الرئيسيةبحث

المغني - كتاب الطلاق

المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي

(الجزء السابع والثلاثون – كتاب الطلاق) •كتاب الطلاق o فصل: الطلاق على خمسة أضرب o مسألة: طلاق السنة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع o فصل: طلاق البدعة يؤثم o فصل: استحباب المراجعة o فصل: إن راجعها وجب إمساكها حتى تطهر واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى o فصل: إن طلق ثلاثًا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره o فصل: إن طلق اثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة o مسألة: إذا قال لها: أنت طالق للسنة وكانت حاملًا أو طاهرًا لم يجامعها فيه o فصل: إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة ويقع عليها طلاق السنة o مسألة: لو قال لها: أنت طالق للبدعة وهي في طهر لم يصبها فيه لم تطلق حتى يصيبها أو تحيض o فصل: إن قال لطاهر: أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل: إن الصفة تلغو ويقع الطلاق o فصل: إن قال: أنت طالق ثلاثًا للسنة o فصل: إذا قال: أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين o فصل: إذا قال: أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة ولم يأثم o مسألة: لو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها: أنت طالق للسنة طلقت من وقتها o فصل: إن قال لصغيرة أو غير مدخول بها: أنت طالق للبدعة o فصل: إذا قال لها في طهر جامعها فيه: أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تطلق o فصل: إن قال: أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة o فصل: إن قال: أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله o فصل: إن قال: أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه o فصل: إن قال أنت طالق طلاق الحرج o مسألة: طلاق الزائل العقل بلا سكر لا يقع o فصل: المغمى عليه إذا طلق o مسألة: طلاق السكران o فصل: الحكم في عتق ونذر وبيع السكران o فصل: حد السكر o مسألة: إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه o فصل: من أجاز طلاق الصبي اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره o فصل: طلاق السفيه o مسألة: من أكره على الطلاق لم يلزمه o فصل: وقوع الطلاق بالإكراه الحق o مسألة: لا يكون مكرهًا حتى ينال بشيء من العذاب o فصل: شروط الإكراه o فصل: إن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه o مسألة: إذا قال: قد طلقتك أو قد فارقتك أو قد سرحتك لزمها الطلاق o فصل: لفظة الإطلاق ليست صريحة في الطلاق o فصل: إن قال: أنت الطلاق o فصل: صريح الطلاق بالعجمية o الفصل الثاني: إذا أتى بالكناية في حال الغضب o فصل: إن أتى بالكناية في حال سؤال الطلاق o مسألة: إذا قال لها: أنت خلية أو أنت برية أو نحو ذلك o فصل: الطلاق يقع بالكنايات من غير نية o فصل: أقسام الكناية o فصل: الطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع الثلاث في ظاهر المذهب o فصل: الألفاظ التي لا تشبه ألفاظ الطلاق ولا كناياته لا توقع الطلاق وإن نواه الزوج o فصل: إن قال: أنا منك طالق o فصل: إن قال: أنا منك بائن أو بريء o مسألة: إذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه o فصل: فإن قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق o فصل: إن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال: يا حفصة فأجابته عمرة فقال: أنت طالق o فصل: إن أشار إلى عمرة فقال: يا حفصة أنت طالق o فصل: إن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال: فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته o فصل: إن لقي امرأته فظنها أجنبية فقال: أنت طالق o فصل: غير الصريح فلا يقع الطلاق به إلا بنية أو دلالة حال o مسألة: لو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا وأراد به الكذب لم يلزمه شيء o فصل: إن قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم أو قيل له: امرأتك طالق؟ فقال: نعم طلقت امرأته وإن لم ينو o فصل: إن قال: حلفت بالطلاق أو قال: على يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى o مسألة: إذا وهب زوجته لأهلها فإن قبلوها فواحدة يملك الرجعة إن كانت مدخولًا بها o فصل: إن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق o مسألة: إذا قال لها: أمرك بيدك فهو بيدها وإن تطاول ما لم يفسخ أو يطأها o فصل: قول لا يقع الطلاق بمجرد قوله ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها o مسألة: إن قالت: اخترت نفسي فواحدة تملك الرجعة o فصل: إذا قال لها: أمرك بيدك o فصل: قوله: اختاري نفسك كناية في حق الزوج يفتقر إلى نية أو دلالة حال o مسألة: إن طلقت نفسها ثلاثًا وقال: لم أجعل إليها إلا واحدة o مسألة: جملة ذلك أنه إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها صح o فصل: إن جعله في يد اثنين أو وكل اثنين في طلاق زوجته صح o فصل: يصح تعليق: أمرك بيدك واختاري نفسك o مسألة: لو خيرها فاختارت فرقته من وقتها وإلا فلا خيار لها o فصل: إذا قال لامرأته: اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام o فصل: إن جعل لها الخيار متى شاءت أو في مدة فلها ذلك في تلك المدة o مسألة: لفظة التخيير لا تقتضي بمطلقها أكثر من تطليقة رجعية o فصل: إن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الأمر لم يقع شيء o فصل: إن قال: أمرك بيدك أو اختاري فقالت: قبلت لم يقع شيء o فصل: إن كرر لفظة الخيار فقال: اختاري اختاري اختاري o فصل: إن قال لزوجته: طلقي نفسك ونوى عددا فهو على ما نوى o فصل: إذا قال: طلقي نفسك طلاق السنة قالت: قد طلقت نفسي ثلاثًا هي واحدة o فصل: جواز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض o فصل: إذا اختلفا فقال الزوج: لم أنو الطلاق بلفظ الاختيار وأمرك بيدك وقالت: بل نويت كان القول قوله o فصل: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام وأطلق فهو ظهار o فصل: إن قال: أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق o فصل: إن قال: أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق o فصل: إن قال: أنت علي كالميتة والدم o مسألة: إذا طلقها بلسانه واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء o فصل: إذا قالت له امرأة من نسائه: طلقني فقال: نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن o فصل: إن قال: أنت طالق إن دخلت الدار ثم قال: إنما أردت الطلاق في الحال لكن سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال o فصل: حكاية الإجماع على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة أنها تطلق طلقتين o فصل: لا يصح استثناء الأكثر o فصل: إن قال: أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة ففيه وجهان o فصل: إن قال: أنت طالق ثلاثًا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان o فصل: يصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق إلا مسألة واحدة o فصل: إذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة تعلق بها ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن o فصل: لو قال: أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال: في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت o فصل: إذا قال: إذا مضت سنة فأنت طالق أو أنت طالق إلى سنة فإن ابتداء السنة من حين حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة o فصل: إن قال: أنت طالق في كل سنة طلقة o فصل: إذا قال: أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر o فصل: إذا قال لها: أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل العشر o فصل: إذا علق طلاقها على شرط مستقبل ثم قال: عجلت لك تلك الطلقة لم تتعجل o فصل: إذا قال: أنت طالق غدا إذا قدم زيد لم تطلق حتى يقدم o فصل: إذا قال: أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت واحدة o فصل: إذا قال: أنت طالق أمس ولا نية له فظاهر كلام أحمد أن الطلاق لا يقع o فصل: إن قال لزوجته: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه o مسألة: إذا قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق فإذا طلقها لزمه اثنتان إذا كانت مدخولًا بها وإن كانت غير مدخول بها لزمته واحدة o فصل: إن قال: عنيت بقولي هذا أنك تكونين طالقًا بما أوقعته عليك ولم أرد إيقاع طلاق سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم؟ o فصل: إن قال: إذا طلقتك فأنت طالق ثم علق طلاقها بشرط مثل قوله: إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بخروجها ثم طلقت بالصفة أخرى o فصل: إن قال لها: كلما طلقتك فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار o فصل: إن قال: كلما طلقتك طلاقًا أملك فيه رجعتك o فصل: إن قال لزوجته: إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا o فصل: الاختلاف في الحلف بالطلاق o فصل: إن قال لامرأتيه: كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان o فصل: إن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال: إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما o فصل: إن قال لإحداهما: إن حلفت بطلاقك فضرتك طالق o فصل: إن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق o فصل: إن قال لزوجته: إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق o فصل: استعمال الطلاق والعتاق استعمال القسم o فصل: التطليق بالمباشرة والصفة o فصل: فروع في فروع الطلاق والتطليق o فصل: لو قال لامرأته: إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده: إن قمت فامرأتي طالق o فصل: متى علق الطلاق على صفات فاجتمعن في شيء واحد وقع بكل صفة ما علق عليها o فصل: إن قال: إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر o مسألة: إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتًا ولم يطلقها حتى مات o فصل: لا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه o فصل: إذا كان المعلق طلاقًا بائنًا فماتت لم يرثها o فصل: إذا حلف ليفعلن شيئًا ولم يعين له وقتًا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي o فصل: إذا قال لامرأته: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ولم يطلقها طلقت o فصل: إن قال لعبده: إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه الوجهان o مسألة: إن قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق o فصل: الحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق o فصل: هذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حرف في الجزاء o فصل: إن قال: إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعًا o فصل: إن قال: أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة o فصل: إذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعًا o فصل: إن قال لأربع: إن حضتن فأنتن طوالق o فصل: إن قال لهن: كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق o فصل: إذا قال لطاهر: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضًا وقع الطلاق o فصل: إن قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق o فصل: إن قال: إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة o فصل: إن قال لامرأتيه: إذا حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان o فصل: إذا كان له أربع نسوة فقال: أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق o فصل: إن قال: إن لم تكوني حاملًا فأنت طالق ولم تكن حاملًا طلقت o فصل: إذا قال: إن كنت حاملًا بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين o فصل: إن قال: كلما ولدت ولدًا فأنت طالق فولدت ثلاثًا دفعة واحدة طلقت ثلاثًا o فصل: إذا قال لامرأته: إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة o فصل: إن حلف لا يكلم إنسانًا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث o فصل: القصد من ترك الكلام الهجران o فصل: إن قال لامرأتيه: إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة رجلًا ففيه وجهان o فصل: إن قال: أنت طالق إن كلمت زيدًا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدًا o فصل: إن قال: إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو: حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث o فصل: إن قال: أنت طالق إن شئت أو: إذا شئت أو: متى شئت o فصل: إن قيد المشيئة بوقت فقال: أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به o فصل: إن قال: أنت طالق إلا أن تشائي أو: يشاء زيد فقالت: قد شئت لم تطلق o فصل: إن قال: أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثًا فلم تشأ أو شاءت أقل من ثلاث طلقت واحدة o فصل: إن قال: أنت طالق لمشيئة فلان أو: لرضاه أو: له طلقت في الحال o فصل: إن قال: أنت طالق إن أحببت أو: إن أردت أو: إن كرهت o فصل: إن قال: أنت طالق -إن شاء الله تعالى- طلقت o فصل: إن قال: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله o فصل: إن قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت o فصل: إن علق الطلاق على مستحيل o فصل: إذا حلف: لا شربت من هذا النهر فاغترف منه وشرب حنث o فصل: لو حلف لا يشتمه ولا يكلمه في المسجد ففعل ذلك في المسجد والمحلوف عليه في غيره حنث o فصل: إذا قال: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فبشرته إحدى زوجاته وهي صادقة طلقت o فصل: إن قال: أول من تقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده: أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق o فصل: إذا حلف يمينًا على فعل بلفظ عام o فصل: إن حلف يمينًا عامة لسبب خاص وله نية حمل عليها o فصل: إن قال: إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان: إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي: لا يحنث o فصل: إذا قال لامرأته: إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها o فصل: إن قال: إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر: لا يحنث o فصل: إن قال لامرأته: إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت o فصل: إن حلف ليرحلن من هذه الدار أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم يحنث o فصل: لو قال: امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث o فصل: إن قال لامرأته: يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة o فصل: إن قال لامرأته: أنت طالق مريضة بالنصب أو الرفع ونوى به وصفها بالمرض في الحال طلقت في الحال o مسألة: إذا قال: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرهًا لم تطلق o فصل: إن قدم مختارًا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها o فصل: إن قال: إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق o فصل: إن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه إليه وأخذه منه قهرًا حنث o فصل: إن قال: إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته ميتًا أو نائمًا أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف طلقت o مسألة: إذا قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان o فصل: إن قال: أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية o فصل: كل طلاق يترتب في الوقوع ويأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من طلقة واحدة o فصل: إن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة o فصل: إن قال: أنت طالق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان o فصل: إن قال: أنت طالق طلقة بعدها طلقة o فصل: إن قال: أنت طالق طالق طالق o فصل: لو قال: أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة o مسألة: إذا قال لغير مدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق لزمه الثلاث o فصل: إن قال: أنت طالق طلقتين ونصفًا فهي عندنا كالتي قبلها يقع الثلاث o فصل: إن قال لغير مدخول بها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار o فصل: إن قال لمدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شيء o مسألة: إذا طلق ثلاثًا وهو ينوي واحدة فهي ثلاث o مسألة: إن طلق واحدة وهو ينوي ثلاثًا فهي واحدة o فصل: إن قال: أنت طالق طلاقًا ونوى ثلاثا وقع o فصل: لو قال: الطلاق يلزمني أو: الطلاق لي لازم فهو صريح o فصل: إن قال: أنت طالق للسنة طلقت واحدة في وقت السنة o فصل: إن قال العجمي: بهشتم لبسيار طلقت امرأته ثلاثًا o فصل: لا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق إلا في موضعين o فصل: إن كتبه بشيء لا يبين مثل أن كتب بأصبعه على وسادة o فصل: إذا كتب لزوجته: أنت طالق ثم استمد فكتب: إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط أو استثناء وكان في حال كتابته للطلاق مريدًا للشرط لم يقع طلاقه في الحال o فصل: لا يثبت الكتاب بالطلاق إلا بشاهدين عدلين o مسألة: إذا قال لها: نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق أو قال لها: أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة وقعت بها واحدة o الفصل الثاني: إذا طلقها نصف تطليقة أو جزءا منها وإن قل o فصل: إن قال: أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة o فصل: إن قال: أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة o فصل: إن قال لأربع نسوة له: أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن طلقة o فصل: إن قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث o فصل: إن قال لنسائه: أنتن طوالق ثلاثا أو: طلقتكن ثلاثًا طلقن ثلاثًا ثلاثًا o مسألة: إن قال لها: شعرك أو ظفرك طالق لم تطلق o فصل: إن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق لا نعلم فيه خلافًا o مسألة: إذا لم يدر أطلق أو لا فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق o مسألة: إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثًا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة o فصل: إذا رأى رجلان طائرًا فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر بالطلاق أنه حمام فطار ولم يعلما لم يحكم بحنث واحد منهما o فصل: إن قال أحدهما: إن كان هذا غرابًا فعبدي حر وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فعبدي حر فطار ولم يعلما لم نحكم بعتق واحد من العبدين o فصل: إن قال: إن كان غرابًا فهذه طالق وإن لم يكن غرابًا فهذه الأخرى طالق فطار ولم يعلم o فصل: إن قال: إن كان غرابًا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابًا فعبيده أحرار وطار ولم يعلم منع من التصرف في الملكين o مسألة: إذا قال لزوجاته: إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن o فصل: إذا قال لنسائه: إحداكن طالق غدًا فجاء غد طلقت واحدة منهن o فصل: إذا قال: امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى بذلك معينة انصرف إليها o مسألة: إذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة o فصل: إذا ذكر أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة فقد تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر o فصل: إن قال: هذه المطلقة قبل منه o مسألة: قال: إن مات قبل ذلك أقرع الورثة وكان الميراث للبواقي منهن o فصل: إن مات بعضهن أو جميعهن قرعنا بين الجميع فمن خرجت القرعة لها حرمناه ميراثها o فصل: إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة o فصل: إذا طلق واحدة من نسائه لا يعينها أو يعينها فأنسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة o فصل: إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله o فصل: لو طلقها ثلاثًا ثم جحد طلاقها لم ترثه o فصل: إذا طلقها ثلاثًا فشهد عليه أربعة أنه وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها صارت بالطلاق أجنبية o مسألة: إذا طلق زوجته أقل من ثلاث فقضت العدة ثم تزوجت غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها وقضت العدة ثم تزوجها الأول فهي عنده على ما بقي من الثلاث o مسألة: إذا كان المطلق عبدًا وكان طلاقه اثنتين لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجًا غيره o فصل: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبيد o فصل: العبد إذا كان نصفه حرًا ونصفه عبدًا يتزوج ثلاثًا ويطلق ثلاث تطليقات o فصل: إذا طلق العبد زوجته اثنتين ثم عتق لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجًا غيره o مسألة: إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين طلقت بثلاث o فصل: إن قال: أنت طالق ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئًا أو نوى واحدة فهي واحدة o فصل: إن قال: أنت طالق أكثر الطلاق أو كله أو جميعه أو منتهاه أو مثل عدد الحصى طلقت ثلاثًا o فصل: إن قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقع طلقتان o فصل: إن قال: أنت طالق طلقة في اثنتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثًا فهي ثلاث o فصل: إن قال: أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان o فصل: إذا قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو: طالق لا أو: طالق طلقة لا ينقص بها عدد طلاقك طلقت واحدة o فصل: إن قال: أنت طالق بعد موتي أو موتك أو مع موتي أو موتك لم تطلق o فصل: في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله o فصل: رجل قال لامرأته: أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم

كتاب الطلاق: الطلاق: حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وأما السنة فما روى (ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض, فسأل عمر رسول الله -ﷺ- عن ذلك فقال له رسول الله -ﷺ-: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر, ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد, وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) متفق عليه في أي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين, فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة, مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح, لتزول المفسدة الحاصلة منه.

فصل:

والطلاق على خمسة أضرب واجب وهو طلاق المولى بعد التربص إذا أبى الفيئة وطلاق الحكمين في الشقاق, إذا رأيا ذلك ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه وقال القاضي: فيه روايتان إحداهما: أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه, فكان حراما كإتلاف المال ولقول النبي -ﷺ-: (لا ضرر ولا ضرار) والثانية, أنه مباح لقول النبي -ﷺ- (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وفي لفظ: (ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق) رواه أبو داود وإنما يكون مبغضا من غير حاجة إليه وقد سماه النبي -ﷺ- حلالا ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها, فيكون مكروها والثالث مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة, وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها والرابع مندوب إليه, وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها, أو تكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا لدينه ولا يأمن إفسادها لفراشه وإلحاقها به ولدا ليس هو منه, ولا بأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق, وفي الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه, أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله, قال الله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} وقال النبي -ﷺ-: (إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناده عن (ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض, ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله -ﷺ- فقال: يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنة, والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء) ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض, وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن أن تكون حاملا فيندم, وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء؟

مسألة:

قال: [وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها] معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله -ﷺ- في الآية والخبرين المذكورين وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه, ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة, مطلق للعدة التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر وقال ابن مسعود: طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع وقال في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} وقال: طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس وفي حديث ابن عمر الذي رويناه: (ليتركها حتى تطهر ثم تحيض, ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس, فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) فأما قوله: ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أنه لا يتبعها طلاقا آخر قبل قضاء عدتها ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جمع الثلاث في طهر واحد قال أحمد: طلاق السنة واحدة, ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وقال أبو حنيفة والثوري: السنة أن يطلقها ثلاثا, في كل قرء طلقة وهو قول سائر الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي -ﷺ- (راجعها, ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) قالوا: وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل, فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها وقوله في حديثه الآخر: " والسنة أن يستقبل الطهر, فيطلق لكل قرء " وروى النسائي بإسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر, في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى, فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا إنما يحصل في حق من لم يطلق ثلاثا وقال ابن سيرين: أن عليا كرم الله وجهه قال: لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق, ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثة, فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وروى ابن عبد البر بإسناده عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها, أو يراجعها إن شاء فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة فيه لأنه ليس فيه جمع الثلاث وأما حديثه الآخر, فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال, حتى قد قال أبو حنيفة: لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى بين الثلاث كان مصيبا للسنة لأنه يكون مرتجعا لها والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها, سقط حكم الطلقة الأولى فصارت كأنها لم توجد ولا غنى به عن الطلقة الأخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته, بخلاف ما إذا لم يرتجعها فإنه مستغن عنها لإفضائها إلى مقصوده من إبانتها فافترقا, ولأن ما ذكروه إرداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث في طهر واحد, وتحريم المرأة لا يزول إلا بزوج وإصابة من غير حاجة فلم يكن للسنة كجمع الثلاث.

فصل:

فإن طلق للبدعة, وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه أثم, ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم, والشيعة قالوا: لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره ولنا حديث ابن عمر, أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي -ﷺ- أن يراجعها وفي رواية الدارقطني قال: (فقلت: يا رسول الله أفرأيت لو إني طلقتها ثلاثا, أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا كانت تبين منك وتكون معصية) وقال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة, فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره رسول الله -ﷺ- ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر, قال: قلت لابن عمر: أفتعتد عليه أو تحتسب عليه؟ قال: نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح لأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق, فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربه, فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك, فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له, أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملكه محله.

فصل:

ويستحب أن يراجعها, لأمر النبي -ﷺ- بمراجعتها وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول الثوري, والأوزاعي والشافعي وابن أبي ليلى, وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى, أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك وداود لظاهر الأمر في الوجوب ولأن الرجعة تجرى مجري استبقاء النكاح, واستبقاؤه ها هنا واجب بدليل تحريم الطلاق ولأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف} فوجب ذلك كإمساكها قبل الطلاق وقال مالك, وداود: يجبر على رجعتها قال أصحاب مالك: يجبر على رجعتها ما دامت في العدة إلا أشهب قال: ما لم تطهر ثم تحيض, ثم تطهر لأنه لا يجب عليه إمساكها في تلك الحال فلا يجب عليه رجعتها فيه ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة, فلم تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر مسها فيه فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة وأما الأمر بالرجعة فمحمول على الاستحباب لما ذكرنا.

فصل:

فإن راجعها, وجب إمساكها حتى تطهر واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي -ﷺ- في حديث ابن عمر الذي رويناه قال ابن عبد البر: ذلك من وجوه عند أهل العلم منها, أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء لأنه المبغي من النكاح ولا يحصل الوطء إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر, واعتبرنا مظنة الوطء ومحله لا حقيقته ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطء, كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبنى على عدتها فأراد رسول الله -ﷺ- قطع حكم الطلاق بالوطء, واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر, أن رسول الله -ﷺ- قال: (مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى, فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها) رواه ابن عبد البر ومنها أنه عوقب على إيقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له وذكر غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها, فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك: لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر, على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} وهذا مطلق للعدة فيدخل في الأمر وقد روى يونس بن جبير, وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن أسلم, وأبو الزبير عن ابن عمر (أن رسول الله -ﷺ- أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق, وإن شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة) وهو حديث صحيح متفق عليه ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب.

