وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يثبت لَا نسب وَلَا مِيرَاث إِذْ الْحق لَهما وَالثَّانِي نعم يثبت ويستدام بِشَرْط أَن لَا يُنكر الصَّبِي إِذا بلغ

الرَّابِع إِذا خلف ابْنا وَاحِدًا فَقَالَ لمجهول أَنْت ابْن أبي فَقَالَ وَأَنت لست ابْنا لَهُ وَأَنا ابْن لَهُ فَوَجْهَانِ أَحدهَا أَن الْمقر يحجب لِأَن الْمَجْهُول وَارِث بقوله وَهُوَ مُنكر قَوْله وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَلَا يبالى بتكذيبه وَفِيه وَجه ثَالِث أَن المكذب لَا يسْتَحق شَيْئا لِأَنَّهُ أخرجه عَن أَهْلِيَّة الْإِقْرَار بتكذيبه الْخَامِس اقر لاثْنَيْنِ بالأخوة فتكاذبا بَينهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنهم يشتركون وَلَا يُؤثر تكاذبهما نظرا إِلَى قَول الأَصْل وَالثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يرثان إِذْ لم يتوافق على إِرْث كل وَاحِد مِنْهُمَا الْجَمِيع السَّادِس إِذا أقرّ الْأَخ بِابْن لِأَخِيهِ قَالَ الْأَصْحَاب يثبت النّسَب دون الْمِيرَاث إِذْ لَو ثَبت الْمِيرَاث لحرم الْأَخ عَن الْمِيرَاث وَخرج عَن أَهْلِيَّة

الْإِقْرَار وَصَارَ دورا وَمِنْهُم من قَالَ يثبت النّسَب وَالْمِيرَاث جَمِيعًا وَمِنْهُم من قَالَ لَا يثبت النّسَب أَيْضا مَعَ الْمِيرَاث السَّابِع إِذا أقرّ أحد الِابْنَيْنِ بِأَلف وَأنكر الآخر والتركة أَلفَانِ فَيُؤْخَذ من نصيب الْمقر خَمْسمِائَة أَو ألف فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا ألف مُؤَاخذَة لَهُ بِمُوجب قَوْله فِي أَنه لَا يَنْفَكّ جُزْء من التَّرِكَة بِمَا بَقِي من الدّين شَيْء وَالثَّانِي يكْتَفى بِحِصَّتِهِ والتوجيه مَذْكُور فِي الْخلاف

= كتاب الْعَارِية = وَالنَّظَر فِي أَرْكَانهَا وأحكامها وَفصل الْخُصُومَة فِيهَا فإمَّا الْأَركان فَأَرْبَعَة

الأول الْمُعير وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا كَونه مَالِكًا للمنفعة غير مَحْجُور عَلَيْهِ فِي التَّبَرُّع فَأن الْعَارِية تبرع بالمنافع فَيصح من الْمُسْتَأْجر وللمستعير أَن يَسْتَوْفِي الْمَنَافِع بوكيله بِنَفسِهِ وَهل لَهُ ان يعير فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع لِأَن الْإِذْن مَخْصُوص بِهِ فَهُوَ كالضيف الثَّانِي الْمُسْتَعِير وَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا أَن يكون أَهلا للتبرع عَلَيْهِ الثَّالِث المعار وَيعْتَبر فِيهِ شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا معنى لإعاره الْأَطْعِمَة وَفِي

إِعَارَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وإجارتهما لمَنْفَعَة التزيين ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم لِأَن غَرَض التزيين من الْمَقَاصِد وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ غَرَض بعيد وَالثَّالِث يَصح الْإِعَارَة لِأَنَّهُ مبرة وَلَا يَصح الْإِجَارَة لِأَنَّهُ مُعَاوضَة فيستدعي مَنْفَعَة مُتَقَومَة فَإِن أبطلناها فَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنَّهَا مَضْمُونَة لِأَنَّهَا إِعَارَة فَاسِدَة وَفِي طَرِيق المراوزة أَنَّهَا غير مضمونه لِأَنَّهَا غير قَابِلَة للإعارة فَهِيَ بَاطِلَة الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الِانْتِفَاع مستباحا فَلَا يجوز إِعَارَة الْجَوَارِي للاستمتاع وَلَا للاستخدام إِذا كَانَ الْمُسْتَعِير غير محرم وَكَانَت الْجَارِيَة فِي مَحل الشَّهْوَة فَإِن جرى

فَهُوَ صَحِيح وَلكنه مَحْظُور وَكَذَا تكره اسْتِعَارَة أحد الْأَبَوَيْنِ للْخدمَة وَكَذَا إِعَارَة العَبْد الْمُسلم من الْكَافِر وَتحرم إِعَارَة الصَّيْد من الْمحرم الرَّابِع صِيغَة الْإِعَارَة ولابد فِيهِ من الْإِيجَاب وَهُوَ قَوْله أعرت أَو خُذ أَو مَا يُفِيد مَعْنَاهُ وَيَكْفِي الْقبُول بِالْفِعْلِ وَلَا يشْتَرط اللَّفْظ كاستباحة الضيفان فَلَو قَالَ أعرتك حماري لتعيرني فرسك فَهُوَ أجاره فَاسِدَة غير مَضْمُونَة وَلَو قَالَ اغسل هَذَا الثَّوْب فَهُوَ اسْتِعَارَة لبدنه لأجل الْعَمَل فَإِن كَانَ الْغَاسِل مِمَّن يعْمل بِالْأُجْرَةِ فَالظَّاهِر أَنه يسْتَحق الْأُجْرَة كَمَا يسْتَحق الحمامي والحلاق والتعويل فِيهِ على الْقَرَائِن وَلِهَذَا ذكر القَاضِي فِي المعاطاة فِي البيع وَجْهَيْن لأجل الْقَرَائِن أما أَحْكَامهَا فَثَلَاثَة الأول الضَّمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَارِية مَضْمُونَة مُؤَدَّاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة

رَحْمَة الله أَنَّهَا غير مَضْمُونَة وَلَا خلاف أَنَّهَا مَضْمُونَة الرَّد على الْمُسْتَعِير ثمَّ فِي كَيْفيَّة الضَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يضمن بأقصى قِيمَته من يَوْم الْقَبْض الى يَوْم التّلف كضمان الْمَغْصُوب وعَلى هَذَا يحدث وَكَذَا الْمُسْتَعَار فِي يَده مَضْمُونا وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر قِيمَته يَوْم الْقَبْض وَالثَّالِث هُوَ الْأَصَح أَنه يعْتَبر قِيمَته يَوْم التّلف إِذْ فِي اعْتِبَار يَوْم الْقَبْض مَا يُوجب ضَمَان الْأَجْزَاء الْمُسْتَحقَّة بِالِاسْتِعْمَالِ وضمانها غير وَاجِب لِأَنَّهَا تلفت بِالْإِذْنِ وَفِيه وَجه بعيد وَالْمُسْتَعِير من الْمُسْتَأْجر هَل يضمن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ابتناء يَده على يَد غير مَضْمُونَة وَالثَّانِي نعم نظرا إِلَيْهِ فِي نَفسه وَالْمُسْتَعِير من الْغَاصِب يسْتَقرّ عَلَيْهِ الضَّمَان إِذا تلف الْعين فِي يَده وَلَو طُولِبَ

بِالْأُجْرَةِ وَلم يكن استوفي الْمَنْفَعَة بل تلفت تَحت يَده يرجع بِهِ على الْمُعير لِأَن يَده فِي الْمَنْفَعَة لَيْسَ يَد ضَمَان وَإِن كَانَ اسْتَوْفَاهُ فَفِي الرُّجُوع قَولَانِ أَحدهمَا نعم للغرور فَأَنَّهُ لم يرض بِضَمَان الْمَنَافِع وَالثَّانِي لَا تَغْلِيبًا للإتلاف على الْغرُور وحد الْمُسْتَعِير كل طَالب أَخذ المَال لغَرَض نَفسه من غير اسْتِحْقَاق فعلى هَذَا لَو جمحت دَابَّة فأركبها ر أَيْضا ليروضها لَهُ وارسل وَكيلا فِي شغل لَهُ واركبه دَابَّته وفتلفت لَا ضَمَان لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ آخِذا لغَرَض نَفسه وَلَو وجد من اعيا فِي الطَّرِيق فأركبه بطرِيق الْقرْبَة فَفِيهِ نظر من حَيْثُ أَن الرَّاكِب منتفع وَلَكِن الْأَظْهر أَن لَا ضَمَان لِأَن الْمَالِك هُوَ المطالب لركوبه ليقترب بِهِ الى الله تبَارك وَتَعَالَى

وَلَو أركب الْمَالِك مَعَ نَفسه رديفا فَتلفت الدَّابَّة تحتهما قَالَ الْأَصْحَاب على الرديف نصف الضَّمَان الأولى أَن لَا يجب لِأَن الدَّابَّة فِي الْملك مَا دَامَ هُوَ رَاكِبًا والرديف ضيف كالضيف الدَّاخِل فِي الدَّار وَلَو أودعهُ ثوبا وَقَالَ إِن شِئْت فالبسه عِنْد الْحَاجة فَهُوَ قبل اللّبْس وَدِيعَة وَبعده عَارِية مَضْمُونَة الحكم الثَّانِي التسلط على الِانْتِفَاع وَهُوَ بِقدر التسليط لِأَن منتفع بالأذن فَإِن تعين جِهَة الْمَنْفَعَة فَلَا كَلَام وَإِن تعدّدت كَمَا إِذا أعَار أَرضًا فَإِن عين زراعة الْحِنْطَة مثلا فَلهُ أَن يزرع مَا ضَرَره مثل ضَرَر الْحِنْطَة ودونه وَلَا يزرع مَا ضَرَره فَوْقه وَإِن أطلق فَالظَّاهِر فَسَاده إِذْ يتَرَدَّد بَين الْغِرَاس وَالْبناء والزراعة فَهُوَ غرر ظَاهر وَفِيه وَجه أَنه يَصح ويتسلط على الْكل وَلَو قَالَ أنتفع كَيفَ شِئْت فَوَجْهَانِ من حَيْثُ أَنه

فوض الى مَشِيئَته وَلَو عين الزِّرَاعَة فَالظَّاهِر الْجَوَاز وَإِن لم يعين المزروع لِأَن الْأَمر فِيهِ قريب وَلَو عين الْغِرَاس فَلهُ أَن يَبْنِي وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ لتساويهما وَقيل لَا لِأَن ضَرَر الْغِرَاس فِي بَاطِن الأَرْض وضرر الْبناء فِي ظَاهر الأَرْض فهما مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْس الحكم الثَّالِث الْجَوَاز وللمعير الرُّجُوع مهما شَاءَ إِلَّا إِذا أعَار لدفن ميت فَيمْتَنع نبش الْقَبْر سَوَاء كَانَ الْمَيِّت جَدِيدا أَو عتيقا إِلَى أَن يندرس أثر المدفون فَعِنْدَ ذَلِك يفعل مَا يُرِيد وَقبل الاندراس لَو كَانَ لَهُ فِيهِ أَشجَار فَلهُ السَّقْي بِشَرْط أَن لَا يظْهر الْمَيِّت وَكَذَلِكَ لَو أعَار جدارا ليضع الْجَار عَلَيْهِ جذعه فَلَا يَسْتَفِيد بِالرُّجُوعِ قبل الانهدام شَيْئا إِذْ لَا أُجْرَة لَهُ حَتَّى يُطَالب بِهِ وَفِي هَدمه بِأَرْش النَّقْض تصرف فِي خَاص ملك الْجَار فِي الْجَانِب الثَّانِي من الْجذع فَأَما إِذا أعَار أَرضًا للْبِنَاء وَالْغِرَاس مُطلقًا فَلهُ الرُّجُوع وَلَيْسَ لَهُ لنقض ملك الْمُسْتَعِير مجَّانا لِأَنَّهُ مُحْتَرم وَضعه من غير عدوان وَلَكِن يتَخَيَّر الْمَالِك بَين الثَّلَاث خِصَال بَين أَن يبْقى بِأُجْرَة أَو يتَمَلَّك الْبناء بِقِيمَتِه أَو ينْقض ويبذل أَرْشه والخيرة فِي التَّعْيِين للْمَالِك تَرْجِيحا لجانبه فَإِنَّهُ معير وَلَا حق للْمُسْتَعِير إِلَّا أَن لَا يضيع مَالِيَّته ثمَّ إِذا رَجَعَ وَالْبناء بعد لم يرفع جَازَ للْمَالِك الدُّخُول وَلَا يتَصَرَّف فِي الْبناء وَلَا

يجوز للْمُسْتَعِير الدُّخُول وتنزها وَهل يجوز مرمة الجدران فِيهِ خلاف وَجه الْجَوَاز أَن حَقه مَضْمُون عَن التّلف وَفِي الْمَنْع من الْعِمَارَة تَضْييع وَيجوز للْمُعِير بيع الأَرْض وَعَلَيْهَا بِنَاء الْمُسْتَعِير قبل التَّمَلُّك وَهل يجوز للْمُسْتَعِير بيع الْبناء فِيهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه معرض للهدم أَن أَرَادَ الْمُعير هَذَا إِذا كَانَت الْإِعَارَة مُطلقَة أَو مُقَيّدَة بالتأبيد فَلَو قَالَ أعرت سنة فَإِذا مَضَت قلعت الْبناء مجَّانا فَلهُ ذَلِك اتبَاعا للشّرط وَلَو اقْتصر على قَوْله أعرت سنة لم يجز لَهُ النَّقْض بعده مجَّانا فَكَانَ يحْتَمل أَن يحمل على طلب الْأُجْرَة بعده كَمَا يحْتَمل الْهدم وَالْأَصْل حُرْمَة ملكه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فَائِدَة التَّأْقِيت جَوَاز الْقلع مجَّانا أما إِذا أعَار للزِّرَاعَة وَرجع قبل الْإِدْرَاك فَالْمَذْهَب أَنه يجب ابقاؤه الى الْإِدْرَاك وَلَيْسَ لَهُ قلع الزَّرْع وَلَكِن لَهُ أَخذ الْأُجْرَة لِأَن هَذَا اقْربْ الطّرق بِخِلَاف الْغِرَاس فِي الْإِجَارَة

المؤقتة فَإِنَّهُ وَإِن صَبر بَقِيَّة الْمدَّة افْتقر إِلَى الْقلع بعْدهَا وَفِيه وَجه للعراقيين أَنه لَا يسْتَحق الْأُجْرَة إِلَى الْإِدْرَاك وَوجه لصَاحب التَّقْرِيب أَنه يقْلع الزَّرْع كالغراس أَو لَا يقْلع الْغِرَاس كالزرع وَهُوَ من تَخْرِيجه وتصرفه فرعان أَحدهمَا لَو بَادر الْمُسْتَعِير وَقلع الْغِرَاس هَل يلْزمه تَسْوِيَة الْحفر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم ليرد مَا أَخذ كَمَا أَخذ وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَأْذُون فِي الْغَرْس مَأْذُون فِي الْقلع وَقد حصل من الْمَأْذُون فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَو تلفت الدَّابَّة المستعارة أَو تعبت بالركوب

الثَّانِي إِذا حمل السَّيْل ونواة لأنسان إِلَى ملك غَيره فأنبتت شَجَرَة فَهَل لمَالِك الأَرْض قلعهَا مجَّانا فِيهِ وَجْهَان لتعارض الْحُرْمَة فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْأولَى تَرْجِيح مَالك الأَرْض وتسليطه على الْقلع

وَأما فصل الْخُصُومَة فلهَا ثَلَاث صور الأولى إِذا قَالَ رَاكب الدَّابَّة لمَالِكهَا أغرتنيها فَقَالَ الْمَالِك بل أجرتكها قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ القَوْل قَول الرَّاكِب وَلَو قَالَ ذَلِك زارع الأَرْض لماكلها قَالَ القَوْل قَول الْمَالِك نَص عَلَيْهِ فِي الْمُزَارعَة فأختلف الْأَصْحَاب على طَرِيقين أَحدهمَا قَولَانِ لتقابل الاصلين إِذْ يُمكن أَن يُقَال الأَصْل وجوب الضَّمَان فِي الْمَنْفَعَة وَعدم مَا يُسْقِطهَا أَو الأَصْل عِنْد طريان الْأذن عدم الضَّمَان وَمِنْهُم من قرر التَّعْيِين وَفرق بِأَن الْعَارِية فِي الدَّوَابّ لَيْسَ بِبَعِيد وَفِي الأَرْض بعيد وَهَذَا التَّرْجِيح فِي مَظَنَّة تعَارض الاصلين لَا بَأْس بِهِ التَّفْرِيع الأول إِن قُلْنَا القَوْل قَول الماك فَيحلف على نفي الْإِعَارَة وَلَا يتَعَرَّض لإِثْبَات الْإِجَازَة والمسمى فَإِنَّهُ مُدع فيهمَا ثمَّ إِذا حلف أَخذ أقل الْأَمريْنِ من الْمُسَمّى أَو أُجْرَة الْمثل

وَقَالَ القَاضِي والعراقيون إِنَّه يتَعَرَّض للإجارة فَيحلف أَنه مَا أعَار وَلكنه أجر لينتظم الْكَلَام لَا ليثبت الْإِجَارَة وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ قولا آخر أَن فَائِدَته إِثْبَات الْمُسَمّى إِظْهَارًا لفائدته وَهُوَ بعيد أما إِذا نكل الْمَالِك قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يرد على الرَّاكِب لِأَنَّهُ لَا يَدعِي لنَفسِهِ حَقًا فيبني عَلَيْهِ الْقَضَاء بِالنّكُولِ قَالَ القَاضِي ترد وَفَائِدَته دفع الْغَرِيم وَهُوَ أقرب من الْقَضَاء بِالنّكُولِ فَإِن قيل فَلَو تنَازعا قبل مُضِيّ مده تتقدم الْمَنْفَعَة فِيهَا قُلْنَا القَوْل قَول الرَّاكِب فِي نفي مَا يدعى عَلَيْهِ من الْإِجَارَة للمستقبل الصُّورَة الثانيه أَن يَقُول الْمَالِك بل غصبتنيها قَالَ الْمُزنِيّ القَوْل قَول الركب إِذْ الأَصْل عدم الْغَضَب إحسانا للظن بِالنَّاسِ ثمَّ خالفا أَكثر الْأَصْحَاب وَقَالُوا الأَصْل عدم الْأذن وَبَقَاء حق الْمَالِك فِي الْمَنْفَعَة وَقيل المذهبان قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَالْأولَى القَوْل الْمُخَالف للمزني

الثَّالِثَة أَن يَقُول الرَّاكِب أكريتنيها وغرضه إِسْقَاط الضَّمَان عِنْد التّلف وَاسْتِحْقَاق الْإِمْسَاك فَقَالَ الْمَالِك أعرتكبها فَالْقَوْل قَول الْمَالِك فَإِنَّهُ يَدعِي عَلَيْهِ إِجَارَة وَالْأَصْل عدمهَا ثمَّ يَسْتَفِيد بِالْحلف اسْتِحْقَاق الْقيمَة عِنْد التّلف وَجَوَاز الرُّجُوع عِنْد الْقيام

= كتاب الْغَصْب = الْغَصْب عدوان مَحْض لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غضي شبْرًا من أَرض طوقه الله من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ سَبَب للضَّمَان لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْيَد مَا أخذت حَتَّى ترد وَالنَّظَر فِي الْكتاب يحصره بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الضَّمَان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَرْكَان الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب الرُّكْن الأول الْمُوجب للضَّمَان وَهُوَ ثَلَاثَة التفويت بالمباشر أَو التَّسَبُّب أَو إِثْبَات الْيَد لغَرَض نَفسه من غير اسْتِحْقَاق أما الأول فَهُوَ الْمُبَاشرَة وَحده إِيجَاد عِلّة التّلف كَالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق ونعني بِالْعِلَّةِ مَا يُقَال من حَيْثُ الْعَادة إِن الْهَلَاك حصل بهَا كَمَا يُقَال حصل بِالْقَتْلِ وَالْأكل والإحراق أما التَّسَبُّب فَهُوَ إِيجَاد مَا يحصل الْهَلَاك عَهده وَلَكِن بعلة أُخْرَى إِذا كَانَ السَّبَب مَا يقْصد لتوقع تِلْكَ الْعلَّة فَيجب الضَّمَان على الْمُكْره على إِتْلَاف المَال وَالْإِكْرَاه سَبَب وعَلى من حفر بِئْرا فِي مَحل عدوان إِذا تردى فِيهِ بَهِيمَة أَو عبد أَو إِنْسَان فَإِن ردى فِيهِ غَيره فِيهِ فَالضَّمَان على المردي تَقْدِيمًا للمباشرة على التَّسَبُّب كَمَا فِي الممسك مَعَ الْقَابِل فِي الْحر أما فِي العَبْد فَيُطَالب الممسك أَيْضا لِأَنَّهُ بالإمساك غَاصِب

وَالْمكْره وَإِن كَانَ مباشرا فمباشرته ضَعِيفَة أنتجها الْإِكْرَاه فَلم يقدم عَلَيْهِ أما إِذا رفع حَافظ الشَّيْء حَتَّى ضَاعَ لعدم الْحَافِظ بِسَبَب آخر لَا يقْصد بِرَفْع الْحَافِظ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ كَمَا إِذا فتح رَأس الزق فاتفق هبوب ريح بعده فَسقط وَضاع فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يقْصد بِفَتْح رَأس الزق هبوب الرّيح والضياع بِهِ كَمَا لَو بنى دَارا فطيرت الرّيح ثوبا وألقاه فِي دَاره فَضَاعَ لَا يضمن وَكَذَلِكَ لَو حبس الْمَالِك عَن الْمَاشِيَة فعاث الذِّئْب فِيهَا وَكَذَلِكَ لَو حمل صَبيا إِلَى مضيعة فاتفق ثمَّ سبع فافترسه فَلَا ضَمَان فِي الْكل إِذْ لَا مُبَاشرَة وَلَا يَد وَلَا تسبب إِذْ حد السَّبَب مَا ذَكرْنَاهُ نعم لَو حمل الصَّبِي إِلَى مسبعَة أَو فتح رَأس الزق فشرقت الشَّمْس وذاب فِيهِ وَجْهَان لَعَلَّ الْأَظْهر وجوب الضَّمَان فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ ذَلِك كَمَا أَنا نقُول إِذا غصبت الْأُمَّهَات فنتجت الْأَوْلَاد حدثت من ضَمَانه لِأَنَّهُ يتَوَقَّع من إِثْبَات الْيَد على الْأُمَّهَات ثُبُوت الْيَد على الْأَوْلَاد وَكَذَلِكَ لَو غصب رمكة فأتبعها الْمهْر فَفِي دُخُوله فِي ضَمَانه تردد

وَأما رفع الْقَيْد عَن الْحَيَوَان سَبَب يقْصد لإفلات الْحَيَوَان وَلَكِن ينظر فَإِن كَانَ الْمُقَيد حَيَوَانا عَاقِلا كَالْعَبْدِ فَإِذا أبق لَا ضَمَان لِأَنَّهُ مُخْتَار فَيَنْقَطِع التَّسَبُّب بِهِ وَهُوَ كَمَا لَو هدم الْحِرْز فَسرق المَال لَا يضمن المَال وَلَو دلّ السراق لم يضمن فَأَما الْحَيَوَان الَّذِي لَيْسَ بعاقل كالطير والبهيمة فَإِذا فتح بَاب القفص وَحل رِبَاط الْبَهِيمَة فَضَاعَت فَالْمَذْهَب الظَّاهِر أَنه إِن طَار على الِاتِّصَال ضمن وَإِن كَانَ على الِانْفِصَال لم يضمن إِذْ يظْهر حوالته عِنْد الِانْفِصَال على اخْتِيَار الْحَيَوَان وَعند الِاتِّصَال كَأَنَّهُ نفر بالتعرض للقيد وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يضمن فِي الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ منقدح من حَيْثُ الْمصلحَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يضمن أصلا وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ حِوَالَة على الِاخْتِيَار وَالْعَبْد الْمَجْنُون من قبيل الدَّابَّة وَالطير

وَفِي العَبْد الْعَاقِل الْمُقَيد الْإِبَاق أَيْضا وَجه بعيد أَنه يضمن إِذا حل الْقَيْد عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ فِي معنى الممسك مَعَ الْمُبَاشر أما إِذا فتح رَأس الزق فتقاطرت قطرات من الْمَائِع إِلَى أَسْفَل الزق وابتل وَسقط وَجب الضَّمَان لِأَن السُّقُوط بالابتلال وَإِلَّا بتلال بالتقاطر والتقاطر بِالْفَتْح وَهُوَ طَرِيق مَقْصُود لَهُ ومسلوك إِلَيْهِ بِخِلَاف السُّقُوط بهبوب الرّيح وَلَو فتح الزق وَفِيه سمن جامد فَقرب غَيره مِنْهُ نَارا حَتَّى ذاب فقد قيل لَا ضَمَان على وَاحِد وَالأَصَح أَنه يجب الضَّمَان على الثَّانِي لِأَنَّهُ كالمردي مَعَ الْحَافِر هَذَا تَفْصِيل السَّبَب والمباشرة وَتَمام النّظر فِيهِ يذكر فِي كتاب الْجِنَايَات أما إِثْبَات الْيَد فَهُوَ سَبَب للضَّمَان ومباشرته بِالْغَصْبِ فِي تسببه فِي ولد الْمَغْصُوب فَإِن إِثْبَات الْيَد على الْأُم سَبَب للثبوت على الْوَلَد فَكَانَ الْوَلَد مَضْمُونا عندنَا لذَلِك خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ أثبت الْيَد وَلَكِن لم تزل يَد الْمَالِك وَالْغَصْب عبارَة عَن إِزَالَة يَد الْمَالِك وَلَيْسَ كَذَلِك عندنَا بِدَلِيل

أَن الْمُودع إِذا جحد الْوَدِيعَة لم يزل يَد الْمَالِك بل كَانَ زائلا قبله وَكَذَلِكَ إِذا طُولِبَ بِولد الْمَغْصُوب فَجحد ضمن وَإِن لم يتَضَمَّن جحوده زَوَال يَد الْمَالِك إِذْ لم يكن قطّ فِي ملكه ثمَّ إِثْبَات الْيَد فِي الْمَنْقُول بِالنَّقْلِ إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَنه لَو أزعج الْمَالِك عَن دَابَّته فركبها أَو عَن فرَاشه وَجلسَ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ غَايَة الِاسْتِيلَاء وَقيل إِنَّه لَا يضمن مَا لم ينْقل أما الْعقار فَيضمن بِالْغَصْبِ عِنْد إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة فَإِن قيل فَمَا حد الْغَصْب فِي الْعقار قُلْنَا لَهُ ركنان الأول إِثْبَات الْغَاصِب يَده وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْعقار وَالْآخر إِزَالَة يَد الْمَالِك وَذَلِكَ يحصل بإزعاجه فَإِن أزعج وَلم يدْخل لَا يضمن وَإِن دخل وَلم يزعج فَإِن قصد النظارة أَو الزِّيَارَة لم يضمن وَإِن قصد الِاسْتِيلَاء صَار الدَّار فِي يدهما فَهُوَ غَاصِب نصف الدَّار

وَلَو كَانَ الدَّاخِل ضَعِيفا وَالْمَالِك قَوِيا لم يكن غَاصبا وَإِن قصد لِأَن مَالا يُمكن لَا يتَصَوَّر قَصده وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث نفس ووسوسة وَإِن كَانَ الْمَالِك غَائِبا وفصد ضمن وَإِن كَانَ يقدر على الانتزاع من يَده كَمَا إِذا سلب قلنسوة ملك فَإِنَّهُ غَاصِب وَإِنَّمَا ذَلِك قدره على إِزَالَة الْغَصْب وَفِي الْعقار فِي هَذِه الصُّورَة وَجه أَنه لَا يضمن فَإِن قيل فَلَو أَثْبَتَت يَد على يَد الْغَاصِب وَتلف فِيهَا قُلْنَا كَيفَ مَا كَانَ فالمالك بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن من أَخذ من الْغَاصِب وَإِن كَانَ جَاهِلا لِأَن الْجَهْل لَا ينتهض عذرا فِي نفى فِي الضَّمَان وَقد وجد إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر من غير إِذن الْمَالِك وَلَكِن قَرَار الضَّمَان على الْغَاصِب إِن كَانَت تِلْكَ الْيَد فِي وَضعهَا يَد أَمَانَة كيد الْمُرْتَهن وَيَد الْمُسْتَأْجر وَالْوَكِيل وَالْمُودع وَإِن كَانَ يَد ضَمَان فالقرار عَلَيْهِ كيد الْعَارِية والسوم وَالشِّرَاء وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَد الْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر هَا هُنَا كيد الْعَارِية لِأَنَّهُ لَهُم غَرضا فِي أَيْديهم بِخِلَاف الْمُودع وَالْوَكِيل بِغَيْر جعل وَالْأولَى الطَّرِيقَة الأولى نعم تردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي يَد الْمُتَّهب لِأَنَّهُ وَإِن لم تكن يَد الضَّمَان فَهُوَ تسليط تَامّ وَهُوَ يَد الْملاك إِلَّا أَنا إِذا ضمناهم بأقصى الْقيم وَكَانَت الْقيمَة زَائِدَة فِي يَد الْغَاصِب

وَنقص قبل أَخذ الْأجر فَالزِّيَادَة لَا يُطَالب بهَا إِلَّا الْغَاصِب ثمَّ مهما رَجَعَ طُولِبَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ من عَلَيْهِ الْقَرار فَهُوَ الْغَرَض وَإِن طُولِبَ غَيره رَجَعَ على من عَلَيْهِ الْقَرار فَإِن قيل فَلَو أتلف الْآخِذ من الْغَاصِب قُلْنَا الْقَرار عَلَيْهِ أبدا إِلَّا إِذا غره الْغَاصِب وَقدم الطَّعَام إِلَيْهِ للضيافة فَأكل فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا النّظر إِلَى مُبَاشَرَته وَالثَّانِي بل الْقَرار على الْغَاصِب لِأَنَّهُ غَار وَلَو قدمه إِلَى الْمَالِك وغره فَأَكله فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن يُحَال على الْمَالِك حَتَّى ذكر الْأَصْحَاب ترددا فِيمَا إِذا أودع الْمَالِك فَتلف تَحت يَده وَأَنه هَل يسْقط الضَّمَان وَلَو قَالَ للْمَالِك اقْتُل هَذَا العَبْد فَإِنَّهُ لي فَقتل سقط الضَّمَان عَن الْغَاصِب لِأَنَّهُ

لَا غرور مَعَ تَحْرِيم الْقَتْل بِخِلَاف الضِّيَافَة وَلَو قَالَ أعتق فَأعتق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه لَا ينفذ الْعتْق لِأَنَّهُ قصد بِهِ جِهَة الْوكَالَة فَهُوَ مَعْذُور بِخِلَاف مَا إِذا رأى عبدا فِي ظلمَة فَظَنهُ أَنه للْغَيْر فَقَالَ أَنْت حر فَإِنَّهُ ينفذ لِأَنَّهُ غير مَعْذُور وَالثَّانِي ينفذ الْعتْق وَلَا يُطَالب الْغَاصِب بالغرم لِأَنَّهُ نفذ عتقه فِي ملكه فَلَا معنى للغرم وَالثَّالِث أَنه ينفذ الْعتْق وَيُطَالب بالغرم لكَونه غير مَعْذُور أما إِذا زوج الْجَارِيَة من الْمَالِك غرُورًا فاستولدها نفذ الِاسْتِيلَاد قطعا لِأَنَّهُ فعل وَقد صَادف ملكه وَمِنْهُم من شَبَّبَ أَيْضا فِيهِ بِخِلَاف

الرُّكْن الثَّانِي فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْأَمْوَال وينقسم إِلَى الْمَنْفَعَة وَالْعين أما الْعين فينقسم إِلَى الْحَيَوَان وَغَيره أما الْحَيَوَان فَالْعَبْد مَضْمُون عِنْد الْغَصْب والإتلاف بِكَمَال قِيمَته وَإِن زَاد على أَعلَى الدِّيات خلافًا لأبي حنيفَة وجراح العَبْد من قِيمَته عِنْد قطع أَطْرَافه كجراح الْحر من دِيَته فِي القَوْل الْمَنْصُوص وعَلى هَذَا إِذا قطع الْغَاصِب يَد عبد فنقص من قِيمَته ثُلُثَاهُ لَزِمته الزِّيَادَة لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَده فَيجب السُّدس بِحكم الْغَصْب وَالنّصف بِحكم الْجِنَايَة فَيلْزمهُ أَكثر الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قدر النُّقْصَان فَلَو سَقَطت يَد العَبْد بِآفَة فِي يَد الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا أرش النُّقْصَان على هَذَا الْمَذْهَب لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة

وَلذَلِك نقُول المُشْتَرِي إِذا قطع يَدي العَبْد الْمَبِيع لَا نجعله قَابِضا كَمَا العَبْد لِأَن خاصية الْجِنَايَة لَا يتَعَدَّى إِلَى البيع أما سَائِر الْحَيَوَانَات فالمتبع فِيهَا النُّقْصَان وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي عين الْفرس وَالْبَقر ربع قِيمَته وَهُوَ تحكم أما الجمادات فَكل مُتَمَوّل مَعْصُوم مَضْمُون أما الْخمر فَلَا يضمن عندنَا لَا للذِّمِّيّ وَلَا للْمُسلمِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يضمن للذِّمِّيّ وَكَذَا الْخِنْزِير والملاهي أَيْضا غير مضمونه فَإِن تكسيرها وَاجِب نعم لَا يتبع بيُوت أهل الذِّمَّة وَلَكِن إِذا أظهروها كسرناها وَاخْتلفُوا فِي حد الْكسر الْمَشْرُوع فَقيل إِنَّه لَا تحرق أصلا إِذْ فِيهِ إِتْلَاف الْخشب وَلَكِن يرخص وَهُوَ غَايَة الْمُبَالغَة وَقيل إِنَّه يَكْفِي أَن يفصل بِحَيْثُ لَا يُمكن اسْتِعْمَاله فِي الْمحرم وَلَا يَكْفِي قطع الْوتر بِالْإِجْمَاع وَقيل إِنَّه يرد إِلَى حد يفْتَقر إِلَى من يردهُ إِلَى الْهَيْئَة الْمُحرمَة إِلَى اسْتِئْنَاف الصَّنْعَة الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا الْمُبْتَدِئ للصنعة وَهَذَا هُوَ الأقصد كَذَا القَوْل فِي كسر الصَّلِيب

أما الْمَنْفَعَة فَيضمن بالتفويت والفوات تَحت الْيَد العادية وَلَكِن من العَبْد وَسَائِر الْأَمْوَال وَالْمكَاتب والمستولدة مُلْحق فِي ضَمَان الْعين وَالْمَنْفَعَة بالقن وَأما مَنْفَعَة الْبضْع فَلَا يضمن بِالْيَدِ إِ نما يضمن بِالْإِتْلَافِ وَأما مَنْفَعَة بدن الْحر إِن استخدمه إِنْسَان ضمنه وَإِن حَبسه وعطله فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا بلي للتفويت وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فَاتَ تَحت يَد الْحر الْمَحْبُوس وعَلى هَذَا يَنْبَنِي مَا إِذا أورد الْإِجَارَة على عينه ثمَّ سلم نَفسه وَلم يَسْتَعْمِلهُ إِن قُلْنَا بِالْحَبْسِ يضمن لافتستقر الْأُجْرَة وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر حرا فَهَل إِجَارَته إِن قُلْنَا لَا يدْخل تَحت يَده فَلَا وَإِن قُلْنَا يضمن بِالْحَبْسِ لدُخُوله تَحت يَده فَيصح الْإِجَارَة وَلَو وَلبس ثوبا وَغرم أرش نقص البلي فَهَل ينْدَرج تَحْتَهُ أجره الْمثل وَجْهَان وَكَذَا لَو غصب عبدا فاصطاد فَهُوَ لمَوْلَاهُ فَهَل يسْقط بِهِ أُجْرَة منفعَته لحصوله لَهُ وَجْهَان وَفِي ضَمَان مَنْفَعَة الْكَلْب الْمَغْصُوب وَجْهَان وَلَو اصطاد بكلب مَغْصُوب فالصيد للْمَالِك على أحد الْوَجْهَيْنِ

الرُّكْن الثَّالِث فِي الْوَاجِب وينقسم إِلَى الْمثل وَالْقيمَة أما الْمثل فَوَاجِب فِي كل مَا هُوَ من ذَوَات الْمثل وَقيل فِي حَده إِنَّه كل مَوْزُون أَو مَكِيل وَهُوَ بَاطِل بالمعجونات والمعروضات على النَّار وَقيل إِنَّه كل مُقَدّر بِالْوَزْنِ والكيل يجوز السّلم فِيهِ وَيجوز بيع بعضه بِبَعْض وَهَذَا يخرج مِنْهُ الْعِنَب وَالرّطب وإخراجه عَن الْمِثْلِيَّات بعيد وَيدخل فِيهِ صنجات الْمِيزَان والملاعق المتساوية فِي الصَّنْعَة الموزونة وَلَيْسَت مثلية وَالصَّحِيح أَنه الَّذِي تتماثل أجزاؤه فِي الْقيمَة وَالْمَنْفَعَة من حَيْثُ الذَّات لَا من حَيْثُ الصَّنْعَة وَفِي الْمِثْلِيَّات سِتّ مسَائِل الأولى إِذا أعوز الْمثل رَجعْنَا إِلَى الْقيمَة فَإِن كَانَت الْقيمَة قد اخْتلفت فِي مُدَّة بَقَاء الْعين الْمَغْصُوبَة وَبعدهَا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الْوَاجِب أقْصَى قيمَة الْمَغْصُوب من يَوْم الْغَصْب إِلَى يَوْم التّلف لأَنا عجزنا عَن الْمثل فَصَارَ كَأَن لَا مثل لَهُ وَيرجع إِلَى قيمَة الْمَغْصُوب وَالثَّانِي أَنا نوجب قيمَة الْمثل لِأَنَّهُ الْوَاجِب فيراعى أقْصَى الْقيم من وَقت تلف

الْمَغْصُوب إِلَى وَقت إعواز الْمثل وَالثَّالِث أَنه يرْعَى أقْصَى الْقيمَة من وَقت الْغَصْب إِلَى الإعواز وَقيل إِلَى وَقت الطّلب الثَّانِيَة إِذا غرم الْقيمَة ثمَّ قدر على الْمثل فَفِي رد الْقيمَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ الْقَضَاء بِالْبَدَلِ فَصَارَ كَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَة وَالثَّانِي يرد كَالْعَبْدِ الْآبِق إِذا رَجَعَ بعد الْغرم الثَّالِثَة إِذا أتلف مثلِيا فظفر بِهِ الْمَالِك فِي غير ذَلِك الْمَكَان لم يُطَالِبهُ بِالْمثلِ لِأَن مثله هُوَ مَا يُؤَدِّي فِي ذَلِك الْمَكَان وَلَكِن إِذا تعذر ذَلِك فَيغرم فِي الْحَال الْقيمَة بالحيلولة إِلَى إِن يَتَيَسَّر الرُّجُوع إِلَى ذَلِك الْمَكَان بِخِلَاف مَا إِذا مضى زمَان فَإِن إِعَادَة الزَّمَان الْمَاضِي غير مُمكن فاكتفينا بِمَا لَيْسَ مثلا وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَنه يُطَالب بِالْمثلِ عِنْد اخْتِلَاف الْمَكَان إِلَّا إِذا لم تكن لَهُ قيمَة كَالْمَاءِ على شط دجلة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجها أَنه إِن كَانَ الْقيمَة مثله أَو أقل فَلهُ الْمُطَالبَة وَإِن كَانَ أَكثر فَلَا وَالْمَشْهُور الأول وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير مثلية فَيخرج على الْوَجْه

