المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء السابع والعشرون – كتاب الوصايا) •كتاب الوصايا o فصل: وجوب الوصية على من عليه دين أو عنده وديعة o فصل: استحباب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرًا o فصل: الأولى عدم استيعاب الثلث بالوصية o فصل: أفضلية جعل الوصية للأقارب الذين لا يرثون o مسألة: لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك o فصل: إن أسقط عن وارثه دينا فهو كالوصية o فصل: جكم من وصى لكل وارث بمعين من ماله بقدر نصيبه o فصل: إذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض o فصل: إن ملك من ورثته من لا يعتق عليه كبني عمه فأعتقهم في مرضه فعتقهم وصية o فصل: مريض اشترى أباه بألف لا مال له سواه o فصل: إذا وهب الإنسان أبوه أو وصى له به o فصل: إذا وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث o فصل: إن وصى لوارث فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض o مسألة: من أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث o فصل: لا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد موت الموصي o فصل: إذا أوصى بأكثر من الثلث فأجاز الوارث الوصية o فصل: لا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف o مسألة: من أوصى له وهو في الظاهر وارث o فصل: لو أوصى لامرأة أجنبية أو أوصت له ثم تزوجها o فصل: إن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح o فصل: إن أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر o فصل: لو أن امرأة مريضة أعتقت عبدًا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت o فصل: لو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة o فصل: إذا أوصى بجارية لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح o مسألة: إن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية o فصل: لا تصح الوصية لميت o مسألة: إن رد الموصى له الوصية بعد موت الموصي بطلت الوصية o فصل: يحصل الرد بقوله: رددت الوصية o مسألة: فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام وارثه في ذلك مقامه o فصل: لا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول o فصل: تصح الوصية مطلقة ومقيدة o مسألة: إذا أوصى له بسهم من ماله أعطى السدس o فصل: إن أوصى بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء من ماله أعطاه الورثة ما شاءوا o مسألة: إذا أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه o فصل: إن أوصى بنصيب وارث, ففيها وجهان o فصل: إن قال: أوصيت لك بضعف نصيب ابني فله مثلا نصيبه o فصل: إن قال: أوصيت لك بضعفي نصيب ابني فله مثلا نصيبه o فصل: إن وصى بمثل نصيب من لا نصيب له o فصل: إن أوصى لرجل بثلث ولآخر بربع o فصل: لو أوصى بمثل نصيب وارث o مسألة: إذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لآخر o فصل: إن خلف بنتا وأوصى بمثل نصيبها o فصل: إذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم o فصل: إذا وصى لرجل بجزء مقدر ولآخر بمثل نصيب وارث من ورثته ففيها وجهان o فصل: إن أوصى لرجل بمثل نصيب وارث وللآخر بجزء مما بقي o فصل: إن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث o فصل: إن أوصى لثالث بربع المال o فصل: إن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال o فصل: إن خلف أما وأختا وعما وأوصى لرجل بمثل نصيب العم وسدس ما يبقى o فصل: في الاستثناء o فصل: إن قال: أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث o فصل: إن قال: إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب o فصل: إن خلف أربعة بنين وأوصى لرجل بثلث ماله إلا نصيب أحدهم o فصل: إن أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة o فصل: إن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة o فصل: إن أوصى لرجل بثلث ماله o مسألة: إذا أوصى لزيد بنصف ماله ولعمرو بربع ماله ولم يجز ذلك الورثة o فصل: إذا جاوزت الوصايا المال o فصل: إذا خلف ابنين وأوصى لرجل بماله كله o مسألة: إذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية o مسألة: إذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية o فصل: إن أوصى لبنات فلان دخل فيه الإناث دون غيرهن o فصل: إن وصى لولد فلان أو بني فلان o فصل: إن أوصى لأخواته فهو للإناث خاصة o فصل: ألفاظ الجموع على أربعة أضرب o فصل: إن وصى للأرامل فهو للنساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره o فصل: أما لفظ الأيامى فهو كالأرامل o فصل: العزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء o فصل: إذا أوصى لجماعة لا يمكن حصرهم واستيعابهم o فصل: إن وصى بأصل الموجود o فصل: إذا أوصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح o فصل: إذا أوصى لحمل امرأة o فصل: إن أوصى بثمرة شجرة أو بستان o فصل: إن أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها جاز o فصل: إذا أوصى له بثمرة شجرة مدة أو بما يثمر أبدا o فصل: فأما نفقة العبد الموصي بخدمته o فصل: إذا أعتق الورثة العبد عتق ومنفعته باقية للموصى له بها o فصل: إذا أوصى لرجل بمنفعة أمته فأتت بولد من زوج أو زنا o فصل: مالك المنفعة لا يملك رقبتها o فصل: إن قتل العبد الموصي بنفعه وجبت قيمته o فصل: إذا أوصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح o فصل: إن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح o فصل: إن أوصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح o فصل: تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه o مسألة: إذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر فهي بينهما o فصل: إن وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعًا o فصل: إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لبشر o مسألة: إن قال: ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كانت لبكر o فصل: أجمع أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق o فصل: يحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي o فصل: إن وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق فعجنه أو بعجين فخبزه أو بخبز ففته أو جعله فتيتا كان رجوعًا o فصل: إن وصى بشيء معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعًا o فصل: إذا حدث بالموصي به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي o فصل: إن جحد الوصية لم يكن رجوعا في أحد الوجهين o فصل: من قال: هذا ثلثي لفلان ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت o مسألة: من كتب وصية ولم يشهد فيها o مسألة: ما أعطى في مرضه الذي مات فيه فهو من الثلث o فصل: حكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء o فصل: إذا قال المريض: إذا أعتقت سعدا فسعيد حر o فصل: إن قال: إن تزوجت فعبدي حر o فصل: إذا أعتق المريض شقصًا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر o فصل: وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض o فصل: إن اشترى المريض أباه بألف o فصل: إذا كان للمريض ثلاثة آلاف فتبرع بألف o فصل: إن ملك المريض من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه o فصل: ما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه o فصل: إن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه o فصل: إذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه o فصل: يعتبر في المريض الذي هذه أحكامه شرطان o مسألة: الحامل إذا صار لها ستة أشهر عطيتها من الثلث o فصل: حصول الخوف في مواضع خمسة تقوم مقام المرض o فصل: اعتبار خروج العطية من الثلث حال الموت o فصل: إن أعتق ثلاثة أعبد, قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم o فصل: إن أعتق عبدين متساويي القيمة o فصل: رجل أعتق عبدا لا مال له سواه o فصل: في المحاباة في المرض o فصل: القسم الثاني المحاباة في التزويج o فصل: القسم الثالث أن يخالعها في مرضها بأكثر من مهرها o فصل: في الهبة o فصل: إن وهب مريض مريضا مائة, لا يملك سواها o فصل: فإن وهب رجل رجلا جارية فقبضها الموهوب له ووطئها o فصل: إن وهب مريض رجلا عبدا لا يملك غيره فقتل العبد الواهب o فصل: مريض أعتق عبدا لا مال له سواه o فصل: إن أعتق عبدين دفعة واحدة o مسألة: من جاوز العشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق o فصل: الطفل وهو من له دون السبع والمجنون والمبرسم فلا وصية لهم o فصل: المحجور عليه لسفه وصيته تصح o فصل: تصح وصية الأخرس إذا فهمت إشارته o فصل: إن وصى عبد أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد وصية o فصل: تصح وصية المسلم للذمي o فصل: تصح الوصية للحربي في دار الحرب o فصل: لا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم o فصل: لا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم o مسألة: من أوصى بكل ماله ولا عصبة له ولا مولى له o فصل: إن خلف ذا فرض لا يرث المال كله كبنت o فصل: إن خلف ذا فرض لا يرث المال كله o مسألة: من أوصى لعبده بثلث ماله o فصل: إن أوصى له بمعين من ماله o فصل: إن وصى له برقبته o فصل: إن وصى لمكاتبه أو مكاتب وارثه o فصل: إن أوصى لعبد غيره صح o فصل: إذا أوصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات o فصل: اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه o مسألة: إذا قال: أحد عبدي حر أقرع بينهما o فصل: من له غلامان اسمهما واحد فقال: فلان حر بعد موتي o مسألة: إذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة فيعتق o فصل: إن وصى أن يشتري عبد بألف فيعتق عنه o فصل: إن وصى بشراء عبد وأطلق أو وصى ببيع عبده وأطلق فالوصية باطلة o مسألة: إذا أوصى لرجل بعبد لا يملك غيره وقيمته مائة o مسألة: من أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى بالسوية o فصل: إن وصى لأقرب أقاربه أو أقرب الناس إليه o مسألة: إن قال: لأهل بيتي أعطي من قبل أبيه وأمه o فصل: إن وصى لآله فهو مثل قرابته o فصل: إن وصى لمواليه وله موال من فوق وهم معتقوه فالوصية لهم o فصل: إن وصى لجيرانه فهم أهل أربعين دارا من كل جانب o فصل: إن وصى لأهل دربه o فصل: إن وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن o فصل: إن أوصى بشيء لزيد وللمساكين o فصل: إن قال اشتروا بثلثي رقابًا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين o فصل: من أوصى بثلثه في أبواب البر o مسألة: إذا وصى أن يحج عنه بخمسمائة فما فضل رد في الحج o فصل: إذا أوصى بحج واجب أو غيره من الواجبات o مسألة: إن قال: حجة بخمسمائة فما فضل فهو لمن يحج o فصل: إن عين رجلا أن يحج فأبى أن يحج, بطل التعيين o مسألة: إن قال: حجوا عني حجة فما فضل رد إلى الورثة o فصل: إذا أوصى لرجل أن يخرج عنه حجة لم يكن للوصي الحج بنفسه o فصل: إذا أوصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث o فصل: إن أوصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث o مسألة: من أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا أو خطأ o فصل: إن كانت الوصية بمعين فعلى الرواية الأولى o فصل: إن أوصى ثم استفاد مالا قبل الموت o مسألة: إذا أوصى إلى رجل ثم أوصى بعده إلى آخر فهما وصيان o فصل: يجوز أن يوصي إلى رجل بشيء دون شيء o فصل: يجوز أن يوصي إلى رجلين معًا في شيء واحد o فصل: في من تصح الوصية إليه o فصل: اعتبار وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين o فصل: إذا قال: أوصيت إلى زيد فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو صح o مسألة: إذا كان الوصي خائنًا جعل معه أمين o فصل: العدل الذي يعجز عن النظر o فصل: إذا تغيرت حال الوصي بجنون أو كفر o فصل: يصح قبول الوصية وردها في حياة الموصي o فصل: يجوز أن يجعل للوصي جعلًا o مسألة: إن كانا وصيين فمات أحدهما أقيم مقام الميت أمين o فصل: إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما o فصل: لا بأس بالدخول في الوصية o فصل: إن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده o فصل: إذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شيء منه o فصل: إن وصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة o فصل: إذا علم الوصي أن على الميت دينًا o مسألة: من أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين o مسألة: إذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يسم العبد o فصل: وإن وصى الرجل بعبد صحت الوصية o فصل: إن وصى له بشاة من غنمه فالحكم فيها كالحكم في الوصية بعبد من عبيده o فصل: إن وصى بجمل لم يكن إلا ذكرا o فصل: إن وصى له بثور فهو ذكر o فصل: إن أوصى بكلب يباح اقتناؤه صحت الوصية o فصل: إن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به o فصل: لو أوصى له بقوس صحت الوصية o فصل: إن وصى له بعود وله عود لهو وغيره لم تصح الوصية o فصل: إن وصى له بمعين فاستحق بعضه أو هلك فله ما بقي منه o مسألة: من أوصى له بشيء فلم يأخذه زمانًا o فصل: إن وصى بمعين حاضر o فصل: إن كان الدين مثل العين o فصل: لو وصى لرجل بثلث ماله o فصل: إن خلف ابنين وترك عشرة عينًا وعشرة دينًا o فصل: نماء العين الموصي بها إن كان متصلًا كالسمن o مسألة: إذا أوصى بوصايا فيها عتاقة فلم يف الثلث بالكل تحاصوا في الثلث o فصل: العطايا المعلقة بالموت o فصل: إذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث إعتاقه o مسألة: من أوصى بفرس في سبيل الله وألف درهم تنفق عليه فمات الفرس o فصل: إذا قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر صحت الوصية o فصل: إذا أوصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما
كتاب الوصايا الوصايا جمع وصية, مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} [البقرة: 180]. وقال الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12]. وأما السنة فروى سعد بن أبي وقاص قال: (جاءني رسول الله ـ ﷺ ـ يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي, فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال, ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا قلت: فبالشطر يا رسول الله؟ قال: لا قلت: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير, إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) وعن ابن عمر أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليهما وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث) رواه سعيد وأبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن صحيح وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (إنكم تقرءون هذه الآية: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12]. وإن النبي ـ ﷺ ـ قضى أن الدين قبل الوصية) رواه الترمذي وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية.
فصل:
ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو عنده وديعة, أو عليه واجب يوصي بالخروج منه فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقه في هذا الباب الوصية, فتكون مفروضة عليه فأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد, في قول الجمهور وبذلك قال الشعبي والنخعي والثوري, ومالك والشافعي وأصحاب الرأي, وغيرهم وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد, إلا طائفة شذت فأوجبتها روي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية؟ قال: إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وهو قول داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس وإياس, وقتادة وابن جرير واحتجوا بالآية وخبر ابن عمر, وقالوا: نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ لم ينقل عنهم وصية, ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلا ظاهرا, ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس: نسخها قوله سبحانه: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7]. وقال ابن عمر: نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة, ومجاهد ومالك والشافعي وذهبت طائفة ممن يرى نسخ القرآن بالسنة, إلى أنها نسخت بقول النبي ـ ﷺ ـ: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة.
فصل:
وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا لأن الله تعالى قال: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} [البقرة: 180]. فنسخ الوجوب, وبقي الاستحباب في حق من لا يرث وقد روى ابن عمر قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (يا ابن آدم جعلت لك نصيبًا من مالك حين أخذت بكظمك, لأطهرك وأزكيك) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم) رواهما ابن ماجه وقال الشعبي: من أوصى بوصية فلم يجر, ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاها وهو صحيح وأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله قال في الوصية: {إن ترك خيرا} [البقرة: 180]. (وقال النبي ـ ﷺ ـ لسعد: إنك أن تدع ورثتك أغنياء, خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) وقال: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي: إنك لن تدع طائلا إنما تركت شيئا يسيرا, فدعه لورثتك وعنه: أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة وروى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رجلا قال لها: لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصى؟ فقالت: اجعل الثلاثة للأربعة وعن ابن عباس قال: من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية وقال عروة: دخل على علي صديق له يعوده, فقال الرجل: إني أريد أن أوصى فقال له علي: إن الله تعالى يقول: {إن ترك خيرا} [البقرة: 180]. وإنك إنما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك واختلف أهل العلم في القدر الذي لا تستحب لمالكه فروي عن أحمد: إذا ترك دون الألف لا تستحب الوصية وعن علي, أربعمائة دينار وقال ابن عباس: إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال: من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا وقال طاوس: الخير ثمانون دينارا وقال النخعي: ألف وخمسمائة وقال أبو حنيفة: القليل أن يصيب أقل الورثة سهما خمسون درهما والذي يقوى عندي, أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحب الوصية لأن النبي ـ ﷺ ـ علل المنع من الوصية بقوله: (أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي, فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم, فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال والله أعلم وقد قال الشعبي: ما من مال أعظم أجرا, من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس.
فصل:
والأولى أن لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنيا لقول النبي ـ ﷺ ـ : (والثلث كثير) قال ابن عباس: (لو أن الناس غضوا من الثلث فإن النبي ـ ﷺ ـ قال: الثلث كثير) متفق عليه وقال القاضي, وأبو الخطاب: إن كان غنيا استحب الوصية بالثلث ولنا أن النبي ـ ﷺ ـ قال لسعد: (والثلث كثير) مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله, فإنه قال في الحديث: " إن لي مالا كثيرا ولا يرثني إلا ابنتي " وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن السائب, عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال: (مرضت مرضا, فعادني رسول الله ـ ﷺ ـ فقال لي: أوصيت؟ فقلت: نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله ـ ﷺ ـ : أوص بالعشر فقلت: يا رسول الله إن مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله ـ ﷺ ـ يناقصني وأناقصه حتى قال: أوص بالثلث, والثلث كثير) وقال أبو عبد الرحمن: لم يكن أحد منا يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئا لقول النبي ـ ﷺ ـ : (الثلث والثلث كثير) إذا ثبت هذا فالأفضل للغني الوصية بالخمس ونحو هذا يروى عن أبي بكر الصديق, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال: يا أمير المؤمنين, أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة, منزوح نسبهم أفأوصى بمالي كله؟ قال: لا قال: فلم يزل يحط حتى بلغ العشر وقال إسحاق: السنة الربع إلا أن يكون رجلا يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها, فله استيعاب الثلث ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني قوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41]. وروي أن أبا بكر وعليا رضي الله عنهما أوصيا بالخمس وعن علي رضي الله عنه أنه قال: لأن أوصي بالخمس, أحب إلي من الربع وعن إبراهيم قال: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع وعن الشعبي قال: كان الخمس أحب إليهم من الثلث, فهو منتهى الجامح وعن العلاء بن زياد قال: أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصيته فتتابعوا على الخمس.
فصل:
والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون, إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة, وذلك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي ـ ﷺ ـ : (لا وصية لوارث) وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب وقد قال الله تعالى: {وآت ذا القربى حقه} [الإسراء: 26]. وقال تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى} [البقرة: 177]. فبدأ بهم ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل, فكذلك بعد الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في قول أكثر أهل العلم, منهم سالم وسليمان بن يسار وعطاء, ومالك والثوري والأوزاعي, والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن طاوس, والضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا: ينزع عنهم, ويرد إلى قرابته وعن سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد: للذي أوصى له ثلث الثلث, والباقي يرد إلى قرابة الموصى لأنه لو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث والباقي رد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في استحقاق المال كله ولنا, ما روى عمران بن حصين (أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي ـ ﷺ ـ فدعاهم, فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين, وأرق أربعة فأجاز) العتق في ثلثه لغير قرابته ولأنها عطية فجازت لغير قرابته, كالعطية في الحياة.
مسألة:
قال: [ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك] وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة, لم تصح بغير خلاف بين العلماء قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا وجاءت الأخبار عن رسول الله ـ ﷺ ـ بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ولأن النبي ـ ﷺ ـ منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة, وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم, ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به, وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى وإن أجازها جازت, في قول الجمهور من العلماء وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد, في رواية حنبل: (لا وصية لوارث) وهذا قول المزني وأهل الظاهر وهو قول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي ـ ﷺ ـ : " لا وصية لوارث " وظاهر مذهب أحمد والشافعي, أن الوصية صحيحة في نفسها وهو قول جمهور العلماء لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لأجنبي, والخبر قد روي فيه (إلا أن يجيز الورثة) والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة, أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه: لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة, يكفي فيها قول الوارث: أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك, لزمت الوصية وإن كانت باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة, من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه.
فصل:
وإن أسقط عن وارثه دينا, أو أوصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال, فهو كالوصية وإن عفا عن القصاص وقلنا: الواجب القصاص عينا سقط إلى غير بدل وإن قلنا: الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفا عن حد القذف, سقط مطلقا وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال أبو يوسف: هو وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية وتستوفى ديونه منها ولنا أنه وصى لأجنبي, فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه وإن وصى لولد وارثه صح, فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله عز وجل: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما} [البقرة: 182]. قال: أن يوصي لولد ابنته, وهو يريد ابنته رواه سعيد قال ابن عباس: الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر.
فصل:
وإن وصى لكل وارث بمعين من ماله بقدر نصيبه كرجل خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة, وجارية قيمتها خمسون فوصى لابنه بعبده ولابنته بأمته, احتمل أن تصح الوصية لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا بجميع ماله صح إذا كان ذلك بثمن المثل, وإن تضمن فوات عين المال واحتمل أن تقف على الإجازة لأن في الأعيان غرضا صحيحا وكما لا يجوز إبطال حق الوارث في قدر حقه لا يجوز من عينه.
فصل:
وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض, عتق وورث وبهذا قال مالك وبعض أصحاب الشافعي وحكاه الخبري مذهبا للشافعي ولا خلاف بين هؤلاء في أنه إذا ملكه بالميراث أنه يعتق ويرث وقال أبو حنيفة: إن حمله الثلث, عتق وورث وإلا سعى فيما بقي عليه ولم يرث ولم يفرق بين أن يملكه بعوض أو غيره وقال أبو يوسف, ومحمد: يحتسب ميراثهم من قيمتهم فإن فضل شيء أخذه وإن فضل عليهم شيء سعوا فيه ولنا, أن المريض لم يضع فيهم شيئا من ماله وإنما تعاطى سبب ملكهم على وجه لم يستقر وزال بغير إزالته, فلم يحتسب عليه من ثلثه كما لو اتهب شيئا فرجع الواهب فيه قبل قبضه أو اشترى شيئا فيه غبطة بشرط الخيار ففسخ البائع, أو وجد بالثمن عيبا ففسخ البيع أو تزوجت المرأة فطلقت قبل الدخول وإذا لم تكن وصية تحتسب عليه من الثلث لم يمنع الميراث, كما لو ملكه بالميراث عند من سلمه أو كما لو كان ذلك في صحته فإن ملكه بعوض, كالشراء فحكى الخبري عن أحمد أنه يعتق ويرث وهذا قول ابن الماجشون, وأهل البصرة وقال القاضي في " المجرد ": إن ملكه بعوض وخرج من الثلث, عتق وورث وإلا عتق منه بقدر الثلث وهذا قول مالك وقال الخبري: وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكى غيره عن الشافعي أنه لا فرق عنده بين أن يملكه بعوض أو غيره وأنه إن خرج من الثلث عتق, وإلا عتق منه بقدر الثلث ولا يرث في الحالين لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية لوارث فيبطل عتقه, ويبطل ميراثه لبطلان عتقه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه, فصححنا عتقه ولم نورثه لئلا يفضي إلى ذلك ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه في هذا كمذهبهم فيما إذا ملكه بغير عوض ولنا, على إعتاقه قول النبي ـ ﷺ ـ : (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) ولأنه ملك وجد معه ما ينافيه فبطل, كملك النكاح مع ملك الرقبة أعني فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه وإذا عتق ورث لأنه وجد سبب الميراث عريا عن الموانع فورث, كما لو ورثه وقولهم: إن عتقه وصية لا يصح لأن الوصية فعله والعتق ها هنا يحصل من غير اختياره ولا إرادته, ولأن رقبة المعتق لا تحصل له وإنما تتلف ماليته وتزول فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه, أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد مثال ذلك: مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة, ثم مات المريض وخلف ابنا آخر ومائتين فإنه يعتق, ويقاسم أخاه المائتين في قول الأكثرين وعند الشافعي فيما حكي عنه غير الخبري, يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله نصف التركة فيحتسب عليه بقيمته ويبقى له خمسون وإن كان باقي التركة خمسين, فعندنا يعتق وله نصف الخمسين وهو قول مالك وعند أبي حنيفة يعتق نصفه, ويسعى في باقيه والخمسون كلها لأخيه وقال صاحباه: يعتق ثلاثة أرباعه وعند الشافعي في قول غير الخبري, يعتق نصفه ويرق نصفه ونصفه الرقيق والخمسون كلها لأخيه وإن كان باقي التركة ثلاثمائة, فعندنا يعتق وله مائة وخمسون وعند الشافعي يعتق ولا يرث شيئا وعند صاحبي أبي حنيفة يعتق وله مائة فإن كان اشترى ابنه بمائة, ومات وخلف ابنا آخر ومائة أخرى فعلى الرواية الأولى, يعتق ويقاسم أخاه المائة الباقية وعلى ما حكاه القاضي يعتق منه ثلثاه ويرث أربعين, ويعتق باقيه على أخيه ولا يرث بذلك الجزء شيئا لأن عتقه حصل بعد موت أبيه وعند الشافعي يعتق ثلثاه ولا يرث وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثاه, ويسعى في باقيه ولا يرث وعند صاحبيه يعتق كله, ولا يرث شيئا فإن كان قد تصدق قبل ذلك بثلثه أو حابى به, لم يعتق لأن الثلث قد ذهب.
فصل:
وإن ملك من ورثته من لا يعتق عليه كبني عمه فأعتقهم في مرضه, فعتقهم وصية لأنه حصل بفعله واختياره وحكمهم في العتق حكم الأجانب إن خرجوا من الثلث عتقوا, وإلا عتق منهم بقدر الثلث وينبغي أن يعتقوا ولا يرثوا لأنهم لو ورثوا لكانت وصية لوارث فيبطل عتقهم ثم يبطل ميراثهم وقد قال أبو الخطاب, في رجل ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته: عتق ولم يرث وهذا في معني ما ذكرنا لأن إقراره لوارث غير مقبول, فمنعنا ميراثه ليقبل إقراره له بالإعتاق.
فصل:
مريض اشترى أباه بألف لا مال له سواه فعلى رواية الخبري, يعتق كله وعلى القول الآخر يعتق ثلثه على المعتق ويعتق باقيه على ابنه وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثه ويسعى للابن في ثلثيه وعلى قول صاحبيه, يعتق سدسه ويسعى في خمسة أسداسه وقيل على قياس قول الشافعي: يفسخ الشراء إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل: يعتق ثلثه ويفسخ البيع في ثلثيه وإن خلف ألفين سواه, عتق وورث سدسهما وبه قال مالك وأبو حنيفة وفي قول صاحبيه, يعتق نصفه ويسعى في قيمة نصفه.
فصل:
وإذا وهب الإنسان أبوه أو وصى له به, استحب له أن يقبله ولم يجب وهذا قول الشافعي ويحتمل أن يجب عليه قبوله لأن فيه إعتاقا لأبيه من غير التزام مال ولنا أنه استجلاب ملك على الأب, فلم يلزمه كما لو بذل له بعوض أو كما لو بذل له ابنه أو غيره من أقاربه, ولأنه يلزمه ضرر بلحوق المنة به وتلزمه نفقته وكسوته.
فصل:
إذا وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث, فالثلث بينهما وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصية لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسألتين, وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي, وغيرهم وإن كانت الوصيتان بثلثي ماله فأجاز الورثة لهما جازت لهما وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملا لأنهم خصوا الوارث بالإبطال, فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوارث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما, فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس هذا الذي ذكره القاضي وهو قول مالك والشافعي وذلك لأن الوارث يزاحم الأجنبي, إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد, كان البطلان راجعا إليهما وما بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد واختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحو هذا عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان للأجنبي, ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا: أجزنا الثلث لكما, ورددنا ما زاد عليه في وصيتكما أو قالوا: رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وإن قالوا: أجزنا وصية الوارث كلها, ورددنا نصف وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز, كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث, ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما, فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث, لم يرد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينتقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة, وجب توفير الثلث عليه لأنه قد أوصى له به ولو خلف ابنين ووصى لهما بثلثي ماله ولأجنبي بالثلث, فردا الوصية فقال أبو الخطاب: عندي للأجنبي الثلث كاملا وعند القاضي له التسع ويجيء فيه من الفروع مثل ما ذكرنا في التي قبلها.
فصل:
وإن وصى لوارث فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض, نفذ في نصيب من أجاز دون من لم يجز وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا فإن أجاز بعضهم بعض الوصية, وأجاز بعضهم جميعها أو ردها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا, لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته, وأجازه له أخواه فهو له وإن أجاز له أحدهما وحده, فله ثلثاه وإن أجازا له نصف العبد فله نصفه, ولهما نصفه وإن أجازا أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر, فله النصف كاملا الثلث نصيبه والسدس من نصيب المجيز وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه, كمل له الثلثان وإن أجاز له أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلاثة أرباع نصيبه, كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما, أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا وإن شاء متفاضلا, أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته, وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه.
مسألة:
قال: [ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث, فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي جاز وإن لم يجيزوا, رد إلى الثلث] وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز, وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء والأصل في ذلك (قول النبي ـ ﷺ ـ لسعد حين قال: أوصى بمالي كله؟ قال: لا قال فبالثلثين؟ قال: لا قال: فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير) وقوله عليه السلام: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم) يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم, فدعا بهم النبي ـ ﷺ ـ فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين, وأرق أربعة وقال له قولا شديدا يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث, إذا لم يجز الورثة ويجوز بإجازتهم لأن الحق لهم والقول في بطلان الوصية بالزائد عن الثلث كالقول في الوصية للوارث, على ما ذكرنا وهل إجازتهم تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فيه اختلاف ذكرناه في الوصية للوارث والخلاف فيه مبني على أن الوصية به أو العطية له في مرض الموت المخوف, صحيحة موقوفة على الإجازة أو باطلة؟ فظاهر المذهب أنها صحيحة وأن الإجازة تنفيذ مجرد, لا يكفي فيه قول المجيز: أجزت ذلك أو أنفذته أو نحوه من الكلام ولا يفتقر إلى شروط الهبة ويتفرع عن هذا الخلاف أنه لو أعتق عبدا لا مال سواه في مرضه أو وصى بإعتاقه, فأعتقوه بوصيته فقد نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه, عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله إذا قلنا بصحة إعتاقه ووصيته وإن قلنا: هي باطلة, والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق, أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو أوصى لابن وارثه بعد تبرعه بثلث ماله أو أعطاه عطية في مرضه, فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فيما أجازه فله ذلك إن قلنا: هي عطية مبتدأة وليس له ذلك على القول بأنها إجازة مجردة ولو تزوج رجل ابنة عمه, فأوصت له بوصية أو عطية في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته, فالحكم فيه على ما ذكرنا ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا: إجازتهم تنفيذ ولم يصح إن قلنا: هي عطية مبتدأة ولأنهم يكونون واقفين على أنفسهم ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة, وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال: إن أوصى في المرض فهو من الثلث, وإن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء يعني به العطية قاله القاضي أما الوصية فإنها عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال.
