بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخنا الامام العالم الزاهد الورع محي الدين يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن حزام النووي رحمه الله تعالى آمين:
الحمد لله البر الجواد الذي جلت نعمه عن الاحصاء والاعداد خالق اللطف والارشاد الهادى إلى سبيل الرشاد الموفق بكرمه لطرق السداد المان بالاعتناء بسنة حبيبه وخليله عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى من لطف به من العباد المخصص هذه الامة زادها الله شرفا بعلم الاسناد الذي لم يشركها فيه أحد من الأمم على تكرر العصور والآباد الذي نصب لحفظ هذه السنة المكرمة الشريفة المطهرة خواص من الحفاظ النقاد وجعلهم ذابين عنها في جميع الازمان والبلاد باذلين وسعهم في تبيين الصحة من طرقها والفساد خوفا من الانتقاص منها والازدياد وحفظا لها على الأمة زادها الله شرفا إلى يوم التناد مستفرغين جهدهم في التفقه في معانيها واستخراج الاحكام واللطائف منها مستمرين على ذلك في جماعات وآحاد مبالغين في بيانها وايضاح وجوهها بالجد والاجتهاد ولا يزال على القيام بذلك بحمد الله ولطفه جماعات في الاعصار كلها إلى انقضاء الدنيا واقبال المعاد وان قلو وخملت بلدان منهم وقربوا من النفاد.
أحمده أبلغ حمد على نعمه خصوصا على نعمة الاسلام وأن جعلنا من أمة خير الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين محمد عبده ورسوله وحبيبه وخليله خاتم النبيين صاحب الشفاعة العظمى ولواء الحمد والمقام المحمود سيد المرسلين المخصوص بالمعجزة الباهرة المستمرة على تكرر السنين التي تحدى بها أفصح القرون وأفحم بها المنازعين وظهر بها خزي من لم ينقد لها من المعاندين المحفوظة من أن يتطرق اليها تغيير الملحدين أعنى بها القرآن العزيز كلام ربنا الذي نزل به الروح الأمين على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين والمصطفى بمعجزات أخر زائدات على الألف والمئين وبجوامع الكلم وسماحة شريعته ووضع اصر المتقدمين المكرم بتفضيل أمته زادها الله شرفا على الأمم السابقين وبكون أصحابه رضي الله عنهم خير القرون الكائنين وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين ويجعل اجماع أمته حجة مقطوعا بها كالكتاب المبين وأقوال أصحابه المنتشرة من غير مخالفة لذلك عند العلماء المحققين المخصوص بتوفر دواعي أمته زادها الله شرفا على حفظ شريعته وتدوينها ونقلها عن الحفاظ المسندين وأخذها عن الحذاق المتقين والاجتهاد في تبيينها للمسترشدين والدؤوب في تعليمها احتسابا لرضا رب العالمين والمبالغة في الذب عن منهاجه بواضح الأدلة وقمع الملحدين والمبتدعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين وآل كل وصحابتهم والتابعين وسائر عباد الله الصالحين ووفقنا للاقتداء به دائمين في أقواله وأفعاله وسائر أحواله مخلصين مستمرين في ذلك دائبين.
وأشهد أن لا اله الاالله وحده لا شريك له اقرارا بوحدانيته واعترافا بما يجب على الخلق كافة من الاذعان لربوبيته واشهد ان محمد عبده ورسوله المصطفى من بريته والمخصوص بشمول رسالته وتفضيل امته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واصحابه وعترته اما بعد فإن الاشتغال بالعلم من افضل القرب واجل الطاعات واهم انواع الخير وآكد العبادات واولى ما انفقت فيه نفائس الأوقات وشمر في ادراكه والتمكن فيه اصحاب الانفاس الزكيات وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات وسابق إلى التحلى به مستبقو المكرمات وقد تظاهرت على ما ذكرته جمل من الآيات الكريمات والاحاديث الصحيحة المشهورات واقاويل السلف رضىالله عنهم النيرات ولاضرورة لذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات ومن اهم انواع العلوم تحقيق معرفة الاحاديث النبويات اعني معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلعا ومقلوبها ومشهورها وغريبها وعزيزها متوارتها وآحادها وافرادها معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومجملها ومبينها ومختلفها وغير ذلك من انواعها المعروفات ومعرفة علم الاسانيد اعني معرفة حال رجالها وصفاتهم المعتبرة وضبط اسمائهم وانسابهم ومواليدهم ووفياتهم وغير ذلك من الصفات ومعرفة التدليس والمدلسين وطرق الاعتبار والمتابعات ومعرفة حكم اختلاف الرواة في الأسانيد والمتون والوصل والارسال والوقف والرفع والقطع والانقطاع وزيادات الثقات ومعرفة الصحابة والتابعين واتباعهم واتباع اتباعهم ومن بعدهم رضى الله عنهم وعن سائر المؤمنين والمؤمنات وغير ما ذكرته من علومها المشهورات ودليل ما ذكرته أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات وعلى السنن مدار اكثر الأحكام الفقهيات فإن اكثر الآيات الفروعيات مجملات وبيانها في السنن المحكمات وقد اتفق العلماء على ان من شرط المجتهد من القاضي والمفتي ان يكون عالما بالأحاديث الحكميات فتيت بما ذكرناه ان الانشغال بالحديث من اجل العلوم الراجحات وافضل انواع الخير وآكد القربات وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ماذكرناه على بيان حال افضل المخلوقات عليه من الله الكريم افضل الصلوات والسلام والتبريكات ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الاعصار الخاليات حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين الوف متكاثرات فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبق الا آثار من آثارهم قليلات والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات وقد جاء في فضل احياء السنن المماتات احاديث كثيرة معروفات مشهورات فينبغي الاعتناء بعلم الحديث والتحريض عليه لما ذكرنا من الدلالات ولكونه ايضا من النصيحة لله تعالى وكتابه ورسوله ﷺ وللائمة والمسلمين والمسلمات وذلك هو الدين كما صح عن سيد البريات صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وصحبه وذريته وازواجه الطاهرات ولقد احسن القائل من جمع ادوات الحديث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات وذلك لكثرة فوائده البارزات والكامنات وهو جدير بذلك فانه كلام افصح الخلق ومن اعطي جوامع الكلمات ﷺ صلوات متضاعفات.