وَلَو غصب فِي بَلْدَة وأتلف فِي بلدتي فظفر بِهِ فِي ثَالِث فَقُلْنَا لَا يُطَالب بِالْمثلِ فَلهُ أَن يُطَالب بِقِيمَة أَي بَلْدَة شَاءَ من بلدته الْغَصْب والإتلاف وَكَذَا يُطَالب فِي البلدتين إِذا ظفر بِهِ فيهمَا أما الْمُسلم إِلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يُطَالب بِالْقيمَةِ أَيْضا لِأَنَّهُ اعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ قبل قَبضه وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال فَيمكن أَن يُقَال يَأْخُذ للْحَيْلُولَة وَلَا تكون مُعَاوضَة فَإِن لم يقل ذَلِك فليثبت للْمُسْتَحقّ فسخ لتعذر الِاسْتِيفَاء الرَّابِعَة إِذا كسر آنِية قيمتهَا عشرُون ووزنها عشر فالنقرة من ذَوَات الْأَمْثَال فَفِيهِ وَجْهَان أعدلهما أَن الْوَزْن يُقَابل بِمثلِهِ والصنعة بِقِيمَتِهَا من غير جنس الْآنِية حذرا عَن الرِّبَا وَفِيه وَجه أَنه لَا يُبَالِي بالمقابلة بِجِنْسِهِ فَيكون الْبَعْض فِي مُقَابلَة الصَّنْعَة كَمَا لَو أفرد الصَّنْعَة بِالْإِتْلَافِ الْخَامِسَة لَو لم يُوجد الْمثل إِلَّا بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل فَفِي تَكْلِيفه ذَلِك وَجْهَان السَّادِسَة لَو اتخذ من الْحِنْطَة دَقِيقًا وَقُلْنَا لَا مثل للدقيق أَو من الرطب تَمرا وَقُلْنَا لَا مثل لَهُ

فَفِي طَريقَة الْعرَاق أَنه يلْزمه الْحِنْطَة وَالتَّمْر لِأَن الْمثل أقرب وَالْأولَى أَن يُخَيّر بَين الْمثل وَالْقيمَة لِأَنَّهُ قوت كِلَاهُمَا فَأشبه مَا لَو اتخذ من الْمثْلِيّ مثلِيا كالشيرج من السمسم فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَين المثلين الْقسم الثَّانِي المتقومات وَفِيه أَربع مسَائِل الأولى إِذا أبق العَبْد الْمَغْصُوب طُولِبَ الْغَاصِب بِقِيمَتِه للْحَيْلُولَة وَلَا يملك العَبْد خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله بل لَو عَاد العَبْد يجب رده واسترداد الْقيمَة وَمَا دَامَ العَبْد قَائِما يَصح الْإِبْرَاء عَن هَذِه الْقيمَة وَلَا يجْبر الْمَالِك على أَخذ الْقيمَة لِأَنَّهَا لَيست عين حَقه وَهل يغرم قيمَة الْمَنْفَعَة والزوائد الْحَاصِلَة بعد الضَّمَان

إِن كَانَ الْغَاصِب هُوَ الَّذِي عَيبه فِي شغله غرم وَإِن هرب العَبْد فَوَجْهَانِ وَهُوَ تردد فِي أَن علائق الْغَصْب هَل تَنْقَطِع فِي الْحَال بِالضَّمَانِ وَلَو عَاد العَبْد فَهَل للْغَاصِب حبس العَبْد إِلَيّ أَن يرد إِلَيْهِ الْقيمَة قَالَ القَاضِي لَهُ ذَلِك وَأسْندَ إِلَيّ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي غير الْمُخْتَصر وَكَذَلِكَ قَالَ المُشْتَرِي إِذا اشْترى شِرَاء فَاسِدا يحبس الْمَبِيع إِلَيّ أَن يرد عَلَيْهِ الثّمن وَفِيمَا ذكره احْتِمَال ظَاهر الثَّانِيَة إِذا تنَازعا فِي تلف الْمَغْصُوب قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَوْل فول الْمَالِك إِذْ الأَصْل عدم التّلف وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بل القَوْل قَول الْغَاصِب فَإِنَّهُ رُبمَا صدق فتخليد الْحَبْس عَلَيْهِ أبدا غير مُمكن فَإِن حلف الْغَاصِب على التّلف فقد قيل لَا يُطَالب الْمَالِك الْغَاصِب بِالْقيمَةِ لِأَن الْعين قَائِمَة بِزَعْمِهِ فَلَا يسْتَحق الْقيمَة وَالأَصَح أَن لَهُ ذَلِك إِذا تعذر بِسَبَب الْحلف الرُّجُوع أما إِذا تنَازعا فِي مِقْدَار الْقيمَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب قطعا لِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة

فَإِن أَقَامَ الْمَالِك شُهُودًا على الصِّفَات دون الْقيمَة لم يجز للمقومين الِاعْتِمَاد على الْوَصْف فِي التَّقْوِيم لِأَن الْمُشَاهدَة هِيَ الْمعرفَة للقيمة نعم لَو أبعد الْغَاصِب فِي التقليل فَيُطَالب بِأَن يترقى إِلَى أقل دَرَجَة مُحْتَملَة هَذِه الصِّفَات وَإِن قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا نَدْرِي الْقيمَة فَلَا تسمع دَعْوَى الْمَالِك مَا لم يعين وَلَا يَمِين على الْغَاصِب مَا لم يكين وَإِن قَالَ الْغَاصِب هُوَ مائَة فَأَقَامَ الْمَالِك شَاهدا أَنه فَوق الْمِائَة وَلم يعينوا قبلت الشَّهَادَة فِي وجوب الزِّيَادَة على الْمِائَة وَقيل أَنه لَا تقبل الثَّالِثَة إِذا تنَازعا فِي عيب فِي أصل الْخلقَة فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب إِذْ الأَصْل عدم السَّلامَة وَقيل لَا بل الظَّاهِر هُوَ السَّلامَة وَلَو اخْتلفَا فِي صَنْعَة العَبْد فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب وَقيل بل القَوْل قَول الْمَالِك لِأَنَّهُ أعرف بالصنعة وَهُوَ ضَعِيف الرَّابِعَة إِذا تنَازعا فِي الثَّوْب الَّذِي على العَبْد الْمَغْصُوب فَالْقَوْل قَول الْغَاصِب لِأَن العَبْد وَمَا عَلَيْهِ فِي يَده فَإِذا قَالَ هُوَ لي لم تزل يَده إِلَّا بِبَيِّنَة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الطوارئ على الْمَغْصُوب فِي نُقْصَان أَو زِيَادَة أَو تصرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاث فُصُول الأول فِي النُّقْصَان وَفِيه مسَائِل أَربع الأولى إِذا غصب شَيْئا يُسَاوِي عشرَة فَعَادَت قِيمَته إِلَى دِرْهَم فَرد الْعين لم يلْزمه النُّقْصَان خلافًا لأبي ثَوْر لِأَن الْغَائِب هُوَ رغبات الْفَارِس وَلم يفت من الْعين شَيْء وَإِن تلف بعد أَن عَاد إِلَى دِرْهَم لزمَه قِيمَته عشرَة إِن كَانَ من ذَوَات الْقيمَة وَإِلَّا فيشتري مثله بدرهم وَلَو غصب ثوبا وَقِيمَته عشرَة فَعَاد إِلَى خَمْسَة ثمَّ لبسه حَتَّى عَاد إِلَى أَرْبَعَة فقد نقص باللبس دِرْهَم وَهُوَ خمس الثَّوْب فالقدر الْفَائِت يغرمه بأقصى الْقيم وَهُوَ دِرْهَمَانِ خمس الْعشْرَة فَيَرُدهُمَا مَعَ الثَّوْب فَمَا بَقِي اكْتفى بِهِ وَمَا فَاتَ غرم بِحِسَاب أقْصَى الْقيم وَهَذَا حكم الْفَوات والتفويت وَلَو جنى على ثوب فمزقه خرقا لم يملك الْخرق عندنَا وَلَكِن يرد مَا بَقِي مَعَ أرش النَّقْص لَيْسَ للْمَالِك سَوَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْغَاصِب يملك الْخرق وَيضمن الْكل

هَذَا إِذا كَانَت الْجِنَايَة وَاقعَة فَلَو بل الْحِنْطَة حَتَّى استمكن العفن الساري مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يتَخَيَّر الْمَالِك بَين أَن يُطَالِبهُ بِالْمثلِ أَو يَأْخُذ الْحِنْطَة المبلولة ويغرمه الْأَرْش وَهُوَ خلاف قِيَاس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ المبلولة لَهَا قيمَة على كل حَال وَهُوَ عين ملك الْمَالِك فليتعين لَهُ فَخرج بعض الْأَصْحَاب قولا كَذَلِك وَهُوَ أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأَرْش وَمن قرر النَّص وَجه بِأَنَّهُ نُقْصَان لَا موقف لآخره حَتَّى يضْبط وطرد هَذَا فِيمَا لَو اتخذ الحلوة من الدَّقِيق وَالسمن والفانيذ

وَتردد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي السل وَالِاسْتِسْقَاء فِي العَبْد من حَيْثُ إِنَّه لَا وقُوف لَهُ غَالِبا إِلَى الْهَلَاك فَهُوَ من وَجه كالإهلاك أما إِذا طحن الْحِنْطَة فَلَا وَجه إِلَّا الرَّد للدقيق فَإِن لَيْسَ بإهلاك وَإِن كَانَ يقصر مُدَّة الادخار هَذَا فِي غير العَبْد أما العَبْد فَيضمن الْغَاصِب جملَته بأقصى قِيمَته تلف أَو أتلف وَإِن قطع إِحْدَى يَدَيْهِ غرم أَكثر الْأَمريْنِ من أرش النَّقْص أَو مِقْدَار الْيَد إِن قُلْنَا إِن أَطْرَاف العَبْد مقدرَة وَالزِّيَادَة على الْمُقدر للفوات تَحت يَده وَلَو سَقَطت يَده بِآفَة سَمَاوِيَّة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يضمن الْمُقدر لِأَن التَّقْدِير خاصيته الْجِنَايَة وَإِن قطع يَد العَبْد فِي يَد الْغَاصِب غير الْغَاصِب فالمالك يتَخَيَّر فَيُطَالب الْقَاطِع بالمقدر أَو الْغَاصِب بِأَرْش النَّقْص فَإِن زَاد الْمِقْدَار فَهَل يُطَالب الْغَاصِب بِتِلْكَ الزِّيَادَة فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه وَجب بِجِنَايَة وَلَكِن من غَيره فِي يَده وَلَو قطعت يَد العَبْد قصاصا أَو فِي حد فَهُوَ من حَيْثُ إِنَّه مهدر يضاهي السُّقُوط بِآفَة وَمن حَيْثُ إِنَّه قطع يضاهي الْجِنَايَة فَفِي لُزُوم الْمُقدر على الْغَاصِب تردد فرع لَو قتل العَبْد قتل قصاص فاستوفى السَّيِّد الْقصاص لم يبْق لَهُ على الْغَاصِب

مُطَالبَة بِقِيمَتِه وَإِن كَانَ قيمَة العَبْد الْقَاتِل أقل لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيفَاءِ كَأَنَّهُ اسْتردَّ فَهُوَ فِي حق الْغَاصِب كالاسترداد وَلَو كَانَ تعلق بِرَقَبَة العَبْد مَال فَهُوَ فِي حق مُسْتَحقّ المَال كالموت حَتَّى لَا يجب على السَّيِّد الْفِدَاء بِأَن قتل قَاتله لِأَن غَرَض الْقصاص يعم أَعْرَاض الْمَالِيَّة وَهل لَهُ أَن يعْفُو على غير مَال يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْعمد الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا نقص العَبْد بِأَن جنى جِنَايَة اسْتحق عَلَيْهَا الْقصاص فَقتل كَانَ للسَّيِّد مُطَالبَة الْغَاصِب بأقصى قِيمَته لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَة تَحت يَده وَلَو تعلق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ فَيغرم الْغَاصِب للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أرش الْجِنَايَة كَمَا يغرمه الْمَالِك إِذا منع البيع وَكَأن الْغَاصِب مَانع فَإِن مَاتَ العَبْد فِي يَده بعد الْجِنَايَة يغرم للْمَالِك قِيمَته وللمجني عَلَيْهِ الْأَرْش فَإِن سلم الْقيمَة أَولا كَانَ للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَخذ الْقيمَة من الْمَالِك لِأَنَّهُ بدل عبد تعلق بِرَقَبَتِهِ حَقه ثمَّ إِذا أَخذه الْمَجْنِي عَلَيْهِ رَجَعَ الْمَالِك بِمَا أَخذه على الْغَاصِب لِأَنَّهُ لم يسلم لَهُ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا نقل التُّرَاب من أَرض الْمَالِك وَتلف التُّرَاب فَهُوَ من ذَوَات الْأَمْثَال وَإِن كَانَ بَاقِيا فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِالرَّدِّ وتسوية الْحفر فَإِن أَبى الْمَالِك لم يكن للْغَاصِب أَن ينْقل التُّرَاب إِلَى ملكه بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ تصرف فِي ملكه إِلَّا إِذا

كَانَ يتَضَرَّر بِالتُّرَابِ بِكَوْنِهِ فِي ملكه أَو فِي شَارِع يخَاف أَن يتعثر بِهِ غَيره وَيضمن فَلهُ أَن يرد إِلَى ملكه إِن لم يجد مَكَانا آخر وَقد نقل الْعِرَاقِيُّونَ من نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يجب أرش نُقْصَان الْحفر على الْغَاصِب وَفِي البَائِع إِذا أحدث الْحفر بقلع أَحْجَار كَانَت لَهُ فِيهِ أَنه يلْزمه التَّسْوِيَة ثمَّ ذكرُوا طريقتين أَحدهمَا قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا لَا من حَيْثُ إِنَّه مُقَابلَة فعل بِمثلِهِ فَهُوَ بعيد كتكليف بِنَاء الْجِدَار بعد هَدمه وَالثَّانِي بلَى لِأَن التَّسْوِيَة كَمَا كَانَ مُمكن وَالْبناء يخْتَلف والطريقة الثَّانِيَة الْفرق تَغْلِيظًا على الْغَاصِب فِي مُطَالبَته بِالْأَرْشِ بعدوانه أما إِذا حفر بِئْرا فِي دَاره فللغاصب طمها لِأَنَّهُ فِي عُهْدَة الضَّمَان لَو تردى فِيهَا إِنْسَان فَلَو قَالَ الْمَالِك أَبْرَأتك عَن الضَّمَان فَهَل ينزل ذَلِك منزلَة الرِّضَا بِالْحفرِ ابْتِدَاء فِيهِ فِي سُقُوط الضَّمَان وَجْهَان

فَإِن قُلْنَا نعم فَلَيْسَ لَهُ طمها وَإِلَّا فَلهُ ذَلِك نفيا للعهدة الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا أخصى الْغَاصِب العَبْد يلْزمه كَمَال قِيمَته فَإِن سقط ذَلِك الْعُضْو بِآفَة سَمَاوِيَّة فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَن الْقيمَة تزيد بِهِ وَلَا ينقص وَكَذَا إِذا كَانَ سمينا سمنا مفرطا فنقص بعضه وزادت بِهِ قِيمَته لم يلْزمه شَيْء وَإِن أَخذ زيتا وأغلاه حَتَّى رده إِلَى نصفه وَلم تنقص قِيمَته يلْزمه مثل مَا نقص لِأَن لَهُ مثلا بِخِلَاف السّمن وَلَو أغْلى الْعصير حَتَّى نقص وَزنه وزادت قِيمَته فَيجب مثل مَا فَاتَ وَقَالَ ابْن سُرَيج لَا يجب لِأَن الْفَائِت هُوَ المائية الَّتِي لَا قيمَة لَهَا بِخِلَاف الزَّيْت فَإِن جَمِيع أَجْزَائِهِ مُتَقَومَة وَلَو هزلت الْجَارِيَة ثمَّ عَادَتْ سَمِينَة أَو نسيت الصَّنْعَة ثمَّ عَادَتْ وَتعلم أَو تذكر

فَفِي وجوب ضَمَان مَا فَاتَ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يجب وَإِنَّمَا الْعَائِد رزق جَدِيد وَالثَّانِي أَنه ينجبر بِهِ لِأَنَّهُ رد كَمَا أَخذ وَفِي التَّذَكُّر أولى بِأَن ينجبر لِأَنَّهُ عَاد مَا كَانَ بالتذكر بِخِلَاف السّمن وَكَذَا لَو كسر الْحلِيّ ثمَّ أعَاد مثل تيك الصَّنْعَة فعلى الْخلاف وَلَو أعَاد صَنْعَة أُخْرَى لَا ينجبر وَإِن كَانَ أرفع مِمَّا كَانَ حَتَّى لَو غضب نقرة قيمتهَا دِرْهَم وأتخذ مِنْهُ حليا قِيمَته عشرَة وَجب رد الْحلِيّ وَلَا يقوم لَهُ صَنْعَة لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بهَا وللمالك أَن يجْبرهُ على الْكسر وَالرَّدّ إِلَيّ مَا كَانَ فَإِن نقص بكسرة هـ قيمَة النقرة غرم النُّقْصَان فَلَا يغرم نُقْصَان الْكسر فَإِنَّهُ مجير عَلَيْهِ وَلَو كسر بِنَفسِهِ دون إِجْبَار غرم وَإِن كَانَ من صَنعته لِأَنَّهُ صَار ملكا للْمَالِك تبعا للنقرة وَلَو غضب عصيرا فَصَارَ خمرًا غرم الْعصير بِمثلِهِ لفَوَات مَالِيَّته فَلَو أنقلب خلا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يُطَالِبهُ بِمثل الْعصير والخل أَيْضا لَهُ وَهُوَ رزق جَدِيد

وَالثَّانِي أَنه يسْتَردّ الْخلّ وَأرش النُّقْصَان إِن نقص قيمَة الْخلّ من الْعصير وَهَذَا أعدل وَمثل هَذَا الْخلاف جَار فِي الْبَيْضَة إِذا تفرخت وَالْبذْر إِذا تعفن وَصَارَ زرعا وَالْأَصْل الِاكْتِفَاء بالزرع والفرخ لِأَنَّهُ اسْتِحَالَة فِي عين ملكه وَلَو غصب خمرًا فتخلل فِي يَده أَو جلد ميتَة فدبغه فَفِي الْجلد والخل ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه لمغصوب مِنْهُ وَالثَّانِي أَنه للْغَاصِب إِذا حدثت الْمَالِيَّة بِفِعْلِهِ وَالثَّالِث أَن الْجلد للْمَغْصُوب مِنْهُ فَإِن اخْتِصَاصه بِهِ كَانَ محترقا بِخِلَاف الْخمر

الْفَصْل الثَّانِي فِي الزِّيَادَة وَفِيه خمس مسَائِل الأولى زِيَادَة الْأَثر كَمَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو نقرة فصاغها أَو ثوبا فَقَصره أَو خاطه أَو طنا فَضَربهُ لَبَنًا فَلَا يملك الْغَاصِب شَيْء من ذَلِك وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا أبطل أَكثر مَنَافِعه ملكه ثمَّ لَا يصير الْغَاصِب شَرِيكا بِسَبَب الصَّنْعَة لِأَنَّهُ عدوان لَا قيمَة لَهُ فَهُوَ للْمَالِك وللمالك أَن يجْبرهُ على إِعَادَته إِلَى مَا كَانَ إِن أمكن ذَلِك أَو تغريمه أرش النُّقْصَان إِن نقص الثَّانِيَة زِيَادَة الْعين بِأَن غصب ثوبا قِيمَته عشرَة وصبغه بصبغ من عِنْده

قِيمَته عشرَة فَإِن كَانَ الثَّوْب يُسَاوِي عشْرين فَهُوَ بَينهمَا فَيُبَاع بِعشْرين وَيَأْخُذ كل وَاحِد عشرَة وَإِن وجد زبون اشْترى بِثَلَاثِينَ صرف إِلَى كل وَاحِد خَمْسَة عشر وَلم يكن الصَّبْغ كالخياطة فَإِن الْخياطَة عين الْعدوان والصبغ عين مَمْلُوكَة وَإِن كَانَ يشترى بِخَمْسَة عشر فَلصَاحِب الثَّوْب عشرَة وللغاصب خَمْسَة وَالنُّقْصَان مَحْسُوب على الصَّبْغ فَإِنَّهُ تَابع وَلَو لم يشتر إِلَّا بِعشْرَة فَالْكل لصَاحب الثَّوْب وَلَو لم يشتر إِلَّا بِثمَانِيَة غرم الْغَاصِب دِرْهَمَيْنِ وَهَكَذَا التَّفْصِيل فِيمَا لَو طير الرّيح ثوبا وألقاه فِي إجانة صباغ وَكَذَلِكَ إِذا غصب الصَّبْغ من إِنْسَان وَالثَّوْب من إِنْسَان فَإِن أثر الْعدوان لَا يظْهر فِي إبِْطَال الْملك من عين الصَّبْغ وَهُوَ عين مَاله هَذَا كُله إِذا كَانَ الْفَصْل غير مُمكن فَإِن قبل الصَّبْغ الْفَصْل فللغاصب أَن يفصله كَمَا لَهُ أَن يقْلع غراسه وزرعه وَإِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى نُقْصَان الثَّوْب وَلَكِن يفصل وَيغرم أرش النُّقْصَان فَإِن امْتنع الْغَاصِب فللمالك أَن يجْبرهُ على الْفَصْل ويغرمه أرش نُقْصَان الثَّوْب كَمَا فِي الْغَرْس وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنه لَا يجْبر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَفْوِيت الصَّبْغ فَهُوَ تعنت مَحْض بِخِلَاف الزَّرْع وَالْغِرَاس لِأَن الصَّبْغ يضيع بِالْفَصْلِ فَإِن كَانَ لَا يضيع يجْبر إِلَّا إِذا ظهر فِي الثَّوْب نُقْصَان لَا يَفِي الصَّبْغ

المفصول بِهِ فَهُوَ أَيْضا ضيَاع فروع أَرْبَعَة أَحدهَا أَن بيع الثَّوْب دون الصَّبْغ والصبغ دون الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي قِطْعَة أَرض لَا ممر لَهَا إِلَّا بِأَن يشترى لَهَا ممر لِأَنَّهُ لَا يُمكن أنتفاع بِأَحَدِهِمَا دون الآخر الثَّانِي إِذا أَرَادَ الْمَالِك بيع الثَّوْب أجبر الْغَاصِب على بيع الصَّبْغ إِذْ لَا يرغب فِي الثَّوْب دونه فَلَا يعطل قيمَة الثَّوْب عَلَيْهِ وَلَو أَرَادَ الْغَاصِب بيع الصَّبْغ فَهَل يجْبر الْمَالِك على بيع الثَّوْب وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُمَا شريكان فَلَا يفترقان وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بصبغه فَلَا يملك الْإِجْبَار الثَّالِث لَو قَالَ الْغَاصِب وهبت الصَّبْغ من الْمَالِك فَهَل يجْبر على الْقبُول فِيهِ وَجْهَان مطلقان فِي طَريقَة الْعرَاق وَوجه الْإِجْبَار التّبعِيَّة كَمَا فِي نعل الدَّابَّة الْمَرْدُودَة بِعَيْب قديم إِذا كَانَ النَّعْل للْمُشْتَرِي وَالْوَجْه أَن يفصل فَإِن كَانَ الصَّبْغ

معقودا لَا يُمكن فَصله فَيجْبر أَو قبل الْفَصْل من غير نُقْصَان ظَاهر فِي الصَّبْغ وَالثَّوْب فَلَا يجْبر على الْقبُول إِذْ لَا ضَرُورَة للْغَاصِب فِي التَّمْلِيك وَإِن كَانَ يقبل الْفَصْل وَينْقص قِيمَته وَقُلْنَا إِنَّه يجْبر على الْفَصْل فَعِنْدَ هَذَا لَهُ ضَرُورَة فِي التَّمْلِيك فينقدح وَجْهَان وَوجه الْفرق بَينه وَبَين النَّعْل مَعَ الِاشْتِرَاك فِي نوع ضَرُورَة أَنه مُتَعَدٍّ الرَّابِع لَو قَالَ الْمَغْصُوب مِنْهُ أبدل قيمَة الصَّبْغ وأتملكه عَلَيْك كَمَا يفعل معير الأَرْض بغراس الْمُسْتَعِير لم يُمكن مِنْهُ لِأَنَّهُ قَادر هَا هُنَا على إِجْبَاره على الْفَصْل مجَّانا أَو على البيع وَبيع الثَّوْب سهل بِخِلَاف الْعقار الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا غصب أَرضًا وَبنى فِيهَا أَو زرع أَو غرس فَحكمه حكم الصَّبْغ الْقَابِل للفصل وَقد ذَكرْنَاهُ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي الْخَلْط إِذا خلط الزَّيْت الْمَغْصُوب بِزَيْت هُوَ ملكه نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير على أَنه هلك فِي حق الْمَغْصُوب فِيهِ إِذْ قَالَ للْغَاصِب أَن يسلم إِلَيْهِ مثل حَقه من أَي مَوْضُوع شَاءَ وَقِيَاس مذْهبه أَن يتَعَيَّن فِيمَا خلطه بِهِ وَأَن يصيرا شَرِيكَيْنِ إِذْ لَيْسَ الْمَالِك بِأَن يقدر هَلَاك زيته بِأولى من الْغَاصِب وَلَا أثر لفعل الْغَاصِب عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

فَمن الْأَصْحَاب من قرر النَّص وَقَالَ الزَّيْت إِذا اخْتَلَط بالزيت انْقَلب وَهَذَا تَعْلِيل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والإشكال قَائِم إِذا الْخَلْط من الْجَانِبَيْنِ فَلم كَانَ الْهَالِك ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ وَمِنْهُم من خرج قولا على الْقيَاس وطرد قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَو خلط بِمثلِهِ فهما شريكان وَلَو خلط بالأجود أَو الأردأ فَقَوْلَانِ التَّفْرِيع إِن قُلْنَا هلك حَقه فَيغرم الْمثل من أَيْن شَاءَ فَإِن سلم مَا هُوَ الأردأ فَلهُ الرَّد وَإِن سلم مَا هُوَ أَجود فَعَلَيهِ الْقبُول وَإِن قُلْنَا يبْقى ملكه فَلَو خلطه بِالْمثلِ قسم بَينهمَا وَإِن خلط مكيلة قيمتهَا دِرْهَم بمكيلة قيمتهَا دِرْهَمَانِ فتباع المكيلتان وَيقسم بَينهمَا على نِسْبَة الْملك فَلَو قَالَ الْمَالِك آخذ ثُلثي مكيلة عَن حَقي فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَنْع لِأَنَّهُ رَبًّا

وَنقل الْبُوَيْطِيّ الْجَوَاز وَكَأَنَّهُ أسقط بعض حَقه وسمح عَلَيْهِ بِصفة الْجُود فِي الْبَاقِي وَهُوَ بعيد فروع أَحدهَا خلط الدَّقِيق كخلط الزَّيْت الثَّانِي خليط الزَّيْت بِجِنْس آخر كالشيرج فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ كالهالك وَمِنْهُم من طرد الْخلاف الثَّالِث خلط مَاء الْورْد بِالْمَاءِ فَإِن بطلت رَائِحَته فإهلاك وَإِلَّا فَهُوَ خلط بِغَيْر الْجِنْس الرَّابِع خلط الْحِنْطَة الْبَيْضَاء بالحمراء أَو السمسم بالكتان فَعَلَيهِ التَّمْيِيز وَإِن تَعب فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي التَّرْكِيب فَإِذا غصب ساجة وأدرجها فِي بناية نزع وَهدم عَلَيْهِ بِنَاؤُه خلافًا لأبي حنيفَة

وَلَو غصب لوحا وأدرجها فِي سفينة فكمثل إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ حَيَوَان مُحْتَرم أَو مَال لغير الْغَاصِب وَأدّى نَزعه إِلَى فَوَاته فَيغرم الْغَاصِب الْقيمَة فِي الْحَال للْحَيْلُولَة وَيُؤَخر نَزعه إِلَى أَن ينتهى إِلَى السَّاحِل وَإِن لم يكن فِيهِ إِلَّا مَال الْغَاصِب فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يبالى بِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ وَلذَلِك نخسره فِي مُؤنَة الرَّد مَالا وَهَذَا كمؤنة الرَّد وَالثَّانِي أَنه يُؤَخر لِأَن مَاله مُحْتَرم فِي غير مَحل الْعدوان بِخِلَاف الْبناء على الساجة فَإِنَّهُ عدوان بِخِلَاف مُؤنَة الرَّد فَإِنَّهُ سعي فِي الْخُرُوج عَن الْوَاجِب أما إِذا غصب خيطا وخاط بِهِ جرح حَيَوَان مُحْتَرم وَخيف من النزع الْهَلَاك فَلَا يجب إِلَّا الْقيمَة وكل حَيَوَان مُتَمَوّل لَا يُؤْكَل لَحْمه فَهُوَ مُحْتَرم وَفِيمَا يُؤْكَل لَحْمه خلاف لِأَن ذبحه مُمكن وَلكنه لغير مأكلة وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ

وَأما الْخِنْزِير وَالْكَلب الْعَقُور فينزع مِنْهُ وَفِي العَبْد الْمُرْتَد وَالْمَيِّت خلاف لِأَن الْمثلَة أَيْضا فيهمَا مَحْذُور فَلَا يبعد أَن يُقَاوم غَرَض الِاخْتِصَاص بمالية الْعين وَلَو كَانَ يخَاف من نزع الْخَيط من الْآدَمِيّ طول الضنى وَبَقَاء الشين فِيهِ خلاف كمثله فِي الْعُدُول إِلَيّ التَّيَمُّم عَن الْوضُوء وَحَيْثُ منعنَا النزع فَيجوز الْأَخْذ ابْتِدَاء من مَال الْغَيْر إِذا لم يجد غَيره وَإِن تعدى فِي الِابْتِدَاء وَصَارَ إِلَى حَال يخَاف النزع فَلَا ينْزع الْآن للضَّرُورَة فرعان أَحدهمَا فصيل أدخلهُ فِي بَيته فَكبر فِيهِ ينْقض بناءه وَيخرج لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَإِن دخل بِنَفسِهِ فَيخرج لحق الْحَيَوَان وَهل يغرم صَاحب الفصيل أرش النَّقْض لتخليص ملكه فِيهِ خلاف وَكَذَا إِذا سقط دِينَار فِي محبرة بِقصد صَاحب المحبرة أَو بِغَيْر قَصده فَهُوَ كالفصيل الثَّانِي زوج خف يُسَاوِي عشرَة غَاصِب فَرد خف وَقِيمَة

الْبَاقِي ثَلَاثَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنه يغرم سَبْعَة لِأَن مَا أَخذه يُسَاوِي ثَلَاثَة وَالْبَاقِي فَاتَ بِأَخْذِهِ وَالثَّانِي يغرم ثَلَاثَة لِأَنَّهُ قيمَة مَا أَخذه فليشتر بِهِ الْمَالِك فَرد خف ليعود كَمَال قِيمَته وَالثَّالِث يغرم خَمْسَة توزيعا لنُقْصَان الِانْفِرَاد فَإِنَّهُ لَو أتلف غيرَة الْفَرد الثَّانِي لوَجَبَ التَّسْوِيَة بَينهمَا

الْفَصْل الثَّالِث فِي تَصَرُّفَات الْغَاصِب وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي الْوَطْء فَإِذا بَاعَ جاريه مَغْصُوبَة فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي إِن كَانَ عَالما بِالْغَصْبِ لزمَه الْحَد وَيلْزمهُ الْمهْر أَن كَانَت الْجَارِيَة مستكرهة وَإِن كَانَت راضية فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يجب لِأَن الْمهْر للسَّيِّد فَلَا أثر لرضاها بِخِلَاف الْحرَّة وَالثَّانِي لَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا مهر لبغيه وَهَذَا عَام ثمَّ أَن وطئ على ظن الْجَوَاز فَلَا يلْزمه إِلَّا مهر وَاحِد وَإِن وطئ مرَارًا مَا دَامَت الشُّبْهَة متحدة اعْتِبَارا لسَبَب الْحُرْمَة بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الأَصْل وَإِذا أَوجَبْنَا الْمهْر فِي صُورَة الاستكراه ووطئ مرَارًا تردد فِيهِ الشَّيْخ

أَبُو مُحَمَّد وميل الإِمَام إِلَيّ التَّعَدُّد لِأَن مُسْتَنده الاتلاف لَا الشُّبْهَة وَقد تعدد الاتلاف وَهل للْمَالِك مُطَالبَة الْغَاصِب بِالْمهْرِ فَإِنَّهُ وَجب بِالْوَطْءِ فِي يَده فِيهِ تردد من حَيْثُ أَن الْيَد لَا تثبت على مَنَافِع الْبضْع وَهَذَا بدله أما الْوَلَد فَهُوَ رَقِيق إِن كَانَ عَالما وَلَا نسب لَهُ فَإِنَّهُ ولد الزِّنَا وَإِن انْفَصل حَيا أنفصل من ضَمَانه فَإِن مَاتَ ضمنه وَأَن أنفصل مَيتا فَالْأَظْهر أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ لم يستيقن حَيَاته بِخِلَاف مَا إِذا أنفصل مَيتا بِجِنَايَة فَإِنَّهُ يُحَال الْمَوْت على السَّبَب الظَّاهِر وَفِيه وَجه أَنه يضمن لِأَنَّهُ مَاتَ تَحت يَده بِخِلَاف الْوَلَد لَو كَانَ حرا عِنْد الْجَهْل وأنفصل مَيتا فَإِن الْيَد لَا تثبت على الْحر وعَلى هَذَا لَا يُمكن أَن يغرم عشر قيمَة الام لِأَنَّهُ فَوَات بإفة سَمَاوِيَّة وَالتَّقْدِير نتيجة الْجِنَايَة فَيلْزم أَن يغرم كل قِيمَته بِتَقْدِير حَيَاته وَكَذَلِكَ فِي الْبَهِيمَة وَهُوَ بعيد الطّرف الثَّانِي فِيمَا يرجع بِهِ المُشْتَرِي على الْغَاصِب إِن كَانَ عَالما لم يرجع بِشَيْء لِأَنَّهُ غَاصِب مثله وَتلف تَحت يَده وَإِن كَانَ جَاهِلا فَلَا يرجع بِقِيمَة الْعين أَن تلف تَحت يَده لِأَنَّهُ دخل فِيهِ على شَرط الضَّمَان وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا فِي الْقدر الزَّائِد على الثّمن أَنه يرجع بِهِ أما زِيَادَة الْقيمَة قبل قبض المُشْتَرِي لَا يُطَالب بِهِ المُشْتَرِي بِحَال وَإِنَّمَا يُطَالب بِهِ الْغَاصِب

وَأما أُجْرَة الْمَنْفَعَة الَّتِي فَاتَت تَحت يَده يرجع بهَا وَمَا فَاتَ باستيفائه فَيخرج على قولي الْغرُور مَعَ مُبَاشرَة الاتلاف فَكَذَا مهر الْمثل إِذا غرمه بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ متْلف وَالْغَاصِب غَار والمتزوج من الْغَاصِب لَا يرجع بِالْمهْرِ لِأَنَّهُ دخل على قصد ضَمَان الْبضْع وَيرجع المُشْتَرِي بقيمه الْوَلَد لِأَن الشِّرَاء لَا يُوجب ضَمَانه وَكَذَا الزَّوْج وَلَو بنى فَقلع بناءه فَالْأَظْهر أَنه يرجع بِأَرْش نقض الْهدم على الْغَاصِب لِأَنَّهُ فَاتَ بغروره وَإِلَيْهِ ميل القَاضِي وَفِيه وَجه أَنه متْلف بِالْبِنَاءِ فَلَا يرجع وَلَا خلاف أَنه لَا يرجع بِمَا أنْفق لِأَن ذَلِك يتَفَاوَت فِيهِ النَّاس وَلَو تعيب الْمَغْصُوب فِي يَد المُشْتَرِي نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه يرجع قَالَ الْمُزنِيّ هُوَ خلاف قِيَاسه لِأَن الْكل من ضَمَانه حَتَّى لم يرجع فِيهِ فَكيف يرجع بالأجزاء فَمن الْأَصْحَاب من وَافق وَذهب ابْن سُرَيج إِلَى تَقْرِير النَّص وَهُوَ أَن ضَمَان المُشْتَرِي ضَمَان عقد والبعقد لَا يُوجب ضَمَان الْأَجْزَاء وَكَذَلِكَ إِذا تعيب قبل الْقَبْض وَجب الْإِجَازَة بِكُل الثّمن وَلَو بَاعَ عبدا بجاريه ثمَّ رد الْجَارِيَة بِالْعَيْبِ وَالْعَبْد معيب بِعَيْب حَادث لم يجز لَهُ طلب الارش مَعَه بل عَلَيْهِ أَخذه أَو اخذ قِيمَته فَلَا يضمن إجراؤه مَعَ رد عينه فرع نُقْصَان الْولادَة عندنَا لَا ينجبر بِالْوَلَدِ خلافًا لأبى حنيفه رَحمَه الله عَلَيْهِ

كتاب السّلم وَالْقَرْض

= كتاب السّلم وَالْقَرْض = وَفِيه قِسْمَانِ الْقسم الأول السّلم وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَمن أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم الى أجل مَعْلُوم وَالدّين يثبت فِي الذِّمَّة اخْتِيَارا بالمعاوضة وَالْقَرْض أما الْمُعَاوضَة فَالْبيع وَفِي مَعْنَاهَا سَائِر الْمُعَاوَضَات فِي حق إِثْبَات المَال فِي الذِّمَّة وَأما السّلم فَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِطه وَهِي سَبْعَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول أَن يكون الْمُسلم فِيهِ دينا لِأَن لفظ السّلم السّلف للدّين فَإِن قيل فَلَو عقد البيع بِلَفْظ السّلم بَان قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي هَذَا العَبْد قُلْنَا لم ينقعد سلما وَفِي انْعِقَاد البيع بِهِ قَولَانِ ذكرهمَا القَاضِي أَحدهمَا لَا لِأَن لفظ السّلم ينبو عَن الْعين وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود بِحكم الْحَال صَار مَعْلُوما مِنْهُ وَهُوَ قريب مِمَّا إِذا قَالَ بِعْتُك بِلَا ثمن أَنه أهل ينْعَقد ذَلِك هبة فَإِن قيل فَلَو أسلم بِلَفْظ الشِّرَاء فَقَالَ اشْتريت مِنْك مائَة كرّ من حِنْطَة صفتهَا كَيْت وَكَيْت قُلْنَا ينْعَقد ذَلِك وَفِي ثُبُوت شَرَائِط السّلم من تَسْلِيم رَأس المَال وَمنع الِاعْتِيَاض وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يثبت لِأَن هَذِه الشَّرَائِط منوطة ببذل المَال فِي مُقَابلَة دين لَا باسم السّلم وَالثَّانِي أَنه مَنُوط باسم السّلم إِذْ لَيْسَ يعقل فِيهِ الْمَعْنى نعم هَل يجوز الِاعْتِيَاض على هَذَا عَن الْحِنْطَة فِيهِ طَرِيقَانِ

مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي الثّمن وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ مَقْصُود فِي جنسه بِخِلَاف الثّمن فَإِن قيل وَهل يشْتَرط فِي الْمُسلم فِيهِ بعد كَونه دينا تَأْجِيله قُلْنَا لَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا جَازَ السّلم مُؤَجّلا فَهُوَ حَالا أجوز وَعَن الْغرَر أبعد ثمَّ لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال أحداها أَن يُصَرح بالحلول فَهُوَ حَال والأخر أَن يُطلق فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْبطلَان لِأَن مطلقه يشْعر بالأجل وَهُوَ مَجْهُول وَالأَصَح الصِّحَّة لِأَن السّلم بيع إِلَّا انه فِي دين الثَّالِثَة أَن يُصَرح بالأجل فَلَا بُد وَأَن يكون مَعْلُوما وَفِيه مسَائِل

الأولى أَن التَّأْجِيل بالحصاد وَالعطَاء والقطاف والدياس وَمَا يتَقَدَّم ويتأخر فَاسد فَأَنَّهُ مَجْهُول وَالْمذهب جَوَاز تأقيته بالنيروز والمهرجان فَإِنَّهُ مَعْلُوم وَكَذَا بفصح النصاري وَفطر الْيَهُود إِن كَانَ يعلم ذَلِك دون مراجعتهم فانه لَا يعْتَمد على أَقْوَالهم وَلَو اقت بِنَفر الحجيج فَوَجْهَانِ لِأَن للحجيج نفرين وَمن صحّح نزل على الأول وَهُوَ جَار فِي تَأْجِيله الى ربيع وجمادى فانه مُتَعَدد وَتَعْيِين الأول للْأَدَاء مُحْتَمل الثَّانِيَة لَو قَالَ الى شهر رَمَضَان أَو الى أول يَوْم الْجُمُعَة يَصح وَيحل الْأَجَل بِأول جُزْء من رَمَضَان وَالْجُمُعَة وَلَو قَالَ تُؤَدِّيه فِي رَمَضَان أَو فِي الْجُمُعَة لم يجز جعله ظرفا وَلم يبين وقبته وَلَو قَالَ الى ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ وَقت مستهل الْهلَال حسب الْأَشْهر الثَّلَاث بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي أثْنَاء الشَّهْر كمل ذَلِك الشَّهْر ثَلَاثِينَ وأحتسب شَهْرَان بِالْأَهِلَّةِ

أتباعا لفهم أهل الْعَادة فِي اتِّبَاع الْأَهِلّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله إِذا أنكسر شهر وَاحِد كمل كل شهر ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ أما إِذا قَالَ الى أول الشَّهْر أَو الى آخِره قَالَ الْأَصْحَاب هُوَ بَاطِل لِأَن أول الشَّهْر يعبر بِهِ عَن النّصْف الأول وَالْعشر الأول وَكَذَا الآخر فَهُوَ مَجْهُول قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِذا لم يكن للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي نَص فِي وَالْمَسْأَلَة لفظية فَلَيْسَ يبعد مُخَالفَة الْأَصْحَاب إِذْ يظْهر أَن يُقَال الْمَفْهُوم مِنْهُ أول جُزْء من الشَّهْر وَآخر جُزْء مِنْهُ فَلَا فرق بَين أَن يَقُول الى رَمَضَان أَو يَقُول الى أول رَمَضَان وَلَا بَين أَن يَقُول الى الْعِيد أَو الى آخر رَمَضَان الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو لم يذكر أَََجَلًا فَذَكَرَاهُ قبل التَّفَرُّق جَازَ وَهَذَا يكَاد يكون إِلْحَاق زِيَادَة بِالْعقدِ فِي مجْلِس القعد وطرده الْأَصْحَاب فِي إلحاقات الزِّيَادَات فِي الْمجْلس

وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول السّلم الْمُطلق لَا يُصَرح بالحلول بل هُوَ مَوْقُوف فِي حق الْأَجَل على أَن يَتَفَرَّقَا فالمجلس وَقت البينان للأجل وَلَو ذكر أَََجَلًا مَجْهُولا وَحذف فِي الْمجْلس لم يَنْقَلِب العقد بعد فَسَاده صَحِيحا لِأَن الْمجْلس حَرِيم لعقد مُنْعَقد فَإِذا فسد فَلَا حَرِيم لَهُ وَحكي عَن صَاحب التَّقْرِيب وَجه أَنه ينحذف وَهُوَ بعيد

الشَّرْط الثَّانِي الْقُدْرَة على التَّسْلِيم وَالْعجز مَانع وَهُوَ يَنْقَسِم الى الْمُقَارن والطارئ أما الْمُقَارن فَلَو أسلم فِي مَفْقُود حَالَة العقد مَوْجُود لَدَى الْمحل صَحَّ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقُدْرَة عِنْده تعْتَبر وَقت الْوُجُوب بِحكم الشَّرْط وَلَو كَانَ مَفْقُود الْجِنْس لَدَى الْمحل بَطل وفَاقا وان وجد فِي مَوضِع أخر فَإِن قرب من الْبَلَد بِحَيْثُ ينْقل إِلَيْهِ ذَلِك الشئ لغَرَض الْمُعَامَلَة جَازَ وَإِن كَانَ لَا ينْقل إِلَّا فِي مصادرة أَو بخفة مَعَ عسر فَلَا يَصح وَلَو أسلم فِي وَقت الباكورة فِي قدر كثير يتعسر تَحْصِيله وَلَكِن بعد عشر فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ قريب من بيع الطَّائِر المفات فِي دَار فيحاء بعسر أَخذه وَلم يذكر هَذَا الْوَجْه فِيمَا يعسر نَقله الى مَكَان التَّسْلِيم لِأَن التشاغل بنقله قبل وُجُوبه لَا يجب وَبعد وُجُوبه يفْتَقر الى مُدَّة فيتراخى عَن وَقت الِاسْتِحْقَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا

ذكر وَجه فِيهِ أما الْعَجز الطَّارِئ فَهُوَ طريان آفَة قَاطِعَة للْجِنْس فَفِي أنفساخ العقد قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَو أقترن بِالِابْتِدَاءِ لمنع فاشبة تلف الْمَبِيع قبل الْقَبْض وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَفَاء بِهِ فِي السّنة الثَّانِيَة مُمكن وَالْعقد وَارِد على الذِّمَّة فَأشبه إباق الْمَبِيع فَإِنَّهُ يثبت الْخِيَار ثمَّ لَيْسَ هَذَا الْخِيَار على الْفَوْر وَهُوَ كَخِيَار الاباق وَخيَار الْمَرْأَة فِي الايلاء لِأَنَّهُ نتيجة حق الْمُطَالبَة بالمستحق وَهُوَ قَائِم متجدد فِي كل حَال وَالأَصَح أَنه لَا يسْقط وَإِن صرح بالإسقاط كَمَا لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَفِيه وَجه أَنه يسْقط فرع لَو أنقطع قبل الْمحل وَعلم دوَام الِانْقِطَاع الى الْمحل فَفِي تنجز الِانْفِسَاخ وَالْفَسْخ قَولَانِ يضاهيان مَا إِذا قَالَ لآكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَتلف قبل الْغَد بآفه هَل يَحْنَث فِي الْحَال وَهُوَ مُحْتَمل جدا

الشَّرْط الثَّالِث أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَعْلُوم الْوَصْف وَلَا يُمكن استقصاء كل وصف مَقْصُود وَلَكِن كل وصف مَقْصُود تخْتَلف بِهِ الْقيمَة اخْتِلَافا ظَاهرا فقد صاغ أهل اللُّغَة عَنهُ عبارَة فَلَا بُد من ذكره ثمَّ ينزل كل وصف على أقل الدَّرَجَات فَإِذا ذكر عبدا كَاتبا لم يشْتَرط التبحر فِيهِ بل مَا يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم فرعان أَحدهمَا أَن الْوَصْف الْمُعَرّف يَنْبَغِي أَن يكون مَعْلُوما لغير الْمُتَعَاقدين حَتَّى يرجع إِلَيْهِم عِنْد التَّنَازُع ولسنا نعني بِهِ الأشهاد على السّلم بل نُرِيد بِهِ الِاحْتِرَاز عَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة الَّتِي لَا يفهمها أهل الاستفاضة فَإِن فهمها عَدْلَانِ سوى الْمُتَعَاقدين دون أهل الاستفاضة فَفِيهِ وَجْهَان

وَكَذَا الْمِكْيَال ليكن مَعْرُوفا لغَيْرِهِمَا فَلَو لم يعرفهُ الا عَدْلَانِ فَوَجْهَانِ الثَّانِي لَو أسلم فِي الْجيد جَازَ وَنزل على أقل الدَّرَجَات وَفِي الاجود لَا يجوز إِذْ لَا جيد إِلَّا وفوقه جيد فَلهُ أَن يطْلب غير مَا يسلم إِلَيْهِ وَلَو أسلم فِي الردئ لم يجر إِلَّا فِي رداءة النَّوْع كالجعرورة لِأَن رداءة الْعَيْب لَا ضبط لَهَا وَلَو أسلم فِي الأردأ فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الْجَوَاز لِأَن طلب الأردأ مِمَّا يسلم أليه من ردئ تعنت وعناد الشَّرْط الرَّابِع تَعْرِيف الْمِقْدَار بِالْوَزْنِ أَو الْكَيْل فِي الْمُسلم فِيهِ وَيجوز الْوَزْن فِي الْمكيل والكيل فِي الْمَوْزُون بِخِلَاف الربويات فَإِن ذَلِك مبْنى على التَّعَبُّد نعم لَا يَصح السّلم فِي مكيال من الْمسك والعنبر فَإِن ذَلِك لَا يعد ضبطا فالمتبع الْمعرفَة الْمُعْتَادَة أما المعدودات فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعد لتفاوتها بل لَا بُد من الْوَزْن فَيسلم فِي

الْبِطِّيخ وَالرُّمَّان وَالْبيض والباذنجان بِالْوَزْنِ وَفِي الْجَوْز وللوز قد لَا يضْبط الْوَزْن لتَفَاوت القشور وَلَكِن إِن وجد نوع يتساوى غَالِبا عرف بِالْوَزْنِ وَيجمع فِي اللبنات بَين الْوَزْن وَالْعد لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فَإِنَّهُ مَضْرُوب بِالِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْأجر أَن لم نلحقه بالدنس على رأى لاثر النَّار فِيهِ فرع إِذا عين مكيالا لَا يعْتَاد الْكَيْل بِهِ كالقصعة والكوز بَطل العقد بِهِ لعلتين

أحداهما الْجَهْل بِقدر الْمُسلم فِيهِ فانه لَا يدرى أَن الصَّفْقَة رابحه أم خاسرة وَالْأُخْرَى أَنه رُبمَا يتْلف فيتعذر الْوَفَاء بِالْعقدِ وَالسّلم يصان عَن غرر لَا غَرَض فِيهِ وَلَو قَالَ بِعْتُك من هَذِه الصُّبْرَة بملاء هَذَا الْكوز فَالْأَصَحّ الصِّحَّة لِأَن الْأَقْوَى التَّعْلِيل بالغرر وتوقع التّلف فِي السّلم وَمن علل بِالْجَهْلِ أبطل البيع وَالسّلم الْحَال مُتَرَدّد بَين البيع وَالسّلم الْمُؤَجل فَفِيهِ وَجْهَان أما إِذا عين مكيالا مُعْتَادا لَو شَرط الْكَيْل بِهِ فَلَا يتَعَيَّن إِذا لَا غَرَض فِيهِ وَهل يفْسد بِهِ العقد فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح صِحَة العقد لانه هذيان لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض فان قيل فَلَو عين شَجَرَة أَو بستانا وَقَالَ أسلمت اليك من ثَمَرَة هَذَا الْبُسْتَان قُلْنَا يبطل لعلتين

إِحْدَاهمَا ظُهُور الْغرَر بتوقع الْجَائِحَة فِي الْبُسْتَان الْمعِين وَالْأُخْرَى مناقضة الدِّينِيَّة لِأَن مَا يظْهر من ثَمَرَة الشَّجَرَة مُتَعَيّن لملكة وَحقّ الدّين أَن يسترسل فِي الذِّمَّة أما إِذا أضَاف الى نَاحيَة يبعد فِيهَا وُقُوع الآفة فَإِن أَفَادَ تنويعا صَحَّ كَقَوْلِه معقلي الْبَصْرَة لِأَن الْإِضَافَة كالوصف هَاهُنَا وَأَن لم يفد تنويعا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كتعين الْمِكْيَال إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يبطل لِأَنَّهُ تعْيين لَا يضيق مجالا أصلا الشَّرْط الْخَامِس تعيي مَكَان التَّسْلِيم فِي الْمُسلم فِيهِ وَفِيه قَولَانِ وَفِي مَحلهمَا ثَلَاثَة طرق أَحدهَا أَنه إِن كَانَ فِي النَّقْل مئونة فَلَا بُد من التعين وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالثَّانِي عكس ذَلِك وَالثَّالِث إِطْلَاق الْقَوْلَيْنِ وَلَعَلَّ الْأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وَلَكِن ينزل الْمُطلق على مَكَان العقد

الشَّرْط السَّادِس تَسْلِيم رَأس المَال فِي الْمجْلس لِأَن رَأس المَال إِذا كَانَ دينا كَانَ بيع الكالئ بالكالئ وَإِن كَانَ عينا فَيجب تَعْجِيله لِأَنَّهُ أحتمل الْغرَر فِي الْمُسلم فِيهِ لحَاجَة فَيجْبر ذَلِك بتأكد الْعِوَض الثَّانِي بالتعجيل ثمَّ لَا خلاف أَنه لَو كَانَ رَأس المَال نَقْدا وَلم يُعينهُ ثمَّ عينه فِي الْمجْلس كَفاهُ لِأَن الْمجْلس كالحريم فَلهُ حكم الِابْتِدَاء وَكَذَلِكَ القَوْل فِي بيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ فِي الصّرْف واما فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَجْهَان من حَيْثُ إِذا لم يعين طَالَتْ أَو صافه وَظهر قَضِيَّة الدِّينِيَّة وَقرب من بيع الدّين بِالدّينِ بِخِلَاف النُّقُود فرع إِذا فسخ السّلم بِسَبَب اسْتردَّ عين رَأس المَال إِن كَانَ عمينا عِنْد العقد وان عين عِنْد الْقَبْض فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الرُّجُوع الى عينه فالقبض فِي الْمجْلس كإيراد العقد عَلَيْهِ وَهُوَ ملتفت أَيْضا على أَن الْمُسلم فِيهِ إِذا رد بِعَيْب كَانَ ذَلِك نقضا للْملك فِي الْحَال فَهُوَ تبين لعدم جَرَيَان الْملك فِيهِ إِذا خَالف الْوَصْف الْمُسْتَحق الشَّرْط السَّابِع تَقْدِير رَأس المَال وَفِيه قَولَانِ

أَحدهمَا وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يجوز أَن يكون جزَافا اعْتِمَادًا على العيان كَمَا فِي البيع وَالثَّانِي لَا بُد من التَّقْدِير لِأَنَّهُ قد يفْسخ السّلم فَيحْتَاج الى الرُّجُوع إِلَيْهِ أَو الى قِيمَته فيتعذر وَالسّلم يبعد عَن الْغرَر مَا أمكن وَاخْتلفُوا فِي أَن هَذَا الْخلاف هَل يجرى فِي الْجَهْل بِقِيمَة رَأس المَال وَفِي السّلم الْحَال فَإِن قيل وَهل يشْتَرط كَون الْمُسلم فِيهِ مثمنا حَتَّى لَا يجوز السّلم فِي النُّقُود قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح جَوَاز السّلم مِنْهَا إِذْ لَا مَانع مِنْهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان مَا يجب وَصفه فِي الْمُسلم فِيهِ على التَّفْصِيل وَمَا يمْتَنع السّلم فِيهِ لعزة وجوده أَو لعدم إحاطة الْوَصْف بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَجنَاس من الْأَمْوَال الْجِنْس الأول الْحَيَوَان وَالسّلم فِيهِ جَائِز عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة وَالْمُعْتَمد فِيهِ الْأَحَادِيث والْآثَار وَإِلَّا فَالْقِيَاس مَنعه إِذْ أقرب الْحَيَوَانَات إِلَيّ قبُول الْوَصْف الطُّيُور والحمامات وَيخْتَلف الْغَرَض بكبرها وصغرها وَنحن لَا نجوز السّلم فِي المعدودات إِلَّا بِالْوَزْنِ وَالْوَزْن لَا يضْبط الْحَيَوَان مَعَ اشتماله على أخلاط مُتَفَاوِتَة وَلَكِن إِذا ثَبت بالأحاديث فالرتبة الْعليا مِنْهُ السّلم فِي الرَّقِيق وَيشْتَرط فِيهِ النَّوْع واللون والذكورة وَالْأُنُوثَة وَالسّن فَيَقُول عبد تركي أسمر ابْن سبع أَو أبن عشر

وَالأَصَح أَنه لَا بُد من ذكر الْقَامَة فَيَقُول طَوِيل أَو قصير أَو ربع ثمَّ ينزل من كل رتبه على الْأَقَل وَلَا يُقيد ذَلِك بالأشبار فيعز وجوده وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط الْقَامَة أما التَّعَرُّض لآحاد الْأَعْضَاء وَكَيْفِيَّة أشكالها فَلَا يعْتَبر لِأَن ذَلِك بَين أَن يطول أَو يَنْتَهِي إِلَيّ عزة الْوُجُود وَأما الْكحل والدعج وتكلثم الْوَجْه وَكَون الْجَارِيَة خميصة مثقلة الأرداف ريانة السَّاقَيْن وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يقْصد وَلَا يطول وَلَا يَنْتَهِي الى عزة الْوُجُود قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يشْتَرط وميل المراوزة الى أشتراطه وَفِي الملاحة تردد للقفال منشؤه أَنَّهَا جنس يعرف أَو يخْتَلف بميل الطباع الرُّتْبَة الثَّانِيَة الْبَهَائِم قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي الْبَعِير أسلمت اليك فِي ثني من نعم بني فلَان غير مودن نقي من الْعَيْب سبط الْخلق مجفر الجنبين أما الثني فَهُوَ الَّذِي اسْتكْمل خمس سِنِين وَبَيَان السن لَا بُد مِنْهُ

والمودن النَّاقِص الْقصير ومجفر الجنبين عظيمهما وَهُوَ يضاهي التَّعَرُّض للقد فِي العبيد وَقَوله نقي من الْعُيُوب احْتِيَاطًا وَلَا بُد أَيْضا من ذكر اللَّوْن فرع إِن أختلف نعم بني فلَان قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ صَحَّ وَنزل على مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَهَذَا تساهل بل الْوَجْه الْقطع بِاشْتِرَاط تَمْيِيز الْأَنْوَاع إِذا سهل ذَلِك وَكَذَلِكَ الْخَيل يتَعَرَّض فِيهَا للون وَالسّن وَالنَّوْع كالعربي والتركي أما الشياة كاللطيم والأغر والمحجل فَذكرهَا احْتِيَاط وَلَيْسَ بِشَرْط الرُّتْبَة الثَّالِثَة الطُّيُور ويتعرض فِيهَا للون وَالنَّوْع وَالْكبر والصغر وسنها لَا يعرف أصلا فرع إِذا شَرط مَعَ الجاريه الخادمة وَلَدهَا لِأَن ذَلِك لَا يعز وجوده فِي الحاضنات وَإِن كَانَ يطْلب الْجَارِيَة للتسري فقد يَنْتَهِي شَرط ذَلِك الى عزة الْوُجُود فَلَا يجوز

الْجِنْس الثَّانِي فِي أَجزَاء الْحَيَوَان وزوائده وَفِيه مسَائِل الأولى يَصح السّلم فِي اللَّحْم فَيَقُول لحم بقر أَو غنم أَو ضَأْن أَو معز ذكر أَو أُنْثَى خصى أَو غير خصي رَضِيع أَو فطيم معلوفة أَو راعية من الفخد أَو من الْجنب وَلَا يشْتَرط فَإِنَّهُ كالنوى من التَّمْر الثانيه إِذا شَرط فِي اللَّحْم الهزال لم يجز لِأَنَّهُ عيب لَا يَنْضَبِط بِالْعَادَةِ وَلَوْلَا أسلم فِي المشوي والمطبوخ قَالُوا لَا يجوز لاخْتِلَاف أثر النَّار وَقَالَ الصيدلاني إِذا أمكن ضَبطه بِالْعَادَةِ جَازَ فَإِن الْأَصَح جَوَازه فِي الْخبز والدقيق والدبس وَالسكر والفانيد وَفِي الْخبز والدبس وَجه أخر بعيد الثَّالِثَة السّلم فِي رُءُوس الْحَيَوَانَات قيل التنقية من الشُّعُور بَاطِل وَبعد التنقية قَولَانِ وَوجه الْمَنْع أَنَّهَا تَشْمَل على مركبات تخْتَلف الْمَقَاصِد بهَا وَالْوَزْن لَا

يحصره وَالْكبر مِنْهُ مَقْصُود فيلتحق بالمعدودات لَا بالحيوانات والاكارع أولى بجوار السّلم فِيهَا لِأَنَّهَا اقْربْ الى قبُول الضَّبْط الرَّابِعَة السّمك المملح يجوز السّلم فِيهِ إِن لم يكن للملح وزن وَإِلَّا فَلَا إِذْ لَا يعلم الْمَقْصُود مِنْهُ بِالْوَزْنِ الْخَامِسَة الْجُلُود المدبوغه أَن كَانَت غير مَقْطُوعَة على التناسب لم يجز السّلم فِيهَا لتَفَاوت أطرافها وَإِن قطعت كالنعال السبتية فَالظَّاهِر جَوَاز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ وَفِيه وَجه للْمَنْع للتفاوت فِي الغلظ والدقة السَّادِسَة يجوز السّلم فِي زَوَائِد الْحَيَوَان من اللَّبن وَالسمن والزبد والمخيض فيذكر الْوَزْن وَالصّفة وَمَا يخْتَلف بِهِ الْقيمَة وَيذكر الحموضه فِي المخيض وَينزل على أقل الدَّرَجَات وَيذكر فِي الصُّوف والوبر اللين والخشونة والطول وَالْقصر الْجِنْس الثَّالِث الثِّيَاب وأصولها فيذكر فِي الثَّوْب الطول وَالْعرض واللون وَالْأَصْل أَنه من قطن أَو كتَّان أَو من إبريسم والبلد الَّذِي ينسج فِيهِ إِن اخْتلفت بِهِ الْقيمَة وَيسلم فِي الْقطن فيذكر اللين والخشونة واللون وَالْوَزْن

وَإِن كَانَ مستترا بالجوز لم يجز السّلم فِيهِ وَيجوز السّلم فِي المحلوج وَغير المحلوج وَإِن كَانَ فِيهَا الحبات وَكَذَلِكَ يذكر فِي الإبريسم الدقة والغلظ والناحية الَّتِي مِنْهَا يجلب وَيصِح السّلم فِي الْمَصْبُوغ من الثِّيَاب فيذكر قدر الصَّبْغ ودرجاته وَتردد الْعِرَاقِيُّونَ فِي الْمَصْبُوغ بعد النسج وَزَعَمُوا أَن ذَلِك ضم صبغ لَا يعرف قدره إِلَى الثَّوْب وَهُوَ بَاطِل بالمصبوغ قبل النسج الْجِنْس الرَّابِع الْفَوَاكِه يجوز السّلم فِي رطبها ويابسها وآلات الصيادلة إِلَّا مَا هُوَ مخلوط مِنْهُ فيذكر من جَمِيعهَا مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة وَيذكر فِي الْعَسَل أَنه جبلي أَو بلدي والجبلي خير وَأَنه ربيعي أَو خريفي والخريفي خير وَيذكر اللَّوْن ويتعرض للمعتوق والحدوث فِي الرطب وَبَعض الْفَوَاكِه وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ فِي الْبر والحبوب إِذْ لَا يخْتَلف بِهِ غَرَض إِلَّا إِذا قرب من السوس فَإِن ذَلِك عيب وَأما الشهد قَالَ الفوراني هُوَ مختلط فَلَا يسلم فِيهِ وَالأَصَح جَوَازه لِأَنَّهُ متناسب

الْجِنْس الْخَامِس الْخشب فَمَا يُرَاد للحطب تقل صِفَاته فيذكر الْجِنْس واللون وَالْوَزْن وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر اليبوسة فَإِن الرُّطُوبَة عيب فِي الْحَطب والغلظ والدقة لابد من ذكره وَمَا يُرَاد للنجر كالجذوع والعمد فيذكر الطول وَالْعرض والاستدارة وَالنَّوْع وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد تحْتَاج إِلَى شَرط الْوَزْن أَيْضا لِأَنَّهُ قد يصير حطبا فيطلب وَزنه والمنحوت من الْخشب لَا يجوز السّلم فِيهِ لتَفَاوت أَجْزَائِهِ إِلَّا إِذا تناسب على وَجه يُمكن ضَبطه وَلَا يخْتَلف وَيجوز السّلم فِي خشب النبال قبل النحت الْجِنْس السَّادِس فِي الْجَوَاهِر فيذكر فِي الْحَدِيد الْوَزْن والذكورة وَالْأُنُوثَة ويتعرض فِي النّحاس وَغَيره لما تخْتَلف بِهِ الْقيمَة ويتعرض فِي حجر الرَّحَى للطول وَالْعرض والاستدارة وَالْوَزْن واللآلى واليواقيت لَا يسلم فِيهَا لعزة وجودهَا إِذا أطنب فِي وصف مَا تخْتَلف بِهِ الْقيمَة واللالىء الصغار الَّتِي لَا يعز وجودهَا يجوز السّلم فِيهَا بِالْوَزْنِ

قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَكَذَلِكَ فِيمَا يتحلى بِهِ غَالِبا وَهُوَ مَالا يزِيد وَزنه على سدس فَإِن ذَلِك أَيْضا يكثر وجوده وتعرق صِفَاته الْجِنْس السَّابِع المختلطات وَهِي ثَلَاثَة أضْرب الأول الْمُخْتَلط الْمُخْتَلط خلقَة كاللبن والشهد يجوز السّلم فِيهَا الثَّانِي مَالا يقْصد خليطه كالجبن وَفِيه الانفحة وَالْخبْز وَفِيه المَاء وَالْملح يجوز السّلم فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حكم الْجِنْس الْفَرد الثَّالِث مَا يقْصد جَمِيع أَرْكَانه كالمعجونات والمرق ومعظم الحلاوى والخفاف والصنادل والقسي والنبال لَا يجوز السّلم فِي شئ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِط آحَاد أَرْكَانه وَكَذَلِكَ قسى الْعَرَب وَإِن لم يكن فِيهِ الا خشب وَلَكِن يتَفَاوَت تخريطه وهيأته وَيجوز السّلم فِي دهن البان والبنفسج لِأَنَّهُ لَا يقْصد تخليطه بل لَا يخالطه البنفسج فَإِن السمسم يروح بالبنفسج ثمَّ يعتصر وَظن الْمُزنِيّ أَنه يخْتَلط بِعَيْنِه فَمنع السّلم فِيهِ وَهُوَ غلط

فرعان أَحدهمَا خل الزَّبِيب وَالتَّمْر قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِجَوَاز السّلم فِيهِ وَقطع المراوزة بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ يمْنَع معرفَة الْمَقْصُود إِذْ قدر المَاء يخْتَلف فِيهِ الثَّانِي العتاببي مركب من الْقطن والابرسيم فِيهِ وَجْهَان لِأَنَّهُ فِي حكم جنس وَاحِد من وَجه وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على السّلم فِي الْخَزّ وَهُوَ مَحْمُول عِنْد هَذَا الْقَائِل على مَا إِذا لم يكن فِيهِ ابريسم بل أتحذ جنسه وعَلى الْجُمْلَة الْمُحكم فِي جَمِيع ذَلِك الْعرف وَالْعَادَة وَلَا يُمكن الْوَفَاء بِجَمِيعِ الصُّور وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ تَنْبِيه على مَا تَرَكْنَاهُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَدَاء الْمُسلم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي صفته وزمانه ومكانه أما الصّفة فَلَو آتى بِغَيْر جنسه لم يجز قبُوله لِأَنَّهُ أعتياض وَإِن أُتِي بَارِدًا مِنْهُ جَازَ قبُوله وَلم يجب وَإِن أَتَى بأجود وَجب قبُوله وَقيل لَا يجب لِأَنَّهُ فِيهِ منَّة وَهُوَ بعيد وَلَو أُتِي بِنَوْع أخر كَمَا لَو أسلم فِي الزَّبِيب الْأَبْيَض فَأتى بالأسود فَفِي جَوَاز الْقبُول وَجْهَان منشؤه أَن أختلاف النَّوْع كاختلاف الْوَصْف أَو كاختلاف الْجِنْس وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين السقية من الْحِنْطَة وَمَا يسقى من السَّمَاء تفَاوت صفة أَو تفَاوت نوع وَكَذَلِكَ فِي الرطب مَعَ التَّمْر وترددوا فِي أَن التَّفَاوُت بَين الْهِنْدِيّ والتركي من العبيد اخْتِلَاف جنس أَو اخْتِلَاف نوع فرع لَو أسلم فِي لحم السّمك لم يلْزمه قبُول الرَّأْس والذنب وَكَذَا لحم الطير وَلَو أسلم فِي السّمك وَالطير لزمَه الْقبُول أما الزَّمَان

فَلَا يُطَالب الا بعد الْمحل وَلكنه لَو جَاءَ بِهِ قبل الْمحل فَإِن كَانَ لَهُ فِي التَّعْجِيل غَرَض فَإِن كَانَ لَهُ بِالدّينِ رهن أَو ضَمَان أَو الْمكَاتب عجل النُّجُوم يجْبر على الْقبُول وَإِن لم يكن غَرَض سوى البراءه نظر فَإِن كَانَ للممتنع غَرَض بِأَن كَانَ فِي وَقت نهب وعارة أَو كَانَت دَابَّة يحذر من عَلفهَا فَلَا يجْبر وَإِن لم يكن غَرَض فِي الِامْتِنَاع فَقَوْلَانِ

أَحدهمَا يجْبر لِأَن الْأَجَل حق من عَلَيْهِ الدّين وَقد أسْقطه وَالثَّانِي لَا لِأَن فِيهِ منَّة فَإِن قيل لَو صرح من عَلَيْهِ الدّين بِإِسْقَاط الْأَجَل هَل يسْقط حَتَّى تتَوَجَّه عَلَيْهِ الْمُطَالبَة قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْأَجَل وصف تَابع كالصحة فِي الدَّرَاهِم لَا يسْقط بمجردها مَعَ بَقَاء الأَصْل وَالثَّانِي نعم لِأَن الدّين عَلَيْهِ وَالْأَجَل هُوَ لَهُ فرعان أَحدهمَا لَو خَافَ الْمُسلم إلية الِانْقِطَاع لَدَى الْمحل فَهَل يكون هَذَا عذرا فِي التَّعْجِيل فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي لَو سلم فِي غير مَكَان العقد وَكَانَ فِيهِ مئونة فَهَذَا عذر من جَانب الْمُسْتَحق فَلَا يجْبر أما إِذا أَتَى بِالْحَقِّ بعد حُلُوله فَلَا شكّ فِي الْإِجْبَار إِن كَانَ للمؤدي غَرَض

وَإِن لم يكن غَرَض فطريقان وَلَا أثر هَا هُنَا لعذر الْمُسْتَحق مِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كَمَا قبل الْمحل لِأَنَّهُ حَقه فَلهُ التَّأْخِير إِلَى حَيْثُ يَشَاء وَمِنْهُم من قطع بالإجبار لغَرَض الْبَرَاءَة فليأخذ أم ليبرىء أما مَكَان التَّسْلِيم يتَعَيَّن فِيهِ مَكَان العقد إِمَّا بِالتَّعْيِينِ أَو بِالْإِطْلَاقِ فَلَو ظفر بِهِ فِي غَيره وَكَانَ فِي نَقله مُؤنَة لم يُطَالب بِهِ وَإِن لم يكن مُؤنَة فَلهُ الْمُطَالبَة وَكَذَا فِي سَائِر الدُّيُون إِلَّا فِي الْغَاصِب فَإِن فِي مُطَالبَته مَعَ لُزُوم الْمُؤْنَة وَجْهَان تَغْلِيظًا عَلَيْهِ من حَيْثُ منعناه من الْمُطَالبَة بِالْمثلِ لما فِيهِ من المؤونة فَلَا بُد من الْقيمَة لوُقُوع الْحَيْلُولَة بعد ثُبُوت الِاسْتِحْقَاق وَتوجه الْمُطَالبَة هَذَا تَمام القَوْل فِي السّلم

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب النّظر فِي الْقَرْض وَالنَّظَر فِي حَقِيقَته وركنه وَشَرطه وَحكمه أما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ مكرمَة جوزتها الشَّرِيعَة لحَاجَة الْفُقَرَاء لَيْسَ على حقائق الْمُعَاوَضَات وَلذَلِك لَا يجوز شَرط الْأَجَل فِيهِ لِأَن الْمقْرض مُتَبَرّع والمتبرع بِالْخِيَارِ فِي تبرعه بِالرُّجُوعِ وَالْأَجَل يمْنَع الرُّجُوع وَلَو لزم الْأَجَل لَكَانَ مُعَاوضَة وَلَو جب التَّقَابُض فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ مُقَابلَة دَرَاهِم بِمِثْلِهَا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يثبت الْأَجَل وَلذَلِك لَو رَجَعَ عَن الْإِقْرَاض فِي الْحَال قبل تصرف الْمُسْتَقْرض وطالب بِهِ جَازَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يجوز وطرد ذَلِك فِي العواري وَكَأن الْقَرْض

عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذن فِي الْإِتْلَاف بِشَرْط الضَّمَان فَهُوَ قريب مِنْهُ إِن لم يكن عينه أما رُكْنه فالمقرض والمقرض والصيغة أما الصِّيغَة فَقَوله أقرضتك أَو أَخذه بِمثلِهِ وَهل يشْتَرط الْقبُول وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَن فِي الْإِتْلَاف بعوض وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ يملكهُ الْمُسْتَقْرض بِالْقَبْضِ أَو التَّصَرُّف فَلَيْسَ إتلافا مَحْضا وَأما الْمقْرض فَلَيْسَ يشْتَرط فِيهِ الا أَهْلِيَّة التَّمْلِيك والتبرع فَإِنَّهُ تبرع وَلذَلِك لَا يجوز فِي مَال الطِّفْل الا لضَرُورَة وَكَذَا الْمكَاتب على مَا سَيَأْتِي فِي الرَّهْن أما الْمقْرض فَكل مَا يجوز السّلم فِيهِ ويتسلط قرضه الا الْجَوَارِي فَفِيهِ قَولَانِ منصوصان الْقيَاس الْجَوَاز كَمَا فِي العبيد وَوجه الْمَنْع أَن الْمُسْتَقْرض يتسلط على الْوَطْء ويتسلط على الِاسْتِرْدَاد فَيبقى الطء فِي صُورَة إِبَاحَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَو كَانَت الجاريه محرما للمستقرض جَازَ إقراضها وَقد نقل عَن الصَّحَابَة النَّهْي عَن إقراض الْجَوَارِي فَاسْتحْسن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك

وَقَالَ الْأَصْحَاب بِنَاء الْقَوْلَيْنِ على أَن الْمُسْتَقْرض يملك بِالْقَبْضِ أم بِالتَّصَرُّفِ فَإِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلَا يجوز الْإِقْرَاض لِأَنَّهُ يُؤَدِّي الى اسْتِبَاحَة الْوَطْء وَإِن قُلْنَا بِالتَّصَرُّفِ فَعم وَمِنْهُم من عكس التَّرْتِيب وَقَالَ إِن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقع فِي يَده من غير ملك فَفِيهِ خطر الْوَطْء وَلَا خطر إِذا ملكناه فليطأها فَإِن قيل وَمَا لَا يجوز السّلم فِيهِ وَلَا يجوز بيع بعضه بِبَعْض هَل يجوز إقراضه قُلْنَا أطلق الْأَصْحَاب مَنعه وَذكر الشَّيْخ أَبُو على وَجها فِي جواره وَهل هُوَ مَبْنِيّ على أَن الْمقْرض يرد الْمثل فِي ذَوَات الْقيم فَإِن قُلْنَا يرد الْقيمَة أَو الْقيمَة جَازَ إقراض كل مَال مُتَقَدم أما شَرطه فَهُوَ أَن لَا يجر مَنْفَعَة لنهي رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قرض جر مَنْفَعَة

فَإِن شَرط زِيَادَة أَو مَنْفَعَة فسد حَتَّى لَا يُفِيد الْملك وَصِحَّة التَّصَرُّف فِيهِ وللشرط صور أَحدهَا إِن شَرط الْكَفِيل وَالرَّهْن وَالشَّهَادَة فِي الْقَرْض يجوز لِأَنَّهُ أَحْكَام لَهُ لَا زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَو شَرط رهنا فِي دين آخر فَهُوَ مَنْفَعَة وَكَذَا إِذا شَرط فِي المكسرة رد الصَّحِيح أَو أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا الثَّانِيَة أَن يشْتَرط فِي الصَّحِيح رد المكسور فَهَذَا غير مُفسد لِأَنَّهُ وعد بمسامحة ثمَّ لَا يلْزم وَكَذَلِكَ إِذا شَرط الْأَجَل لَا يلْزم وَلَا يفْسد الا إِذا كَانَ فِي زمَان نهب وغارة فَهُوَ مُفسد لِأَن فِيهِ غَرضا الثَّالِثَة أَن يَقُول أقرضتك هَذَا بِشَرْط أَن أقرضك غَيره صَحَّ وَلم يلْزم الشَّرْط لِأَنَّهُ وعد وَكَذَا إِذا قَالَ وهبت بِشَرْط أَن أهب بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ بِعْتُك بِشَرْط أَن أهبك شَيْئا فَيفْسد البيع لِأَن الْعِوَض يكون مبذولا فِي مُقَابلَة الْمَبِيع والمتوقع هِبته فيتطرق إِلَيْهِ خلل وَجَهل هَذَا فِي الربويات أما فِي غير الربويات فَفِي شَرط الزِّيَادَة وَجْهَان أَحدهمَا التَّسْوِيَة لعُمُوم النَّهْي وَالثَّانِي الْجَوَاز لِأَن الزِّيَادَة تلْزم بِالْعقدِ والمقابلة وَقد وجدت وَلَكِن يمْتَنع ذَلِك