فصل:
ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد موت الموصي فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا, أو أذنوا لموروثهم في حياته بالوصية بجميع المال أو بالوصية لبعض ورثته ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته, فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح, وطاوس والحكم والثوري, والحسن بن صالح والشافعي وأبي ثور, وابن المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن, وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى, والزهري وربيعة والأوزاعي, وابن أبي ليلى: ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك: إن أذنوا له في صحته, فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله, فذلك جائز عليهم ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم, كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية, فلم يصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية. فصل: وإذا أوصى بأكثر من الثلث فأجاز الوارث الوصية, وقال: إنما أجزتها ظنا أن المال قليل فبان كثيرا فإن كانت للموصي بينة تشهد باعترافه بمعرفة قدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه, لم يقبل قوله إلا على قول من قال: الإجازة هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه بذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء, فلا يصح في المجهول والقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم ويحتمل أن لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره, كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار وإن أوصى بمعين كعبد أو فرس يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها, ثم قال: ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه لم تبطل الوصية لأن العبد معلوم لا جهالة فيه ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه, فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة: التي قبلها.
فصل:
ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا تصح الإجازة منهم لأنها تبرع بالمال, فلم تصح منهم كالهبة وأما المحجور عليه لفلس فإن قلنا: الإجازة هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله وإن قلنا: هي تنفيذ صحت.
مسألة:
قال: [ومن أوصى له, وهو في الظاهر وارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث فالوصية له ثابتة لأن اعتبار الوصية بالموت] لا نعلم خلافا بين أهل العلم, في أن اعتبار الوصية بالموت فلو أوصى لثلاثة إخوة له متفرقين ولا ولد له, ومات قبل أن يولد له ولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بالإجازة من الورثة وإن ولد له ابن, صحت الوصية لهم جميعا من غير إجازة إذا لم تتجاوز الوصية الثلث وإن ولدت له بنت جازت الوصية لأخيه من أبيه وأخيه من أمه, فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما نصفين ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث وبهذا يقول الشافعي وأبو ثور, وابن المنذر وأصحاب الرأي وغيرهم ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ولو أوصى لهم, وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه, ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه فإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا لأنه صار وارثا.
فصل:
ولو أوصى لامرأة أجنبية, أو أوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتهما إلا بالإجازة من الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر, ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث, إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطي أكثر من ميراثها لأنه يتهم في أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك, كما لو طلقها في مرض موته أو أوصى لها بأكثر مما كانت ترث.
فصل:
وإن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح, وورثته بغير خلاف نعلمه وإن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه, فنقل المروذي عن أحمد أنها تعتق وترث وهذا اختيار أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأنها امرأة نكاحها صحيح ولم يوجد في حقها مانع من موانع الإرث, وهي الرق والقتل واختلاف الدين فترث كما لو كان أعتقها في صحته وقال الشافعي: تعتق ولا ترث لأنها لو ورثت لكان إعتاقها وصية لوارث, فيؤدي توريثها إلى إسقاط توريثها لأن ذلك يقتضي إبطال عتقها فيبطل نكاحها ثم يبطل إرثها فكان إبطال الإرث وحده وتصحيح العتق والنكاح أولى.
فصل:
وإن أعتق أمة لا يملك غيرها, ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن مات ولم يملك شيئا آخر, تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ويعتق منها ثلثها, ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول: عتق منها شيء, ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فيجمع ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا, نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة, ولا شيء للميت سواها فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة وإن أحب الورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه, ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي, وتسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها, ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها, ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به, فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وحسابها أن تقول: عتق منها شيء ولها بمهرها نصف شيء, وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشيء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعه, فهو الذي عتق منها وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها, ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها, وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها, وذلك يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها, وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها وإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها, وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها, وبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها, ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان قد دخل بها عملنا فيها على ما تقدم, فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها, ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في مثل هذه المسألة: التي قبل الأخيرة, ما يقتضي صحة عتقها ونكاحها مع وجوب مهرها فإنه قال في من أعتق في مرضه أمة قيمتها مائة, وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها: يصح العتق والصداق والنكاح لأن المائتين صداق مثلها, وتزويج المريض بمهر المثل صحيح نافذ وهذا غير جيد فإن ذلك يفضي إلى نفوذ العتق في المرض من جميع المال ولا أعلم به قائلا ولو أنه أتلف المائتين أو أصدقهما لامرأة أجنبية, ومات ولم يخلف شيئا لبطل عتق ثلثي الأمة, فإذا أخذتهما هي كان أولى في بطلانه والصحيح ما ذكرنا ـ إن شاء الله تعالى ـ وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها: تعطي مهرها وثلث الباقي, بحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك, وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فأما إن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها, في قول الجميع لأن ذلك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي: لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث, واعتبار الوصية بالموت.
فصل:
ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبدا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت, وخلفت مائة اقتضى قول أصحابنا أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة ويرث نصف ذلك ويبقى للورثة خمسة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه: تحسب عليه قيمته أيضا, وتضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي: لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي, ـ إن شاء الله تعالى ـ .
فصل:
ولو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك غيرها ثم مات, وورثته بطلت المحاباة لأنها وصية لوارث ولها صداقها وربع الباقي بالميراث وإن ماتت قبله, صحت المحاباة ويدخلها الدور فنقول: لها مهرها وهو خمسة, وشيء بالمحاباة يبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم نصف مالها وهو ديناران, ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين اجبر وقابل, يتبين أن الشيء ثلاثة فيكون لورثتها أربعة ولورثته ستة وإن خلفت مع ذلك دينارين, عاد إلى الزوج من ميراثها ثلاثة ونصف شيء صار له ثمانية ونصف إلا نصف شيء اجبر وقابل, يخرج الشيء ثلاثة وخمسين فصار لورثته ستة وأربعة أخماس ولورثتها خمسة وخمس.
فصل:
وإذا أوصى بجارية لزوجها الحر, فقبلها انفسخ النكاح لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما يملك بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح وفيه وجه آخر, أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين حينئذ أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي فإن أتت بولد لم تخل من ثلاثة أحوال: أحدها, أن تكون حاملا به حين الوصية ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى به معها لأن للحمل حكما, ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفردا صحت الوصية به مع أمه, فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه وجه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل في الوصية, وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو له, كسائر كسبها وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة, على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصى له الحال الثاني, أن تحمل به بعد الوصية في حياة الموصي ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم يتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية, فلا نثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا: للحمل حكم فكذلك وإن قلنا: لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول, ولا بينة إن وضعته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه لأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة, وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه الحال الثالث أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول, ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول أيضا فهو للوارث, في ظاهر المذهب لأن الملك إنما ثبت للموصى له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له وإن وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكما, فيكون حادثا عن ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا لا ولاء عليه لأنها أم ولد, لكونها علقت منه بحر في ملكه فيصير كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه وقال أبو حنيفة: إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم, فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية, فلا تدخل فيها كالكسب وإذا أوصى بعتق جارية فولدت وتفارق الاستيلاد لأن له تغليبا وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت الجارية من الثلث, وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح, كملك جميعها وكل موضع يكون الولد فيه لأبيه فإنه يكون له منه ها هنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا, وإن كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا: تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ها هنا سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة قال القاضي: تصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي.
مسألة:
- قال: [فإن مات الموصى له قبل موت الموصي, بطلت الوصية]
هذا قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان, وربيعة ومالك والشافعي, وأصحاب الرأي وقال الحسن: تكون لولد الموصى له وقال عطاء: إذا علم الموصي بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية, فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول ولنا أنها عطية صادفت المعطي ميتا, فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا وإن سلمنا صحتها, فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسألتنا.
فصل:
ولا تصح الوصية لميت وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: إن علم أنه ميت, فهي جائزة وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها وبهذا يحصل له النفع, فأشبه ما لو كان حيا ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له إذا لم يعلم, فلم تصح إذا علم كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول, فلم يصح للميت كالهبة إذا ثبت هذا فإذا أوصى بثلثه, أو بمائة لاثنين حي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موت الميت أو جهله وهذا قول أبي حنيفة, وإسحاق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف, ومحمد: إذا قال: هذه المائة لفلان وفلان فهي للحي منهما وإن قال: بين فلان وفلان فوافقنا الثوري في أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب: عندي أنه إذا علمه ميتا فالجميع للحي وإن لم يعلمه ميتا, فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم: إذا أوصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتا, فللحي خمسون فقيل له: أليس إذا قال: ثلثي لفلان وللحائط أن الثلث كله لفلان؟ فقال: وأي شيء يشبه هذا الحائط له ملك, فعلى هذا إذا شرك بين من تصح الوصية له ومن لا تصح مثل أن يوصى لفلان وللملك وللحائط أو لفلان الميت, فالموصي به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالما بالحال لأنه إذا شرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم الحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه, وإلى الآخر النصف الآخر ظنا منه أن الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما, صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية لاثنين, فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال فأما إن وصى لاثنين حيين, فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا وكذلك لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال: أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة, أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حيا أو ميتا لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه.
مسألة:
قال: [وإن رد الموصى له الوصية, بعد موت الموصي بطلت الوصية) لا يخلو إذا رد الوصية من أربعة أحوال أحدها أن يردها قبل موت الموصي, فلا يصح الرد ها هنا لأن الوصية لم تقع بعد فأشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول, فلا يكون محلا للرد كما قبل الوصية والثانية أن يردها بعد الموت, وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه, فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع والثالثة أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه, فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن يرضي الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة والرابعة, أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصي به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه, فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه, فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان أحدهما يصح الرد في الجميع, ولا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهذا المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض, فصح رده كما قبل القبول والثاني لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقبول من غير قبض.
فصل:
ويحصل الرد بقوله: رددت الوصية وقوله: لا أقبلها وما أدى هذا المعني قال أحمد: إذا قال أوصيت لرجل بألف, فقال: لا أقبلها فهي لورثته يعني لورثة الموصي.
مسألة:
- قال: [فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام وارثه في ذلك مقامه إذا كان موته بعد موت الموصي ]
اختلف أصحابنا فيما إذا مات الموصى له قبل القبول والرد, بعد موت الموصي فذهب الخرقي إلى أن وارثه يقوم مقامه في القبول والرد لأنه حق ثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه السلام: (من ترك حقا فلورثته) وكخيار الرد بالعيب, وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن الوصية تبطل لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبله بطل العقد, كالهبة قال القاضي: هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل بالموت كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة وقال أصحاب الرأي: تلزم الوصية في حق الوارث, وتدخل في ملكه حكما بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي وإنما الخيار للموصى له فإذا مات, بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له, فمات قبل انقضائه ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له أنها عقد لازم من أحد الطرفين, فلم تبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له, فلا يبطل بموت الآخر كالذي ذكرنا ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين اللذين ذكرناهما, وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأنه لم يبطل الخيار, ويلزم العقد فنظيره في مسألتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول المتملك, فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فإن الوارث يقوم مقام الموصى له في القبول والرد لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت, قام الوارث فيه مقامه فعلى هذا إن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت, وثبت الملك بها وإن كان الوارث جماعة اعتبر القبول أو الرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض, ثبت للقابل حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان فيهم من ليس من أهل التصرف قام وليه مقامه في القبول والرد, وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه الحظ فيه فإن فعل غيره لم يصح فإذا كان الحظ في قبولها فردها, لم يصح رده وكان له قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها فقبلها لم يصح قبوله لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولى عليه بغير ما له الحظ فيه فلو أوصى لصبي بذي رحم له يعتق بملكه له, وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصي به لكونه فقيرا لا كسب له, والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون الموصي به ذا كسب, أو كون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين قبول الوصية لأن في ذلك نفعا للمولى عليه لعتق قرابته, وتحريره من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم.
فصل:
ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول, في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله, كالهبة والبيع قال أحمد: الهبة والوصية واحد فأما إن كانت لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم, كبني هاشم وتميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول, ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر فيسقط اعتباره كالوقف عليهم, ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله ولذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصي به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير, لم يعتق عليه ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة: وإنما ثبت لكل واحد منهم بالقبض, فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فيعتبر قبوله, لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضا كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي ولا يكون إلا بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق, ولذلك لم يصح رده فإذا قبل ثبت الملك له من حين القبول في الصحيح من المذهب وهو قول مالك, وأهل العراق وروي عن الشافعي وذكر أبو الخطاب في المسألة: وجها آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول, وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12]. ولأن الإرث بعد الوصية, ولا يبقى للميت لأنه صار جمادا لا يملك شيئا وللشافعي قول ثالث غير مشهور أن الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرنا ولنا, أنه تملك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود, ولأن القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب, والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل فإن قيل: فلو قال لامرأته: أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر قلنا: ليس هذا شرطا في وقوع الطلاق, وإنما تبين به الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله بشهر لم يصح وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمسألتنا, غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسألتنا قولهم: إن الملك لا يثبت للوارث ممنوع فإن الملك ينتقل إلى الوراث بحكم الأصل, إلا أن يمنع منه مانع وقول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12]. قلنا: المراد به وصية مقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكا للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله: {فلكم الربع مما تركن من بعد وصية} [النساء: 12]. أي لكم ذلك مستقر فلا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر, ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية وإن سلمنا أن الملك لا يثبت للوارث فإنه يبقى ملكا للميت, كما إذا كان عليه دين وقولهم: لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له ملك في دينه إذا قبل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته, بحيث تقضى ديونه وتنفذ وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه, فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب, فإن رد الموصى له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول, وأنه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة فلو باع الموصي به, أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك, لم ينفذ شيء من تصرفاته ولو كان الوارث ابنا للموصى به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي, فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه إلى حين القبول ولا يعتق عليه والله أعلم.
فصل:
وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين, أو لزيد والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا, فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة, ثم مات بطلت الوصية المقيدة وبقيت المطلقة قال أحمد, في من وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك: فليس له وصية وبهذا قال الحسن, والثوري والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال مالك: إن قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك, وإن كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب, فوصيته بحالها ما لم ينقضها ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها, فبطلت كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله, ولأنه قيد وصيته بقيد فلا يتعداه كما ذكرنا وإن قال لأحد عبديه: أنت حر بعد موتي وقال للآخر: أنت حر إن مت في مرضي هذا فمات في مرضه, فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله ولو وصى لرجل بثلثه, وقال: إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه له وكذلك في سائر الشروط فإن النبي ـ ﷺ ـ قال: (المسلمون على شروطهم). مسألة:
- قال: [وإذا أوصى له بسهم من ماله أعطى السدس وعن أبي عبد الله ـ رحمه الله ـ رواية أخرى, يعطي سهما مما تصح منه الفريضة ) اختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ فيما لو أوصى بسهم فروي عنه, أن للموصى له السدس وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن, وإياس بن معاوية والثوري والرواية الثانية أنه يعطي سهما مما تصح منه الفريضة, فينظر كم سهما صحت منه الفريضة فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح قال: ترفع السهام فيكون للموصى له سهم قال القاضي: هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس, فله السدس لأنه متحقق ووجه ذلك أن قوله: سهما ينبغي أن ينصرف إلى سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحدا من سهامها, كما لو قال: فريضتي كذا وكذا سهما لك منها سهم وقال الخلال وصاحبه: له أقل سهم من سهام الورثة لأن أحمد قال في رواية أبي طالب والأثرم: إذا أوصى له بسهم من ماله, يعطي سهما من الفريضة قيل: له نصيب رجل أو نصيب امرأة؟ قال: أقل ما يكون من السهام قال القاضي: ما لم يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة وقال صاحباه: إلا أن يزيد على الثلث فيكون له الثلث ووجه هذا القول, أن سهام الورثة أنصباؤهم فيكون له أقلها لأنه اليقين فإن زاد على السدس دفع إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة, وقال أبو ثور: يعطي سهما من أربعة وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام وقال الشافعي وابن المنذر: يعطيه الورثة ما شاءوا لأن ذلك يقع عليه اسم السهم, فأشبه ما لو أوصى له بجزء أو حظ وقال عطاء وعكرمة: لا شيء له ولنا ما روي ابن مسعود (أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي ـ ﷺ ـ السدس) ولأن السهم في كلام العرب السدس, قال إياس بن معاوية: السهم في كلام العرب السدس فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة, ولأن السدس أقل سهم مفروض يرثه ذو قرابة فتنصرف الوصية إليه إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض فإن كانت المسألة: كاملة الفروض, أعيلت به وإن كانت عائلة زاد عولها به وإن كان فيها رد أو كانوا عصبة, أعطى سدسا كاملا قال أحمد في رواية ابن منصور وحرب: إذا أوصى الرجل بسهم من ماله, يعطي السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطي سهما مع العول فكأن معني الوصية, أوصيت لك بسهم من يرث السدس فلو أوصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معهما جدة, على الروايات الثلاث وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة: من تسعة وللموصى له العشر, على الروايات الثلاث وإن كان الورثة ثلاث أخوات متفرقات فللموصى له السدس على الروايات الثلاث وإن كانوا زوجا وأبوين وابنين فالمسألة: من خمسة عشر, وتعول بسدس آخر فتصير من سبعة عشر وكذلك على قول الخلال لأن أقل سهام الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد, يزاد على خمسة عشر فتصير ستة عشر وإن كانوا زوجة وأبوين وابنا فالفريضة من أربعة وعشرين, وتعول بالسدس الموصي به إلى ثمانية وعشرين وعلى الرواية الثانية يزاد عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى قول الخلال: يزاد عليها مثل سهم الزوجة, فتكون من سبعة وعشرين وإن كانوا خمسة بنين فللوصي السدس كاملا وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من أربعين, فتزيد عليها سهما للوصي على إحدى الروايات تصير أحدا وأربعين وعلى قول الخلال, تزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة وأربعين وعلى الرواية الأولى نزيد عليها مثل سدسها, ولا سدس لها فنضربها في ستة ثم نزيد عليها سدسها, تكون مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون, ولكل ابن اثنان وأربعون ولو خلف أبوين وابنين وأوصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم, جعلت ذا السهم كالأم وأعطيت صاحب السدس سدسا كاملا وقسمت الباقي بين الورثة والموصى له على سبعة فتصح من اثنين وأربعين, لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل أن يعطى ذو السهم السبع كاملا, كأنه أوصى له من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فنضربها في اثنين وأربعين, تكون مائتين واثنين وخمسين.
فصل:
وإن أوصى بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء من ماله أعطاه الورثة ما شاءوا لا أعلم فيه خلافا وبه قال أبو حنيفة والشافعي, وابن المنذر وغيرهم لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ وشيء وكذلك إن قال: أعطوا فلانا من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لا حد له في اللغة, ولا في الشرع فكان على إطلاقه.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه, كان له مثل ما لأقلهم نصيبا كأنه أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته وهم ابن وأربع زوجات فتكون صحيحة من اثنين وثلاثين سهما للزوجات الثمن, وهو أربعة وما بقي فللابن فزد في سهام الفريضة مثل حظ امرأة من نسائه, فتصير الفريضة من ثلاثة وثلاثين سهما للموصى له سهم ولكل امرأة سهم, وما بقي فللابن] وجملة ذلك أنه إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين, فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن كانوا يتفاضلون, كمسألة: الخرقي فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على فريضتهم وإن أوصى بنصيب وارث معين, فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة هذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك وابن أبي ليلى, وزفر وداود: يعطي مثل نصيب المعين ومثل نصيب أحدهم, إذا كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد, فالوصية بجميع المال وإن كان له ابنان فالوصية بالنصف وإن كانوا ثلاثة فالوصية بالثلث وقال مالك: إن كانوا يتفاضلون, نظر إلى عدد رءوسهم فأعطى سهما من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضل فاعتبر عدد رءوسهم ولنا أنه جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعله مثلا له وهذا يقتضي أن لا يزاد أحدهما على صاحبه ومتى أعطى من أصل المال, فما أعطى مثل نصيبه ولا حصلت التسوية والعبارة تقتضي التسوية وإنما جعل له مثل أقلهم نصيبا لأنه اليقين وما زاد فمشكوك فيه, فلا يثبت مع الشك وقوله: " يعطي سهما من عددهم " خلاف ما يقتضيه لفظ الموصي فإن هذا ليس بنصيب لأحد ورثته ولفظه إنما اقتضى نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي لقول الموصي, وعملا بمقتضى وصيته وذلك أولى من اختراع شيء لا يقتضيه قول الموصي أصلا وقوله: تعذر العمل بقول الموصي غير صحيح فإنه أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العمل به لما جاز أن يوجب في ماله حقا لم يأذن فيه ولم يأمر به وقد مثل الخرقي في هذه المسألة: بما أغنى عن تمثيلها ولو قال: أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثا كان كما لو أطلق, وكان ذلك تأكيدا وإن قال: أوصيت بمثل نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك مضافا إلى المسألة: فيكون له في مسألة الخرقي ثمانية وعشرون تضم إلى الفريضة فيكون الجميع ستين سهما.
فصل:
وإن أوصى بنصيب وارث, ففيها وجهان أحدهما تصح الوصية ويكون ذلك كالوصية بمثل نصيبه وهذا قول مالك وأهل المدينة, واللؤلؤي وأهل البصرة وابن أبي ليلى, وزفر وداود والوجه الثاني لا تصح الوصية وهو الذي ذكره القاضي وهو قول أصحاب الشافعي, وأبي حنيفة وصاحبيه لأنه أوصى بما هو حق للابن فلم يصح كما لو قال: بدار ابني, أو بما يأخذه ابني ووجه الأول أنه أمكن تصحيح وصيته يحتمل لفظه على مجازه فصح, كما لو طلق بلفظ الكناية أو أعتق وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن تقدير حذف المضاف, وإقامة المضاف إليه مقامه أي بمثل نصيب وارثي ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح, وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب وراثه كلهم.
فصل:
وإن قال: أوصيت لك بضعف نصيب ابني فله مثلا نصيبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: الضعف المثل واستدل بقول الله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب : 30]. أي مثلين وقوله: {فآتت أكلها ضعفين} [البقرة: 265]. أي مثلين وإذا كان الضعفان مثلين, فالواحد مثل ولنا أن الضعف مثلان بدليل قوله تعالى: {إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 75]. وقال: {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} [سبأ: 37]. وقال: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [الروم: 39]. ويروى عن عمر, أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من المائتين عشرة وقال لحذيفة وعثمان بن حنيف: لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق؟ فقال عثمان: لو أضعفت عليها لاحتملت قال الأزهري: الضعف المثل فما فوقه وأما قوله: إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي قال: العرب تتكلم بالضعف مثنى, فتقول: إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه أي مثلاه وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى في هذا بمعني واحد وكلاهما يراد به المثلان وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم فيه وإن خالف القياس وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ضعف الشيء هو مثله, وضعفاه هو مثلاه وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله وعلى هذا.
فصل:
وإن قال: أوصيت لك بضعفي نصيب ابني فله مثلا نصيبه وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله هذا الصحيح عندي وهو قول أبي عبيد وقال أصحابنا: إن أوصى بضعفيه, فله ثلاثة أمثاله وإن أوصى بثلاثة أضعافه فله أربعة أمثاله وعلى هذا كلما زاده ضعفا زاد مرة وهذا قول الشافعي واحتجوا بقول أبي عبيدة وقد ذكرناه وقال أبو ثور: ضعفاه أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله لأنه قد ثبت أن ضعف الشيء مثلاه, فتثنيته مثلا مفرده كسائر الأسماء ولنا قول الله تعالى: {فآتت أكلها ضعفين} [البقرة: 2650]. قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين وقال عطاء: أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين ولا خلاف بين المفسرين فيما علمت في تفسير قوله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30]. أن المراد به مرتين وقد دل عليه قوله تعالى: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31]. ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات, فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات وهذا المعهود من كرمه وفضله وأما قول أبي عبيدة فقد خالفه غيره, وأنكروا قوله قال ابن عرفة: لا أحب قول أبي عبيدة في: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30]. لأن الله تعالى قال في آية أخرى: {نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31]. فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين وقد نقل معاوية بن هشام النحوي عن العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفردا بمعني واحد وموافقة العرب على لسانهم, مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم أولى من قول أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة الخطأ إليه أولى من تخطئة ما ذكرناه وأما قول أبي ثور, فظاهر الفساد لما فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأهل العربية ولا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل فقد يشذ من العربية كلمات تؤخذ نقلا بغير قياس والله أعلم.
فصل:
وإن وصى بمثل نصيب من لا نصيب له, مثل أن يوصي بنصيب ابنه وهو ممن لا يرث لكونه رقيقا أو مخالفا لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه, فلا شيء للموصى له لأنه لا نصيب له فمثله لا شيء له.
فصل:
وإن أوصى لرجل بثلث ولآخر بربع, ولآخر بخمس ولآخر بمثل وصية أحدهم فله الخمس وإن وصى لرجل بعشرة ولآخر بستة ولآخر بأربعة, ولآخر بمثل وصية أحدهم فله أربعة لأنها اليقين وإن قال: فلان شريكهم فله خمس ما لكل واحد منهم وإن وصى لأحدهم بمائة ولآخر بدار, ولآخر بعبد ثم قال: فلان شريكهم فله نصف ما لكل واحد منهم ذكرها الخبري لأنه ها هنا يشارك كل واحد منهم منفردا والشركة تقتضي التسوية, فلهذا كان له النصف بخلاف الأوليين فإنهم كلهم مشتركون, وقال ابن القاسم: له الربع في الجميع.
فصل:
ولو أوصى بمثل نصيب وارث لو كان فقدر الوارث موجودا وانظر ما للموصى له مع وجوده, فهو له مع عدمه فإن خلف ابنين وأوصى بمثل نصيب ثالث فللموصى له الربع ولو وصى بمثل نصيب خامس لو كان, فللموصى له السدس وعلى هذا أبدا ولو خلفت زوجا وأختا وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لأن للأم الربع لو كانت فيجعل لها سهما مضافا إلى أربعة, يكن خمسا فقس على هذا.
مسألة:
قال: [وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم, كان للموصى له الربع] هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشعبي والنخعي, والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعند مالك وموافقيه, للموصى له الثلث والباقي بين البنين وتصح من تسعة وقد دللنا على فساده ولو خلف ابنا واحدا وأوصى بمثل نصيبه, فللموصى له النصف في حال الإجازة والثلث في حال الرد وعند مالك للموصى له في حال الإجازة جميع المال.
فصل:
فإن خلف بنتا, وأوصى بمثل نصيبها فالحكم فيها كالحكم فيما لو كان ابنا عند من يرى الرد لأنها تأخذ المال كله بالفرض والرد ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث, ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال ويقتضي قول مالك أن يكون للموصى له النصف في حال الإجازة ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال فإن خلف ابنتين, وأوصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي قول من لا يرى الرد أنها من أربعة لبيت المال الربع ولكل واحد منهم ربعه ويقتضي قول مالك أن الثلث للموصى له, وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة فإن خلف جدة وحدها وأوصى بمثل نصيبها, فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين وقياس قول من لا يرى الرد أنها من سبعة لكل واحد منهما السبع والباقي لبيت المال وقياس قول مالك أن للموصى له السدس, وللجدة سدس ما بقي والباقي لبيت المال.
فصل:
وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم, فالمال بينهم على ستة إن أجازوا وإن ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة, والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على اثنين فللمردود عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم وفي المجاز له وجهان أحدهما, له السدس الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف وابن شريح فيأخذ السدس والتسعين من مخرجهما, وهو ثمانية عشر يبقى أحد عشر بين البنين على ثلاثة لا يصح, فيضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين للمجاز له السدس تسعة, ولكل واحد من صاحبيه ستة ولكل ابن أحد عشر والوجه الثاني أن يضم المجاز له إلى البنين, ويقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا تنقسم, فتضرب أربعة في تسعة تكن ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين, أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير المال بينهم أسداسا على الوجه الأول وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم, وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ثم يقتسمونه بينهم على خمسة, ولا يصح فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين, ومنها تصح وإن أجاز أحد البنين لهم ورد الآخران عليهم فللمجيز السدس, وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزا أربعة أتساع ثمانية, تبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة اضربها في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين وإن أجاز واحد لواحد, دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة, تكن أربعة وخمسين والله أعلم.
فصل:
وإذا وصى لرجل بجزء مقدر ولآخر بمثل نصيب وارث من ورثته ففيها وجهان أحدهما, يعطى الجزء لصاحبه ويقسم الباقي بين الورثة والموصى له كأنه ذلك الوارث إن أجازوا وإن ردوا, قسمت الثلث بين الوصيين على حسب ما كان لهما في حال الإجازة والثلثان بين الورثة والوجه الثاني أن يعطي صاحب النصيب مثل نصيب الوارث, كأن لا وصية سواها وهذا قول يحيى بن آدم مثاله: رجل أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة, فعلى الوجه الأول للموصى له بالثلث الثلث وما بقي بين البنين والوصي على أربعة, وتصح من ستة لصاحب الثلث سهمان وللآخر سهم, فإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والثلثان بين البنين على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الآخر, لصاحب الثلث الثلث وللآخر الربع إن أجيز لهما وإن رد عليهما, قسمت الثلث بينهما على سبعة والثلثان للورثة وتصح من ثلاثة وستين وإن كان الجزء يزيد على الثلث, مثل إن أوصى لرجل بالنصف ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه ففيها وجه ثالث, وهو أن يجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثلثين وهو ربعها لأن الثلثين حق الورثة لا يؤخذ منهما شيء إلا بإجازتهم ورضاهم, فيكون صاحب النصيب كواحد منهم لا تنقص من السدس شيئا إلا بإجازته فعلى الوجه الأول لصاحب الجزء النصف, والباقي بين الآخر والبنين على أربعة وتصح من ثمانية إن أجازوا وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على خمسة, والثلثين بين البنين على ثلاثة وتصح من خمسة وأربعين وعلى الوجه الثاني لصاحب النصف النصف, وللآخر الربع ويبقى الربع بين البنين وتصح من اثني عشر وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة, وتصح من تسعة وعلى الوجه الثالث لصاحب النصف النصف وللآخر السدس, ويبقى الثلث بين البنين على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن ردوا, فالثلث بين الوصيين على أربعة وتصح من ستة وثلاثين وإن أوصى لصاحب الجزء بالثلثين فعلى الوجه الأول, لصاحب النصف ربع الثلث سهم من اثني عشر إن أجازوا وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على تسعة وعلى الوجه الثاني, يكون له الربع في حال الإجازة وفي حال الرد يكون الثلث بين الوصيين على أحد عشر وعلى الوجه الثالث يكون له السدس في الإجازة, وفي الرد يكون الثلث بين الوصيين على خمسة وإن أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بمثل نصيب أحد ورثته فعلى الوجه الأول, لا يصح للوصي الآخر شيء في إجازة ولا رد وعلى الثاني يقسم الوصيان المال بينهما على خمسة في الإجازة والثلث على خمسة في الرد وعلى الثالث, يقتسمان المال على سبعة في الإجازة والثلث على سبعة في الرد.