واصح مصنف فى الحديث بل فى العلم مطلقا الصحيحان للإمامين القدوتين ابى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وابى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رضى الله عنهما فلم يوجد لهما نظير فى المؤلفات فينبغي ان يعتنى بشرحهما وتشاع فوائدهما ويتلطف فى استخراج دقائق المعلوم من متونهما واسانيدهما لما ذكرنا من الحجج الظاهرات وانواع الادلة المتظاهرات فأما صحيح البخارى رحمه الله فقد جمعت فى شرحه جملا مستكثرات مشتملة على نفائس من انواع العلوم بعبارات وجيزات وانا مشمر فى شرحه راج من الله الكريم فى اتمامه المعونات واما صحيح مسلم رحمه الله فقد استخرت الله تعالى الكريم الرؤف الرحيم فى جمع كتاب شرحه متوسط بين المختصرات والمبسوطات لا من المختصرات المخلات ولا من المطولات المملات ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين وخوف عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطه فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات من غير تكرار ولا زيادات عاطلات بل ذلك لكثرة فوائده وعظم عوائده الخفيات والبارزات وهو جدير بذلك فإنه كلام أفصح المخلوقات ﷺ صلوات دائمات لكنى اقتصر على التوسط واحرص على ترك الاطالات وأوثر الاختصار فى كثير من الحالات فأذكر فيه ان شاء الله جملا من علومه الزاهرات من احكام الاصول والفروع والآداب والاشارات الزهديات وبيان نفائس من اصول القواعد الشرعيات وايضاح معانى الالفاظ اللغوية واسماء الرجال وضبط المشكلات وبيان اسماء ذوى الكنى واسماء آباء الابناء والمبهمات والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم من المذكورين فى بعض الاوقات واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والاسنانيد المستفادات وضبط جمل من الاسماء المؤتلفات والمختلفات والجمع بين الاحاديث التى تختلف ظاهرا ويظن البعض من لا يحقق صناعتى الحديث والفقه واصوله كونها متعارضات وانبه على ما يحضرني فى الحال فى الحديث من المسائل العمليات واشير إلى الادلة فى كل ذلك اشارات الا فى مواطن الحاجة إلى البسط للضرورات واحرص فى جميع ذلك على الايجاز وايضاح العبارات وحيث انقل شيئا من اسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والاحكام والمعانى وغيرها من المنقولات فإن كان مشهورا لا اضيفه إلى قائليه لكثرتهم الا نادرا لبعض المقاصد الصالحات وان كان غريبا اضفته إلى قائليه الا ان اذهل عنه بعض المواطن لطول الكلام او كونه مما تقدم بيانه من الابواب الماضيات واذا تكرر الحديث او الاسم او اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه فى اول مواضعه واذا مررت على الموضع الآخر ذكرت انه تقدم شرحه وبيانه فى الباب الفلانى من الابواب السابقات وقد اقتصر على بيان تقدمه من غير اضافة او اعيد الكلام فيه لبعد الموضع الاول أو ارتباط كلام او نحوه او غير ذلك من المصالح المطلوبات واقدم فى اول الكتاب جملا من المقدمات مما يعظم النفع به ان شاء الله تعالى ويحتاج إليه طالبو التحقيقات وأرتب ذلك فى فصول متتابعات ليكون اسهل فى مطالعته وابعد من السآمات وانا مستمد المعونة والصيانة واللطف والرعاية من الله الكريم رب الارضين والسموات مبتهلا إليه سبحانه وتعالى ان يوفقنى ووالدى ومشايخى وسائر اقاربى واحبابى ومن احسن الينا بحسن النيات وان ييسر لنا الطاعات وان يهدينا لها دائما فى ازدياد حتى الممات وان يجود علينا برضاه ومحبته ودوام طاعته والجمع بيننا فى دار كرامته وغير ذلك من انواع المسرات وان ينفعنا اجمعين ومن يقرأ فى هذا الكتاب به وان يجزل لنا المثوبات وان لا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الخيرات وان لا يجعل شيئا من ذلك فتنة لنا وان يعيذنا من كل شيء من المخالفات انه مجيب الدعوات جزيل العطيات اعتصمت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله وحسبى الله ونعم الوكيل وله الحمد والفضل والمنة والنعمة وبه التوفيق واللطف والهداية والعصمة