فصل:

وإن طلق ثلاثا بكلمة واحدة, وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس, وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو, وابن مسعود وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس, وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار, يقولون: من طلق البكر ثلاثة فهي واحدة وروى طاوس عن ابن عباس قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله -ﷺ- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة) رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير, وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث, عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضا أبو داود وأفتى ابن عباس بخلاف ما رواه عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر: أرأيت لو طلقتها ثلاثا وروى الدارقطني, بإسناده عن عبادة بن الصامت قال: (طلق بعض آبائي امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله -ﷺ- فقالوا: يا رسول الله, إن أبانا طلق أمنا ألفا فهل له مخرج؟ فقال: إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة, وتسعمائة وسبعة وتسعون إثما في عنقه) ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الأملاك فأما حديث ابن عباس, فقد صحت الرواية عنه بخلافه وأفتى أيضا بخلافه قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس, بأي شيء تدفعه؟ فقال: أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس من وجوه أنها ثلاث وقيل: معنى حديث ابن عباس, أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله -ﷺ- وأبي بكر وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد رسول الله -ﷺ- وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله -ﷺ- ويفتي بخلافه.

فصل:

وإن طلق اثنتين في طهر, ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لأنه لم يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم, ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة تحصل بها فكان مكروها كتضييع المال.

مسألة:

قال: [وإذا قال لها: أنت طالق للسنة وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه, فقد وقع الطلاق وإن كانت حائضا لزمها الطلاق إذا طهرت, وإن كانت طاهرة مجامعة فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق] وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته: أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة, فإن كانت طاهرا غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه وكذلك إن كانت حاملا قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن الحمل طلاقها للسنة وقال أحمد: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه: (ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) أخرجه مسلم وغيره فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل, فطلاق السنة ما وافق الأمر ولأن مطلق الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم, وليست مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها فإذا قال لها: أنت طالق للسنة في هاتين الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها, فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم تقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال: أنت طالق في النهار فإن كانت في النهار طلقت, وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة, طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا كله مذهب الشافعي وأبي حنيفة, ولا أعلم فيه مخالفا فإن أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر, لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي, ولا أعلم فيه مخالفا.

فصل:

إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة ويقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره, لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء وتصلي أو يخرج عنها وقت صلاة لأنه متى لم يوجد, فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا أنها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض والدليل على أنها طاهر, أنها تؤمر بالغسل ويلزمها ذلك ويصح منها, وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولأن في حديث ابن عمر: (فإذا طهرت, طلقها إن شاء) وما قاله غير صحيح فإننا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل, ولا صح منها.

مسألة:

قال: [ولو قال لها: أنت طالق للبدعة وهي في طهر لم يصبها فيه لم تطلق حتى يصيبها أو تحيض] هذه المسألة عكس تلك فإنه وصف الطلقة بأنها للبدعة إن قال ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه, وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض, وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شيء عليها, وإن أولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وإن أصابها, واستدام ذلك فسنذكرها أيضا -إن شاء الله تعالى- فيما بعد.

فصل:

فإن قال لطاهر: أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل: إن الصفة تلغو ويقع الطلاق لأنه وصفها بما لا تتصف به, فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق في الحال ثلاثا لأن ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة الأخرى وإن قال لحائض: أنت طالق للسنة في الحال, لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به وإن قال: أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال, بناء على ما سنذكره.

فصل:

وإن قال: أنت طالق ثلاثا للسنة فالمنصوص عن أحمد أنها تطلق ثلاثا إن كانت طاهرا طهرا غير مجامعة فيه وإن كانت حائضا, طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وأبو الخطاب: هذا على الرواية التي قال فيها: إن جمع الثلاث يكون سنة فأما على الرواية الأخرى, فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين وقد أنكر أحمد هذا, فقال في رواية مهنا: إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا للسنة قد اختلفوا فيه فمنهم من يقول: يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى, وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل أن أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق, كما لو قال لحائض: أنت طالق في الحال للسنة وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا, قال: يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله: للسنة وقال أبو حنيفة: يقع في كل قرء طلقة وإن كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبناه على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الأطهار, وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث إن قال: أردت بقولي: للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه وإن قال: أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضا لأنه مذهب طائفة من أهل العلم, وقد ورد به الأثر فلا يبعد أن يريده وقال أصحابنا: يدين وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين: أحدهما لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة والثاني يقبل لما قدمنا فإن كانت في زمن البدعة, فقال: سبق لساني إلى قول: للسنة ولم أرده وإنما أردت الإيقاع في الحال وقع في الحال لأنه مالك لإيقاعها, فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه.

فصل:

إذا قال: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة إلى الحال الأخرى لأنه سوى بين الحالين, فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال طلقة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض فيقع طلقتان ويحتمل أن تقع طلقة وتتأخر اثنتان إلى الحال الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل, ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك, فيتأخر إلى الحال الأخرى فإن قيل: فلم لا يقع من كل طلقة بعضها ثم تكمل فيقع الثلاث؟ قلنا: متى أمكنت القسمة من غير تكسير, وجب القسمة على الصحة وإن قال: نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال طلقتان وتأخرت الثالثة وإن قال: طلقتان للسنة, وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال وإن أطلق, ثم قال: نويت ذلك فإن فسر نيته بما يوقع في الحال طلقتين قبل لأنه مقتضى الإطلاق ولأنه غير متهم فيه وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة, ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان أظهرهما أنه يقبل لأن البعض حقيقة في القليل والكثير, فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل والثاني لا يقبل لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الإطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال: أنت طالق ثلاثا, بعضها للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أنه لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم يسو بين الحالين, والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة, أو سائرها للبدعة.

فصل:

إذا قال: أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة ولم يأثم لأنه لم يقصده وإن قال: أنت طالق إذا قدم زيد للسنة فقدم في زمان السنة, طلقت وإن قدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت إلى زمان السنة وقع, ويصير كأنه قال حين قدم زيد: أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع إلا عليها وإن قال لها: أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبل أن يدخل بها طلقت عند قدومه, حائضا كانت أو طاهرا لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وإن قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم في زمن البدعة, لم تطلق حتى يجيء زمن السنة لأنها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وإن قال لامرأته: أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمان السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة.

مسألة:

قال: [ولو قال لها, وهي حائض ولم يدخل بها: أنت طالق للسنة طلقت من وقتها لأنه لا سنة فيه ولا بدعةي قال ابن عبد البر: أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها أما غير المدخول بها, فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء إنما كان له سنة وبدعة لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض, وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه أما غير المدخول بها, فلا عدة عليها تنفي تطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغيرة التي لم تحض والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال, ولا تحمل فترتاب وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي, وكثير من أهل العلم فإذا قال لإحدى هؤلاء: أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت الطلقة في الحال ولغت الصفة لأن طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال: أنت طالق ولم يزد وكذلك إن قال: أنت طالق للسنة والبدعة أو قال: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به بقوله عليه السلام: " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " وهو أيضا ظاهر كلام أحمد, فإنه قال: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها إلى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة, كالطاهر من الحيض من غير مجامعة ويتفرع من هذا أنه لو قال لها: أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة, كالحيض.

فصل:

وإن قال لصغيرة أو غير مدخول بها: أنت طالق للبدعة ثم قال: أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما: أنتما طالقتان للسنة وقال: أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي أحدهما, لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر فأشبه ما لو قال: أنت طالق ثم قال: أردت إذا دخلت الدار والثاني: يقبل وهو الأشبه بمذهب أحمد لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل: كما لو قال: أنت طالق, أنت طالق وقال: أردت بالثانية إفهامها.

فصل:

وإذا قال لها في طهر جامعها فيه: أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تطلق لأنه وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة, فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك إن استبان حملها, لم يقع أيضا إلا على قول من جعل طلاق الحامل طلاق سنة فإنه ينبغي أن يقع لوجود الصفة, كما لو حاضت ثم طهرت.

فصل:

فإن قال: أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة وإن لم تكن في زمن السنة, انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن قال: أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة, وقع وإلا لم يقع بحال فإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين أحدهما, لا يقع في المسألتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن هاشمية والثاني, تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغي ووقع الطلاق, كما لو قال: أنت طالق للسنة والأول أشبه وللشافعية وجهان كهذين.

فصل:

فإن قال: أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أعدله, أو أكمله أو أتمه أو أفضله, أو قال: طلقة حسنة أو جميلة أو عدلة أو سنية كان ذلك كله عبارة عن طلاق السنة وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن: إذا قال: أعدل الطلاق أو أحسنه, ونحوه كقولنا وإن قال: طلقة سنية أو عدلة وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت, فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية أو قال لها: أنت طالق للسنة أوالبدعة ولنا, أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقا للسنة مطابقا للشرع, فهو كقوله: أحسن الطلاق وفارق قوله: طلقة رجعية لأن الرجعة لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال: نويت بقولي: أعدل الطلاق وقوعه في حال الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة, ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ وإن كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين, كما تقدم.

فصل:

فإن عكس فقال: أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه, أو أفحشه أو أنتنه أو أردأه حمل على طلاق البدعة, فإن كانت في وقت البدعة وإلا وقف على مجيء زمان البدعة وحكي عنأبي بكر أنه يقع ثلاثا إن قلنا: إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعتي الطلاق, فيكون أقبح الطلاق وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول: إنما أردت أن طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال وإن قال: أردت بذلك طلاق السنة, ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل لأن لفظه لا يحتمله وإن قال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال لأنه وصفها بصفتين متضادتين, فلغيا وبقي مجرد الطلاق فإن قال: أردت أنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبيحة لإضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك, وقبيحة لكونها في زمان البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق عنه دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين.

فصل:

فإن قال أنت طالق طلاق الحرج فقال القاضي: معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق والإثم, فكأنه قال: طلاق الإثم وطلاق البدعة طلاق إثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثا لأن الحرج الضيق, والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع إليه, هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه إثم, فيجتمع عليه الأمران: الضيق والإثم وإن قال: طلاق الحرج والسنة كان كقوله: طلاق البدعة والسنة. مسألة: قال: [وطلاق الزائل العقل بلا سكر لا يقع] أجمع أهل العلم على العلم أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه, لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي وسعيد بن المسيب, والحسن والنخعي والشعبي وأبو قلابة, وقتادة والزهري ويحيى الأنصاري, ومالك والثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه لا طلاق له وقد ثبت أن النبي -ﷺ- قال: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم, وعن المجنون حتى يفيق) وروي عن أبي هريرة عن النبي -ﷺ- أنه قال: (كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله) رواه النجاد وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان, وهو ذاهب الحديث وروي بإسناد عن علي مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال عقله لجنون, أو إغماء أو نوم أو شرب دواء, أو إكراه على شرب خمر أو شرب ما يزيل عقله شربه ولا يعلم أنه مزيل للعقل, فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا فأما إن شرب البنج ونحوه مما يزيل عقله, عالما به متلاعبا فحكمه حكم السكران في طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي, وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها ولنا أنه زال عقله بمعصية فأشبه السكران.

فصل:

قال أحمد, في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق علم أنه كان مغمى عليه وهو ذاكر لذلك, فقال: إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه يجوز طلاقه وقال, في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له بعدما أفاق: إنك طلقت امرأتك فقال: أنا أذكر إني طلقت, ولم يكن عقلي معي فقال: إذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به وهذا, والله أعلم في من جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه, فأما من كان جنونه لنشاف أو كان مبرسما فإنه يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية, فلا يضره ذكره للطلاق -إن شاء الله تعالى-.

مسألة:

قال: [وعن أبي عبد الله -رحمه الله- في السكران روايات رواية يقع الطلاق ورواية لا يقع ورواية يتوقف عن الجواب, ويقول: قد اختلف فيه أصحاب رسول الله] -ﷺ- أما التوقف عن الجواب فليس بقول في المسألة إنما هو ترك للقول فيها, وتوقف عنها لتعارض الأدلة فيها وإشكال دليلها ويبقى في المسألة روايتان: إحداهما, يقع طلاقه اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء, ومجاهد والحسن وابن سيرين, والشعبي والنخعي وميمون بن مهران, والحكم ومالك والثوري, والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وابن شبرمة وأبي حنيفة, وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي -ﷺ-: (كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه) ومثل هذا عن علي, ومعاوية وابن عباس قال ابن عباس: طلاق السكران جائز, إن ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر, فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي, وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت: إن خالدا يقول: إن الناس انهمكوا في الخمر, وتحاقروا العقوبة فقال عمر: هؤلاء عندك فسلهم فقال على: نراه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي, ولأنه إيقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحي, ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون والرواية الثانية, لا يقع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز والقاسم وطاوس, وربيعة ويحيى الأنصاري والليث, والعنبري وإسحاق وأبي ثور, والمزني قال ابن المنذر: هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفه وقال أحمد: حديث عثمان أرفع شيء فيه وهو أصح يعني من حديث علي, وحديث الأعمش منصور لا يرفعه إلى علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون, والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره, ولأن العقل شرط للتكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعدا, ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة, ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قتله وسرقته, فهو كمسألتنا.

فصل:

والحكم في عتقه ونذره وبيعه, وشرائه وردته وإقراره, وقتله وقذفه وسرقته, كالحكم في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد في بيعه وشرائه الروايات الثلاث وسأله ابن منصور: إذا طلق السكران أو سرق أو زنى, أو افترى أو اشترى أو باع فقال: أجبن عنه, لا يصح من أمر السكران شيء وقال أبو عبد الله بن حامد: حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه فأما فيما له وعليه كالبيع والنكاح, والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شيء وقد أومأ إليه أحمد, والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته فيما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح تصرف له.

فصل:

وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه, ولا يعرف رداءه من رداء غيره ونعله من نعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: استقرئوه القرآن, أو ألقوا رداءه في الأردية فإن قرأ أم القرآن أو عرف رداءه, وإلا فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفى على المجنون فعليه أولى.

مسألة:

قال: [وإذا عقل الصبي الطلاق, فطلق لزمه] وأما الصبي الذي لا يعقل فلا خلاف في أنه لا طلاق له وأما الذي يعقل الطلاق, ويعلم أن زوجته تبين به وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع اختارها أبو بكر, والخرقي وابن حامد وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء, والحسن والشعبي وإسحاق وروى أبو طالب, عن أحمد: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك, وحماد والثوري وأبي عبيد, وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز وروي نحو ذلك عن ابن عباس لقول النبي -ﷺ-: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الأولى قوله عليه السلام: (الطلاق لمن أخذ بالساق) وقوله: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله) وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم منه أن فائدته أن لا يطلقوا ولأنه طلاق من عاقل صادف محل الطلاق, فوقع كطلاق البالغ.

فصل:

ومن أجاز طلاق الصبي اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه أحمد, فقال في رجل قال لصبي: طلق امرأتي فقال: قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق فقيل له: فإن كانت له زوجة صبية فقالت: صير أمري إلى فقال لها: أمرك بيدك فقالت: قد اخترت نفسي فقال أحمد: ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق وقال أبو بكر: لا يصح أن يوكل حتى يبلغ وحكاه عن أحمد ولنا أن من صح تصرفه في شيء مما تجوز الوكالة فيه بنفسه, صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي عن أحمد من منع ذلك, فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه -إن شاء الله تعالى-.

فصل:

فأما السفيه فيقع طلاقه, في قول أكثر رأي أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي, وأبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد, والحجر عليه في ماله لا يمنع تصرفه في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس.

مسألة:

قال: [ومن أكره على الطلاق لم يلزمه] لا تختلف الرواية عن أحمد, أن طلاق المكره لا يقع وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس, وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة, والحسن وجابر بن زيد وشريح, وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز, وابن عون وأيوب السختياني ومالك, والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور, وأبو عبيد وأجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي, والزهري والثوري وأبو حنيفة وصاحباه لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه, فينفذ كطلاق غير المكره ولنا قول النبي -ﷺ-: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ, والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: (لا طلاق في إغلاق) رواه أبو داود والأثرم, قال أبو عبيد والقتيبي: معناه: في إكراه وقال أبو بكر: سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا: يريد الإكراه لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا ولأنه قول حمل عليه بغير حق, فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها.

فصل:

وإن كان الإكراه بحق نحو إكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص إذا لم يفيئ, وإكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق وقع الطلاق لأنه قول حمل عليه بحق, فصح كإسلام المرتد إذا أكره عليه ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه, فلو لم يقع لم يحصل المقصود.

مسألة:

قال: [ولا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب مثل الضرب أو الخنق أو عصر الساق وما أشبه ولا يكون التواعد إكراها] أما إذا نيل بشيء من العذاب, كالضرب والخنق والعصر, والحبس والغط في الماء مع الوعيد فإنه يكون إكراها بلا إشكال, لما روي أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك فأعطاهم, فانتهى إليه النبي -ﷺ- وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول: (أخذك المشركون فغطوك في الماء, وأمروك أن تشرك بالله ففعلت فإن أخذوك مرة أخرى, فافعل ذلك بهم) رواه أبو حفص بإسناده وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أجعته أو ضربته, أو أوثقته وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه, هو ما ورد في حديث عمار وفيه أنهم: " أخذوك فغطوك في الماء " فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله والرواية الثانية أن الوعيد بمفرده إكراه قال في رواية ابن منصور: حد الإكراه إذا خاف القتل, أو ضربا شديدا وهذا قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه, ولا يخشى من وقوعه وإنما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد, ولأنه متى توعده بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له الفعل, أفضى إلى قتله وإلقائه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالإكراه شيئا لأنه إذا طلق في هذه الحال, وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره, وثبوت الإكراه في حق من نيل بشيء من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره وقد روي عن عمر رضي الله عنه في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل, وقالت: طلقني ثلاثا وإلا قطعته فذكرها الله والإسلام, فقالت: لتفعلن أو لأفعلن فطلقها ثلاثا فرده إليها رواه سعيد بإسناده وهذا كان وعيدا.

فصل:

ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور أحدها: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه وحكي عنالشعبي: إن أكرهه اللص, لم يقع طلاقه وإن أكرهه السلطان وقع قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا, وقد قال النبي -ﷺ- لعمار: (إن عادوا فعد) ولأنه إكراه فمنع وقوع الطلاق كإكراه اللصوص الثاني, أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه الثالث أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا, كالقتل والضرب الشديد والقيد, والحبس الطويل فأما الشتم والسب, فليس بإكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به, فليس بإكراه وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه, وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره وإن توعد بتعذيب ولده, فقد قيل: ليس بإكراه لأن الضرر لا حق بغيره والأولى أن يكون إكراها لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله والوعيد بذلك إكراه, فكذلك هذا.

فصل:

وإن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وإن أكره على طلقة, فطلق ثلاثا وقع أيضا لأنه لم يكره على الثلاث وإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها وإن خلصت نيته في الطلاق دون دفع الإكراه, وقع لأنه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى إلا مجرد النية, فلا يقع بها طلاق وإن طلق ونوى بقلبه غير امرأته أو تأول في يمينه, فله تأويله يقبل قوله في نيته لأن الإكراه دليل له على تأويله وإن لم يتأول وقصدها بالطلاق لم يقع لأنه معذور وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لأنه لا مكره له على نيته ولنا, أنه مكره عليه فلم يقع لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال, فتفوت الرخصة.

مسألة:

قال: [وإذا قال: قد طلقتك أو قد فارقتك أو قد سرحتك لزمها الطلاق] هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ الطلاق, والفراق والسراح وما تصرف منهن وهذا مذهب الشافعي وذهب أبو عبد الله بن حامد, إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وحده وما تصرف منه لا غير وهو مذهب أبي حنيفة ومالك, إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النية وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه, كلفظ الطلاق قال الله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال: {فأمسكوهن بمعروف} وقال سبحانه: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} وقال سبحانه: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} وقول ابن حامد أصح فإن الصريح في الشيء ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيدا, ولفظة الفراق والسراح إن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقال: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق, على أن قوله: {أو فارقوهن بمعروف} لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله: {أو تسريح بإحسان} ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق, فإنه مختص بذلك سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح فعلى كلا القولين, إذا قال: طلقتك أو أنت طالق أو مطلقة وقع الطلاق من غير نية وإن قال: فارقتك أو: أنت مفارقة, أو سرحتك أو أنت مسرحة فمن يراه صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يره صريحا لم يوقعه به, إلا أن ينويه فإن قال: أردت بقولي: فارقتك أي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي أو سرحتك من يدي, أو شغلي أو من حبسي أو أي سرحت شعرك قبل قوله وإن قال: أردت بقولي: أنت طالق أي: من وثاقي أو قال: أردت أن أقول: طلبتك فسبق لساني, فقلت: طلقتك ونحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى فمتى علم من نفسه ذلك, لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه قال أبو بكر: لا خلاف عن أبي عبد الله أنه إذا أراد أن يقول لزوجته: اسقيني ماء فسبق لسانه فقال: أنت طالق أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه, أنه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال: أرجو أن يكون الأمر فيه واسعا وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فإن كان في حال الغضب, أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه, فكانت دعواه مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وإن لم تكن في هذه الحال فظاهر كلام أحمد, في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد, والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد, فقيل: كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال: أردت بالثانية إفهامها وقال القاضي: فيه روايتان هذه التي ذكرنا, قال: وهي ظاهر كلام أحمد والثانية لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم, كما لو أقر بعشرة ثم قال: زيوفا أو صغارا, أو إلى شهر فأما إن صرح بذلك في اللفظ فقال: طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي, أو سرحتك من يدي فلا شك في أن الطلاق لا يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر أبو بكر في قوله: أنت مطلقة أنه إن نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا, أو من زوج كان قبله لم يكن عليه شيء وإن لم ينو شيئا, فعلى قولين أحدهما يقع والثاني لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة في أحد القولين قال القاضي: والمنصوص عن أحمد, أنه صريح وهو الصحيح لأن هذه متصرفة من لفظ الطلاق فكانت صريحة فيه, كقوله: أنت طالق.

فصل:

فأما لفظة الإطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الاستعمال, فأشبهت سائر كناياته وذكر القاضي فيها احتمالا أنها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت وأفعلت نحو عظمته وأعظمته, وكرمته وأكرمته وليس هذا الذي ذكره بمطرد فإنهم يقولون: حييته من التحية وأحييته من الحياة وأصدقت المرأة صداقا, وصدقت حديثها تصديقا ويفرقون بين أقبل وقبل وأدبر ودبر, وأبصر وبصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون: حمل لما في البطن, وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الأذن وبالكسر لثقل الحمل وها هنا فرق بين حل قيد النكاح وبين غيره, بالتضعيف في أحدهما والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحدا لقيل طلقت الأسيرين, والفرس والطائر فهو طالق, وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم, وهذا مذهب الشافعي.

