قصيدة المخبل السعدي |
ذَكَرَ الرَّبابَ وَذِكْرُها سُقْمُ | فَصَبا، وَلَيْسَ لِمَنْ صَبا حِلْمُ |
وَإِذا ألَمَّ خَيالُها طُرِفَت | عَيْني، فَماءُ شُؤونها سَجْمُ |
كاللُّؤلؤ المَسجورِ أُغْفِل في | سِلْكِ النِّظام فَخانَه النَّظمُ |
وَأَرى لَها داراً بِأغْدِرَةٍ الـ | ـسِّيدانِ لمْ يَدْرُسْ لها رَسْمُ |
إلّا رَماداً هامِداً دَفَعَتْ | عنهُ الرِّياحَ خَوالدٌ سُحْمُ |
وَبَقِيَّةُ النُّؤي الذي رُفِعَتْ | أَعْضادهُ فَثَوى له جِذمُ |
فَكَأنَّ ما أبقى البَوارحُ والـ | أمْطارُ من عَرَصاتِها الوَشْمُ |
تَقرو بِها البَقَرُ المَسارِبَ واخْـ | ـتَلَطَتْ بِها الآرامُ والأُدْمُ |
وُكَأَنَّ أَطْلاءَ الجَآذِر والـ | غِزْلانِ حَوْلَ رُسومِها البَهْمُ |
وَلَقد تَحُلُّ بِها الرَّبابُ لها | سَلَفٌ يَفُلُّ عَدُّوها فَخْمُ |
بَرْدِيَّةٌ سَبَقَ النَّعيمُ بِها | أَقْرانَها وغَلا بها عَظْمُ |
وَتُريكَ وَجْهَاً كالصَّحيفَةِ لا | ظَمْآنُ مُخْتَلِجٌ ولا جَهْمُ |
كَعَقيلَةِ الدُّرِ اسْتضاءَ بِها | مِحْرابُ عَرْشِ عَزِيزها العُجْمُ |
أغلى بِها ثَمَنَاً، وَجاءَ بِها | شَخْتُ العِظامِ كَأَنَّهُ سَهْمُ |
بِلَبانِهِ زَيْتٌ، وَأَخرجَها | من ذي غوارِبَ وَسْطَهُ اللُّخْمُ |
أوْ بَيْضَةِ الدِّعْصِ التي وُضِعَتْ | في الأرْضِ، لَيْسَ لِمَسِّها حَجْمُ |
سَبَقَتْ قَرائِنَها وَأَدْفَأَها | قَرِدُ الجَناح كَأَنَّهُ هِدْمُ |
وَيَضُمُّها دُونَ الجَناحِ بِدَفهِ | وَتَحُفُّهنَّ قَوادِمٌ قُتْمُ |
لم تَعْتَذِر منها مَدافِعُ ذي | ضالٍ وَلا عُقَبٌ وَلا الزُّخْمُ |
وَتُضِلُّ مِدْراها المَواشِطُ في | جَعْدٍ أَغَمَّ كَأنّهُ كَرْمُ |
هَلّا تُسلّي حاجَةً عَلِقَتْ | عَلَقَ القَرينَةِ حَبْلُها جِذْمُ |
وَمُعَبَّدٍ قَلِقِ المَجازِ كَبَا | رِيِّ الصَّناعِ إكامُهُ دُرْمُ |
للقارِباتِ مِن القَطَا نُقَرٌ | في حافَتَيه كَأنَّها الرَّقْمُ |
عارَضْتُهُ مَلَثَ الظَّلامِ بِمذْ | عانِ العَشِيِّ كأنّها قَرْمُ |
تَذَرُ الحَصى فِلَقاً إذا عَصَفتْ | وَجَرى بِحَدِّ سَرابِها الأُكْمُ |
قَلِقَتْ إذا انْحَدَرَ الطَّريقُ لَها | قَلَقَ المَحالَةِ ضَمَّها الدِّعْمُ |
لَحِقَتْ لَها عَجُزٌ مُؤَيَّدَةٌ | عَقْدَ الفَقارِ وَكاهِلٌ ضَخْمُ |
وَقَوائِمٌ عُوجٌ كَأغْمِدَةِ الـ | ـبُنْيانِ عُولِيَ فَوْقَها اللَّحْمُ |
وَإذا رَفَعْتَ السَّوْطَ أَفْزَعَها | تَحتَ الضُّلوعِ مُرَوَّعٌ شَهْمُ |
وَتَسُدُّ حاذَيْها بِذي خُصَلٍ | عُقِمَتْ فَنَاعَمَ نَبْتُهُ العُقْمُ |
وَلَها مَنَاسِمُ كالمَواقِعِ لا | مُعْرٌ أَشاعِرُها وَلا دُرْمُ |
وَتَقيلُ في ظِلِّ الخِباءِ كما | يَغْشى كِناسَ الضَّالَةِ الرِّئْمُ |
كَتَريكَةِ السَّيْلِ التي تُرِكَتْ | بِشَفَا المَسيلِ وَدُونَها الرَّضْمُ |
بَلَّيْتُها حتّى أُؤَدِّيَها | رِمَّ العِظامِ وَيَذْهَبَ اللَّحْمُ |
وَتَقولُ عاذِلَتي وَلَيسَ لَها | بِغَدٍ وَلا ما بَعْدَهُ عِلْمُ |
إِنَّ الثَّراءَ هُوَ الخُلودُ وَإِ | نَّ المَرْءَ يُكْرِبُ يَوْمَهُ العُدْمُ |
إنّي وَجَدِّكِ ما تُخَلِّدُني | مائَةٌ يَطيرُ عِفاؤُها، أُدْمُ |
وَلَئِنْ بَنَيْتِ لِيَ المُشَقَّرَ في | هَضْبٍ تُقصِّرُ دُونَهُ العُصْمُ |
لَتُنَقِّبَنْ عَنّي المَنِيَّةُ إِ | نَّ الله لَيْسَ كَحُكْمِهِ حُكْمُ |
إنّي وَجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُهُ | تَقْوى الإلهِ وَشَرُّهُ الإِثْمُ |