فصل:
وإن أوصى لرجل بمثل نصيب وارث وللآخر بجزء مما بقي من المال ففيها أيضا ثلاثة أوجه أحدها: أن يعطي صاحب النصف مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى والثاني أن يعطي مثل نصيبه من ثلثي المال والثالث, أن يعطي مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء وصيته وعلى هذا الوجه يدخلها الدور وعليه التفريع ومثاله رجل خلف ثلاثة بنين, ووصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال فعلى الوجه الأول, لصاحب النصف الربع وللآخر نصف الباقي وما بقي للبنين, وتصح من ثمانية وعلى الثاني له السدس وللآخر نصف الباقي وتصح من ستة وثلاثين ولا تفريع على هذين الوجهين لوضوحهما وأما على الثالث فيدخلها الدور, ولعملها طرق أحدها أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهما, يبقى سهم فهو النصيب ثم تزيد على عدد البنين واحدا, تصير أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية, تنقصها سهما يبقى سبعة فهي المال, للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة, ولكل ابن سهم طريق آخر أن تزيد على سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج, تكن سبعة طريق ثالث ويسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة, فتقول: هذه بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميله فزد عليه مثله ثم زد عليها مثل سهم ابن, تكن سبعة طريق رابع أن تجعل المال سهمين ونصيبا وتدفع النصيب إلى صاحبه, وإلى الآخر سهما يبقى سهم للبنين يعدل ثلثه فالمال كله سبعة وبالجبر تأخذ مالا فتلقى منه نصيبا, يبقى مال إلا نصيبا وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال إلا نصف نصيب, يعدل ثلاثة أنصباء فاجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة, يبقى نصفا كاملا يعدل ثلاثة ونصفا فالمال كله سبعة.
فصل:
فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث, أخذت مخرج النصف والثلث وهو ستة نقصت منها واحدا, يبقى خمسة فهي النصيب ثم تزيد واحدا على سهام البنين وتضربها في المخرج, تكن أربعة وعشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال فتدفع إلى صاحب النصيب خمسة, يبقى من الثلث اثنان تدفع منهما سهما إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر, لكل ابن خمسة وبالطريق الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج, تكن أحدا وعشرين وبالثالث تعمل كما عملت في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل أن الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع, تجعل الثلث سهمين ونصيبا تدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهما, يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع نصيبين إلى ابنين يبقى خمسة للثالث, فهي النصيب فإذا بسطتها كانت أحدا وعشرين وبالجبر, تأخذ مالا فتلقى منه ثلثه نصيبا وتدفع إلى الآخر نصف باقي الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه إلا نصف نصيب, اجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين يصير ثلاثة ونصفا, تعدل خمسة أسداس أقلب وحول يصير النصيب خمسة, وكل سهم ستة تكن أحدا وعشرين.
فصل:
فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان وثلاثة وأربعة, واضرب بعضها في بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين واحدا, تصر أربعة واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين, انقص منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرين وذلك اثنا عشر يبقى أربعة وثمانون, فهي المال ثم انظر الأربعة وعشرين فانقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية, وربعها لأجل الوصية الثالثة يبقى أربعة عشر فهي النصيب, فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة, وإلى الثالث ربع المال أحدا وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر وبالطريق الثاني, تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصفا في أربعة وعشرين تكن أربعة وثمانين وبالطريق الثالث, تعمل في هذه كما عملت في التي قبلها فإذا بلغت أحدا وعشرين ضربتها في أربعة من أجل الربع, تكن أربعة وثمانين وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصباء تدفع نصيبا إلى صاحب النصيب, وإلى الآخر سهما وإلى صاحب الربع سهما ونصفا وثلاثة أرباع نصيب ويبقى من المالية نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة, يعدل ثلاثة أنصباء فأسقط نصيبا وربعا بمثلها يبقى ثلاثة أسهم ونصف, يعدل نصيبا وثلاثة أرباع فالنصيب إذا سهمان فابسط الثلاثة الأنصباء, تكن ستة فصار المال اثني عشر ومنها يصح, لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع ثلاثة, تبقى ستة لكل ابن سهمان وهذا أخصر وأحسن وبالجبر تأخذ مالا تدفع منه نصيبا, يبقى مال إلا نصيبا تدفع نصف باقي ثلثه وهو سدس إلا نصف نصيب, يبقى من المال خمسة أسداس إلا نصف نصيب تدفع منها ربع المال يبقى ثلث المال وربعه إلا نصف نصيب, يعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وقلب وحول يكن النصيب سبعة, والمال اثنين وأربعين ثم تضربها في اثنين ليزول الكسر, يرجع إلى أربعة وثمانين.
فصل:
فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين فاعملها بطريق النصيب كما ذكرنا, يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع سهم تعدل نصيبا ونصفا ابسطهما أرباعا تكن السهام خمسة عشر, والأنصباء ستة توافقهما وتردهما إلى وفقيهما تصير خمسة أسهم, تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب خمسة والسهم اثنين وابسط ما معك, يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب وإلى الآخر نصف باقي الثلث سهمين, وإلى الآخر ربع الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذا الطريق أخصر وإن عملت بالطريق الثاني, أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى خمسة عشر, فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهما ونقصت نصفه وربع الباقي منه يبقى ثلاثة أثمان, ردها على سهام البنين تكن ثلاثة وثلاثة أثمان, تضربها في أربعة وعشرين تكن أحدا وثمانين ومنها تصح, وبالجبر تفضي إلى ذلك أيضًا.
فصل:
وإن خلف أما وأختا وعما وأوصى لرجل بمثل نصيب العم وسدس ما يبقى, ولآخر بمثل نصيب الأم وربع ما يبقى ولآخر بمثل نصيب الأخت وثلث ما يبقى فاعملها بالمنكوس, وقل: أصل المسألة: ستة فابدأ بآخر الوصايا فقل: هذا مال ذهب ثلثه, فزد عليه نصفه ثلاثة ومثل نصيب الأخت ثلاثة صارت اثني عشر, ثم قل: هذا بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه ومثل نصيب الأم ستة, صار ثمانية عشر ثم قل: هذا بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه, ونصيب العم صار اثنين وعشرين ومنه تصح.
فصل:
في الاستثناء, إذا خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة, وزد عليها سهما تكن خمسة فهذا النصيب, وزد على عدد البنين واحدا واضربه في مخرج الكسر تكن ستة عشر, تدفع إلى الوصي خمسة وتستثنى منه أربعة يبقى له سهم ولكل ابن خمسة وإن شئت خصصت كل ابن بربع, وقسمت الربع الباقي بينه وبينهم على أربعة فإن قال: إلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهما وربعا واضربه في أربعة تكن سبعة عشر, للوصي سهمان ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا, وتدفع منه نصيبا إلى الموصى له وتستثنى منه ربع الباقي وهو ربع مال إلا ربع نصيب, صار معك مال وربع إلا نصيبا وربعا يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة, اجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر فإن قال: إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة, وزدت عليه ثلثه صار أربعة فهو النصيب, وتزيد على عدد البنين نصيبا وثلثا وتضربه في ثلاثة تكن ثلاثة عشر, فهو المال وإن شئت قلت: المال كله ثلاثة أنصباء ووصية والوصية هي نصيب إلا ربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب, فيبقى ربع نصيب فهو الوصية وتبين أن المال كله ثلاثة وربع, ابسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل طرق سوى ما ذكرنا والله أعلم.
فصل:
وإن قال: أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ مخرج الكسر ثلث الثلث وهو تسعة وزد عليها سهما, تكن عشرة فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهما وثلثا, واضرب ذلك في تسعة تكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة إلى الوصي, واستثن منه ثلث بقية الثلث سهما يبقى له تسعة ولكل ابن عشرة وإن قال إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة, وزدت عليها سهما صارت سبعة فهذا هو النصيب, وزدت على أنصباء البنين سهما ونصفا وضربته في ستة صار سبعة وعشرين, ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت منه نصف بقية الثلث بقي معه ستة, وبقي أحد وعشرون لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك, لأن الثلث بعد الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء فلم يقل: بعد النصيب ولا بعد الوصية فعند الجمهور يحمل على ما بعد النصيب, وعند محمد بن الحسن والبصريين يكون بعد الوصية.
فصل:
فإن قال: إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما يبقى من المال بعد وصية الأول فخذ الجميع خمسة, وزد عليها خمسها تكن ستة انقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث, يبقى أربعة فهي النصيب ثم خذ سهما, وزد عليه خمسة وانقص من ذلك ثلثه يبقى أربعة أخماس زدها على أنصباء البنين, واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال, ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه خمس الباقي ثلاثة يبق معه سهم, فادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبق اثنا عشر لكل ابن أربعة وبالجبر خذ مالا, وألق منه نصيبا واسترجع منه خمس الباقي يصر معك مال وخمس إلا نصيبا وخمسا, ألق منه ثلث ذلك يبق أربعة أخماس مال إلا أربعة أخماس نصيب تعدل ثلاثة أنصباء, اجبر وقابل وابسط يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة وإن شئت قلت: أنصباء البنين ثلاثة, وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه يصر أربعة أنصباء ونصفا ووصية, والوصية هي نصيب إلا خمس الباقي وهو نصف نصيب وخمس نصيب وخمس وصية, أسقطه من النصيب يبق خمس نصيب وعشر نصيب إلا خمس وصية تعدل وصية, اجبر وقابل وابسط تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية, وهي تتفق بالأثلاث فردها على وفقها تصر سهما, يعدل أربعة فالوصية سهم والنصيب أربعة, فابسطها تكن تسعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية قلت: المال أربعة أسهم ونصف وصية, وهي نصيب إلا خمس الباقي وهو تسعة أعشار نصيب يبقى عشر نصيب, فهو الوصية فابسط الكل أعشارا تكن الأنصباء خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب إلا خمس وصية, اجبر يصر العشر يعدل وصية وخمسا ابسط يصير النصيب ستين والوصية خمسة, والمال كله مائتان وخمسة وسبعون ألق منها ستين واسترجع منه خمس المال, وهو خمسة وخمسون يبق له خمسة وللآخر ثلثا الباقي تسعون, ويبقى مائة وثمانون لكل ابن ستون وترجع بالاختصار إلى خمسها, وذلك خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية عشر, ولكل ابن اثنا عشر وبالجبر تأخذ مالا تلقى منه نصيبا وتزيد على المال خمسة, يصر مالا وخمسا إلا نصيبا ألق ثلث ذلك يبق أربعة أخماس مال إلا ثلثي نصيب, يعدل ثلاثة اجبر وقابل وابسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا, اضربها في ثلاثة ليزول الكسر يصر خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله, وأوصى بالثلث كله فخذ مخرج الكسرين خمسة عشر وزد عليها خمسها, ثم انقص ثلث المال كله يبق ثلاثة عشر فهي النصيب, وزد على أنصباء البنين سهما واضربه في المال يكن ستين, وهو المال وإن كان استثنى خمس الباقي وأوصى بثلث المال كله فالعمل كذلك, إلا أنك تزيد على سهام البنين سهما وخمسا وتضربها تكن ثلاثة وستين, فإن كان استثنى خمس ما بقي من الثلث زدت على الخمسة عشر سهما واحدا فصارت ستة عشر, ثم نقصت ثلث المال كله بقي أحد عشر فهي النصيب, ثم زدت على سهام البنين سهما وخمسا وضربتها في خمسة عشر تكن ثلاثة وستين, تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثنى منه خمس بقية الثلث سهمين يبقى معه تسعة, وتدفع إلى صاحب الثلث إحدى وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر, فإن كانت الوصية الثانية بثلث باقي المال زدت على الخمسة عشر واحدا ثم نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث لها فاضربها في ثلاثة, تكن ثمانية وأربعين انقص ثلثها يبقى اثنان وثلاثون, فهي النصيب وخذ سهما وزد عليه خمسة, ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام الورثة, واضربها في خمسة وأربعين تكن مائة وإحدى وسبعين ومنها تصح.
فصل:
فإن خلف أربعة بنين وأوصى لرجل بثلث ماله إلا نصيب أحدهم, أو أوصى له بتكملة الثلث على نصيب أحدهم فله التسع وحسابها أن تدفع إلى الوصي وابن ثلث المال يبقى ثلثاه لثلاثة بنين, لكل واحد تسعان فعلمت أن نصيب الابن من الثلث تسعان يبقى تسع للوصي وإن وصى لآخر بخمس ما يبقى من المال بعد الوصية الأولى, عزلت ثلث المال ثم أخذت منه نصيبا ورددته على الثلثين, ودفعت إلى الوصي الثاني خمس ذلك يبقى من المال ثلثه وخمسه وأربعة أخماس نصيب للورثة فأسقط أربعة أخماس نصيب بمثلها, يبقى له ثلاثة وخمس تعدل ثلثا وخمسا فنصف المال إذا يعدل ثلاثة أنصباء, والمال كله ستة للوصيين والبنين لكل واحد سهم [طريق آخر] سهام البنين أربعة وهي بقية مال ذهب خمسه فزد عليه ربعه للوصي الثاني, صارت خمسة ثم زد على سهم ابن ما يكمل به الثلث وهو سهم آخر فصارت ستة وإن شئت فرضت المال خمسة أسهم وتكملة, ودفعت التكملة إلى صاحبها وخمس الباقي إلى صاحبه ويبقى لكل ابن سهم وقد علمت أن سهم ابن مع التكملة ثلث المال, وأن الباقي بعدهما الثلثان وهي أربعة أسهم فقابل بهما نصف الأربعة, وهي سهمان فتبين أن التكملة سهم.
فصل:
وإن أوصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث, ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أيضا فادفع إلى الوصي الأول نصيبا, وإلى الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين, يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون, فإن كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون. فصل: وإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة, ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة فإن رد الأول وصيته فللآخر مائة وإن وصى للأول بمائتين, وللآخر بباقي الثلث فلا شيء للثاني سواء رد الأول وصيته أو أجازها وهذا قياس قول الشافعي, وأهل البصرة وقال أهل العراق: إن رد الأول فللثاني مائتان في المسألتين ولنا أن المائتين ليست باقي الثلث, ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو قبل الأول ولو وصى لوارث بثلثه, ولآخر بتمام الثلث فلا شيء للثاني وعلى قول أهل العراق له الثلث كاملا.
فصل:
وإن أوصى لرجل بثلث ماله, ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة ولم يزد الثلث على مائة, بطلت وصية التمام وإن زاد على مائة وأجاز الورثة أمضيت وصاياهم على ما أوصى لهم به وإن ردوا, ففيه وجهان أحدهما يرد كل واحد منهما إلى نصف وصيته لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية, كسائر الوصايا والثاني لا شيء لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين الوصيين الآخرين نصفين, ويزاحم صاحب المائة صاحب التمام ولا يعطيه شيئا لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها وما تمت له ويجوز أن يزاحم به ولا يعطيه, كالأخ من الأبوين يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئا.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى لزيد بنصف ماله, ولعمرو بربع ماله ولم يجز ذلك الورثة فالثلث بينهما على ثلاثة أسهم لعمرو سهم ولزيد سهمان] وجملته أنه إذا أوصى بأجزاء من المال, أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على الورثة وإن لم يجيزوا قسمت الثلث بين الأوصياء على قدر سهامهم, في حال الإجازة وقسمت الثلثين على الورثة ولا فرق بين أن يكون الموصى لهم من تجاوز وصيته الثلث أو لا هذا قول الجمهور, منهم الحسن والنخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري, والشافعي وإسحاق وأبو يوسف, ومحمد وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر: لا يضرب الموصى له في حال الرد بأكثر من الثلث لأن ما جاوز الثلث باطل, فكيف يضرب به؟ ولنا أنه فاضل بينهما في الوصية فلم تجز التسوية كما لو وصى بثلث وربع, أو بمائة ومائتين وماله أربعمائة وهذا يبطل ما ذكروه ولأنها وصية صحيحة, ضاق عنها الثلث فتقسم بينهم على قدر الوصايا كالثلث والربع وليس الأمر على ما قالوه في بطلان الوصية, فإن الوصية صحيحة على ما ذكرناه فيما مضى فعلى هذا إذا أوصى لزيد بنصف ماله ولعمرو بربعه فللموصى لهما ثلاثة أرباع المال, إن أجاز الورثة ويبقى لهم الربع وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة, والمسألة: كلها من تسعة وإن أجازوا لأحدهما دون صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الإجازة وأعطيت المجاز له سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد, والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة وإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون عليهما أعطيت المجيز سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد, ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة وإن اتفقت المسألتان ضربت وفق إحداهما في الأخرى, ومن له سهم من إحدى المسألتين مضروب في وفق الأخرى وإن دخلت إحدى المسألتين في الأخرى اجتزأت بأكثرهما ففي مسألة الخرقي هذه, إذا كان الورثة أما وثلاث أخوات مفترقات فأجازوا فالمسألة: من أربعة, للوصيين ثلاثة يبقى سهم على ستة تضربها في أربعة, تكن أربعة وعشرين وإن ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة ويبقى ستة على المسألة: وهي ستة فتصح من تسعة وإن أجازوا لصاحب النصف وحده, ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف اثنا عشر في ثلاثة ستة وثلاثون, وللآخر سهم في ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة وإن أجازت الأم لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الأم سهما في ثلاثة, والباقين خمسة أسهم في ثمانية صار الجميع ثلاثة وأربعين يبقى تسعة وعشرون بين الوصيين على ثلاثة وإن أجازت الأخت من الأبوين وحدها, فلها تسعة ولباقي الورثة أربعة وعشرون ويبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة وعشرون وللآخر ثلاثة عشر.
فصل:
إذا جاوزت الوصايا المال, فاقسم المال بينهم على قدر وصاياهم مثل العول واجعل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة, إذا زادت على المال وإن ردوا قسمت الثلث بينهم على تلك السهام وهذا قول النخعي ومالك, والشافعي قال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي: ما تقول في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله, وربع ماله؟ قلت: لا يجوز قال: فإنهم قد أجازوا قلت: لا أدري؟ قال: أمسك اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة, فاقسم المال على ثلاثة عشر فلصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة, ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول: يأخذ أكثرهم وصية مما يفضل به على من دونه ثم يقتسمون الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحدهم بأكثر من الثلث, وإن نقص بعضهم عن الثلث أخذ أكثرهم ما يفضل به على من دونه ومثال ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه, فالمال بينهم على تسعة في الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة: فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم وقال أبو حنيفة: صاحب الثلثين يفضلهما بسدس, فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين, ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثا وتصح من ستة وثلاثين لصاحب الثلثين سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر, ولصاحب الثلث ثمانية وإن ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال بينهما على أربعة إن أجازوا, والثلث بينهما كذلك في حال الرد وعند أبي حنيفة: إن أجازوا فلصاحب المال الثلثان يتفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث, فيحصل له خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وإن ردوا, اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب الثلث إلا السدس في الإجازة والرد جميعا ولو جعل مكان الثلث سدسا لكان لصاحب المال خمسة أسداسه في الإجازة, ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه ويبقى لصاحب السدس نصفه سهم من اثني عشر وفي الرد, يقتسمان الثلث بينهما أثلاثا فيجعل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له في الإجازة, وهذا دليل على فساد هذا القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حالة الإجازة ومتى كان للموصى له حق في حال الرد, لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا أخذه منه, ولا صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض والديون على المفلس, وما ذكروه لا نظير له مع أن فرض الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ثم إن صاحب الفضل في الفرض المفروض, لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا.
فصل:
وإذا خلف ابنين وأوصى لرجل بماله كله, وللآخر بنصفه فالمال بين الوصيين على ثلاثة إن أجازا لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين, فإذا ضممت النصف الآخر صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة, ويصير النصف ثلثا كمسألة: فيها زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات فإن ردوا, فالثلث بينهما على ثلاثة وإن أجازوا لصاحب النصف وحده فلصاحب المال التسعان, ولصاحب النصف النصف في أحد الوجهين لأنه موصى له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه, فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع وصيته والثاني ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقا لصاحب المال, أخذه الورثة منه بالرد عليه فأخذه الوارثان وإن أجازا لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع على الوجه الأول والتسع للآخر, وعلى الوجه الثاني ليس له إلا الثلثان اللذان كانا له في حال الإجازة لهما والتسعان للورثة فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر, فلا شيء للمجيز وللآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على أربعة وإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع, وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين, وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز وإن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما يتم به النصف, وهو تسع ونصف سدس في أحد الوجهين وفي أحد الوجهيين وفي الآخر يدفع إليه التسع فيصير له تسعان, ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين, للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر, ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة لصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان, كان له تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك وهو سهم وثلاثة أرباع سهم, فيضرب مخرج الربع في تسعة يكن ستة وثلاثين.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية وإن قال: لبنيه فهو للذكور دون الإناث] أما إذا أوصى لولده أو لولد فلان, فإنه للذكور والإناث والخناثي لا خلاف في ذلك لأن الاسم يشمل الجميع قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11]. وقال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد} [المؤمنون: 91]. نفى الذكر والأنثى جميعا وإن قال: لبني أو بني فلان فهو للذكور دون الإناث والخناثي هذا قول الجمهور وبه قال الشافعي, وأصحاب الرأي وقال الحسن وإسحاق وأبو ثور: هو للذكر والأنثى جميعا لأنه لو أوصى لبني فلان وهم قبيلة, دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري: إن كانوا ذكورا وإناثا فهو بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن, فلا شيء لهن لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين والمشركين ولنا, أن لفظ البنين يختص الذكور قال الله تعالى: {أصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153]. وقال تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين} [الزخرف: 16]. وقال: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} [آل عمران: 14]. وقال: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46]. وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى} [النحل: 57]. الآية وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة: أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة, ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها. /// 5 ///
مسألة:
قال: [وإذا أوصى لولد فلان فهو للذكر والأنثى بالسوية وإن قال: لبنيه فهو للذكور دون الإناث] أما إذا أوصى لولده أو لولد فلان فإنه للذكور والإناث والخناثي لا خلاف في ذلك لأن الاسم يشمل الجميع قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11]. وقال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد} [المؤنون: 91]. نفي الذكر والأنثى جميعا, وإن قال: لبني أو بني فلان فهو للذكور دون الإناث والخناثي هذا قول الجمهور وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن, وإسحاق وأبو ثور: هو للذكر والأنثى جميعا لأنه لو أوصى لبني فلان وهم قبيلة دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري: إن كانوا ذكورا وإناثا, فهو بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن فلا شيء لهن لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير, ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين والمشركين ولنا أن لفظ البنين يختص الذكور, قال الله تعالى: {أصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153]. وقال تعالى: {أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين} [الزخرف: 16]. وقال: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} [آل عمران: 14]. وقال: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46]. وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى} [النحل: 57]. الآية وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة: أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها.
فصل:
وإن أوصى لبنات فلان, دخل فيه الإناث دون غيرهن لا نعلم فيه خلافا ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل لأنا لا نعلم كونه أنثى.
فصل:
وإن وصى لولد فلان أو بني فلان, وهم قبيلة كبني هاشم وبني تميم دخل فيهم الذكر والأنثى والخنثى ويدخل ولد الرجل معه, ولا يدخل فيه ولد بناتهم لأن ذلك اسم للقبيلة ذكرها وأنثاها قال الله تعالى: {يا بني آدم} [الأعراف: 26]. {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]. يريد الجميع وقال: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب} [الجاثية: 16]. وروي أن جواري من الأنصار قلن: نحن جوار من بني النجار ** يا حبذا محمد من جار ويقال: امرأة من بني هاشم ولا يدخل ولد البنات فيهم لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة.
فصل:
وإن أوصى لأخواته, فهو للإناث خاصة وإن أوصى لإخوته دخل فيه الذكر, والأنثى جميعا لأن الله تعالى قال: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء} [النساء: 176]. وقال: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11]. وأجمع العلماء على حجبها بالذكر والأنثى وإن قال لعمومته فالظاهر أنه مثل الإخوة يشمل الذكر والأنثى لأنهم إخوة أبيه وإن قال: لبني إخوته أو لبني عمه فهو للذكور دون الإناث إذا لم يكونوا قبيلة والفرق بينهما أن الإخوة والعمومة ليس لهما لفظ موضوع يشمل الذكر والأنثى سوى هذا اللفظ, وبنو الإخوة والعم لهم لفظ يشمل الجميع وهو لفظ الأولاد فإذا عدل عن اللفظ العام إلى لفظ البنين دل على إرادة الذكور, ولأن لفظ العمومة أشبه بلفظ الإخوة ولفظ بني الإخوة والعم يشبه بني فلان وقد دللنا عليهما والحكم في تناول اللفظ للبعيد من العمومة وبني العم والإخوة, حكم ما ذكرنا في ولد الولد مع القرينة وعدمها.
فصل:
وألفاظ الجموع على أربعة أضرب أحدها ما يشمل الذكر والأنثى بوضعه, كالأولاد والذرية والعالمين وشبهه والثانية موضوع للذكور ويدخل فيه الإناث إذا اجتمعوا كلفظ المسلمين والمؤمنين والقانتين والصابرين والصادقين والذميين والمشركين والفاسقين ونحوه, وكذلك ضمير المذكر كالواو في قاموا والتاء والميم في قمتم, وهم مفردة وموصولة والكاف والميم في لكم وعليكم ونحوه فهذا متى اجتمع الذكور والإناث وغلب لفظ التذكير فيه, ودخل فيه الذكر والأنثى والثالث ضرب يختص الذكور كالبنين والذكور والرجال والغلمان فلا يدخل فيه إلا الذكور والرابع, لفظ يختص النساء كالنساء والبنات والمؤمنات والصادقات والضمائر الموضوعة لهن, فلا يتناول غير الإناث.
فصل:
وإن وصى للأرامل فهو للنساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب, وقد سئل عن رجل أوصى لأرامل بني فلان فقال: قد اختلف الناس فيها فقال قوم: هو للرجال والنساء والذي يعرف في كلام الناس أن الأرامل النساء وقال الشعبي وإسحاق: هو للرجال والنساء, وأنشد أحدهما: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ** فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر وقال الآخر: أحب أن أصطاد ضبيا سحبلا ** رعى الربيع والشتاء أرملا ولنا أن المعروف في كلام الناس أنه النساء فلا يحمل لفظ الموصي إلا عليه, ولأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعا للمذكر لأن ما يختلف لفظ الذكر والأنثى في واحده يختلف في جمعه وقد أنكر ابن الأنباري على قائل القول الآخر, وخطأه فيه والشعر الذي احتج به حجة عليه فإنه لو كان لفظ الأرامل يشمل الذكر والأنثى, لقال: " حاجتهم " إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر والأنثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره, فلما رد الضمير على الإناث علم أنه موضوع لهن على الانفراد وسمى نفسه أرملا تجوزا تشبيها بهن ولذلك وصف نفسه بأنه ذكر, ويدل على إرادة المجاز أن اللفظ عند إطلاقه لا يفهم منه إلا النساء ولا يسمى به في العرف غيرهن وهذا دليل على أنه لم يوضع لغيرهن, ثم لو ثبت أنه في الحقيقة للرجال والنساء لكان قد خص به أهل العرف النساء وهجرت به الحقيقة حتى صارت مغمورة لا تفهم من لفظ المتكلم ولا يتعلق بها حكم كسائر الألفاظ العرفية.
فصل:
فأما لفظ الأيامى, فهو كالأرامل إلا أنه لكل امرأة لا زوج لها قال الله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32]. وفي بعض الحديث: (أعوذ بالله من بوار الأيم) وقال أصحابنا: هو للرجال والنساء الذين لا أزواج لهم, لما روي عن سعيد بن المسيب قال: آمت حفصة بنت عمر من زوجها وأم عثمان من رقية وقال الشاعر: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ** وإن كنت أفتى منكم أتأيم ولنا أن العرف يخص النساء بهذا الاسم, والحكم للاسم العرفي وقول النبي ـ ﷺ ـ : (أعوذ بالله من بوار الأيم) إنما أراد به المرأة فإنها التي توصف بهذا ويضر بوارها.
فصل:
والعزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال: رجل عزب, وامرأة عزبة وإنما سمى عزبا لانفراده وكل شيء انفرد فهو عزب قال ذو الرمة يصف ثورا من الوحش انفرد: يجلو البوارق عن مجلمز لهق ** كأنه متقبى يلمق عزب ويحتمل أن يختص العزب بالرجال لأنه في العرف كذلك, والثيب والبكر يشترك فيه الرجل والمرأة قال النبي ـ ﷺ ـ : (البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة, والثيب بالثيب الجلد والرجم) والعانس من الرجال والنساء: الذي كبر ولم يتزوج قال قيس بن رفاعة الواقفي: فينا الذي هو ما إن طر شاربه ** والعانسون وفينا المرد والشيب والكهول: الذين جازوا الثلاثين قال الله تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا} [آل عمران: 46]. قال المفسرون: ابن ثلاثين مأخوذ من قولهم: اكتهل النبات, إذا تم وقوي ثم لا يزال كهلا حتى يبلغ خمسين ثم يشيخ ثم لا يزال شيخا حتى يموت.
فصل:
وإذا أوصى لجماعة لا يمكن حصرهم واستيعابهم, كالقبيلة العظيمة والفقراء والمساكين صح, وأجزأ الدفع إلى واحد منهم وبه قال الشافعي في أحد الوجهين إلا أنه قال: يدفع إلى ثلاثة منهم لأنه أقل الجمع وقال أبو حنيفة: لا تصح الوصية للقبيلة التي لا يمكن حصرها لأنها يدخل فيها الأغنياء والفقراء, وإذا وقعت للأغنياء لم تكن قربة وإنما تكون حقا لآدمي وحقوق الآدميين إذا دخلت فيها الجهالة لم تصح, كما لو أقر لمجهول ولنا أن كل وصية صحت لجماعة محصورين صحت لهم, وإن لم يكونوا محصورين كالفقراء وما ذكروه غير صحيح فإن الوصية للأغنياء قربة وقد ندب النبي ـ ﷺ ـ إلى الهدية وإن كانت لغني وأما جواز الدفع إلى واحد فمبني على الدفع في الزكاة, وقد مضى الكلام فيه هناك.
فصل:
وإن وصى بأصل الموجود اعتبر وجوده كما في حمل الأمة بما يعتبر وجود الحمل الموصى له وإن كان حمل بهيمة اعتبر وجوده بما يثبت به وجوده في سائر الأحكام.
فصل:
وإذا أوصى لما تحمل هذه المرأة, لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي: يصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية ولنا أن الوصية تمليك, فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصي به فإنه يملك, فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجودا, كذلك الوصية ولو تجدد للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته, ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي تتحدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية فإن قيل: فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح, فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف قلنا: الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود, فكذا الوصية والوقف يراد للدوام فمن ضرورته إثباته للمعدوم.