فصل:

فإن قال: أنت الطلاق فقال القاضي: لا تختلف الرواية عن أحمد في أن الطلاق يقع به نواه أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي فيه وجهان أحدهما, أنه غير صريح لأنه مصدر والأعيان لا توصف بالمصادر إلا مجازا والثاني أن الطلاق لفظ صريح, فلم يفتقر إلى نية كالمتصرف منه وهو مستعمل في عرفهم, قال الشاعر: نوهت باسمي في العالمين ** وأفنيت عمري عاما فعاما فأنت الطلاق وأنت الطلاق ** وأنت الطلاق ثلاثا تمامـا وقولهم: إنه مجاز قلنا: نعم إلا أنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل, فتعين فيه.

فصل:

وصريح الطلاق بالعجمية بهشتم فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي, وأبو حنيفة: هو كناية لا يطلق به إلا بنية لأن معناه خليتك وهذه اللفظة كناية ولنا, أن هذه اللفظة بلسانهم موضوعة للطلاق يستعملونها فيه فأشبهت لفظ الطلاق بالعربية, ولو لم تكن هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح للطلاق وهذا بعيد, ولا يضر كونها بمعنى خليتك فإن معنى طلقتك خليتك أيضا إلا أنه لما كان موضوعا له, يستعمل فيه كان صريحا كذا هذه, ولا خلاف في أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقا كذلك قال الشعبي, والنخعي والحسن ومالك, والثوري وأبو حنيفة وزفر, والشافعي.

الفصل الثاني:

أنه إذا أتى بالكناية في حال الغضب فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق وذكر القاضي وأبو بكر وأبو الخطاب في ذلك روايتين: إحداهما, يقع الطلاق قال في رواية الميموني: إذا قال لزوجته: أنت حرة لوجه الله في الرضى لا في الغضب فأخشى أن يكون طلاقا والرواية الأخرى, ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقول في: اعتدي, واختاري وأمرك بيدك كقولنا في الوقوع واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه به, فلم يقع به الطلاق كحال الرضى ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضى والغضب ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرا, نحو قوله: أنت حرة لوجه الله واعتدى واستبرئي وحبلك على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية وما كثر استعماله لغير ذلك, نحو: اذهبي واخرجي وروحي وتقنعي لا يقع الطلاق به إلا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا وكلام أحمد والخرقي في الوقوع إنما ورد في قوله: أنت حرة وهو مما لا يستعمله الإنسان في حق زوجته غالبا إلا كناية عن الطلاق, ولا يلزم من الاكتفاء بذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال الرضى فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله, والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق, كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب, قوى الظن فصار ظنا غالبا ووجه الرواية الأخرى أن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال فإن من قال لرجل: يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه, كان مدحا له وإن قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما ولو قال: إنه لا يغدر بذمه, ولا يظلم حبة خردل وما أحد أوفى ذمة منه في حال المدح كان مدحا بليغا, كما قال حسان: فما حملت من ناقة فوق رحلها ** أبر وأوفى ذمة من محمد ولو قاله في حال الذم كان هجاء قبيحا كقول النجاشي: قبيلة لا يغدرون بذمة ** ولا يظلمون الناس حبة خردل وقال آخر: كأن ربي لم يخلق لخشيته ** سواهم من جميع الناس إنسانا وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عنحسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم ولولا القرينة ودلالة الحال, كان من أحسن المدح وأبلغه وفي الأفعال لو أن رجلا قصد رجلا بسيف والحال يدل على المزح واللعب لم يجز قتله, ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب ها هنا يدل على قصد الطلاق فيقوم مقامه.

فصل:

وإن أتى بالكناية في حال سؤال الطلاق, فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أتى بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه إلا أن المنصوص عن أحمد ها هنا, أنه لا يصدق في عدم النية قال في رواية أبي الحارث: إذا قال: لم أنوه صدق في ذلك, إذا لم تكن سألته الطلاق فإن كان بينهما غضب قبل ذلك فيفرق بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف إلى السؤال, فلو قال: لي عندك دينار؟ قال: نعم أو: صدقت كان إقرارا به ولم يقبل منه تفسيره بغير الإقرار ولو قال: زوجتك ابنتي أو بعتك ثوبي هذا فقال: قبلت صح وكفي, ولم يحتج إلى زيادة عليه ولو أراد بالكناية حال الغضب أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع, فبالكناية أولى وإذا ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم؟ فظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث أنه يصدق إن كان في الغضب, ولا يصدق إن كان جوابا لسؤال الطلاق ونقل عنه في موضع آخر أنه إذا قال: أنت خلية أو بريئة, أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه أنه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة إلا في الأربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد بإسناده أن رجلا خطب إلى قوم فقالوا: لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال: قد طلقت ثلاثا فزوجوه, ثم أمسك امرأته فقالوا: ألم تقل إنك طلقت ثلاثا؟ قال: ألم تعلموا إني تزوجت فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانة وطلقتها, ثم تزوجت فلانة وطلقتها؟ فسئل عثمان عن ذلك فقال: له نيته ولأنه أمر يعتبر نيته فيه فقبل قوله فيما يحتمله, كما لو كرر لفظا وقال: أردت التوكيد.

مسألة:

[قال أبو عبد الله: وإذا قال لها: أنت خلية أو أنت برية, أو أنت بائن أو حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك فهو عندي ثلاث ولكني أكره أن أفتي به, سواء دخل بها أو لم يدخل] أكثر الروايات عن أبي عبد الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث, وحكى ابن أبي موسى في " الإرشاد " عنه روايتين إحداهما أنها ثلاث والثانية, يرجع إلى ما نواه اختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال: يرجع إلى ما نوى فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة ونحوه قول النخعي, إلا أنه قال: يقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عددا وروى حنبل عن أحمد, ما يدل على هذا فإنه قال: يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها ولو وقع ثلاثا لم يبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها واحتج الشافعي بما روى أبو داود بإسناده (أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي -ﷺ- بذلك, وقال: والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله -ﷺ- والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: آلله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله -ﷺ- فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان) قال علي بن محمد الطنافسي: ما أشرف هذا الحديث ولأن النبي -ﷺ- قال لابنة الجون: " الحقي بأهلك " ولم يكن النبي -ﷺ- ليطلق ثلاثا وقد نهى عن ذلك ولأن الكنايات مع النية كالصريح, فلم يقع به عند الإطلاق أكثر من واحدة كقوله: أنت طالق وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن نوى ثلاثا فثلاث, وإن نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة ولا يقع اثنتان لأن الكناية تقضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى, فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد, وهي لا تقتضيه وقال ربيعة ومالك: يقع بها الثلاث وإن لم ينو إلا في خلع أو قبل الدخول, فإنها تطلق واحدة لأنها تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي زيادة عليها, وفي غيرهما يقع الثلاث ضرورة أن البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قول أصحاب رسول الله -ﷺ- فروي عن علي وابن عمر, وزيد بن ثابت أنها ثلاث قال أحمد في الخلية والبرية والبتة: قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا وقال علي والحسن, والزهري في البائن: إنها ثلاث وروى النجاد بإسناده عن نافع, أن رجلا جاء إلى عاصم وابن الزبير فقال: إن ظئري هذا طلق امرأته ألبتة قبل أن يدخل بها فهل تجدان له رخصة؟ فقالا: لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة, فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فسألهم, فقال أبو هريرة: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وروى النجاد بإسناده أن عمر رضي الله عنه جعل ألبتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات وهذه أقوال علماء الصحابة, ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا ولأنه طلق امرأته بلفظ يقتضي البينونة, فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثا أو نوى الثلاث, واقتضاؤه للبينونة ظاهر في قوله: أنت بائن وكذا في قوله: ألبتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح كله ولذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث, كما قالت امرأة رفاعة إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو القطع أيضا ولذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي -ﷺ- عن التبتل وهو الانقطاع عن النكاح بالكلية وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا كان للفظ معنى, فاعتبره الشرع إنما يعتبر فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث, فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن إيقاع واحدة بائن لأنه لا يقدر على ذلك بصريح الطلاق فكذلك بكناياته, ولم يفرقوا بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا ولأن كل لفظة أوجبت الثلاث في المدخول بها أوجبتها في غيرها, كقوله: أنت طالق ثلاثا فأما حديث ركانة فإن أحمد ضعف إسناده فلذلك تركه وأما قوله عليه السلام لابنة الجون: " الحقي بأهلك " فيدل على أن هذه اللفظة لا تقتضي الثلاث وليست من اللفظات التي قال الصحابة فيها بالثلاث, ولا هي مثلها فيقصر الحكم عليها وقولهم: إن الكناية بالنية كالصريح قلنا: نعم إلا أن الصريح ينقسم إلى ثلاث تحصل بها البينونة, وإلى ما دونها مما لا تحصل به البينونة فكذلك الكناية تنقسم كذلك فمنها ما يقوم مقام الصريح المحصل للبينونة, وهو هذه الظاهرة ومنها ما يقوم مقام الواحدة وهو ما عداها, والله أعلم. فصل: وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد والخرقي أن الطلاق يقع بهذه الكنايات من غير نية كقول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه, فلم تحتج إلى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لقوله: وإذا أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه فمفهومه أن غير الصريح لا يقع إلا بنية ولأن هذا كناية فلم يثبت حكمه بغير نية, كسائر الكنايات.

فصل:

والكناية ثلاثة أقسام ظاهرة وهي ستة ألفاظ خلية وبرية, وبائن وبتة وبتلة, وأمرك بيدك الحكم فيها ما بيناه في هذا الفصل وإن قال: أنت طالق بائن أو ألبتة فكذلك إلا أنه لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح وإن قال: أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها فهي ثلاث قال أحمد: إذا قال لامرأته: أنت طالق لا رجعة فيها, ولا مثنوية هذه مثل الخلية والبرية ثلاثا هكذا هو عندي وهذا قول أبي حنيفة وإن قال: ولا رجعة لي فيها بالواو, فكذلك وقال أصحاب أبي حنيفة: تكون رجعية لأنه لم يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها ولنا أن الصفة تصح مع العطف, كما لو قال: بعتك بعشرة وهي مغربية صح وكان صفة للثمن قال الله تعالى: {إلا استمعوه وهم يلعبون} وإن قال: أنت طالق واحدة بائنا أو واحدة بتة ففيها ثلاث روايات إحداهن أنها واحدة رجعية, ويلغو ما بعدها قال أحمد: لا أعرف شيئا متقدما إن نوى واحدة تكون بائنا وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة, كما لو قال: أنت طالق لا تقع عليك والثانية: هي ثلاث قاله أبو بكر وقال: هو قول أحمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع, ولغا قوله: واحدة كما لو قال: أنت طالق واحدة ثلاثا والثالثة رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته واحدة ألبتة, فإن أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائنا لأنه جعل أمرها بيدها ولو كانت رجعية لما كان أمرها بيدها, ولا احتاجت إلى زيادة في مهرها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها وقال أبو الخطاب: هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون ذلك مثل قول إبراهيم النخعي ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة, فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لأن لفظه لم يقتض عددا فلم يقع أكثر من واحدة, كما لو قال: أنت طالق وحمل القاضي رواية حنبل على أن ذلك بعد انقضاء العدة القسم الثاني مختلف فيها وهي ضربان منصوص عليها, وهي عشرة الحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا سبيل لي عليك وأنت على حرج وأنت علي حرام واذهبي فتزوجي من شئت وغطي شعرك وأنت حرة وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان: إحداهما أنها ثلاث والثانية ترجع إلى ما نواه, وإن لم ينو شيئا فواحدة كسائر الكنايات والضرب الثاني, مقيس على هذه وهي استبرئي رحمك وحللت للأزواج وتقنعي ولا سلطان لي عليك فهذه في معنى المنصوص عليها فيكون حكمها حكمها والصحيح في قوله: الحقي بأهلك أنها واحدة, ولا تكون ثلاثا إلا بنية لأن النبي -ﷺ- قال لابنة الجون: (الحقي بأهلك) متفق عليه ولم يكن النبي -ﷺ- ليطلق ثلاثا وقد نهى أمته عن ذلك قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: إن النبي -ﷺ- قال لابنة الجون: " الحقي بأهلك " ولم يكن طلاقا غير هذا ولم يكن النبي -ﷺ- ليطلق ثلاثا فيكون غير طلاق السنة فقال: لا أدري وكذلك قوله: اعتدي واستبرئي رحمك لا يختص الثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة, كما يكون من الثلاث وقد روى أبو هريرة عن رسول الله -ﷺ- (أنه قال لسودة ابنة زمعة: اعتدي) فجعلها تطليقة وروى هشيم أنبأنا الأعمش عن المنهال بن عمرو أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته تطليقتين, ثم قال: هي على حرج وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: أما إنها ليست بأهونهن وأما سائر اللفظات فإن قلنا: هي ظاهرة فلأن معناها معنى الظاهرة, فإن قوله: لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة أما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان وقوله: أنت حرة, أو أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ها هنا النكاح وقوله: أنت حرام يقتضي بينونتها منه لأن الرجعية غير محرمة وكذلك: حللت للأزواج, لأنك بنت مني وكذلك سائرها وإن قلنا: هي واحدة فلأنها محتملة فإن قوله: حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك إذ لا يمكن حلها قبل ذلك, والواحدة تحلها وكذلك: انكحي من شئت وسائر الألفاظ يتحقق معناها بعد قضاء عدتها القسم الثالث الخفية نحو: اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وأنت مخلاة واختاري ووهبتك لأهلك وسائر ما يدل على الفرقة, ويؤدي معنى الطلاق سوى ما تقدم ذكره فهذه ثلاث إن نوى ثلاثا واثنتان إن نواهما, وواحدة إن نواها أو أطلق قال أحمد: ما ظهر من الطلاق فهو على ما ظهر وما عنى به الطلاق فهو على ما عنى مثل: حبلك على غاربك إذا نوى واحدة, أو اثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى, ومثل: لا سبيل لي عليك وإذا نص في هاتين على أنه يرجع إلى نيته فكذلك سائر الكنايات وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يقع اثنتان وإن نواهما وقع واحدة وقد تقدم ذكر ذلك وإن قال: أنت واحدة فهي كناية خفية, لكنها لا تقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثا لأنها لا تحتمل غير الواحدة وإن قال: أغناك الله فهي كناية خفية لأنه يحتمل: أغناك الله بالطلاق لقول الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}.

فصل:

والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع الثلاث في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا: اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة, فتقع البينونة كقوله: أنت طالق ثلاثا ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد, فوجب أن يكون رجعيا كصريح الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم: إنها تقتضي البينونة قلنا: فينبغي أن تبين بثلاث لأن المدخول بها لا تبين إلا بثلاث أو عوض.

فصل:

فأما ما لا يشبه الطلاق, ولا يدل على الفراق كقوله: اقعدي وقومي وكلي واشربي واقربي وأطعميني واسقيني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية, ولا تطلق به وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية, وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وبهذا قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي في قوله: كلي واشربي فقال بعضهم: كقولنا وقال بعضهم: هو كناية لأنه يحتمل: كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع به كقولنا: ذوقي, وتجرعي ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون} وقال: {فكلوه هنيئا مريئا} فلم يكن كناية, كقوله: أطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فإنه يستعمل في المكاره كقول الله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} {وذوقوا عذاب الحريق} {وذوقوا مس سقر} وكذلك التجرع قال الله تعالى: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما.

فصل:

فإن قال: أنا منك طالق أو جعل أمر امرأته بيدها, فقالت: أنت طالق لم تطلق زوجته نص عليه في رواية الأثرم وهو قول ابن عباس والثوري, وأبي عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وروي ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال مالك, والشافعي: تطلق إذا نوى به الطلاق وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعطاء, والنخعي والقاسم وإسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح, وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية ولنا أنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية, فلم يقع وإن نوى كالأجنبي ولأنه لو قال: أنا طالق ولم يقل: منك لم يقع, ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولأن الرجل مالك في النكاح, والمرأة مملوكة فلم يقع إزالة الملك بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق, ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس: خطأ الله نواها, إن الطلاق لك وليس لها عليك رواه أبو عبيد والأثرم واحتج به أحمد

فصل:

وإن قال: أنا منك بائن أو بريء فقد توقف أحمد فيه قال أبو عبد الله بن حامد: يتخرج على وجهين أحدهما, لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي والثاني, يقع لأن لفظ البينونة والبراءة يوصف بهما كل واحد من الزوجين يقال: بان منها وبانت منه وبرئ منها, وبرئت منه وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما قال الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} وقال تعالى: {يفرقون به بين المرء وزوجه} ويقال: فارقته المرأة وفارقها ولا يقال: طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا وإن قال: أنا بائن ولم يقل: منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها: أمرك بيدك فقالت: أنت بائن ولم تقل: مني أنه لا يقع وجها واحدا وإن قالت: أنا بائن ونوت, وقع وإن قالت: أنت مني بائن فعلى الوجهين فيخرج ها هنا مثل ذلك.

مسألة:

قال: [وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه, أو لم ينوه] قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك ولأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به, من غير نية إذا كان صريحا فيه كالبيع وسواء قصد المزح أو الجد لقول النبي -ﷺ-: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح, والطلاق والرجعة) رواه أبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء, وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد: وهو قول سفيان وأهل العراق فأما لفظ الفراق والسراح, فينبي على الخلاف فيه فمن جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يجعله صريحا لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزلة الكنايات الخفية.

فصل:

فإن قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق أو قال لحماته: ابنتك طالق ولها بنت سوى امرأته أو كان اسم زوجته زينب, فقال: زينب طالق طلقت زوجته لأنه لا يملك طلاق غيرها فإن قال: أردت الأجنبية لم يصدق نص عليه أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته: ابنتك طالق وقال: أردت ابنتك الأخرى, التي ليست بزوجتي فقال: يحنث ولا يقبل منه وقال في رواية أبي داود, في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة فماتت إحداهما, فقال: فاطمة طالق ينوي الميتة فقال: الميتة تطلق قال أبو داود: كأنه لا يصدقه في الحكم وقال القاضي, فيما إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال: إحداكما طالق وقال: أردت الأجنبية فهل يقبل؟ على روايتين وقال الشافعي: يقبل ها هنا, ولا يقبل فيما إذا قال: زينب طالق وقال: أردت أجنبية اسمها زينب لأن زينب لا يتناول الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل آخر وهو أنه لا يطلق غير زوجته أظهر, فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه أما إذا قال: إحداهما فإنه يتناول الأجنبية بصريحه وقال أصحاب الرأي, وأبو ثور: يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله ولنا أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره بها, كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما لو قال: زينب طالق عند الشافعي وما ذكروه من الفرق لا يصح, فإن إحداكما ليس بصريح في واحدة منهما إنما يتناول واحدة لا بعينها وزينب يتناول واحدة لا بعينها, ثم تعينت الزوجة لكونها محل الطلاق وخطاب غيرها به عبث كما إذا قال: إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكنه صرفه عنها دليل, فصار ظاهرا في غيرها ولما قال النبي -ﷺ- للمتلاعنين: " أحدكما كاذب " لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما وحده ولما قال حسان, يعني النبي -ﷺ- وأبا سفيان: فشركما لخيركما الفداء لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وحده وخيرهما النبي -ﷺ- وحده وهذا في الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى, فيدين فيه فمتى علم من نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له, وإن كان غير مقيد ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه, قبل قوله في الحكم لوجود الدليل الصارف إليها وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق, واللفظ يحتملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع به, كما لو نواها.

فصل:

فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال: يا حفصة فأجابته عمرة فقال: أنت طالق فإن لم تكن له نية, أو نوى المجيبة وحدها طلقت وحدها لأنها المطلقة دون غيرها وإن قال: ما خاطبت بقولي: أنت طالق إلا حفصة وكانت حاضرة, طلقت وحدها وإن قال: علمت أن المجيبة عمرة فخاطبتها بالطلاق وأردت طلاق حفصة طلقتا معا, في قولهم جميعا وإن قال: ظننت المجيبة حفصة فطلقتها طلقت حفصة رواية واحدة وفي عمرة روايتان إحداهما, تطلق أيضا وهو قول النخعي وقتادة والأوزاعي, وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت, كما لو قصدها والثانية لا تطلق وهو قول الحسن والزهري, وأبي عبيد قال أحمد في رواية مهنا, في رجل له امرأتان فقال: فلانة أنت طالق فالتفتت فإذا هي غير التي حلف عليها, قال: قال إبراهيم: يطلقان والحسن يقول: تطلق التي نوى قيل له: ما تقول أنت؟ قال: تطلق التي نوى ووجهه أنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه, فقال: أنت طالق وقال أبو بكر: لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق وقال الشافعي: تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها, ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم تعترف بطلاقها وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة عمرة, فإن المنوية تطلق بإرادتها بالطلاق ولو لا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب لا يوجب ولأن الغائبة مقصودة بلفظ الطلاق, فطلقت كما لو علم الحال

فصل:

وإن أشار إلى عمرة فقال: يا حفصة أنت طالق وأراد طلاق عمرة, فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده, فأشبه ما لو أراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بالإشارة إليها, وإضافة الطلاق إليها وحفصة بنيته وبلفظه بها وإن ظن أن المشار إليها حفصة, طلقت حفصة وفي عمرة روايتان كالتي قبلها.

فصل:

وإن لقي أجنبية, ظنها زوجته فقال: فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته, نص عليه أحمد وقال الشافعي: لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها أجنبية, فقال: أنت طالق ولنا أنه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت, كما لو قال: علمت أنها أجنبية وأردت طلاق زوجتي وإن قال لها: أنت طالق ولم يذكر اسم زوجته احتمل وذلك أيضا لأنه قصد امرأته بلفظ الطلاق, واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وإن علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته, طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق.

فصل:

وإن لقي امرأته فظنها أجنبية, فقال: أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقيأمته فظنها أجنبية, فقال: أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقيامرأته, فقال: تنحي يا مطلقة أو يا حرة وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته: لا يقع بهما طلاق ولا حرية لأنه لم يرد بهما ذلك, فلم يقع بهما شيء كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا تعتق الأمة لأن العادة من الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله: يا حرة وتطلق الزوجة لعدم العادة بالمخاطبة بقوله: يا مطلقة.

فصل:

فأما غير الصريح فلا يقع الطلاق به إلا بنية أو دلالة حال وقال مالك الكنايات الظاهرة, كقوله: أنت بائن وبتة وبتلة, وحرام يقع بها الطلاق من غير نية قال القاضي في " الشرح ": وهذا ظاهر كلام أحمد والخرقي لأنها مستعملة في الطلاق في العرف, فصارت كالصريح ولنا أن هذه كناية لم تعرف بإرادة الطلاق بها ولا اختصت به, فلم يقع الطلاق بها بمجرد اللفظ كسائر الكنايات وإذا ثبت اعتبار النية, فإنها تعتبر مقارنة للفظ فإن وجدت في ابتدائه وعريت عنه في سائره, وقع الطلاق وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال: أنت بائن ينوي الطلاق وعريت نيته حين قال: أنت بائن, لا يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شيء ولنا أن ما تعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلاة وسائر العبادات فأما إن تلفظ بالكناية غير ناو, ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق وكما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه.