فِي الربويات وَهَذَا فَاسد لِأَن صِيغَة الْمُعَارضَة لم تشْتَرط فَإِن شَرط فَهُوَ بيع فَاسد وَلَيْسَ بقرض وَالْقَرْض بمطلقه لَيْسَ لَهُ حكم البيع وَلذَلِك عِنْد ترك الزِّيَادَة فِي الربويات لم يشْتَرط التَّقَابُض فَإِن قيل نقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أستسلف بَعِيرًا ببعيرين قُلْنَا كَانَ ذَلِك فِي عقد السّلم أما حكمه فَهُوَ التَّمْلِيك وَلَكِن بِالْقَبْضِ أَو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قَولَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقيسهما أَنه بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ لَا يتقاعد عَن الْهِبَة مَعَ أَنه للعوض فِيهِ مدْخل وَلِأَنَّهُ يملك التَّصَرُّف بعد الْقَبْض فَيدل على تقدم الْملك

وَالثَّانِي أَنه يملك بِالتَّصَرُّفِ فيتبين تقدم الْملك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيت بالأذن بِشَرْط الضَّمَان وَلَيْسَ بِتَمْلِيك وَعقد والتفويت يحصل بِإِزَالَة الْعين أَو الْملك التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يملك بِالْقَبْضِ فَلهُ أَن يردهُ بِعَيْنِه إذله أَن يرد بدله فَهُوَ أولى وَلَو رَجَعَ الْمقْرض فِي عينه جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ أقرب من بدله وَله أَخذ بدله وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَجها أَن النّظر فِيهِ الى جَانب الْمُسْتَقْرض وإرادته فَإِن لم يرد عينه فَلهُ ذَلِك وَأَن قُلْنَا يملك بِالتَّصَرُّفِ فَلَا خلاف فِي أَنه يملك بِكُل تصرف مزيل للْملك كَالْبيع وَالْإِعْتَاق وَمَا يستباح بِالْإِبَاحَةِ كالاعاره والاستخدام فَلَا يملك بِهِ واما الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْبيع بِشَرْط الْخِيَار فَفِيهِ طرق قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كل مَا يقطع رُجُوع الْوَاهِب وَالْبَائِع فِي عين مَتَاع الْمُفلس يملك نه هَاهُنَا

وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَا ينْعَقد بِدُونِ الْملك فَيخرج الرَّهْن عَنهُ فَإِنَّهُ يجوز فِي الْمُسْتَعَار بِخِلَاف الْإِجَارَة وَقَالَ آخَرُونَ كل تصرف لَازم يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ فَيدْخل فِيهِ الرَّهْن وَيخرج مِنْهُ الْإِجَارَة وَالْبيع الْجَائِز وَقَالَ آخَرُونَ لَا يملك الا بِتَصَرُّف مزيل للْملك أصلا فَإِن قيل الْمُسْتَقْرض مَاذَا يُؤَدِّي قُلْنَا الْمثل فِي الْمِثْلِيَّات وَفِي ذَوَات الْقيم وَجْهَان أشبههما بِالْحَدِيثِ رد الْمثل لما رُوِيَ انه عَلَيْهِ السَّلَام أستقرض بكرا ورد بازلا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء وَلِأَنَّهُ لَو

وَجب الْقيمَة لافتقر الى الْإِعْلَام وَالثَّانِي وَهُوَ الْقيَاس وجوب الْقيمَة وَالله أعلم وَأحكم

كتاب الرَّهْن وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان عقد الرَّهْن ومصححاته وأركانه أَرْبَعَة الرَّاهِن والمرهون والمرهون بِهِ وَصِيغَة العقد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّكْن الأول فِي الْمَرْهُون وَفِيه ثَلَاثَة شَرَائِط الشَّرْط الأول أَن يكون عينا فَلَو رهن دينا لم يَصح لِأَنَّهُ يلْزم بِالْقَبْضِ وَالْقَبْض لَا يُصَادف غير مَا يتَنَاوَلهُ العقد وَلَا مُسْتَحقّا بِالْعقدِ وَلذَلِك لَا يَصح هبة الدّين فَإِنَّهُ لَا يلْزم إِلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَاف بيع الدّين فَإِنَّهُ يَصح على رَأْي وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ درهما بدرهم ثمَّ عين فِي الْمجْلس صَحَّ لِأَن البيع سَبَب اسْتِحْقَاق قبل الْقَبْض فَيتَعَيَّن بِالْقَبْضِ بِخِلَاف الْهِبَة وَالرَّهْن

فرع الْإِفْرَاز لَيْسَ بِشَرْط بل يَصح رهن الْمشَاع خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ تجْرِي الْمُهَايَأَة بَين الرَّاهِن وَالْمَالِك نعم لَو رهن نصِيبه من بَيت معِين من جملَة دَار مُشْتَركَة فَفِيهِ وَجْهَان ومنشأ الْمَنْع أَنه رُبمَا يقتسم الشَّرِيك فَيَقَع الْجَمِيع فِي حِصَّته فَلَا يبْقى للرَّهْن مقرّ فَلَو صححنا فَوَقع ذَلِك احْتمل أَن يُقَال هُوَ تلف وَاحْتمل أَن يُقَال الرَّاهِن ضَامِن والتفويت مَنْسُوب إِلَيْهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الْمَرْهُون قَابلا للْبيع عِنْد حُلُول الْحق فَلَا يجوز رهن الْمَوْقُوف وَأم الْوَلَد وكل مَا لَا يجوز بَيْعه وَبَيَان هَذَا الشَّرْط برسم ثَمَان مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى رهن سَواد الْعرَاق من عبادان إِلَى الْموصل طولا وَمن الْقَادِسِيَّة إِلَى حلوان عرضا فَإِن اعْتِقَاد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذهَا من الْغَانِمين وحبسها على الْمُسلمين وَالْخَرَاج عَلَيْهِم أُجْرَة فِيهَا وَقَالَ ابْن سُرَيج بل بَاعهَا من أهل الْعرَاق فَهُوَ ملك وَأما أشجارها وأبنيتها فَيجوز رَهنهَا وفَاقا فَإِنَّهَا مستحدثة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة رهن الْمَبِيع فِي زمَان الْخِيَار جَائِز إِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي وَحده وَلزِمَ البيع هَكَذَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد بل لَا بُد من تَقْدِيم الْإِلْزَام وَوجه أخر أَنه يلْزم البيع وَلَا ينْعَقد الرَّهْن وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب البيع الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رهن الْأُم دون وَلَدهَا جَائِز إِذا لاتفرق فِيهِ اخْتلف الْأَصْحَاب مِنْهُم من قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تبَاع عِنْد الْحَاجة مَعَ الْوَلَد

وَمِنْهُم من قَالَ لَا بل أَرَادَ بِهِ أَنه لَا تفرقه فِي نفس الرَّهْن وَإِلَّا فتباع دون الْوَلَد فَإِن الرَّهْن لم يرد على الْوَلَد وَلَكِن يَقع ذَلِك قهريا لَا اختياريا فَلَا يمْتَنع التَّفْرِيق التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تبَاع مُفردا فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا تبَاع مَعَ الْوَلَد فَيتَعَلَّق حق الْمُرْتَهن بِمَا يخص من الثّمن وَفِي تَقْدِيره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تقوم الْأُم مُفردا فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة فتقدر مَعَ الْوَلَد فَإِذا هِيَ تَسَاوِي مائَة وَعِشْرُونَ فَالْوَلَد سدس الْجُمْلَة فَيخْتَص الْمَالِك بسدس جملَة الثّمن وَلَا يتَعَلَّق الرَّهْن بِهِ وَالثَّانِي أَن الْوَلَد أَيْضا يقدر مُفردا كَمَا قدرت الْأُم مُفْردَة فَيُقَال الْوَلَد دون الْأُم كم يُسَاوِي وَفِي هَذَا تقل قِيمَته لِأَنَّهُ يكون ضائعا فَإِذا قَالُوا خمسين مثلا وَقِيمَة الْأُم مائَة فَالْوَلَد ثلث وَهَذَا الْخلاف جَار فِي أَرض بَيْضَاء رهنت ثمَّ أنبتت غراسا لِأَن الْغِرَاس غير مَرْهُون وَذكر صَاحب التَّقْرِيب أَن الْأُم أَيْضا تقوم مَعَ الْوَلَد فَيُقَال أم لَهَا ولد

كم قيمتهَا فينقص إِذْ يكون قَلبهَا إِلَى وَلَدهَا لِأَنَّهَا رهنت مَعَ وجود الْوَلَد نعم لَو حدث الْوَلَد بعد الرَّهْن كَانَ نظيرا لمسألة الْغِرَاس الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد بِالدّينِ الْحَال أَو بدين مُؤَجل يحل قبل توقع الْفساد جَائِز فَيُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد فِي الدّين وَإِن كَانَ يفْسد قبل الْحُلُول وَشرط بَيْعه عِنْد الإشراف وَجعل ثمنه رهنا صَحَّ أَيْضا وَإِن شَرط أَن لَا يُبَاع بَطل وَإِن أطلق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَصح مُطلقَة مشْعر بِالْإِذْنِ فِي البيع وتحول الوثيق إِلَى الثّمن وَالثَّانِي الْفساد لِأَنَّهُ لَيْسَ مفهوما بِمُطلق الرَّهْن فَإِن قيل لَو طَرَأَ دواما مَا يعرضه للْفَسَاد قُلْنَا لم يفْسد الرَّهْن وَلَكِن يُبَاع عِنْد الإشراف على الْفساد وَيجْعَل بدله رهنا فَإِن قيل لَو تطابق المتعاقدان على نقل الْوَثِيقَة من عين الْمَرْهُون إِلَى غَيره فَيَنْبَغِي أَن يجوز كَمَا لَو شَرط ذَلِك فِيمَا يشرف على الْهَلَاك فِي ابْتِدَاء العقد

قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن مَا يحْتَمل فِي الدَّوَام إِذا طَرَأَ بِالضَّرُورَةِ لَا يحْتَمل ابْتِدَاء وَلذَلِك لَا يجوز رهن الدّين وَإِن تعلق فِي الدَّوَام بِالْقيمَةِ فِي ذمَّة الْمُتْلف الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة رهن العَبْد الْمُرْتَد صَحِيح بِنَاء على الصَّحِيح فِي جَوَاز بَيْعه ثمَّ إِن قتل فِي يَد الْمُرْتَهن وَكَانَ الرَّهْن مَشْرُوطًا فِي بيع فثبوت الْفَسْخ للْمُرْتَهن فِي البيع يبتنى على أَن من اشْترى عبدا مُرْتَدا وَقتل فِي يَده هَل يكون من ضَمَان البَائِع الْمَسْأَلَة السَّادِسَة رهن العَبْد الْجَانِي يبتنى على صِحَة بَيْعه فَإِن منعناه فَهُوَ مَمْنُوع وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع أَنه يمْنَع الْوَثِيقَة وَلذَلِك يمْتَنع رهن الْمَرْهُون وَإِن قدر الرَّاهِن على بَيْعه إِذا قضى الدّين وَهَاهُنَا يقدر على بيع شَرط الْفِدَاء بعده وَقد يتعوق فَيفْسخ بَيْعه فَلَا تحصل مَعَه الْوَثِيقَة وَلذَلِك يقدم أرش الْجِنَايَة فِي دوَام الرَّهْن على الرَّهْن فرع لَو حفر العَبْد بِئْرا فرهن فتردى فِيهَا إِنْسَان فَتعلق الضَّمَان بِرَقَبَتِهِ فَفِي تَبْيِين فَسَاد الرَّهْن وَجْهَان مستندهما إِسْنَاد التَّعَلُّق إِلَى أول السَّبَب فَيكون كالمقارن وَلَو قتل قتلا مُوجبا للْقصَاص وَقُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فرهن ثمَّ عفى

على مَال فَفِي إِسْنَاد انْتِقَال التَّعَلُّق وَجْهَان وَهَاهُنَا الِاسْتِنَاد أولى لِأَن الْقَتْل سَبَب تَامّ دون حفر الْبِئْر الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا علق عتق العَبْد بِصفة ثمَّ رَهنه فَإِن قُلْنَا لَو وجدت الصّفة فِي حَالَة الرَّهْن نفذ إِمَّا لقُوَّة الْعتْق أَو لِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق خرج ذَلِك على رهن مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ فَهُوَ بِالرَّهْنِ مدافع حكم التَّعْلِيق فَالْأَصَحّ جَوَازه

كَمَا لَو دَفعه بِالْبيعِ وَفِيه وَجه آخر أَنه يفْسد لضعف الرَّهْن بِخِلَاف البيع أما الْمُدبر فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَو دبره ثمَّ رَهنه كَانَ الرَّهْن مفسوخا وَهَذَا مُشكل لِأَن بيع الْمُدبر جَائِز عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَيْسَ ينْدَفع التدبر أَيْضا بِالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ يقْضى دُيُونه وَيعتق الْمُدبر وَإِن لم يكن فِي مَاله وَفَاء فالمدبر لَا يعْتق وَإِن لم يرْهن فَذهب أَكثر الْأَصْحَاب لذَلِك إِلَى صِحَة الرَّهْن وَوجه النَّص أَن يُقَال لَعَلَّه يَمُوت وَله مَال فَلَا يُمكن تَنْجِيز الْعتْق قبل أَدَاء دينه وتأخيره إِلَى الْأَدَاء دفع لِلْعِتْقِ فالرهن لَا يقوى عَلَيْهِ ويتأيد بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور فِي إبِْطَال رهن العَبْد الْمُعَلق عتقه بِصفة الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة إِذا رهن الثِّمَار على الْأَشْجَار نظر إِن كَانَ بعد بَدو الصّلاح وَالدّين حَال جَازَ ذَلِك ثمَّ يقطف فِي أَوَانه وَيُبَاع بعضه وَيجْعَل مُؤنَة على القطاف ويجفف إِن أمكن وَإِلَّا الْتحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَإِن كَانَ قبل بَدو الصّلاح فللفساد ثَلَاث مثارات أَحدهَا تسارع الْفساد بعد التجفيف وَقد سبق

وَالثَّانِي امْتنَاع بَيْعه إِلَّا بِشَرْط الْقطع فَإِن أذن فِي البيع بِشَرْط الْقطع جَازَ وَإِن صرح بِمَنْع البيع بِشَرْط الْقطع فسد وَإِن أطلق فَالظَّاهِر أَنه يَصح وبشرط الْقطع فِي بَيْعه وَيُبَاع وَذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ فِي مُوجب الْإِطْلَاق وَوَجهه أَنه لم يرض بِنُقْصَان الْمَالِيَّة فعلى هَذَا يفْسد الرَّهْن وَله الْتِفَات على إِطْلَاق الرَّهْن فَمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد أَنه هَل يكون كالمصرح بتجويز بَيْعه المثار الثَّالِث للْفَسَاد توقع الآفة والجوائح وَيظْهر ذَلِك إِذا قدر الدّين مُؤَجّلا وَفِي الْمَنْع بِهَذَا السَّبَب قَولَانِ أَحدهمَا يمْنَع كَمَا يمْنَع البيع وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَحْذُور ثمَّ ضيَاع الثّمن عِنْد الاجتياح وَهَاهُنَا لَا يفوت أصل الْحق فرع إِذا تلاحقت الثِّمَار بعد الرَّهْن فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن قَولَانِ كَمَا فِي التلاحق فِي الثِّمَار الْمَبِيعَة قبل الْقَبْض وَالأَصَح أَنه لَو كَانَ قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ وَفِيه وَجه مستخرج من الْخلاف فِي الْعصير إِذا صَار خمرًا قبل الْقَبْض وَهُوَ بعيد لِأَن ذَلِك يتَوَقَّع مصيره خلا بِخِلَاف التلاحق فَإِنَّهُ لَا يَزُول وَلَو رهن زرعا يتزايد وَشرط قطعه فِي الْحَال جَازَ

وَإِن شَرط التبقية فَحكمه حكم الثِّمَار الَّتِي تتلاحق غَالِبا وَالرَّهْن بَاطِل فيهمَا كَمَا فِي البيع الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا يمْتَنع إِثْبَات يَد الْمُرْتَهن عَلَيْهِ وَقَبضه لَهُ فَإِن الْقَبْض ركن فِي الرَّهْن وَفِيه مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا رهن الْمُصحف وَالْعَبْد الْمُسلم من الْكَافِر فَهُوَ مُرَتّب على البيع وَأولى بِالصِّحَّةِ لِأَن إِثْبَات الْيَد أَهْون من إِثْبَات الْملك وَكَذَا رهن السِّلَاح من الْحَرْبِيّ مُرَتّب على بَيْعه مِنْهُ وَرَهنه من الذِّمِّيّ جَائِز وفَاقا كَبَيْعِهِ الثَّانِيَة رهن الْجَوَارِي صَحِيح على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ قولا أَن رهن الْجَارِيَة الْحَسْنَاء بَاطِل إِلَّا أَن تكون محرما للْمُرْتَهن فَالْوَجْه الْقطع بِالصِّحَّةِ ثمَّ إِن كَانَ محرما أَو عدل على يَد عدل أَو كَانَ الْمُرْتَهن يوثق بديانته أَو كَانَ مَعَه جمَاعَة من أَهله ترعه الحشمة عَنْهَا لم يكره التَّسْلِيم وَإِلَّا فَيكْرَه إِثْبَات يَده عَلَيْهَا وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ قريب من رهن الْمُصحف من الْكَافِر

فَإِن قيل فَهَل يشْتَرط أَن يكون الْمَرْهُون ملك الرَّاهِن قُلْنَا لَا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نَص على أَنه لَو رهن الْمُسْتَعَار بِإِذن الْمُعير صَحَّ الرَّهْن وغمض حَقِيقَة هَذَا العقد على الْأَصْحَاب وَاسْتَخْرَجُوا من تردد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي بعض الْأَحْكَام قَوْلَيْنِ فِي أَن هَذَا عَارِية أم ضَمَان فَمن قَالَ إِنَّه عَارِية أشكل عَلَيْهِ لُزُومه وَمن قَالَ ضَمَان أشكل عَلَيْهِ تعلق الضَّمَان بِرَقَبَة المَال ثمَّ بنوا الْأَحْكَام على قَوْلَيْنِ وَهَذَا الْبناء غير مرتض عندنَا بل نعلل كل حكم بِمَا يَلِيق بِهِ من غير بِنَاء وَحَقِيقَة هَذَا العقد لَا يتمحض بل هُوَ فِيمَا يَدُور بَين الْمُرْتَهن والراهن رهن مَحْض وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُسْتَعِير عَارِية وَفِيمَا بَين الْمُعير وَالْمُرْتَهن حكم الضَّمَان يزدحم عَلَيْهِ مشابه الْعَارِية وَالضَّمان ويتبين ذَلِك بِالنّظرِ فِي ثَلَاثَة أَحْكَام

الأول اللُّزُوم فِي حق الْمُعير وَلَا يلْزم قبل قبض الْمُرْتَهن بِحَال وَإِذا قبض الْمُرْتَهن فَالصَّحِيح أَنه يلْزم فِي حق الْمُعير لِأَنَّهُ أثبت بعاريته شَيْئا من حَقه أَن لَا يعير وَتلْزم فَهُوَ كَمَا لَو أعَار الأَرْض لدفن الْأَمْوَات إِذْ لزم لِأَن فِيهِ هتك حُرْمَة الْمَيِّت كَذَلِك فِي رُجُوعه إبِْطَال وَثِيقَة الْمُرْتَهن بِعَين مَاله وَقد أذن فِي إثْبَاته وَقَالَ القَاضِي لَهُ الرُّجُوع إِذا فرعنا على قَوْلنَا إِنَّه عَارِية وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لَا يبْقى للرَّهْن معنى وَقد حكى الْعِرَاقِيُّونَ عَن ابْن سُرَيج أَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يَصح هَذَا العقد إِذْ لَا يبْقى لَهُ فَائِدَة وَهُوَ فَاسد لِأَنَّهُ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب إِن كَانَ الدّين حَالا رَجَعَ وَإِن كَانَ مُؤَجّلا فَوَجْهَانِ يقربان مِمَّا إِذا أعَار أَرضًا للْبِنَاء إِلَى مُدَّة وَفِيه كَلَام فَإِن قيل فَهَل يقدر على إِجْبَار الرَّاهِن على فك الرَّهْن وَإِن لم يقدر على فسخ الرَّهْن قُلْنَا إِن كَانَ الدّين حَالا فَلَا خلاف فِي أَنه يملك إِجْبَاره وَقبل حُلُول للأجل قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يملك لِأَنَّهُ عَارِية فِي حق الْمُسْتَعِير وَالثَّانِي لَا يملك لِأَن فِيهِ أَدَاء الدّين قبل لُزُومه وَهُوَ مُتَعَلق بالمرتهن فَإِن قيل فَهَل يُبَاع هَذَا فِي حق الْمُرْتَهن فَقَط قُلْنَا إِن كَانَ للرَّاهِن مَالا فَلَا يُبَاع بِحَال لِأَن مُطلق الرَّهْن لَا يُسَلط عَلَيْهِ إِلَّا إِذا جدد بِهِ إِذْنا وَإِن صَار مُعسرا فَفِيهِ خلاف إِذْ أطلق الْأَصْحَاب أَن إِذا قُلْنَا إِنَّه عَارِية فَلَا يُبَاع إِلَّا بِإِذن مُجَدد وَهَذَا أَيْضا يضعف القَوْل بِصِحَّة الرَّهْن فَإِنَّهُ أخص فَوَائده فليجعل الْإِذْن حَاصِل بِالرَّهْنِ ولازما بِحكم الْحَال وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فقه الْمَسْأَلَة وَلَا يتْرك الْفِقْه بقول الْقَائِل إِن هَذَا لَا نَظِير لَهُ فَإِن سَببه أَن يُقَال إِن مثل هَذِه الْوَاقِعَة غير مُتَصَوّر وَيَنْبَنِي على مَا تقدم خلاف لَا محَالة فِي أَن عتقه هَل ينفذ الحكم الثَّانِي أَن العَبْد لَو تلف فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ غير ضَامِن تمحيصا للرَّهْن فِي حَقه وَالْمُسْتَعِير هَل يضمن قَالُوا يَنْبَغِي على أَنه عَارِية أَو ضَمَان فَإِن قُلْنَا ضَمَان لَا يضمن وَهُوَ ضَعِيف بل هُوَ مستعير مَحْض فِي حق الْمُعير فَيَنْبَغِي أَن يضمن وَلَكِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ وَلَو أذن لَهُ فرهنه فجنى فَأشبه

الْأَمريْنِ أَنه لَا يضمن بِخِلَاف الْمُسْتَعِير وَفرع على أَن الْمُسْتَعِير يضمن مَا فَاتَ بِجِنَايَة العَبْد بِنَاء على أحد الرأيين فِي ان الْمُسْتَعِير يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَهَاهُنَا لم يضمنهُ فَعَن هَذَا اضْطر الْأَصْحَاب إِلَى ذكر قَول فِي أَنه لَيْسَ بعارية وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَان فرع لَو بيع العَبْد فِي الدّين بِإِذن مُجَدد أَو بِأَصْل الرَّهْن يرجع الْمُعير على الْمُسْتَعِير بِقِيمَتِه أَو بِالثّمن فِيهِ خلاف قَالَ القَاضِي إِذا قُلْنَا (إِنَّه) عَارِية يرجع بِالْقيمَةِ وَهُوَ بعيد فَإِن مَا زَاد على الْقيمَة مُسْتَفَاد فِي مُقَابلَة ملكه فَكيف يسلم للْمُسْتَعِير الحكم الثَّالِث أَنه هَل يشْتَرط فِي هَذِه الْإِعَارَة معرفَة قدر الدّين وجنسه وحلوله وتأجيله فِيهِ خلاف يحْتَمل أَن لَا يشْتَرط ذَلِك وَيجْعَل عَارِية فِي هَذَا الحكم وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لِأَن الْأَغْرَاض تَتَفَاوَت بِهِ وَيَنْتَهِي إِلَى اللُّزُوم وَبنى الْأَصْحَاب ذَلِك على أَنه عَارِية أَو ضَمَان فرع إِذا عين الْمُعير شَيْئا من ذَلِك إِن قُلْنَا إِنَّه لَا يشْتَرط فَلَا يجوز مُخَالفَته إِذا عين إِلَّا فِي النُّقْصَان كَمَا إِذا أذن فِي الرَّهْن بِأَلف فرهن بِخَمْسِمِائَة فَإِنَّهُ زَاد خيرا وَلَو قَالَ أعرني لأرهن بِأَلف فأعاره هَل يتَقَيَّد بِمَا ذكره الْمُسْتَعِير تَنْزِيلا للإسعاف على تَفْصِيل الالتماس فِيهِ وَجْهَان

الرُّكْن الثَّانِي الْمَرْهُون بِهِ وَله ثَلَاث شَرَائِط (وَهُوَ) أَن يكون دينا ثَابتا لَازِما الأول أَن يكون دينا فَلَا يجوز الرَّهْن بِعَين معصوبة وَلَا مستعارة وَإِن جَوَّزنَا كَفَالَة الْأَعْيَان على الرَّأْي فالرهن وَثِيقَة دين فِي عين وَالضَّمان تَوْثِيق دين بِضَم ذمَّة إِلَى ذمَّة فَلَا يُفَارق الرَّهْن الضَّمَان إِلَّا فِي ضَمَان الْعهْدَة فَإِنَّهُ جَائِز وَالصَّحِيح أَن الرَّهْن بِهِ غير جَائِز لِأَنَّهُ جوز للْمصْلحَة ترغيبا فِي مُعَاملَة من لَا يعرف حَاله وَلَا ضَرَر على الضَّامِن وَفِي الرَّهْن ضَرَر لَا ينظر لَهُ آخر وَفِيه وَجه أَنه يجوز كالضمان لِأَنَّهُ إِذا رَضِي بِهِ فقد أضرّ بِنَفسِهِ الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون الدّين ثَابتا فَلَو قَالَ رهنت مِنْك هَذَا بِأَلف تقرضنيه فَقَالَ ارتهنت ثمَّ أقْرض لم ينْعَقد الرَّهْن بل يجب إِعَادَته وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ بِأَلف تبيع بِهِ هَذَا الثَّوْب مثلا فثبوت الدّين حَالَة الرَّهْن لَا بُد مِنْهُ وَقيل إِنَّه لَو جرى الْإِقْرَاض وَالْبيع فِي مجْلِس الرَّهْن صَحَّ وَهُوَ فَاسد فرع لَو مزجا شقي البيع بشقي الرَّهْن كَمَا إِذا قَالَ بِعْت مِنْك العَبْد بِأَلف وارتهنت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِهِ فَقَالَ اشْتريت ورهنت قَالَ الْأَصْحَاب هَذَا صَحِيح بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ كاتبتك على ألف

وبعت مِنْك هَذَا الثَّوْب بِدِينَار فَقَالَ قبلت الْكِتَابَة واشتريت فَإِنَّهُ فِيهِ وَجْهَيْن لتقدم شقّ البيع على تَمام الْكِتَابَة وَالْفرق أَن الرَّهْن من مصَالح البيع وَلذَلِك جَازَ شَرطه فِيهِ مَعَ امْتنَاع شَرط عقد فِي عقد فمزجه بِهِ أكد فَيحْتَمل للْمصْلحَة وَذكر القَاضِي وَجها مخرجا فِي الرَّهْن من الْكِتَابَة وَالْفرق وَاضح هَذَا إِذا وَقع الْخَتْم بِأحد شقي الرَّهْن والبداية بِأحد شقي البيع فَإِن وَقع الْخَتْم بِأحد شقي البيع فَلَا يَصح لتقدم تَمام الرَّهْن على صِحَة البيع وَثُبُوت الدّين الشَّرْط الثَّالِث لُزُوم الدّين والديون منقسمة فَمَا لَا مصير لَهُ إِلَى اللُّزُوم فَلَا رهن بِهِ كنجوم الْكِتَابَة فَإِن للْعَبد أَن يعجز نَفسه مهما شَاءَ وَمَا وَضعه على اللُّزُوم وَالْجَوَاز فِيهِ طَارِئ يجوز الرَّهْن بِهِ كَالثّمنِ فِي مُدَّة الْخِيَار وَهُوَ تَفْرِيع على قَول زَوَال الْملك وَاسْتِحْقَاق الثّمن وَمَا وضع على الْجَوَاز وَلَكِن قد يصير إِلَى اللُّزُوم كَالرَّهْنِ بالجعل فِي الْجعَالَة قبل الْعَمَل فِيهِ وَجْهَان

وَلَعَلَّ سَبَب الْمَنْع التَّخْرِيج على الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ أَن سَبَب ثُبُوت الدّين هُوَ الْعَمَل الْمَأْذُون فِيهِ دون مُجَرّد الْإِذْن فَكَأَن سَبَب الثُّبُوت لم يجز بِخِلَاف البيع فِي زمَان الْخِيَار فَإِنَّهُ سَبَب تَامّ على الْجُمْلَة فِي الِاسْتِحْقَاق فَإِن قيل وَهل يشْتَرط للدّين أَن لَا يكون بِهِ رهن قُلْنَا لَا بل يجوز أَن يُزَاد فِي الْمَرْهُون وَإِن اتَّحد الدّين لِأَن الدّين غير مَشْغُول بِالرَّهْنِ فَزِيَادَة الْوَثِيقَة فِيهِ معقولة وَهل تجوز الزِّيَادَة فِي الدّين مَعَ اتِّحَاد الْمَرْهُون فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله الْمَنْع لِأَن رهن الْمَرْهُون بَاطِل وَإِلَيْهِ يرجع حَاصِلَة وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ الصِّحَّة لِأَن الْحق لَا يعدوهما وَلَا مُقَابلَة بَين الْمَرْهُون وَالدّين إِلَّا من جِهَة الْوَثِيقَة وَإِنَّمَا لَا يجوز رَهنه من غير الْمُرْتَهن لحقه وَإِن رَضِي فَمن ضَرُورَة أَن يَجْعَل فسخا لِأَن الْجمع بَين حقيهما غير مُمكن فرع لَو جنى العَبْد الْمَرْهُون جِنَايَة فَقَالَ الْمُرْتَهن أَنا أفديه ليَكُون مَرْهُونا عِنْدِي بِالْفِدَاءِ وأصل الدّين

فَإِن جَوَّزنَا الزِّيَادَة فِي الدّين فَلَا كَلَام وَإِن منعنَا فَقَوْلَانِ مفهومان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن المشرف على الزَّوَال كالزائل أم لَا فَإِن قُلْنَا كالزائل فَهُوَ جَائِز فَكَأَنَّهُ ابْتِدَاء رهن بالدينين جَمِيعًا

الرُّكْن الثَّالِث الصِّيغَة وَشَرطهَا وموجبها ونريد بالصيغة الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَلَا بُد مِنْهُمَا وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى كل شَرط يُوَافق وضع الرَّهْن كَقَوْلِه بِشَرْط أَن يُبَاع فِي حَقك أَو يقبض أَو (غَرَض) لَا يتَعَلَّق بِالْعقدِ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا يَأْكُل إِلَّا الشّعير وَلَا يلبس إِلَّا الْحَرِير فَهُوَ لَغْو لَا يضر اقترانه بالصيغة وكل شَرط يُنَاقض مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِه بِشَرْط أَن لَا أَقبض وَلَا يتَقَدَّم بِهِ على الْغُرَمَاء فَهُوَ مُفسد للرَّهْن وكل شَرط لَا يُنَاقض وَلَكِن لَا يَقْتَضِيهِ لمُطلق العقد ويرتبط بِهِ غَرَض كَقَوْلِه بِشَرْط أَن تكون الْمَنَافِع أَو النِّتَاج أَو الثِّمَار الْحَاصِلَة من الْمَرْهُون لَك فَفِي فَسَاد الرَّهْن قَولَانِ وَوجه التَّصْحِيح أَن الشَّرْط لَيْسَ يتَعَرَّض لمقاصد الْمَرْهُون بالتغير بل يزِيد مَالا يَقْتَضِيهِ فيلغى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاعَ بِشَرْط أَن يرْهن بِالثّمن مَا يسلم للْبَائِع مَنَافِعه فَالْبيع فَاسد لِأَن الطمع يتَعَلَّق بالزوائد وَيصير كالجزء من الْعِوَض فَيرجع الْفساد إِلَى

ركن العقد وَأما الرَّهْن فَلَيْسَ بمعاوضة الثَّانِيَة إِذا قَالَ رهنت الْأَشْجَار بِشَرْط أَن تكون الثِّمَار رهنا إِذا حدد فَفِي صِحَة الشَّرْط قَولَانِ وَوجه الصِّحَّة أَن الرَّهْن عندنَا لَا يسري لضَعْفه فَإِذا قوي بِالشّرطِ سرى الثَّالِثَة إِذا قَالَ أقرضتك هَذَا الْألف بِشَرْط أَن ترهن بِهِ وبالألف الْقَدِيم الَّذِي لي عَلَيْك شَيْئا فالقرض فَاسد لِأَنَّهُ جر مَنْفَعَة وَلَكِن إِذا أَخذ ووفى بِالشّرطِ وَرهن بالألفين لم يَصح بِالْألف الَّذِي فسد قرضه لِأَنَّهُ مَا ملكه بعد وَلم يتْلف إِلَّا إِذا أتْلفه فَيكون ذَلِك دينا وَإِذا لم يَصح بِهِ فَهَل يَصح بِالْألف الْقَدِيم فِيهِ قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن صححنا فَلَا يوزع بل يَجْعَل الْكل مَرْهُونا بِهِ بِخِلَاف البيع فَإِن وضع الرَّهْن على أَن كال جُزْء مَرْهُون بِجَمِيعِ الدّين هَذَا إِذا علم أَن الرَّهْن غير وَاجِب عَلَيْهِ لفساد الشَّرْط فَإِن ظن وُجُوبه لأجل الشَّرْط قَالَ القَاضِي لَا يَصح كَمَا لَو أدّى ألفا على ظن أَنه عَلَيْهِ فَلم يكن فَإِنَّهُ يسْتَردّ لِأَن الرَّهْن تبرع وَهُوَ يظنّ الْآن وُجُوبه وَقطع الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَغَيره بِالصِّحَّةِ لِأَن الْأَدَاء لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِوُجُوب سَابق وَلَا وجوب وَالرَّهْن يتَصَوَّر من غير وجوب

ومساق كَلَام القَاضِي يلْزمه أَن يَقُول لَو شَرط بيعا فِي بيع فَبَاعَ وفى بِالشّرطِ على ظن الْوُجُوب يفْسد بَيْعه وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يصحح البيع وَلَا ينظر إِلَى اعْتِقَاده الرَّابِعَة إِذا قَالَ رهنتك هَذِه الخريطة بِمَا فِيهَا وَمَا فِيهَا غير مرئي خرج على بيع الْغَائِب فَإِن أبطل خرج فِي الخريطة على تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن كَانَت الخريطة لَا يقْصد رَهنه فِي مثل هَذَا الدّين فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الصِّحَّة لظَاهِر اللَّفْظ وَالثَّانِي الْمَنْع لفهم الْمَقْصُود وَلَو قَالَ رهنت الخريطة وَلم يتَعَرَّض لما فِيهَا وَكَانَت الخريطة لَا تقصد فَهَل تجْعَل عبارَة عَمَّا فِي الخريطة مجَازًا بِقَرِينَة الْحَال يخرج على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْخَامِسَة هَل ينْدَرج الأس والمغرس تَحت اسْم الشَّجَرَة والجدار فِي الرَّهْن فِيهِ خلاف مُرَتّب على البيع وَأولى بِأَن لَا ينْدَرج لضعف الرَّهْن وَفِي الثِّمَار غير المؤبرة وَجْهَان بِخِلَاف ضعف الرَّهْن

وَكَذَا فِي الْجَنِين خلاف وَأولى بِأَن يدرج من الثِّمَار لِأَن الثِّمَار قد تفرد بِالِاسْتِثْنَاءِ والتصرفات وَاللَّبن فِي الضَّرع مِنْهُم من ألحقهُ بالجنين وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا ينْدَرج لتحَقّق وجوده فَهُوَ كالثمار المؤبرة والأوراق من التوت كالثمار المؤبرة وَمن غَيره ينْدَرج وَفِي الصُّوف على ظهر الْحَيَوَان ثَلَاثَة أوجه من حَيْثُ إِنَّه يضاهي الثِّمَار المؤبرة من وَجه والأغصان من وَجه وَفِي الثَّالِث يفرق بَين مَا استجز وَبَين الْقصير الَّذِي لَا يعْتَاد جزه وأغصان الْخلاف كالصوف المستجز وأغصان سَائِر الْأَشْجَار ينْدَرج

الرُّكْن الرَّابِع الْعَاقِد وَيعْتَبر فِيهِ مَا يعْتَبر فِي البيع وَزِيَادَة أَمر وَهُوَ أَن يكون من أهل التَّبَرُّع بالمرهون لِأَن الرَّهْن تبرع فَلَا يجوز لوَلِيّ الطِّفْل وللمكاتب والمأذون فِي التِّجَارَة على كل حَال بل لَا بُد من تَفْصِيل أما ولي الطِّفْل فالنظر فِي رَهنه وارتهانه أما ارتهانه فَيجوز عِنْد الْعَجز عَن اسْتِيفَاء الدّين وَلَا يجوز مَعَ الْقُدْرَة وَيجوز عِنْد تَأْجِيل الدّين ويتأجل دينه بِالْبيعِ بِالنَّسِيئَةِ وَله ذَلِك إِذا ظَهرت فِيهِ الْغِبْطَة وَلَكِن بِشَرْط الارتهان حَتَّى قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَو بَاعَ مَا يُسَاوِي مائَة بِمِائَة نَقْدا وَعشْرين نَسِيئَة لم يجز الإ بِشَرْط الارتهان بالعشرين وَهُوَ سرف بل الْوَجْه جَوَازه دون الرَّهْن إِذا كَانَ يَثِق بِذِمَّة من عَلَيْهِ الدّين فَلَا يزِيد ذَلِك على إيضاعه مَال الْيَتِيم للتِّجَارَة وَهُوَ جَائِز لأجل الزِّيَادَة بِخِلَاف الْإِقْرَاض فَإِنَّهُ يحرم فِيهِ الزِّيَادَة فَلَا يجوز إِلَّا فِي زمَان نهب وغارة أما رهن مَاله فَلَا يجوز إِلَّا بغبطة ظَاهِرَة كَمَا إِذا بيع مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَلفَيْنِ

بِأَلف وَأخذ مِنْهُ رهن يُسَاوِي ألفا لِأَن أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَن يتْلف الْمَرْهُون أَمَانَة فَيكون قد حصل على أَلفَيْنِ فِي مُقَابلَة أَلفَيْنِ فَإِن زَاد قيمَة الْمَرْهُون وَجُمْلَة الثّمن على المُشْتَرِي لم يجز لانه حجر ناجز فِي أَلفَيْنِ من غير حُصُول على أَلفَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَو رهن عقارا وَكَانَ فِي الشِّرَاء غِبْطَة جَازَ إِذْ لَا يخَاف فَوت الْعقار وَالْمَنْفَعَة لَهُ وَبيع عقار الطِّفْل لَا يجوز إِلَّا لحَاجَة حَتَّى نفك الْحجر عَنهُ وَيجوز الرَّهْن أَيْضا لحَاجَة فاقة كَمَا إِذا افْتقر الصَّبِي إِلَى طَعَام وَله عقار يتَوَقَّع من ريعه مَا يَفِي بِثمن الطَّعَام فَلهُ أَن يَشْتَرِي ويرهن وَحكم الْمكَاتب حكم ولي الطِّفْل وَحكم الْمَأْذُون مُرَتّب على الْمكَاتب وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن الرَّهْن قد لَا يتَنَاوَلهُ اسْم التِّجَارَة وَلذَلِك لَا يقدر على إِجَارَة نَفسه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي الْقَبْض والطوارئ قبله وَفِيه قِسْمَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقسم الأول فِي الْقَبْض وَهُوَ ركن فِي الرَّهْن لَا يلْزم إِلَّا بِهِ خلافًا لمَالِك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يلْزم بِنَفسِهِ وطرد ذَلِك فِي الْهِبَة والإعارة وكل تبرع ثمَّ يشْتَرط لصِحَّة الْقَبْض من التَّكْلِيف والأهلية مَا يشْتَرط للْعقد وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن

وَلَو أناب فِيهِ نَائِبا جَازَ وَلَا يجوز أَن ينيب الرَّاهِن وَلَا عَبده الْقِنّ وَلَا مستولدته لآن يدهم يَد الرَّاهِن وَيجوز أَن ينيب مكَاتبه وَفِي عَبده الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة ثلَاثه أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن تركبه الدُّيُون فتنقطع سلطته السَّيِّد عَمَّا فِي يَده ويضاهي الْمكَاتب وَبَين أَن لَا تركبه الدُّيُون وَالنَّظَر الْآن فِي صوره الْقَبْض وَهُوَ التخليه فِي الْعقار وَالنَّقْل فِي الْمَنْقُول وَفِي الِاكْتِفَاء فِي الْمَنْقُول فِي التخليه خلاف كَمَا فِي البيع وَقطع القَاضِي بِالْفرقِ لِأَن البيع يُوجب اسْتِحْقَاق الْقَبْض فَيَكْفِي التَّمْكِين فِيهِ وَهَاهُنَا لَا اسْتِحْقَاق بل الْقَبْض سَبَب الِاسْتِحْقَاق فَلَا وَقع لمُجَرّد التَّمْكِين أما إِذا رهن الْمُودع من الْمُودع الْوَدِيعَة فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يلْزم بِمُجَرَّد قَوْله رهنت بل لابد من إِذن جَدِيد فِي الْقَبْض وَنَصّ فِي الْهِبَة على خِلَافه فَقَالَ الْأَصْحَاب قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمن قرر النصين فرق بالضعف وَالْقُوَّة وتوجيه الْقَوْلَيْنِ من قَالَ يَكْتَفِي بِهِ جعل قَوْله رهنت بِقَرِينَة الْحَال رضَا بِالْقَبْضِ وَمن لم يكتف بِهِ نظر إِلَى مُجَرّد الصِّيغَة وَهِي لَا تدل على الْقَبْض

وَلذَلِك لَا يجوز للْمُرْتَهن أَخذ الْمَرْهُون إِذا لم يكن فِي يَده إِلَّا بِإِذن جَدِيد ثمَّ سَوَاء قُلْنَا لَا يفْتَقر إِلَى إِذن جَدِيد أَو قُلْنَا يفْتَقر فَإِذا فَلَا بُد من مُضِيّ مُدَّة يتَصَوَّر تَحْقِيق صُورَة الْقَبْض فِيهَا حَتَّى يلْزم فَهَل يشْتَرط الرُّجُوع إِلَى بَيِّنَة ومشاهدة الْمَرْهُون فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا بُد مِنْهُ ليتَحَقَّق التَّمَكُّن يكون كَالْقَبْضِ لنَفسِهِ وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذْ قَالَ وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد والوديعة فِي بَيته لم يكن قبضا حَتَّى يصير إِلَى منزله وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط الرُّجُوع إِذْ لَا فَائِدَة للرُّجُوع وَالثَّالِث أَنه إِن استيقن وجوده أَو غلب على ظَنّه فَلَا فَائِدَة فِي الرُّجُوع وَإِلَّا فَيرجع ليتيقن وجوده فَإِن قُلْنَا يشْتَرط الرُّجُوع فَفِي اشْتِرَاط نَقله من مَكَان إِلَى مَكَان وَجْهَان وَاشْتِرَاط النَّقْل هُوَ الْغَايَة فَلَا ذَاهِب إِلَى أَنه يجب رده على الرَّاهِن واسترداده بعد ذَلِك وروى الْعِرَاقِيُّونَ عَن حَرْمَلَة أَنا إِذا لم يشْتَرط إِذْنا جَدِيدا فَلَا يشْتَرط أَيْضا

مُضِيّ الزَّمَان وَهُوَ مُحْتَمل لكنه بعيد من الْمَذْهَب ثمَّ إِن شرطنا شَيْئا سوى مُضِيّ الزَّمَان فَهَل تجوز الِاسْتِنَابَة فِيهِ فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَنه إِنَّمَا يصير قَابِضا بِالضَّمِّ إِلَى مَا سبق من النَّقْل فَلَا يقبل التَّعَدُّد وَالأَصَح أَن البيع من الْمُودع مسلط على التَّصَرُّف وناقل للضَّمَان دون إِذن جَدِيد بِخِلَاف الرَّهْن فَإِنَّهُ مُحَصل للْملك وَهُوَ فِي يَده وَفِيه وَجه أَنه كَالرَّهْنِ وَالأَصَح أَن الرَّهْن من الْغَاصِب كَالرَّهْنِ من الْمُودع وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من إِذن جَدِيد قطعا إِذْ لم يسْبق هَاهُنَا إِذن حَتَّى ينْصَرف الْآن إِلَى جِهَة الرَّهْن فَإِن قيل فَهَل يبرأ الْغَاصِب عَن ضَمَان الْغَصْب بِالرَّهْنِ قُلْنَا عندنَا لَا يبرأ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن يَد الْغَاصِب لم تَنْقَطِع فَلَا يَنْقَطِع حكمه بِخِلَاف مَا إِذا أودع عِنْد الْغَاصِب فَإِن الطَّاهِر

يَنْقَطِع لِأَنَّهُ عَاد إِلَى الْمَالِك حكما إِذْ يَده يَد الْمُودع وَيَد الْمُرْتَهن لنَفسِهِ وَلَو آجره فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ مردد بَين أَن نجْعَل للآجر لما فِيهِ من تَقْرِير أجرته أَو للْمُسْتَأْجر للِانْتِفَاع وَفِي الْوكَالَة بِالْبيعِ وَجْهَان مرتبان على الْإِجَارَة وَأولى بِأَن لَا يبرأ لِأَنَّهُ كالمستأجر فِيهِ إِلَّا أَن غَرَض الْمَالِك هَاهُنَا فِي الْيَد أظهر وَلَو رهن من الْمُسْتَعِير فَفِي بَرَاءَته عَن ضَمَان الْعَارِية وَجْهَان مبنيان على أَنه هَل يضمن ضَمَان الْمَغْصُوب وَلَو أَبْرَأ الْغَاصِب صَرِيحًا عَن الضَّمَان مَعَ بَقَاء الْيَد فَفِي الْبَرَاءَة وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِبْرَاء عَمَّا لم يتم سَبَب وُجُوبه إِذْ تَمام الْوُجُوب بالتلف ثمَّ إِذا قُلْنَا لَا يبرأ الْغَاصِب فَلهُ أَن يرد على الرَّاهِن وَيسْتَرد وَيجْبر الرَّاهِن على الْأَخْذ وَالرَّدّ بعد لُزُوم الرَّهْن

الْقسم الثَّانِي من الْبَاب الْكَلَام فِي الطوارئ قبل الْقَبْض وَالنَّظَر فِي تَصَرُّفَات الرَّاهِن وأحوال الْعَاقِد وأحوال الْمَعْقُود عَلَيْهِ أما التَّصَرُّفَات فَكل مَا يزِيل الْملك فَهُوَ رُجُوع عَن الرَّهْن لِأَنَّهُ جَائِز وَهُوَ ضِدّه وَمَا لَا يزِيل الْملك كالتزويج لَيْسَ بِرُجُوع إِذْ لَا مضادة وَالْإِجَارَة رُجُوع عَن الرَّهْن إِن قُلْنَا يمْنَع البيع وَإِلَّا فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِرُجُوع كالتزويج وَالتَّدْبِير بِحكم نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه رُجُوع إِذْ جعله مَانِعا من الرَّهْن كَمَا سبق وعَلى تَخْرِيج الرّبيع لَيْسَ بِرُجُوع وَهُوَ الْقيَاس أما أَحْوَال الْعَاقِدين فموت الرَّاهِن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه سَبَب للْفَسْخ وَنَصّ فِي موت الْمُرْتَهن على أَنه يسلم إِلَى الْوَرَثَة فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج

وَوجه التَّرَدُّد متشابهته للجعالة وَالْوكَالَة وَهِي تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وللبيع الْجَائِز فَإِن مصيره إِلَيّ اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ وَمن قرر النصين فرقة من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن فَإِن مصيره إِلَى اللُّزُوم وَهُوَ لَا يَنْفَسِخ وَمن قرر فرق من حُقُوق الْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة يتَعَلَّق بالمرهون عِنْد موت الرَّاهِن وعماد الرَّهْن من جَانب الْمُرْتَهن الدّين واستحقاقه لَا يتأثر مَوته وَفِي جُنُون الْعَاقِدين خلاف مُرَتّب على الْمَوْت وَفِي السَّفه خلاف مُرَتّب على الْجُنُون وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ فَإِن عدم الْعقل دون عدم الرّوح أما الْأَحْوَال الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَفِي انْفِسَاخ الرَّهْن بإنقلاب الْعصير خمرًا وَجْهَان وَفِي جِنَايَة العَبْد وإباقه وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَنْفَسِخ وَهُوَ قريب من الْخلاف فِي الْجُنُون وأنقلاب الْعصير خمرًا أولى بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَالِيَّة وَلذَلِك يَزُول الرَّهْن بعد الْقَبْض بِهِ وَلَكِن إِذا عَاد خلا عَاد وَثِيقَة الرَّهْن بِسَبَب اخْتِصَاص الْيَد كَمَا عَاد ملك الْمَالِك بِسَبَب الِاخْتِصَاص بِالْعينِ وَيُمكن أَن يُقَال كَانَ الرَّهْن مَوْقُوفا كَمَا نقُول فِي وقف النِّكَاح على انْقِضَاء الْعدة فِي ردة الْمَنْكُوحَة ومصير الْعصير خمرًا فِي البيع قبل الْقَبْض كَهُوَ فِي الرَّهْن بعد الْقَبْض التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخ بِهِ قبل الْقَبْض بل إِذا عَاد خلا عَاد الرَّهْن كَمَا

بعد الْقَبْض فَلَو أَقبض وَهُوَ خمرًا فالقبض فَاسد فَلَو صَار خلا أمْسكهُ لنَفسك لم يكف وَلَو قَالَ أقبضهُ لنَفسك فَيكون هُوَ الْقَابِض والمقبض وَفِي مثله خلاف فِي البيع هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب قَالَ صَاحب التَّقْرِيب أَبُو الْقَاسِم بن قَاسم الْقفال الشَّاشِي يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا كإذن الْمُودع بعد الرَّهْن مِنْهُ إِذْ لَا فرق بَينهمَا فَإِن قيل وَهل يجوز السَّعْي فِي التَّخْلِيل قُلْنَا التَّخْلِيل حرَام عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لحَدِيث أبي طَلْحَة ثمَّ الْخمر إِن لم يكن مُحْتَرما وَهُوَ مَا أعتصر لأجل الخمريه فَإِن خلل بالقاء ملح

فَهُوَ تجس لعلتين إِحْدَاهمَا تَحْرِيم الْخَلِيل وَالْأُخْرَى ثُبُوت حكم النَّجَاسَة للمتحلل وَذَلِكَ لَا يَزُول إِلَّا بِالْمَاءِ تعبدا بِخِلَاف أجراء الدن فَإِن فِيهِ ضَرُورَة فَإِن خلل بِالنَّقْلِ من ظلّ إِلَى شمس فَوَجْهَانِ بِنَاء على العلتين وَإِن لم يجر إِلَّا مُجَرّد قصد الْإِمْسَاك ليتخلل فَالظَّاهِر أَنه طَاهِر وَفِيه وَجه فَإِن أعتصره للخمريه فَصَارَ خلا من غير قصد فَهُوَ طَاهِر إِذْ لَا قصد وَلَا فعل وَإِن كَانَت الْخمْرَة محترمه وَفِي الَّتِي أعتصرت للخل فَهُوَ طَاهِر فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا إِذا القي فِيهِ ملح فَإِن نقل من الظل إِلَى الشَّمْس فَالظَّاهِر طَهَارَته

فَإِن قيل فالعناقيد إِذا استحالت بواطنها وأشتدت مَا حكمهَا قُلْنَا بواطئها نَجِسَة وَفِي جَوَاز بيعهَا وَجْهَان يجريان فِي الْبَيْضَة المذرة وَوجه التَّصْحِيح الِاعْتِمَاد فِي الْحَال على طَهَارَة الظَّاهِر وَفَائِدَته المنتظرة عِنْد التخلل والتفرخ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي حكم الرهون بعد الْقَبْض فِي حق الْمُرْتَهن والراهن فَهَذَا يَبْنِي على فهم حَقِيقَة الرَّهْن وَحَقِيقَته إِثْبَات الْوَثِيقَة لدين الْمُرْتَهن فِي الْعين حَتَّى يثبت عَلَيْهِ الْيَد وَيخْتَص بِهِ فَيقدم على الغرباء عِنْد الزحمة وبأمن فَوَات الدّين بالإفلاس فيتضمن الرَّهْن تَجْدِيد سلطنة للْمُرْتَهن لم تكن وَقطع سلطنة للرَّاهِن كَانَت فالنظر يتَعَلَّق بِمَا انْقَطع من الرَّاهِن وَمَا تجدّد للْمُرْتَهن وَبَيَان مَحل الْوَثِيقَة وغايتها الَّتِى عِنْدهَا يَنْقَطِع فَهِيَ أَرْبَعَة أَطْرَاف

الطّرف الأول فِيمَا حجر على الْمَالِك فِيهِ وَهُوَ كل مَا يفوت وَثِيقَة الْمُرْتَهن أَو بَعْضهَا أَو ينقصها وَتصرف الرَّاهِن من ثَلَاثَة أوجه الأول التَّصَرُّف القولي فَكل مَا ينْقل الْملك الى غَيره كَالْبيع وَالْهِبَة اَوْ ينقص الْملك كالتزويج والاجارة إِذْ يقلل الرَّغْبَة فِي الْحَال أَو يزحم الْمُرْتَهن كَالرَّهْنِ من غَيره هـ فَهُوَ مَمْنُوع وَلَا منع من إِجَارَة تَنْقَضِي مدَّتهَا قبل حُلُول الدّين أما مَا يسْقط الْملك كالإعتاق فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا انه لَا ينفذ فانه يفوت الْوَثِيقَة من الْعين كَالْبيع وَالثَّانِي ينفذ وَيغرم فانه يسري الى ملك الشَّرِيك وَحقّ الْمُرْتَهن لايزيد عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَنه أَن كَانَ مُوسِرًا نفذ وَغرم وَإِلَّا فَلَا فانه إِذا لم يُمكن تغريمه يبْق الْعتْق فِي الْمُرْتَهن تفويتا مَحْضا أما إِذا رهن نصف العَبْد فَالصَّحِيح آن أعتاقه فِي النّصْف المستبقى إِذا نفذ سرى الى الْمَرْهُون مهما كَانَ مُوسِرًا ألانه فِي معنى صُورَة السَّرَايَة إِلَى ملك الْغَيْر لوُجُوده محلا فَارغًا فِي الِابْتِدَاء بل أولى مِنْهُ

التَّفْرِيع إِن قُلْنَا ينفذ وَيغرم فَفِي وَقت نُفُوذ الْعتْق طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه ينفذ فِي الْحَال لِأَنَّهُ صَادف ملكه وَالثَّانِي أَنه يخرج على الْأَقْوَال فِي ملك الشَّرِيك فعلى قَول متنجز وعَلى آخر يتَوَقَّف على بذل الْبَدَل وعَلى الثَّالِث على بذل الْبَدَل يتَبَيَّن حُصُوله من وَقت الانشاء وَإِن وَإِن قُلْنَا لَا ينفذ الْعتْق فَفِي نُفُوذه عِنْد فك الرَّهْن وَجْهَان أَحدهمَا بلَى إِذْ صَادف ملكه وأندفع لمَانع وألان فقد أرتفع وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بمعلق وَلم يتنجر فَلَا يعود بعد اندفاعه وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بيع فِي حق الْمُرْتَهن وَعَاد إِلَيْهِ يَوْمًا من الدَّهْر لَا ينفذ أما تَعْلِيق الْعتْق فِي الْمَرْهُون إِن أتصل بِالصّفةِ قبل فك الرَّهْن فَحكمه حكم الْعتْق وَإِن وجد الصّفة بعده فَالْأَصَحّ النّفُوذ وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْعَقد التَّعْلِيق فِي حَاله لَا يملك التنجير فِيهَا وَهُوَ ملتف تَعْلِيق الطَّلقَة الثَّالِثَة فِي حق العَبْد الْوَجْه الثَّانِي لتصرفه الْوَطْء وَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يعرض الْملك لنُقْصَان الْولادَة

وَفِي الصَّغِيرَة والآيسة وَجه وَالأَصَح حسم الْبَاب فَإِن أقدم فَلَا حدو لَا مهر وَالْولد حر نسيب لَهُ وَفِي الِاسْتِيلَاد خلاف مُرَتّب على الْعتْق وَأولى بالحصول لِأَنَّهُ من جملَة الْأَفْعَال فَإِن حكمنَا بِهِ وَجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم الاحبال فيجعلها رهنا بدلهَا وَإِن قُلْنَا لَا يحصل فَإِن بِيعَتْ وَفِي بَطنهَا الْوَلَد الْحر صَحَّ وَفِيه وَجه أَنه يبطل وَيجْعَل ذَلِك كاستثناء الْحمل وَإِن أَنْفك الرَّهْن فَالْأَصَحّ هَاهُنَا عود الِاسْتِيلَاد وَإِن مَاتَت من طلق هَذَا الِاسْتِيلَاد فَعَلَيهِ الْقيمَة لِأَنَّهُ الْمُتْلف بِوَطْئِهِ وَكَذَلِكَ إِذا وطئ أمه بِالشُّبْهَةِ الْغَيْر فَمَاتَتْ فِي الطلق وَفِيه وَجه آخر ذكره الفوراني أَنه لَا يجب إِذْ يبعد إِحَالَة الْهَلَاك على الْوَطْء مَعَ تخَلّل أَسبَاب حبلية وَلَو مَاتَت زَوجته من الطلق فَلَا ضَمَان قطعا لِأَنَّهُ تولد من مُسْتَحقّ وَفِي الْحرَّة

الْمَوْطُوءَة بِالشُّبْهَةِ وَجْهَان وَوجه الْفرق أَن الْحِوَالَة عَلَيْهَا مُمكن فَإِنَّهَا صَاحِبَة الْحق وَالْيَد لَهَا فِي نَفسهَا بِخِلَاف الْأمة وَكَذَلِكَ فِي الزِّنَا فَإِن كَانَ مَعَ استكراه فَلَا يُمكن الْحِوَالَة عَلَيْهَا لأَنا لَا نَعْرِف كَون الْوَلَد مِنْهُ وَالشَّرْع منع النّسَب فَإِن أقرّ بإنه من إحباله فَفِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يدل على أَنه لَا يجب أَيْضا فَإِن السَّبَب ضَعِيف وَكَأَنَّهُ فِي الْأمة حصل مثل إِثْبَات الْيَد عَلَيْهَا بِاسْتِعْمَال رَحمهَا فِي تربية الْوَلَد فَكَانَ كالهلاكه تَحت الْيَد التَّفْرِيع إِذا أَوجَبْنَا الْقيمَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه بِاعْتِبَار أقْصَى الْقيم من يَوْم الاحبال الى يَوْم الْمَوْت وَكَأن الاحبال غصب وأستيلاد وَالثَّانِي بِاعْتِبَار يَوْم الْمَوْت وَالثَّالِث بِاعْتِبَار يَوْم الاحبال الْوَجْه الثَّالِث الِانْتِفَاع وَهُوَ جَائِز عندنَا للرَّاهِن فِي الدَّار المرهونه بِالسُّكُونِ وَفِي العَبْد

المحترف بالاستكساب وَفِي الْفَحْل بإنزائه على الْإِنَاث إِن لم ينقص من قِيمَته وَكَذَا الإنزاء على الْأُنْثَى إِن لم ينقص الإحبال من قيمتهَا أما الْغِرَاس فِي الأَرْض فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ يقلل الرَّغْبَة فِي الأَرْض إِذا بِيعَتْ دون الْغِرَاس وَذكر الرّبيع فِي الدّين الْمُؤَجل وَجها أَنه لَا يمْنَع من الْغِرَاس فَرُبمَا تفي الأَرْض بِجَمِيعِ الدّين أَو توفى الزِّيَادَة من مَوضِع آخر فَإِن لم يكن قلع عِنْد البيع أما فِي الْحَال فَلَا منع وَهُوَ منقاس التَّفْرِيع إِن قُلْنَا يمْنَع فَلَو غرس قلع وَلَو حمل السَّيْل النَّوَى فأنبت لَا يقْلع فِي الْحَال وَلَكِن عِنْد البيع يقْلع إِن لم يتَعَلَّق حق الْغُرَمَاء بِهِ بِالْحجرِ عَلَيْهِ بالفلس فَإِن تعلق لم يقْلع وَكَذَلِكَ على مَذْهَب الرّبيع إِذا جوز الْغِرَاس بل يُبَاع الْكل ويوزع الثّمن وَفِي كَيْفيَّة التَّوْزِيع كَلَام سبق فِي التَّفْرِيق بَين الْوَلَد وَالأُم فِي الرَّهْن فرع لَيْسَ للرَّاهِن المسافرة بِالْعَبدِ الْمَرْهُون أصلا لِأَنَّهُ حيلولة عَظِيمَة وَالْيَد مُسْتَحقَّة للْمُرْتَهن فَلَا تزَال إِلَّا لضَرُورَة والضرورة فِي الِانْتِفَاع لَا فِي السّفر وَكَذَلِكَ لَا يُسَافر زوج الْأمة بهَا ويسافر بهَا سَيِّدهَا تَقْدِيمًا لحقه وترغيبا لَهُ فِي تَزْوِيجهَا ويسافر الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ الْحرَّة لِأَن مَقْصُود النِّكَاح أغلب وَهُوَ صَاحبه وَهِي صَاحِبَة الْحق والحظ فِي النِّكَاح

وَكَذَلِكَ لَو أمكن استسكاب العَبْد فِي يَد الْمُرْتَهن لم ينتزع من يَده فَإِن لم يحسن إِلَّا الْخدمَة انتزع من يَده نَهَارا ورد لَيْلًا وللمرتهن أَن يكلفه الْإِشْهَاد عِنْد الانتزاع فِي كل يَوْم وَهل لَهُ أَن يُكَلف الرَّاهِن ذَلِك وَهُوَ مَشْهُور الْعَدَالَة فِيهِ وَجْهَان فَإِن قيل مَا منعتموه من التَّصَرُّفَات لَو أذن فِيهِ الْمُرْتَهن قُلْنَا لايمتنع مِنْهُ بِإِذْنِهِ فَالْحق لَا يعدوهما ثمَّ مَا من ضَرُورَته فسخ الرَّهْن كالإعتاق وَالْهِبَة يرفع الرَّهْن وَلَا قيمَة عَلَيْهِ إِذا أعتق بِإِذْنِهِ وَله أَن يرجع عَن الْإِذْن قبل وُقُوع التَّصَرُّف فَإِذا أذن فِي الْهِبَة فَلهُ الرُّجُوع قبل الْقَبْض إِذْ بِهِ يتم الْمَأْذُون فِيهِ وَفِي الرُّجُوع عَن الْإِذْن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار وَجْهَان فَإِن قيل هَل يتَعَلَّق حَقه بِالثّمن إِذا أذن فِي البيع فِي مُدَّة الْخِيَار قُلْنَا إِن كَانَ بعد حُلُول الدّين وَأذن لأجل قَضَاء حَقه فَلَا شكّ وَإِن كَانَ قبله

فَإِن أطلق لم يكن الثّمن عندنَا رهنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يَجْعَل الثّمن رهنا فَفِي ذَلِك قَولَانِ مأخذه جَوَاز نقل الْوَثِيقَة إِلَى عين أُخْرَى وَإِن قَالَ بِشَرْط أَن يعجل حَقي من الثّمن فَالشَّرْط فَاسد وَكَذَا الْإِذْن لِأَنَّهُ مَا رَضِي بِالْبيعِ إِلَّا بعوض وَهُوَ التَّعْجِيل وَلم يسلم الْعِوَض بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ للْوَكِيل بِعْ وَلَك من الثّمن عشرَة أُجْرَة فَإِنَّهُ لم يفْسد الْإِذْن وَفَسَد الشَّرْط لِأَنَّهُ لم يُقَابل الْعِوَض بِالْإِذْنِ بل قابله بِالْعَمَلِ فَعِنْدَ الْفساد يرجع إِلَى أُجْرَة الْمثل فَإِن قيل فَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فتعلقت الدُّيُون بِتركَتِهِ فَمَا قَوْلكُم فِي تصرف الْوَرَثَة فِيهَا بِالْبيعِ

قُلْنَا فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من خرج على قولي العَبْد الْجَانِي لِأَنَّهُ ثَبت شرعا لَا اخْتِيَارا بِخِلَاف الرَّهْن وَمِنْهُم من قطع بِالْمَنْعِ نظرا للْمَيت ومبادرة إِلَى تبرئة ذمَّته ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن قَول الْمَنْع هَل يطرد فِي الدّين إِذا لم يسْتَغْرق وَمن لم يطرد علل بِأَن أَكثر التركات لَا تَخْلُو عَن دين مَا فيبعد الْحجر بِسَبَب دِرْهَم فِي مَال كثير فَإِن قيل فَلَو ظهر دين برد عوض بِالْعَيْبِ وتوجهت الْمُطَالبَة بِالثّمن بعد أَن بَاعَ الْوَرَثَة التَّرِكَة قُلْنَا إِن فرعنا على الْمَنْع من البيع فَفِي تتبعه بِالنَّقْضِ وَجْهَان من حَيْثُ إِن الدّين متراخ وَسَببه مُتَقَدم وَكَذَلِكَ لَو كَانَ حفر بِئْرا فتردى فِيهِ بعد مَوته إِنْسَان وَهَاهُنَا أولى بِأَن لَا يسند إِذْ الْحفر لَيْسَ سَببا للهلاك بِمُجَرَّدِهِ فَإِن قُلْنَا لَا يتبع بِالنَّقْضِ فَإِن وفوا بِالدّينِ فَذَاك وَإِلَّا فَالْأَصَحّ أَنه الْآن

يفْسخ إِذْ لَا دين عَلَيْهِم حَتَّى يطالبوا وَفِيه وَجه أَن مَا مضى وَتعلق بِهِ حق المُشْتَرِي لَا يفْسخ فكأنهم قد فوتوا التَّرِكَة فَعَلَيْهِم الضَّمَان

الطّرف الثَّانِي فِي بَيَان جَانب الْمُرْتَهن وَقد تحدد لَهُ اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال وَاسْتِحْقَاق البيع فِي تأني الْحَال وَلأَجل اسْتِحْقَاق الْيَد وَجب على الرَّاهِن التعهد والمؤنة لبَقَائه فِي يَده وَلَا يجب على الْمُرْتَهن الضَّمَان بِحكم هَذِه الْيَد وَلَا يملك الِانْتِفَاع والاستمتاع فَهَذِهِ خَمْسَة أُمُور فِي جَانِبه لَا بُد من مَعْرفَتهَا الأول اسْتِحْقَاق الْيَد فِي الْحَال وَهُوَ ثَابت بِمُطلق الرَّهْن عِنْد اللُّزُوم بِالْقَبْضِ وَلذَلِك يرد لَيْلًا إِلَيْهِ عِنْد الِانْتِفَاع نَهَارا وَلَا تزَال يَده إِلَّا خوفًا من فَوَات مَنْفَعَة مَقْصُودَة فَتقدم الْمَنْفَعَة الْمَقْصُودَة على الْيَد التابعة للحق لِأَنَّهَا لَا تطلب إِلَّا لحفظ مَحل الْحق وَلَو شَرط التَّعْدِيل على يَد ثَالِث جَازَ وَيكون الْعدْل نَائِبا عَن الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْيَد وَلذَلِك لَا يجوز شَرط التَّعْدِيل على يَد الْمَالِك لِأَن يَده لَا تصلح للنيابة عَن غَيره وَهُوَ مُسْتَقل بِالْملكِ وللراهن أَيْضا حَظّ فِي يَد الْعدْل فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يَثِق بيد الْمُرْتَهن فَلهَذَا لَا يجوز للعدل أَن يسلم إِلَى أَحدهمَا دون إِذن صَاحبه وَلَا أَن يسلم إِلَى ثَالِث دون إذنهما فَإِن فعل ضمن ثمَّ إِن سلم إِلَى الْمُرْتَهن ضمن للرَّاهِن والقرار على الْمُرْتَهن مهما تلف فِي يَده وَإِن سلم إِلَى الرَّاهِن ضمن للْمُرْتَهن الْقيمَة لتَكون عِنْده رهنا فَإِذا قضي الدّين ردَّتْ إِلَيْهِ الْقيمَة وَله أَن يُكَلف الرَّاهِن الْقَضَاء لفك ملكه كَمَا فِي الْمُعير لأجل الرَّهْن فرع لَو تغير حَال الْعدْل بِفِسْقِهِ أَو جِنَايَته على العَبْد قصدا أَو بِزِيَادَة فسق على مَا عهد من قبل فَلِكُل وَاحِد طلب إِزَالَة يَده إِلَى عدل آخر

الْأَمر الثَّانِي اسْتِحْقَاق البيع وَهُوَ ثَابت عِنْد حُلُول الدّين إِن لم يوف الرَّاهِن الدّين من مَوضِع آخر وَلَكِن لَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُرْتَهن وَلَا الْعدْل الَّذِي فِي يَده دون إِذن الرَّاهِن أَو إِذن القَاضِي وَلَو بَاعَ الْعدْل بِإِذن أَحدهمَا لم يَصح بل لَا بُد من إذنهما وَفِيه فروع أَرْبَعَة الأول أَنه لَو رَجَعَ أَحدهمَا عَن الْإِذْن امْتنع الْعدْل عَن البيع فرجوع الرَّاهِن عزل فَإِنَّهُ الْمُوكل وَإِذن الْمُرْتَهن شَرط وَلَيْسَ بتوكيل وَلذَلِك لَو عَاد الْمُرْتَهن وَأذن بعد رُجُوعه جَازَ وَلم يجب تَجْدِيد التَّوْكِيل من الرَّاهِن ومساق هَذَا الْكَلَام من الْأَصْحَاب مشْعر بِأَنَّهُ لَو عزل الرَّاهِن ثمَّ عَاد ووكل افْتقر الْمُرْتَهن إِلَى تَجْدِيد الْإِذْن وَعَلِيهِ يلْزم لَو قيل بِهِ أَن لَا يعْتد بِإِذْنِهِ للعدل قبل تَوْكِيل الرَّاهِن فليؤخر عَنهُ وَيلْزم عَلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان رضَا الْمَرْأَة للْوَكِيل بِالنِّكَاحِ قبل تَوْكِيل الْوَلِيّ وكل ذَلِك مُحْتَمل وَوجه المساهلة إِقَامَة دوَام الْإِذْن مقَام الِابْتِدَاء تعلقا بِعُمُومِهِ وَأَنه إِن لم يكن يعْمل فِي الْحَال أولى بِالِاحْتِمَالِ فليقدر مُضَافا إِلَى وَقت التَّوْكِيل وَإِذا احتملت الْوكَالَة التَّأْقِيت وَالتَّعْلِيق كَانَ الْإِذْن أولى بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَو إِذن الرَّاهِن للعدل عِنْد الرَّهْن بِالْبيعِ عِنْد حُلُول الْأَجَل لم يفْتَقر إِلَى مُرَاجعَته ثَانِيًا عِنْد الْحُلُول

وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد مِنْهُ إِذْ قد يسمح بِالْإِذْنِ فِي غير وَقت البيع ثمَّ يرى أَن يُوفي الدّين من مَوضِع آخر فِي وَقت الْحُلُول الثَّالِث أَنه لَو ضَاعَ الثّمن فِي يَد الْعدْل فَهُوَ أَمَانَة فَلَو سلمه إِلَى أَحدهمَا دون إِذن الثَّانِي فَهُوَ ضَامِن وَلَو أذن لَهُ الرَّاهِن فِي التَّسْلِيم إِلَى الْمُرْتَهن فَسلم وَأنكر الْمُرْتَهن فَهُوَ ضَامِن لعَجزه عَن الْإِثْبَات فَإِن صدقه الرَّاهِن وَنسبه إِلَى التَّقْصِير فِي ترك الْإِشْهَاد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان وَلَو كَانَ قد شَرط الْإِشْهَاد فَلَا شكّ أَنه يضمن وَلَو ادّعى موت الشُّهُود وَصدق لم يضمن وَإِن كذب فَوَجْهَانِ الرَّابِع إِذا بَاعَ الْعدْل بِالْغبنِ بَطل بَيْعه وَإِن بَاعَ بِثمن الْمثل وَهُوَ فِي الْحَال يطْلب بِزِيَادَة لم يَصح وَإِن طلب فِي الْمجْلس أَيْضا انْفَسَخ العقد لِأَنَّهُ فِي حكم الِابْتِدَاء فَإِن أَبى الرَّاغِب من قبُول البيع بعد إِظْهَاره فَالْأَصَحّ أَنا نتبين أَن الِانْفِسَاخ لم يكن إِذْ بَان أَن الزِّيَادَة لم يكن لَهَا حَقِيقَة وَفِيه وَجه أَنه لَا بُد من تَجْدِيد العقد فَإِن الْفَسْخ قد وَقع ثمَّ فِي تَجْدِيد البيع من الأول وَالْبيع من الرَّاغِب الثَّانِي عِنْد إِطْلَاق الْإِذْن وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز إِلَّا بِإِذن مُجَدد إِذا الْوكَالَة الأولى انْفَسَخت بالامتثال بِالْبيعِ الأول وَالثَّانِي الْجَوَاز وتنزيل البيع على مَا يُفِيد ويتقرر وَإِخْرَاج الأول عَن كَونه امتثالا

الْأَمر الثَّالِث تعهد الْمَرْهُون ومؤنته على الرَّاهِن وَلَيْسَ يمْنَع مِنْهُ حَتَّى من الفصد والحجامة والختان وَيمْنَع عَن قطع سلْعَة يخَاف مِنْهَا سرَايَة وَيجب عَلَيْهِ كِرَاء الإصطبل للدابة مَعَ الْعلف وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا رَهنه ثَمَرَة الشَّجَرَة فعلى الرَّاهِن سقيها وإصلاحها وجذاذها وتشميسها كَمَا يكون عَلَيْهِ نَفَقَة العَبْد وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى من يحلبه ويركبه نَفَقَته لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه فَإِن امْتنع أجْبرهُ القَاضِي لحق الْمُرْتَهن هَذَا مَذْهَب الْعِرَاقِيّين وَقَالَت المراوزة لَا يلْزمه الْإِنْفَاق على الْحَيَوَان إِلَّا لحق الله تَعَالَى فَلم يرْهن مِنْهُ إِلَّا على ذَلِك فَإِن امْتنع بيع جُزْء من الْمَرْهُون وَجعل نَفَقَة لَهُ فَإِن خيف اسْتِيعَاب الْمَرْهُون بِالنَّفَقَةِ ألحق بِمَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَبيع بِمَا لَا يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وَكَذَلِكَ يحذر من بيع الْبَعْض لِأَنَّهُ تشقيص فينفق عَلَيْهِ من منفعَته وَكَسبه وَإِلَّا

فَيُبَاع وَلَعَلَّ الأول أصح 0 ويتأيد بالمكري فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ عمَارَة الدَّار من عِنْده وَفَاء بِتَقْدِير مَا الْتزم الْأَمر الرَّابِع الْمَرْهُون أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن لَا يسْقط بتلفه شَيْء من الدّين خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَلَو تصرف فِيهِ بِمَا لَا يجوز ضمن ضَمَان الْمَغْصُوب فروع أَرْبَعَة أَحدهَا لَو رهن عِنْده أَرضًا وَأذن لَهُ فِي الْغِرَاس بعد شهر فَهُوَ قبل الْغِرَاس أَمَانَة وَبعده عَارِية مَضْمُونَة وَالرَّهْن مُسْتَمر فَإِن غرس قبل الشَّهْر قلع مجَّانا وَإِن غرس بعد الشَّهْر لم يقْلع إِلَّا بِبَدَل الثَّانِي إِذا كَانَ الدّين مُؤَجّلا بِشَهْر فَقَالَ رهنت مِنْك بِشَرْط أَن يكون مَبِيعًا مِنْك بِالدّينِ عِنْد حُلُول الْأَجَل فالرهن فَاسد وَالشّرط فَاسد وَلكنه فِي الشَّهْر الأول أَمَانَة لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم الرَّهْن وَفِي الثَّانِي مَضْمُون لِأَنَّهُ مَقْبُوض على حكم شِرَاء فَاسد وللفاسد حكم الصَّحِيح فِي الضَّمَان

وَمِنْهُم من اسْتثْنى مَا إِذا عرف فَسَاد البيع فأمسكه عَن جِهَة الرَّهْن التَّفْرِيع لَو غرس بعد مُضِيّ الشَّهْر على ظن صِحَة البيع لم يقْلع غرسه مجَّانا لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ فِي ضمن البيع وَلَو علم الْفساد قلع مجَّانا لِأَنَّهُ حرم عَلَيْهِ ذَلِك فَلَا حُرْمَة لقلعة الثَّالِث إِذا ادّعى الْمُرْتَهن رد الرَّهْن أَو تلفه فَالْقَوْل قَوْله عِنْد المراوزة كَمَا فِي الْمُودع وطردوا ذَلِك فِي الْمُسْتَأْجر وأيدي الْأَمَانَات كلهَا وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ ذَلِك من خَصَائِص الائتمان لِأَنَّهُ مُصدق بقوله إِذا ائتمنه وألحقوا الْوَكِيل بِغَيْر أُجْرَة بالمودع وَذكروا فِي الْوَكِيل بِأُجْرَة وَجْهَيْن الرَّابِع قَالَ المراوزة الْمُرْتَهن من الْغَاصِب وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ على جهل حكمهمَا حكم الْمُودع على جهل حَتَّى إِنَّهُم يطالبون بِالضَّمَانِ والقرار على الْغَاصِب