فصل:
وإذا أوصى لحمل امرأة, فولدت ذكرا وأنثى فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما وإن فاضل بينهما, فهو على ما قال كالوقف وإن قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران وإن كان فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما وجارية, فلكل واحد منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد فيه وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته ولو قال: إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران, وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا فله وصيته وإن ولدت غلاما وجارية فلا شيء لهما لأن أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن وبهذا قال أصحاب الرأي, وأصحاب الشافعي وأبو ثور.
فصل:
وإن أوصى بثمرة شجرة أو بستان, أو غلة دار أو خدمة عبد صح, سواء وصى بذلك في مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله هذا قول الجمهور منهم مالك, والثوري والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى: لا تصح الوصية بالمنفعة لأنها معدومة ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة, فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول كل من قال بصحة الوصية بها فإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث وبهذا قال الشافعي وقال مالك: إذا أوصى بخدمة عبده سنة, فلم يخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين تسليم ثلث المال وقال أصحاب الرأي, وأبو ثور: إذا أوصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن, أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا ولنا أنها وصية صحيحة, فوجب تنفيذها على صفتها إن خرجت من الثلث أو بقدر ما يخرج من الثلث منها كسائر الوصايا, أو كالأعيان إذا ثبت هذا فمتى أريد تقويمها فإن كانت الوصية مقيدة بمدة, قوم الموصي بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها وإن كانت الوصية مطلقة في الزمان كله فقد قيل: تقوم الرقبة بمنفعتها جميعا, ويعتبر خروجها من الثلث لأن عبدا لا منفعة له وشجرا لا ثمر له لا قيمة له غالبا وقيل: تقوم الرقبة على الورثة, والمنفعة على الموصى له وصفة ذلك أن يقوم العبد بمنفعته فإذا قيل: قيمته مائة قيل: كم قيمته لا منفعة فيه؟ فإذا قيل: عشرة علمنا أن قيمة المنفعة تسعون.
فصل:
وإن أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها, جاز وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجوز إجارة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه إنما أوصى له باستيفائه ولنا أنها منفعة يملكها ملكا تاما, فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب الرأي: لا يخرجه إلا أن يكون أهله في غير البلد, فيخرجه إلى أهله ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه, كالمستأجر.
فصل:
وإذا أوصى له بثمرة شجرة مدة أو بما يثمر أبدا لم يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه, ولا سقي ملك غيره وإن أراد أحدهما سقيها على وجه لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه وإذا يبست الشجرة كان حطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها سنة بعينها, فلم تحمل تلك السنة فلا شيء للموصى له وإن قال: لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها أول عام تثمر وكذلك إذا أوصى له بما تحمل جاريته أو شاته وإن وصى لرجل بشجرة, ولآخر بثمرتها صح وكان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث, وله ماله وإن وصى له بلبن شاة وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن وصى بلبنها خاصة, أو صوفها خاصة صح ويقوم الموصي به دون العين.
فصل:
فأما نفقة العبد الموصي بخدمته, وسائر الحيوانات الموصي بنفعها فيحتمل أن تجب على صاحب الرقبة هذا الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا لأحمد وهو قول أبي ثور, وظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كالعبد المستأجر, وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف: ولأن الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه ويحتمل أن يجب على صاحب المنفعة وهو قول أصحاب الرأي, والإصطخري وهو أصح ـ إن شاء الله تعالى ـ لأنه يملك نفعه على التأبيد, فكانت النفقة عليه كالزوج ولأن نفعه له, فكان عليه ضره كالمالك لهما جميعا يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد, فيصير معني الوصية: أوصيت لك بنفع عبدي وأبقيت على ورثتي ضره وإن وصى بنفعه لإنسان ولآخر برقبته, كان معناه: أوصيت لهذا بنفعه ولهذا بضره والشرع ينفي هذا بقوله: (لا ضرر ولا ضرار) ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضره على من له نفعه وفارق المستأجر, فإن نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن منافعه وقيل: تجب نفقته في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرف في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصي بها إلى النفقة, فصار كما لو صرف إليه شيء من ماله سواه.
فصل:
وإذا أعتق الورثة العبد عتق ومنفعته باقية للموصى له بها, ولا يرجع على المعتق بشيء وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها وإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد, وأسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده وإن أراد صاحب الرقبة بيع العبد فله ذلك, ويباع مسلوب المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل: لا يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن ما لا منفعة فيه, لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل: يجوز بيعه من مالك منفعته دون غيره لأن مالك منفعته يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك, بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض ولنا, أنه عبد مملوك تصح الوصية به فصح بيعه كغيره, ولأنه يمكنه إعتاقه وتحصيل ولائه وجر ولاء من ينجر ولاؤه بعتقه بخلاف الحشرات وإن وصى لرجل برقبة عبد, ولآخر بنفعه صح وقام الموصية له بالرقبة مقام الوارث فيما ذكرنا وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي.
فصل:
وإذا أوصى لرجل بمنفعة أمته فأتت بولد من زوج أو زنا, فهو مملوك حكمه حكم أمه لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصي به ولا هو من الرقبة الموصي بنفعها وإن وطئت بشبهة, وجب المهر على الواطئ لصاحب المنفعة عند أصحابنا وعندي أنه لصاحب الرقبة لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها منفردة ولا مع غيرها, ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بغير التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها, ولا يستحق صاحب المنفعة أخذ بدلها وإن أتت بولد فهو حر, وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر, يشتري بها عبد يقوم مقامه وليس للوارث ولا لصاحب المنفعة وطؤها لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوج لها, ولا يباح الوطء بغيرهما لقول الله عز وجل: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6]. وصاحب الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحبل منه فربما أفضى إلى إهلاكها, وأيهما وطئها فلا حد عليه لأنه وطء بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما فيها وولده حر لأنه من وطء شبهة فإن كان الواطئ مالك المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها, وعليه قيمة ولدها يوم وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها غيرهما بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها علقت منه بحر في ملكه, وفي وجوب قيمته عليه الوجهان وأما المهر فعندي أنه إن كان الواطئ مالكا الرقبة فلا مهر عليه, وله المهر على صاحب المنفعة إذا كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي بعكس ذلك فيهما وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة, فلزمه الحد كالمستأجر فعلى هذا يكون ولده مملوكا. فصل: وليس لواحد منهما تزويجها لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها, ومالك الرقبة لا يملك تزويجها لما فيه من ضرر صاحب المنفعة بتزويجها فإن طلبت ذلك لزم تزويجها لأنه لحقها, وحقها في ذلك مقدم عليها بدليل أنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ونفعها أجبر عليه, وقدم حقها على حقه وكذلك إن اتفقا على تزويجها قبل طلبها جاز ووليها في الموضعين مالك رقبتها لأنه مالكها والكلام في مهرها وولدها, على ما تقدم في الفصل الذي قبله.
فصل:
وإن قتل العبد الموصي بنفعه وجبت قيمته يشتري بها ما يقوم مقام الموصي به لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها, إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفهما ويحتمل أن تجب القيمة للوارث أو مالك الرقبة, وتبطل الوصية لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة, كما تبطل بالإجارة.
فصل:
وإذا أوصى لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته صح, والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان أحدهما, يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضررا عليهما وإضاعة المال وقد قال النبي ـ ﷺ ـ : (لا ضرر ولا ضرار) ونهى عن إضاعة المال والوجه الآخر, لا يجبر لأنه لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفردا, فكذلك إذا اجتمعا وأصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع ينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما, كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع.
فصل:
وإن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح, وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن صاحبه وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وإن اتفقا على بيعه, أو اصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما.
فصل:
وإن أوصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران, صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لأنه يجوز أن ينقص أجره عن الدينار وإن كانت الدار لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه, وعليهم ترك الثلث فإن كانت غلته دينارا أو أقل فهو للموصى له, وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة.
فصل:
وتصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه, كالعبد الآبق والجمل الشارد والطير في الهواء, والسمك في الماء لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبذلك أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه, وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى بجارية لبشر, ثم أوصى بها لبكر فهي بينهما) وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله, ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه, أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما ولا يكون ذلك رجوعا في الوصية الأولى وبهذا قال ربيعة, ومالك والثوري والشافعي, وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد, والحسن وعطاء وطاوس, وداود: وصيته للآخر منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول فكان رجوعا كما لو قال: ما وصيت به لبشر فهو لبكر ولأن الثانية تنافي الأولى, فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال: هذا لورثتي ولنا أنه وصى لهما بها, فاستويا فيها كما لو قال لهما: وصيت لكما بالجارية وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته لبشر وفي مسألتنا يحتمل أنه قصد التشريك, فلم تبطل وصية الآخر بالشك.
فصل:
وإن وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعا وعلى قول الآخرين, ينبغي أن يكون للثاني ثلثه كاملا وإن وصى بعبده لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وإن وصى لاثنين بثلثي ماله, فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا لأنه وصى له به منفردا, وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به.
فصل:
إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لبشر, وأقام آخر شاهدين أنه وصى له بالثلث فرد الوارث الوصيتين وكان الوارث رجلا عاقلا عدلا, وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في الثلث وبهذا قال أبو ثور وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي: لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية وقد ثبت (أن النبي ـ ﷺ ـ قضى بشاهد ويمين) رواه مسلم وإن كان المقر ليس بعدل, أو كان امرأة فالثلث لمن ثبتت له البينة لأن وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر, وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوارث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد, وأقر لفلان به بكلام متصل فالمقر به بينهما وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا وإن أقر به لواحد, ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول بإقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول, إلا أن يكون عدلا فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له, فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة وإن أقر للثاني في المجلس بكلام متصل ففيه وجهان أحدهما, لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر والثاني يقبل لأن المجلس الواحد كالحال الواحدة, فإن الخرقي قال: وإذا خلف ابنا وألف درهم فأقر بها لرجل ثم أقر بألف لآخر, فإن كان في مجلس واحد فالألف بينهما وإن كان في مجلسين, فهي للأول ولا شيء للثاني والأول أقيس لأن حق الأول ثبت في الثلث كاملا لإقراره به منفردا, فأشبه ما لو كان في مجلسين وكما لو أقر بدراهم ثم سكت, ثم قال: زيوفا أو صغارا أو إلى شهر أو كما لو استثنى مما أقر به بكلام منفصل في المجلس.
مسألة:
[وإن قال: ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كانت لبكر] هذا قولهم جميعا وبه قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو أيضا على مذهب الحسن وعطاء وطاوس ولا نعلم فيه مخالفا لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني, فأشبه ما لو قال: رجعت عن وصيتي لبشر وأوصيت بها لبكر بخلاف ما إذا وصى بشيء واحد لرجلين أحدهما بعد الآخر فإنه يحتمل أنه قصد التشريك بينهما وقد ثبتت وصية الأول يقينا, فلا تزول بالشك.
فصل:
وأجمع أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء, وجابر بن زيد والزهري وقتادة, ومالك والشافعي وأحمد, وإسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين, وابن شبرمة والنخعي: يغير منها ما شاء إلا العتق لأنه إعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره, كالتدبير ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها, كغير العتق ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها, كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه وفارق التدبير فإنه تعليق على شرط, فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة.
فصل:
ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتي أو في ميراثي وإن أكله, أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه, أو تصدق به أو باعه أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه, أو جارية فأحبلها أو ما أشبه هذا فهو رجوع قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم, أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشيء فأتلفه أو تصدق به, أو وهبه أو بجارية فأحبلها أو أولدها, أنه يكون رجوعا وحكي عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة ولنا, أنه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لو وهبه وإن عرضه على البيع, أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه, أو وصى بإعتاقه أو دبره كان رجوعا لأنه يدل على اختياره للرجوع بعرضه على البيع, وإيجابه للهبة ووصيته ببيعه أو إعتاقه لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى, والكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وإن رهنه, كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا يزيل الملك, فأشبه إجارته وكذلك الحكم في الكتابة.
فصل:
وإن وصى بحب ثم طحنه أو بدقيق فعجنه, أو بعجين فخبزه أو بخبز ففته أو جعله فتيتا كان رجوعا لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال, فدل على رجوعه وبهذا قال الشافعي وإن وصى بكتان أو قطن فغزله أو بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه, أو بنقرة فضربها أو شاة فذبحها كان رجوعا وبهذا قال أصحاب الرأي, والشافعي في ظاهر مذهبه واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبي ثور لأنه لا يزيل الاسم ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا, كالتي قبلها ولا يصح قوله: إنه لا يزيل الاسم فإن الثوب لا يسمى غزلا والغزل لا يسمى كتانا.
فصل:
وإن وصى بشيء معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه, كان رجوعا لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه فإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا لأنه يمكن تسليمه وإن وصى بقفيز قمح من صبرة, ثم خلطها بغيرها لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها, أو بخير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقي مشاعا وقيل: إن خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه لا يمكنه تسليم الموصي به إلا بتسليم خير منه, ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه.
فصل:
وإذا حدث بالموصي به ما يزيل اسمه, من غير فعل الموصي مثل إن سقط الحب في الأرض فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء, في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الاسم وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه دون ما انفصل منها لأن الاسم حين الاستحقاق يقع على المتصل دون المنفصل ويتبع الدار في الوصية ما يتبعها في البيع.
فصل:
وإن جحد الوصية, لم يكن رجوعا في أحد الوجهين وهو قول أبي حنيفة في إحدى الروايتين ولأنه عقد, فلا يبطل بالجحود كسائر العقود والثاني يكون رجوعا لأنه يدل على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له وإن غسل الثوب, أو لبسه أو جصص الدار أو سكنها, أو أجر الأمة أو زوجها أو علمها, أو وطئها لم يكن رجوعا لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يدل على الرجوع ويحتمل أن وطء الأمة رجوع لأنه يعرضها للخروج عن جواز النقل والأول أولى لأنه انتفاع لا يزيل الملك في الحال, ولا يفضي إليه يقينا فأشبه لبس الثوب فإنه ربما أتلفه, وليس برجوع.
فصل:
نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال: هذا ثلثي لفلان, ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطي هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شيء, رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصي.
مسألة:
قال: [ومن كتب وصية ولم يشهد فيها, حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها] نص أحمد على هذا في رواية إسحاق بن إبراهيم, فقال: من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد فيها, وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها وروي عن أحمد أنه لا يقبل الخط في الوصية, ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيها وبهذا قال الحسن, وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع فكذا ها هنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه بخطه تحته ختمه, ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة, لم يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فهاهنا أولى وقد نص أحمد على هذا في الشهادة ووجه قول الخرقي, قول النبي ـ ﷺ ـ : (ما من امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين, إلا ووصيته مكتوبة عنده) ولم يذكر شهادته وما ذكرناه في الفصل الذي يلي هذا ولأن الوصية يتسامح فيها ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر, وصحت للحمل به وبما لا يقدر على تسليمه, وبالمعدوم والمجهول فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث.
مسألة:
قال: [وما أعطى في مرضه الذي مات فيه, فهو من الثلث] وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة, والهبة المقبوضة والصدقة والوقف, والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافا وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت, فهي من ثلث المال في قول جمهور العلماء وحكى عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال وليس بصحيح لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم, زيادة لكم في أعمالكم) رواه ابن ماجه وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث وروى عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم, فاستدعاهم رسول الله ـ ﷺ ـ فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين, وأرق أربعة رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطية فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث, كالوصية.
فصل:
وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء أحدها أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة الثاني, أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة بقية الورثة الثالث أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة ولأن النبي ـ ﷺ ـ سئل عن أفضل الصدقة قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح, تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) متفق عليه ولفظه: قال رجل: يا رسول الله: أي الصدقة أفضل؟ قال: " أن تصدق وأنت صحيح حريص " الرابع, أنه يزاحم بها الوصايا في الثلث الخامس أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده ويفارق الوصية في ستة أشياء أحدها, أنها لازمة في حق المعطي ليس له الرجوع فيها وإن كثرت ولأن المنع على الزيادة من الثلث إنما كان لحق الورثة لا لحقه, فلم يملك إجازتها ولا ردها وإنما كان له الرجوع في الوصية لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية, بخلاف العطية في المرض فإنه قد وجدت العطية منه والقبول من المعطي, والقبض فلزمت كالوصية إذا قبلت بعد الموت وقبضت الثاني أن قبولها على الفور في حال حياة المعطي وكذلك ردها, والوصايا لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت لما ذكرنا من أن العطية تصرف في الحال فتعتبر شروطه وقت وجوده والوصية تبرع بعد الموت, فاعتبر شروطه بعد الموت الثالث أن العطية تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصحة من العلم وكونها لا يصح تعليقها على شرط وغرر في غير العتق, والوصية بخلافه الرابع أنها تقدم على الوصية وهذا قول الشافعي, وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر, إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى, ويسري وقفه وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه ولنا, أن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة ولأنها عطية بثمرة, فقدمت على العتق كعطية الصدقة وكما لو تساوى الحقان الخامس, أن العطايا إذا عجز الثلث عن جميعها بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقا أو غيره وبهذا قال الشافعي, وقال أبو حنيفة: الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت, وإن تأخرت سوى بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة, فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين, وإذا تساوى جنسها سوى بينها لأنها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها, كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد: يقدم العتق تقدم أو تأخر ولنا, أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة, أو عتقا عند صاحبيه ولأن العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة, فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع عن بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا, فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومهما, بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة غير صحيح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث فأما إن وقعت دفعة واحدة, كأن وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهما, فكملنا العتق كله في بعضهم وإن كانت كلها من غير العتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم, لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق, لحديث عمران بن حصين ولأن القصد بالعتق يكمل الأحكام ولا تكمل الأحكام إلا بتكميل العتق بخلاف غيره, ولأن في قسمة العتق عليهم إضرارا بالورثة والميت والعبيد على ما يذكر في موضعه وإن وقعت دفعة واحدة وفيها عتق وغيره, ففيه روايتان إحداهما يقدم العتق لتأكيده والثانية يسوي بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها, فتساوت في تنفيذها كما لو كانت من جنس واحد وذلك لأن استحقاقها حصل في حالة واحدة السادس, أن الواهب إذا مات قبل تقبيضه الهبة المنجزة كانت الخيرة للورثة إن شاءوا قبضوا, وإن شاءوا منعوا والوصية تلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم. فصل: إذا قال المريض: إذا أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق سعدا, عتق سعيد أيضا إن خرجا من الثلث وإن لم يخرج من الثلث إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين أحدهما, أن سعدا سبق بالعتق والثاني أن عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه لفات إعتاق سعيد أيضا لفوات شرطه, وإن بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه وإن قال: إن أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم, عتق سعد وحده لما ذكرنا وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر, عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال واحدة وليس عتق أحدهما شرطا في عتق الآخر ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما, لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وإن قال: إن أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال إعتاقي سعدا فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما, فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه وإن كان الشرط في الصحة والإعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرنا.
فصل:
وإن قال: إن تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل, فالزيادة محاباة معتبرة من الثلث وإن لم تخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد فالمحاباة أولى لأنها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطا في عتقه, فقد سبقت عتقه ويحتمل أن يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه, فيكونان سواء ثم هل يقدم العتق على المحاباة؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج إما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته إما بموتها أو طلاقها أو نحوه فأما إن ورثته, تبينا أنها غير ثابتة لها إلا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدما وإن قال: أنت حر في حال تزويجي فتزوج وأصدق أكثر من مهر المثل, فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل جعالة لإيقاع العتق كما في عتق سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال الذي ذكرته, يكون العتق سابقا لأن المحاباة إنما ثبتت بتمام التزويج, والعتق قبل تمامه فيكون سابقا على المحاباة فيتقدم لهذا المعني, لا سيما إذا تأكد بقوته وكونه لغير وارث.
فصل:
إذا أعتق المريض شقصا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث إلا العبد الأول, عتق وحده لأنه يعتق حين يلفظ بإعتاق شقصه وإن خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وإن أعتق الشقصين دفعة واحدة فلم يخرج من الثلث إلا الشقصان, عتقا ورق باقي العبدين وإن لم يخرج إلا أحدهما أقرع بينهما وإن عتق الشقصان وباقي أحد العبدين ففيه وجهان: أحدهما يكمل العتق من أحدهما بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما والثاني, يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقا مشقصا فلم يكمله بخلاف ما إذا أعتق العبدين, ولهذا إذا لم يخرج من الثلث إلا الشقصان أعتقناهما ولم يقرع بينهما ولم يكمله من أحدهما ولو أوصى بإعتاق النصيبين, وأن يكمل عتقهما من ثلثه ولم يخرج من الثلث إلا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما, فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى إعتاقهما, بخلاف التي قبلها.
فصل:
وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض كالهبة والميراث عتق, وورث المريض إذا مات وبهذا قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم: يعتق ولا يرث لأن عتقه وصية, فلا يجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية يعتبر خروجه من الثلث, فإن خرج من الثلث عتق وورث وإن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة, وقال أبو يوسف ومحمد: يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه ولنا, أن الوصية هي التبرع بماله بعطية أو إتلاف أو التسبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق ليس من فعله, ولا يقف على اختياره وقبول الهبة ليس بعطية ولا إتلاف لماله وإنما هو تحصيل شيء يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه, أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه وقال القاضي: هذا الذي ذكرناه قياس قول أحمد لأنه قال في مواضع: إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم يكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري: هذا قول أحمد وابن الماجشون وأهل البصرة, ولم يذكر فيه عن أحمد خلافا فأما إن اشترى من يعتق عليه فقال القاضي: إن حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك وأبي حنيفة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية, وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه وقال أبو يوسف ومحمد: لا وصية لوارث, ويحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه وقال بعض أصحاب مالك: يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قوله, لكونه لم يجعل الوقف وصية وإجازة للوارث فهذا أولى لأن العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له, ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة, في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك الميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم: إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس بوصية له, على ما ذكرنا وقيل: يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارث فتبطل وصيته ويبطل عتقه وإرثه, فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان إبطال توريثه أولى وقيل على مذهبه: شراؤه باطل لأن ثمنه وصية والوصية تقف على خروجها من الثلث, أو إجازة الورثة والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا ومن مسائل ذلك: مريض وهب له ابنه فقبله, وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه يعتق, وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وقيل, على قول الشافعي: لا يرث والمائتان كلها للابن الحر وقال أبو يوسف ومحمد: يرث نصف نفسه, ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصف الباقي من ميراثه إن كان قيمته مائتين وبقية التركة مائة, عتق من رأس المال والمائة بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة: يعتق منه نصفه, لأنه قدر ثلث التركة ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع: الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها, فيأبيان ذلك والعبد الموهوب يعتقه سيده والمشتري للعبد يعتقه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف ومحمد: يرث نصف التركة, وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه وإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن, ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون, وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي, يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعتقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله, في أصح الروايتين وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن وقال أبو حنيفة: إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث, عتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب والأم وإنما لم يرثا لأنهما لو ورثا لكان لهما خمسا الرقاب, وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية, إذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الأخت للأبوين, فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها, فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف ومحمد: تبغض وتسعى كل واحدة من الأخت للأب, والأخت من الأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة على قول الشافعي يعتقن.
فصل:
وإن اشترى المريض أباه بألف, لا مال له سواه ثم مات وخلف ابنا, فعلى القول الذي حكاه الخبري يعتق كله على المريض وله ولاؤه وعلى قول القاضي يعتق ثلثه بالوصية ويعتق باقيه على الابن لأنه جده, ويكون ثلث ولائه للمشتري وثلثاه لابنه وهذا قول مالك وقيل: هو مذهب للشافعي وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصية ويسعى للابن في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف, ومحمد: يعتق سدسه لأنه ورثه ويسعى في خمسة أسداس قيمته للابن ولا وصية له وقيل على قول الشافعي: يفسخ البيع, إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل: يفسخ في ثلثيه ويعتق في ثلثه وللبائع الخيار لتفرق الصفقة عليه وقيل: لا خيار له لأنه متلف, فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث سدس الألفين, والباقي للابن وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقيل نحوه على قول الشافعي وقيل على قوله: يعتق ولا يرث وقيل: شراؤه مفسوخ وقال أبو يوسف ومحمد: يرث الأب سدس التركة, وهو خمسمائة يحتسب بها من رقبته ويسعى في نصف قيمته, ولا وصية له وإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره ومات, وخلف أباه عتق كله بالشراء في الوجه الأول وفي الثاني, يعتق ثلثه بالوصية وثلثاه على جده عند الموت وولاؤه بينهما أثلاثا وبهذا قال مالك وقول الشافعي فيه على ما ذكرناه في مسألة الأب وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثه بالوصية, ويسعى في قيمة ثلثيه للأب ولا يرث وقال أبو يوسف ومحمد: يرث خمسة أسداسه, ويسعى في قيمة سدسه وإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث خمسة أسداس الألفين, وللأب السدس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد للأب سدس التركة خمسمائة, وباقيها للابن يعتق منها ويأخذ ألفا وخمسمائة وإن خلف مالا يخرج المبيع من ثلثه فعلى الوجه الأول, يعتق كله ويرث منه كأنه حر الأصل وعلى الوجه الثاني يعتق منه بقدر ثلث التركة ويرث بقدر ما فيه من الحرية, فإن لم يخلف المشتري أبا حرا ولكن خلف أخا حرا ولم يترك مالا, عتق من رأس المال على الوجه الأول ويعتق ثلثه على الثاني, ويرث الأخ ثلثيه ثم يعتق عليه وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثه ويسعى لعمه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف, ومحمد: يعتق كله ولا سعاية وإن خلف ألفين سواه عتق وورث الألفين, ولا شيء للأخ في الأقوال كلها إلا ما قيل على قول الشافعي إنه يعتق ولا يرث وقيل: شراؤه باطل, فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلثا ألف وخلف ابنا آخر, فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال ويستقر ملك البائع على قدر قيمته من الثمن, وله ثلث الباقي لأن المشتري حاباه به ولم يبق من التركة سواه فيكون له ثلثه وهو تسع ألف, ويرد التسعين فتكون بين الابنين وعلى الوجه الثاني يعتق ثلثه, ويرث أخوه ثلثيه فيعتق عليه وللبائع ثلث المحاباة, ويرد ثلثيها فيكون ميراثا وقال أبو حنيفة: الثلث للبائع ويسعى المشتري في قيمته لأخيه وقال أبو يوسف, ومحمد: يسعى في نصف رقبته ويرث نصفها وقال الشافعي: المحاباة مقدمة لتقديمها ويرث الابن الحر أخاه فيملكه وقيل: يفسخ البيع في ثلثيه, ويعتق ثلثه ولا تقدم المحاباة لأن في تقديمها تقرير ملك الأب على ولده وقيل: يفسخ البيع في جميعه فإن كانت قيمته ثلث الألف, فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال وتنفذ المحاباة في ثلث الباقي وهو تسعا ألف, ويرد البائع أربعة أتساع ألف فتكون بين الابنين وعلى الوجه الآخر يحتمل وجهين أحدهما, تقديم العتق على المحاباة فيعتق جميعه ويرد البائع ثلثي الألف, فيكون بينهما والثاني أن يعتق ثلثه ويكون للبائع تسعا ألف, ويرد أربعة أتساعها كما قلنا في الوجه الأول وقال أبو حنيفة: للبائع بالمحاباة الثلث ويرد الثلث, ويسعى الابن في قيمته لأخيه وفي قول أبي يوسف ومحمد: يرد البائع ثلث الألف فيكون للابن الحر, ويعتق الآخر بنصيبه من الميراث وقيل على قول الشافعي: يرد البائع ثلث الألف فيكون ذلك مع الابن المشتري للحر وقيل غير ذلك وإن اشتراه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلاثة آلاف, فمن أعتقه من رأس المال جعله حرا ومن جعل ذلك وصية له أعتق ثلثه بالشراء, ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه فإن الحر يملك بقية أخيه, فيملك من رقبته قدر ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبة لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته وقيل: يفسخ البيع في ثلثيه وقيل: في جميعه وقال أبو حنيفة: يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد: يسعى له في نصف قيمته فإن ترك ألفين سواه عتق كله لأن التركة هي الثمن مع الألفين, والثمن يخرج من الثلث فيعتق ويرث نصف الألفين وهو قول الشافعي وقيل: يعتق ولا يرث وعند أبي حنيفة وأصحابه: التركة قيمته مع الألفين, وذلك خمسة آلاف فعلى قول أبي حنيفة يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو ألف وثلثا ألف ويسعى لأخيه في ألف وثلث ألف وفي قول صاحبيه: يعتق منه نصف ذلك, وهو خمسة أسداسه ويسعى لأخيه في خمسمائة والألفان لأخيه في قولهم جميعا. ولو اشترى المريض ابني عم له بألف, لا يملك غيره وقيمة كل واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثم وهبه أخاه, ثم مات وخلفهما وخلف مولاه فإن قياس قول القاضي إن شاء الله, أن يعتق ثلثا المعتق إلا أن يجيز المولى عتق جميعه ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة, فيعتق منه ثمانية أتساعه ويبقى تسعه وثلث أخيه للمولى ويحتمل أن يعتق كله ويرث أخاه, فيعتقان جميعا لأنه يصير بالإعتاق وارثا لثلثي التركة فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه, فتكمل له الحرية ثم يكمل الميراث له وفي قياس قول أبي الخطاب: يعتق ثلثاه ولا يرث لأنه لو ورث لكان إعتاق وصية له, فيبطل إعتاقه ثم يبطل إرثه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا قول للشافعي, ويبقى ثلثه وابن العم الآخر للمولى وقال أبو حنيفة: يعتق ثلثا المعتق ويسعى في قيمة ثلثه ولا يرث وقال أبو يوسف, ومحمد: يعتق كله ويعتق عليه أخوه بالهبة ويكونان أحق بالميراث من المولى, فإن كان للميت مال سواهما أخذ ذلك المال بالميراث ويغرم المعتق لأخيه الموهوب نصف قيمة نفسه ونصف قيمة أخيه لأن عتق الأول وصية له, ولا وصية لوارث وقد صار وارثا مع أخيه فورث نصف قيمة رقبته ونصف قيمة أخيه, وورث أخوه الباقي وكان أخوه الموهوب له هبة من المريض له فعتق بقرابته منه, ولم يعتق من المريض فلم يكن عتقه وصية بل استهلكها بالعتق الذي جرى فيها, فيغرم الأول نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأخيه وأما قول أبي حنيفة فإن كان الميت لم يدع وارثا غيرهما عتقا وغرم الأول لأخيه نصف قيمة أخيه, ولم يغرم له نصف قيمة نفسه لأنه إذا لم يدع وارثا جازت وصيته لأنهما لا يرثان ولا يعتقان حتى تجوز وصية الأول, لأنه متى بقيت عليه سعاية لم يرث واحد منهما ولم يعتق, فلا بد من أن ينفذ للمعتق وصية ليصير حرا فيعتق أخوه بعتقه وقد جازت له الوصية في جميع رقبته لأن الميت إذا لم يدع وارثا جازت وصيته بجميع ماله, ويرثان جميعا ويرجع الثاني على الأول بنصف قيمته لأنه يقول: قد صرت أنا وأنت وارثين فلا تأخذ من الميراث شيئا دوني, وقد كانت رقبتي لك وصية وعتقت من قبلك فاضمن لي نصف رقبتي فإن كان معسرا وهناك مال غيرهما أخذ الثاني نصفه, ثم أخذ من النصف الثاني نصف قيمة نفسه وكان ما بقي ميراثا لأخيه الأول.