مسألة:

قال: [ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا وأراد به الكذب, لم يلزمه شيء ولو قال: قد طلقتها وأراد به الكذب لزمه الطلاق] إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب لأن قوله: ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق, فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو إني كمن لا امرأة له, أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري, ومالك وحماد بن أبى سليمان وأبو حنيفة, والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد: لا تطلق فإن هذا ليس بكناية, وإنما هو خبر هو كاذب فيه وليس بإيقاع ولنا أنه محتمل الطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة, فأشبه قوله: أنت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وهذا يبطل قولهم فأما إن قال: طلقتها وأراد الكذب طلقت لأن لفظ الطلاق صريح يقع به الطلاق من غير نية وإن قال: خليتها, أو أبنتها افتقر إلى النية لأنه كناية لا يقع به الطلاق من غير نية.

فصل:

فإن قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم أو قيل له: امرأتك طالق؟ فقال: نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختيار المزني لأن نعم صريح في الجواب, والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ألا ترى أنه لو قيل له: ألفلان عليك ألف؟ فقال: نعم وجب عليه وإن قيل له: طلقت امرأتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك وقال: أردت الإيقاع وقع وإن قال: أردت إني علقت طلاقها بشرط قبل لأنه محتمل لما قاله وإن قال: أردت الإخبار عن شيء ماض أو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: قد طلقتها ثم قال: إنما أردت إني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى فأما في الحكم فإن لم يكن ذلك وجد منه, لم يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله وإن كان وجد فعلى وجهين.

فصل:

فإن قال: حلفت بالطلاق أو قال: على يمين بالطلاق ولم يكن حلف, لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم ذكره القاضي وأبو الخطاب وقال أحمد, في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول: حلفت بالطلاق ولم يكن حلف: هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لأن قوله: له حلفت ليس بحلف, وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا, كما لو قال: حلفت بالله وكان كاذبا واختار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به في الحكم وحكي في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال: إذا قال: حلفت بالطلاق ولم يكن حلف, يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحد وقال القاضي: معنى قول أحمد: يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه الطلاق إذا نوى به الطلاق, فجعله كناية عنه ولذلك قال: يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شيء لأنه ليس بصريح في الطلاق, ولا نوى به الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في كتاب الأيمان, في من قال: حلفت بالطلاق ولم يكن حلف فهل يقع به الطلاق؟ على روايتين.

مسألة:

قال: [وإذا وهب زوجته لأهلها فإن قبلوها فواحدة, يملك الرجعة إن كانت مدخولا بها وإن لم يقبلوها فلا شيء] هذا المنصوص عن أحمد في هذه المسألة وبه قال ابن مسعود وعطاء, ومسروق والزهري ومكحول, ومالك وإسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي: إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت, والحسن: إن قبلوها فثلاث وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية وروي عن أحمد مثل ذلك وقال ربيعة ويحيى بن سعيد, وأبو الزناد ومالك: هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة, قبلوها أو ردوها وكذلك قال الشافعي واختلفا ها هنا بناء على اختلافهما ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع, فافتقر إلى القبول كقوله: اختاري وأمرك بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثا أنه لفظ محتمل, فلا يحمل على الثلاث عند الإطلاق كقوله: اختاري وعلى أنها رجعية أنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض, قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله: أنت طالق وقوله: إنها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية, أو نوى واحدة فأما إن نوى ثلاثا أو اثنتين, فهو على ما نوى لأنها كناية غير ظاهرة فيرجع إلى نيته في عددها كسائر الكنايات ولا بد من أن ينوي بذلك الطلاق أو تكون ثم دلالة حال لأنها كناية, والكنايات لا بد فيها من النية كذلك قال القاضي: وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضا كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها: اختاري أو أمرك بيدك إذا ثبت هذا فإن صيغة القبول أن يقول أهلها: قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها, أو لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها.

فصل:

فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق, وإن نوى وبهذا قال الثوري وإسحاق وقال مالك: تطلق واحدة, وهي أملك بنفسها لأنه أتى بما يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض, والطلاق مجرد إسقاط لا يقتضي العوض فلم يقع به طلاق كقوله: أطعميني واسقيني.

مسألة:

قال: [وإذا قال لها: أمرك بيدك فهو بيدها, وإن تطاول ما لم يفسخ أو يطأها] وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه, وبين أن يفوضه إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها بدليل أن النبي -ﷺ- خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها, فهو بيدها أبدا لا يتقيد ذلك بالمجلس روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الحكم وأبو ثور, وابن المنذر وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس, ولا طلاق لها بعد مفارقته لأنه تخيير لها فكان مقصورا على المجلس كقوله: اختاري ولنا, قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال: هو لها حتى تنكل ولا نعرف له في الصحابة مخالفا فيكون إجماعا ولأنه نوع توكيل في الطلاق, فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي وفارق قوله: اختاري فإنه تخيير فإن رجع الزوج فيما جعل إليها, أو قال: فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي, والنخعي والأوزاعي وإسحاق وقال الزهري, والثوري ومالك وأصحاب الرأي: ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك, فلم يملك الرجوع كما لو طلقت ولنا أنه توكيل, فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو خاطب بذلك أجنبيا وقولهم: تمليك لا يصح فإن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج, وإنما ينوب فيه غيره عنه فإذا استناب غيره فيه كان توكيلا لا غير ثم وإن سلم أنه تمليك, فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل اتصال القبول به كالبيع وإن وطئها الزوج كان رجوعا لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل, كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل.

فصل:

ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها, بطل ولم يقع شيء في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر, وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومسروق, وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي وقال قتادة: إن ردت, فواحدة رجعية ولنا أنه توكيل أو تمليك لم يقبله المملك, فلم يقع به شيء كسائر التوكيل والتمليك فأما إن نوى بهذا تطليقها في الحال, طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال: حبلك على غاربك.

مسألة:

قال: [فإن قالت: اخترت نفسي فواحدة, تملك الرجعة] وجملة الأمر أن المملكة والمخيرة إذا قالت: اخترت نفسي فهي واحدة رجعية وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز, والثوري وابن أبي ليلى والشافعي, وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن علي أنها واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه إياها أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها, وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت أنها ثلاث وبه قال الحسن, ومالك والليث إلا أن مالكا قال: إذا لم تكن مدخولا بها قبل منه, إذا أراد واحدة أو اثنتين وحجتهم أن ذلك يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون ذلك إلا بثلاث وفي قول مالك أن غير المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة, فاكتفى بها ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثا, كما لو أتى الزوج بالكناية الخفية.

فصل:

وهذا إذا لم تنو أكثر من واحدة فإن نوت أكثر من واحدة وقع ما نوت لأنها تملك الثلاث بالتصريح, فتملكها بالكناية كالزوج وهكذا إن أتت بشيء من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج, إن كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وإن كانت من الكنايات الخفية, نحو قولها: لا يدخل على ونحوها وقع ما نوت قال أحمد: إذا قال لها: أمرك بيدك فقالت: لا يدخل على إلا بإذن تنوى في ذلك إن قالت: واحدة, فواحدة وإن قالت: أردت أن أغيظه قبل منها يعني لا يقع شيء وكذلك لو جعل أمرها في يد أجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شيء حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح ثلاثا, أو بكناية ظاهرة طلقت ثلاثا وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه.

فصل:

وقوله: أمرك بيدك وقوله: اختاري نفسك كناية في حق الزوج, يفتقر إلى نية أو دلالة حال كما في سائر الكنايات فإن عدم لم يقع به طلاق لأنه ليس بصريح, وإنما هو كناية فيفتقر إلى ما يفتقر إليه سائر الكنايات وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: لا يفتقر إلى نية لأنه من الكنايات الظاهرة, وقد سبق الكلام معه فيها وهو أيضا كناية في حق المرأة إن قبلته بلفظ الكناية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يفتقر وقوع الطلاق إلى نيتها إذا نوى الزوج لأن الزوج علق الطلاق بفعل من جهتها, فلم يفتقر إلى نيتها كما لو قال: إن تكلمت فأنت طالق فتكلمت وقال: لا يقع إلا واحدة بائن وإن نوت ثلاثا لأن ذلك تخيير, والتخيير لا يدخله عدد كخيار المعتقة ولنا أنها موقعة للطلاق بلفظ الكناية, فافتقر إلى نيتها كالزوج وعلى أنه يقع الثلاث إذا نوت أن اللفظ يحتمل الثلاث لأنها تختار نفسها بالواحدة, وبالثلاث فإذا نوياه وقع كقوله: أنت بائن.

مسألة:

قال: [وإن طلقت نفسها ثلاثا, وقال: لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت] وممن قال: القضاء ما قضت عثمان وابن عمر, وابن عباس وروي ذلك عن علي وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء, والزهري وعن عمر وابن مسعود: أنها تطليقة واحدة وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم, وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي وقال الشافعي: إن نوى ثلاثا, فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى غير ذلك لم تطلق ثلاثة, والقول قوله في نيته قال القاضي: ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير, فيرجع إلى نيته فيه كقوله: اختاري ولنا أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف, فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال: طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله: أردت واحدة لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ ولا يدن في هذا لأنه من الكنايات الظاهرة, والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا. مسألة: قال: [وكذلك الحكم إذا جعله في يد غيرها] وجملة ذلك أنه إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها صح وحكمه حكم ما لو جعله بيدها, في أنه بيده في المجلس وبعده ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل وسواء قال له: أمر امرأتي بيدك أو قال: جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو قال: طلق امرأتي وقال أصحاب أبي حنيفة: ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال: اختاري ولنا أنه توكيل مطلق, فكان على التراخي كالتوكيل في البيع وإذا ثبت هذا فله أن يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها, وله أن يطلق واحدة وثلاثا كالمرأة وليس له أن يجعل الأمر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل, فأما الطفل والمجنون فلا يصح أن يجعل الأمر بأيديهم فإن فعل, فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه وقال أصحاب الرأي: يصح ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلم يصح تصرفهم, كما لو وكلهم في العتق وإن جعله في يد كافر أو عبد صح لأنه ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه وإن جعله في يد امرأة, صح لأنه يصح توكيلها في العتق فصح في الطلاق كالرجل وإن جعله في يد صبي يعقل الطلاق, انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك وقد نص أحمد ها هنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال: إذا قال الصبي: طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا, لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها, لم تملك ذلك نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها: أمرك بيدك فقالت: اخترت نفسي ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل وهذا لأنه تصرف بحكم التوكيل وليست من أهل التصرف وظاهر كلام أحمد أنها إذا عقلت الطلاق, وقع طلاقها وإن لم تبلغ كما قررناه في الصبي إذا طلق وفي الصبي رواية أخرى: لا يقع طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى والله أعلم.

فصل:

فإن جعله في يد اثنين, أو وكل اثنين في طلاق زوجته صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد, إلا أن يجعل إليه ذلك لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن ومالك والثوري, والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد, وابن المنذر وإن طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقعت واحدة, وبهذا قال إسحاق وقال الثوري: لا يقع شيء ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها, فصح لو جعل إليهما واحدة.

فصل:

ويصح تعليق: أمرك بيدك واختاري نفسك بالشروط وكذلك إن جعل ذلك إلى أجنبي, صح مطلقا ومقيدا ومعلقا نحو أن يقول: اختاري نفسك أو أمرك بيدك شهرا, أو إذا قدم فلان فأمرك بيدك أو اختاري نفسك يوما أو يقول ذلك لأجنبي قال أحمد: إذا قال: [ إذا ] كان سنة أو أجل مسمى فأمرك بيدك فإذا وجد ذلك فأمرها بيدها وليس لها قبل ذلك أمر وقال أيضا: إذا تزوج امرأة, وقال لأبيها: إن جاءك خبري إلى ثلاث سنين وإلا فأمر ابنتك إليك فلما مضت السنون لم يأت خبره فطلقها الأب, فإن كان الزوج لم يرجع فيما جعل إلى الأب فطلاقه جائز ورجوعه أن يشهد أنه قد رجع فيما جعل إليه ووجه هذا أنه فوض أمر الطلاق إلى من يملكه, فصح تعليقه على شرط كالتوكيل الصريح فإذا صح هذا, فإن الطلاق إلى من فوض إليه على حسب ما جعله إليه في الوقت الذي عينه له, لا قبله ولا بعده وللزوج الرجوع في هذا لأنه عقد جائز قال أحمد: ولا تقبل دعواه للرجوع إلا ببينة لأنه مما يمكن إقامة البينة عليه فإن طلق الوكيل والزوج غائب كره للمرأة التزوج لأنه يحتمل أن الزوج رجع في الوكالة وقد نص أحمد على منعها من التزوج لهذه العلة وحمله القاضي على الاستحباب والاحتياط فإن غاب الوكيل, كره للزوج الوطء مخافة أن يكون الوكيل طلق ومنع منه أحمد أيضا لهذه العلة وحمله القاضي أيضا على الاستحباب لأن الأصل بقاء النكاح, فحمل الأمر فيه على اليقين وقول أحمد: رجوعه أن يشهد على أنه قد رجع فيما جعل إليه معناه أنه لا يقبل قوله إنه قد رجع إلا ببينة ولو صدقته المرأة في أنه قد رجع قبل, وإن لم تكن له بينة.

مسألة:

قال: [ولو خيرها فاختارت فرقته من وقتها وإلا فلا خيار لها] أكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور, إن اختارت في وقتها وإلا فلا خيار لها بعده روي ذلك عن عمر وعثمان, وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم وبه قال عطاء, وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي, والنخعي ومالك والثوري, والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري, وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر, ومالك في إحدى الروايتين عنه: هو على التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ واحتج ابن المنذر (بقول رسول الله -ﷺ- لعائشة لما خيرها: إني ذاكر لك أمرا, فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل أمرها إليها فأشبه أمرك بيدك ولنا, أنه قول من سمينا من الصحابة روى النجاد بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال: قضى عمر وعثمان, في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال: ما دامت في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود, وجابر ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان إجماعا ولأنه خيار تمليك, فكان على الفور كخيار القبول فأما الخبر فإن النبي -ﷺ- جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا في المطلق وأما أمرك بيدك, فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسألتنا.

فصل:

وقوله في وقتها أي عقيب كلامه, ما لم يخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غير ذكر الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد: إذا قال لامرأته: اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام, فإن طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم تختر, فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه: إنه يتقيد بالمجلس وقيل: هو على الفور وقال أحمد أيضا: الخيار على مخاطبة الكلام أن تجاوبه ويجاوبها, إنما هو جواب كلام إن أجابته من ساعته وإلا فلا شيء ووجهه أنه تمليك مطلق, تأخر قبوله عن أول حال الإمكان فلم يصح كما لو قامت من مجلسها, فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها وقال أبو حنيفة: يبطل بقيامها دون قيامه بناء على أصله في أن الزوج لا يملك الرجوع وعندنا أنه يملك الرجوع فبطل بقيامه, كما يبطل بقيامها وإن كان أحدهما قائما أو مشى بطل الخيار, وإن قعد لم يبطل والفرق بين القيام والقعود أن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار, فيكون إعراضا والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت, لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكرة وإن تشاغل أحدهما بالصلاة بطل الخيار وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وإن أضافت إليها ركعتين أخريين, بطل خيارها وإن أكلت شيئا يسيرا أو قالت: بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس بإعراض وإن قالت: ادع لي شهودا أشهدهم على ذلك لم يبطل خيارها وإن كانت راكبة فسارت, بطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي.

فصل:

فإن جعل لها الخيار متى شاءت أو في مدة فلها ذلك في تلك المدة وإذا قال: اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات وإن قال: اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك, فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وكذلك إن قال لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي -ﷺ- قال ذلك لعائشة, فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير وإن قال: اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني وقال أبو حنيفة: لا يبطل في المسألة الأولى أيضا لأنهما خياران في زمنين, فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية ولنا أنه خيار واحد, في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد, وكخيار الشرط وخيار المعتقة ولا نسلم أنهما خياران وإنما هو خيار واحد في يومين, وفارق ما إذا قال: اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد ولو خيرها شهرا فاختارت نفسها, ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد, فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ, ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج, ثم تزوجها بطل خيارها لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع والحكم في قوله: أمرك بيدك في هذا كله, كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها: اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد, فردت في اليوم الأول لم يبطل بعد في غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما من صاحبه فلم يبطل أحدهما ببطلان الآخر, بخلاف ما إذا كان الزمان متصلا واللفظ واحدا فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه وإن قال: لك الخيار يوما أو أمرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإن قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وإن قال: الشهر أو اليوم أو السنة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة.

مسألة:

قال: [وليس لها أن تختار من واحدة, إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك] وجملة الأمر أن لفظة التخيير لا تقتضي بمطلقها أكثر من تطليقة رجعية قال أحمد هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت, وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمر وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائن وهو قول ابن شبرمة, لأن اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون إلا بالبينونة وقال مالك: هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين بأقل من ثلاث إلا أن تكون بعوض ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم, فإن من سمينا منهم قالوا: إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولأن قوله: اختاري تفويض مطلق, فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة ولا يجوز أن تكون بائنا لأنها طلقة بغير عوض, لم يكمل بها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها واحدة ويخالف قوله: أمرك بيدك فإنه للعموم, فإنه اسم جنس فيتناول جميع أمرها لكن إن جعل إليها أكثر من ذلك, فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه مثل أن يقول: اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات الثلاث إن شئت فلها أن تختار ذلك فإن قال: اختاري من الثلاث ما شئت فلها أن تختار واحدة أو اثنتين, وليس لها اختيار الثلاث بكمالها لأن من للتبعيض فقد جعل لها اختيار بعض الثلاث فلا يكون لها اختيار الجميع, أو جعله نيته وهو أن ينوي بقوله: اختاري عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأن قوله: اختاري كناية خفية, فيرجع في قدر ما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية فإن نوى ثلاثا, أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى, وإن أطلق النية فهي واحدة وإن نوى ثلاثا, فطلقت أقل منها وقع ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعا فيقع ما اجتمعا عليه, كالوكيلين إذا طلق واحد منهما واحدة والآخر ثلاثا.

فصل:

وإن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار, أو الأمر لم يقع شيء نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر, وعلي وزيد وابن مسعود, وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن شبرمة, وابن أبي ليلى والثوري والشافعي, وابن المنذر وعن الحسن: تكون واحدة رجعية وروي ذلك عن علي ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال: فإن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة, وإن اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر: انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية أن التخيير كناية نوى بها الطلاق, فوقع بها بمجردها كسائر كناياته وكقوله: انكحي من شئت ولنا قول عائشة: قد خيرنا رسول الله -ﷺ- أفكان طلاقا, وقالت: (لما أمر النبي -ﷺ- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني لمخبرك خبرا, فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال: إن الله تعالى قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} حتى بلغ: {فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيما} فقلت: في أي هذا استأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج النبي -ﷺ- مثل ما فعلت متفق عليهما) قال مسروق: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة, أو ألفا بعد أن تختارني ولأنها مخيرة اختارت النكاح, فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد فأما إن قالت: اخترت نفسي فيفتقر إلى نيتها لأنه لفظ كناية منها فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق, فلا يصح أن يوقعه وإن نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق, فما أوقعته فلم يقع شيء كما لو وكل وكيلا في الطلاق, فلم يطلق وإن نويا جميعا وقع ما نوياه من العدد إن اتفقا فيه وإن نوى أحدهما أقل من الآخر, وقع الأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع.

فصل:

وإن قال: أمرك بيدك أو اختاري فقالت: قبلت لم يقع شيء لأن أمرك بيدك توكيل, فقولها في جوابه: قبلت ينصرف إلى قبول الوكالة فلم يقع شيء كما لو قال لأجنبي: أمر امرأتي بيدك فقال: قبلت وقوله: اختاري في معناه وكذلك إن قالت: أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ, إذا قال لامرأته: أمرك بيدك فقالت: قبلت ليس بشيء حتى تبين وقال: إذا قالت: أخذت أمري ليس بشيء قال: وإذا قال لامرأته: اختاري فقالت: قبلت نفسي أو قالت: اخترت نفسي كان أبين قال القاضي: ولو قالت: اخترت ولم تقل: نفسي لم تطلق وإن نوت ولو قال الزوج: اختاري ولم يقل: نفسك ولم ينوه لم تطلق, ما لم تذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عري عن ذلك لم يصح وإن قالت: اخترت زوجي أو اخترت البقاء على النكاح أو رددت الخيار, أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وإن قالت: اخترت أهلي أو أبوي ونوت وقع الطلاق لأن هذا يصلح كناية من الزوج فيما إذا قال: الحقي بأهلك فكذلك منها وإن قالت: اخترت الأزواج فكذلك لأنهم لا يحلون إلا بمفارقة هذا الزوج, ولذلك كان كناية منه في قوله: انكحي من شئت.

فصل:

فإن كرر لفظة الخيار فقال: اختاري, اختاري اختاري فقال: أحمد إن كان إنما يردد عليها ليفهمها وليس نيته ثلاثا, فهي واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثا فهي ثلاث, فرد الأمر إلى نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاثا لأنه كرر ما يقع به الطلاق فتكرر, كما لو كرر الطلاق ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبل منه, كما لو قال: أنت طالق الطلاق وإن أطلق فقد روي عن أحمد ما يدل على أنها واحدة يملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء, وأبي ثور لأن تكرير التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع وروي عن أحمد إذا قال لامرأته: اختاري فقالت: اخترت نفسي هي واحدة, إلا أن يقول: اختاري اختاري اختاري وهذا يدل على أنها تطلق ثلاثا ونحوه قال الشعبي, والنخعي وأصحاب الرأي ومالك لأن اللفظة الواحدة تقتضي طلقة فإذا تكررت اقتضت ثلاثا, كلفظة الطلاق.

فصل:

فإن قال لزوجته: طلقي نفسك ونوى عددا فهو على ما نوى وإن أطلق من غير نية لم يملك إلا واحدة لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا, فقال: طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه قال أحمد: إذا قال لامرأته: طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة, فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وإن لم ينو تناول اليقين, وهو الواحدة فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده, وقع الطلاق لأنه توكيل وقال القاضي: إذا قال لها: طلقي نفسك تقيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس, كقوله: اختاري ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي, كتوكيل الأجنبي وكقوله: أمرك بيدك وفارق: اختاري فإنه تخيير وما ذكره ينتقض بقوله: أمرك بيدك ولها أن توقع الطلاق بلفظ الصريح وبالكناية مع النية وقال بعض أصحاب الشافعي: ليس لها أن توقعه بالكناية لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح, فلا يصح أن توقع غير ما فوض إليها ولنا أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته, فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح وما ذكره غير صحيح فإن التوكيل في شيء لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الأمر من جهته كما لو قال لوكيله: بع داري جاز له بيعها بلفظ التمليك وإن قال لها: طلقيثلاثا فطلقت واحدة, وقع نص عليه وقال مالك: لا يقع شيء لأنها لم تمتثل أمره ولنا أنها ملكت إيقاع ثلاث فملكت إيقاع واحدة, كالموكل ولأنه لو قال: وهبتك هؤلاء العبيد الثلاثة فقالت: قبلت واحدا منهم صح كذا ها هنا وإن قال: طلقيواحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة نص عليه أيضا وبه قال مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة: لا يقع شيء لأنها لم تأت بما يصلح قبولا فلم يصح كما لو قال: بعتك نصف هذا العبد فقال: قبلت البيعة في جميعه ولنا, أنها وقعت طلاقا مأذونا فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره, كما لو قال: طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرائرها فإن قال: طلقي نفسك فقالت: أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها فيما ما ذكرناه كله.