والعراقيون سووا بَين الْكل وَذكروا فِي مطالبتهم وَجْهَيْن وَعند الْمُطَالبَة ذكرُوا فِي قَرَار الضَّمَان وَجْهَيْن الْأَمر الْخَامِس تَصَرُّفَات الْمُرْتَهن وَهُوَ مَمْنُوع من جَمِيعهَا قولا وفعلا وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاع أَيْضا وَلَو وطئ مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ فَحكمه الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ حكم الزِّنَا وَإِن جهل وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمِنْهُم من قطع بِسُقُوط الْحَد وَتردد فِي الْمهْر وَالنّسب وحرية الْوَلَد لضعف هَذِه الشُّبْهَة وَهُوَ بعيد ثمَّ قَالَ القَاضِي من لَا يعرف هَذَا الْقدر فَكَأَنَّهُ لَا معرفَة لَهُ فَإِذا اكتفينا بِهَذَا فِي إِثْبَات الْأَحْكَام فَيَنْبَغِي أَن نقُول الْمَجْنُون إِذا زنا فَحكمه حكم الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَإِن إِذن الرَّاهِن وَعلم التَّحْرِيم فَهُوَ زَان وَقيل إِن مَذْهَب عَطاء إِبَاحَة الْوَطْء بِالْإِذْنِ فَيصير شُبْهَة ويلتحق بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَأَما إِذا ظن الْإِبَاحَة فَهَذِهِ الشُّبْهَة أقوى

وَفِي الْمهْر وَجْهَان أَحدهمَا السُّقُوط لإذنه وَالثَّانِي الْوُجُوب كَمَا للمفوضة إِذْ لَا يُؤثر الْإِذْن فِي إِسْقَاط عوض الأبضاع وَفِي قيمَة الْوَلَد طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه كالمهر لِأَنَّهُ نتيجة الْوَطْء وَالثَّانِي الْقطع بِالْوُجُوب لِأَنَّهُ لم يَأْذَن فِي الِاسْتِيلَاد وَهَذَا ينْقضه أَن الْمُرْتَهن لَو إِذن للرَّاهِن نفد استيلاده قطعا

الطّرف الثَّالِث فِي مَحل الْوَثِيقَة وَهُوَ عين الْمَرْهُون أَو بدلهَا فَأَما بدل الْمَنْفَعَة كالكسب والعقر أَو الزِّيَادَة الْحَاصِلَة من الْعين كَالْوَلَدِ وَاللَّبن وَالثَّمَر وَالصُّوف فَلَا يتَعَدَّى الرَّهْن إِلَيْهَا عندنَا وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي الزِّيَادَات الْحَاصِلَة من الْعين وَفِي الْعقر أَيْضا هَذَا إِذا كَانَ الْوَلَد حَادِثا علوقه بعد الرَّهْن وانفصاله قبل الْحَاجة إِلَى البيع فَإِن كَانَ مجتنا فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا فَيُبَاع الْحَامِل فِي حَقه وَلَا ينظر إِلَى مَا فِي بَطنهَا وَإِن كَانَ مجتنا عِنْد العقد مُنْفَصِلا حَال البيع فَفِيهِ قَولَانِ مأخذه التَّرَدُّد فِي الاستتباع وَأَن الْحمل هَل يعرف فَإِنَّهُ إِن لم يعرف لم ينْدَرج وَكَأَنَّهُ حدث الْآن

وَإِن علق بعد الرَّهْن وَكَانَ مجتنا عِنْد البيع فَكَذَلِك فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يعرف فَكَأَنَّهُ زِيَادَة مُتَّصِلَة فَلَا كَلَام فَإِن قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِالْحملِ فَلَا يُمكن بيع الْأُم دون الْحمل وَلَا بيع الْكل مَعَ التَّوْزِيع فَإِن قيمَة الْحمل لَا تعرف وَقد تنقص الْقيمَة بِالْحملِ فتؤخر إِلَى وَقت انْفِصَال الْوَلَد أما بدل الْعين فيتعدى إِلَيْهِ الرَّهْن ونعني بِهِ أرش الْجِنَايَة فَإِنَّهُ يوضع رهنا وَمَا دَامَ فِي ذمَّة الْجَانِي هَل نُسَمِّيه مَرْهُونا أم نقُول زَالَ الرَّهْن ثمَّ عَاد عِنْد التَّعْيِين كَمَا نقُول فِي الْعصير إِذا انْقَلب خمرًا ثمَّ خلا فِيهِ خلاف ثمَّ الرَّاهِن بالمطالبة أولى فَهُوَ الْمَالِك فَإِن تكاسل فللمرتهن الْمُطَالبَة فَإِن أَبْرَأ الرَّاهِن لم ينفذ قطعا وَلم يلْحق بِالْإِعْتَاقِ وَإِن أَبْرَأ الْمُرْتَهن لم يَصح وَلَكِن هَل يكون ذَلِك فسخا للرَّهْن فِي حَقه فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَن الْفَسْخ كَانَ تحصل ضمنا للإبراء فَإِذا لم يحصل المتضمن فَلَا عُمُوم لقَوْله فَلَا يحصل الضمن

الطّرف الرَّابِع فِي غَايَة الرَّهْن وَمَا بِهِ انفكاكه وَهُوَ بِفَسْخ الرَّهْن أَو فَوَات الْمَرْهُون بِغَيْر بدل أَو قَضَاء الدّين أما الْفَسْخ فَلَا يخفى وَكَذَا فَوَات عين الْمَرْهُون بأفة سَمَاوِيَّة ويلتحق بِهِ مَا إِذا فَاتَ الْملك فِيهِ بِغَيْر بدل وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِجِنَايَة العَبْد فَإِنَّهُ يتَعَلَّق الْأَرْش بِرَقَبَتِهِ فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ الرَّهْن وَإِن بيع فِي الْجِنَايَة فقد فَاتَ الْملك وَفَاتَ وَثِيقَة الرَّهْن وَلَا ضَمَان على الرَّاهِن لِأَنَّهُ لم يكن من جِهَته وَإِنَّمَا لم يمْنَع الرَّهْن حق الْجِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يزِيد على حق الْمَالِك وَقدم حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ على حق الْمَالِك مصلحَة فِي حسم الْجِنَايَات فَأَما إِذا كَانَت الْجِنَايَة مُتَعَلقَة بالسيد فلهَا ثَلَاثَة أَحْوَال إِحْدَاهَا أَن يجني على طرفه أَو على عَبده بِمَا يُوجب الْقصاص فَلهُ قَتله لِأَن مرتبته لَا تتقاعد عَن رُتْبَة الْأَجْنَبِيّ وَإِن عَفا عَن الْقصاص على مَال فَلَا مطمع فِي فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة لِأَن السَّيِّد لَا يثبت لَهُ دين فِي ذمَّة عَبده حَتَّى يَنْبَنِي عَلَيْهِ التَّعَلُّق بِالرَّقَبَةِ ثمَّ البيع فِيهِ ثمَّ فك الرَّهْن بِهِ وَفِيه وَجه عَن ابْن سُرَيج أَن لَهُ فك الرَّهْن فِي قدر الْجِنَايَة وَيظْهر أثر الْجِنَايَة فِي حق الْمُرْتَهن وَإِن لم يظْهر فِي حق العَبْد الثَّانِيَة إِذا جنى على ابْن الرَّاهِن فَمَاتَ الابْن وانتقل الْحق إِلَى الرَّاهِن فَلهُ الْقصاص وَإِن عَاد إِلَى مَال فَهَل يسْتَحق فك الرَّهْن بِهِ يَنْبَنِي على أَن الْملك الطَّارِئ هَل يقطع دوَام الدّين الَّذِي اسْتحق قبل الْملك وَفِيه خلاف وَهَذَا فِي حكم دوَام دين لِأَنَّهُ اسْتحق من قبل وَالْإِرْث دوَام فَإِن قتل ابْن الرَّاهِن وَقُلْنَا إِن الدِّيَة تثبت للقتيل أَولا ثمَّ للْوَارِث فَحكمه مَا سبق

وَإِن قُلْنَا إِنَّه للْوَارِث ابْتِدَاء فَهُوَ كَمَا لَو جنى على الرَّاهِن ابْتِدَاء وَلَو قتل الرَّاهِن فَلَيْسَ للِابْن فك الرَّهْن بِهِ قطعا لِأَنَّهُ لَيْسَ يُفِيد فِي حق الْمُورث وَالْوَارِث فَإِن الْمُورث هَا هُنَا هُوَ الْمَالِك الثَّالِثَة إِذا جنى على عبد آخر لَهُ مَرْهُون إِن كَانَ من شخص آخر فللراهن الْقصاص وَلَا مبالاة بِفَوَات حق الْمُرْتَهن فَإِن عَفا على مَال تعلق حق مُرْتَهن الْقَتِيل بِالْعَبدِ وَإِن عَفا مُطلقًا أَو من غير مَال فَهُوَ كعفو الْمُفلس الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِأَن الرَّاهِن مَحْجُور عَلَيْهِ كالمفلس وعفو السَّيِّد عَن المَال ينزل جِنَايَة الْعمد منزلَة الْخَطَأ وَإِن كَانَ مُوجبه المَال فَيُبَاع الْجَانِي فِي حق مُرْتَهن الْقَتِيل فَإِن كَانَ حَقه يتَأَدَّى بِبَعْض العَبْد الْقَاتِل لكَونه دون قِيمَته بيع ذَلِك الْقدر فِي حَقه وَبَقِي الْبَاقِي رهنا عِنْد مُرْتَهن الْقَاتِل وَإِن لم يرض مُرْتَهن الْقَاتِل بِعَيْب التشقيص يُبَاع الْكل وَيُوضَع الْفَاضِل عَن أرش الْجِنَايَة رهنا عِنْده وَلَو تَسَاوَت القيمتان وتراضى الْمَالِك ومرتهن الْقَتِيل بِأَن يَجْعَل العَبْد رهنا بدل الْقَتِيل جَازَ وَإِن أَبى الْمُرْتَهن أَعنِي مُرْتَهن الْقَتِيل فَهَل يجْبر عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

أما إِذا كَانَ الْقَتِيل مَرْهُونا عِنْده أَيْضا فَإِن كَانَ بذلك الدّين بِعَيْنِه فَهُوَ فَوَات مَحْض فِي حَقه وَإِن كَانَ بدين آخر يُخَالِفهُ فِي الْقدر أَو الْجِنْس أَو مِقْدَار الْأَجَل فَلهُ أَن يفك الاول ليباع وَيجْعَل رهنا بِالثَّانِي وَإِن اسْتَوَى الدينان من كل وَجه قدرا وجنسا وأجلا فَقَالَ بيعوه لينتقل حَقي إِلَى ثمنه فَإِنِّي لَا آمن جِنَايَته فَهَل يكون هَذَا من الْأَغْرَاض الْمُعْتَبرَة فِيهِ وَجْهَان السَّبَب الآخر فِي فك الرَّهْن قَضَاء الدّين وَهُوَ قِسْمَانِ الأول أَن يقْضى من غير الْمَرْهُون فَإِن قضي جَمِيع الدّين انْفَكَّ الرَّهْن وَإِن بَقِي من الدّين دِرْهَم بَقِي جَمِيع الْمَرْهُون رهنا فَلَا يَنْفَكّ بِبَعْض الدّين بعض الْمَرْهُون بل الدّين ينبسط على أَجزَاء الْمَرْهُون وَلذَلِك نقُول لَو مَاتَ أحد الْعَبْدَيْنِ بَقِي الثَّانِي رهنا بِالْجَمِيعِ وَكَذَلِكَ لَو رهن عَبْدَيْنِ بِأَلف وَسلم أَحدهمَا كَانَ رهنا عندنَا بِجَمِيعِ الْألف خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فإمَّا إِذا تعدد العقد لم يكن أَحدهمَا مُتَعَلقا بِالْآخرِ وَذَلِكَ بتعدده فِي نَفسه كَمَا إِذا رهن نصفي عبد فِي صفقتين بِأَلفَيْنِ ثمَّ قضي أَحدهمَا انْفَكَّ أحد النصفين وَلذَلِك لَو تعدد مُسْتَحقّ الدّين كَمَا إِذا رهن من رجلَيْنِ وَقضى دين أَحدهمَا أَو تعدد الْمُسْتَحق عَلَيْهِ فارتهن من رجلَيْنِ فَلَا يقف حكم أَحدهمَا على الآخر

وَلَا نظر إِلَى اتِّحَاد الْوَكِيل وتعدده فِي بَاب الرَّهْن لِأَنَّهُ لَيْسَ عقد عُهْدَة بِخِلَاف صَفْقَة البيع فَإِنَّهَا قد تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْوَكِيل وَهل تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْمَالِك فِيهِ وَجْهَان وَصورته أَن يستعير عبدا من رجلَيْنِ ويرهنه بِأَلفَيْنِ عَلَيْهِ ويرهن من شخص وَاحِد ثمَّ سلم ألفا وَقصد بِهِ فك نصيب أَحدهمَا فَمنهمْ من قَالَ لَا يَنْفَكّ نظرا إِلَى اتِّحَاد الدّين وَالْعقد وَمِنْهُم من نظر إِلَى تعدد الْمَالِك وَلَو اسْتعَار عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَفِي التَّعَدُّد وَجْهَان مرتبان وَأولى لانضمام تميز الْمَرْهُون إِلَى تميز الْمَالِك وَلَو مَاتَ الرَّاهِن وَخلف ابْنَيْنِ ذكر صَاحب التَّقْرِيب قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح أَن لَهُ حكم الِاتِّحَاد نظرا إِلَى حَال الرَّهْن نعم لَو مَاتَ الرَّاهِن قبل الرَّهْن وَتعلق الدّين بِالتَّرِكَةِ بِإِقْرَار الِابْنَيْنِ

فَقضى أَحدهمَا نصِيبه فَفِي انفكاك نصِيبه قَولَانِ ظاهران من حَيْثُ إِن التَّعَدُّد مقترن بِالِابْتِدَاءِ وَهُوَ بِنَاء على أَن أَحدهمَا لَو أقرّ هَل يُطَالب بِتمَام الدّين فرع حَيْثُ يتَمَيَّز الحكم بِتَعَدُّد الْمَالِك فَإِذا قضى أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه واستقسم الْمُرْتَهن فَكَانَ الشَّيْء مَكِيلًا أَو مَوْزُونا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ ذَلِك وَهُوَ تَفْرِيع على أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز حق لَا بيع حَتَّى يتَصَوَّر فِي الْمَرْهُون ثمَّ يُرَاجع القَاضِي الرَّاهِن فِيهِ فَإِن أَبى أجْبرهُ عَلَيْهِ وَفِي مُرَاجعَة الْمُرْتَهن وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه لَا ملك لَهُ وَلَكِن لَهُ حق فَإِن كَانَت الْقِسْمَة قسْمَة تَعْدِيل كَمَا لَو رهن رجلَانِ عَبْدَيْنِ مشتركين ثمَّ قضى أَحدهمَا نصِيبه وهما مُتَسَاوِيا الْقيمَة فَفِي الْإِجْبَار عَلَيْهَا قَولَانِ فَإِن قُلْنَا يجْبر فالرجوع إِلَى الْمُرْتَهن هَا هُنَا أولى لِأَنَّهُ أقرب إِلَى حَقِيقَة البيع من قسْمَة الْجِزْيَة

الْقسم الثَّانِي فِي قَضَاء الدّين من ثمن الْمَرْهُون وَذَلِكَ بِبيعِهِ عِنْد حُلُول الدّين فَلَا يسْتَقلّ الْمُرْتَهن بِهِ بل يرفعهُ إِلَى القَاضِي ثمَّ القَاضِي لَا يَبِيع بل يُكَلف الرَّاهِن قَضَاء الدّين أَو الْإِذْن فِي البيع فَإِن أذن وَقَالَ للْمُرْتَهن بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ الثّمن لي ثمَّ اقبضه لنَفسك صَحَّ بَيْعه واستيفاؤه لَهُ وَفِي قَبضه لنَفسِهِ خلاف منشؤه اتِّحَاد الْقَابِض والمقبض فَإِن قَالَ بِعْهُ لي وَاسْتَوْفِ لنَفسك صَحَّ البيع وَبَطل اسْتِيفَاؤهُ لنَفسِهِ لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن بعد ملك الرَّاهِن إِذْ لم يسْتَوْف لَهُ أَولا وَلَكِن يدْخل فِي ضَمَانه لِأَنَّهُ اسْتِيفَاء فَاسد فَلهُ فِي الضَّمَان حكم الصَّحِيح وَلَو قَالَ بِعْهُ لنَفسك بَطل الْإِذْن إِذْ لَا يتَصَوَّر أَن يَبِيع مَال الْغَيْر لنَفسِهِ فَلْيقل بِعْهُ لي فَإِن قَالَ بِعْ مُطلقًا فَفِيهِ خلاف وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيل الْمَنْع مِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُسْتَحقّ للْبيع فَيَنْصَرِف مُطلق اللَّفْظ إِلَى جَانِبه فَهُوَ كَقَوْلِه بِعْ لنَفسك وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ مُتَّهم فِي ترك المماكسة لِأَنَّهُ فِي غَرَض نَفسه يَتَحَرَّك فعلى هَذِه الْعلَّة لَو قدر الثّمن أَو كَانَ قبل حُلُول الْأَجَل أَو كَانَ الرَّاهِن حَاضرا

قَالُوا بِصِحَّة بَيْعه فرع لَو حضر الرَّاهِن مجْلِس القَاضِي وكلف الْمُرْتَهن إِحْضَار الرَّهْن حَتَّى يقْضِي دينه لم يلْزمه مُعَاملَة بل عَلَيْهِ قَضَاء الدّين فَإِذا قضى فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضا إِحْضَاره فَإِنَّهُ أَمَانَة فِي يَده فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّمْكِين من الْأَخْذ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع بَين الْمُتَعَاقدين وَهُوَ فِي أَرْبَعَة أُمُور العقد وَالْقَبْض وَالْجِنَايَة وَمَا يُوجب فك الرَّهْن بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النزاع الأول فِي العقد وَمهما اخْتلفَا فِيهِ فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن فروع ثَلَاثَة الأول إِذا تنَازعا فِي قدر الْمَرْهُون فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن لِأَن الأَصْل عدم الرَّهْن فَلَو صادفنا فِي يَد الْمُرْتَهن أَرضًا وفيهَا نخيل وَادّعى كَون النخيل رهنا فَأنْكر الرَّاهِن وجوده لَدَى العقد كفائه ذَلِك إِن أمكن صدقه وَيحلف عَلَيْهِ وَإِن كذبه الْحس فَلهُ أَن يحلف على نفي الرَّهْن لَا على نفي الْوُجُود فَلَو أستمر على إِنْكَار الْوُجُود على خلاف الْحس جعل ناكلا عَن الْيَمين وَردت الْيَمين على الْمُرْتَهن فَإِن ترك ذَلِك وَرجع الى أنكار الرَّهْن لم يمْنَع مِنْهُ وَإِن كذب نَفسه فِيمَا سبق من أنكار الْوُجُود الثَّانِي إِذا أدعى رجل على رجلَيْنِ رهن عبد وَاحِد لَهما عِنْده فكذبه أَحدهمَا وَصدقه الآخر فللمصدق أَن يشْهد على المكذب لِأَن الشَّرِيك يشْهد على الشَّرِيك وَلَو ادّعى رجلَانِ على رجل رهن عبد وَاحِد مِنْهُمَا فكذب أَحدهمَا فَشهد

الْمُصدق للمكذب فَفِي قبُوله وَجْهَان بنبليان على أَنه لَو لم يشْهد لَهُ هَل كَانَ المكذب يُشَارِكهُ فِي نصفه مُؤَاخذَة لَهُ بِتَصْدِيق وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ادّعَيَا هبة عبد فَصدق أَحدهمَا فَهَل يَأْخُذ المكذب مِمَّا سلم لَهُ النّصْف وَلَا خلاف فِي أَنَّهُمَا لَو أدعيا وراثة عبد فَصدق أَحدهمَا يُشَارِكهُ المكذب فِيهِ الثَّالِث لَو أدعى رجلَانِ على رجل وَاحِد أَنه رهن عَبده مِنْهُ على الْكَمَال فَصدق أَحدهمَا سلم إِلَيْهِ وَهل يحلف للثَّانِي يَنْبَنِي على أَنه لَو أقرّ للثَّانِي هَل كَانَ يغرم لَهُ وَفِيه قولا ضَمَان الْحَيْلُولَة فَإِن قَالَ رهنت من أَحَدكُمَا ونسيت فَيحلف على نفي الْعلم فَإِن نكل رد الْيَمين عَلَيْهِمَا فَإِن تحَالفا أَو تناكلا فسخ القَاضِي الرَّهْن لتعذر الْإِمْضَاء وَأَن حلف الرَّاهِن على نفي الْعلم فَالصَّحِيح أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا لَو نكل وَفِيه

وَجه أَنه انْتَهَت الْخُصُومَة أما إِذا كَانَ فِي يَد أَحدهمَا وَأقر الرَّاهِن للثَّانِي بعد وُقُوع الِاتِّفَاق على جَرَيَان رهن وَقبض مَعَ كل وَاحِد لَكِن وَقع النزاع فِي السَّبق فَقَوْلَانِ اخْتِيَار الْمُزنِيّ تَرْجِيح الْيَد على الْإِقْرَار وَهُوَ ضَعِيف وَالأَصَح النّظر إِلَى مُوجب الْإِقْرَار ثمَّ فرغ الْمُزنِيّ وَقَالَ لَو قَالَ صَاحب الْيَد كَانَ فِي يَد الْمقر لَهُ قبل هَذَا وَلَكِن غصبا فَيُقَال لَهُ اعْترفت بِالْيَدِ وادعيت الْغَصْب فَهُوَ فِي يَده إِذا لَا فِي يدك

النزاع الثَّانِي فِي الْقَبْض وَالْقَوْل فِيهِ ايضا قَول الرَّاهِن ايضا إِذْ الأَصْل عَدمه إِذا كَانَ فِي يَد الرَّاهِن فَإِن كَانَ عِنْد النزاع فِي يَد الْمُرْتَهن فَكَذَلِك القَوْل قَوْله إِن قَالَ غصبتنية وَفِيه وَجه بعيد وَأَن قَالَ أعرتكه أَو أكريتكه أَو أودعتكه فَوَجْهَانِ وَوجه الْفرق أَنه أقرّ بِقَبض مَأْذُون فِيهِ ويجريان الرَّهْن وَهُوَ يَدعِي صرفه عَن جِهَة الرَّهْن فَالظَّاهِر خِلَافه وَكَذَا الْخلاف إِذا قَالَ المُشْتَرِي للْبَائِع أعرتك الْمَبِيع بعد قبض الْمَبِيع عَن جِهَة البيع وَقَالَ البَائِع بل هُوَ مَحْبُوس بِأَصْل الثّمن وَحقّ الْحَبْس لَا يبطل بالإعارة وَلَو اتفقَا على أَن الرَّاهِن أذن فِي الْقَبْض وَقَالَ الرَّاهِن لم نقبض بعد فَإِن كَانَ فِي يَده فَالْقَوْل قَوْله وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُرْتَهن فَهُوَ الْمُصدق بِهِ فرع لَو قَامَت بَيِّنَة على الرَّاهِن بالإقباض بعد إِنْكَاره فَقَالَ كذب الشُّهُود لم

يلْتَفت اليه فَلَو شهدُوا على إِقْرَاره فَقَالَ صدقُوا لكني كذبت فِي الْإِقْرَار فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يقبل كَمَا لَو أقرّ فِي مجْلِس الْقَضَاء ثمَّ رَجَعَ وَالثَّانِي يقبل لِأَنَّهُ مُمكن فليتمكن من تَحْلِيف الْخصم على نفي الْعلم بذلك وَالثَّالِث وَهُوَ الاعدل أَنه قَالَ غَلطت لوصول كتاب وَكيل لي أَو أشهدت على الرَّسْم فِي القبالة قبل التَّحْقِيق فَيسمع حَتَّى يحلف الْخصم وَإِن قَالَ كذبت عمدا فَلَا يسمع

النزاع الثَّالِث فِي الْجِنَايَة أَن جنى على الْمَرْهُون واعترف الْجَانِي وَصدقه الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن غرمه للرَّاهِن وَلم يتَعَلَّق بالارش حق الْمُرْتَهن وَإِن صدقه الْمُرْتَهن دون الرَّاهِن غرم للْمُرْتَهن فَإِن قضى الرَّاهِن دينه من مَوضِع آخر أَنْفك الرَّهْن وَبَقِي هَذَا مَالا لَا يَدعِيهِ أحد لنَفسِهِ فَهُوَ لبيت المَال أَو يرد على الْجَانِي فِيهِ خلاف أما إِذا جنى الْمَرْهُون واعترف بِهِ الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن وَإِذا بيع العَبْد فِي دين الْمُرْتَهن لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِخْرَاج الثّمن من يَد الْمُرْتَهن مُؤَاخذَة لَهُ بقوله لِأَن حق الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَا يتَعَلَّق بِالثّمن إِن صَحَّ البيع وَإِن بَطل فكمثل لآن الثّمن للْمُشْتَرِي لَا للْمُرْتَهن والراهن أما إِذا أعترف بِهِ الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن أَو قَالَ الرَّاهِن ابْتِدَاء رهنته بعد الْجِنَايَة المستغرقة أَو كَانَ مَغْصُوبًا أَو معتقا فَفِي قبُول إِقْرَاره ثَلَاثَة أَقْوَال كَمَا فِي الْعتْق إِذا تعَارض قيام الْملك وَانْتِفَاء التُّهْمَة مَعَ تعلق حق الْمُرْتَهن ويجرى هَذَا الْخلاف فِي العَبْد الْمُسْتَأْجر

وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِي الْمَبِيع إِذا قَالَ كنت أَعتَقته قبل البيع إِذْ لَا ملك فِي الْحَال وَالصَّحِيح أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِذا لم تكن الْجِنَايَة مستغرقة لِأَن التُّهْمَة قَائِمَة التَّفْرِيع ان قُلْنَا لَا يقبل اقراره فَيحلف الْمُرْتَهن على نفي الْعلم فَإِن حلف فَهَل يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ يَنْبَنِي على قولي الْغرم بالحيلوله وَإِن نكل فَترد الْيَمين على الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو الرَّاهِن فِيهِ قَولَانِ إِن قُلْنَا على الْمَجْنِي عَلَيْهِ فَإِن حلف اسْتحق عَلَيْهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمُرْتَهن لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ وَإِن نكل فَاتَ الْمُرْتَهن بِهِ وَلم يغرم الرَّاهِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ شَيْئا لِأَنَّهُ أبطل حق نَفسه بِنُكُولِهِ وَإِن قُلْنَا ترد على الرَّاهِن فَإِن حلف سلم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَإِن نكل فَهَل للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يحلف لَهُ وَيَقُول لَيْسَ لَك أَن تبطل حَقي بنكولك فِيهِ

قَولَانِ وَوجه الْمَنْع أَن يَمِين الرَّد قد انْتَهَت نهايتها بنكول الْمَرْدُود عَلَيْهِ أَعنِي الرَّهْن وَإِن قُلْنَا يقبل إِقْرَاره فَهَل للْمُرْتَهن تَحْلِيفه وَجْهَان وَوجه الْمَنْع انه أقرّ على ملك نَفسه فَإِن قُلْنَا لَا يحلف فقد تَبينا بطلَان الرَّهْن تَصْدِيقًا لَهُ فَلَيْسَ للْمُرْتَهن إِلَّا الْخِيَار فِي البيع الَّذِي شَرط فِيهِ الرَّهْن إِن كَانَ قد شَرط وَكَذَلِكَ إِن قُلْنَا إِنَّه يحلف فَحلف وَإِن نكل الْمقر حلف الْمُرْتَهن وَفِي نتيجة حلفه قَولَانِ أَحدهمَا تَقْرِير العَبْد فِي يَده وَالثَّانِي أَن يغرم لَهُ الرَّاهِن فَإِن قُلْنَا بالغرم فَهَل يثبت لَهُ خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ وَلم يسلم عين العَبْد الْمَشْرُوط وَإِنَّمَا يسلم قِيمَته فِيهِ وَجْهَان وَوجه منع الْخِيَار أَنه يَجْعَل بِإِقْرَارِهِ متلفا بعد الْإِقْبَاض وغارما وَذَلِكَ لَا يُوجب الْخِيَار فَإِن قيل فَلَو أقرّ الرَّاهِن بالاستيلاد

قُلْنَا يثبت حريَّة الْوَلَد وَالنّسب وَفِي أُمِّيّه الْوَلَد مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْعتْق وَزيد هَاهُنَا أَمر وَهُوَ أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الرَّهْن كَانَ كدعوى الْعتْق قبل الرَّهْن وَإِن كَانَ لأكْثر فَلَا لِأَنَّهُ يحْتَمل تراخيه عَن الرَّهْن فَلَا يقبل فَهُوَ كَمَا لَو أعترف باستيلاد متراخ فَإِن قُلْنَا لَا ينفذ أستيلاده إِذا صدق فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا ينفذ فَفِي اقراره وَجْهَان مأخذه إِقْرَار المبذر بِإِتْلَاف أَو طَلَاق لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا ينفذ لَو أنشأه وَلكنه مَمْنُوع من إنشائه شرعا

النزاع الرَّابِع فِيمَا يفك الرَّهْن وَفِيه أَرْبَعَة فروع الأول إِذا كَانَ الْمُرْتَهن أذن فِي بيع الرَّهْن وَبَاعَ الرَّاهِن وَرجع الْمُرْتَهن وَادّعى أَنه رَجَعَ قبل بَيْعه وَقَالَ الرَّاهِن بل رجعت بعد البيع فَالْأَظْهر أَن القَوْل قَوْله فَإِن الأَصْل عدم الرُّجُوع ويعارضه أَن الأَصْل عدم البيلبع فَيبقى أَن الأَصْل اسْتِمْرَار الرَّهْن وَقيل إِن القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الْمُرْتَهن أعترف بِالْإِذْنِ وَالْبيع ويدع رُجُوعا سَابِقًا وَالْأَصْل عَدمه الثَّانِي لَو سلم إِلَى الْمُرْتَهن ألفا بِهِ رهن وَله على الرَّاهِن ألف آخر لَا رهن بِهِ فتنازعا وَقَالَ الرَّاهِن سلمته عَن جِهَة الرَّهْن فانفك فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ يخْتَلف بنيته وَهُوَ أعرف بِهِ وَالْعبْرَة بنيته حَتَّى لَو ظن الْمُرْتَهن أَنه أودعهُ وَهُوَ قصد قَضَاء الدّين حصل الْملك دون قصد التَّمْلِيك وَلَو قَالَ الْمُؤَدِّي مَا قصدت شَيْئا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا التَّوْزِيع على الدينَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يُقَال لَهُ الْآن يَنْبَغِي أَن تنوي مَا تُرِيدُ

وَكَذَا الْخلاف فِي الْوَكِيل عَن جِهَة مستحقين إِذا قبض ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجِهَة الثَّالِث إِذا بَاعَ الْعدْل الْمَرْهُون بِالْإِذْنِ وَادّعى تَسْلِيم الثّمن الة الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمِينه إِلَّا فِي حفظ الْمَرْهُون فَلَا يلْزمه تَصْدِيقه فِي الثّمن الَّذِي هُوَ بذل الْمَرْهُون وَلَا يجوز صرفه إِلَيّ الْمُرْتَهن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن ثمَّ للْمُرْتَهن مُطَالبَة من شَاءَ من الْعدْل والراهن فَإِن ضمن الْعدْل لم يرجع على الرَّاهِن لِأَنَّهُ مظلوم بِزَعْمِهِ وَلَا يرجع إِلَّا على من ظلمه الرَّابِع إِذا تنَازعا فِي عيب الْمَرْهُون أَنه قديم يثبت خِيَار الْفَسْخ فِي البيع الْمَشْرُوط فِيهِ أم حَادث القَوْل قَول الرَّاهِن إِذْ الأَصْل عدم الْعَيْب وَلذَلِك كَانَ القَوْل قَول البَائِع فِي مثل هَذِه الصُّورَة وَلَو قَالَ الْمُرْتَهن أقبضتني الْعصير الْمَرْهُون بعد انقلابه خمرًا وَقَالَ الرَّاهِن بل قبله وَلَا فسخ لَك فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن الأَصْل بَقَاء الْحَلَاوَة وَالثَّانِي أَن الأَصْل عدم الْقَبْض الصَّحِيح والراهن يَدعِيهِ وَهَذَا يلْتَفت على أَن الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَحْكِي وسكوته وَهُوَ الْمُرْتَهن هَاهُنَا أَو من يَدعِي خلاف الظَّاهِر وَهُوَ الرَّاهِن هَاهُنَا وَفِيه قَولَانِ وَهَذَا تنَازع بِالْحَقِيقَةِ يرجع إِلَيّ العقد وَالْقَبْض فليلحق بالقسم الأول

كتاب التَّفْلِيس

والتفليس أَن يَجْعَل من عَلَيْهِ الدّين مُفلسًا بِبيع مَاله وَمهما التمس الْغُرَمَاء الْحجر عَلَيْهِ بديونهم الْحَالة الزَّائِدَة على قدر مَاله فللقاضي الْحجر عَلَيْهِ وَبيع مَاله فِي حَقهم فَإِن قيل فَلَو كَانَت الدُّيُون مُؤَجّلَة قُلْنَا لَا لِأَنَّهُ لَا مُطَالبَة فِي الْحَال وَالصَّحِيح أَن الدُّيُون المؤجلة لَا تحل بِالْحجرِ على الْمُفلس وَلَا بالجنون وَإِن كَانَت تحل بِالْمَوْتِ فَإِن قيل فَإِن لم تكن الدُّيُون زَائِدَة على المَال قُلْنَا فِي المساوية لِلْمَالِ وَجْهَان وَفِي المقاربة للمساواة وَهِي نَاقِصَة وَجْهَان مرتبان وَإِن لم تقَارب فَلَا حجر عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمَيِّت فَإِن الْوَرَثَة يمْنَعُونَ من التَّرِكَة وَإِن لم يسْتَغْرق الدّين نظرا للْمَيت فَإِن قيل فَلَو التمس بعض الْغُرَمَاء قُلْنَا إِن زَاد دينه على قدر المَال أُجِيب وَإِن سَاوَى أَو قَارب فعلى الْخلاف

وَلَو التمس الْمُفلس بِنَفسِهِ دون الْغُرَمَاء فَفِي إجَابَته وَجْهَان أشبههما بِالْحَدِيثِ أَنه يُجَاب إِذْ حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على معَاذ بالتماسه وَأَبُو حنيفَة لم ير هَذَا الْحجر ومعتمدنا حجره عَلَيْهِ السَّلَام على معَاذ وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته أَلا إِن أسيفع أسيفع جهنية رَضِي من دينه وأمانته بِأَن يُقَال سبق الْحَاج فادان معرضًا فَأصْبح وقدرين بِهِ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليأتنا غَدا فَإنَّا بايعو مَاله غَدا وقاضو دينه فَمن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين

فليحضر ثمَّ دين الْغُرَمَاء يَنْقَسِم إِلَى مَا يكون عَن ثمن مَبِيع وَالْمَبِيع قَائِم وَإِلَى مَا يكون عَن غَيره

الْقسم الأول من الْكتاب فِيمَا إِذا لم يكن من ثمن مَبِيع أَو كَانَ وَلَكِن الْمَبِيع هَالك فالنظر فِي ثَلَاثَة أَحْكَام فِيمَا امْتنع من التَّصَرُّفَات بِالْحجرِ وَفِي بيع مَاله وَفِي حَبسه الحكم الأول التَّصَرُّف الْمَحْجُور فِيهِ وَهُوَ كل تصرف مُبْتَدأ يُصَادف المَال الْمَوْجُود عِنْد ضرب الْحجر فَفِيهِ ثَلَاثَة قيود الأول مَا يُصَادف المَال احْتَرز بِهِ عَن التَّصَرُّف فِي الْبضْع جلبا بِالنِّكَاحِ وَإِزَالَة بِالْخلْعِ وَفِي الدَّم استيقاء بِالْقصاصِ وإسقاطا بِالْعَفو وَفِي النّسَب إِثْبَاتًا بالاستلحاق وإسقاطا بِاللّعانِ وَفِي المَال الْجَدِيد باجتلاب باحتطاب أَو احتشاش أَو اتهاب أَو قبُول وَصِيَّة أَو شِرَاء على الْمَذْهَب الْأَصَح فَكل ذَلِك لَا حجر فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ بِمَا يُوجب عَلَيْهِ قصاصا أَو رشا قبل مِنْهُ ويؤاخد مِنْهُ بِالْأَرْشِ بعد فك الْحجر لَا من هَذَا المَال وَلَو أقرّ فِي عين مَال بِأَنَّهُ مَغْصُوب أَو وَدِيعَة عِنْده ذكر الشَّافِعِي رَضِي الله

عَنهُ فِي الْقَدِيم قَوْلَيْنِ وَوجه الْقبُول نفي التُّهْمَة وَكَونه أَهلا للإقرار فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يجب طرد هَذَا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ حَتَّى يقْضى من المَال مَعَ سَائِر الْغُرَمَاء أَيْضا لنفي التُّهْمَة وَإِلَّا فَلَا فرق أما مَا يُصَادف عين المَال كَالْعِتْقِ وَالْبيع وَالْهِبَة وَالرَّهْن وَالْكِتَابَة كل ذَلِك فَاسد وَلَا يخرج ذَلِك على عتق الرَّاهِن لِأَن هَذَا الْحجر لم ينشأ إِلَّا للْمَنْع من مثله مَقْصُودا فَإِن فِي تنفيذه تَضْييع الْحُقُوق ثمَّ لَو فضل العَبْد الْمُعْتق أَو الْمَبِيع أَو أَبْرَأ عَن الدّين فَفِي تَنْفِيذ الْعتْق قَولَانِ وَفِي البيع قَولَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يقبل الْوَقْف وَوجه التَّنْفِيذ أَن البيع صدر من أَهله وصادف مَحَله وَكُنَّا نظنه دافعا لحق لَا سَبِيل إِلَى دَفعه والآن تبين أَنه لم يحصل بِهِ دفع مَحْذُور وَفَائِدَة هَذَا القَوْل أَنا مَا دمنا نجد سَبِيلا إِلَى قَضَاء الدّين من مَوضِع آخر نَفْعل فَإِن لم نجد صرفنَا إِلَيْهِ الْمَبِيع ثمَّ الْمكَاتب ثمَّ الْمُعْتق فنجعله آخرهَا وَهَذَا التَّرْتِيب مُسْتَحقّ على هَذَا القَوْل