فصل:
وإذا كان للمريض ثلاثة آلاف فتبرع بألف, ثم اشترى أباه مما بقي وله ابن فعلى قول من قال ليس الشراء وصية: يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه, وباقيه للابن على قول القاضي ومن جعله وصية: لا يعتق أب لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الأول فالأول وإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شيء, ويرثه الابن فيعتق عليه ولا يرث لأنه إنما عتق بعد الموت وإن وهب له أبوه, عتق وورث لأن الهبة ليست بوصية وكذلك إن ورثه وإن اشترى أباه, ثم أعتقه لم يعتق على قول القاضي لأنه إذا لم يعتق بالملك وهو أقوى من الإعتاق بالقول, بدليل نفوذه في حق الصبي والمجنون فأولى أن لا ينفذ بالقول.
فصل:
وإن ملك المريض من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه, فأعتقه في مرضه كان إعتاقه وصية معتبرة من الثلث بدليل أن النبي ـ ﷺ ـ أقرع بين العبيد الذين أعتقهم مالكهم عند موته, ولم يكن له مال سواهم فاعتبر عتقهم من الثلث فعلى هذا يعتبر خروج المعتق من الثلث فإن خرج من الثلث عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب في مريض ملك ابن عمه في مرضه, فأقر بأنه كان أعتقه في صحته عتق ولم يرث لأنه لو ورث لكان إقراره لوارث فلا يقبل, فيؤدي توريثه إلى إبطال عتقه ثم يبطل ميراثه فكان إعتاقه من غير توريث أولى ومقتضى قول القاضي, أنه يعتق ويرث لأنه حر حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه, ويرث كما لو ورثه وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ولا يرث, على القول الأول وعلى قول القاضي ينبغي أن يرث بقدر ما فيه من الحرية على ما يذكر في المعتق بعضه.
فصل:
وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه, كأرش الجناية وجناية عبده وما عاوض عليه بثمن المثل, وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافا وهذا عند الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل جائز من رأس المال لأنه صرف لماله في حاجة نفسه, فيقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى جارية يستمتع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها, أو اشترى من الأطعمة التي لا يأكل مثله منها جاز وصح شراؤه لأنه صرف لماله في حاجته وإن كان عليه دين, أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12].
فصل:
فأما إن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه, ولم يكن لسائر الغرماء الاعتراض عليه وإن لم يف بها ففيه وجهان أحدهما أن لسائر الغرماء الرجوع عليه, ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لأن حقوقهم تعلقت بماله بمرضه فمنعت تصرفه فيه بما ينقص ديونهم كتبرعه, ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها والثاني أنهم لا يملكون الاعتراض عليه, ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لأنه أدى واجبا عليه فصح, كما لو اشترى شيئا فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية, فإنه لو اشترى ثيابا مثمنة صح ولو وصى بتكفينه في ثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه, وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه.
فصل:
وإذا تبرع المريض, أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد, في من أعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق وهذا لأن الحق يثبت بالتبرع في الظاهر, فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره.
فصل:
ويعتبر في المريض الذي هذه أحكامه شرطان أحدهما أن يتصل بمرضه الموت ولو صح في مرضه الذي أعطى فيه, ثم مات بعد ذلك فحكم عطيته حكم عطية الصحيح لأنه ليس بمرض الموت الثاني أن يكون مخوفا, والأمراض على أربعة أقسام غير مخوف مثل وجع العين والضرس, والصداع اليسير وحمى ساعة فهذا حكم صاحبه حكم الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة الضرب الثاني, الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والفالج في انتهائه, والسل في ابتدائه والحمى الغب فهذا الضرب إن أضنى صاحبها على فراشه, فهي مخوفة وإن لم يكن صاحب فراش بل كان يذهب ويجيء, فعطاياه من جميع المال قال القاضي: هذا تحقيق المذهب فيه وقد روى حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج: من الثلث وهو محمول على أنهما صارا صاحبي فراش وبه يقول الأوزاعي, والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه, وأبو ثور وذكر أبو بكر وجها في صاحب الأمراض الممتدة أن عطيته من صلب المال وهو مذهب الشافعي لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه وإن كان لا يبرأ فهو كالهرم ولنا, أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف فأشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فإن صار صاحب فراش, فهو كمسألتنا الضرب الثالث من تحقق تعجيل موته فينظر فيه فإن كان عقله قد اختل, مثل من ذبح أو أبينت حشوته فهذا لا حكم لكلامه ولا لعطيته, لأنه لا يبقى له عقل ثابت وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته, أو اشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وتبرعه وكان تبرعه من الثلث, فإن عمر رضي الله عنه خرجت حشوته فقبلت وصيته ولم يختلف في ذلك وعلي ـ رضي الله عنه ـ بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى, فلم يحكم ببطلان قوله الضرب الرابع مرض مخوف لا يتعجل موت صاحبه يقينا, لكنه يخاف ذلك كالبرسام وهو بخار يرقى إلى الرأس, ويؤثر في الدماغ فيختل العقل والحمى الصالب, والرعاف الدائم لأنه يصفي الدم فيذهب القوة وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب, ووجع القلب والرئة فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها والقولنج, وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء ولا ينزل عنه فهذه كلها مخوفة, سواء كان معها حمى أو لم يكن وهي مع الحمى أشد خوفا فإن ثاوره الدم واجتمع في عضو, كان مخوفا لأنه من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة, وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفئها والطاعون مخوف لأنه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن وأما الإسهال فإن كان منخرقا لا يمكنه منعه ولا إمساكه, فهو مخوف وإن كان ساعة لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه وإن لم يكن منخرقا لكنه يكون تارة وينقطع أخرى, فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام إلا أن يكون معه زحير وتقطيع كأن يخرج متقطعا, فإنه يكون مخوفا لأن ذلك يضعف وإن دام الإسهال فهو مخوف سواء كان معه زحير أو لم يكن وما أشكل أمره من الأمراض, رجع فيه إلى قول أهل المعرفة وهم الأطباء لأنهم أهل الخبرة بذلك والتجربة والمعرفة ولا يقبل إلا قول طبيبين مسلمين ثقتين بالغين لأن ذلك يتعلق به حق الوارث وأهل العطايا, فلم يقبل فيه إلا ذلك وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول الطبيب العدل إذا لم يقدر على طبيبين, كما ذكرنا في باب الدعاوى فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحة لما ذكرناه من قصة عمر رضي الله عنه فإنه لما جرح سقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه, فقال له الطبيب: اعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وأبو بكر لما اشتد مرضه عهد إلى عمر, فنفذ عهده. مسألة: قال: [وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر) يعني عطيتها من الثلث وهذا قول مالك وقال إسحاق: إذا أثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم يحد وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة: عطية الحامل من الثلث وقال أبو الخطاب: عطية الحامل من رأس المال, ما لم يضربها المخاض فإذا ضربها المخاض فعطيتها من الثلث وبهذا قال النخعي, ومكحول ويحيى الأنصاري والأوزاعي, والثوري والعنبري وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنها قبل ضرب المخاض لا تخاف الموت, ولأنها إنما تخاف الموت إذا ضربها الطلق فأشبهت صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش وقال الحسن والزهري: عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني للشافعي لأن الغالب سلامتها ووجه قول الخرقي أن ستة الأشهر وقت يمكن الولادة فيه, وهي من أسباب التلف والصحيح إن شاء الله أنها إذا ضربها الطلق كان مخوفا لأنه ألم شديد يخاف منه التلف, فأشبهت صاحب سائر الأمراض المخوفة وأما قبل ذلك فلا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة, فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح فأما بعد الولادة, فإن بقيت المشيمة معها فهو مخوف وإن مات الولد معها, فهو مخوف لأنه يصعب خروجه وإن وضعت الولد وخرجت المشيمة, وحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وإن لم يكن شيء من ذلك, فقد روي عن أحمد في النفساء: إن كانت ترى الدم فعطيتها من الثلث ويحتمل أنه أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه لذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترى الدم, كانت كالمريض وحكمها بعد السقط كحكمها بعد وضع الولد التام وإن أسقطت مضغة أو علقة فلا حكم له, إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف.
فصل:
ويحصل الخوف بغير ما ذكرناه في مواضع خمسة, تقوم مقام المرض أحدها إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال, وكانت كل طائفة مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة, سواء كان بينهما رمى بالسهام أو لم يكن فليست حالة خوف ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو مفترقتين وبه قال مالك والأوزاعي والثوري ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان أحدهما, كقول الجماعة والثاني ليس بمخوف لأنه ليس بمريض ولنا أن توقع التلف ها هنا كتوقع المرض أو أكثر, فوجب أن يلحق به ولأن المرض إنما جعل مخوفا لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال أحمد: إذا حضر القتال, كان عتقه من الثلث وعنه: إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وتسمى العطية وصية تجوزا لكونها في حكم الوصية, ولكونها عند الموت ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله لكن يقف الزائد على الثلث على إجازة الورثة فإن حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد الثانية إذا قدم ليقتل, فهي حالة خوف سواء أريد قتله للقصاص أو لغيره وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه مخوف والثاني: إن جرح فهو مخوف, وإلا فلا لأنه صحيح البدن والظاهر العفو عنه ولنا أن التهديد بالقتل جعل إكراها يمنع وقوع الطلاق, وصحة البيع ويبيح كثيرا من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام, وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى, ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض لم يكن مثبتا لهذا الحكم لعينه بل لخوف إفضائه إلى التلف فثبت الحكم ها هنا بطريق التنبيه, لظهور التلف الثالثة إذا ركب البحر فإن كان ساكنا فليس بمخوف, وإن تموج واضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف فإن الله تعالى وصفهم بشدة الخوف بقوله سبحانه: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس: 22]. الرابعة, الأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف, عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة ومالك, وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي وقال الحسن لما حبس الحجاج إياس بن معاوية: ليس له من ماله إلا الثلث وقال أبو بكر: عطية الأسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري والثوري, وإسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي عن أحمد في هذا على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي ومالك: الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق: إذا وضع رجله في الغرز وقال الأوزاعي: المحصور في سبيل الله والمحبوس ينتظر القتل أو تفقأ عيناه, هو في ثلثه والصحيح إن شاء الله ما ذكرنا من التفصيل لأن مجرد الحبس والأسر من غير خوف القتل ليس بمرض, ولا هو في معني المرض في الخوف فلم يجز إلحاقه به وإذا كان المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله, فغيره أولى الخامسة إذا وقع الطاعون ببلدة فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمخوف فإنه ليس بمرض, وإنما يخاف المرض والله أعلم.
فصل:
ويعتبر خروج العطية من الثلث حال الموت فمهما خرج من الثلث تبينا أن العطية صحت فيه حال العطية فإن نما المعطي أو كسب شيئا, قسم بين الورثة وبين صاحبه على قدر ما لهما فيه فربما أفضى إلى الدور فمن ذلك إذا أعتق عبدا لا مال له سواه, فكسب مثل قيمته في حياة سيده فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه وباقيه لسيده, فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه, فينقص به حق السيد من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه, فيستخرج ذلك بالجبر فيقال: عتق من العبد شيء وله من كسبه شيء لأن كسبه مثله وللورثة من العبد وكسبه شيئان, لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شيء ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لأنه استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده, فصار للعبد شيئان وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين, يعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما وإن كسب مثلي قيمته, فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان, فيقسم العبد وكسبه أخماسا يعتق منه ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه, وللورثة خمساه وخمسا كسبه وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فله ثلاثة أشياء من كسبه مع ما عتق منه ولهم شيئان, فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه ولهم الثلث منهما وإن كسب نصف قيمته, عتق منه شيء وله نصف شيء ولهم شيئان, فالجميع ثلاثة أشياء ونصف إذا بسطتها أنصافا صارت سبعة له ثلاثة أسباعها, فيعتق ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي لهم إن كانت قيمته مائة, فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئا فقل: عتق منه مائة شيء, وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شيء ويعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة, وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتان من كسبه وإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شيء لأن الدين مقدم على التبرع, وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه فلو كان على السيد دين كقيمته, صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم الباقي بين الورثة والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب وإن كسب العبد مثل قيمته, وللسيد مال مثل قيمته قسمت العبد ومثلي قيمته على الأشياء الأربعة فلكل شيء ثلاثة أرباع, فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه ولو أعتق عبدا قيمته عشرون ثم أعتق عبدا قيمته عشرة, فكسب كل واحد منهما مثل قيمته لكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء, وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة فيكون لكل شيء خمسة عشر, فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه, والباقي لهم وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق, وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين فيعتق ربعه, وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما انعتق منهما وإن أعتق العبدين دفعة واحدة, قرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فحكمه كما لو بدأ بإعتاقه.
فصل:
وإن أعتق ثلاثة أعبد, قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته, أقرعنا بينهم لإخراج الدين فإن وقعت على غير المكتسب بيع في الدين ثم أقرعنا بين المكتسب والآخر, لأجل الحرية فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة, وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي كسبه والعبد الآخر للورثة, كما قلنا فيما إذا كان للسيد مال بقدر قيمته ولو وقعت قرعة الدين ابتداء على المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا بين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية, فإن وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي وإن وقعت على المكتسب, عتق باقيه وأخذ باقي كسبه ثم نقرع بين العبدين لإتمام الثلث, فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه وبقي ثلثاه, والعبد الآخر للورثة لو كان العبد موهوبا لإنسان كان له من العبد وكسبه مثل ما للعبد من كسبه ونفسه في هذه المسائل كلها.
فصل:
وإن أعتق عبدين متساويي القيمة, بكلمة واحدة ولا مال له غيرهما فمات أحدهما, أقرع بين الحي والميت فإن وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثلي نصفه, وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب الميت على الورثة لأنه لم يصل إليهم.
فصل:
رجل أعتق عبدا لا مال له سواه, قيمته عشرة فمات قبل سيده وخلف عشرين, فهي لسيده بالولاء وتبين أنه مات حرا وكذلك إن خلف أربعين وبنتا وإن خلف عشرة, عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولسيده شيئان, وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل شيئين فتبين أن نصفه حر وباقيه رقيق, والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء فإن خلف العبد ابنا, فله من رقبته شيء ومن كسبه شيء يكون لأبيه بالميراث, ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها, وللسيد ثلثاها وتبين أنه عتق من العبد ثلثه وإن خلف بنتا فلها نصف شيء, وللسيد شيئان فصارت العشرة على خمسة للبنت خمسها, وللسيد أربعة أخماسها تعدل شيئين فتبين أن خمسي العبد مات حرا وإن خلف العبد عشرين وابنا, فله من كسبه شيئان يكونان لابنه ولسيده شيئان, فصارت العشرون بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين أنه عتق منه نصفه فإن مات الابن قبل موت السيد وكان ابن معتقه, ورثه السيد لأنا تبينا أن أباه مات حرا لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته, فعتق وجر ولاء ابنه إلى سيده فورثه وإن لم يكن ابن معتقه, لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه وكذلك الحكم لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئا, أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن أباه لم يعتق وإن عتق بعضه, جر من ولاء ابنه بقدره فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة, فإنك تقول: عتق من العبد شيء ويجر من ولاء أبيه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شيء مع خمسته, وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه فيقسم بين السيد ومولى الأم نصفين وتبين أنه قد عتق من العبد نصفه, وحصل للسيد خمسه من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد فإن مات الابن في حياة أبيه قبل موت سيده, وخلف مالا وحكمنا بعتق الأب أو عتق بعضه ورث مال ابنه إن كان حرا, أو بقدر ما فيه من الحرية إن كان بعضه حرا ولم يرث سيده منه شيئا وفي هذه المسائل خلاف تركت ذكره كراهة التطويل.
فصل:
في المحاباة في المرض وهي أن يعاوض بماله, ويسمح لمن عاوضه ببعض عوضه وهي على أقسام القسم الأول المحاباة في البيع والشراء ولا يمنع ذلك صحة العقد في قول الجمهور وقال أهل الظاهر: العقد باطل ولنا, عموم قول الله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فلو باع في مرضه عبدا لا يملك غيره, قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث, فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن لم يجيزوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك لأن الصفقة تبعضت عليه وإن اختار إمضاء البيع فالصحيح عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن, ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله وإلى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة: لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق: يقال له: إن شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع, وإن شئت فسخت ولا شيء لك وعند مالك: له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث ولنا أن فيما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جمعيه بجميعه فصح ذلك, كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصا وسيفا, فأخذ الشفيع الشقص أو كالشفعاء يأخذ كل واحد منهم جزءا من المبيع بقسطه أو كما لو اشترى قفيزا يساوي ثلاثين, بقفيز قيمته عشرة وأما الوجه الذي اختاره القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح, كما لو قال: بعتك هذا بمائة فقال: قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه في قدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه, كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه وأما قول أهل العراق فإن فيه إجبار الورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عاوض مورثهم وإذا فسخ البيع, لم يستحق شيئا لأن الوصية إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع زالت الوصية كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر مثله خمسون, فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج وإن اشترى عبدا يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفه بنصف الثمن وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز والبيع في ثلثيه بثلثي الثمن وعلى قول القاضي, للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن وطريق هذا أن تنسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك النسبة, وهو خمسة أسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي, فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأول, يصح البيع في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن, ويرد نصف تسعه وإن باع قفيز حنطة يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة أو بقفيز يساوي خمسة عشر, تعين الوجه الذي اخترناه في قول القاضي ومن وافقه لأن المساواة ها هنا شرط في صحة البيع ولا تحصل بغير هذا الوجه وطريق حسابها بالجبر فيما إذا باعه بما يساوي ثلث قيمته أن نقول: يجوز البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدون, وقيمته ثلث شيء فتكون المحاباة بثلثي شيء ألقهما من الأرفع, يبق قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثلي المحاباة وذلك شيء وثلث شيء, فإذا جبر به عدل شيئين فالشيء نصف القفيز.
فصل:
القسم الثاني المحاباة في التزويج إذا تزوج في مرضه امرأة صداق مثلها خمسة, فأصدقها عشرة لا يملك سواها ثم مات فإن ورثته بطلت المحاباة, إلا أن يجيزها سائر الورثة وإن لم ترثه لكونها مخالفة له في الدين أو غير ذلك فلها مهرها وثلث ما حاباها به وإن ماتت قبله, فورثها ولم تخلف مالا سوى ما أصدقها دخلها الدور فتصح المحاباة في شيء, فيكون له خمسة بالصداق وشيء بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء, ثم رجع إليهم بالميراث نصف مالها وهو اثنان ونصف ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين اجبر وقابل, يخرج الشيء ثلاثة فكان لها ثمانية رجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة, صار لهم ستة ولورثتها أربعة فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت: يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين, فالشيء خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة الزوج, وبقي لورثتها صداق مثلها وإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شيء قلت: يبقى مع ورثة الزوج عشرة إلا نصف شيء, يعدل شيئين فالشيء أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسها أربعة عشر, رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة وإن كان عليها دين ثلاثة قلت: يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شيء, يعدل شيئين فالشيء ديناران وخمسان والباب في هذا أن ننظر ما يبقى في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا, والشيء هو خمسا شيئين ونصف وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي.
فصل:
القسم الثالث, أن يخالعها في مرضها بأكثر من مهرها فمذهب أحمد أن لورثتها أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها يكون له الأقل من العوض أو ميراثه منها وبهذا قال أبو حنيفة إن خالعها بعد دخوله بها, وماتت قبل انقضاء عدتها لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك: إن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعن مالك أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي: الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث وقال أبو حنيفة: إن خالعها قبل دخوله بها, أو مات بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك: امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين, لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر, سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي: له ثمانية عشر اثنا عشر لأنها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة, فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت, فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها, ولها شيء بالمحاباة والباقي له ثم رجع إليه نصف مالها بالمحاباة, وهو خمسة ونصف شيء فصار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شيء يعدل شيئين, فبعد الجبر يخرج الشيء ثمانية وثلاثين فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون, ورجع إليهم بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شيء بالمحاباة, فصار بأيديهم مائة إلا ثلثي شيء يعدل شيئين فالشيء ثلاثة أثمانها, وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف, فيصير بأيدي ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث العشر وثلث الشيء, فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شيء فالشيء ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة, صار لها خمسة وأربعون رجع إلى الزوج ثلثها صار لورثتها ثلاثون ولورثته سبعون, هذا إذا ماتت بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شيء يعدل شيئين, فالشيء خمسا ذلك وهو ثمانية وخمسون وهو الذي صحت المحاباة فيه, فلها ذلك وعشرة بالمثل صار لها مائة وثمانية وستون رجع إلى الزوج نصفها أربعة وثمانون, وكان الباقي معه اثنان وثلاثون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثمانون.
فصل:
في الهبة رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها, فقبضها ثم مات وخلف بنتا, فقد صحت الهبة في شيء والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشيء الذي جازت الهبة فيه, صار معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسا ذلك أربعون, رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثمانون وبقي لورثة أخي الواهب عشرون وطريقها بالباب أن تأخذ عددا لثلثه نصف, وهو ستة فتأخذ ثلثه اثنين وتلقي نصفه سهما, يبقى سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة, فتقسم المائة سهم على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر لأنه يرجع على جميع السهام الباقية بالسوية, فيجب اطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد وشبه هذه المسألة من مسائل الرد أم وأختان, فللأختين أربعة وللأم سهم يسقط ذكر السهم السادس ولو كان ترك اثنتين, ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منها سهما يبقى ثمانية, فهي المال وخذ الثلث ثلاثة أسقط منهما سهما, يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة الموهوب له ويبقى ستة للواهب, وهي مثلا ما جازت الهبة فيه وإن خلف امرأة وبنتا فمسألتها من ثمانية تضربها في ثلاثة تكون أربعة وعشرين تسقط منها الثلاثة التي ورثها الواهب, يبقى أحد وعشرون فهي المال وتأخذ ثلث الأربعة والعشرين, وهي ثمانية تلقي منها الثلاثة يبقى خمسة, فهي الباقية لورثة الموهوب له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام.
فصل:
فإن وهب مريض مريضا مائة, لا يملك سواها ثم عاد الموهوب له فوهبها للأول ولا يملك سواها, فبالباب نضرب ثلاثة في ثلاثة ونسقط منها سهما يبقى ثمانية, فاقسم المائة عليها لكل سهمين خمسة وعشرون ثم خذ ثلثها ثلاثة أسقط منها سهما, يبقى سهمان فهو للموهوب الأول وذلك هو الربع وبالجبر قد صحت الهبة في شيء, ثم صحت الهبة الثانية في ثلثه بقي للموهوب الأول ثلثا شيء وللواهب مائة إلا ثلثي شيء يعدل شيئين, اجبر وقابل يخرج الشيء سبعة وثلاثين ونصفا رجع إلى الواهب ثلثها اثنا عشر ونصف, وبقي للموهوب له خمسة وعشرون فإن خلف الواهب مائة أخرى فقد بقي مع الواهب مائتان إلا ثلثي شيء تعدل شيئين, الشيء ثلاثة أثمانها وذلك خمسة وسبعون رجع إلى الواهب ثلثها, بقي مع ورثته خمسون.
فصل:
فإن وهب رجل رجلا جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها, ثم مات الواهب ولا شيء له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة, فقد صحت الهبة في شيء وسقط عنه من مهرها ثلث شيء وبقي للواهب أربعون إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين, اجبر وقابل يخرج الشيء خمس ذلك وعشره, وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للواهب ثلاثة أخماسها وله على الموهوب له ثلاثة أخماس مهرها ستة ولو وطئها أجنبي فكذلك, ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب وخمساه للموهوب له, إلا أن نفوذ الهبة فيما زاد على الثلث منها موقوف على حصول المهر من الواطئ فإن لم يحصل منه شيء لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل منه شيء نفذت الهبة في الزيادة بقدر ثلثه وإن وطئها الواهب, فعليه من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شيء يبقى معه ثلاثون إلا شيئا, يعدل شيئين فالشيء تسعة وهو خمس الجارية, وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ وعليهم عقر الذي جازت الهبة فيه فإن أخذ من الجارية بقدرها, صار له خمساها.
فصل:
وإن وهب مريض رجلا عبدا لا يملك غيره فقتل العبد الواهب, قيل للموهوب له: إما أن تفديه وإما أن تسلمه فإن اختار تسليمه سلمه كله, نصفه بالجناية ونصفه لانتقاض الهبة فيه وذلك لأن العبد كله قد صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه, فتبين أن الهبة جازت في نصفه وإن اختار فداءه ففيه روايتان إحداهما يفديه بأقل الأمرين من قيمة نصيبه منه أو أرش جنايته والأخرى يفديه بقدر ذلك من أرش جنايته بالغة ما بلغت فإن كانت قيمته دية, فإنك تقول: صحت الهبة في شيء وتدفع إليهم نصف العبد وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين, فتبين أن الشيء نصف العبد وإن كانت قيمته ديتين واختار دفعه, فإن الهبة تجوز في شيء وتدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد إلا نصف شيء, يعدل شيئين فالشيء خمساه ويرد إليهم ثلاثة أخماسه لانتقاص الهبة, وخمسا من أجل جنايته فيصير لهم أربعة أخماسه وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار فداءه, فداه بخمسي الدية ويبقى لهم ثلاثة أخماسه وخمسا الدية وهي بمنزلة خمس منه, ويبقى له خمساه وإن كانت قيمته نصف الدية أو أقل وقلنا: نفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه لأن أرشها أكثر من مثلي قيمته أو مثليها وإن كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية فاختار فداءه بالدية, فقد صحت الهبة في شيء ويفديه بشيء وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شيء, يعدل شيئين فالشيء ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد, ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة, وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فإن ترك الواهب مائة دينار فاضممها إلى قيمة العبد فإن اختار دفع العبد, دفع ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة فيصير العبد والمائة, وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار الفداء فقد علمت أنه يفدي ثلاثة أرباعه إذا لم يترك شيئا فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة, يصير ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه بسبعة أثمان الدية. فصل: مريض أعتق عبدا لا مال له سواه, قيمته مائة فقطع إصبع سيده خطأ فإنه يعتق نصفه, وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه, وأوجبنا نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول: عتق منه شيء وعليه شيء للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا, وشيء يعدل شيئين فأسقط شيئا بشيء بقي ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه ولو كانت قيمة العبد مائتين, عتق خمساه لأنه يعتق منه شيء وعليه نصف شيء للسيد فصار للسيد نصف شيء وبقية العبد يعدل شيئين, فيكون بقية العبد يعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه والشيء الذي عتق خمساه وإن كانت قيمته خمسين أو أقل, عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر وإن كانت قيمته ستين قلنا: عتق منه شيء, وعليه شيء وثلثا شيء للسيد مع بقية العبد يعدل شيئين, فبقية العبد إذا ثلث شيء فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد في العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا دبر عبدا وله دين في ذمة غريم له, فكلما اقتضى من القيمة شيئا عتق من الموقوف بقدر ثلثه.
فصل:
فإن أعتق عبدين دفعة واحدة, قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى على الأرفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك, في حياة سيدهما ثم مات أقرعنا بين العبدين, فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه أربعة أخماس أرش جنايته وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر, وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول: عبد عتق منه شيء وعليه نصف شيء لأن جنايته بقدر نصف قيمته, بقي للسيد نصف شيء وبقية العبدين تعدل شيئين فعلمت أن بقية العبدين شيء ونصف فإذا أضفت إلى ذلك الشيء الذي عتق, صارا جميعا يعدلان شيئين ونصفا فالشيء الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه, عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني, وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها, ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون وقيمة الآخر ثلاثون, فجنى الأدنى على الأرفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما, فإن خرجت القرعة للأدنى عتق منه شيء وعليه ثلث شيء, فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشيء ثلاثة أثمانهما وقيمتها سبعون, فثلاثة أثمانها سبعة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وخمساه ونصف سدس عشره وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني, فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد بقيت فروع كثيرة وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره, ـ إن شاء الله تعالى ـ وكل موضع زاد العتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم.
مسألة:
قال: [ومن جاوز العشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق] هذا المنصوص عن أحمد, فإنه قال في رواية صالح وحنبل: تحوز وصيته إذا بلغ عشر سنين قال أبو بكر: لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين, تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وما بين السبع والعشر فعلى روايتين وقال ابن أبي موسى: لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية, قولا واحدا وما زاد على العشر فتصح على المنصوص وفيه وجه آخر, لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي وأبو الخطاب: تصح وصية الصبي إذا عقل وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز, وشريح وعطاء والزهري, وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي, والنخعي ومالك وإسحاق قال إسحاق: إذا بلغ اثنتي عشرة وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس: لا تصح وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن, ومجاهد وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأنه تبرع بالمال, فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه لا يقبل إقراره, فلا تصح وصيته كالطفل ولنا ما روي, أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له, فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد وروى مالك في " موطئه " عن عبد الله بن أبي بكر, عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن ها هنا غلاما يفاعا لم يحتلم, وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ها هنا إلا ابنة عم له, فقال عمر ": فليوص لها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم: فبعث ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم قال أبو بكر: وكان الغلام ابن عشر أو اثنتي عشرة سنة وهذه قصة انتشرت فلم تنكر ولأنه تصرف تمحض نفعا للصبي فصح منه, كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه, بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه وإذا ردت رجعت إليه, وها هنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا يصح إسلامه ولا عباداته وقوله: " إذا وافق الحق " يعني إذا وصى بوصية يصح مثلها من البالغ, صحت منه وإلا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة, وهما قاضيان: من أصاب الحق أجزنا وصيته.