فصل:

نقل عنه أبو الحارث إذا قال: طلقي نفسك طلاق السنة قالت: قد طلقت نفسي ثلاثا هي واحدة, وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة لا سيما وطلاق السنة في الصحيح طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه.

فصل:

ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض, وحكمه حكم ما لا عوض له في أن له الرجوع فيما جعل لها وأنه يبطل بالوطء قال أحمد: إذا قالت امرأته: اجعل أمري بيدي, وأعطيك عبدي هذا قبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل, والتوكيل لا يلزم بدخول العوض فيه وكذلك التمليك بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول كالبيع.

فصل:

إذا اختلفا, فقال الزوج: لم أنو الطلاق بلفظ الاختيار وأمرك بيدك وقالت: بل نويت كان القول قوله لأنه أعلم بنيته ولا سبيل إلى معرفته إلا من جهته ما لم يكن جواب سؤال, أو معها دلالة حال وإن قال: لم تنو الطلاق باختيار نفسك وقالت: بل نويت فالقول قولها لما ذكرنا وإن قالت: قد اخترت نفسي وأنكر وجود الاختيار منها فالقول قوله لأنه منكر له وهو مما يمكنه علمه, ويمكنها إقامة البينة عليه فأشبه ما لو علق طلاقها على دخول الدار فادعته, فأنكره.

فصل:

إذا قال لزوجته: أنت علي حرام وأطلق فهو ظهار وقال الشافعي: لا شيء عليه وله قول آخر: عليه كفارة يمين وليس بيمين وقال أبو حنيفة: هو يمين وقد روي ذلك عن أبي بكر, وعمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهم وقال سعيد: حدثنا خالد بن عبد الله عن جويبر, عن الضحاك أن أبا بكر وعمر, وابن مسعود قالوا في الحرام: يمين وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال: {لم تحرم ما أحل الله لك} ثم قال: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ولأنه تحريم للحلال, أشبه تحريم الأمة ولنا أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجبت به كفارة الظهار, كما لو قال: أنت علي حرام كظهر أمي فأما إن نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة أنه ظهار, نوى الطلاق أو لم ينوه وذكره الخرقي في موضع غير هذا وممن قال: إنه ظهار عثمان بن عفان وابن عباس وأبو قلابة, وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي روى الأثرم, بإسناده عن ابن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهارا, وإن نوى غيره كقوله: أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى الطلاق كان طلاقا وقال: إذا قال: ما أحل الله علي حرام يعني به الطلاق, أخاف أن يكون ثلاثا ولا أفتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من كنايات الطلاق, يقع به الطلاق إذا نواه ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته: أمرك بيدك فقالت: أنا عليك حرام فقد حرمت عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه أنه طلاق ثلاث على وزيد بن ثابت, وأبو هريرة والحسن البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن الطلاق نوع تحريم, فصح أن يكنى به عنه كقوله: أنت بائن فأما إن لم ينو الطلاق فلا يكون طلاقا بحال لأنه ليس بصريح في الطلاق, فإذا لم ينو معه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات وإن قلنا: إنه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة, على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي, كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا: إن الرجعة محرمة لأن أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال: إذا قال: أنت علي حرام, أعني به طلاقا فهي واحدة وروي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري وقد روي عن مسروق وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي: ليس بشيء لأنه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بالظهار فإنه منكر من القول وزور, وقد وجبت الكفارة ولأن هذا إيقاع للطلاق فأشبه قوله: أنت بائن أو أنت طالق وروي عن أحمد أنه إذا نوى اليمين كان يمينا فإنه قال في رواية مهنا: إنه إذا قال: أنت علي حرام ونوى يمينا, ثم تركها أربعة أشهر قال: هو يمين وإنما الإيلاء أن يحلف بالله أن لا يقرب امرأته فظاهر هذا أنه إذا نوى اليمين كانت يمينا وهذا مذهب ابن مسعود, وقول أبي حنيفة والشافعي وممن روي عنه عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر, وابن عباس وعائشة وسعيد بن المسيب, والحسن وعطاء وطاوس, وسليمان بن يسار وقتادة والأوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير, أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ولأن الله تعالى قال: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} فجعل الحرام يمينا ومعنى قوله: نوى يمينا والله أعلم أنه نوى بقوله: أنت علي حرام ترك وطئها واجتنابها, وأقام ذلك مقام قوله: والله لا وطئتك. فصل: وإن قال: أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق رواه الجماعة عن أحمد وروي عنه أبو عبد الله النيسابوري أنه قال: إذا قال: أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول: إنها طالق, يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله: إنه طلاق ووجهه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله: أريد به الطلاق كما لو قال: أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي: ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق, فكان طلاقا كما لو ضربها وقال: هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار, إنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع إلى تحريم بالظهار وإلى تحريم بالطلاق, فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله: أنت علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار, وهو تحريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا بخلاف مسألتنا ثم إن قال: أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا, فهي ثلاث نص عليه أحمد لأنه أتى بالألف واللام التي للاستغراق تفسيرا للتحريم فيدخل فيه الطلاق كله, وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال: أنت بائن وعنه: لا يكون ثلاثا حتى ينويها, سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس وإن قال: أعني به طلاقا فهو واحدة لأنه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال: أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان, إذا لم تكن فيه ألف ولام.

فصل:

فإن قال: أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا لأنه صريح في الظهار فلم يصلح كناية في الطلاق, كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولأن الظهار تشبيه بمن هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد, فلم تصلح الكناية بأحدهما عن الآخر ولو صرح به فقال: أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا يصلح الكناية به عنه.

فصل:

وإن قال: أنت علي كالميتة والدم ونوى به الطلاق كان طلاقا لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق, ويقع به من عدد الطلاق ما نواه فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار, وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله: أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهارا, كما لو قال: أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أمي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها, لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئا, لم يكن طلاقا لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نواه به وهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين أحدهما يكون ظهارا لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم, فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي اشتهرا به وهو التحريم لقول الله تعالى فيها: {حرمت عليكم الميتة والدم} والثاني يكون يمينا لأن الأصل براءة الذمة, فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت به أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه, فلا نثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين وعند الشافعي هو كقوله: أنت علي حرام سواء.

مسألة:

قال: [وإذا طلقها بلسانه, واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء] وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة, أو استثناء على ثلاثة أضرب أحدها ما لا يصح نطقا ولا نية, وذلك نوعان أحدهما ما يرفع حكم اللفظ كله مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو: أنت طالق طلقة لا تلزمك أو: لا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا بنيته لأنه يرفع حكم اللفظ كله, فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة, ووقع الطلاق الضرب الثاني ما يقبل لفظا ولا يقبل نية, لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الأقل فهذا يصح لفظا لأنه من لسان العرب, ولا يصح بالنية مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا ويستثنى بقلبه: إلا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره, فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين, كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته وحكي عنبعض الشافعية أنه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى, كما لو قال: نسائي طوالق واستثنى بقلبه: إلا فلانة والفرق بينهما أن نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له وقد استعمل العموم بإزاء الخصوص كثيرا فإذا أراد به البعض صح, وقوله: ثلاثا اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه, فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ مالا يحتمله وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته, فأما ما لا يحتمل فلا فإنا لو عملنا به فيما لا يحتمل كان عملا بمجرد النية, ومجرد النية لا تعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع ولو قال: نسائي الأربع طوالق أو قال لهن: أربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية, لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لأنه عني باللفظ ما لا يحتمل الضرب الثالث, ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص اللفظ العام, أو استعمال اللفظ في مجازه مثل قوله: نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله: طوالق أي من وثاق, فهذا يقبل إذا كان لفظا وجها واحدا لأنه وصل كلامه بما بين مراده وإن كان بنيته قبل فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أراد تخصيص اللفظ العام, واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في اللغة شائع في الكلام, فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في الحكم؟ يخرج على روايتين: إحداهما, يقبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو قال: أنت طالق, أنت طالق وأراد بالثانية إفهامها والثانية لا يقبل لأنه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ وهو أن يقول: نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن, فأما إن كانت النية متأخرة عن اللفظ فقال: نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن لم تنفعه النية, ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثاق, لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية الأخيرة نية مجردة لا لفظ معها, فلا تعمل ومن هذا الضرب تخصيص حال دون حال مثل أن يقول: أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله: إن دخلت الدار, أو بعد شهر أو قال: إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير خلاف وإن نواه, ولم يلفظ به دين وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين قال في رواية إسحاق بن إبراهيم في من حلف لا تدخل الدار وقال: نويت شهرا يقبل منه أو قال: إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة, وذلك اليوم قبلت نيته والرواية الأخرى لا تقبل فإنه قال: إذا قال لامرأته: أنت طالق ونوى في نفسه إلى سنة تطلق ليس ينظر إلى نيته وقال: إذا قال: أنت طالق وقال: نويت إن دخلت الدار لا يصدق ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين, بأن يحمل قوله في القبول على أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله في عدم القبول, على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن إرادة الخاص بالعام شائع كثير, وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن أن يقال: هذا كله من جملة التخصيص.

فصل:

وإذا قالت له امرأة من نسائه: طلقني فقال: نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف لأن لفظه عام إن قالت له: طلق نساءك فقال: نسائي طوالق فكذلك وحكي عنمالك, أن السائلة لا تطلق في هذه الصورة لأن الخطاب العام يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها ولنا أن اللفظ عام فيها, ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى, والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لأن دليل الحكم هو اللفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه, ولذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب, فإن أخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقبل في الحكم في الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته, ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد لأن طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي: يحتمل أن لا تطلق لأن لفظه عام, والعام يحتمل التخصيص.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار ثم قال: إنما أردت الطلاق في الحال لكن سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه, كما لو قال: قد طلقتها فإن قال بعد ذلك: كذبت وإنما أردت طلاقها عند الشرط دين في ذلك ولم يقبل في الحكم لأنه رجوع عما أقر به.

فصل:

وقول الخرقي: واستثنى شيئا بقلبه يدل بمفهومه على أنه إذا استثنى بلسانه صح, ولم يقع ما استثناه وهو قول جماعة أهل العلم قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أنها تطلق طلقتين منهم الثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وحكي عنأبي بكر أن الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق إلا فلانة لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه, والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التعليل باطل بما سلمه من الاستثناء في المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك, لما صح في المطلقات ولا الإعتاق ولا في الإقرار, ولا الإخبار وإنما هو مبين أن المستثنى غير مراد بالكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل, فقوله: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} عبارة عن تسعمائة وخمسين وقوله: {إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني} تبرؤ من غير الله فكذلك قوله: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة عبارة عن اثنتين لا غير وحرف الاستثناء المستولي عليه إلا, ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير وسوى والأفعال ليس ولا يكون وعدا والحروف حاشا وخلا, فبأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء.

فصل:

ولا يصح استثناء الأكثر نص عليه أحمد فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وقع ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز وقد ذكرناه في الإقرار وذكرنا أن أهل العربية إنما أجازوه في القليل من الكثير وحكينا ذلك عن جماعة من أئمة أهل اللغة فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع اثنتان وإن قال: إلا اثنتين وقع ثلاث وإن قال: طلقتين إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما يقع طلقة والثاني, طلقتان بناء على استثناء النصف هل يصح أو لا؟ على وجهين وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع بعض المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وإن قال: أنت طالق خمسا إلا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس, فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما لا يصح وإن قال: خمسا إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما, يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثنى فكأنه قال: أنت طالق أربعا والثاني يقع اثنتان ذكره القاضي لأن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات, وهي الثلاث وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث, فيصح ويقع طلقتان وإن قال: أنت طالق أربعا إلا اثنتين فعلى الوجه الأول, يصح الاستثناء ويقع اثنتان وعلى قول القاضي, ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر.

فصل:

فإن قال: أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة ففيه وجهان أحدهما, لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكرها واستثناؤها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغاية وإلغاء المستثنى منه بطل, كاستثناء الجميع ولأن إلغاءه وحده أولى من إلغائه مع إلغاء غيره ولأن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة في أحد الوجهين, فيكون استثناء للجميع والوجه الثاني يصح الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة, فيصير مستثنيا لواحدة من ثلاث ولذلك لو قال له: على مائة وعشرون درهما إلا خمسين صح والأول أصح وهو مذهب أبي حنيفة, والشافعي وإن قال: أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء وعلى الوجه الأول, يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف وإن قال: أنت طالق وطالق إلا طلقة أو قال: طالق طلقتين ونصفا إلا طلقة فالحكم في ذلك كالحكم في المسألة الأولى سواء وإن كان العطف بغير واو, كقوله: أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق إلا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذا حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما قبلها, فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح وإن قال: أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح الاستثناء لأنه إن عاد إلى الجملة التي تليه فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها, فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وأن استثناء النصف يصح, فكأنه قال: أربعا إلا اثنتين وإن قال: أنت طالق اثنتين واثنتين إلا واحدة احتمل أن يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لأنه إن عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين, فهو استثناء الجميع.

فصل:

وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان أحدهما يلغو الاستثناء ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه, فيصير مستثنيا لثلاث من ثلاث وهذا وجه لأصحاب الشافعي وقول أبي حنيفة والثاني يصح الاستثناء في طلقة لأن الاستثناء الأقل جائز, وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده وقال أبو يوسف ومحمد: يصح استثناء اثنتين ويلغو في الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي وإن قال: أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفا احتمل وجهين أيضا أحدهما, يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو والثاني, يصح في طلقة فتقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها فإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة كان عاطفا الاستثناء على استثناء فيصح الأول, ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر فيقع به طلقتان ويجيء على قول من أجاز استثناء الأكثر أن يصح فيهما, فتقع طلقة واحدة وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء الثاني, ويصح الأول فيقع به طلقتان ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه إثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي إثباتا فيقبل ذلك في إيقاع طلاقه, وإن لم يقبل في نفيه كما لو قال: أنت طالق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة وقع به ثلاث فكمل النصف في الإثبات, ولم يكمل في النفي.

فصل:

ويصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق إلا مسألة واحدة على اختلاف فيها وهي قوله: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف, فيقع به طلقتان فإن قيل: فكيف أجزتم استثناء الاثنتين من الثلاث وهي أكثرها؟ قلنا: لأنه لم يسكت عليهما بل وصلهما بأن استثنى منها طلقة, فصار عبارة عن واحدة وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين لم يصح لأن استثناء الاثنتين من الثلاث لا يصح لأنهما أكثرها واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح لأنها جميعها وإن قال: ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح ووقع ثلاث لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث, بقي اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر, أنه يصح لأن الاستثناء الأول يلغو لكونه استثناء الجميع فيرجع قوله: إلا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الإثبات نفي, ومن النفي إثبات فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها, فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون إثباتا من إثبات ولا يصح الاستثناء في جميع ذلك إلا متصلا بالكلام وقد ذكر في الإقرار والله أعلم.

فصل:

وإذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة, تعلق بها ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن وهذا قول ابن عباس وعطاء, وجابر بن زيد والنخعي وأبي هاشم, والثوري والشافعي وإسحاق, وأبي عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن المسيب والحسن, والزهري وقتادة ويحيى الأنصاري, وربيعة ومالك: إذا علق الطلاق بصفة تأتي لا محالة, كقوله: أنت طالق إذا طلعت الشمس أو دخل رمضان طلقت في الحال لأن النكاح لا يكون مؤقتا بزمان ولذلك لا يجوز أن يتزوجها شهرا ولنا, أن ابن عباس كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إلى رأس السنة قال: يطأ فيما بينه وبين رأس السنة ولأنه إزالة ملك يصح تعليقه بالصفات فمتى علقه بصفة لم يقع قبلها, كالعتق فإنهم سلموه وقد احتج أحمد بقول أبي ذر: إن لي إبلا يرعاها عبد لي وهو عتيق إلى الحول ولأنه تعليق للطلاق بصفة لم توجد, فلم يقع كما لو قال: أنت طالق إذا قدم الحاج وليس هذا توقيتا للنكاح وإنما هو توقيت للطلاق وهذا لا يمنع, كما أن النكاح لا يجوز أن يكون معلقا بشرط والطلاق يجوز فيه التعليق.

فصل:

ولو قال: أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال: في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت, وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يقع في الحال لأن قوله: أنت طالق إيقاع في الحال وقوله: إلى شهر كذا تأقيت له غاية وهو لا يقبل التأقيت, فبطل التأقيت ووقع الطلاق ولنا قول ابن عباس وقول أبي ذر, ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتا لإيقاعه كقول الرجل: أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الأمرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح ما ذكرناه من وجهين أحدهما, أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله والثاني, أن ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك فإن قال: أردت أنها طالق في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله وإن قال: أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية, فيقتضي أن طلاقها من اليوم فإن قال: أردت أن عقد الصفة من اليوم ووقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال: أردت تكرير وقوع طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا, إذا كانت مدخولا بها قال أحمد: إذا قال لها: أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها.

فصل:

وإذا قال: إذا مضت سنة فأنت طالق, أو أنت طالق إلى سنة فإن ابتداء السنة من حين حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة لقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فإن حلف في أول شهر فإذا مضى اثنا عشر شهرا وقع طلاقه وإن حلف في أثناء شهر عددت ما بقي منه, ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر شهرا نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملته ثلاثين يوما لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق كان ثلاثين يوما وفيه وجه آخر, أنه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد في من نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الأيام قال: يصوم ستين يوما وإن ابتدأ من شهر, فصام شهرين فكانا ثمانية وخمسين يوما أجزأه وذلك إنه لما صام نصف شهر, وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا فوجب أن يكمله بالعدد, وهذا المعنى موجود في السنة ووجه الأول أنه أمكن استيفاء أحد عشر بالأهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر, ولا يلزم أن يتم الأول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور وإن قال: أردت بقولي: سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال: إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة لأنه لما عرفها فاللام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة, التي آخرها ذو الحجة فإن قال: أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل لأن السنة اسم لها حقيقة.

فصل:

فإن قال: أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة لأنه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة, جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه, كقوله: والله لا كلمتك سنة فيقع في الحال طلقة لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فتقع في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية, والثالثة في أول الثالثة إن دخلتا عليها وهي في نكاحه لكونها لم تنقض عدتها, أو ارتجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت فإن انقضت عدتها فبانت منه, ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة له فإن تزوجها في أثنائها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزويجه لها لأنه جزء من السنة الثانية التي جعلها ظرفا للطلاق, ومحلا له وكان سبيله أن تقع في أولها فمنع منه كونها غير محل لطلاقه لعدم نكاحه حينئذ, فإذا عادت الزوجية وقع في أولها وقال القاضي: تطلق بدخول السنة الثالثة وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها في حال البينونة, فلا تعود بحال وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب تزويجها, ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا تطلق إلا بدخول الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة وعلى قول التميمي, قد انحلت الصفة واختلف في مبدإ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثني عشر شهرا من حين يمينه لأنه جعل ابتداء المدة حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب: ابتداء السنة الثانية أول المحرم لأنها السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين, انصرف إلى السنين المعروفة كقول الله تعالى: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام} وإن قال: أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل لأنها سنة حقيقة وإن قال: نويت أن ابتداء السنين أول السنة الجديدة من المحرم دين قال القاضي: ولا يقبل منه في الحكم لأنه خلاف الظاهر والأولى أن يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر.

فصل:

إذا قال: أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا تطلق إلا أن يراه لأنه علق الطلاق برؤية نفسه فأشبه ما لو علقه على رؤية زيد ولنا, أن الرؤية للهلال في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه السلام: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) والمراد به رؤية البعض وحصول العلم, فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما لو قال: إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء وفارق رؤية زيد, فإنه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد طلقت لأنه قد علم طلوعه بتمام العدد وإن قال: أردت إذا رأيته بعيني قبل لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤية الهلال بعد الغروب فإن رأى قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله, ولأننا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول أول الشهر ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشرع فإن قال: أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال واختلف فيما يصير به قمرا, فقيل: بعد ثالثة وقيل: إذا استدار وقيل: إذا بهر ضوءه.

فصل:

قال أحمد: إذا قال لها: أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل العشر أهل المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن المثبت عن النبي -ﷺ- في العشر الأواخر إنما أمره باجتنابها في العشر لأن النبي -ﷺ- أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر, فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أن هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة.

فصل:

وإذا علق طلاقها على شرط مستقبل, ثم قال: عجلت لك تلك الطلقة لم تتعجل لأنها معلقة بزمن مستقبل فلم يكن له إلى تغييرها سبيل وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها طلقة, فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي في حباله وقع بها الطلاق المعلق.

فصل:

إذا قال: أنت طالق غدا إذا قدم زيد, لم تطلق حتى يقدم لأن إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدوم زيد وإن لم يقدم زيد في غد لم تطلق وإن قدم بعده لأنه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة, فلا تطلق حتى توجد وإن ماتت غدوة وقدم زيد بعد موتها لم تطلق لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق, فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم وإن قال: أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط, إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى {ومن يولهم يومئذ دبره} وإن ماتت المرأة غدوة, وقدم زيد ظهرا ففيه وجهان أحدهما نتبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال: أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله فكذا إذا قال: أنت طالق يوم يقدم زيد فينبغي أن تطلق بطلوع فجره والثاني, لا يقع الطلاق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع, بخلاف يوم الجمعة فإن شرط الطلاق مجيء يوم الجمعة وقد وجد, وها هنا شرطان فلا يؤخذ بأحدهما والأول أولى وليس هذا شرطا, إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله: أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة ولو قال: أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد فكذلك ولو مات الرجل غدوة, ثم قدم زيد أو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو قال: أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم فيه, خرج فيه وجهان أحدهما لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط, بدليل ما لو قال: أنت طالق إن قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال: إذا قدم زيد والثاني أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر قياسا على المسألة التي قبل هذه.

فصل:

إذا قال: أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا وإن قال: أردت أن تطلق اليوم, وتطلق غدا طلقت طلقتين في اليومين وإن قال: أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق, فوقع في أوله وإن قال: أردت نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا طلقت اليوم واحدة وأخرى غدا لأن النصف يكمل فيصير طلقة تامة وإن قال: أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل ذلك أيضا, واحتمل أن لا تطلق إلا واحدة لأنه إذا قال: نصفها كملت اليوم كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا, ولم يقع شيء غيرها لأنه ما أوقعه وذكر القاضي هذا الاحتمال أيضا في المسألة الأولى أيضا وهو مذهب الشافعي ذكر أصحابه فيها الوجهين.