الْقَيْد الثَّانِي قَوْلنَا المَال الْمَوْجُود عِنْد الْحجر احترزنا بِهِ عَمَّا تجدّد بِإِرْث أَو باحتطاب أَو وَصِيَّة أَو اتهاب أَو شِرَاء إِذا صححنا الشِّرَاء فَفِي تعدِي الْحجر إِلَيْهِ وَجْهَان فَمن قَائِل الْمَقْصُود الْحجر عَلَيْهِ فِي نَفسه وَمن قَائِل يَقُول الْمَقْصُود الْحجر فِي المَال وَهَذَا لم يكن مَوْجُودا ثمَّ إِذا صححنا الشِّرَاء فَهَل للْبَائِع التَّعَلُّق بِعَين الْمَبِيع وَقد أنشأ البيع فِي حَال الْحجر والإفلاس فِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يعلم إفلاسه أَو لَا يعلم وَالظَّاهِر أَنه إِذا كَانَ جَاهِلا ثَبت الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لَا يثبت الْخِيَار لِأَن هَذَا الْحجر لم يضْرب لأَجله بل ضرب قبله فَفِي الثّمن وَجْهَان أَحدهمَا يصبر وَلَا يضارب بِهِ فَإِنَّهُ دين جَدِيد وَالْمَال لَا يصرف إِلَى دين جَدِيد وَالثَّانِي أَنه يضارب لِأَنَّهُ أَدخل فِي ملكه شَيْئا جَدِيدا بِدِينِهِ الْجَدِيد وَسَائِر الدُّيُون الجديدة من مهر نِكَاحه وضمانه وَغَيره لَا تقضى من مَاله إِلَّا مَا هُوَ من مصلحَة الْحجر كَأُجْرَة الكيال والحمال فَإِنَّهَا تقدم على سَائِر حُقُوق الْغُرَمَاء

الْقَيْد الثَّالِث قَوْلنَا مُبْتَدأ احترزنا بِهِ عَن مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنه لَو اشْترى بِهِ شَيْئا وَوجد بِهِ عَيْبا وَكَانَت الْغِبْطَة فِي رده فَلهُ ذَلِك وَلَيْسَ للْغُرَمَاء مَنعه لِأَن سَبَب اسْتِحْقَاقه قد سبق وَلَو تعذر الرَّد بِعَيْب حَادث اسْتحق الْأَرْش وَلَا ينفذ إبراؤه كَمَا لَا ينفذ فِي سَائِر الدُّيُون لِأَنَّهُ إبِْطَال حق الْغُرَمَاء وَلَو أمكن رده وَلكنه مَعَ الْعَيْب يُسَاوِي أَضْعَاف الثّمن فَلَيْسَ لَهُ الرَّد لِأَنَّهُ تَفْوِيت من غير غَرَض فَلذَلِك لَيْسَ لوَلِيّ الطِّفْل فِي مثل هَذِه الصُّورَة الرَّد ثمَّ لَا يُطَالب بِالْأَرْشِ فَإِن الرَّد مُمكن فِي حَقه وَإِنَّمَا وَقع الِامْتِنَاع مَعَ الْإِمْكَان للْمصْلحَة الثَّانِيَة إِذا اشْترى بِشَرْط الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فحجر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ الْمدَّة قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْفَسْخ وَالْإِجَازَة دون الْغُرَمَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بمستحدث فَمن الْأَصْحَاب من وَافق هَذَا الْإِطْلَاق وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ رِعَايَة الْغِبْطَة وَمِنْهُم من قَالَ يفرع على أَقْوَال الْملك فَحَيْثُ كَانَ بِالْفَسْخِ أَو الْإِجَازَة مزيل

الْملك فَلَا يجوز إِلَّا بِشَرْط الْغِبْطَة كَمَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ وَحَيْثُ يكون جالب ملك لَا مزيلا فَلَا حجر عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَاب والتحصيل وَمن أطلق علل بِأَن الْملك لم يثبت بعد فَهُوَ فِي الِابْتِدَاء بِخِلَاف الرَّد بِالْعَيْبِ فرعان الأول أَنه لَو كَانَ لَهُ على غَيره دين فَأنْكر فَرد الْيَمين عَلَيْهِ فنكل أَو كَانَ لَهُ شَاهد وَلم يحلف فَلَيْسَ للْغَرِيم أَن يحلف إِذْ لَا حق لَهُ على غير من عَلَيْهِ الدّين وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْقَوْلَيْنِ فِي نُكُول الْوَارِث أَن الْغَرِيم هَل يحلف فَمنهمْ من خرج هَاهُنَا قولا وَوَجهه أَنه لَا يبطل حق الْغَرِيم بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالنّكُولِ

وَمِنْهُم من فرق بِأَن الْوَارِث لَيْسَ يَدعِي الدّين لنَفسِهِ فَهُوَ والغريم سَوَاء فِي أَنَّهُمَا يدعيان للْمَيت وَالْمَيِّت عَاجز وَأما هَاهُنَا الْمُسْتَحق حَيّ فاليمين من غير الْمُسْتَحق مَعَ نُكُوله بعيد وَكَذَلِكَ الْأَصَح أَن الْغَرِيم هَاهُنَا لَا يَبْتَدِئ بِالدَّعْوَى على الْإِنْسَان بِأَن للْمُفلس عَلَيْهِ حَقًا بِخِلَاف الْمَيِّت وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِذا قُلْنَا يحلف لَا يبعد أَن يَدعِي ابْتِدَاء بِهِ وَالثَّانِي لَو أَرَادَ من عَلَيْهِ الدّين سفرا مَنعه من لَهُ دين حَال وَمن لَهُ دين مُؤَجل فَلَا بل يلازمه إِن أَرَادَ مُطَالبَته عِنْد حُلُول الْأَجَل وَفِي سفر للغزو خلاف لِأَن الْمصير إِلَى الْهَلَاك الذى هُوَ سَبَب الْحُلُول وَهُوَ بعيد وَلَو طلب صَاحب الدّين كَفِيلا أَو إشهادا لم يلْزمه وَفِي لُزُوم الْإِشْهَاد وَجه بعيد وَفِي سَماع الدَّعْوَى بِالدّينِ الْمُؤَجل خلاف وَكَذَا بِالدّينِ الْحَال مَعَ الِاعْتِرَاف بالإفلاس وَكَذَا بِالدّينِ على العَبْد وَكَذَا دَعْوَى الْمُسْتَوْلدَة الِاسْتِيلَاد على الْمَبِيع قبل أَن تعرض على البيع

الحكم الثَّانِي بيع مَال الْمُفلس وقسمته وللقاضي ذَلِك بِشَرْط رِعَايَة الْغِبْطَة والمصلحة فيبيع بِثمن الْمثل وَلَا يسلم الْمَبِيع قبل قبض الثّمن ويبادر إِلَى بيع الْحَيَوَان وَلَا يطول مُدَّة الْحجر وَيبِيع بِحُضُور الْمُفلس فَهُوَ أبعد عَن التُّهْمَة وَرُبمَا يطلع الْمُفلس على زبون يَشْتَرِي بِزِيَادَة وَيجمع أَثمَان السّلع ليقسم على نِسْبَة الدُّيُون دفْعَة وَاحِدَة فَإِن لم يصبروا قسم كل مَا يحصل وَلَا يُكَلف الْغُرَمَاء حجَّة على أَن لَا غَرِيم سواهُم اكْتِفَاء بِأَنَّهُ لَو كَانَ لظهر مَعَ استفاضة الْحجر فَلَو ظهر غَرِيم بدين قديم لم ينْقض الْقِسْمَة بل رَجَعَ على كل غَرِيم بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيع وَلَو خرج مَبِيع مُسْتَحقّا رَجَعَ المُشْتَرِي بِالثّمن على الْغُرَمَاء وَتقدم بمقداره لَا بطرِيق الْمُضَاربَة فَإِن بيع مَاله من مصلحَة الْحجر وَلَا يرغب النَّاس فِيهِ مَا لم يثقوا بِضَمَان الدَّرك على الْكَمَال ثمَّ لَا يَبِيع جَمِيع مَاله بل ينْفق عَلَيْهِ مُدَّة الْحجر وعَلى زَوجته وأقاربه وَيتْرك لَهُ عِنْد البيع نَفَقَة يَوْمه وَكَذَا لزوجته وأقاربه وَلم يلْحق بالمعسر فِي إِسْقَاط نَفَقَة الْقَرِيب عَنهُ فِي هَذَا الْيَوْم وَيتْرك لَهُ دست ثوب يَلِيق بمنصبه حَتَّى الطيلسان والخف إِن كَانَ حطه عَنهُ يخرق مروءته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ قدم تكفينه وتجهيزة فَإِنَّهُ حَاجَة وقته ثمَّ يقْتَصر على ثوب وَاحِد أم لَا بدل لَهُ من ثَلَاثَة أَثوَاب فِيهِ خلاف ذَكرْنَاهُ فِي الْجَنَائِز

وَالْمذهب أَنه يُبَاع مَسْكَنه وخادمه وَنَصّ فِي الْكَفَّارَات على أَنه يعدل إِلَى الصَّوْم وَإِن وجد خَادِمًا ومسكنا فَقيل يطرد الْقَوْلَيْنِ نقلا وتخريجا وَقيل بِالْفرقِ من حَيْثُ إِن حق الله مَبْنِيّ على المساهلة وَأَن الْكَفَّارَة لَهَا بدل وَقيل أَيْضا يُبَاع الْخَادِم دون الْمسكن ثمَّ يقْتَصر على مَا يَلِيق بِهِ فِي الْمسكن وَمَا يتْرك لَهُ إِذا كَانَ مَوْجُودا فِي يَده يشترى لَهُ إِذا لم يكن ثمَّ لَا يستكسب فِي أَدَاء الدُّيُون بإجارته خلافًا لِأَحْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ مثله يُؤَاجر نَفسه كلف ذَلِك وَفِي إِجَارَة مستولدته وَجْهَان وَكَذَا إِجَارَة مَا وقف عَلَيْهِ فَإِن قُلْنَا يفعل ذَلِك فالحجر يَدُوم إِلَى الْوَفَاء بِتمَام الدُّيُون لِأَن ذَلِك لَا مرد لَهُ ثمَّ إِذا اعْترف الْغُرَمَاء بِأَن لَا مَال لَهُ سوى مَا قسم فَهَل يَنْفَكّ الْحجر أم يحْتَاج إِلَى فك القَاضِي خيفة غَرِيم آخر يظْهر فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْخلاف لَو تطابقوا على رفع الْحجر عَنهُ وَمِنْه يتشعب خلاف فِي أَنه لَو لم

يكن لَهُ إِلَّا غَرِيم وَاحِد فَبَاعَ مَاله مِنْهُ بِالدّينِ الذى عَلَيْهِ قَالَ صَاحب التَّلْخِيص يَصح إِذا لحق لَا يعدوهما وَفِيه رفع الْحجر بِسُقُوط الدّين وَقَالَ أَبُو زيد لَا يَصح فَرُبمَا يكون لَهُ غَرِيم آخر قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَو بَاعَ بِإِذن الْغَرِيم من أَجْنَبِي أَو بَاعه من الْغَرِيم لَا بِالدّينِ لم يَصح وفَاقا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رفع الْحجر قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يحْتَمل أَن يُقَال يَصح إِذْ الْحق لَا يعدوهما

الحكم الثَّالِث حَبسه إِلَى ثُبُوت إِعْسَاره فَإِذا قسم مَا وجد من مَاله وَبَقِي بعض الدّين أَو ادّعى على من لَا مَال لَهُ ظَاهرا واعترف فَيحْبس فَإِن ظهر للْقَاضِي عناده فِي إخفاء المَال يترقى إِلَى تعزيره بِمَا لَا يزِيد فِي كل نوبَة على الْحَد فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على الْإِعْسَار خلي فِي الْحَال وَأنْظر إِلَى ميسرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تسمع بَيِّنَة الْإِعْسَار إِلَّا بعد مُضِيّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شَهْرَيْن فِي رِوَايَة ثمَّ ليشهد من يخبر بواطن أَحْوَاله فَإِنَّهُ يشْهد على النَّفْي فَإِذا قَالَ الشَّاهِد خبرت بواطن أَحْوَاله كفى ذَلِك فَإِنَّهُ عدل فَيصدق فِيهِ كَمَا فِي أصل الشَّهَادَة وَكَذَا الشَّهَادَة على أَن لَا وَارِث سوى الْحَاضِر ثمَّ للْغَرِيم أَن يحلفهُ مَعَ الشَّاهِد فَلَعَلَّ لَهُ مَالا لَا يطلع الشَّاهِد عَلَيْهِ فَإِن قَالَ لست أطلب يَمِينه لم يحلف وَإِن سكت فَالْقَاضِي هَل يحلفهُ ثمَّ يخليه من

الْحَبْس أَو يخليه دون التَّحْلِيف فِيهِ وَجْهَان فَمن قَالَ يحلفهُ جعل ذَلِك من أدب الْقَضَاء وَأما إِذا عجز عَن إِقَامَة بَيِّنَة الْإِعْسَار فَإِن عهد لَهُ من قبل يسَار فَلَا يُغْنِيه إِلَّا الْبَيِّنَة وَإِن لم يعْهَد قطّ مُوسِرًا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا القَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل الْفقر واليسار طَارِئ وَالثَّانِي لَا إِذْ الْغَالِب على الْحر الْقُدْرَة وَالثَّالِث أَن الدّين إِن لزمَه بِاخْتِيَارِهِ فَالظَّاهِر أَنه لم يلْتَزم إِلَّا مَعَ الْقُدْرَة وَإِلَّا فَالْقَوْل قَوْله التَّفْرِيع إِن قُلْنَا القَوْل قَوْله فَيقبل يَمِينه على البدار وَكَانَ يحْتَمل هَاهُنَا توقف كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الشُّهُود وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فَلَو كَانَ غَرِيبا فتخليد الْحَبْس عَلَيْهِ إِضْرَار فللقاضي أَن يُوكل بِهِ شَاهِدين يستخبران عَن منشئه ومولده ومنقلبه وَيحصل لَهما غَلَبَة ظن فِي إِعْسَاره بِقَرِينَة حَاله فيشهدان على الْإِعْسَار

فرع فِي حبس الْوَالِدين فِي دين الْوَلَد وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ تَعْذِيب وعقوبة وَالْولد لَا يسْتَحق عُقُوبَة على وَالِديهِ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الإرهاق إِلَى قَضَاء الْحق وَمنعه يُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتَرف الْوَالِد بِالدّينِ وَيمْتَنع عَن الْأَدَاء مَعَ الْيَسَار ويعجز عَن اسْتِيفَائه فَإِن قيل يلازم إِلَى أَن يُؤَدِّي قُلْنَا إِن لم يمْنَع عَن تردده فِي حاجاته مَعَ الْمُلَازمَة فَهُوَ تَعْذِيب للملازم وَلَا يجدي شَيْئا وَإِن منع من التَّرَدُّد إِلَى أَن يقْضِي الدّين فَلَا معنى للحبس إِلَّا هَذَا والسجان هُوَ الملازم

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِيمَا إِذا كَانَت الدُّيُون لَازِمَة من أَثمَان السّلع وَهِي قَائِمَة فَللْبَائِع الرُّجُوع فِي عين مَتَاعه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت الرُّجُوع وَضبط الْمَذْهَب أَن يقدر اسْتِيفَاء كَمَال الْعِوَض الْحَال الْمُسْتَحق فِي مُعَاوضَة مَحْضَة سَابِقَة على الْحجر بِسَبَب إفلاس الْمُسْتَحق عَلَيْهِ يثبت الرُّجُوع على الْفَوْر إِلَى عين المعوض إِذا كَانَ قَائِما بِحَالهِ

والضبط مُقَيّد بقيود لَا بُد من بَيَانهَا الْقَيْد الأول التَّعَذُّر وَهُوَ مُؤثر فَإِنَّهُ لَو قدر على اسْتِيفَاء كَمَال الثّمن بعد الإفلاس لتجدد مَال أَو لكَون المَال مُسَاوِيا للديون فَلَا رُجُوع لَهُ وَلَو قَالَ الْغُرَمَاء خُذ تَمام الثّمن بعد الإفلاس فَنحْن نقدمك بِهِ ثَبت الرُّجُوع لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يتقلد مِنْهُم ويحذر ظُهُور غَرِيم آخر لَا يرضى بِهِ فالتعذر حَاصِل أما الْحَال فقد احترزنا بِهِ عَن الْمُؤَجل فَلَا رُجُوع بِهِ إِذْ الرُّجُوع يَنْبَنِي على تعذر الثّمن والتعذر يَنْبَنِي على توجه الطّلب وَلم يتَوَجَّه الطّلب وَمِنْهُم من قَالَ يثبت الْفَسْخ وَلَكِن يُقرر الْمَبِيع وَتوقف إِلَى أَن يحل الْأَجَل فَيسلم إِلَيْهِ وَلَا يفْتَقر إِلَى اسْتِئْنَاف حجر بِسَبَبِهِ وَفِيه وَجه آخر أَن الدّين يحل بالفلس كَمَا يحل بِالْمَوْتِ وَالْجُنُون فَهُوَ كالديون الْحَالة وَهُوَ بعيد ثمَّ إِذا قُلْنَا لَا فسخ فَلَو صرف الْمَبِيع إِلَى حُقُوق الْغُرَمَاء فَلَا كَلَام وَإِن حل الْأَجَل قبل أَن يتَّفق الصّرْف إِلَيْهِم فَفِي ثُبُوت خِيَار الْفَسْخ الْآن وَجْهَان وَالأَصَح ثُبُوته كَمَا لَو حل قبل الْحجر

وَفِي الْفَسْخ بعد الْحجر إِذا حل الدّين قبل الْحجر وَجه ضَعِيف أَنه لَا يثبت من حَيْثُ إِن البيع لم يقتض حبس الْمَبِيع إِذا كَانَ الثّمن مُؤَجّلا فِي العقد أما قَوْلنَا الْمُسْتَحق فِي مُعَاوضَة مَحْضَة احترزنا بِهِ عَن النِّكَاح وَالْخلْع وَالصُّلْح عَن الدَّم فَإِن تعذر الْعِوَض فِيهِ لَا يُوجب الْفَسْخ وجوبنا بِهِ الْإِجَارَة وَالسّلم فَإِذا تعذر الْمُسلم فِيهِ بإفلاس الْمُسلم إِلَيْهِ رَجَعَ الْمُسلم إِلَى رَأس المَال إِن كَانَ بَاقِيا بِعَيْنِه وَإِلَّا ضَارب بِقِيمَة الْمُسلم فِيهِ فَمَا يسلم لَهُ بِالْقِسْمَةِ يَشْتَرِي بِهِ جنس حَقه وَيسلم إِلَيْهِ إِذْ الِاعْتِيَاض غير مُمكن عَنهُ فَلَو سلم إِلَيْهِ مائَة دِرْهَم فَصَارَ يُوجد الْمُسلم فِيهِ بِكَمَالِهِ بِعشْرَة لانخفاض الأسعار فعلى وَجه يشترى لَهُ بِالْعشرَةِ كَمَال حَقه وَالْبَاقِي يسْتَردّ وعَلى وَجه لَا يسلم لَهُ كَمَال حَقه كَمَا لم يسلم للباقين فَيقدر كَأَن الْقيمَة كَانَت كَذَلِك فِي حَال الْقِسْمَة فَمَا يفضل مِنْهُ يرد إِلَى البَاقِينَ وَهُوَ الْقيَاس وَفِي الْإِجَارَة إِذا أفلس الْمُكْتَرِي بِالْأُجْرَةِ فمصادفة الْمكْرِي عين الدَّار أَو الدَّابَّة المكراة كمصادفته عين ملكه فَيفْسخ العقد فِيهِ لِأَن مَحل الْمَنْفَعَة قَائِم مقَام الْمَنْفَعَة

وَفِيه وَجه أَن الْمَنْفَعَة لَيْسَ عينا حَتَّى يُقَال وجد عين مَتَاعه وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ إِن كَانَ مكتري الدَّابَّة فِي أثْنَاء الطَّرِيق حَيْثُ أفلس فَلَا يضيعه بل يَنْقُلهُ إِلَى مأمن بِأُجْرَة الْمثل وَيقدم بهَا على الْغُرَمَاء وَلَا يلْزمه النَّقْل إِلَى مقْصده وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أَرضًا فزرعها فَلَيْسَ لَهُ قلع زرعه بل يبْقى الزَّرْع بِأُجْرَة الْمثل وَيقدم بهَا على الْغُرَمَاء لِأَن فِيهِ مصلحَة مَال الْغُرَمَاء وَهُوَ الزَّرْع وَلَيْسَ هُوَ كَمَا لَو بَاعَ الأَرْض وَرجع فِيهَا بعد زراعة المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يلْزمه تبقية الزَّرْع بِغَيْر أُجْرَة لِأَن الْمَنْفَعَة غير مَقْصُودَة فِي البيع بِخِلَاف الْإِجَارَة وَفِيه أَيْضا وَجه مَنْقُول عَن ابْن سُرَيج أَنه يُطَالب بِالْأُجْرَةِ كَمَا لَو بَقِي الْغِرَاس وَالْبناء أما إِذا أفلس الْمكْرِي وَالْإِجَارَة وَارِدَة على عين الدَّابَّة أَو الدَّار فالمكري يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَة فَإِن حَقه تعلق بِالْعينِ فيتقدم بِهِ وَلَا يتراخى عَن الْمُرْتَهن ثمَّ يُبَاع فِي حق الْغُرَمَاء فِي الْحَال إِذا قُلْنَا الْإِجَارَة لَا تمنع البيع وَإِن قُلْنَا تمنع فيؤخر بَيْعه كَمَا يُؤَخر بيع الْمَرْهُون وَأما إِذا أورد الْإِجَارَة فِي الدَّوَابّ على الذِّمَّة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الرُّجُوع إِلَى الْأُجْرَة إِن قَامَ بِعَينهَا أَو الْمُضَاربَة بِقِيمَة الْمَنْفَعَة فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَة لَا تتجزأ كالقصارة فِي ثوب وَاحِد وكالحمل إِلَى بلد يُؤَدِّي تقطيعه إِلَى أَن يبْقى فِي الطَّرِيق

ضائعا فَلهُ الْفَسْخ بِهَذَا الْعذر ليضارب بِالْأُجْرَةِ أما قَوْلنَا سَابِقَة على الْحجر احترزنا بِهِ عَمَّا يجْرِي سَبَب لُزُومه بعد الْحجر كَمَا إِذا بَاعَ من الْمُفلس الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي أَنه هَل يتَعَلَّق بِعَين مَتَاعه وَقد ذكرنَا ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو أفلس الْمكْرِي وَالدَّار فِي يَد الْمُكْتَرِي فانهدمت ثَبت لَهُ الرُّجُوع إِلَى الْأُجْرَة وَهل يزاحم بِهِ الْغُرَمَاء فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من قَالَ لَا فَإِنَّهُ دين جَدِيد وَمِنْهُم من قَالَ بلَى لِأَنَّهُ سَببه سَابق وَهُوَ الْإِجَارَة وَكَذَلِكَ لَو بَاعَ جَارِيَة بِعَبْد فَتلفت الْجَارِيَة فِي يَد الْمُفلس الْمَحْجُور فَرد بَائِعهَا العَبْد بِعَيْب فَلهُ طلب قيمَة الْجَارِيَة قطعا لِأَنَّهُ أَدخل فِي مقابلتها عبدا فِي يَد الْغُرَمَاء وَلَكِن هَل يتَقَدَّم بِالْقيمَةِ أم يضارب بهَا ذكر القَاضِي وَجْهَيْن وَالأَصَح الْمُضَاربَة أما قَوْلنَا بِسَبَب إفلاس الْمُسْتَحق عَلَيْهِ احترزنا بِهِ عَن الِامْتِنَاع مَعَ الْقُدْرَة فَذَاك لَا يثبت الرُّجُوع لِأَن السُّلْطَان قَادر على اسْتِيفَائه فَلَيْسَ التَّعَذُّر محققا وَفِيه وَجه آخر أَنه يثبت وَلَو كَانَ بِانْقِطَاع جنس الثّمن فَإِن جَوَّزنَا الِاعْتِيَاض عَنهُ فَلَا تعذر وَإِن منعنَا فَيثبت الرُّجُوع لِأَنَّهُ تعذر مُحَقّق فَكَانَ فِي معنى الإفلاس وَهُوَ كانقطاع الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ يثبت الرُّجُوع إِلَى رَأس المَال

أما قَوْلنَا إِنَّه يثبت الرُّجُوع على الْفَوْر احترزنا فِيهِ عَن التَّأْخِير وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يبطل بِهِ كالرد بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لدفع ضرار وَالثَّانِي أَنه على التَّرَاخِي لِأَنَّهُ نتيجة توجه الطّلب بِالثّمن فَمَا دَامَ الطّلب قَائِما كَانَ الرُّجُوع ثَابتا كمطالبة الْمَرْأَة فِي الْإِيلَاء بِالطَّلَاق أما قَوْلنَا إِذا كَانَ قَائِما احترزنا بِهِ عَن الْهَالِك وَالْخَارِج عَن ملكه فَإِن تعذر الرُّجُوع فِيهِ فَلَا يبْقى إِلَّا الْمُضَاربَة بِالثّمن لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي الْفَسْخ إِذْ لَو أمكن تَقْدِيمه بِالْقيمَةِ لقدم بِالثّمن وَإِذا لم يكن بُد من الْمُضَاربَة فالثمن أولى مَا يضارب بِهِ وَفِيه وَجه آخر أَنه إِذا كَانَت الْقيمَة زَائِدَة على الثّمن فَلهُ الْفَسْخ ليضارب بهَا أما إِذا زَالَ الْملك ثمَّ عَاد فَهُوَ مَبْنِيّ على الْقَوْلَيْنِ فِي أَنه كَالَّذي لم يزل أَو كَالَّذي لم يعد وَإِذا تعلق بِالْمَبِيعِ حق لَازم كَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَة فَهُوَ كفوات الْعين وَلَكِن لَو كَانَ فَزَالَ فَلَا أثر لما مضى فَهُوَ فِي الْحَال وَاجِد عين مَاله أما قَوْلنَا بِحَالهِ احترزنا بِهِ عَن تغير الْمَبِيع وَهُوَ منقسم إِلَى التَّغَيُّر بِالنُّقْصَانِ وَإِلَى التَّغَيُّر بِالزِّيَادَةِ أما النُّقْصَان فينقسم إِلَى نُقْصَان صفة ونقصان عين

أما نُقْصَان الصّفة إِن حصل بِآفَة سَمَاوِيَّة فالبائع إِمَّا أَن يقنع بِعَيْبِهِ أَو يضارب مَعَ الْغُرَمَاء بِالثّمن كَمَا لَو تعيب الْمَبِيع فِي يَد البَائِع قبل الْقَبْض وَإِن تعيب بِجِنَايَة أَجْنَبِي فَيرجع إِلَى الْبَاقِي فيضارب بِقسْطِهِ من الثّمن وَلَا يُطَالب بِالْأَرْشِ إِذْ رُبمَا يكون الأَرْض مثل الْقيمَة بِأَن يكون الْجَانِي قد قطع يَدَيْهِ فغرم كَمَال قِيمَته وَذَلِكَ يعْتَبر فِي حق المُشْتَرِي دون البَائِع وَإِن كَانَ بِجِنَايَة المُشْتَرِي فطريقان مِنْهُم من قَالَ جِنَايَته كجناية الْأَجْنَبِيّ وَمِنْهُم من قَالَ بل كالآفة السماوية أما النُّقْصَان بِفَوَات الْبَعْض كَمَا لَو تلف أحد الْعَبْدَيْنِ وقيمتهما على التَّسَاوِي فالنص أَنه يرجع إِلَى الْبَاقِي ويضارب بِثمن التَّالِف وَقيل إِنَّه إِن أَرَادَ الرُّجُوع فليأخذ الْبَاقِي بِكُل الثّمن احْتِرَازًا عَن تَفْرِيق الصَّفْقَة وَلَو بَاعَ عَبْدَيْنِ بِمِائَة وَقبض خمسين وَتلف أحد الْعَبْدَيْنِ وقيمتهما على التَّسَاوِي

فالنص أَنه يرجع إِلَى الْبَاقِي ويحصر الْمَقْبُوض فِي التَّالِف وَفِيه قَول مخرج أَنا نشيع فَنَقُول يرجع إِلَى نصف العَبْد الْبَاقِي ويضارب بِنصْف ثمن التَّالِف وَمَا قبض موزع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فرع اشْترى بِعشْرَة دَرَاهِم عشرَة أَرْطَال زيتا وأغلاه حَتَّى عَاد إِلَى ثَمَانِيَة أَرْطَال وَرجعت الْقيمَة إِلَى سَبْعَة دَرَاهِم فَهُوَ نُقْصَان صفة لزوَال الثّقل أَو نُقْصَان عين لفَوَات بعض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان أما التَّغَيُّر بِالزِّيَادَةِ فَالزِّيَادَة تَنْقَسِم إِلَى مَا حصلت من عينه وَإِلَى مَا اتَّصل بِهِ من خَارج أما الْحَاصِل من عينه فَمَا هُوَ مُتَّصِل من كل وَجه كالسمن وَكبر الشَّجَرَة فَلَا حكم لَهَا وَيسلم ذَلِك مجَّانا للْبَائِع وَلَا أثر للزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة إِلَّا فِي الصَدَاق والمنفصلة من كل وَجه كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِل وَالثَّمَرَة الْمُنْفَصِلَة لَا أثر لَهَا أَيْضا بل تسلم للْمُشْتَرِي وَيرجع البَائِع إِلَى الأَصْل وَفِي الْبذر إِذا زرعه المُشْتَرِي حَتَّى نبت وَالْبيض إِذا تفرخ فِي يَده والعصير إِذا

انْقَلب خمرًا ثمَّ انْقَلب خلا خلاف أَنه يَجْعَل كزيادة عَيْنِيَّة كَمَا فِي الْغَصْب أم يَجْعَل مَوْجُودا متجددا وَيُقَال الْمَبِيع قد عدم وَهَذَا غَيره أما الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة من وَجه دون وَجه فَهُوَ الْحمل فَإِن كَانَ مجتنا عِنْد البيع وَالرُّجُوع الْتحق بالسمن وَإِن كَانَ مجتنا حَالَة الْبيعَة مُنْفَصِلا حَالَة الرُّجُوع فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يسلم للْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا زِيَادَة حدثت بالانفصال وَلَا حكم لوُجُوده قبله وَالثَّانِي أَن الْحمل كَانَ مَوْجُودا وَإِنَّمَا الِانْفِصَال نمو وَتغَير حَال وَإِن كَانَ حَائِلا عِنْد البيع وحاملا عِنْد الرُّجُوع فَالظَّاهِر أَن الْحمل يتبع فِي الرُّجُوع كَمَا فِي البيع وَفِيه وَجه أَنه يبْقى على ملك المُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَة حَادِثَة على ملكه وَالثَّمَرَة مَا دَامَت غير مؤبرة فَهِيَ كالحمل المجتن وَلَكِن الثَّمَرَة أولى بِأَن يعْطى لَهَا حكم الِاسْتِقْلَال فروع أَرْبَعَة الأول إِذا كَانَ الْوَلَد مُنْفَصِلا فَفِي رُجُوعه فِي الْأُم دون الْوَلَد تَفْرِيق بَينهمَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه مُخَيّر بَين الْمُضَاربَة بِالثّمن أَو أَن يبْذل قيمَة الْوَلَد ليرْجع فِي عين الْأُم فَإِن لم يبْذل فَهُوَ كالفاقد عين مَاله إِذْ تعلق بِهِ حق لَازم للْوَلَد لَيْسَ يُمكنهُ قطعه عَنهُ

وَالثَّانِي أَنه لَا يَجْعَل بِهِ فاقدا بل تبَاع الْأُم وَالْولد ويخصص بِقِيمَة الْأُم الثَّانِي إِذا قَالَ البَائِع رجعت فِي الْأَشْجَار الْمَبِيعَة قبل التَّأْبِير فَرجع الثِّمَار إِلَيّ وَكذبه الْمُفلس فَالْقَوْل قَوْله إِذْ الأَصْل اسْتِمْرَار ملك الْمُفلس فَإِن صدقه الْغُرَمَاء لم يقبل قَوْلهم على الْمُفلس وللمفلس أَن يَأْخُذ الثِّمَار ويجبرهم على الْقبُول من جِهَة دينه فَإِن أَبَوا وَزَعَمُوا أَنه حرَام لم يمكنوا مِنْهُ بل عَلَيْهِم الْقبُول أَو الْإِبْرَاء ثمَّ إِن قبلوا فَللْبَائِع الِاسْتِرْدَاد مِنْهُم مُؤَاخذَة لَهُم بقَوْلهمْ وَكَذَا السَّيِّد إِذا حمل إِلَيْهِ العَبْد النُّجُوم فِي الْكِتَابَة فَقَالَ هُوَ مَغْصُوب لِأَن قَوْله لَا يقبل على الْمكَاتب فَلَو قَالُوا أَخذنَا حقوقنا فَلهُ الْإِجْبَار ليعجل فك الْحجر عَن نَفسه فَلهُ فِيهِ غَرَض فَإِن قَالُوا فككنا الْحجر وَقُلْنَا إِنَّه يَنْفَكّ بفكهم فينبني على أَن مُسْتَحقّ الدّين هَل يجْبر على الْقبُول وَلَو صدقه الْبَعْض وَكذبه الْبَعْض فتصرف الثَّمَرَة إِلَى من صدق الْمُفلس كَيْلا يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر فَإِن هَذَا مُمكن فَلَو كَانَ للمصدق ألف وَقد أَخذ الثَّمَرَة بِخَمْسِمِائَة وللمكذب أَيْضا ألف وَقد بَقِي من المَال خَمْسمِائَة فَالصَّحِيح أَنه يقسم بَينهمَا أَثلَاثًا وَفِيه وَجه أَن الْمُصدق يَقُول مَا أَخَذته فَهُوَ حرَام بزعمك عَليّ فألفي بَاقٍ كَمَاله بزعمك فأساويك وَهُوَ ضَعِيف الثَّالِث إِذا بَقِي الثِّمَار للْمُشْتَرِي فَلَيْسَ للْبَائِع مَنعه من الْإِبْقَاء إِلَى أَوَان الْجذاذ فَكَذَا لَا يقْلع زرعه فَلَو قَالَ الْمُفلس أقلعه لأقضي ديني بِمَا يَشْتَرِي بِهِ وأفك الْحجر عَن نَفسِي فَلهُ ذَلِك لِأَنَّهُ غَرَض صَحِيح وَإِن كَانَ الْحجر لَا يَنْفَكّ فَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ إِضَاعَة مَال من غير فَائِدَة

الرَّابِع أَنه إِذا كَانَ الرُّجُوع يَقْتَضِي عود الثِّمَار إِلَيْهِ وَلَكِن كَانَت الثِّمَار قد تلفت فَيرجع بِحِصَّة الثِّمَار من الثّمن مُضَارَبَة وَيرجع فِي عين الشَّجَرَة وتعرف حِصَّته بالتوزيع على الْقيمَة وَيعْتَبر فِي الثَّمَرَة أقل الْقيمَة فِي يَوْم العقد إِلَى الْقَبْض تقليلا للْوَاجِب عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِن كَانَ يَوْم العقد أقل فَلم يدْخل مَا تنَاوله العقد فِي ضَمَانه وَإِن كَانَ أَكثر فَهُوَ زِيَادَة على ملكه وَفِي الشَّجَرَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أَكثر الْقِيمَتَيْنِ من العقد إِلَى الْقَبْض لِأَن فِيهِ أَيْضا تقليل الْوَاجِب على المُشْتَرِي وَعَلِيهِ مَا سبق وَالثَّانِي ذكره القَاضِي أَنه يعْتَبر الْأَقَل لِأَنَّهُ إِن كَانَ قيمَة يَوْم العقد أقل فَمَا زَاد بعده عَاد إِلَيْهِ بِعُود الشَّجَرَة فَهِيَ زِيَادَة مُتَّصِلَة تسلم لَهُ مجَّانا فَلَا يحْتَسب عَلَيْهِ وللزيادة الْمُتَّصِلَة مَرَاتِب إِن تلفت لَا يطْلب البَائِع قيمتهَا وَإِن بقيت فَازَ بهَا البَائِع مجَّانا وَلَا يُطَالب بِقِيمَتِه وَإِن كَانَ بِتَقْدِير قِيمَته تخْتَلف قيمَة غَيره فَهَل يحْتَسب عَلَيْهِ فِيهِ هَذَا الْخلاف أما الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بِالْمَبِيعِ من خَارج فَثَلَاثَة أَقسَام عين مَحْض وَأثر مَحْض وَمَا هُوَ عين من وَجه وَوصف من وَجه

أما الْعين الْمَحْض هُوَ أَن يَبْنِي فِي الأَرْض أَو يغْرس فِيهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْمُتَغَيّر بِهِ كالمفقود إِذْ يُؤَدِّي رُجُوعه إِلَى الْإِضْرَار بالمشتري وَالثَّانِي أَنه وَاجِد عين مَاله وَلَكِن لَا يرجع فِيهِ بل يُبَاع ويفوز بِقِيمَة الأَرْض دون الْبناء وَالْغِرَاس وَالأَصَح هُوَ الثَّالِث أَنه يرجع فِي عين الأَرْض وَيتَخَيَّر فِي الْغِرَاس بَين أَن يتَمَلَّك بِبَدَل أَو ينْقض وَيغرم الْأَرْش أَو يبقي بِأُجْرَة ورأيه فِي التَّعْيِين مُتبع هَذَا إِذا كَانَت الزِّيَادَة قَابِلَة للتمييز فَإِن لم تقبل كَمَا لَو خلط مكيلة زَيْت بمكيلة من عِنْده فَإِن كَانَ مَا عِنْده أردأ أَو من جنسه فالبائع يرجع إِلَى مكيله وَيقسم بَينهمَا فَإِن نقص وَصفه فَهُوَ عيب حصل بِفعل المُشْتَرِي وَإِن كَانَ مَا عِنْده أَجود فَقَوْلَانِ أَحدهمَا الرُّجُوع كالصورة الأولى وَالثَّانِي هُوَ فَاقِد لِأَن فِي رُجُوعه إِضْرَارًا بالمشتري أَو تناقضا فِي كَيْفيَّة الرُّجُوع وَمن الْأَصْحَاب من طرد قولا فِي منع الرُّجُوع فِي الْخَلْط بِالْجِنْسِ وَهُوَ خلاف النَّص