فصل:
فأما الطفل وهو من له دون السبع والمجنون, والمبرسم فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم منهم حميد بن عبد الرحمن, ومالك والأوزاعي والشافعي رضي الله عنهم وأصحاب الرأي, ومن تبعهم ولا نعلم أحدا خالفهم إلا إياس بن معاوية قال في الصبي والمجنون: إذا وافقت وصيتهم الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبادتهما, ولا شيء من تصرفاتهما فكذا الوصية بل أولى, فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فلأن لا يصح بذله المال يتضرر به وارثه أولى ولأنها تصرف يفتقر إلى إيجاب وقبول, فلا يصح منهما كالبيع والهبة.
فصل:
فأما المحجور عليه لسفه فإن وصيته تصح, في قياس قول أحمد قال الخبري: وهو قول الأكثرين وقال أبو الخطاب: في وصيته وجهان ولنا أنه عاقل تصح وصيته كالصبي العاقل, ولأن وصيته تمحضت نفعا له من غير ضرر فصحت كعباداته وأما الذي يجن أحيانا ويفيق أحيانا, فإن وصى حال جنونه لم تصح وإن وصى في حال عقله صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه, فكذلك في وصيته وتصرفاته ولا تصح وصية السكران وقال أبو بكر: فيه قولان يعني وجهين ولنا أنه ليس بعاقل فلا تصح وصيته كالمجنون وأما إيقاع طلاقه فإنما أوقعه من أوقعه تغليظا عليه, لارتكابه المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه وأما الضعيف في عقله, فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل.
فصل:
وتصح وصية الأخرس إذا فهمت إشارته لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما, فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي, وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت عليه وصيته فأشار بها, وفهمت إشارته لم تصح وصيته ذكره القاضي وابن عقيل وبه قال الثوري, والأوزاعي وأبو حنيفة وقال الشافعي وابن المنذر: تصح وصيته لأنه غير قادر على الكلام, أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله ـ ﷺ ـ صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت ولنا, أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بإشارته كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي ـ ﷺ ـ كان قادرا على الكلام, ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصية ولا إقرار ففارق الأخرس لأنه مأيوس من نطقه.
فصل:
وإن وصى عبد أو مكاتب أو مدبر أو أم ولد وصية, ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن أعتقوهم ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولا صحيحا وأهلية تامة, وإنما فارقوا الحر بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير الذي لا شيء له, ثم استغنى وإن قال أحدهم: متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ومات, صحت وصيته وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم.
فصل:
وتصح وصية المسلم للذمي, والذمي للمسلم والذمي للذمي روى إجازة وصية المسلم للذمي عن شريح والشعبي, والثوري والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وقال محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة, في قوله تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا} [الأحزاب: 6]. هو وصية المسلم لليهودي والنصراني وقال سعيد: حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة, أن صفية بنت حيى باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث, فأبى فأوصت له بثلث المائة ولأنه تصح له الهبة فصحت الوصية له, كالمسلم وإذا صحت وصية المسلم للذمي فوصية الذمي للمسلم والذمي للذمب أولى ولا تصح إلا بما تصح به وصية المسلم للمسلم ولو أوصى لوارثه, أو لأجنبي بأكثر من ثلثه وقف على إجازة الورثة, كالمسلم سواء.
فصل:
وتصح الوصية للحربي في دار الحرب نص عليه أحمد وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم: لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} [الممتحنة: 8]. إلى قوله: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 9]. الآية فيدل ذلك على أن من قاتلنا لا يحل بره ولنا, أنه تصح هبته فصحت الوصية له كالذمي وقد روي (أن النبي ـ ﷺ ـ أعطى عمر حلة من حرير, فقال: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال: إني لم أعطكها لتلبسها فكساها عمر أخا مشركا له بمكة) وعن (أسماء بنت أبي بكر, قالت: أتتني أمي وهي راغبة ـ تعني الإسلام ـ فسألت رسول الله ـ ﷺ ـ فقلت: يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم) وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا في من لم يقاتل, فأما المقاتل فإنه نهي عن توليه لا عن بره والوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع على جواز الهبة, والوصية في معناها فأما المرتد فقال أبو الخطاب: تصح الوصية له كما تصح هبته وقال ابن أبي موسى: لا تصح لأن ملكه غير مستقر, ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة, فلا يثبت له الملك بالوصية.
فصل:
ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن أوصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي, بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول بطلت, عند من يرى أن الملك لا يثبت إلا بالقبول لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم ومن قال: يثبت الملك بالموت قبل القبول قال: الوصية صحيحة لأننا نتبين أن الملك يثبت بالموت لأنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضا لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك, فمنع منه كابتداء الملك.
فصل:
ولا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم مسلما كان الموصي أو ذميا, فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الإنفاق عليهما, كان باطلا وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال أصحاب الرأي: يصح وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة وهذه وصايا باطلة وأفعال محرمة لأنها معصية, فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح لأنها كتب منسوخة, وفيها تبديل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي ـ ﷺ ـ حين رأى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها, وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة, فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن هذا مما لا تصح الوصية به لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد كلام يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب, صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية.
مسألة:
قال: [ومن أوصى بكل ماله ولا عصبة له ولا مولى له, فجائز وقد روي عن أبي عبد الله ـ رحمه الله ـ رواية أخرى: لا يجوز إلا الثلث] اختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ في من لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة بكل ماله ثبت هذا عن ابن مسعود, وبه قال عبيدة السلماني ومسروق وإسحاق, وأهل العراق والرواية الأخرى: لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والأوزاعي وابن شبرمة, والشافعي والعنبري لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من ثلثه, كما لو ترك وارثا ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة بدليل قول النبي ـ ﷺ ـ : (إنك أن تدع ورثتك أغنياء, خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) وها هنا لا وارث له يتعلق حق بماله فأشبه حال الصحة ولأنه لم يتعلق بماله حق وارث ولا غريم, أشبه حال الصحة أو أشبه الثلث.
فصل:
وإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله كبنت, أو أم لم يكن له الوصية بأكثر من الثلث لأن سعدا قال للنبي ـ ﷺ ـ : لا يرثني إلا ابنتي فمنعه النبي ـ ﷺ ـ من الزيادة على الثلث ولأنها تستحق جميع المال بالفرض والرد فأشبهت العصبة وإن كان لها زوج, أو للرجل امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية, لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [النساء: 12]. فأما ذوو الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع الوصية بجميع المال لقوله: " ولا عصبة له ولا مولى له " وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شيء إلا عند عدم الرد والمولى لا تجب نفقته ويحتمل أن لا تنفذ وصيته بأكثر من ثلثه لأن له وارثا, فيدخل في معني قوله عليه السلام: (إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته وصلته لهم في حياته, فأشبهوا ذوي الفروض والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسألتنا كذوي الفروض الذين يحجب بعضهم بعضا والعصبات.
فصل:
فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله, وقال: أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئا من فرضه أو خلف امرأة وقال: أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله, لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من رأس المال أو من الزائد على الفرض وأما المسألة الثانية فتنبني على الوصية بجميع المال, فإن قلنا: تصح ثم صحت ها هنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن زوجة وإن قلنا: لا تصح ثم فهاهنا مثله لأن بيت المال جعل كالوارث, فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم فعلى هذا يعطي الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه.
مسألة:
قال: [ومن أوصى لعبده بثلث ماله, فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق وما فضل من الثلث بعد عتقه فهو له, وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث إلا أن يجيز الورثة] وجملة ذلك أنه إذا أوصى لعبده بجزء شائع من ماله, كثلث أو ربع أو سدس صحت الوصية فإن خرج العبد من الوصية, عتق واستحق باقيها وإن لم يخرج, عتق منه بقدر الوصية وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة, إلا أنهم قالوا: إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه وقال الشافعي رضي الله عنه: الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة, فلم يصح كما لو أوصى له بمعين ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع, والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل يستحقه لأنه يصير حرا فيملك الوصية, فيصير كأنه قال: اعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه وفارق ما إذا أوصى بمعين لأنه لا يتناول شيئا منه.
فصل:
فإن أوصى له بمعين من ماله, كثوب أو دار أو بمائة درهم فالوصية باطلة في قول الأكثرين وبه يقول الثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد أنها تصح وهو قول مالك, وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين: إن شاء الورثة أجازوا وإن شاءوا ردوا ولنا, أن العبد يصير ملكا للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه, فلا فائدة فيه وفارق ما إذا أوصى له بمشاع لما ذكرناه.
فصل:
وإن وصى له برقبته فهو تدبير يعتق إن حمله الثلث وبهذا قال مالك, وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: الوصية باطلة لأنه لا يملك رقبته ولنا أنه أوصى له بمن لا يملكه على الدوام فصح, كما لو وصى بأبيه ولأن معني الوصية له برقبته عتقه لعلمه بأنه لا يملك رقبته, فصارت الوصية به كناية عن إعتاقه بعد موته وإن أوصى له ببعض رقبته فهو تدبير لذلك الجزء وهل يعتق جميعه إذا حمله الثلث؟ على روايتين, ذكرهما الخرقي فيما إذا دبر بعض عبده وهو مالك لكله وقال أصحاب الرأي: يسعى في قيمة باقيه وهذا شيء يأتي في باب العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ .
فصل:
وإن وصى لمكاتبه أو مكاتب وارثه, أو مكاتب أجنبي صح سواء أوصى له بجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب, ولا يملكون ماله وإن أوصى لأم ولده صحت الوصية لأنها حرة حين لزوم الوصية وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن الحصين وبه قال ميمون بن مهران والزهري, ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي, وإسحاق وإن وصى لمدبره صح لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت الوصية له, كأم الولد وإن لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعا قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع وقال القاضي: يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه ولنا, أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله.
فصل:
وإن أوصى لعبد غيره, صح وتكون الوصية لسيده والقبول في ذلك إلى العبد لأن العقد مضاف إليه, فأشبه ما لو وهبه شيئا فإذا قبل ثبت لسيده لأنه من كسب عبده, وكسب العبد لسيده ولا تفتقر في القبول إلى إذن السيد لأنه كسب فصح من غير إذن سيده, كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولأصحابه وجه أخر أن القبول يفتقر إلى إذن السيد, لأنه تصرف من العبد فأشبه بيعه وشراءه ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض, فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه, يقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك: إن كان يسيرا جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده, فإذا وصى له بشيء يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده ولنا, أنها وصية لعبد وارثه فأشبهت الوصية بالكثير وما ذكروه من ملك العبد ممنوع, ولا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير.
فصل:
وإذا أوصى بعتق أمته على, أن لا تتزوج ثم مات فقالت: لا أتزوج عتقت فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي, والليث وأبي ثور وابن المنذر, وأصحاب الرأي وذلك لأن العتق إذا وقع لا يمكن رفعه وإن أوصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تثبت مع ولده, ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت وتركت ولده ففيها وجهان أحدهما, تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية وفارق العتق, فإنه لا يمكن رفعه والثاني لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى.
فصل:
واختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه فقال ابن حامد: تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد, في من جرح رجلا خطأ فعفا المجروح فقال أحمد: يعتبر من ثلثه قال: وهذه وصية لقاتل وهذا قول مالك وأبي ثور وابن المنذر, وأظهر قولي الشافعي رضي الله عنه لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر: لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده, بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية, فالوصية أولى ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب: إن وصى له بعد جرحه, صح وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية, أبطلها جمعا بين نصي أحمد في الموضعين وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها ولم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت, فإن القتل طرأ عليها فأبطلها لأنه يبطل ما هو آكد منها يحققه أن القتل إنما منع الميراث, لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعا لمفسدة قتل الموروثين, ولذلك بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه أيضا وهذا المعني متحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية, فإنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد صدور ما صدر منه في حقه, ولا فرق بين العمد والخطأ في هذا كما لا يفترق الحال بذلك في الميراث وعلى هذا متى دبر عبده بعد جرحه إياه, صح تدبيره.
مسألة:
قال: [وإذا قال: أحد عبدي حر أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة فهو حر إذا خرج من الثلث] وجملة ذلك أنه إذا أعتق عبدا غير معين, فإنه يقرع بينهما فيخرج الحر بالقرعة وقال أبو حنيفة والشافعي: له تعيين أحدهما بغير قرعة لأنه عتق مستحق في غير معين, فكان التعيين إلى المعتق كالعتق في الكفارة وكما لو قال لورثته: أعتقوا عني عبدا ولنا أنه عتق استحقه واحد من جماعة معينين, فكان إخراجه بالقرعة كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه إلا أحدهما ودليل الحكم في الأصل, حديث عمران بن حصين فأما العتق في الكفارة فإنه لم يستحقه أحد إنما استحق على المكفر التكفير وأما إذا قال: أعتقوا عني عبدا فإن لم يضفه إلى عبيده, ولا إلى جماعة سواهم فهو كالمعتق في الكفارة وإن قال: أعتقوا أحد عبيدي احتمل أن نقول بإخراجه بالقرعة كمسألتنا واحتمل أن يرجع فيه إلى اختيار الورثة وأصل الوجهين ما لو وصى لرجل بعبد من عبيده, هل يعطي أحدهم بالقرعة أو يرجع فيه إلى اختيار الورثة؟ وسيأتي الكلام عليها والفرق بين مسألتنا وبين هذه المسألة على هذا الوجه أنه جعل الأمر إلى الورثة, حيث أمرهم بالإعتاق فكانت الخيرة إليهم وفي مسألتنا لم يجعل لهم من الأمر شيئا فلا يكون لهم خيرة.
فصل:
ونقل صالح عن أبيه, في من له غلامان اسمهما واحد فقال: فلان حر بعد موتي وله مائتا درهم ولم يعينه يقرع بينهما, فيعتق من خرجت له القرعة وليس له من المائتين شيء ووجه ذلك ـ والله أعلم ـ أن الوصية بالمائتين وقعت لغير معين ولا تصح الوصية إلا لمعين وقال القاضي: يجب أن تصح هذه الوصية لأن مستحقها حر في حال استحقاقها ونقل عن أحمد, في من قال: أعتقوا رقبة عني فلا يعتق عنه إلا مسلم وذلك لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أمر الله تعالى بتحرير رقبة لم يتناول إلا المسلم فكذلك الآدمي.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة, فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسمائة للورثة وإن اشتروه بأقل, فما فضل فهو للورثة] أما إذا تعذر شراؤه إما لامتناع سيده من بيعه أو من بيعه بالخمسمائة, وإما لموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بها, فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثا ولا يلزمهم شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره وأما إن اشتروه بأقل, فالباقي للورثة وقال الثوري: يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته به فأشبه ما لو قال: بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها, وكما لو أوصى أن يحج عنه فلان حجة بخمسمائة وقال إسحاق: يجعل بقية الثمن في العتق كما لو أوصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا, أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعا إليه كما لو وكل في شرائه في حياته, وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة وفي مسألتنا المقصود العتق ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقا فصرف جميعها فيه, وها هنا لمعين فلا تتعداه وقوله: إنه قصد إرفاق زيد بالثمن ومحاباته به فنقول: الصحيح أنه إن كانت ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقا له, أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو عين هذا الثمن وهو يعلم حصول العبد بدونه لقلة قيمته, فإنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال: وادفعوا إليه جميعها, وإن بذله بدونها وإن انعدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل, فكان الفاضل عائدا إليه كما لو أمره بالشراء في حياته.
فصل: وإن وصى أن يشتري عبد بألف فيعتق عنه, فلم يخرج من ثلثه اشترى عبد بما يخرج من الثلث وبه قال الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة: تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف, فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث, فإذا لم يحتملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبده فلم يحمله الثلث وفارق الوكالة, فإنه لو وكله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه ولو أوصى بإعتاق عبد لأعتق منه ما يحتمله الثلث فأما إن حمله الثلث, فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة, ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل بكونه اشترى بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن كان الشراء في الذمة صح الشراء, ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه ولا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي, ولا تركة له فيرجع عليها وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضرب معهم بقدر دينه لأن الدين لزمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه, فإذا كان ميتا لزمه في تركته كأرش جنايته.
فصل: وإن وصى بشراء عبد وأطلق أو وصى ببيع عبده وأطلق, فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ها هنا وإن وصى ببيعه بشرط العتق, صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع ها هنا نفعا للعبد بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها, كما لو وصى بشراء عبد ليعتق فلم يبعه سيده وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع به لأنه قد قصد إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمنا, بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد إيصال العبد بعينه إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملكة, وإعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعني يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن, أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية لما ذكرنا. مسألة: قال: [وإذا أوصى لرجل بعبد لا يملك غيره وقيمته مائة, ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتا درهم فأجاز الورثة ذلك, فلمن أوصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد ولمن أوصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وإن لم يجز الورثة ذلك فلمن أوصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد لأن وصيته في الجميع, ولمن أوصى له بالعبد نصفه لأن وصيته في العبد] وجملته أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ولآخر بجزء مشاع منه, كثلث المال وربعه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين, ثم شارك صاحب المعين فيه فيقتسمانه بينهما على قدر حقيهما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية, كمسائل العول وكما لو أوصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فأما في حال الرد, فإن كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال, فهي كحال الإجازة سواء إذ لا أثر للرد وإن جاوزت ثلثه رددنا وصيتهما إلى الثلث, وقسمناه بينهما على قدر وصيتهما إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي, وسائر الأصحاب ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب ما لهما في الإجازة وهذا قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في الرد: يأخذ صاحب المعين نصيبه منه, ويضم الآخر سهامه إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له السدس, وللورثة أربعة أسداس وهو مثل قول الخرقي إلا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد منهما قد أوصى له بثلث المال, وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته, ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية وفي قول الخرقي رحمة الله عليه: يأخذ كل واحد منهما نصف وصيته من المحل الذي وصى له منه وصاحب الثلث يأخذ سدس الجميع لأنه وصى له بثلث الجميع وأما على قولنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشيء أشرك معه غيره فيه كله, وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب ما لهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا, ففي مسألة الخرقي هذه لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الآخر فيها, ويشتركان في العبد لهذا ثلثه وللآخر جميعه, فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصير العبد ثلاثة, واضمم إليها الثلث الذي للآخر يصير أربعة ثم اقسم العبد على أربعة أسهم, يصير الثلث ربعا كما في مسائل العول وفي حال الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتهما, فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه وفي قولنا يضرب مخرج الثلث في مخرج الربع, يكن اثنا عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين, وهو ثمانية من أربعين وربع العبد وهو ثلاثة أسهم, صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة أسهم, فيضمها إلى سهام صاحب الثلث صار الجميع عشرين سهما ففي حال الرد تجعل الثلث عشرين سهما, والمال كله ستون فلصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه, ولصاحب الثلث ثمانية من الأربعين وهي خمسها وثلاثة من العبد, وذلك عشره ونصف عشره وإن كانت وصية صاحب المشاع بالنصف فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه, وفي الرد لصاحب المشاع خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه وعلى الوجه الآخر, لصاحب المشاع ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه وطريقها أن تنسب الثلث إلى ما حصل لهما في الإجازة, ثم تعطى كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل تلك النسبة وعلى الوجه الأول تنسب الثلث إلى وصيتهما ثم تعطى كل واحد في الرد مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة, أن نسبة الثلث إلى وصيتهما بالخمسين لأن النصف والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا العبد لأنه وصيته, ولصاحب النصف الخمس لأنه خمسا وصيته وعلى الوجه الآخر قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف, فلكل واحد منهما مما حصل له في الإجازة نصفه وقد كان لصاحب المشاع من المائتين نصفها فله ربعها, وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه, فصار له ثلثه وإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة وخمسون وثلث العبد, ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب المشاع تسعا المال كله ولصاحب العبد أربعة أتساعه, على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني لصاحب العبد ربعه وسدسه وللآخر ثمنه ونصف سدسه, ومن المال ثمانون وهي ربعها وسدس عشرها وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد, ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو ربع العبد وسدس عشره, وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ومن كل مائة مثل ذلك, وهو ثمانون دينارا ولو خلف عبدا قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى بالعبد لآخر ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين, وينفرد صاحب الثلث بثلث الباقي وفي الرد للموصى له بالعبد ثلثه وللآخر ثلثه وثلث المائة وعلى الوجه الآخر لصاحب العبد ربعه, وللآخر ربعه ونصف المائة يرجع كل واحد منهما إلى نصف وصيته فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبدا قيمته مائة, ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ها هنا, ويأخذ صاحب المشاع سدس المال وسبع العبد والآخر ستة أسباعه وإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد, ولصاحب العبد خمسة أسداسه ولا أثر للرد أيضا لأن الوصيتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه.
مسألة:
قال: [ومن أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى بالسوية ولا يجاوز بها أربعة آباء لأن النبي ـ ﷺ ـ لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربى] وجملته أن الرجل إذا أوصى لقرابته, أو لقرابة فلان كانت الوصية لأولاده ولأولاد أبيه, وأولاد جده وأولاد جد أبيه ويستوي فيه الذكر والأنثى, ولا يعطي من هو أبعد منهم شيئا فلو وصى لقرابة النبي ـ ﷺ ـ أعطى أولاده وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم, ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا لأن الله تعالى لما قال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} [الحشر: 7]. يعني أقرباء النبي ـ ﷺ ـ أعطى النبي ـ ﷺ ـ هؤلاء الذين ذكرناهم ولم يعط من هو أبعد منهم كبني عبد شمس ونوفل شيئا, إلا أنه أعطى بني المطلب وعلل عطيتهم بأنهم " لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام " ولم يعط قرابة أمه, وهم بنو زهرة شيئا ولم يعط منهم إلا مسلما فحمل مطلق كلام الموصي على ما حمل عليه المطلق من كلام الله تعالى وفسر بما فسر به ويسوي بين قريبهم وبعيدهم, وذكرهم وأنثاهم لأن الوصية لهم سواء ويدخل في الوصية الكبير والصغير والغنى والفقير, ولا يدخل الكفار لأنهم لم يدخلوا في المستحق من قربى النبي ـ ﷺ ـ وقد نقل عبد الله وصالح عن أبيهما رواية أخرى, أنه يصرف إلى قرابة أمه إن كان يصلهم في حياته كأخواله, وخالاته وإخوته من أمه وإن كان لا يصلهم, لم يعطوا شيئا لأن عطيته لهم في حياته قرينة دالة على صلته لهم بعد مماته وإلا فلا وعنه رواية أخرى أنه يجاوز بها أربعة آباء ذكرها ابن أبي موسى, في " الإرشاد " وهذه الرواية تدل على أن لفظه لا يتقيد بالقيد الذي ذكرناه فعلى هذا يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينسبون إلى الأب الأدنى الذي ينسب إليه وهذا مذهب الشافعي لأنهم قرابة, فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه وإعطاء النبي ـ ﷺ ـ لبعض قرابته تخصيص لا يمنع من العمل بالعموم في غير ذلك الموضع قال أبو حنيفة: قرابته كل ذي رحم محرم, فيعطى من أدناهم اثنان فصاعدا فإذا كان له عمان وخالان فالوصية لعميه, وإن كان له عم وخالان فلعمه النصف ولخاليه النصف وقال قتادة: للأعمام الثلثان وللأخوال الثلث وبه قال الحسن, قال: ويزاد الأقرب بعض الزيادة وقال مالك: يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ولنا أن هذا الاسم له عرف في الشرع وهو ما ذكرناه, فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء والصلاة والصوم والحج, ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم فإن اسم القرابة يقع على غيرهم عرفا وشرعا وقد تحرم على الرجل ربيبته, وأمهات نسائه وحلائل آبائه وأبنائه ولا قرابة لهم, وتحل له ابنة عمه وعمته وابنة خاله وخالته, وهن من أقاربه وما ذكروه من التفصيل لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه دليل, فالمصير إليه تحكم فأما إن كان في لفظه ما يدل على إرادة قرابة أمه كقوله: وتفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي أو قوله: إلا ابن خالتي فلانا أو نحو ذلك, أو قرينة تخرج بعضهم عمل بما دلت عليه القرينة لأنها تصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره.
فصل:
فإن وصى لأقرب أقاربه أو أقرب الناس إليه, أو أقربهم به رحما لم يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب فيقدم الأب على كل من أدلى به من الأجداد والإخوة والأعمام, والابن مقدم عليهم وعلى كل من أدلى به ويستوي الأب والابن لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة ويحتمل أن يقدم الابن لأنه يسقط تعصيب الأب والأول أولى لأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب منه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده, ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن وقال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: يقدم ابن الابن على الأب في أحد الوجهين لأنه يسقط تعصيبه ولنا, أن الأب يدلي بنفسه ويلى ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال, بخلاف ابن الابن والأب والأم سواء وكذلك الابن والبنت, والجد أبو الأب وأبو الأم وأم الأب, وأم الأم كلهم سواء ثم من بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا, الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان, بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد الولد الأجداد الأقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني, ثم الإخوة والأخوات لأنهم ولد الأب أو من ولد الأم ثم ولدهم وإن سفلوا, ولا شيء لولد الأخوات إذا قلنا: لا يدخل ولد البنات وإذا تساوت درجتهم فأولاهم ولد الأبوين ويسوي بين ولد الأب وولد الأم لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين, كما في الميراث ثم بعدهم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ويستوي العم من الأب والعم من الأم, وكذلك أبناؤهما ثم على هذا الترتيب ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا القول إنما يخرج في مذهب أحمد على الرواية الثالثة, التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليهم اسم القرابة فأما على الرواية التي اختارها الخرقي وأن القرابة اسم لمن كان من أولاد الآباء, فلا يدخل فيه بنو الأم ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن أقرب القرابة, فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء, ولا يعدوهم ذلك وإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه أعطى لثلاثة من أقرب الناس إليه وإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كالإخوة, فالوصية لجميعهم لأن بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية وإن كانت في الدرجة الثانية جماعة, سوى بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى وإن لم يكمل من الثانية فمن الثالثة فإذا وجد ابن وأخ وعم, فالوصية بينهم أثلاثا وكذلك إن كان ابن وأخوان وإن كان ابن وثلاثة إخوة, دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فإن كان الابن وارثا سقط حقه من الوصية إن لم يجز له, والباقي للإخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة سواء كانوا ممن يرث في الحال, أو لم يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الأم بحال.
مسألة:
قال: [وإن قال: لأهل بيتي أعطي من قبل أبيه وأمه) يعني تعطى أمه وأقاربها الأخوال والخالات, وآباء أمه وأولادهم وكل من يعرف بقرابته والمنصوص عن أحمد, فيما وقفنا عليه التسوية بين هذا اللفظ ولفظ القرابة فإنه قال, في رواية عبد الله: إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته هو بمثابة قوله لقرابتي وحكاه ابن المنذر عن أحمد: وقال أحمد: قال النبي ـ ﷺ ـ : (لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي) فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضا عن الصدقة التي حرمت عليهم, فكان ذوو القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (أذكركم الله في أهل بيتي) قال قلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا, أصله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس وقال القاضي: قال ثعلب: أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم, كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث وذكر القاضي أن أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة ولا أهل بيته وليس هذا بشيء, فإن ولد النبي ـ ﷺ ـ من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذي القربى وهم من أقرب أقاربه, فكيف لا يكونون من أقاربه وقد قال النبي ـ ﷺ ـ لفاطمة وولديها وزوجها: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟) ولو وقف على أقارب رجل, أو أوصى لأقاربه دخل فيه ولده بغير خلاف علمته والخرقي قد عدهم في القرابة بقوله: " لا يجاوز بها أربعة آباء لأن النبي ـ ﷺ ـ لم يجاوز بني هاشم بسهم ذي القربى " فجعل هاشما الأب الرابع, ولا يكون رابعا إلا أن يعد النبي ـ ﷺ ـ أبا لأن هاشما إنما هو رابع النبي ـ ﷺ ـ .
فصل:
وإن وصى لآله فهو مثل قرابته فإن في بعض ألفاظ زيد بن أرقم: من آل رسول الله ـ ﷺ ـ ؟ قال: أصله, وعشيرته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل , والأصل في آل أهل فقلبت الهاء همزة كما قالوا: هرقت الماء وأرقته ومدت لئلا تجتمع همزتان وإن وصى لعترته, فقد توقف أحمد في ذلك وهو في عرف الناس عشيرته الأدنون وولده الذكور والإناث وإن سفلوا فتصرف الوصية إليهم, وبذلك فسره ابن قتيبة قال: ويدل على ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه: نحن عترة النبي ـ ﷺ ـ وبيضته التي تفقأت عنه وقال ثعلب وابن الأعرابي: العترة الأولاد, وأولاد الأولاد ولم يدخلا في ذلك العشيرة والأول أصح وأشهر في عرف الناس مع أنه قد دل على صحته قول أبي بكر رضي الله عنه في محفل من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ فلم ينكره أحد, وهم أهل اللسان فلا يعول على ما خالفه وإن وصى لقومه أو لنسبائه, فقال أبو بكر: هذا بمثابة أهل بيته وقال القاضي: إذا قال: لرحمي أو لأرحامي أو لأنسابي, أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال وقول أبي بكر في المناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف يطلق على من كان من العشيرة التي ينتسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينتسب إلى قبيلة غير قبيلة صاحبه, فليس بمناسب له.