فصل:

إذا قال: أنت طالق أمس ولا نية له فظاهر كلام أحمد, أن الطلاق لا يقع فروي عنه في من قال لزوجته: أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم: ليس بشيء وهذا قول أبي بكر وقال القاضي في بعض كتبه: يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق, كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق للسنة أو قال: أنت طالق طلقة لا تلزمك ووجه الأول أن الطلاق رفع الاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع, كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض, ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال: أنت طالق إن قلبت الحجر ذهبا وإن قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك فالحكم فيه كما لو قال: أنت طالق أمس قال القاضي: ورأيت بخط أبي بكر في " جزء مفرد ", أنه قال: إذا قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال: أنت طالق أمس لم يقع لأن أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزويجها متصور الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا, وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد وإن قصد بقوله: أنت طالق أمس, أو قبل أن أتزوجك إيقاع الطلاق في الحال مستندا إلى ذلك الزمان وقع في الحال وإن أراد الإخبار أنه كان قد طلقها هو, أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك, قبل منه وإن لم يكن وجد وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي: يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله, ولم يشترط الوجود وإن أراد إني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمته الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها وإن مات ولم يبين مراده, فعلى وجهين بناء على اختلاف القولين في المطلق إن قلنا: لا يقع به شيء لم يلزمه ها هنا شيء وإن قلنا بوقوعه ثم وقع ها هنا. فصل: وإن قال لزوجته: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه, تبينا أن طلاقه وقع قبل الشهر لأنه إيقاع للطلاق بعد عقده وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: يقع الطلاق عند قدوم زيد لأنه جعل الشهر شرطا لوقوع الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه ولنا, أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال: أنت طالق قبل رمضان بشهر, أو قبل موتك بشهر فإن أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا يسلم أنه جعل الشهر شرطا وليس فيه حرف شرط وإن قدم قبل مضى شهر, لم يقع بغير اختلاف بين أصحابنا وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا فوجب اعتبارها وإن قدم زيد مع مضي الشهر, لم تطلق لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه فإن خالعها بعد تعليق طلاقها بيوم ثم قدم زيد بعد الخلع بشهر وساعة تبينا أن الخلع وقع صحيحا, ولم يقع الطلاق لأنه صادفها بائنا وإن قدم بعد عقد الصفة بشهر وساعة وقع الطلاق وبطل الخلع, ولها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا لأن الرجعية يصح خلعها وإن كانت بحالها فمات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم, ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر لأنا تبينا أن الطلاق كان قد وقع قبل موت الميت منهما, فلم يرثه صاحبه إلا أن يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يقطع التوارث, ما دامت في العدة فإن قدم بعد الموت بشهر وساعة تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم يقع طلاق فإن قال: أنت طالق قبل موتي بشهر فمات أحدهما قبل مضي شهر, لم يقع طلاق لأن الطلاق لا يقع في الماضي وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا, إلا أن يكون الطلاق رجعيا ويموت في عدتها وإن قال: أنت طالق قبل موتي ولم يزد شيئا طلقت في الحال لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق, فوقع في أوله وإن قال: قبل موتك أو موت زيد فكذلك وإن قال: أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل دخولك الدار فقال القاضي: تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله تعالى: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها} ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه: اسقني قبل أن أضربك فسقاه في الحال, عد ممتثلا وإن لم يضربه ولو قال: أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وإنما يقع ذلك في الجزء الذي يلي الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير الذي يبقى وإن قال: أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر فقال القاضي: تتعلق الصفة بأولهما موتا لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول, واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى.

مسألة:

قال: [وإذا قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق فإذا طلقها لزمه اثنتان إذا كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها, لزمته واحدة] وجملة ذلك أنه إذا قال لمدخول بها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال: أنت طالق وقعت واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها فإذا وجد الشرط وقع الطلاق وإن كانت غير مدخول بها, بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنها لا عدة عليها ولا تمكن رجعتها, فلا يقع طلاقها إلا بائنا فلا يقع الطلاق ببائن.

فصل:

فإن قال: عنيت بقولي هذا أنك تكونين طالقا بما أوقعته عليك ولم أرد إيقاع طلاق سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين إحداهما, لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر إذ الظاهر أن هذا تعليق للطلاق بشرط الطلاق ولأن إخباره إياها بوقوع طلاقه بها لا فائدة فيه والوجه الثاني, يقبل قوله لأنه يحتمل ما قاله فقبل كما لو قال لها: أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثاني التأكيد أو إفهامها.

فصل:

فإن قال: إذا طلقتك فأنت طالق ثم علق طلاقها بشرط, مثل قوله: إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بخروجها ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة ولو قال أولا: إن خرجت فأنت طالق ثم قال: إن طلقتك فأنت طالق فخرجت, طلقت بالخروج ولم تطلق بتعليق الطلاق بطلاقها لأنه لم يطلقها بعد ذلك ولم يحدث عليها طلاقا لأن إيقاعه الطلاق بالخروج كان قبل تعليقه الطلاق بتطليقها, فلم توجد الصفة فلم يقع وإن قال: إن خرجت فأنت طالق ثم قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج, ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها.

فصل:

وإن قال لها: كلما طلقتك فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار فإذا قال لها بعد ذلك: أنت طالق وقع بها طلقتان, إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن الثانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد الصفة لأن قوله: كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول, وإنما وقعت الثانية بهذا القول وإن قال لها بعد عقد الصفة: إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها, ولم تقع الثالثة وإن قال لها: كلما أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق فهو بمنزلة قوله: كلما طلقتك فأنت طالق وذكر القاضي في هذه أنه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله: إذا أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق لم تطلق لأن ذلك ليس بإيقاع منه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق عليها بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها, فلا فرق بين هذا وبين قوله: إذا طلقتك فأنت طالق وإن قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقعت عليها طلقة بالمباشرة أو بصفة عقدها قبل ذلك أو بعده طلقت ثلاثا فلو قال لها: إن خرجت فأنت طالق ثم قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم خرجت, وقعت عليها طلقة بالخروج ثم وقعت الثانية بوقوع الأولى ثم وقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما تقتضي التكرار, وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى ولو قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال: أنت طالق طلقت ثلاثا واحدة بالمباشرة, واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع طلاقه ولأنه إذا قال: أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة, فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه واقع عليها فتطلق به الثالثة وهذا كله في المدخول بها فأما غير المدخول بها, فلا تطلق إلا واحدة في جميع هذا وهذا كله مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا.

فصل:

فإن قال: كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك, فأنت طالق ثم قال: أنت طالق طلقت اثنتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها, فلا تقع بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها اثنتين, طلقت الثالثة وقال أبو بكر: قيل: تطلق وقيل: لا تطلق واختياري أنها تطلق وقال أصحاب الشافعي: لا تطلق الثالثة لأنا لو أوقعناها لم يملك الرجعة, ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك إلى الدور فيقطعه بمنع وقوعه ولنا أنه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها, فيقع بها التي بعدها كالأولى وامتناع الرجعة ها هنا لعجزه عنها لا لعدم الملك, كما لو طلقها واحدة وأغمى عليه عقيبها فإن الثانية تقع وإن امتنعت الرجعة لعجزه عنها وإن كان الطلاق بعوض, أو في غير مدخول بها لم يقع بها إلا الطلقة التي باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها وإن قال: كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق, ثم وقع عليها طلقة بمباشرة أو صفة طلقت ثلاثا وعندهم لا تطلق لما ذكرناه في التي قبلها ولو قال لامرأته: إذا طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها, طلقت ثلاثا وقال المزني: لا تطلق وهو قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم.

فصل:

وإن قال لزوجته: إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فلا نص فيها وقال القاضي: تطلق ثلاثا واحدة بالمباشرة, واثنتان من المعلق وهو قياس قول الشافعي وقول بعض أصحابه وقال ابن عقيل: تطلق واحدة بالمباشرة ويلغو المعلق لأنه طلاق في زمن ماض, فلا يتصور وقوع الطلاق فيه وهو قياس نص أحمد وأبي بكر في أن الطلاق لا يقع في زمن ماض وبه قال أبو العباس بن القاص من أصحاب الشافعي وقال أبو العباس بن سريج, وبعض الشافعية: لا تطلق أبدا لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فإثباتها يؤدي إلى نفيها, فلا تثبت ولأن إيقاعها يفضي إلى الدور لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمتنع وقوعها, وما أفضى إلى الدور وجب قطعه من أصله ولنا أنه طلاق من مكلف مختار في محل لنكاح صحيح فيجب أن يقع, كما لو لم يعقد هذه الصفة ولأن عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وقوله سبحانه: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وكذلك سائر النصوص, ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية ويبطل شرعيته, فتفوت مصلحته فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فإنا إن قلنا: لا يقع الطلاق المعلق, فله وجه لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع, كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطا لوقوع الثلاث ولا يوجد المشروط قبل شرطه, فعلى هذا لا يمتنع وقوع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره وإن قلنا بوقوع الثلاث فوجهه أنه وصف الطلاق المعلق بما يستحيل وصفه به, فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال: أنت طالق طلقة لا تنقص عدد طلاقك, أو لا تلزمك أو قال للآيسة: أنت طالق للسنة أو قال: للبدعة وبيان استحالته أن تعليقه بالشرط يقتضي وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك لو أطلق لوقع بعده, وتعقيبه بالفاء في قوله: فأنت طالق يقتضي كونه عقيبه وكون الطلاق المعلق بعده قبله محال لا يصح الوصف به, فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال: إذا طلقتك فأنت طالق ثلاثا لا تلزمك ثم يبطل ما ذكروه بقوله: إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ نكاحها من رضاع, أو ردة أو وطء أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد عليه ما ذكروه, ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي: ما ذكروه ذريعة إلى أن لا يقع عليها الطلاق جملة وإن قال: أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع طلاقي بك واحدة أو قال: أنت طالق اليوم ثلاثا إن طلقتك غدا واحدة فالكلام عليها من وجه آخر وهو وارد على المسألتين جميعا وذلك أن الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها وقوع ما لا يتصور وقوعها معه, فيجب أن يقضي بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع ولا يجوز إبطال المتبوع لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده, كما لو قال في مرضه: إذا أعتقت سالما فغانم حر ولم يخرج من ثلثه إلا أحدهما فإن سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى إلى عتق المشروط دون الشرط, وذلك غير جائز ولا فرق بين أن يقول: فغانم حر قبله أو معه أو بعده أو تطلق كذا ها هنا.

فصل:

اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق, فقال القاضي في " الجامع " وأبو الخطاب: هو تعليقه على شرط أي شرط كان, إلا قوله: إذا شئت فأنت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة وهذا قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا فيتعلق الحكم به, كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فأشبه قوله: والله, وبالله وتالله وقال القاضي في " المجرد " هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على الفعل أو المنع منه, كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق وإن لم تدخلي فأنت طالق أو على تصديق خبره مثل قوله: أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم فأما التعليق على غير ذلك, كقوله: أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج أو إن لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس بحلف لأن حقيقة الحلف القسم, وإنما سمى تعليق الطلاق على شرط حلفا تجوزا لمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث, أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله: والله لأفعلن, أو لا أفعل أو لقد فعلت أو لم أفعل وما لم يوجد فيه هذا المعنى, لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي فإذا قال لزوجته: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال: إذا طلعت الشمس فأنت طالق لم تطلق في الحال على القول الثاني لأنه ليس بحلف وتطلق على الأول لأنه حلف وإن قال: كلما كلمت أباك فأنت طالق طلقت على القولين جميعا لأنه علق طلاقها على شرط يمكن فعله وتركه, فكان حلفا كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وإن قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاد ذلك طلقت واحدة, ثم كلما أعاده مرة طلقت حتى تكمل الثلاث لأن كل مرة يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة أخرى وبهذا قال الشافعي, وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيدا لاحقا ولنا, أنه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وقوله: إنه تكرار للكلام حجة عليه, فإن تكرار الشيء عبارة عن وجوده مرة أخرى فإذا كان في الأول حلفا فوجد مرة أخرى, فقد وجد الحلف مرة أخرى وأما التأكيد فإنما يحمل عليه الكلام المكرر إذا قصده وها هنا إن قصد إفهامها, لم يقع بالثاني شيء كما لو قال: أنت طالق أنت طالق يعني بالثانية إفهامها فأما إن كرر ذلك لغير مدخول بها, بانت بطلقة ولم يقع أكثر منها فإذا قال لها ذلك ثلاثا, بانت بالمرة الثانية ولم تطلق بالثالثة فإن جدد نكاحها, ثم أعاد ذلك لها أو قال لها: إن تكلمت فأنت طالق أو نحو ذلك, لم تطلق بذلك لأن شرط طلاقها إنما كان بعد بينونتها.

فصل:

وإن قال لامرأتيه: كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا لما ذكرنا فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية, فإذا أعاده مرة ثالثة لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم تكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجه, فلم يوجد الشرط فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعا فإن جدد نكاح البائن, ثم قال لها: إن تكلمت فأنت طالق فقد قيل: يطلقان حينئذ لأنه صار بهذا حالفا بطلاقها وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله في المرة الثالثة فطلقتا حينئذ, يقوى عندي أنه لا يقع الطلاق بهذه التي جدد نكاحها لأنها حين إعادته المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لأجنبية: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم تزوجها, وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها في المرة الثالثة وحلف بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها

فصل:

فإن كانت له امرأتان, حفصة وعمرة فقال: إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما وإن قال بعد ذلك: إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها على الحلف بطلاقهما, ولم تطلق حفصة لأنه ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها عليه فإن قال بعد هذا: إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن قال بعد هذا: إن حلفت بطلاقكما, فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس.

فصل:

وإن قال لإحداهما: إن حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الثانية لأن إعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط وقوع طلاق الثانية, ثم إن أعاد للأولى طلقت ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت, حتى يكمل للثانية ثلاث ثم إذا أعاده للأولى لم تطلق لأن الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفا بطلاقها ولو قال هذا القول لامرأة, ثم أعاده لها لم تطلق به واحدة منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها, ولم يعلق على ذلك طلاقا وإن قال للأولى إن حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الأولى لأن قوله ذلك للثانية حلف بطلاقها وشرط لوقوع الطلاق بالأولى ثم إن أعاده للأولى طلقت الثانية, ثم كلما أعاده لامرأة منهما على هذا الوجه طلقت الأخرى فإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة, بانت ولم تطلق صاحبتها بإعادة ذلك لها لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا, فهي كسائر الأجنبيات إن قال لإحداهما: إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك لم تطلق واحدة منهما ثم إن أعاد ذلك لإحداهما طلقت الأخرى, ثم إن أعاده للأخرى طلقت صاحبتها ثم كلما أعاده لامرأة, طلقت الأخرى إلا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم يبق من طلاقها إلا دون الثلاث, فإنها إذا بانت صارت كالأجنبية ولو قال ذلك لامرأة ابتداء ثم أعاده لها طلقت ضرتها بكل إعادة مرة, حتى تكمل الثلاث وإن قال لامرأة: إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال ثم إن قال للأولى مثل ما قال لها, أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة ولا يقع بالأولى بهذا طلاق لأن الحلف في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية ولو قال للأولى: إن حلفت بطلاقك, فأنت طالق ثم قال للثانية: إن حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق طلقت الأولى ثم متى أعاد أحد هذين الشرطين مرة أخرى طلقت الأولى مرة ثانية, وكذلك الثالثة ولا يقع بالثانية بهذا طلاق ولو قال لإحداهما: إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى: إذا حلفت بطلاق ضرتك, فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه في الموضعين علق طلاق الثانية على الحلف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها ولو أعاد ذلك لهما لم يقع طلاق بواحدة منهما, وسواء تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه.

فصل:

وإن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال: إن حلفت بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال: إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة وإن جعل مكان زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة, على الوجه الذي ذكرناه وإن قال: إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال: إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق ثم قال: إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق طلقت كل واحدة منهن طلقتين لأنه لما قال: إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف بطلاقها, فطلقت كل واحدة منهن طلقة ولما قال: إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق عمرة وزينب فطلقت كل واحدة منهن طلقة بحلفه بطلاق عمرة, ولم يقع بحلفه بطلاق زينب شيء لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية ولو كان مكان قوله: إن - كلما طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأن " كلما " تقتضي التكرار ولو قال: كلما حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية, طلقن ثلاثا ثلاثا لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه بطلاق كل واحدة منهن شرط لطلاقهن جميعا وإن قال: إن حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك, طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن " إن " لا تقتضي التكرار وإن قال بعد ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة منهن طلقة أخرى ولو قال: كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة وإن قال بعد ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين, طلق الجميع طلقة طلقة.

فصل:

وإن قال لزوجته: إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر طلقت ثم إن قال لعبده: إن حلفت بعتقك, فامرأتي طالق عتق العبد وإن قال له: إن حلفت بطلاق امرأتي فأنت حر ثم قال لها: إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده: إن حلفت بعتقك, فأنت حر ثم أعاد ذلك عتق العبد.

فصل:

وقد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم, جوابا له فإذا قال: أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق زوجته, فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث هذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن وعطاء, والزهري وسعيد بن جبير والشعبي, والثوري وأصحاب الرأي وقال شريح: يقع طلاقه وإن قام لأنه طلق طلاقا غير معلق بشرط فوقع, كما لو لم يقم ولنا أنه حلف بر فيه فلم يحنث, كما لو حلف بالله تعالى وإن قال: أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلا لم يحنث وإن لم يكن عاقلا, حنث كما لو قال: والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع الطلاق لأن الأصل بقاء النكاح, فلا يزول بالشك وإن قال: أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكله حنث وإلا فلا وإن قال: أنت طالق ما أكلته وكان صادقا, لم يحنث وإن كان كاذبا حنث كما لو قال: والله ما أكلته وإن قال: أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا, لم تطلق وإن كان كاذبا طلقت ولو قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال: أنت طالق لأكرمنك طلقت في الحال ولو قال: إن حلفت بعتق عبدي, فأنت طالق ثم قال: عبدي حر لأقومن طلقت المرأة وإن قال: إن حلفت بطلاق امرأتي فعبدي حر ثم قال: أنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد. فصل: وإن قال: إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال: إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة طلقتا معا حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة, ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت عمرة بالصفة لكونه علق طلاقها على طلاق حفصة, ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا إنما طلقت بالصفة السابقة على تعليقه طلاقها وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقا على طلاق عمرة, ووقوع الطلاق بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله: إن طلقت حفصة فعمرة طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معا, فهو تطليق فإن وجدا معا بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها وطلاق عمرة ها هنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه ولو قال لعمرة: كلما طلقت حفصة, فأنت طالق ثم قال لحفصة: كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة: أنت طالق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة وإن طلق حفصة ابتداء, لم يقع بكل واحدة منهما إلا طلقة لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء فإنه بدأ بتعليق طلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة ولو قال لعمرة: إن طلقتك, فحفصة طالق ثم قال لحفصة: إن طلقتك فعمرة طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين, وطلقت عمرة طلقة وإن طلق عمرة طلقت كل واحدة منهما طلقة لأنها عكس التي قبلها ذكر هاتين المسألتين القاضي في " المجرد " ولو قال لإحدى زوجتيه: كلما طلقت ضرتك, فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين, وطلقت الثانية طلقة وإن طلق الثانية طلقت كل واحدة منهما طلقة وإن قال: كلما طلقتك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى, طلقت كل واحدة منهما طلقة طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة, وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولى.

فصل:

وإن كان له ثلاث نسوة فقال: إن طلقت زينب فعمرة طالق وإن طلقت عمرة فحفصة طالق, وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها, وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعا للطلاق وليس بتطليق وإن طلق عمرة, طلقت حفصة ولم تطلق زينب لذلك وإن طلق حفصة طلقت زينب, ثم طلقت عمرة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها فإنه علق طلاقها بعد ذلك على تطليق حفصة, ثم طلق حفصة والتعليق مع تحقق شرطه تطليق وقد وجد التعليق وشرطه معا بعد تعليقه طلاق عمرة بتطليقها, فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقا فطلقت به عمرة بخلاف غيرها وإن قال لزينب: إن طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة: إن طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة: إن طلقت زينب فأنت طالق ثم طلق زينب, طلق الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق لها, وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضا والدليل على أنه تطليق لحفصة أنه أحدث فيها طلاقا, بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد تعليق طلاق عمرة بتطليقها وتحقق شرطه, والتعليق مع شرطه تطليق وقد وجدا معا بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة وإن طلق عمرة طلقت هي وزينب, ولم تطلق حفصة وإن طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا في المسألة التي قبلها وإن قال لزينب: إن طلقتك فضرتاك طالقتان, ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة مثل ذلك ثم طلق زينب, طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا إنما طلقتا بالصفة السابقة على تعليق الطلاق بطلاقها وإن طلق عمرة طلقت زينب طلقة, وطلقت عمرة وحفصة كل واحدة منهما طلقتين لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة واحدة وطلاق زينب تطليق لهما لأنه وقع بها بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقهما بتطليقها, فعاد على عمرة وحفصة بذلك طلقتان ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم وإن طلق حفصة طلقت ثلاثا لأنها طلقت واحدة بالمباشرة, فطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها بطلاقهما, فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها ثلاث وطلقت عمرة طلقتين, واحدة بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب لما ذكرناه وطلقت زينب واحدة لأن طلاق ضرتها بالصفة, ليس بتطليق في حقها وإن قال لكل واحدة منهن: كلما طلقت إحدى ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثا, وطلقت الثانية طلقتين والثالثة طلقة واحدة لأن تطليقه للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليها, لكونه واقعا بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها الثلاث, وعاد على الثانية من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما الواقع بالصفة شيء لأنه ليس بتطليق في حقها وإن طلق الثانية طلقت أيضا طلقتين وطلقت الأولى ثلاثا, والثالثة طلقة وإن طلق الثالثة طلقت الأولى طلقتين وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة.

فصل:

ولو قال لامرأته: إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده: إن قمت فامرأتي طالق فقام, طلقت المرأة وعتق العبد ولو قال لعبده: إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته: إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت المرأة, ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجود الصفة ففي الصورة الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله: إن طلقتك فعبدي حر وفي الصورة الأخرى لم يوجد بعد ذلك إلا الوقوع وحده فكانت الصفة سابقة, فلذلك لم يعتق العبد ولو قال لعبده: إن أعتقتك فامرأتي طالق ثم قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده: إن لم أضربك فامرأتي طالق عتق العبد وطلقت المرأة.

فصل:

ومتى علق الطلاق على صفات فاجتمعن في شيء واحد, وقع بكل صفة ما علق عليها كما لو وجدت مفترقة وكذلك العتاق, فلو قال لامرأته: إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت طويلا فأنت طالق وإن كلمت أسود فأنت طالق فكلمت رجلا أسود طويلا, طلقت ثلاثا وإن قال: إن ولدت بنتا فأنت طالق وإن ولدت سوداء فأنت طالق وإن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت بنتا سوداء, طلقت ثلاثا وإن قال: إن أكلت رمانة فأنت طالق وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت اثنتين وإن قال: كلما أكلت رمانة فأنت طالق, وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا لأن كلما تقتضي التكرار وفي الرمانة نصفان, فتطلق بأكلهما طلقتين وبأكل الرمانة طلقة فإن نوى بقوله: نصف رمانة نصفا مفردا عن الرمانة المشروطة أو كانت مع الكلام قرينة تقتضي ذلك, لم يحنث حتى تأكل ما نوى تعليق الطلاق به لأن مبنى الأيمان على النية.