فَإِن قُلْنَا يرجع فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه يُبَاع الْجَمِيع ويوزع عَلَيْهِمَا على نِسْبَة قيمَة ملكيهما وَالثَّانِي أَنه يقسم الزَّيْت بِنَفسِهِ على نِسْبَة الْقيمَة حَتَّى أَنه لَو كَانَ مكيلة البَائِع تَسَاوِي درهما ومكيلة المُشْتَرِي تَسَاوِي دِرْهَمَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي مكيلة وَثلث وَللْبَائِع ثلثا مكيلة وَهَذَا فِيهِ مَحْظُور من بَاب الرِّبَا وَفِي البيع اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن الرُّجُوع عَن الْعين وطرد ابْن سُرَيج الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْصِيل الرُّجُوع فِي الْخَلْط بالأردأ وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَن يمِيل إِلَى صِيَانة جَانب المُشْتَرِي وَلَا يُبَالِي بِنُقْصَان فِي جَانب البَائِع وَابْن سُرَيج يُسَوِّي بَينهمَا وَإِن خلط الزَّيْت بالشيرج فَالصَّحِيح أَنه فَاقِد عين ملكه لِأَنَّهُ انْقَلب الْجِنْس بِهِ الْقسم الثَّانِي مَا هُوَ وصف من وَجه وَعين من وَجه كَمَا لَو صبغ الثَّوْب بصبغ من عِنْده فَإِن لم يزدْ فِي قيمَة الثَّوْب فَإِن البَائِع يرجع بِالثَّوْبِ وَإِن زَادَت الْقيمَة فَهُوَ شريك بِالْقدرِ الذى زَاد فَإِن كَانَ قيمَة الصَّبْغ درهما وَقِيمَة الثَّوْب عشرَة فَصَارَ بالصبغ يُسَاوِي خَمْسَة عشر فَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ قدر دِرْهَم وَللْبَائِع مِنْهُ قدر عشرَة وَالْأَرْبَعَة حصلت بالصنعة على الثَّوْب لَا على الصَّبْغ لِأَن الصَّبْغ تبع

فينبني على أَن الصَّنْعَة يسْلك بهَا مَسْلَك الْأَثر أم الْعين كَمَا سَيَأْتِي الْقسم الثَّالِث الْأَثر الْمَحْض كَمَا لَو طحن الْحِنْطَة وراض الدَّابَّة وَقصر الثَّوْب وَعلم العَبْد حِرْفَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَهُ حكم الْعين كَمَا فِي الصَّبْغ وَقد سبق حكمه وَالثَّانِي أَنه أثر لَا قيمَة لَهُ كَمَا إِذا صدر من الْغَاصِب فِي الْمَغْصُوب بِخِلَاف الصَّبْغ فَإِنَّهُ عين وَالْفرق ظَاهر من حَيْثُ إِن عمل المُشْتَرِي مُحْتَرم وَقد حصل وَصفا يسْتَأْجر عَلَيْهِ ببذل المَال فَكَانَ مُتَقَوّما وَفعل الْغَاصِب عدوان لَا يتقوم بِخِلَاف صبغه فعلى هَذَا نجْعَل القصارة كالصبغ ويوزع الثّمن عِنْد بيع الثَّوْب عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار قيمتهمَا وَإِن تضاعفت الْقيمَة فيضاعف حق كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن ارْتَفع قيمَة الثَّوْب دون القصارة كَانَ الزَّائِد حق البَائِع دون المُشْتَرِي فرع لَو اسْتَأْجر أَجِيرا للقصارة وأفلس قبل أَدَاء الْأُجْرَة وَالثَّوْب بَاقٍ فَإِن قُلْنَا إِن القصارة أثر فَلَيْسَ للْأَجِير إِلَّا الْمُضَاربَة وَإِن قُلْنَا إِنَّه عين فَلهُ حق حبس الثَّوْب فَإِن كَانَ قيمَة الثَّوْب عشرَة وَقِيمَة القصارة خَمْسَة وَالْأُجْرَة دِرْهَم فَيخْتَص البَائِع بِعشْرَة والأجير بدرهم وَيصرف أَرْبَعَة إِلَى سَائِر الْغُرَمَاء

وَلَو كَانَت الْأُجْرَة خَمْسَة وَقِيمَة القصارة درهما فَإِن البَائِع يخْتَص بِعشْرَة وَصرف الدِّرْهَم الزَّائِد إِلَى الْأَجِير وَله الْمُضَاربَة بالأربعة الْبَاقِيَة هَكَذَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يحكم بِأَن الْأَجِير وجد عين مَتَاعه وَهُوَ القصارة فَيفْسخ ويقنع بهَا زَادَت الْقيمَة أَو نقصت وَمن الْأَصْحَاب من قضى بذلك طردا لقياس تَنْزِيله منزلَة الْعين من كل وَجه وَهُوَ خلاف النَّص فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِلْحَاقه بِالْعينِ من كل وَجه وَلَكِن لم ير الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تَعْطِيل حق المُشْتَرِي ولمحصله أَيْضا حق حبس ووثيقة فِيهِ وَهُوَ الْأَجِير فَأَما أَن نجْعَل عين سلْعَة حَتَّى يفْسخ العقد فِيهَا فَهُوَ بعيد

كتاب الْحجر

أَسبَاب الْحجر خَمْسَة الصبى وَالْجُنُون وَالرّق والفلس وَقد ذَكرنَاهَا والتبذير وَهُوَ عبارَة عَن الْفسق مَعَ صرف المَال إِلَى وَجه لَيْسَ فِيهِ غَرَض صَحِيح ديني أَو دُنْيَوِيّ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله خَالَفنَا فِي هَذَا الْحجر وَفِي حجر الْمُفلس وَفِيه فصلان

الْفَصْل الأول فِي السَّبَب وَهُوَ يتَّصل تَارَة بِالصَّبِيِّ وَتارَة يطْرَأ بعد الْبلُوغ فَإِن اتَّصل بِالصَّبِيِّ بِأَن بلغ الصَّبِي غير رشيد اطرد حجر الصَّبِي وَيَكْفِي لدوام الْحجر أحد الْمَعْنيين وَهُوَ الْفسق أَو الْإِسْرَاف فِي المَال لِأَن كل وَاحِد يُنَافِي اسْم الرشد وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} وَإِن طَرَأَ بعد أَن بلغ رشيدا فَلَا بُد من مَجْمُوع الْأَمريْنِ فَإِن طَرَأَ التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ اقْتضى الْحجر ثمَّ فِي عود الْحجر أَو الْحَاجة إِلَى إِعَادَة القَاضِي وَجْهَان أظهرهمَا الْحَاجة إِلَى الْإِعَادَة فَإِنَّهُ يدْرك بِضَرْب من الِاجْتِهَاد وَلَو طَرَأَ مُجَرّد الْفسق أَو مُجَرّد التبذير بِأَن كَانَ يصرف المَال إِلَى ملاذ الْأَطْعِمَة على وَجه لَا يَلِيق بِهِ فَفِي اقتضائه الْحجر وَجْهَان وَالْمذهب أَنه لَا يَقْتَضِيهِ

بِخِلَاف مَا لَو اتَّصل بِالصَّبِيِّ لِأَن الْحجر ثمَّ مستيقن فَلَا يرفع إِلَّا بِيَقِين وَلَا يتَيَقَّن الرشد مَعَ الْفسق وَالْإِطْلَاق هَاهُنَا مستيقن فَلَا يُعَاد الْحجر إِلَّا بِيَقِين وَلَيْسَ من الْإِسْرَاف أَولا صرف المَال إِلَى وُجُوه الْخيرَات فَلَا سرف فِي الْخَيْر ثمَّ ولي المبذر وَالْمَجْنُون أَبوهُ أَو جده إِن اتَّصل الْجُنُون والتبذير بِالصَّبِيِّ وَإِن عَاد بعد زَوَال ولَايَة الْوَلِيّ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه من كَانَ فِي حَالَة الصغر وَالثَّانِي أَنه القَاضِي لِأَنَّهُ صَار مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ فَلم يكن تبعا لأصله وَمهما عرف رشده قبل الْبلُوغ فَبلغ انْفَكَّ الْحجر بِمُجَرَّد الْبلُوغ وَأَسْبَاب الْبلُوغ أَرْبَعَة الأول السن وَهُوَ خمس عشرَة سنة فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة ثَمَان عشرَة سنة وَفِي رِوَايَة اقْتصر فِي الْجَارِيَة على سبع عشرَة سنة ومعتمدنا مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتكْمل الْمَوْلُود خمس عشرَة سنة كتب مَاله وَمَا عَلَيْهِ وأقيمت عَلَيْهِ الْحُدُود الثَّانِي الِاحْتِلَام وَيصدق فِيهِ الصَّبِي إِذْ لَا يُمكن فِيهِ الْمعرفَة إِلَّا بقوله وَفِي احْتِلَام الصبية وَجْهَان لخفاء خُرُوج المَاء مِنْهَا فِي الْغَالِب فَقيل أقيم الْحيض مقَام ذَلِك فِي حَقّهَا ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا احْتَلَمت وَإِن لم يحكم ببلوغها أمرناها بالاغتسال كَمَا نأمرها بِالْوضُوءِ من الْحَدث وكما إِذا احْتَلَمت بعد الْبلُوغ

الثَّالِث الْحيض فِي حق النِّسَاء الرَّابِع نَبَات الْعَانَة فِي حق صبيان الْكفَّار إِذْ أَمر عَلَيْهِ السَّلَام بالكشف عَن مؤتزرهم وَكَانَ يقتل من أنبت مِنْهُم وَفِي تعرف ذَلِك فِي صبيان الْمُسلمين خلاف وَالْأَظْهَر أَنه لَا يتبع إِذْ هى أَمارَة تعلقنا بهَا للعجز عَن معرفَة سنهم واحتلامهم إِلَّا بقَوْلهمْ ثمَّ لاشك أَن بقول الْوَجْه وإنبات الْإِبِط أبلغ فِي الدّلَالَة وَأما انفراق الأرنبة ونهود الثدي وبحوحة الصَّوْت فَلَا تعويل عَلَيْهِ فرع الْخُنْثَى إِذا احْتَلَمَ بفرج الرِّجَال أَو حاض بفرج النِّسَاء لم يحكم بِبُلُوغِهِ للاحتمال فَإِن اجْتمع الْأَمْرَانِ فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا لَا لتعارض الْأَمر فِي الْعَلامَة إِذْ كل وَاحِد أسقط حكم الآخر وَالثَّانِي أَنه الْأَصَح أَنه يقْضى بِبُلُوغِهِ وَيبقى الْإِشْكَال فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وينقدح ظَاهرا أَن يحكم بِالْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نحكم بالذكورة وَالْأُنُوثَة بِأَحَدِهِمَا بِنَاء على ظن غَالب ثمَّ ننقض ذَلِك الظَّن إِن ظهر نقيضه

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا ينفذ من التَّصَرُّفَات وَمَا لَا ينفذ والضبط فِيهِ أَن كل مَا كَانَ لَا يدْخل تَحت حجر الْوَلِيّ فِي حق الصَّبِي كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْخلْع واستلحاق النّسَب وَالْإِقْرَار بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْحَد مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ مَقْصُودا فَهُوَ مُسْتَقل بِهِ لِأَنَّهُ مُكَلّف والمتضي للحجر صِيَانة مَاله وَذَلِكَ لَا يتضى الْحجر فِي هَذِه التَّصَرُّفَات وَمَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ ينظر فِيهِ فَمَا هُوَ فِي مَظَنَّة الضَّرَر هُوَ مسلوب الِاسْتِقْلَال فِيهِ كالتبرعات وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْإِقْرَار بِالدّينِ وَلَو عين لَهُ الْوَلِيّ تَصرفا أَو وَكله أَجْنَبِي فَفِي سلب عِبَارَته خلاف وَالظَّاهِر صِحَة عِبَارَته كَمَا فِي الطَّلَاق وَغَيره وَقيل إِنَّه مسلوب الْعبارَة لِأَن الْحجر قد اطرد فِي المَال فَلم يُؤثر الْبلُوغ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعبارَة الْمُتَعَلّقَة بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ تصح عِبَارَته فِي النِّكَاح دون الْأَمْوَال وعَلى الْعبارَة يخرج قبُوله الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ فَأَما تَدْبيره ووصيته فَفِيهِ قَولَانِ مرتبان على الصَّبِي وَأولى بالنفوذ

فروع ثَلَاثَة الأول لَو أقرّ بِإِتْلَاف مَال الْغَيْر فِيهِ وَجْهَان الْقيَاس الْمَنْع كَالصَّبِيِّ وَالثَّانِي أَنه يقبل لِأَنَّهُ مُكَلّف قَادر على الْإِتْلَاف فليقدر على الْإِقْرَار الثَّانِي بيع الاختبار الذى يبتلى بِهِ الصَّحِيح فَسَاده إِن جرى قبل الْبلُوغ وَإِنَّمَا المُرَاد الامتحان بمقدمات البيع ثمَّ مهما امتحن فَبلغ انْفَكَّ أَيْضا الْحجر لمُجَرّد الْبلُوغ من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك وَلَو بلغ غير رشيد ثمَّ صَار رشيدا فَالْأَظْهر أَنه يَنْفَكّ أَيْضا من غير حَاجَة إِلَى إنْشَاء الفك الثَّالِث لَو أحرم بِالْحَجِّ انْعَقَد إِحْرَامه ثمَّ إِن كَانَ عَن فرض إِسْلَامه هيأ الْوَلِيّ أَسبَابه والأمتعة من الزَّاد وَالرَّاحِلَة ثمَّ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه كالمحصر فيتحلل وَالْآخر أَنه كالمفلس لَا يتَحَلَّل إِلَّا بلقاء الْبَيْت

= كتاب الصُّلْح = وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الصَّحِيح وَالْفَاسِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالصُّلْح عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عقدا مُخَالفا للْبيع أَو للهبة وَلكنه إِن كَانَ بمعاوضة فَهُوَ بيع يَصح بِلَفْظ البيع وَيصِح البيع بِلَفْظِهِ وَاسْتثنى صَاحب التَّلْخِيص الصُّلْح عَن أرش الْجِنَايَات فَقَالَ لَا يَصح بِلَفْظ البيع وَاسْتثنى بعض الْأَصْحَاب البيع ابْتِدَاء من غير تقدم خُصُومَة فَقَالُوا لَا يَصح بِلَفْظ الصُّلْح فَلَا يُطلق لفظ الصُّلْح إِلَّا بعد تقدم خصومه فَلَا يحسن أَن يُقَال لصَاحب الْمَتَاع صالحني عَن متاعك على كَذَا أما اسْتثِْنَاء صَاحب التَّلْخِيص فقد استدرك الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ بيع دين وَيجوز أَن يسْتَعْمل فِيهِ لفظ البيع إِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر وَالصّفة وَلَا يجوز لفظ الصُّلْح أَيْضا إِن كَانَ مَجْهُول الْقدر وَالصّفة وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْقدر مَجْهُول الصّفة كإبل الدِّيَة فَفِي جَوَاز بَيْعه بطرِيق الِاعْتِيَاض عَنهُ وَجْهَان بِلَفْظ الصُّلْح وَالْبيع جَمِيعًا نعم لَو قُلْنَا مُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فالمصالحة عَنهُ على مَال جَائِز وَلَا يَصح إِطْلَاق لفظ البيع فِيهِ

وَأما اسْتثِْنَاء الْأَصْحَاب وَهُوَ إِطْلَاق لفظ الصُّلْح ابْتِدَاء أَيْضا خَالف فِيهِ بعض الْأَصْحَاب أَيْضا وَقَالُوا إِنَّه جَائِز فتحصلنا فِيهِ على وَجْهَيْن الِاسْتِثْنَاء الثَّالِث أَن يُصَالح على بعض الْمُدعى فَالظَّاهِر صِحَّته وَيكون هبة للْبَعْض فَيُؤَدِّي معنى الْهِبَة وَلَفظ البيع لَا يحصل بِهِ هَذَا الْغَرَض فصلح الحطيطة بِلَفْظ البيع بَاطِل وَمن الْأَصْحَاب من حكى عَنهُ أَن الشَّيْخ أَبُو عَليّ منع هَذَا لِأَنَّهُ يُنبئ عَن الْمُعَاوضَة أَعنِي لفظ الصُّلْح وَلَا مُعَاوضَة هَاهُنَا هَذَا إِذا صَالح عَن عين فَإِن صَالح عَن دين نظر فَإِن صَالح عَن دين آخر فَلَا بُد من التَّسْلِيم فِي الْمجْلس فَإِنَّهُ بيع كالئ بكالئ وَإِن صَالح على عين وَسلم فِي الْمجْلس صَحَّ وَإِن لم يسلم فَالْأَظْهر الصِّحَّة لِأَنَّهُ عين وَفِيه وَجه يجْرِي ذَلِك فِي لفظ البيع وَصلح الحطيطة فِي الدّين بِمَعْنى الْإِبْرَاء عَن الْبَعْض صَحِيح وَلَكِن فِي افتقاره إِلَى الْقبُول خلاف كَمَا فِي الْإِبْرَاء بِلَفْظ الْهِبَة فرع لَو صَالح من ألف حَال على مُؤَجل فَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وعد مَحْض لَا يلْزم وَمن الْمُؤَجل على الْحَال وعد من الْجَانِب الآخر وَكَذَا من الصَّحِيح على المكسر وَمن المكسر على الصَّحِيح

وَلَو صَالح من ألف صَحِيح على خَمْسمِائَة مكسر كَانَ إِبْرَاء عَن خَمْسمِائَة ووعدا من الْبَاقِي وَكَذَا عَن ألف حَال على خَمْسمِائَة مُؤَجّلَة فإمَّا عَن ألف مُؤَجل على خَمْسمِائَة حَالَة أَو عَن ألف مكسر على خَمْسمِائَة صَحِيحَة ففاسد لِأَنَّهُ نزل عَن قدر للحصول على وصف زَائِد فَهُوَ فَاسد وَلَا يَصح نُزُوله إِذْ لم يسلم لَهُ مَا طمع فِيهِ وَلَو اعتاض عَن ألفي دِرْهَم لَهُ عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم وَخمسين دِينَارا فَالْأَصَحّ صِحَّته وَيجْعَل مُسْتَوْفيا للألف معتاضا عَن الْبَاقِي خمسين دِينَارا وَفِيه وَجه آخر أَنه مَسْأَلَة مد عَجْوَة لِأَن لفظ الصُّلْح للمعاوضة هَذَا كُله فِي الصُّلْح على الْإِقْرَار فَأَما الصُّلْح على الْإِنْكَار فَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن جرى مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ على عين أُخْرَى

وَفِي صلح الحطيطة على الْإِنْكَار وَجْهَان وَوجه الصِّحَّة أَنه بِمَعْنى الْهِبَة وَالْإِبْرَاء وَذَلِكَ لَيْسَ يَسْتَدْعِي عوضا فَإِذا سلم لَهُ الْبَعْض واتفقا على أَنه ملكه إِذْ يملكهُ بزعم الْمُدعى عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ هبة وبزعم الْمُدعى بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا لم يبْق إِلَّا الْخلاف فِي الْجِهَة وَهَذَا كُله إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ صالحني عَن دعواك أَو صالحني مُطلقًا فَلَو قَالَ بِعني الدَّار فَهُوَ إِقْرَار وَلَو قَالَ صالحني عَن الدَّار فَهَل يَجْعَل إِقْرَارا ليَصِح الصُّلْح على الْإِقْرَار فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَيْسَ بمقر أما الصُّلْح على الْإِنْكَار مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِن قَالَ الْأَجْنَبِيّ هُوَ مقرّ وَأَنا وَكيله صَحَّ لتقار الْمُتَعَاقدين وَإِن قَالَ هُوَ مُنكر وَلَكِنِّي أعرف أَنَّك محق وَإِنَّمَا أصالح لَهُ فَوَجْهَانِ

ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى إِقْرَار متعاطي العقد وَفِي الثَّانِي إِلَى من يَقع العقد لَهُ فَإِن كَانَ الْمُدعى دينا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مُسْتَقل بِقَضَاء دين غَيره دون قَوْله فَلَا يُؤثر إِنْكَاره فِيهِ فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ الْأَجْنَبِيّ أَنْت محق وَأَنا أشتريه لنَفْسي فَإِنِّي قَادر على الانتزاع من يَده فَفِي صِحَة شِرَائِهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الشَّرْع يمنعهُ من الانتزاع فَإِن ظَاهر الْيَد يدل على أَن ذَلِك لَهُ وَالْعجز الشَّرْعِيّ كالعجز الْحسي الثَّانِي إِذا أسلم على عشرَة نسْوَة وَمَات قبل الْبَيَان فالميراث مَوْقُوف بَينهُنَّ وَيصِح الِاصْطِلَاح على عين التَّرِكَة وَيكون التَّفَاوُت فِيهِ مَحْمُولا على الْمُسَامحَة وَالْهِبَة وَذَلِكَ مُحْتَمل وَإِن كَانَ مَجْهُولا للضَّرُورَة وَلَو جرى على غير التَّرِكَة لم يجز لِأَن من أَخذ عوضا فَلَا بُد وَأَن يثبت لَهُ ملك فِي معوض

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي التزاحم على الْأَمْلَاك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرق والجدار الْحَائِل بَين الْملكَيْنِ والسقف الْحَائِل بَين السّفل والعلو أما الطّرق والشوارع لَا يتَعَلَّق بهَا الِاسْتِحْقَاق الطّرق وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِى ألفيت شوارع فِي الْبِلَاد والصحاري ومبداها فِي الْبِلَاد أَن يَجْعَل الْإِنْسَان ملك نَفسه شوارع أَو يتَّفق الْملاك فِي الْأَحْيَاء على فتح أَبْوَاب الدّور إِلَى صوب وَاحِد فَلَو انْفَرد بِالتَّصَرُّفِ فِي الشوارع بِفَتْح بَاب إِلَيْهِ لم يكن جَازَ وَكَذَا لَو أخرج جنَاحا لَا يضر بالمارة لِأَن الْهَوَاء بَقِي على أصل الْإِبَاحَة والاختصاص بِالْأَرْضِ للشروع فليوضع الْجنَاح إِلَى حَيْثُ لَا يمْنَع الْمحمل مَعَ الْكَنِيسَة وَأبْعد مبعدون فَقَالُوا إِلَى أَن لَا يمْنَع الرمْح الْمَنْصُوب فِي يَد فَارس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَإِن فعل ذَلِك فلآحاد الْمُسلمين الْمَنْع وَإِن

لم يمْنَع فَلهُ الِاعْتِمَاد على السُّكُوت أما التَّصَرُّف فِي أَرض الشوارع بِنصب دكة أَو غرس شَجَرَة حَيْثُ لَا يضيق على الْمَارَّة فِيهِ وَجْهَان قَالَ القَاضِي الشوارع كالموات فِيمَا عدا الطروق فَلَا يمْنَع إِلَّا مِمَّا يبطل الطروق وَقَالَ آخَرُونَ بل تعين الأَرْض للطروق فَلَا تصرف إِلَى غَيره فالزقاق قد يتضايق فَيُؤَدِّي إِلَى الضَّرَر أما السِّكَّة المنسدة الْأَسْفَل فَهِيَ كالشوارع عِنْد الْعِرَاقِيّين وَهُوَ بعيد إِذْ يلْزم عَلَيْهِ أَن يجوز أَن يفتح إِلَيْهَا بَاب وَإِن لم يكن وَفِيه ضَرَر حَاضر وتجويزه بعيد والمراوزة قَالُوا هُوَ ملك مُشْتَرك بَين السكان وَمن هُوَ فِي أَعلَى السِّكَّة هَل هُوَ شريك فِيمَا دون بَاب دَاره إِلَى أَسْفَل السِّكَّة فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه قد يَدُور فِي جَمِيع السِّكَّة لأغراضه فعلى هَذَا يمْتَنع إِحْدَاث زِيَادَة انْتِفَاع لم تكن إِلَّا برضاء الشُّرَكَاء فَإِن رَضوا فَهُوَ إِعَارَة وَلَهُم الرُّجُوع فَمن فتح بَابا جَدِيدا أَو أشرع جنَاحا فَلِمَنْ تَحْتَهُ الِاعْتِرَاض دبادة وفيمن فَوْقه وَجْهَان

وَلَو سد الْبَاب الْقَدِيم وَفتح بَابا جَدِيدا أقرب إِلَى بَاب الدَّرْب فَلَا منع مِنْهُ وَإِن ترك ذَلِك الْبَاب فَوَجْهَانِ من حَيْثُ إِنَّه قد يجْتَمع الدَّوَابّ وَالنَّاس على الْبَاب الآخر فَكَأَنَّهُ زِيَادَة انْتِفَاع وَكَذَا الْخلاف إِذا فتح إِلَى دَاره بَاب دَار أُخْرَى ملاصقة لَهُ كَانَ بَابهَا إِلَى الشَّارِع فَإِنَّهُ يكَاد يكون زِيَادَة فِي الِانْتِفَاع فَأَما فتح الكوة للاستضاءة فَلَا منع مِنْهُ وَأما الْجِدَار الْحَائِل إِن كَانَ ملك وَاحِد فَلَيْسَ للْآخر التَّصَرُّف فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن اسْتَأْذن فِي وضع جذع عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَة إِن تضرر وَإِن لم يتَضَرَّر فالجديد أَنه لَا يجب وَهُوَ الْقيَاس وَالْقَدِيم وُجُوبه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر

فَلَا يمنعن جَاره من أَن يضع خَشَبَة على جِدَاره وَلَعَلَّه تَأْكِيد للاستحباب التَّفْرِيع إِذا لم يُوجب فَلَو رَضِي فَهُوَ إِعَارَة فَلَو انْهَدم الْجِدَار فَالظَّاهِر انْفِسَاخ الْإِعَارَة فيفتقر إِلَى إِعَادَتهَا وَإِن رَجَعَ قبل الانهدام فَلهُ ذَلِك وَفَائِدَته التسلط على النَّقْض بِشَرْط أَن يغرم الْأَرْش إِذا بنى بِإِذْنِهِ وَقَالَ القَاضِي فَائِدَته الْمُطَالبَة بِالْأُجْرَةِ فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن الطّرف الآخر فِي الْملك الْخَالِص للْمُسْتَعِير فَلَا يُمكنهُ أَن ينقص ذَلِك أما الْجِدَار الْمُشْتَرك فالنظر فِي الِانْتِفَاع وَالْقِسْمَة والعمارة أما الِانْتِفَاع فَلَا يجوز إِلَّا بعد التَّرَاضِي كَسَائِر الْأَمْلَاك الْمُشْتَركَة وَأما الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ فَفِي الْمَنْع مِنْهُ تردد لِأَنَّهُ عناد مَحْض أما الْقِسْمَة فجائزة بِالتَّرَاضِي فِي الطول وَالْعرض جَمِيعًا ثمَّ لَا يتَصَرَّف كل وَاحِد بِمَا يضر بِصَاحِبِهِ لِأَن الْأَمْلَاك متلاصقة وَلَا يجْبر على قسْمَة الْجِدَار فِي كل الطول وَنصف الْعرض لِأَنَّهُ لَا يُسَلط على الِانْتِفَاع بِوَضْع الْجُذُوع وَلِأَن الْقرعَة قد تخرج على نقيض المُرَاد

وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا قرعَة بل يتَعَيَّن لكل وَاحِد جَانِبه أما فِي جَمِيع الْعرض وَبَعض الطول فالإجبار عَلَيْهِ يبْنى على الْمَعْنيين فَإِن الِانْتِفَاع يتَعَذَّر للاتصال وَلَكِن الْقرعَة لَا تتعذر أما الأساس فَلَا مَانع من الْإِجْبَار على قسمته إِلَّا أَمر الْقرعَة وَفِي مَذْهَب صَاحب التَّقْرِيب مَا يدْفع عسره أما الْعِمَارَة فَإِذا استرم الْجِدَار فَهَل لأحد الشَّرِيكَيْنِ أَن يجْبر الآخر على الْعِمَارَة فِي قَولَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الْقَدِيم بلَى للْمصْلحَة حذارا من تَعْطِيل الْأَمْلَاك والجديد لَا لِأَنَّهُ رُبمَا يتَضَرَّر هُوَ بِصَرْف مَاله إِلَى الْعِمَارَة إِذا كَانَ لَا يتفرغ لَهُ فالضرر متقابل فعلى هَذَا لَيْسَ لَهُ منع الشَّرِيك إِلَّا من الاستبداد بالعمارة لِأَنَّهُ عناد مَحْض وَكَذَا الْخلاف فِي أَن صَاحب الْعُلُوّ هَل لَهُ أَن يجْبر صَاحب السّفل على إِعَادَته ليبني عَلَيْهِ علوه وَلَا خلاف فِي أَن لصَاحب الْعُلُوّ الاستبداد بِبِنَاء السّفل وَإِن كَانَ

متصرفا فِي ملك غَيره دفعا للضَّرَر فروع ثَلَاثَة أَحدهَا الْجِدَار الْمُشْتَرك إِن أَعَادَهُ أَحدهمَا فالنقض الْمُشْتَرك عَاد مُشْتَركا وَلَو أعَاد السّفل بِالنَّقْضِ الذى كَانَ عَاد ملكا لصَاحب السّفل فَلَو هَدمه بعد أَن بناه غرم لَهُ لِأَنَّهُ دخل فِي ملكه مَبْنِيا وَلِصَاحِب السّفل أَن ينْتَفع بِهِ وَكَذَا لَو أعَاد صَاحب الْعُلُوّ ينْقض نَفسه فَلَا يمْنَع صَاحب السّفل من السّكُون فِي ملكه وَإِن أحَاط بِهِ جدران غَيره وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَهُ أَن يمنعهُ مِنْهُ إِلَى أَن يغرم لَهُ الْقيمَة وَهَذَا يَلِيق بالْقَوْل الْقَدِيم ثمَّ على القَوْل الْقَدِيم لَا يجْبرهُ إِلَّا على الْقدر الذى يُخرجهُ عَن كَونه خرابا ضائعا وللقاضي أَن يستقرض عَلَيْهِ إِن كَانَ غَائِبا فالشريك لَو استبد بالِاتِّفَاقِ دون إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعه ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن لَا يكون فِي الْبَلَد قَاض فَيكون مَعْذُورًا أَو يكون الثَّانِي لَو أعَاد أحد الشَّرِيكَيْنِ لاجدار بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرك بِشَرْط أَن يكون

ثلثا الْملك لَهُ فِي النَّقْض جَازَ فَكَأَنَّهُ جعل سدس النَّقْض أُجْرَة لَهُ على عمله وَلَو تعاونا وشرطا التَّفَاوُت قَالَ الْأَصْحَاب لَا يجوز لِأَن النَّقْص متساو وَالْعَمَل متساو وَفِيه وَجه إِذْ لأَحَدهمَا أَن يتَبَرَّع بِالْعَمَلِ على الآخر ويبذل للْآخر على عمله الذى صَادف ملكه عوضا من النَّقْض وكل ذَلِك يجوز بِشَرْط أَن يملك النَّقْض دون الْجِدَار فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيق الْملك فِي الْعِوَض الثَّالِث من لَهُ حق إِجْرَاء المَاء فِي أَرض الْغَيْر فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعِمَارَة إِذا استرمت الأَرْض وَكَذَا إِن كَانَ من جِهَة المَاء على الظَّاهِر من الْمَذْهَب أما السّقف الْحَائِل بَين الْعُلُوّ والسفل فَلصَاحِب الْعُلُوّ الْجُلُوس عَلَيْهِ وَلِصَاحِب السّفل الاستظلال بِهِ وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك بِأَن يَبِيع صَاحب السّفل حق الْبناء على سطحه من غَيره فيبني الْغَيْر

وَقَالَ الْمُزنِيّ هَذَا البيع بَاطِل إِذْ لَا مَبِيع وَإِنَّمَا هُوَ إِجَارَة فلبؤقت وَشبه هَذَا بالاعتياض عَن الْجنَاح المشرع فِي دَار الْغَيْر فَإِنَّهُ مَمْنُوع وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ جوز أَن يُبَاع حق الْملك إِذا كَانَ مَقْصُورا كعين الْملك فِي حق الْمَمَر ومجرى المَاء ومسيله وَكَذَلِكَ حق وضع الْجُذُوع فروع الأول اخْتلفُوا فِي أَن هَذَا هَل ينْعَقد بِلَفْظ الْإِجَارَة مَعَ مَا فِيهِ من التأييد الثَّانِي يجب عَلَيْهِ أَن يعلم مَوضِع الْبناء وَقدره وَأَن اللبنات فِي الْجِدَار منضدة أَو متجافية الأجواف وَلَا حَاجَة على الْأَظْهر إِلَى ذكر الْوَزْن فَلَو بَاعَ حق الْبناء على الأَرْض فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى ذكر تنضيد اللبنات أَيْضا لِأَن الأَرْض لَا تتأثر بِهِ الثَّالِث صَاحب السّفل إِذا هدم السّفل غرم لصَاحب الْعُلُوّ حق الْبناء وَلم يَنْفَسِخ لِأَن حكم البيع غَالب على هَذَا العقد فَإِذا أعَاد السّفل اسْتردَّ مَا غرمه إِذْ كَانَ ذَلِك للْحَيْلُولَة

وَكَذَا الْأَجِير يغرم فِي الْحَال مَا يَشْتَرِي بِهِ حق الْبناء ثمَّ يسْتَردّ عِنْد إِعَادَة السّفل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي التَّنَازُع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه مسَائِل خَمْسَة الأولى إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث زعما أَنَّهُمَا شريكان فِيهِ فَصدق أَحدهمَا يساهمه المكذب فِي الْقدر الذى يسلم لَهُ إِن ادّعَيَا عَن جِهَة إِرْث وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شرائين أَو هبتين أَو جِهَتَيْنِ مختلفتين فَلَا يساهم وَإِن ادّعَيَا عَن جِهَة شِرَاء وَاحِد أَو هبة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي وَالثَّانِي بلَى لِأَن العقد اقْتضى الْملك فِي كل جُزْء على الشُّيُوع فعلى هَذَا يلْتَفت مَا إِذا باعا عبدا مُشْتَركا فَأخذ أَحدهمَا نصِيبه من الثّمن هَل يستبد بِهِ أم يُقَال كل جُزْء من الثّمن فَهُوَ مُشْتَرك إِلَى الْقِسْمَة وَلَا خلاف أَن كل جُزْء من النُّجُوم فِي العَبْد الْمُشْتَرك إِذا كُوتِبَ مُشْتَرك لِأَن تَنْجِيز الْعتْق فِي نصيب أَحدهمَا مُضر الآخر الثَّانِيَة ادّعى رجل على رجلَيْنِ دَارا فِي يدهما فَأقر أَحدهمَا ثَبت نصِيبه فَلَو صَالحه على مَال وَأَرَادَ الْمُنكر أَخذه بِالشُّفْعَة فَلهُ ذَلِك إِن تعدد جِهَة ملكيهما وَإِن كَانَ عَن جِهَة إِرْث فَلَا لِأَنَّهُ بإنكاره كذبه فِي أصل الدَّعْوَى فَبَطل الصُّلْح بِزَعْمِهِ وَبَقِي الْملك لشَرِيكه فَهُوَ مؤاخذ بقوله وَفِيه وَجه

الثَّالِثَة إِذا تنَازعا جدارا حَائِلا بَين ملكهمَا فَالظَّاهِر أَنه فِي يدهما فَيحكم بِالشّركَةِ فَلَو اتَّصل طرف الْجِدَار بجدار خَالص لأَحَدهمَا اتِّصَال ترصيف صَار هُوَ صَاحب الْيَد وَكَذَلِكَ لَو كَانَ على خَشَبَة وأصل تِلْكَ الْخَشَبَة دَاخل فِي خَالص ملك أَحدهمَا وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع لم تكن الْيَد لَهُ خلافًا لأبي حنيفَة لِأَنَّهُ اخْتِصَاص بِزِيَادَة انْتِفَاع فضاهى مَا لَو تنَازعا دَارا وهما فِيهَا ولأحدهما فِيهَا أقمشة وَلَيْسَ كَمَا لَو تنَازعا دَابَّة أَحدهمَا آخذ بِلِجَامِهَا وَالْآخر رَاكب فَإِنَّهَا فِي يَد الرَّاكِب إِذْ لَيْسَ ثمَّ عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك وَهَاهُنَا كَون الْجِدَار حَائِلا عَلامَة ظَاهِرَة للاشتراك فَلَا يُغير إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَكَذَلِكَ لَو كَانَ معاقد القمط أَو الطاقات الْمرتبَة أَو الْأَطْرَاف الصَّحِيحَة من اللبنات فِي أحد الْجَانِبَيْنِ فَلَا مبالاة بشئ من ذَلِك فرع لَو شهِدت بَيِّنَة لأَحَدهمَا بِملك الْجِدَار وتنازعا فِي الأس فالمشهود لَهُ صَار صَاحب الْيَد فِي الأس إِذْ لَيْسَ الأس حَائِلا بَين الْملكَيْنِ حَتَّى يُقَال الِاشْتِرَاك فِيهِ ظَاهر بِخِلَاف الْجِدَار إِذا كَانَ عَلَيْهِ جذع الرَّابِعَة تنَازع صَاحب الْعُلُوّ والسفل فِي السّقف فَهُوَ بَينهمَا لِأَنَّهُ حَائِل بَين ملكيهما وَهُوَ لأَحَدهمَا أَرض وَللْآخر سَمَاء وَذَلِكَ إِذا كَانَ يُمكن إحداثه بعد بِنَاء الْعُلُوّ بِوَضْع أَطْرَاف الْجُذُوع عَلَيْهِ فِي

ثقبة الْجِدَار فَإِن لم يُمكن إِلَّا قبل بِنَاء الْعُلُوّ فَهُوَ مُتَّصِل بالسفل اتِّصَال ترصيف فاليد لصَاحب السّفل ثمَّ إِذا قضينا بالاشتراك فَفِي جَوَاز التَّعْلِيق لصَاحب السّفل مِنْهُ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْجَوَاز مُكَافَأَة لصَاحب الْعُلُوّ فَإِنَّهُ يستبد بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن ذَلِك الْقدر ضَرُورَة فِي حَقه وَالثَّالِث أَنه إِذا افْتقر إِلَى شقّ السّقف بوتد لم يجز وَإِلَّا جَازَ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ حَقِيقَة الْمُكَافَأَة على التَّسَاوِي الْخَامِسَة إِذا كَانَ علو الخان لوَاحِد وسفله لآخر وتنازعا فِي الْعَرَصَة فَإِن كَانَ المرقي فِي أَسْفَل الخان فالعرصة فِي يدهما وَإِن كَانَ فِي وَسطه فالعرصة إِلَى المرقى فِي يدهما وَمَا تَحْتَهُ فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا لَو كَانَ فِي الدهليز أما إِذا كَانَ خَارِجا فالعرصة فِي يَد صَاحب السّفل وَلَو تنَازعا فِي نفس المرقى فَهُوَ فِي يَد صَاحب الْعُلُوّ إِلَّا إِذا كَانَ تَحْتَهُ بَيت لصَاحب السّفل ينْتَفع بِهِ فَهُوَ سقف لَهُ كَمَا أَنه مرقى لصَاحب الْعُلُوّ فَهُوَ فِي يدهما