فصل:
وإن وصى لمواليه وله موال من فوق وهم معتقوه, فالوصية لهم لأن الاسم يتناولهم وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم وإن لم يكن له إلا موال من أسفل فهي لهم كذلك وإن اجتمعوا فالوصية لهم جميعا, يستوون فيها لأن الاسم يشمل جميعهم وقال أصحاب الرأي: الوصية باطلة لأنها لغير معين وقال أبو ثور: يقرع بينهما لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقال ابن القاسم: هي للمولى من أسفل ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه كقولنا وقول أصحاب الرأي, والثالث هي للموالي من فوق لأنهم أقوى بدليل أنهم عصبة ويرثونه, بخلاف عتقائه والرابع يقف الأمر حتى يصطلحوا ولنا أن الاسم يتناول الجميع حقيقة وعرفا, فدخلوا في الوصية كما لو وصى لإخوته وقولهم: غير معين غير صحيح فإن مع التعميم يحصل التعيين ولذلك لو حلف: لا كلمت موالي حنث بكلام أيهم كان وقولهم: إن المولى من فوق أقوى قلنا: مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف كإخوته, ولا شيء لابن العم ولا للناصر ولا لغير من ذكرنا لأن الاسم إن لم يتناولهم حقيقة, لم يتناولهم عرفا والأسماء العرفية تقدم على الحقيقة ولا يستحق مولى ابنه مع وجود مواليه وقال زفر: يستحق ولا يصح لأن مولى ابنه ليس بمولى له حقيقة إذا كان له مولى سواه, فإن لم يكن له مولى فقال الشريف أبو جعفر: يكون لموالي أبيه وقال أبو يوسف ومحمد: لا شيء له لأنه ليس بمولى له واحتج الشريف بأن الاسم يتناول موالي أبيه مجازا, فإذا تعذرت الحقيقة وجب صرف الاسم إلى مجازه والعمل به, تصحيحا لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ولأن الظاهر إرادته المجاز لكونه محملا صحيحا, وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد فإن كان له موال وموالي أب حين الوصية ثم انقرض مواليه قبل الموت لم يكن لموالي الأب شيء على مقتضى ما ذكرناه, لأن الوصية كانت لغيرهم فلا تعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد ولا يشبه هذا قوله: أوصيت لأقرب الناس إلى وله ابن وابن ابن, فمات الابن حيث يستحق ابن الابن وإن كان لا يستحق مع حياة الابن شيئا لأن الوصية ها هنا لموصوف بصفة وجدت في ابن الابن, كوجودها في الابن حقيقة وفي المولى يقع الاسم على مولى نفسه حقيقة وعلى مولى أبيه مجازا, فمع وجودهم جميعا لا يحمل اللفظ إلا على الحقيقة وهذه الصفة لا توجد في مولى أبيه قال الشريف: ويدخل في الوصية للموالي مدبره, وأم ولده لأن الوصية إنما تستحق بعد الموت وهم حينئذ موال في الحقيقة.
فصل:
وإن وصى لجيرانه فهم أهل أربعين دارا من كل جانب نص عليه أحمد وبه قال الأوزاعي, والشافعي وقال أبو حنيفة: الجار الملاصق لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (الجار أحق بصقبه) يعني الشفعة وإنما تثبت للملاصق ولأن الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة: الجار الدار والداران وروي عن علي, رضي الله عنه في قول النبي ـ ﷺ ـ : (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) قال: من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة: من سمع الإقامة وقال أبو يوسف: الجيران أهل المحلة إن جمعهم مسجد فإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران, وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران وأما الأمصار التي فيها القبائل, فالجوار على الأفخاذ ولنا ما روي أبو هريرة أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (الجار أربعون دارا, هكذا وهكذا وهكذا وهكذا) وهذا نص لا يجوز العدول عنه إن صح وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب, ويرجع في ذلك إلى العرف.
فصل:
وإن وصى لأهل دربه أو سكته فهم أهل المحلة الذين طريقهم في دربه.
فصل:
وإن وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون من الزكاة, وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية كما لو وصى لثمان قبائل والفرق بين هذا وبين الزكاة, حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان من يجب الدفع إليه ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن أنه قال: لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد, أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف وهو مذهب الشافعي وأصل هذا الاختلاف في الزكاة وقد ذكرناه ولا يجوز الصرف إلا إلى المستحق من أهل بلده وإن وصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وإن أوصى للمساكين دخل فيه الفقراء لأنهم صنف واحد فيما عدا الزكاة إلا أن يذكر الصنفين جميعا, فيدل ذلك على أنه أراد المغايرة بينهما ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداية بأقارب الموصي, على ما ذكرنا في باب الزكاة.
فصل:
وإن أوصى بشيء لزيد وللمساكين فلزيد نصف الوصية وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد: وعن محمد: لزيد ثلثه, وللمساكين ثلثاه لأن أقل الجمع اثنان وقال الشافعي: يكون كأحدهم إن عمهم أعطاه كواحد منهم وإن قسم على ثلاثة منهم جعله كأحدهم وحكى أصحابه وجهين آخرين أحدهما كمذهبنا والثاني له ربع الوصية لأن أقل الجمع ثلاثة, فإذا انضم إليهم صاروا أربعة ولنا أنه جعل الوصية لجهتين فوجب أن يقسم بينهم, كما لو قال: لزيد وعمرو ولأنه لو وصى لقريش وتميم لم يشرك بينهم على قدر عددهم ولا على قدر من يعطى منهم, بل يقسم بينهم نصفين كذلك ها هنا وإن كان زيد مسكينا لم يدفع إليه من سهم المساكين شيء, وبه قال الحسن وإسحاق لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهما إذ الظاهر المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه, ولأن تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع الجميع إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما إن كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم مثل أن يقول: هذا لزيد وإخوته فيحتمل أنه يكون كأحدهم لأنه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الإخلال ببعضهم, فتساووا فيه كما لو قال: هذا لكم ويحتمل أن يكون كالتي قبلها.
فصل:
وإن قال اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه وصى بالشراء, لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لثلاثة لم يجز أن يشتري أقل منها لأنها أقل الجمع وإن قدرت على أن تشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (من أعتق امرأ مسلما, أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار) ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة, بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أولى لأن النبي ـ ﷺ ـ لما سئل عن أفضل الرقاب قال: (أغلاها ثمنا, وأنفسها عند أهلها) والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة, والحج والجهاد وسائر الأحكام, التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه وهذا التفضيل ـ والله أعلم من النبي ـ ﷺ ـ للغالية إنما يكون مع التساوي في المصلحة, فأما إن ترجح بعضهم بدين وعفة وصلاح, ومصلحة له في العتق بأن يكون مضرورا بالرق وله صلاح في العتق, وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة له في العتق وربما تضرر به, من فوات نفقته وكفالته ومصالحه, وعجزه بعد العتق عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن إعتاق من كثرت المصلحة في إعتاقه أفضل وأولى, وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق من في إعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في إعتاق هذا ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة لأن الله تعالى لما قال: {فتحرير رقبة} [النساء: 92]. لم يتناول إلا المسلمة, ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيبا يمنع الإجزاء في الكفارة لما ذكرنا والله أعلم.
فصل:
ونقل المروذي عن أحمد في من أوصى بثلثه في أبواب البر, يجزأ ثلاثة أجزاء جزء في الجهاد وجزء يتصدق به في قرابته وجزء في الحج وقال في رواية أبي داود: الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءا في فداء الأسرى وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد, بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل, وربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق وقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق, وفك أسر وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف, أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجبا وتعبا كان الله قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله, فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل, تحكم لا معني له وإذا قال: ضع ثلثي حيث يريك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملا بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين, والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فإن لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي: يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ, وهذا أحظ ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود, عن أحمد أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج لم يوص لهم بشيء, ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال: وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين, أيعطي إخوته وهم فقراء؟ قال: نعم هم أحق يعطون خمسون درهما لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى.
مسألة:
قال: [وإذا وصى أن يحج عنه بخمسمائة فما فضل رد في الحج) وجملته أنه أوصى أن يحج عنه بقدر من المال, وجب صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لأنه وصى بجميعه في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى به في سبيل الله, وليس للولي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق التصرف في المعاوضة فاقتضى ذلك عوض المثل كالتوكيل في البيع ثم لا يخلو إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة, فيصرف فيها أو ناقصا عنها فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر منصوص أحمد, فإنه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج عنه, ولا تبلغ النفقة فقال: يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي: يعن به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد, أنه مخير في ذلك قال في رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج, أو يحج من حيث يبلغ الحال الثالث أن يفضل عن الحجة فيدفع في حجة ثانية, ثم في ثالثة إلى أن ينفد أو يبقى ما لا يبلغ حجة, فيحج به من حيث يبلغ على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت وقائم مقامه, فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصي به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو تطوعا فإن كان فرضا أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي لحج الفرض, فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه, ثم يحج بالباقي تطوعا حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل وإن كان الثلث أقل, تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس والحسن, وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي, وإسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن: كل واجب من رأس المال وقال ابن سيرين والنخعي, والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري, وأبو حنيفة وداود بن أبي هند: إن وصى بالحج فمن ثلثه, وإلا فليس على ورثته شيء فعلى قولهم إن لم يف الثلث بالموصي به وإلا لم يزد على الثلث لأن الحج عبادة فلا تلزم الوارث, كالصلاة ولنا قول النبي ـ ﷺ ـ : (لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم قال: فدين الله أحق أن يقضى) والدين من رأس المال, فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال, كدين الآدمي وإن كان تطوعا أخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة, ويحج به على ما ذكرنا فيما مضى.
فصل:
وإذا أوصى بحج واجب أو غيره من الواجبات, كقضاء دين وزكاة وإخراج كفارة, لم يخل من أربعة أحوال أحدها أن يوصي بذلك من صلب ماله فهذا تأكيد لما وجب بالشرع, ويحج عنه من بلده وإن لم يف ماله بذلك أخذ ماله كله يدفع في الواجب, كما لو لم يوص الثاني أن يوصي بأداء الواجب من ثلث ماله فيصح أيضا, فإن لم تكن له وصية غير هذه لم تفد شيئا ويؤدى من المال كله, كما لو لم يوص وإن كان قد أوصى بتبرع لجهة أخرى قدم الواجب وإن فضل من الثلث شيء فهو للتبرع, وإن لم يفضل شيء سقطت وإن لم يف الثلث بالواجب أتم من رأس المال هكذا ذكر القاضي وقال أبو الخطاب: يزاحم بالواجب أصحاب الوصايا فيحتمل أنه أراد مثل ما ذكر القاضي ويحتمل أنه أراد أن الثلث يقسم بين الوصايا كلها, الواجب والتبرع بالحصص فما حصل للواجب أتم من رأس المال فيدخله الدور, وتعمل بالجبر فتقول في رجل أوصى بحجة واجبة كفايتها عشرة من ثلثه, ووصى بصدقة تطوع عشرة ومات فلم يخلف إلا ثلاثين فاعزل تتمة الواجب من المال, وهي شيء مجهول وخذ ثلث الباقي عشرة إلا ثلث شيء واقسمه بين الوصيين, لكل واحد خمسة إلا سدس شيء اضمم الشيء الذي عزلته إلى ما حصل للحجة فصار شيئا وخمسة إلا سدس شيء, يعدل عشرة وخذ من الشيء سدسه فاجبر به بعض الخمسة, يبقى خمسة أسداس شيء يعدل خمسه فالشيء إذا ستة, ومتى أخذت ستة من ثلاثين بقي أربعة وعشرون ثلثها ثمانية, لصاحب الصدقة نصفها أربعة وللواجب أربعة مع الستة صار الجميع عشرة, فإن كان عليه أيضا دين خمسة عزلت تتمة الحج شيئا وتتمة الدين نصف شيء, بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شيء واقسمه بين الوصايا فيحصل للحج أربعة إلا خمس شيء, اضمم إليها تتمته يصير شيئا وأربعة إلا خمس شيء يعدل عشرة, وبعد الجبر يصير أربعة أخماس شيء تعدل ستة فرد على الستة ربعها, تصر سبعة ونصفا يعدل شيئا فالشيء سبعة ونصف, ونصف الشيء ثلاثة ونصف وربع وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها واحد وربع, إذا ضممت إليه تتمته كمل خمسة وللحج اثنان ونصف تكمل تتمته, وللصدقة اثنان ونصف وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب خذه من الورثة وصاحب التبرع بالقسط, ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا, ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل للحج أربعة وبقي له ستة, وحصل للدين ديناران وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي لهما من الورثة ثلاثة, ومن صاحب التبرع ثلاثة فيأخذ صاحب الحجة من الورثة أربعة ومن صاحب التبرع دينارين ويأخذ صاحب الدين دينارين من الورثة, ودينارا من صاحب التبرع الثالث أن يوصي بالواجب ويطلق, فهو من رأس المال فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كان ثم وصية تبرع, فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك الوصية بالثلث ولنا أن الحج كان واجبا من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره, فيبقى على ما كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم: لا تملك الوصية إلا بالثلث قلنا: في التبرع فأما في الواجبات فلا تنحصر في الثلث, ولا تتقيد به القسم الرابع أن يوصي بالواجب ويقرن الوصية بالتبرع مثل أن يقول: حجوا عني, وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان أصحهما أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم, ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141]. والأكل غير واجب والإيتاء واجب, ولأنه ها هنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب لا يلزم استواؤهما في محل الإخراج والثاني أنه من الثلث لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث. مسألة: قال: [وإن قال: حجة بخمسمائة فما فضل فهو لمن يحج] وجملته أنه إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال حجة واحدة, وكان فيه فضل عن قدر ما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح, بأن قال: حجوا عني حجة واحدة بخمسمائة وما فضل منها فهو لمن يحج ثم إن عين من يحج عنه فقال: يحج عني فلان بخمسمائة صرف ذلك إليه وإن لم يعين أحدا, فللوصي صرفها إلى من شاء لأنه فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا بإذن الورثة, وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنها لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج الموصي به تطوعا, فجميع القدر الموصي به من الثلث وإن كان واجبا فالزائد عن نفقة المثل يعتبر من الثلث وإن لم يف الموصي به بالحج الواجب أتم من رأس المال وإن كان تطوعا, فإنه يحج به من حيث يبلغ على ما مضى.
فصل:
وإن عين رجلا أن يحج فأبى أن يحج, بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي إلى الورثة ولو قال المعين: اصرفوا الحجة إلى من يحج, وادفعوا الفضل إلى لأنه موصى به لي لم يصرف إليه شيء لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يفعل, لم يوجد الشرط ولم يستحق شيئا.
مسألة:
قال: [وإن قال: حجوا عني حجة فما فضل رد إلى الورثة] أما إذا أوصى بحجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرناه, وإن فضل فضل عن ذلك فهو للورثة وهذا ينبني على أن الحج لا يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه فيه نائب فما ينفق عليه فيما يحتاج إليه, فهو من مال الموصي وما بقي رده على ورثته وإن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي, وليس على النائب إتمام المضي إلى الحج عنه وعلى الرواية الأخرى يجوز الاستئجار عليه فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما يمكن, وما فضل فهو لمن يحج لأنه ملك ما أعطى بعقد الإجارة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله ويلزمه إتمام الحج وإن قال: حجوا عني ولم يقل: حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة واحدة لأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا من يحج عنه, فقال: يحج عني فلان فإنه يدفع إليه قدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره وإن أبى الحج وكان واجبا, استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته به وإن كان تطوعا احتمل بطلان الوصية لأنه عين لها جهة فإذا لم تقبلها بطلت الوصية كما لو قال: بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه ويحتمل أن لا تبطل, ويستناب غيره لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة, كما لو قال: بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع لغيره, ويتصدق به.
فصل:
وإذا أوصى لرجل أن يخرج عنه حجة لم يكن للوصي الحج بنفسه نص عليه أحمد كما لو قال: تصدق على لم يجز أن يتصدق عن نفسه وإن قال: حج عني بما شئت صح وله ما شاء, إلا أن لا يجيز الورثة فله الثلث.
فصل:
إذا أوصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث, ولسعد بثلث ماله فأجاز الورثة أمضيت على ما قال الموصي وإن لم يفضل عن المائة شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالفضل, ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة, وما فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل شيء فلا شيء لعمرو لأنه إنما أوصى له بالزيادة, ولا زيادة ولا تمنع المزاحمة به ولا يعطي شيئا كولد الأب مع الأخ من الأبوين, في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن زيدا إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يجب أن يدخل عليه من النقص بقدر وصيته, كسائر الوصايا وقد ذكرنا نظير هذه المسألة فيما تقدم فإن امتنع زيد من الحج وكانت الحجة واجبة استنيب ثقة غيره في الحج بأقل ما يمكن, وتمام المائة للورثة ولعمرو ما فضل وإن كانت الحجة تطوعا ففي بطلان الوصية بها وجهان, ذكرناهما فيما مضى.
فصل:
وإن أوصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية, ودفع إلى زيد ودفع بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شيء بطلت وصية عمرو وإن مات العبد بعد موت الموصي, أو رد زيد وصيته بطلت ولم تبطل وصية عمرو وهكذا إن مات زيد قبل موت الموصي أو بعده وإن مات العبد قبل موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد, ثم يقوم العبد لو كان حيا فإن بقي من الثلث بعد قيمته شيء فهو لعمرو, وإلا بطلت وصيته ولو قال لأحد عبديه: أنت مدبر ثم قال لآخر: أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول لرجوعه فيه أو خروجه مستحقا أو غير ذلك, فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا.
مسألة:
قال: [ومن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل عمدا أو خطأ, وأخذت الدية فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية في إحدى الروايتين, والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء] اختلفت الرواية عن أحمد في من أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع, فقتل الموصي وأخذت ديته هل للوصي منها شيء أو لا؟ فنقل مهنا عن أحمد, أنه يستحق منها وروي ذلك عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ وهو قول الحسن ومالك ونقل ابن منصور عن أحمد, لا يدخل الدية في وصيته وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور, وداود وهو قول إسحاق وقال مالك: في دية العمد لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت الموصي بدليل أن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه, ولا يجوز أن تجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فكيف يتجدد له ملك؟ فلا يدخل في الوصية لأن الميت إنما يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته ووجه الرواية الأولى, أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها, ولأن بدل أطرافه في حال حياته له فكذلك بدلها بعد موته ولهذا نقضي منها ديونه, ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه وإنما يزول من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت, كمن نصب شبكة فسقط فيها صيد بعد موته فإنه يملك بحيث تقضى ديونه منه ويجهز, فكذلك دينه لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبهت قضاء دينه.
فصل:
وإن كانت الوصية بمعين فعلى الرواية الأولى, يعتبر خروجه من ثلث ماله وديته وعلى الأخرى يعتبر خروجه من أصل ماله دون ديته لأنها ليست من ماله.
فصل:
وإن أوصى, ثم استفاد مالا قبل الموت فأكثر أهل العلم يقولون: إن الوصية تعتبر من جميع ما يخلفه من التلاد والمستفاد ويعتبر ثلث الجميع هذا قول النخعي والأوزاعي, ومالك والشافعي وأبي ثور, وأصحاب الرأي وسواء علم أو لم يعلم وحكي عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة, ومالك لا يدخل في وصيته إلا ما علم إلا المدبر فإنه يدخل في كل شيء ولنا أنه من ماله, فدخل في وصيته كالمعلوم.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى إلى رجل ثم أوصى بعده إلى آخر فهما وصيان, إلا أن يقول: قد أخرجت الأول] معني أوصى إلى رجل أي جعل له التصرف بعد موته فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه, واقتضائها ورد الودائع واستردادها, وتفريق وصيته والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان والمجانين ومن لم يؤنس رشده والنظر لهم في أموالهم بحفظها, والتصرف فيها بما لهم الحظ فيه فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الإخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد, فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافا وبه يقول مالك وأبو حنيفة, والشافعي إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا: للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيبا فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان أحدهما, أن لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب ولنا أن الجد يدلي بواسطة, فأشبه الأخ والعم وفارق الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد, ويخالفه في ميراثه وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال, فلا تلي مال غيرها كالعبد ولأنها لا تلي بولاية القضاء, فكذلك بالنسب إذا ثبت هذا فإنه إذا أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر, فهما وصيان إلا أن يقول: قد أخرجت الأول أو قد عزلته لما ذكرنا فيما إذا أوصى بجارية لبشر ثم أوصى بها لبكر ولأنه قد وجدت الوصية إليهما من غير عزل واحد منهما, فكانا وصيين كما لو أوصى إليهما دفعة واحدة فأما إن أخرج الأول انعزل وكان الثاني هو الوصي, كما لو عزله بعد الوصية إلى الثاني.
فصل:
ويجوز أن يوصي إلى رجل بشيء دون شيء مثل أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته دون غيرها أو بقضاء ديونه, أو بالنظر في أمر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه, وإلى آخر بالنظر في أمر أطفاله فيكون لكل واحد منهم ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشيء لم يصر وصيا في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يصير وصيا في كل ما يملكه الوصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته, فلا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالإذن من جهة الآدمي, فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته, وهي لا تتبعض والإذن يتبعض فافترقا.
فصل:
ويجوز أن يوصي إلى رجلين معا في شيء واحد, ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فيقول: أوصيت إلى كل واحد منكما أن ينفرد بالتصرف لأنه جعل كل واحد منهما وصيا منفردا وهذا يقتضي تصرفه على الانفراد وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين, وليس لواحد منهما الانفراد بالتصرف ولأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده وهاتان الصورتان لا أعلم فيهما خلافا وإن أطلق فقال: أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك, والشافعي وقال: أبو يوسف: له ذلك لأن الوصية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس, فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء: كفن الميت وقضاء دينه وإنفاذ وصيته, ورد الوديعة بعينها وشراء ما لا بد للصغير منه من الكسوة والطعام وقبول الهبة له, والخصومة عن الميت فيما يدعي له أو عليه لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها ولنا أنه شرك بينهما في النظر, فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما, فليست متبعضة كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين ثم يبطل ما قاله بهاتين الصورتين, ويبطل ما قاله أبو حنيفة بهما أيضا وإذا تعذر اجتماعهما أقام الحاكم أمينا مقام الغائب.
فصل:
في من تصح الوصية إليه, ومن لا تصح تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعا ولا تصح إلى مجنون ولا طفل, ولا وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف نعلمه لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على مسلم وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن شريح وبه قال مالك, والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح, وإسحاق والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون ولنا, ما روي أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة فأشبهت الرجل وتخالف القضاء, فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى الأعمى وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه لا تصح الوصية إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه, فلا يوجد فيه معني الولاية وهذا لا يسلم لهم مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة والولاية في النكاح, والولاية على أولاده الصغار فصحت الوصية إليه كالبصير وأما الصبي العاقل فلا أعلم فيه نصا عن أحمد, فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا يصح تصرفه إلا بإذن فلم يكن من أهل الولاية بطريق الأولى ولأنه مولى عليه, فلا يكون واليا كالطفل والمجنون وهذا مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله وقال القاضي: قياس المذهب صحة الوصية إليه لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر وأما الكافر فلا تصح وصية مسلم إليه لأنه لا يلي على مسلم, ولأنه ليس من أهل الشهادة ولا العدالة فلم تصح الوصية إليه كالمجنون والفاسق وأما وصية الكافر إليه, فإن لم يكن عدلا في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم يمنع صحة الوصية إليه فمع الكفر أولى وإن كان عدلا في دينه ففيه وجهان أحدهما تصح الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب, فيلي الوصية كالمسلم والثاني لا تصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق, فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وأما وصية الكافر إلى المسلم فتصح إلا أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا وأما العبد, فقال أبو عبد الله بن حامد: تصح الوصية إليه سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك وقال النخعي والأوزاعي, وابن شبرمة: تصح الوصية إلى عبد نفسه ولا تصح إلى عبد غيره وقال أبو حنيفة: تصح إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف ومحمد, والشافعي: لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون وليا على ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون ولنا أنه يصح استنابته في الحياة, فصح أن يوصى إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن وقد نص الخرقي على أن الوصية إلى أم ولده جائزة نص عليه أحمد أيضا لأنها تكون حرة عند نفوذ الوصية من أصل المال وأما الفاسق فقد روي عن أحمد ما يدل على أن الوصية إليه لا تصح وهو قول مالك والشافعي وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه, فإنه قال في رواية ابن منصور: إذا كان متهما لم تخرج من يده وقال الخرقي: إذا كان الوصي خائنا ضم إليه أمين وهذا يدل على صحة الوصية إليه, ويضم الحاكم إليه أمينا وقال أبو حنيفة: تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل, فصحت الوصية إليه كالعدل ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية, فلم تجز الوصية إليه كالمجنون وعلى أبي حنيفة لا يجوز إقراره على الوصية, فأشبه ما ذكرنا.
فصل:
ويعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين وفي الآخر يعتبر حال الموت حسب, كالوصية له وهو قول بعض أصحاب الشافعي ولنا أنها شروط لعقد فتعتبر حال وجوده, كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة وإن كان وارثا وإنما يعتبر عدم الإرث, وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسألتنا, فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده وعلى الوجه الثاني, لو كانت الشروط كلها منتفية أو بعضها حال العقد ثم وجدت حالة الموت لصحت الوصية إليه.
فصل:
وإذا قال: أوصيت إلى زيد, فإن مات فقد أوصيت إلى عمرو صح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصيا, إلا أن عمرا وصى بعد زيد لأن النبي ـ ﷺ ـ قال في جيش مؤتة: (أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة) والوصية في معني التأمير وإن قال: أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك, فإذا كبر ابنه صار وصيه وعلى هذا لو قال: وصيت لك فان تاب ابني عن فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه, أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد, فهو وصيي صحت الوصية إليه ويصير وصيا عند وجود هذه الشروط.
مسألة:
قال: [وإذا كان الوصي خائنا جعل معه أمين] ظاهر هذا صحة الوصية إلى الفاسق, ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلا فتغيرت حاله إلى الخيانة لم يخرج منها ويضم إليه أمين ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك قال: إذا كان الوصي متهما لم يخرج من يده ونقل المروذي, عن أحمد في من أوصى لرجلين ليس أحدهما بموضع للوصية فقال للآخر: أعطني لا يعطيه شيئا, ليس هذا بموضع للوصية فقيل له: أليس المريض قد رضي به؟ فقال: وإن رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد في إبقائه في الوصية على أن خيانته طرأت بعد الموت فأما إن كانت خيانته موجودة حال الوصية إليه, لم تصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة, والفاسق ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقا فحكمه حكم من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية, زالت ولايته وأقام الحاكم مقامه أمينا هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق وعلى قول الخرقي: لا تزول ولايته ويضم إليه أمين ينظر معه وروي ذلك عن الحسن, وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية فيكون جمعا بين الحقين وإن لم يمكن حفظ المال بالأمين, تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد وأما التفريق بين الفسق الطارئ وبين المقارن فبعيد فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء, سيما إذا كانت لمعني يحتاج إليه في الدوام ولو لم يكن بد من التفريق لكان اعتبار العدالة في الدوام أولى, من قبل أن الفسق إذا كان موجودا حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله, وأوصى إليه راضيا بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق, فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضاه ألا ترى أنه لو أوصى إلى واحد, جاز له التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف.
فصل:
وأما العدل الذي يعجز عن النظر, لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم إليه الحاكم أمينا, ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان قويا, فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يدا أخرى ويكون الأول هو الوصي دون الثاني, وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الوصي وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ولا أعلم لهما مخالفا.
فصل:
وإذا تغيرت حال الوصي بجنون أو كفر, أو سفه زالت ولايته وصار كأنه لم يوص إليه ويرجع الأمر إلى الحاكم, فيقيم أمينا ناظرا للميت في أمره وأمر أولاده من بعده كما لو لم يخلف وصيا وإن تغيرت حاله بعد الوصية وقبل الموت ثم عاد فكان عند الموت جامعا لشروط الوصية, صحت الوصية إليه لأن الشروط موجودة حال العقد والموت فصحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد, فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد الموت فانعزل ثم عاد, فكمل الشروط لم تعد وصيته لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد جديد.
فصل:
ويصح قبول الوصية وردها في حياة الموصي لأنها إذن في التصرف, فصح قبوله بعد العقد كالتوكيل بخلاف الوصية له, فإنها تمليك في وقت فلم يصح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت, كالوصية له ومتى قبل صار وصيا وله عزل نفسه متى شاء, مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته بمشهد منه وفي غيبته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجوز له ذلك بعد الموت بحال, ولا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره وذكر ابن أبي موسى في " الإرشاد " رواية عن أحمد, ليس له عزل نفسه بعد الموت لذلك ولنا أنه متصرف بالإذن فكان له عزل نفسه, كالوكيل.
فصل:
ويجوز أن يجعل للوصي جعلا لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية وقد نقل إسحاق بن إبراهيم, في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهم مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم, ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز لأنه ليس بنائب عنه.
مسألة:
قال: [وإن كانا وصيين فمات أحدهما أقيم مقام الميت أمين] وجملة ذلك, أنه يجوز للرجل الوصية إلى اثنين فمتى أوصى إليهما مطلقا لم يجز لواحد منهما الانفراد بالتصرف, فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله, أقام الحاكم مقامه أمينا لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي منهما وحده فإن أراد الحاكم رد النظر إلى الباقي منهما لم يكن له ذلك وذكر أصحاب الشافعي وجها في جوازه لأن النظر لو كان له لموت الموصي عن غير وصية كان له رده إلى واحد, كذلك ها هنا فيكون ناظرا بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم ولنا, أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده وإن تغيرت حالهما جميعا بموت أو غيره فللحاكم أن ينصب مكانهما وهل له نصب واحد؟ فيه وجهان أحدهما, له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة ما لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد, كذا ها هنا ويفارق ما إذا كان أحدهما حيا لأن الموصي بين أنه لا يرضى بها وحده بخلاف ما إذا ماتا معا والثاني لا يجوز أن ينصب إلا اثنين لأن الموصي لم يرض بواحد, فلم يقتنع به كما لو كان أحدهما حيا فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فمات أحدهما أو خرج من الوصية, لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أمينا لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة إلى غيره وإن ماتا معا أو خرجا عن الوصية, فللحاكم أن يقيم واحدا يتصرف وإن تغيرت حال أحد الوصيين تغييرا لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة ونحو ذلك وكانا ممن لكل واحد منهما التصرف منفردا, فليس للحاكم أن يضم إليهما أمينا لأن الباقي منهما يكفي إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أمينا وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف على الانفراد, فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف عنها أمينا يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين معهما, ولكل واحد منهم التصرف وحده.
فصل:
وإذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما, وجعل في مكان تحت أيديهما جميعا لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك: يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي: يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم: إنما أراد إذا كان كل واحد منهما موصى إليه على الانفراد وقال بعضهم: بل هو عام فيهما ولنا, أن حفظ المال من جملة الموصي به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه, لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه.
فصل:
لا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم, كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة, أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ عثمان وابن مسعود والمقداد, وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن ابن عمر أنه كان وصيا لرجل وفي وصية ابن مسعود: إن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا, أن مرجع وصيتي إلى الله سبحانه ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب أحمد أن ترك الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر, وهو لا يعدل بالسلامة شيئا ولذلك كان يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات أفضل, تحريا للسلامة واجتنابا للخطر وقد روي حديث يدل على ذلك وهو ما روي أن النبي ـ ﷺ ـ قال لأبي ذر: (إني أراك ضعيفا, وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم) أخرجه مسلم.