فصل:

فإن قال: إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أعبد أحرار, وإن دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل أسود عتق من عبيده عشرة وإن كان له أربع نسوة فقال: إن طلقت امرأة منكن فعبد من عبيدي حر, وإن طلقت اثنتين فعبدان حران وإن طلقت ثلاثة فثلاثة أعبد أحرار, وإن طلقت أربعا فأربعة أعبد أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق من عبيده عشرة بالواحدة واحد, وبالاثنتين اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع أربعة لاجتماع هذه الصفات الأربع فيهن ولو علق ذلك بلفظة " كلما ", فقد قيل: يعتق عشرة أيضا والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبدا لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيعتق أربعة, وهن أربعة آحاد فيعتق بذلك أربعة وهن اثنتان واثنتان, فيعتق بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة وإن شئت قلت: يعتق بالواحدة واحد, وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة, وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة, وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع وهذا أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة, ولفظ " كلما " يقتضي التكرار فيجب تكرار الطلاق بتكرار الصفات وقيل: يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الثانية إلى الثالثة وقيل: يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثلاث وجدت مرة ثانية بضم الثانية والثالثة إلى الرابعة, وكلا القولين غير سديد لأنهما عدوا الثانية مع الأولى في صفة التثنية مرة ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرى وعدوا الثانية والثالثة في صفة التثليث مرتين, مرة مع الأولى ومرة مع الرابعة وما عد في صفة مرة, لا يجوز عده في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال: كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة لم تطلق إلا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال: إنها تطلق ثالثة بأن يضم الربع الثاني إلى الربع الثالث فيصيران نصفا ثالثا, وكذلك في مسألتنا لم تضم الأولى إلى الرابعة فيصيران اثنتين وعلى سياق هذا القول, ينبغي أن يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة بطلاق الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة وهي مع ما قبلها ثلاثة, وهي مع ضمها إلى الأولى اثنتان ومع ضمها إلى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان, ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني صفات هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع, وفيها صفة التثليث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث ومع الثانية والثالثة ثلاث, ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة وفيها صفة التثنية ثلاث مرات, هي مع الأولى اثنتان وهي مع الثانية اثنتان وهي مع الثالثة اثنتان, فيعتق بذلك ستة ويصير الجميع اثنين وثلاثين وما نعلم بهذا قائلا وهذا مع الإطلاق فأما إن نوى بلفظه غير ما يقتضيه الإطلاق, مثل أن ينوي بقوله: اثنتين غير الواحدة فيمينه على ما نواه ومتى لم يعين العبيد المعتقين, أخرجوا بالقرعة ولو قال: كلما أعتقت عبدا من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنين فامرأتان طالقتان ثم أعتق اثنين طلق الأربع, على القول الصحيح وعلى القول الأول يطلق ثلاث, ويخرجن بالقرعة ولو قال: كلما أعتقت عبدا من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان وكلما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار, وكلما أعتقت أربعة فأربع أحرار ثم أعتق أربعة عتق من جواريه بعدد ما طلق من النساء على ما ذكرنا وإن أعتق خمسا فعلى القول الأول, يعتق من جواريه ها هنا خمس عشرة وعلى القول الثاني يعتق إحدى وعشرون لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه واحدا, وهو مع ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن ما قبله قد عد في ذلك مرة, فلا يعد ثانية.

مسألة:

قال: [وإذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها حتى مات أو ماتت وقع الطلاق بها في آخر أوقات الإمكان] وجملة ذلك أن حرف " إن " موضوع للشرط, لا يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين, ولا يقتضي تعجيلا فما علق عليه كان على التراخي سواء في ذلك الإثبات والنفي فعلى هذا إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا, ولم يطلقها كان ذلك على التراخي ولم يحنث بتأخيره لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه, فلم يفت الوقت فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه وقع, إذ لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا ولو قال: إن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبيل موته لأن تطليقه لحفصة على وجه تنحل به يمينه, إنما يكون في حياتهم جميعا وكذلك لو قال: إن لم أعتق عبدي أو إن لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا فأما إن عين وقتا بلفظه, أو بنيته تعين وتعلقت يمينه به قال أحمد, -رحمه الله-: إذا قال: إن لم أضرب فلانا فأنت طالق ثلاثا فهو على ما أراد من ذلك وذلك لأن الزمان المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بنيته وإرادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبنى الأيمان على النية, لقول النبي -ﷺ-: (إنما لامرئ ما نوى).

فصل:

ولا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال سعيد بن المسيب, والحسن والشعبي ويحيى الأنصاري, وربيعة ومالك وأبو عبيد: لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل عدم الفعل, ووقوع الطلاق وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك وقال الأنصاري وربيعة ومالك: يضرب له أجل المولي, كما لو حلف أن لا يطأها ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم, فحل له الوطء فيه كما لو قال: إن طلقتك فأنت طالق وقولهم: الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا: هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق فلم يقتض حكمه, ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزا وعلى أن الطلاق ها هنا إنما يقع في زمن لا يمكن الوطء بعده, بخلاف قوله: إن وطئتك فأنت طالق.

فصل:

إذا كان المعلق طلاقا بائنا فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها, كما لو طلقها ناجزا عند موتها وإن مات ورثته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها, ورثته وإن ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء, ويحيى الأنصاري ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضا وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي, وأبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط وقوعه في المرض فلم ترثه, كما لو علقه على فعلها ففعلته في مرضه وقال أبو حنيفة إن حلف إن لم تأت البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنهما لا يتوارثان وإن قال: إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات, ورثته وإن ماتت لم يرثها لأنه في الأولى علق الطلاق على فعلها فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق, فلم ترثه كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها وإذا علقه على فعل نفسه فامتنع, كان الطلاق منه فأشبه ما لو نجزه في الحال ووجه الأول أنه طلاق في مرض موته فمنعه ميراثه, ولم يمنعها كما لو طلقها ابتداء ولأن الزوج أخر الطلاق اختيارا منه حتى وقع ما علق عليه في مرضه, فصار كالمباشر له فأما ما ذكر عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف عليها لتتركه وإن كان مما فيه مشقة, فلا ينبغي أن يسقط ميراثها بتركه كما لو حلف عليها لترك ما لا بد لها من فعله ففعلته.

فصل

إذا حلف ليفعلن شيئا, ولم يعين له وقتا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي أيضا فإن لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده, ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة: {قل بلى وربي لتأتينكم} وقال: {قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم} ولما قال: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} كان ذلك على التراخي فإن الآية أنزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان ولذلك روي (عن عمر أنه قال: قلت للنبى -ﷺ-: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال بلى فأخبرتك أنك آتيه العام؟ قلت: لا قال: فإنك آتيه, ومطوف به) وهذا مما لا خلاف فيه نعلمه.

فصل:

إذا قال لامرأته: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ولم يطلقها طلقت إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فيه, على مقتضى هذه المسألة وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي وحكى القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر, وابن سريج لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه, فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كموت أحدهما في اليوم وذلك لأن معنى يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها, فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسألتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه باطل بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل طلاقها يفوت بموته, ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا ها هنا ولو قال لها: أنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم, أو إن لم اشتر لك اليوم ثوبا ففيه الوجهان والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه وإن قال لها: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف وفي محل وقوعه وجهان أحدهما, في آخر اليوم والثاني بعد خروجه وإن قال لها: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك فهو كقوله: أنت طالق اليوم, إن لم أطلقك اليوم لأنه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط.

فصل:

وإن قال لعبده: [ إن ] لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم, ففيه الوجهان وإن أعتق العبد أو مات أو مات الحالف, أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات بيعه, وإن دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال: يقع الطلاق بذلك, كما لو مات وإن وهب العبد لإنسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه, فلم يفت بيعه ولو قال: إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد, لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع فإن عتق بالكتابة أو غيرها, وقع الطلاق حينئذ لأنه فات بيعه.

مسألة:

قال: [وإن قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق] (وقع بها الثلاث في الحال إذا كان مدخولا بها] إنما كان كذلك, لأن كلما تقتضي التكرار قال الله تعالى: {كلما جاء أمة رسولها كذبوه} وقال: {كلما دخلت أمة لعنت أختها} فيقتضي تكرار الطلاق بتكرر الصفة والصفة عدم تطليقه لها, فإذا مضى بعد يمينه زمن يمكن أن يطلقها فيه فلم يطلقها فقد وجدت الصفة, فيقع طلقة وتتبعها الثانية والثالثة إن كانت مدخولا بها, وإن لم تكن مدخولا بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يلحقها طلاق فأما إن قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق أو: متى لم أطلقك فأنت طالق أو: أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فإنها تطلق واحدة, ولا يتكرر إلا على قول أبي بكر في " متى " فإنه يراها للتكرار فيتكرر الطلاق بها مثل " كلما " إلا أن " متى " و " أي وقت " يقتضيان الطلاق على الفور فمتى مضى زمن يمكن أن يطلقها فيه, ولم يطلقها في الحال وأما " إذا " ففيها وجهان أحدهما هي على الفور لأنها اسم وقت فهي كمتى والثاني أنها على التراخي لأنها كثر استعمالها في الشرط, فهي كإن فعلى هذا إذا قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما وإن قال: متى لم أحلف بطلاقك فأنت طالق أو: أي وقت لم أحلف بطلاقك فأنت طالق وكرره ثلاثا متواليات طلقت مرة واحدة لأنه لم يحنث في المرة الأولى, ولا الثانية لكونه حلف عقيبيهما وحنث في الثالثة وإن سكت بين كل يمينين سكوتا يمكنه الحلف فيه طلقت ثلاثا وإن قال ذلك بلفظة إذا, وقلنا: هي على الفور فهي كمتى وإلا لم تطلق إلا واحدة في آخر حياة أحدهما.

فصل:

والحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق بها ستة إن وإذا, ومتى ومن وأي وكلما فمتى علق الطلاق بإيحاد فعل بواحد منها كان على التراخي, مثل قوله: إن خرجت وإذا خرجت ومتى خرجت, وأي حين وأي زمان وأي وقت خرجت, وكلما خرجت ومن خرجت منكن وأيتكن خرجت فهي طالق فمتى وجد الخروج طلقت وإن مات أحدهما, سقطت اليمين فأما إن علق الطلاق بالنفي بواحد من هذه الحروف كانت " إن " على التراخي ومتى, وأي ومن وكلما, على الفور لأن قوله: متى دخلت فأنت طالق يقتضي أي زمان دخلت فأنت طالق وذلك شائع في الزمان كله فأي زمن دخلت وجدت الصفة وإذا قال: متى لم تدخلي فأنت طالق فإذا مضى عقيب اليمين زمن لم تدخل فيه وجدت الصفة لأنها اسم لوقت الفعل, فيقدر به ولهذا يصح السؤال به فيقال: متى دخلت؟ أي: أي وقت دخلت وأما " إن " فلا تقتضي وقتا, فقوله: إن لم تدخلي لا يقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله وأما إذا, ففيها وجهان أحدهما هي على التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى إن قال الشاعر: استغن ما أغناك ربك بالغنى ** وإذا تصبك خصاصة فتجمل فجزم بها كما يجزم بأن, ولأنها تستعمل بمعنى متى وإن وإذا احتملت الأمرين فاليقين بقاء النكاح, فلا يزول بالاحتمال والوجه الآخر أنها على الفور وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن مستقبل فتكون كمتى وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها, فإن متى يجازى بها ألا ترى إلى قول الشاعر: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد و " من " يجازى بها أيضا وكذلك " أي " وسائر الحروف وليس في هذه الحروف ما يقتضي التكرار إلا كلما, وذكر أبو بكر في " متى " أنها تقتضي التكرار أيضا لأنها تستعمل للتكرار بدليل قوله: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد أي: في كل وقت ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه والصحيح أنها لا تقتضيه لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت, وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها, لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فإنهما يستعملان في الأمرين, قال الله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم} {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} وقال الشاعر: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه ** لهم ساروا إليه زرافات ووحدانا وكذلك أي: وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها, إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك متى.

فصل:

وهذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها, لم تحتج إلى حرف في الجزاء كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار وإن تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدإ وخبر, كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه وتدل على تعقيبه به فإن قال: إن دخلت الدار أنت طالق لم تطلق حتى تدخل وبه قال بعض الشافعية, وقال محمد بن الحسن: تطلق في الحال لأنه لم يعلقه بدخول الدار لأنه إنما يعلق بالفاء وهذه لا فاء فيها, فيكون كلاما مستأنفا غير معلق بشرط فيثبت حكمه في الحال ولنا أنه أتى بحرف الشرط, فيدل ذلك على أنه أراد التعليق به وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما يحذف المبتدأ تارة, ويحذف الخبر أخرى لدلالة باقي الكلام على المحذوف ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير, فكأنه أراد: أنت طالق إن دخلت الدار فقدم الشرط ومراده التأخير ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة, وتصحيحه عن الفساد وجب وفيما ذكرنا تصحيحه, وفيما ذكروه إلغاؤه وإن قال: أردت الإيقاع في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال: أنت طالق وإن دخلت الدار وقع الطلاق في الحال لأن معناه أنت طالق في كل حال ولا يمنع من ذلك دخولك الدار كقول النبي -ﷺ-: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة, وإن زنى وإن سرق " وقال: " صلهم وإن قطعوك وأعطهم وإن حرموك " وإن قال: أردت الشرط, دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ولا تطلق بدخول الأخرى وقال ابن الصباغ: تطلق بدخول كل واحدة منهما وقد ذكرنا أن مقتضى اللغة ما قلناه وإن قال: أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا طلقت بكل واحد منهما لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال: أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية, فهو على ما أراده وإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الأخرى طلقت بدخول إحداهما لأنه عطف شرطا على شرط فإن قال: أردت أن دخول الثانية يمنع وقوع الطلاق قبل منه لأنه محتمل وطلقت بدخول الأولى وحدها وإن قال: إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقد قيل: لا تطلق إلا بدخولهما لأنه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد منهما جزاء, فترك ذكر جزاء الأول وكان الجزاء الآخر دالا عليه كما لو قال: ضربت وضربني زيد قال الفرزدق: ولكن نصفا لو سببت وسبني ** بنو عبد شمس من قريش وهاشم والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم وقال الله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد وإن قال: إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت لأن الواو ليست للجزاء, وقد تكون للابتداء فإن قال: أردت بها الجزاء أو قال: أردت أن أجعل دخولها في حال كونها طالقا شرطا لشيء ثم أمسكت دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين وإن جعل لهذا جزاء فقال: إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر صح, ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق لأن الواو ها هنا للحال كقول الله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} وقوله: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار طالقا فدخلت وهي طالق طلقت أخرى, وإن دخلتها غير طالق لم تطلق لأن هذا حال فجرى مجرى قوله: أنت طالق إن دخلت الدار راكبة وإن قال: أنت طالق لو قمت كان ذلك شرطا بمنزلة قوله: إن قمت وهذا يحكي عن أبي يوسف, ولأنها لو لم تكن للشرط كانت لغوا والأصل اعتبار كلام المكلف وقيل: يقع الطلاق في الحال وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها بعد الإثبات تستعمل لغير المنع كقوله تعالى: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} {ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} وإن قال: أردت أن أجعل لها جوابا دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. فصل: فإن قال: إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعا سواء تقدم الأكل أو تأخر لأن الواو للعطف ولا تقتضي ترتيبا وإن قال: إن أكلت أو لبست فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما لأن أو لأحد الشيئين وكذلك إن قال: إن أكلت, أو إن لبست أو لا أكلت ولا لبست وإن قال: أنت طالق لا أكلت ولبست لم تطلق إلا بفعلهما إلا على الرواية التي تقول: يحنث بفعل بعض المحلوف عليه فإنه يحنث بأحدهما ها هنا وإن قال: أنت طالق إن أكلت فلبست, أو إن أكلت ثم لبست لم تطلق حتى تأكل ثم تلبس لأن الفاء وثم للترتيب وإن قال: أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو: إن أكلت متى لبست أو: إن أكلت إن لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل لأن اللفظ اقتضى تعليق الطلاق بالأكل بعد اللبس ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط, فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط قال الله تعالى: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} فلو قال لامرأته: إن أعطيتك, إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله, ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال: إن سألتني, فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وبهذا قال أبو حنيفة, والشافعي وقال القاضي إذا كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا كان بإن مثل قوله: إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين بما يعرفه أهل العرف, بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف فإن هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادرا, فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند أهل الشأن كسائر مسائل هذا الفصل.

فصل:

فإن قال: أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة فقال أبو بكر: تطلق في الحال لأن " أن " المفتوحة ليست للشرط, وإنما هي للتعليل فمعناه: أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك كقول الله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا} {وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} {يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم} وقال القاضي: قياس قول أحمد, أنه إن كان نحويا وقع طلاقه وإن لم يكن نحويا فهي للشرط لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل, فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق بكلمة الطلاق بلسان لا يعرفه وحكي عنابن حامد, أنه قال في النحوي أيضا: لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينويه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه أحدها يقع طلاقه في الحال والثاني, يكون شرطا في حق العامي وتعليلا في حق النحوي والثالث يقع الطلاق إلا أن لا يكون من أهل الإعراب, فيقول: أردت الشرط فيقبل لأنه لا يجوز صرف الكلام عما يقتضيه إلا بقصده وإن قال: أنت طالق إذ دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للماضي ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض فأشبه قوله: أنت طالق أمس.

فصل:

وإذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعا, في قول عامة أهل العلم وخرج القاضي وجها في وقوعه بوجود أحدهما بناء على إحدى الروايتين في من حلف أن لا يفعل شيئا ففعل بعضه وهذا بعيد جدا, يخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل العلم فإنه لا خلاف بينهم في المسائل التي ذكرناها في الشرطين جميعا وإذا اتفق العلماء على أنه لا يقع طلاقه لإخلاله بالترتيب في الشرطين المرتبين في مثل قوله: إن أكلت ثم لبست فلإخلاله بالشرط كله أولى, ثم يلزم على هذا ما لو قال: إن أعطيتني درهمين فأنت طالق وإذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي أن يقع الطلاق بإعطائه بعض درهم ومضى بعض يوم, وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما وقد نص أحمد على أنه إذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق وإذا قال: إذا صمت يوما فأنت طالق أنها لا تطلق حتى تحيض حيضة كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي تصوم فيه طلقت, وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسألتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين معا لتصريحه بهما, وجعلهما شرطا للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه, فيقتضي المنع من فعل جميعه لنهي الشارع عن شيء يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته, وما علق على شرط جعل جزاء وحكما له والجزاء لا يوجد بدون شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه, لغة وعرفا وشرعا. فصول في تعليق الطلاق: إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق فقالت: قد حضت فصدقها طلقت, وإن كذبها ففيه روايتان إحداهما يقبل قولها لأنها أمينة على نفسها وهذا قول أبي حنيفة, والشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله تعالى قال: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} قيل: هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول لما حرم عليها كتمانه وصار هذا كما قال الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة} لما حرم كتمانها دل على قبولها, كذا ها هنا ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها والرواية الثانية, لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه, فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا قال أحمد في رواية مهنا, في رجل قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر فقالت: قد حضت: ينظر إليها النساء فتعطى قطنة وتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض, تطلق ويعتق العبد وقال أبو بكر: وبهذا أقول وهذا لأن الحيض يمكن التوصل إلى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب, ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل يعتبر يمينها إذا قلنا: القول قولها؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها, فأنكرها ولا يقبل قولها إلا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد, في رجل قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأته الأخرى قالت: قد حضت من ساعتها أو بعد ساعة تطلق هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة على نفسها, ولا يجعل طلاق هذه بيدها وهذا مذهب الشافعي وغيره لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره ولو قال: قد حضت فأنكرت طلقت بإقراره فإن قال: إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت: قد حضت فصدقها, طلقتا بإقراره وإن كذبها طلقت وحدها وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم يقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به, وإنما اؤتمنت على نفسها في حيضها وإن قال: قد حضت فأنكرت طلقتا بإقراره ولو قال لامرأتيه: إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا: قد حضنا فصدقهما طلقتا, وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها, وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان وإن صدق إحداهما, وكذب الأخرى طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في طلاقها, ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها وما صدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها. فصل: فإن قال لأربع: إن حضتن فأنتن طوالق فقلن: قد حضنا فصدقهن, طلقن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وإن صدق واحدة أو اثنتين, لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها, وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت, ولا يطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن.

فصل:

وإن قال لهن: كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق فقلن: قد حضنا, فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة, طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة ولم تطلق هي لأنه لم يثبت حيض ضرة لها وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة, وطلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين طلقتين.

فصل:

إذا قال لطاهر: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا, حكمنا بوقوع الطلاق كما يحكم بكونه حيضا في المنع من الصلاة وغيرها مما يمنع منه الحيض وإن بان أنه ليس بحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض, بان أن الطلاق لم يقع وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روي عنه, أنه يحنث حين تكلم به وقد سبق الكلام معه في هذا وإن قال لحائض: إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ولو قال لطاهر: إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وهذا يحكي عن أبي يوسف وقال بعض أصحاب الشافعي: الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من حيضها وطهرها في المسألتين لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته ولنا أن إذا اسم زمن مستقبل, يقتضي فعلا مستقبلا وهذا الحيض والطهر مستدام غير متجدد ولا يفهم من إطلاق: حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك, فتعلقت الصفة به ولو قال لطاهر: إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه أحمد لأنه لا توجد حيضة كاملة إلا بذلك ولو قال لحائض: إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأول الطهر وتطلق في الموضعين بانقطاع دم الحيض قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي وذكر أبو بكر, في " التنبيه " فيها قولا أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل ولنا, أن الله تعالى قال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} أي: ينقطع دمهن {فإذا تطهرن} أي: اغتسلن ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام موقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين, فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر.

فصل:

فإن قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة, فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها منها وإن قال إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب, فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى لكونهما مرتبتين عليها.

فصل:

فإن قال: إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها, لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق ويحتمل أنه لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأننا لا نتيقن مضى نصف الحيضة إلا بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك, ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة وقيل: يلغو قوله: نصف حيضة ويبقى طلاقها معلقا بوجود الحيض والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة وله نصف حقيقة, والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل.