فصل:
فإن مات رجل لا وصي له, ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ أنه يجوز لرجل من المسلمين أن يتولى أمره, ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه فإن صالحا نقل عنه في رجل بأرض غربة, لا قاضي بها مات وخلف جواري وما لا أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك؟ فقال أما المنافع والحيوان فإن اضطروا إلى بيعه, ولم يكن قاض فلا بأس وأما الجواري فأحب إلى أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج, وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة.
فصل:
وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شيء منه نص عليه أحمد فقال: إذا كان في يده مال للمساكين, وأبواب البر وهو يحتاج إليه فلا يأكل منه شيئا, إنما أمر بتنفيذه وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: إذا قال الموصي: جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت, أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا لأنه يتناوله لفظ الموصي ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك, أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق, وقد فرق في من يستحق فأشبه ما لو دفع إلى أجنبي ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلا, كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز له بيعها من نفسه.
فصل:
وإن وصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم, فعنه روايتان إحداهما يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بأجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده, كما يدفع إلى بعض الورثة والأخرى يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئا مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان للمدين في يديه مال, لم يملك استيفاءه مما في يديه كذا ها هنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا, فللموصي أن يخرج الثلث كله مما في يديه لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس والرواية الثانية محمولة على ما إذا كان المال أجناسا فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس, فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم.
فصل:
إذا علم الوصي أن على الميت دينا إما بوصية الميت أو غيرها, فقال أحمد: لا يقضيه إلا ببينة قيل له: فإن كان ابن الميت يصدقه؟ قال: يكون ذلك في حصة من أقر بقدر حصته وقال في من استودع رجلا ألف درهم وقال: إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان, أو قال: ادفعها إلى أجنبي فقال: إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر, ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلا يقبل قوله عليهم, وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولاية فلا يقبل قوله فيه, ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان على كذا ينبغي للوصي أن ينفذه, ولا يحل له إن لم ينفذه فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعا بين الروايتين, وموافقة للدليل قيل لأحمد: فإن علم الموصي إليه لرجل حقا على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال: لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية, فإن أعطاه القاضي فهو أعلم فإن ادعى رجل دينا على الميت وأقام به بينة فهل يجوز للوصي قبولها, وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم؟ فكلام أحمد يدل على روايتين إحداهما, قال: لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم البينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة له حجة وقال في موضع أخر: إلا أن يثبت بينة عند الحاكم بذلك, فأما إن صدقهم الورثة على ذلك قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم.
مسألة:
قال: [ومن أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين, لا يملك غيرهما وقيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمائة, فلم يجز الورثة أقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان, عتق منه خمسة أسداسه وهو ثلث الجميع وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه لأن جميع ملك الميت خمسمائة درهم, وهو قيمة العبدين فضرب في ثلاثة فأخذ ثلثه خمسمائة فأما إن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان, ضربناه في ثلاثة فصيرناه ستمائة فصار العتق منه خمسة أسداسه وكذلك يفعل في الآخر إذا وقعت عليه القرعة وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة, ليخرج بلا كسر] هذه المسألة دالة على أحكام أربعة منها أن حكم العتق في مرض الموت حكم الوصية لا يجوز منه إلا ثلث المال إلا أن يجيزه الورثة وهذا قول جمهور الفقهاء , وحكي عن مسروق في من أعتق عبده في مرض موته ولا مال له غيره: أجيزه برمته, شيء جعله لله لا أرده وهذا قول شاذ يخالف الأثر والنظر فإنه قد صح (عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته, لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي ـ ﷺ ـ فأقرع بينهم فأعتق اثنين, وأرق أربعة وقال له قولا شديدا) رواه مسلم وأبو داود ولأنه تبرع في مرض موته فأشبه سائر العطايا والصدقات الثاني أن العتق إذا كان في أكثر من واحد, ولم يحملهم الثلث كملنا الثلث في واحد بالقرعة وإن كانوا جماعة كملنا العتق في بعضهم بالقرعة, بدليل حديث عمران بن حصين المذكور الثالث أنه إذا لم يخرج من الثلث إلا جزء من عبد عتق ذلك الجزء خاصة, ورق باقيه على ما سنذكره في العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ الرابع, إثبات القرعة ومشروعيتها بدليل حديث عمران وفعل النبي ـ ﷺ ـ في الأعبد الذين أقرع بينهم فأما كيفية تكميل العتق فإن العبيد إن تساوت قيمتهم, وكان لهم ثلث صحيح كستة أعبد قيمة كل اثنين منهم ثلث المال, جعلنا كل اثنين منهم ثلثا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق كما فعل النبي ـ ﷺ ـ فاللذان يقع لهما سهم الحرية يعتقان, ويرق الآخرون وإن كان فيهم كسر كمسألة الخرقي أقرعت بين العبدين, فأيهما وقعت عليه قرعة الحرية ضربت قيمته في ثلاثة أسهم فمهما بلغ نسبت إليه قيمة العبدين جميعا, فمهما خرج بالنسبة فهو القدر الذي يعتق منه ففي هذه المسألة إذا وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان, ضربتهما في ثلاثة صارت ستمائة ونسبت منها قيمة العبدين معا, وهي خمسمائة تجدها خمسة أسداسها فيعتق منه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر, عتق خمسة أتساعه وتمام شرح ذلك يأتي في باب العتق ـ إن شاء الله تعالى ـ .
مسألة:
قال: [وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ولم يسم العبد, كان له أحدهم بالقرعة إذا كان يخرج من الثلث وإلا ملك منه بقدر الثلث] وجملة ذلك, أن الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه, تصح وقد ذكرنا أن الوصية بالمجهول تصح فيما مضى وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له, فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة ويشبه أن يكون قول إسحاق ونقل ابن منصور أنه يعطي أحسنهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا من العبيد وهو قول الشافعي وقال مالك قولا يقتضي أنه إذا أوصى بعبد, وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال: إذا أوصى بعشر من إبله, وهي مائة يعطي عشرها والنخل, والرقيق والدواب على ذلك والصحيح أنه يعطي عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضي, فلا يعدل عنه ولكن يعطي واحدا بالقرعة لأنه يستحق واحدا غير معين فليس واحد بأولى من واحد, فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم وعلى ما نقل ابن منصور يعطيه الورثة من عبيده ما شاءوا, من صحيح أو معيب جيد أو رديء لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه إلى عبيده وإن لم يكن له إلا عبد واحد تعينت الوصية فيه وكذلك إن كان له عبيد فماتوا كلهم إلا واحدا, تعينت الوصية فيه لتعذر تسليم الباقي وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي أو قتلوا, بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت ولا رقيق له حينئذ وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت الوصية لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم وإن قتلهم قاتل, فللموصي له قيمة أحدهم مبنيا على الروايتين في من يستحقه منهم في الحياة ولو قال: أوصيت لك بعبد من عبيدي ولا عبيد له لم تصح الوصية لأنه أوصى له بلا شيء, فهو كما لو قال: أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه أو بداري ولا دار له فإن اشترى قبل موته عبيدا, احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فلم تصح كما لو قال: أوصيت لك بما في كيسي ولا شيء فيه ثم جعل في كيسه شيئا ولأن الوصية تقتضي عبدا من الموجودين له حال الوصية ويحتمل أن تصح, كما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه أو وصى له بثلث عبيده, ثم ملك عبيدا آخرين وقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل قال في مرضه: اعطوا فلانا من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شيء يعطي مائة درهم فلم تبطل الوصية لأنه قصد إعطاءه مائة درهم, وظنها في الكيس فإذا لم تكن في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده, إذا لم يكن له عبيد أن يشتري له من تركته عبد ويعطي إياه. فصل: وإن وصى الرجل بعبد, صحت الوصية ويشتري له عبد أي عبد كان وإن كان له عبيد أعطاه الورثة ما شاءوا, ولا قرعة ها هنا لأنه لم يضف الرقيق إلى نفسه ولا جعله واحدا من عدد محصور فلم يستحق الموصى له أكثر من أقل من يسمى عبدا, كما لو أقر له بعبد قال القاضي: ولهم أن يعطوه ما شاءوا من ذكر أو أنثى والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكرا فإن الله تعالى فرق بين العبيد والإماء بقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور:32]. والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهرا ولأنه في العرف كذلك فإنه لا يفهم من إطلاق اسم العبد إلا الذكر ولو وكله في شراء عبد, لم يكن له شراء أمة فلا تنصرف وصيته إلا إلى الذكر وإن وصى له بأمة أو جارية لم يكن له إلا أنثى, وليس له أن يعطيه خنثى مشكلا لأنه لا يعلم كونه ذكرا ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والأنثى والخنثى.
فصل:
وإن وصى له بشاة من غنمه, فالحكم فيها كالحكم في الوصية بعبد من عبيده ويقع هذا الاسم على الضأن والمعز قال أصحابنا: يتناول الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى لأن الشاة اسم يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي ـ ﷺ ـ : (في أربعين شاة شاة) يريد الذكور والإناث, والصغار والكبار وعندي أنه لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في بلد عرفهم يتناول ذلك فأما من لا يتناول عرفهم إلا الإناث, فإن وصيته لا تتناول إلا ما يسمى في عرفهم لأن ظاهر حاله إرادة ما يتعارفونه وإن وصى بكبش لم يتناول إلا الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز وإن وصى بعشرة من الغنم يتناول عشرة من الذكور والإناث, والصغار والكبار.
فصل:
وإن وصى بجمل لم يكن إلا ذكرا وإن وصى بناقة لم تكن إلا أنثى وإن قال: عشرة من إبل, وقع على الذكر والأنثى جميعا ويحتمل أنه إن قال: عشرة بالهاء فهو للذكور وإن قال عشر, فهو للإناث وكذلك في الغنم لأن العدد في العشرة إلى الثلاثة للمذكر بالهاء وللمؤنث بغيرها, قال الله تعالى: {فسخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام} [الحاقة: 7]. وإن قال: أعطوه بعيرا ففيه وجهان أحدهما هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم له وحده والثاني هو للذكر والأنثى لأنه في لسان العرب يتناولهما جميعا تقول العرب: حلبت البعير تريد الناقة, فالجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالإنسان.
فصل:
وإن وصى له بثور فهو ذكر وإن وصى ببقرة, فهي أنثى وإن وصى بدابة فهي واحدة من الخيل والبغال والحمير يتناول الذكر والأنثى لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك وإن قرن به ما يصرفه إلى أحدهما, مثل إن قال: دابة يقاتل عليها أو يسهم لها انصرف إلى الخيل وإن قال: دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال لأنه لا نسل لها, وخرج منه الذكور كذلك وإن وصى له بحمار فهو ذكر وإن وصى بأتان فهي أنثى وفي جميع ذلك, إذا كان له أعداد من جنس ما وصى له به فعلى قول الخرقي يكون له ذلك بالقرعة, وعلى رواية ابن منصور يعطه الورثة ما شاءوا ولا يستحق, للدابة سرجا ولا للبعير رحلا إلا أن يذكره في الوصية.
فصل:
وإن أوصى بكلب يباح اقتناؤه, صحت الوصية لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع, فتصح في المال وفي غير المال من الحقوق, ولأنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال وإن كان مما لا يباح اقتناؤه, لم تصح الوصية به سواء قال: كلبا من كلابي أو قال من مالي لأنه لا يصح ابتياع الكلب لأنه لا قيمة له, بخلاف الشاة فإن كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل: للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل: للموصى له به ثلثه وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة, وليس في التركة شيء من جنس الموصي به وإن وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فللموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب ثلثها, وجها واحدا لأن ما حصل للورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصى له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله, ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له, أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها, فينبغي أن يقرع بينهم فيه وإن وصى له بكلب وللموصى كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث, فله واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية الأخرى وإن كان له كلب يباح اتخاذه, وكلب للهراش فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كنحو مما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بكلب الهراش, ولا كلب غير الكلاب الثلاثة وفي الوصية بالجرو الصغير وجهان بناء على جواز تربيته للصيد أو للماشية وقد سبق ذكر ذلك ولا تصح الوصية بخنزير ولا بشيء من السباع التي لا تصلح للاصطياد كالأسد, والنمر والذئب لأنها لا منفعة فيها ولا تصح بشيء لا منفعة فيه من غيرها.
فصل:
وإن وصى له بطبل حرب, صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة وإن كان بطبل لهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة به وإن كان مع ذلك إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضا لأن منفعته في الحال معدومة فإن كان يصلح لهما جميعا صحت الوصية به لأن المنفعة قائمة به وإن وصى له بطبل, وأطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر, انصرفت الوصية إلى ما تصح الوصية به وإن كان له طبول تصح الوصية بجميعها فله أخذها بالقرعة أو ما شاء الورثة, على اختلاف الروايتين وإن وصى بدف صحت الوصية به لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) ولا تصح الوصية بمزمار, ولا طنبور ولا عود من عيدان اللهو لأنها محرمة سواء كانت فيه الأوتار أو لم تكن لأنه مهيأ لفعل المعصية دون غيرها, فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار.
فصل:
ولو أوصى له بقوس صحت الوصية فإن فيه منفعة مباحة, سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي, أو قوس يمجرى أو قوس زنبور أو جوخ, أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وإن كانت له هذه جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرف إلى أحدها, انصرف إليه مثل أن يقول: قوسا يندف به أو يتعيش به, أو ما أشبه ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وإن قال: يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق وإن كان الموصى له ندافا لا عادة له بالرمي, أو بندقانيا لا عادة له بالرمي بشيء سواه أو يرمى بقوس غيره لا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به وإن انتفت القرائن, فاختار أبو الخطاب أن له واحدا من جميعها بالقرعة أو ما يختاره الورثة لأن اللفظ يتناول جميعها والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف, ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لم يذكر العربية, ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة بين غير أهلها حتى يصفها فيقول: قوس القطن أو الندف, أو قوس البندق وأما العربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال الموصي غالبا ويعطى القوس معمولة لأنها لا تسمى قوسا إلا كذلك ولا يستحق وترها لأن الاسم يقع عليها دونه وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لأنها لا ينتفع بها إلا به, فكان كجزء من أجزائها.
فصل:
وإن وصى له بعود وله عود لهو وغيره لم تصح الوصية لأن إطلاقها ينصرف إلى عود اللهو, ولا تصح الوصية به لعدم النفع المباح فيه وإن لم يكن له إلا عيدان قسي أو عود يتبحر به أو غيره من العيدان المباحة, صحت الوصية وانصرفت إليها لعدم غيرها وتعينها مع إباحتها وإن وصى له بجرة فيها خمر, صحت الوصية بالجرة وبطلت في الخمر لأن في الجرة نفعا مباحا والخمر لا نفع فيه مباح, فصحت الوصية بما فيه المنفعة المباحة كما لو وصى له بخمر وخل وإن وصى له بخمر في جرة لم تصح لأن الذي أضاف الوصية إليه الخمر ولا تصح الوصية به.
فصل:
وإن وصى له بمعين, فاستحق بعضه أو هلك فله ما بقي منه إن حمله الثلث, وإن وصى له بثلث عبد أو ثلث دار فاستحق الثلثان منه فالثلث الباقي للموصى له وهو قول الشافعي, وأصحاب الرأي لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه الموصى له, كما لو كان شيئا معينا وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقا, فليس له إلا ثلث الباقي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلاثة وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه.
مسألة:
قال: [ومن أوصى له بشيء فلم يأخذه زمانا, قوم وقت الموت لا وقت الأخذ] وجملته أن الاعتبار في قيمة الموصي به وخروجها من الثلث أو عدم خروجها, بحالة الموت لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا فينظر فإن كان الموصي به وقت الموت ثلث التركة, أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فإن زادت قيمته حتى صار معادلا لسائر المال, أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصى له, لا شيء للورثة فيه فإن كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال فإن كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وإن كان ثلثيه, فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد, فليس للموصى له سوى ما كان له حين الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين, فهو للموصى له كله وإن كانت قيمته حين الموت مائتين للموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثه شيئا إلا أن يجيز الورثة وإن كانت قيمته أربعمائة, فللموصى له نصفه لا يزاد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد أو نقص المال أو زاد. فصل: وإن وصى بمعين حاضر, وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب أو استيفاء الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله وظاهر كلام الخرقي أن للوصي ثلث المعين ذكره في المدبر وقيل: لا يدفع إليه شيء لأن الورثة شركاؤه في التركة, فلا يحصل له شيء ما لم يحصل للورثة مثله ولم يحصل لهم شيء وهذا وجه لأصحاب الشافعي والصحيح أن له الثلث لأن حقه فيه مستقر فوجب تسليمه إليه, لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي, وليس تلف المال سببا لاستحقاق الوصية وتسليمها ولا يمنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وإن لم ينتفع الورثة بشيء, كما لو أبرأ معسرا من دين عليه وقال مالك: يخير الورثة بين دفع العين الموصي بها وبين جعل وصيته بثلث المال لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه يؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين, فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة: إن رضيتم بذلك وإلا فعودوا إلى ما كان له أن يوصي به, وهو الثلث ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي فوقع لازما, كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة وإبطال لما عينه فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له, ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين, وكما لو كان المال كله حاضرا أو غائبا إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث المعين الحاضر وكلما اقتضى من دينه شيء أو حضر من الغائب شيء فللموصى له بقدر ثلثه من الموصي به, كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ المعين كله فلو خلف تسعة عينا وعشرين دينا وابنا, ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضى من الدين شيء فللوصي ثلثه, فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمانية عشر فيكمل له التسعة وإن جحد الغريم, أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان الدين تسعة, فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا, كلما استوفى من الدين شيء فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة, وهي ثلث الجميع وإن كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها وأخذ الابن نصفها, وبقي سدسها موقوفا فمتى اقتضى من الدين مثليه كملت الوصية.
فصل:
فإن كان الدين مثل العين, فوصى لرجل بثلثه فلا شيء له قبل استيفاء الوصية فكلما اقتضى منه شيء فله ثلثه, وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر: هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته وهذا قول أهل العراق لأن ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر ولنا أن الورثة شركاؤه في الدين وليس معهم شركة في العين, فلا يختص بما خرج منه دونهم كما لو كان شريكه في الدين وصيا آخر أو كما لو وصى لرجل بالعين, وله ولآخر بالدين فإن المنفرد بوصية الدين لا يختص بما خرج منه له دون صاحبه كذا ها هنا.
فصل:
ولو وصى لرجل بثلث ماله, وله مائتان دينا وعبد يساوي مائة ووصى لآخر بثلث العبد, اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضى من الدين شيء فللموصى له بثلث المال ربعه, وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفى بينهما نصفين فإذا استوفى الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب الثلث ربع المائتين وذلك هو ثلث المال وإن استوفى الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك للموصى له بالثلث ربع المائتين وربع العبد وللموصى له بثلث العبد, ربعه لأن الوصيتين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال وهو ثلاثة أتساع, وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه, وربع العبد لصاحب ثلثه وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها وهذا أسدها, إن شاء الله ألا أننا أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ما له في الوصية وكملنا لهما الثلث وإن أجيز لهما أخذ كل واحد منهما ما بقي من وصيته, وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلث العبد للآخر.
فصل:
وإن خلف ابنين, وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه وهو معسر, ووصى لأجنبي بثلث ماله فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا دينه, ويبقى لهما عليه ثلثه فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماسا, للموصي خمساها أربعة وللابن ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه, وبقي عليه ربعه فإذا استوفى قسم بينهما أخماسا كما قسم العين لأن الوصية بالربع, وهو ثمنان ويبقى ستة أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان, فصار نصيب الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان, فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين بينهما أخماسا وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأن له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة أرباع النصف الذي عليه.
فصل:
ونماء العين الموصي بها إن كان متصلا كالسمن, وتعليم صنعه فهو تابع للعين ويكون للموصى له إذا احتمله الثلث وإن كان منفصلا, كالولد والثمرة في حياة الموصي فهو له يصير إلى ورثته لأنه ملكه وما حدث بعد الموت وقبل القبول, فينبني على الملك في الموصى له والصحيح أنه للورثة والآخر هو للموصى له فيكون النماء لمن الملك له.
مسألة:
قال: [وإذا أوصى بوصايا فيها عتاقة فلم يف الثلث بالكل, تحاصوا في الثلث وأدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ما له في الوصية] أما إذا خلت الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث, ورد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد بقدر ما له من الوصية على مثال مسائل العول إذا زادت الفروض عن المال فلو وصى لرجل بثلث ماله, ولآخر بمائة ولآخر بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير بثلاثين, ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة جمعت الوصايا كلها فوجدتها ثلاثمائة, ونسبت منها الثلث فتجده ثلثها فتعطى كل واحد منهم ثلث وصيته, فلصاحب الثلث ثلث المائة وكذلك لصاحب المائة ويرجع صاحب الخمسين إلى ثلثها, ولفداء الأسير عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان فأما إن كان فيها عتق, فعن أحمد فيها روايتان إحداهما أن يقسم الثلث بين جميع الوصايا بالعتق وغيره سواء ويقسم بينهم على ما ذكرنا وهذا قول ابن سيرين, والشعبي وأبي ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر الوصايا والرواية الثانية, يقدم العتق ويبدأ به فإن فضل منه شيء قسم بين سائر أهل الوصايا على قدر وصاياهم وروي هذا عن عمر, وبه قال شريح ومسروق وعطاء الخراساني, وقتادة والزهري ومالك, والثوري وإسحاق لأن فيه حقا لله تعالى وحقا لآدمي فكان آكد, ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ذلك ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذه من الراهن والمفلس وروي عن الحسن, والشافعي كالروايتين.
فصل:
والعطايا المعلقة بالموت كقوله: إذا مت فأعطوا فلانا كذا أو أعتقوا فلانا ونحوه وصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا في التسوية بين مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها, بخلاف العطايا المنجزة فإنه يقدم الأول منها فالأول لأنها تلزم بالفعل والمؤخرة تلزم بالموت, فتتساوى كلها.
فصل:
وإذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث إعتاقه فإن أبى أجبره الحاكم عليه لأنه حق واجب عليه, فأجبر عليه كتنفيذ الوصية بالعطية فإن أعتقه الوارث أو الحاكم, فهو حر من حين أعتقه لأنه حينئذ عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه, ولهذا لزمهم إعتاقه كرها وإن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق إليه لأنه نائب الموصي في إعتاقه, فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع منه كالوكيل في الحياة.
مسألة:
قال: [ومن أوصى بفرس في سبيل الله وألف درهم تنفق عليه, فمات الفرس كانت الألف للورثة وإن أنفق بعضها رد الباقي إلى الورثة] إنما كان كذلك لأنه عين للوصية جهة, فإذا فاتت عاد الموصى له إلى الورثة كما لو أوصى بشراء عبد زيد يعتق, فمات العبد أو لم يبعه سيده وإن أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس, بطلت الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين فمات أحدهما قبل شرائه قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل, أيجعل في الحج منها شيء؟ فقال: لا إنما يعرف الناس السبيل الغزو.
فصل:
وإذا قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له بالخدمة: لا أقبل الوصية أو قال: قد وهبت الخدمة له لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي وقال مالك: إن وهب الخدمة للعبد, عتق في الحال ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله, كما لو رد الوصية.
فصل:
وإذا أوصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما, فتحاصا في الثلث فأصاب الخال ستة فاضرب الذي أصابه في وصيته, وذلك ستة في عشرة تكن ستين واقسمه على الفاضل بينهما, يخرج بالقسم خمسة عشر فهي الثلث وإن شئت قلت قد أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يبقى من الثلث خمساه, وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلثه, يصر تسعة فهي للذي أصاب العم وإن قال: أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته, وبقي من الثلث نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف, وللعم ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون ونصف والمال كله تسعون وإن قال: أصاب الخال خمس المال, فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون الحاصل للخال خمسا وصيته أيضا وذلك أربعة دنانير ووصية العم مثل ثلثيها, ديناران وثلثان والثلث كله ستة وثلثان والمال كله عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال, وأصاب الخال ستة فهي ثلاثة أخماس وصيته فلكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته, وذلك تسعة أعشار الثلث يبقى منه عشر تعدل ما حصل للعم وهو ستة والثلث ستون وإن أصاب صاحب السدس عشر المال, فقد أصاب صاحب الثلث خمسه يبقى من الثلث أيضا عشره فهو وصية الخال, وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون الثلث ستين كما ذكرنا نوع آخر خلف ثلاثة بنين, ووصى لعمه بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل نصيب أحدهم إلا ربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع, يكن اثني عشر انقصها سهما يبقى أحد عشر, فهي نصيب ابن انقصها سهمين يبقى تسعة, فهي وصية الخال وإن نقصتها ثلاثة بقي ثمانية فهي وصية العم وبالجبر تحمل مع العم أربعة دراهم, ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم دينارا وعلى الدنانير درهما, يبلغ كل واحد منهما نصيبا اجبر وقابل, وأسقط المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم, فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة, كما قلنا وإن أوصى لعمه بعشرة إلا ربع وصية خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس, يكن عشرين انقصها سهما تكن تسعة عشر, فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهما, يبقى ثلاثة اضربها في العشرة ثم فيما مع العم, وهو خمسة يكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر, يخرج سبعة وسبعة عشر جزءا من تسعة عشر فهي وصية عمه, واجعل مع العم خمسة وانقصها سهما واضربها في عشرة, ثم في أربعة تكن مائة وستين واقسمها, تكن ثمانية وثمانية أجزاء فهي وصية خاله طريق آخر تنقص من العشرة ربعها, وتضرب الباقي في العشرين ثم تقسمها على تسعة عشر وتنقص منها خمسها, وتضرب الباقي في عشرين وتقسمها وبالجبر, تجعل وصية الخال ستا ووصية العم عشرة إلا ربع شيء, فخذ خمسها فزده على الشيء وهو سهمان إلا نصف عشر شيء, يعدل عشرة فأسقط المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء, من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها من العشرة بقيت سبعة وسبعة عشر جزءا وإن وصى لعمه بعشرة إلا نصف وصية خاله, ولخاله بعشرة إلا ثلث وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه فوصية عمه ستة وخمسان, ووصية خاله سبعة وخمس ووصية جده ثمانية وخمسان وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض, فتضرب اثنين في ثلاثة في أربعة تكن أربعة وعشرين, تزيدها واحدا تكن خمسة وعشرين فهذا هو المقسوم عليه ثم تنقص من الاثنين واحدا, وتضرب واحدا في ثلاثة ثم تزيدها واحدا وتضربها في أربعة, تكن ستة عشر ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين, واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان فهي وصية العم وانقص الثلاثة واحدا يبقى اثنان واضربها في الأربعة, تكن ثمانية زدها واحدا واضربها في اثنين, ثم في عشرة تكن مائة وثمانين واقسمها على خمسة وعشرين ثم انقص من الأربعة واحدا, واضرب ثلاثة في اثنين ثم زدها واحدا تكن سبعة اضربها في ثلاثة, ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة مقسومة على خمسة وعشرين طريق آخر, تجعل مع العم أربعة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم, ثم تضم إلى ما مع العم دينارا وإلى ما مع الخال درهما وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر, وتسقط المشترك فيصير أربعة أشياء تعدل دينارا ودرهما, فأسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها دينارا أو درهما ثم قابل ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة, وهو ديناران ودرهم مع الخال لثلاثة دراهم وربع درهم, وربع دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي درهمان وربع معادلة للدينار وثلاثة أرباع فابسط الكل أرباعا, تصر سبعة أرباع من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب, واجعل الدراهم سبعة والدينار تسعة ثم ارجع إلى ما فرضت, فتجد مع العم درهما ودينارا بستة عشر ومع الخال ثمانية عشر ومع الجد أحد وعشرون, والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة وخمسان والثمانية عشر سبعة وخمس, والأحد وعشرون ثمانية وخمسان فإن كان معهم أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ, ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم فبهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين, ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الأخ أربعة أفلس ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا, وتجعل الأشياء دينارا ودرهما ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين درهمين وفلسا, ثم تقابل ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين والدراهم أحدا وثلاثين, والدينار أربعة وأربعين فتبين أن ما مع العم خمسة وسبعين ومع الخال ثمانية وثمانين, ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه, صار معه مائة وتسع عشرة وهي العشرة الكاملة فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءا, ووصية الخال سبعة وسبعة وأربعين جزءا ووصية الجد سبعة وسبعة وتسعين جزءا ووصية الأخ ثمانية وثمانية وثمانين جزءا وبطريق الباب, تضرب المخارج بعضها في بعض تكن مائة وعشرين تنقصها واحدا, يبقى مائة وتسعة عشر فهذا المقسوم عليه ثم تنقص الاثنين واحدا, وتضربه في ثلاثة ثم تزيدها واحدا وتضربها في أربعة, تكن ستة عشر تنقصها واحدا وتضربها في خمسة, تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم تقسمها على تسعة عشر, تكن ستة وثلاثين جزءا ثم تنقص الثلاثة واحدا وتضربها في أربعة, وتزيدها واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة وأربعين, تنقصها واحدا وتضربها في اثنين تكن ثمانية وثمانين, فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحدا وتضربها في خمسة, تكن خمسة عشر وتزيدها واحدا وتضربها في اثنين, تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحدا وتضربها في ثلاثة, تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية الجد ثم تنقص الخمسة واحدا وتضربها في اثنين, تكن ثمانية تزيدها واحدا وتضربها في ثلاثة تكن سبعة وعشرين, تنقصها واحدا وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة فهي وصية الأخ وفي ذلك تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم, وتقسمه على تسعة عشر فالخارج بالقسم هو وصيته ولو وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله, ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت وصية العم ثمانية عشر, ووصية الخال ستة عشر وبابها أن تضرب أحد المخرجين في الآخر وتنقصه واحدا, فهو المقسوم عليه ثم تزيد مخرج النصف واحدا وتضربه في مخرج الثلث, ثم في عشرة تكن تسعين مقسومة على خمسة عشر, تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج الثلث واحدا وتضربه في مخرج النصف, ثم في عشرة تكن ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر, ووصى للخال بعشرة وربع وصيته ووصى له بعشرة وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحدا, تكن ثلاثة وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين واحدا, وتضربها في ثلاثة تكن تسعة فزدها واحدا واضربها في أربعة, تكن أربعين ثم في عشرة ثم اقسمها تخرج سبعة عشر, وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا, فتكون وصية الخال أربعة عشر وثمانية عشر جزءا ووصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء وإن شئت بعد ما عملت وصية العم, فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهو وصية الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال في ثلاثة, فهي وصية العم ومتى عرفت ما مع واحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم وهذا القدر من هذا الفن يكفي, فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة, وغيرها أهم منها والله تعالى يوفقنا لما يرضيه إنه على ما يشاء قدير.