فصل:

وإن قال لامرأتيه: إذا حضتما حيضة واحدة, فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير: إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان كقول الله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} أي: اجلدوا كل واحد منهم ثمانين ويحتمل أن يتعلق الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما, وجبت إضافته إلى إحداهما كقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من أحدهما وقال القاضي: يلغو قوله: حيضة واحدة لأن حيضة واحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال: إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي, والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فتصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محمل سائغ, وتبعيد لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا, وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك, قبل منه وإذا قال: أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق للطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله: حيضة ويحتمل أن لا يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد, فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع الطلاق في الحال ويلغو الشرط, بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل.

فصل:

وإذا كان له أربع نسوة فقال: أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت, فمضى الوقت ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات وإن وطئ ثلاثا وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطوءة, وتطلق كل واحدة من الموطوآت طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين طلقتين وطلقت المتروكتان طلقة طلقة وإن وطئ واحدة طلقت ثلاثا وطلقت كل واحدة من المتروكات طلقتين طلقتين وإن لم يقيده بوقت, كان وقت الطلاق مقيدا بعمره وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك, وإن مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته.

فصل:

فإن قال: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت وإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين, ولم يكن يطؤها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد وإن مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين وإن كان يطؤها, وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين نظرت فإن ظهرت علامات الحمل من انقطاع الحيض ونحوه, قبل وطئه أو قريبا منه بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطء الثاني, لم تطلق وإن حاضت أو وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت وإن لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان أحدهما, تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء والثاني لا تطلق لأن اليقين بقاء النكاح فلا يزول بشك واحتمال, ولا يجوز للزوج وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق والاستبراء ها هنا بحيضة فإن وجدت الحيضة على عادتها, تبينا وقوع طلاقها وإن لم تأت في عادتها كان ذلك دليلا على حملها وحل وطئها وإن قال: إن كنت حاملا فأنت طالق فهي عكس المسألة التي قبلها, ففي الموضع الذي يقع الطلاق ثم لا يقع ها هنا وفي الموضع الذي لا يقع ثم يقع ها هنا إلا أنها إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر, من حين وطء الزوج بعد اليمين ولأقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن تعين النكاح باق, والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ولا يحل له الوطء حتى يستبرئها نص عليه أحمد قال القاضي: يحرم الوطء سواء قلنا: الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى لا يحرم الوطء لأن الأصل بقاء النكاح, وبراءة الرحم من الحمل وإذا استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكون الاستبراء بحيضة قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا قال لامرأته: متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض, فإذا طهرت وطئها فإن تأخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن, انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل وذكر القاضي فيها رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة قروء ولأنه استبراء الحرة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وقد حصل بحيضة, ولهذا قال عليه السلام: (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) يعني: تعلم براءتها بحيضة ولأن ما يعلم به البراءة في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة, ففيها نوع تعبد لا يجوز أن يعدى بالقياس وهل تعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها؟ على وجهين أصحهما الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين والثاني, لا يعتد به لأن الاستبراء لا يتقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة قال أحمد إذا قال لامرأته: إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له, فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت به.

فصل:

إذا قال: إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة, وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى, طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة, تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها, وإن كانت الجارية أولهما ولادة طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية, وانقضت عدتها بوضع الغلام وإن قال لها: إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بجارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية, طلقت ثلاثا وإن قال: إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا هو جارية ذكره القاضي, في " المجرد " وأبو الخطاب وبه قال الشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال: القاضي في " الجامع ": في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين في من حلف: لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها.

فصل:

فإن قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا دفعة واحدة, طلقت ثلاثا لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة وإن ولدتهم في دفعات من حمل واحد طلقت بالأولين وبانت بالثالث, ولم تطلق ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عنابن حامد أنها تطلق لأن زمان البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما ولنا, أن العدة انقضت بوضع الحمل فصادفها الطلاق بائنا ولم يقع كما لو قال: إذا مت فأنت طالق وقد نص أحمد, في من قال: أنت طالق مع موتي أنها لا تطلق فهذا أولى وإن قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن ولدتهما في دفعتين, وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم يقع به شيء, إلا على قول ابن حامد فإن أشكل الأول منهما أو كيفية وضعهما طلقت واحدة بيقين, ولا تلزمه الثانية والورع أن يلتزمها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاضي: قياس المذهب أن يقرع بينهما وإن قال: إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة, لم يقع بها شيء لأنه لا أول فيهما فلم توجد الصفة وإن ولدتهما في دفعتين وقع بالأول ما علق عليه, ولم يقع بالثاني شيء.

فصل:

وإذا قال لامرأته: إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة لأن إعادته تكليم لها وشرط لطلاقها فإن أعاده ثالثة, طلقت ثانية إلا أن يكون غير مدخول بها فتبين بالأولى ولا يلحقها طلاق ثان, وإن أعاده رابعة طلقت الثالثة وإن قال: إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك, أو فتحققي ذلك حنث لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ وإن زجرها, فقال: تنحي أو اسكتي أو اذهبي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكره فقال: الكاذب عليه لعنة الله حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها وإن كلمها وهي نائمة, أو مغلوبة على عقلها بإغماء أو جنون لا تسمع أو بعيدة لا تسمع كلامه, أو صماء بحيث لا تفهم كلامه ولا تسمع أو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا, لم يحنث وقال أبو بكر يحنث في جميع ذلك لقول أصحاب النبي -ﷺ-: كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ ولنا أن التكلم فعل يتعدى إلى المتكلم وقد قيل: إنه مأخوذ من الكلم, وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا بإسماعه فأما تكليم النبي -ﷺ- الموتى, فمن معجزاته فإنه قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي -ﷺ-: كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ حجة لنا, فإنهم قالوا ذلك استبعادا أو سؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي -ﷺ- حكمة ذلك بأمر مختص به, فيبقى الأمر في حق من سواه على النفي وإن حلف: لا كلمت فلانا فكلمته سكران حنث لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه, وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمته, وهو صبي أو مجنون يسمع ويعلم أنه مكلم حنث وإن جنت هي ثم كلمته, لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم.

فصل:

فإن حلف لا يكلم إنسانا فكلمه بحيث يسمع, فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنه كلمه وإنما لم يسمع لغفلته, أو شغل قلبه وإن كلمه ولم يعرفه فإن كانت يمينه بالطلاق حنث قال أحمد, في رجل حلف بالطلاق أن لا يكلم حماته فرآها بالليل, فقال: من هذا؟: حنث قد كلمها وإن كانت يمينه بالله تعالى أو يمينا مكفرة, فالصحيح أنه لا يحنث لأنه لم يقصد تكليمه فأشبه الناسي ولأنه ظن المحلوف عليه غيره, فأشبه لغو اليمين وإن سلم عليه حنث لأنه كلمه بالسلام وإن سلم على جماعة هو فيهم وأراد جميعهم بالسلام, حنث لأنه كلمهم كلهم وإن قصد بالسلام من عداه لم يحنث لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع, وإن لم يعلم أنه فيهم ففيه روايتان إحداهما: يحنث لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم والثانية لا يحنث لأنه لم يقصده ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق لأنه لا يعذر فيهما بالنسيان والجهل, في الصحيح من المذهب وعدم الحنث على اليمين المكفرة فإن كان الحالف إماما والمحلوف عليه مأموما, لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف وإن حلف لا يكلم فلانا, فكلم إنسانا وفلانا يسمع يقصد بذلك إسماعه, كما قال: إياك أعني واسمعي يا جاره حنث نص عليه أحمد قال: إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا, وفلان يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث, فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيادا فعزم زياد على الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره, وأخذ ابنه في حجره فقال: إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله -ﷺ- بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج, ولم ير أنه كلمه والأول الصحيح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه.

فصل:

فإن كتب إليه, أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن يكون قصد أن لا يشافهه نص عليه أحمد, وذكره الخرقي [ في ] موضع آخر وذلك لقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} ولأن القصد بالترك لكلامه هجرانه ولا يحصل مع مواصلته بالرسل والكتب ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بتكليم حقيقة, ولو حلف ليكلمنه لم يبر بذلك إلا أن ينويه, فكذلك لا يحنث به ولو حلف لا يكلمه فأرسل إنسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أو حديث فجاء الرسول, فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك وإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها, لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته: إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أله أن يجامعها ولا يكلمها؟ فقال: أي شيء كان بدو هذا أيسوءها أو يغيظها؟ فإن لم يكن له نية, فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس, فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القراءة قال أحمد: إذا حلف: لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه, فإن أراد أن لا يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه.

فصل:

فإن قال لامرأتيه: إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة رجلا ففيه وجهان أحدهما, يحنث لأن تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال: إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال: إن ركبتما دابتيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها والوجه الثاني, لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معا لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهكذا لو قال: إن دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كالأولى وهذا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحد به فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحد فيه بالواحد كنحو: ركبا دابتيهما, ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما واعتقلا رمحيهما, ودخلا بزوجيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة فيه بذلك, فهو على الوجهين والله أعلم ولو قال: إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا حنث لأنه يستحيل أن تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إن كلمت زيدا, ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون فيه محمد مع خالد وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله: محمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع والصحيح ما قلنا لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من قطعه والرفع لا ينفي كونه حالا فإن الجملة من المبتدإ والخبر تكون حالا, كقوله تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} وقال: {إلا استمعوه وهم يلعبون} {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع إمكان وصله به ولو قال: إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد فأنت طالق لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد, فكذلك إذا تأخر قوله: محمد مع خالد ولو قال: أنت طالق إن كلمت زيدا وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته وكذلك لو قال: أنت طالق إن كلمت زيدا وأنت راكبة أو وهو راكب أو: ومحمد راكب لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال: أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض.

فصل:

فإن قال: إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو: حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه, حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال: أردت إن استدمت كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إن شئت أو: إذا شئت أو: متى شئت أو: كلما شئت أو: كيف شئت أو: حيث شئت أو: إني شئت لم تطلق حتى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها, فتقول: قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب, فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع طلاق ولو قالت: قد شئت بلسانها وهي كارهة, لوقع الطلاق اعتبارا بالنطق وكذلك إن علق الطلاق بمشيئة غيرها ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق, سواء كان على الفور أو التراخي نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال: أنت طالق حيث شئت أو: إني شئت ونحو هذا قال الزهري, وقتادة وقال أبو حنيفة دون صاحبيه: إذا قال: أنت طالق كيف شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها, فأشبه ما لو قال: حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف: إن شاءت في الحال وإلا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور, كقوله: اختاري وقال أصحاب الرأي في " إن " كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي فحملت على مقتضاها, بخلاف " إن " فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد, بالفور بقضية التمليك وقال الحسن وعطاء: إذا قال: أنت طالق إن شئت إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط, فكان على التراخي كسائر التعليق ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة, فكان على التراخي كالعتق وفارق: اختاري فإنه ليس بشرط إنما هو تخيير, فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن مات من له المشيئة أو جن, لم يقع الطلاق لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكي عنأبي بكر أنه يقع وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كما لو قال: أنت طالق إن دخلت الدار, وإن شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وإن شاء وهو سكران فالصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل, فهو كالمجنون وقال أصحابنا: يخرج على الروايتين في طلاقه والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه كي لا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه, وهاهنا إنما يقع الطلاق بغيره فلا يصح منه في حال زوال عقله وإن شاء, وهو طفل لم يقع لأنه كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة, ولذلك صح اختياره لأحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالإشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق, ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس, ففيه وجهان أحدهما يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئة والثاني, لا يقع بها لأنه حال التعليق كان لا يقع إلا بالنطق فلم يقع بغيره, كما لو قال في التعليق: إن نطق فلان بمشيئته فهي طالق.

فصل:

فإن قيد المشيئة بوقت فقال: أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين, لم يقع حتى توجد مشيئتهما وخرج القاضي وجها أنه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه, وقد بينا فساد هذا فإن قال: أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فقالت: قد شئت إن شاء أبى فقال أبوها: قد شئت لم تطلق لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر خفي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك لو قال: أنت طالق إن شئت فقالت: قد شئت إن شئت فقال: قد شئت أو قالت: قد شئت إن طلعت الشمس لم يقع نص أحمد, على معنى هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي وإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت طالق إن شئت فقالت: قد شئت إن شاء فلان أنها قد ردت الأمر ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان وذلك لأنه لم توجد منها مشيئة, وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة وإن علق الطلاق على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور, والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعا.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إلا أن تشائي أو: يشاء زيد فقالت: قد شئت لم تطلق وإن أخرا ذلك طلقت وإن جن من علق الطلاق بمشيئته طلقت في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط لم يوجد, وكذلك إن مات فإن خرس فشاء بالإشارة خرج فيه وجهان بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقه على مشيئته.

فصل:

فإن قال: أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلم تشأ, أو شاءت أقل من ثلاث طلقت واحدة وإن قالت: قد شئت ثلاثا فقال أبو بكر: تطلق ثلاثا وقال أصحاب الشافعي وأبي حنيفة: لا تطلق إذا شاءت ثلاثا لأن الاستثناء من الإثبات نفي فتقديره: أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلا تطلقي, ولأنه لو لم يقل: ثلاثا لما طلقت بمشيئتها ثلاثا فكذلك إذا قال: ثلاثا لأنه إنما ذكر الثلاث صفة لمشيئتها الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال: أنت طالق إلا أن تكرري يبمشيئتك ثلاثا وقال القاضي: فيها وجهان أحدهما, لا تطلق لما ذكرنا والثاني تطلق ثلاثا لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام إيقاع الثلاث إذا شاءتها كما لو قال: له على درهم إلا أن يقيم البينة بثالثة, وخذ درهما إلا أن تريد أكثر منه ومنه قول النبي -ﷺ-: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) أي إن بيع الخيار ثبت الخيار فيه بعد تفرقهما وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فقالت: قد شئت واحدة طلقت واحدة, على قول أبي بكر وعلى قولهم: لا تطلق شيئا.

فصل:

فإن قال: أنت طالق لمشيئة فلان أو: لرضاه أو: له طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه أو ليرضى به, كقوله: هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال: أردت به الشرط دين قال القاضي: يقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله: أنت طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إن أحببت أو: إن أردت أو: إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بقولها بلسانها: قد أحببت أو: أردت أو: كرهت لأن هذه المعاني في القلب, لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلها فتعلق الحكم بقولها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك, ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه, وإن لم يتلفظ به ولو قالت: أنا أحب ذلك ثم قالت: كنت كاذبة لم تطلق وإن قال: إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق فقالت: أنا أحب ذلك فقد سئل أحمد عنها فلم يجب فيها بشيء, وفيها احتمالان أحدهما لا تطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك, وخبرها بحبها له كذب معلوم فلم يصلح دليلا على ما في قلبها والاحتمال الثاني أنها تطلق وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من لسانها, فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة, ولا فرق بين قوله: إن كنت تحبين ذلك وبين قوله: إن كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب.

فصل:

فإن قال: أنت طالق -إن شاء الله تعالى- طلقت وكذلك إن قال: عبدي حر -إن شاء الله تعالى- عتق نص عليه أحمد في رواية جماعة, وقال: ليس هما من الأيمان وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول وقتادة, والزهري ومالك والليث, والأوزاعي وأبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك العتاق وهو قول طاوس, والحكم وأبي حنيفة والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها, فلم يقع كما لو علقه على مشيئة زيد وقد قال رسول الله -ﷺ-: (من حلف على يمين, فقال: إن شاء الله لم يحنث) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص بإسناده وعن أبي بردة نحوه وروى ابن عمر, وأبو سعيد قالا: كنا معاشر أصحاب رسول الله -ﷺ- نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في العتاق والطلاق ذكره أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع وإن قدر أنه قول بعضهم فانتشر, ولم يعلم له مخالف فهو إجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق, فلم يصح كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه استثناء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة, كالبيع والنكاح ولأنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله, كما لو قال: أبرأتك إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق والعتاق إنشاء, وليس بيمين حقيقة وإن سمى بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله, ثم إن الطلاق إنما سمى يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ومجرد قوله: أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا, فلم يمكن الاستثناء بعد يمين وقولهم: علقه على مشيئة لا تعلم قلنا: قد علمت مشيئة الله الطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة: قد شاء الله حين أذن أن يطلق ولو سلمنا أنها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه, فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله فعن أحمد فيه روايتان إحداهما, يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ولما ذكرناه في الفصل الأول والثانية, لا تطلق وهو قول أبي عبيد لأنه إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله لم يحنث) وفارق ما إذا لم يعلقه, فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم.

فصل:

فإن قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم وإن قال: أنت طالق إن لم يشأ الله أو: ما لم يشأ الله وقع أيضا في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال, فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال, مثل قوله: أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو: شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه وإن قال: أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه, وإن لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك إن قال: أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول, خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق. فصل: فإن علق الطلاق على مستحيل, فقال: أنت طالق إن قتلت الميت أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو: جمعت بين الضدين أو: كان الواحد أكثر من اثنين أو على ما يستحيل عادة كقوله: إن طرت أو: صعدت إلى السماء أو: قلبت الحجر ذهبا أو: شربت هذا النهر كله أو: حملت الجبل أو: شاء الميت ففيه وجهان أحدهما يقع الطلاق في الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته, ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل, كما لو قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو: لا تنقص عدد طلاقك والثاني لا يقع لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال, كقوله: إذا شاب الغراب أتيت أهلي ** وصار القار كاللبن الحليب أي: لا آتيهم أبدا وقيل: إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تعلق به الصفة, وبقي مجرد الطلاق فوقع وإن علقه على مستحيل عادة كالطيران, وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام, وكرامات الأولياء فجاز تعليق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده فأما إن علق طلاقها على نفي فعل المستحيل, فقال: أنت طالق إن لم تقتلي الميت أو: تصعدي السماء طلقت في الحال لأنه علقه على عدم ذلك وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني فوقع الطلاق, كما لو قال: أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد وكذلك لو قال: أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو: لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال لما ذكرناه وحكى أبو الخطاب عن القاضي, أنه لا يقع طلاقه كما لو حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن, فإنه لا يحنث والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} إلى قوله: {وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} ولو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا, حنث بذلك فلأن يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى.

فصل:

وإذا حلف: لا شربت من هذا النهر فاغترف منه وشرب, حنث وإن حلف: لا شربت من هذا الإناء فصب منه في إناء آخر وشرب وكان الإناء كبيرا لا يمكن الشرب به, حنث أيضا وإن كان الشرب به ممكنا لم يحنث لأن الإناء الصغير آلة للشرب, فتنصرف يمينه إلى الشرب به بخلاف النهر والإناء الكبير فإنه لا تنصرف يمينه إلا إلى الشرب من مائه ولو حلف لا يشرب من بردي, فشرب من نهر يأخذ منه لم يحنث وإن حلف لا يشرب من ماء بردي فشرب من نهر يأخذ منه, حنث ذكر نحو ذلك القاضي لأن بردي اسم لمكان خاص فإذا تجاوزه إلى مكان سواه فشرب منه, فما شرب من بردي وإذا كانت يمينه على مائه فماؤه ماؤه حيث كان, وأين نقل وكذلك لو حلف لا يأكل من تمر البصرة فأكله في غيرها حنث وإن اغترف من بردي بإناء, ونقله إلى مكان آخر فشربه حنث في المسألتين جميعا لأن اغتراف الماء من بردي ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات, لم يحنث إلا بالشرب من ماء النهر المعروف بالفرات وإن حلف لا يشرب من ماء فرات حنث بالشرب من كل ماء عذب لأنه إذا عرفه فاللام التعريف انصرف إلى النهر المعروف وإذا أنكره صار للعموم, فيتناول كل ما يسمى فراتا وكل عذب فرات قال الله تعالى: {وأسقيناكم ماء فراتا} وقال: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج} ومتى نوى بيمينه المحتمل الآخر, انصرف إليه ويقبل منه ذلك لأنه قريب لا تبعد إرادته.

فصل:

ولو حلف لا يشتمه ولا يكلمه في المسجد, ففعل ذلك في المسجد والمحلوف عليه في غيره حنث, وإن فعله في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد لم يحنث ولو حلف لا يضربه, ولا يشجه ولا يقتله في المسجد ففعله, والحالف في المسجد والمحلوف عليه في غيره لم يحنث, وإن كان الحالف في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد حنث لأن الشتم والكلام قول يستقل به القائل, فلا يعتبر فيه حضور المشتوم فيوجد من الشاتم في المسجد وإن لم يكن المشتوم فيه والكلام قول فهو كالشتم, وسائر الأفعال المذكورة فعل متعد محله المضروب والمقتول والمشجوج فإذا كان محله في غير المسجد كان الفعل في غيره فيعتبر محل المفعول به ولو حلف ليقتلنه يوم الجمعة, فجرحه يوم الخميس ومات يوم الجمعة فقال القاضي: لا يحنث وإن جرحه يوم الجمعة فمات يوم السبت فقال: يحنث لأنه لا يكون مقتولا حتى يموت, فاعتبر يوم موته لا يوم ضربه ويتوجه أن يكون الحكم بالعكس في المسألتين فيعتبر يوم جرحه لا يوم موته لأن القتل فعل القاتل ولهذا يصح الأمر به والنهي عنه, قال الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} {ولا تقتلوا أولادكم} والأمر والنهي إنما يتوجه إلى فعل ممكن فعله وتركه وذلك فعل الآدمي من الجرح ونحوه أما الزهوق ففعل الله تعالى لا يؤمر به, ولا ينهى عنه ولا سبيل للآدمي إلا تعاطى سببه وهو شرط في القتل, فإذا وجد تبينا أن الفعل المفضي إليه كان قتلا ولذلك جاز تقديم الكفارة بعد الجرح وقبل الزهوق ولو حلف لأقتلنه, فمات من جرح كان جرحه لم يبر ولو حلف لا يقتله لم يحنث بذلك أيضا ويحتمل أن لا يبر حتى يوجد السبب والزهوق معا في يوم لأن القتل لا يتم إلا بسببه وشرطه, فأما بنسبته إلى الشرط وحده دون السبب فبعيد.

فصل:

إذا قال: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق, فبشرته إحداهن وهي صادقة طلقت, وإن كانت كاذبة لم تطلق لأن التبشير خبر صدق يحصل به ما يغير البشرة من سرور أو غم وإن أخبرته به أخرى, لم تطلق لأن السرور إنما يحصل بالخبر الأول فإن كانت الأولى كاذبة والثانية صادقة, طلقت الثانية لأن السرور إنما يحصل بخبرها فكان هو البشارة وإن بشره بذلك اثنتان أو ثلاث, أو الأربع في دفعة واحدة طلقن كلهن لأن " من " تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وقال {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} ولو قال: من أخبرتني بقدوم أخي, فهي طالق فقال القاضي: هو كالبشارة لا تطلق إلا المخبرة الأولى الصادقة دون غيرها لأن مراده خبر يحصل له به العلم بقدومه ولا يحصل ذلك بكذب, ولا بغير الأول ويحتمل أن تطلق كل مخبرة صادقة كانت أو كاذبة أولا كان أو غيره لأن الخبر يكون صدقا وكذبا, وأولا ومكررا وهو اختيار أبي الخطاب والأول قول القاضي ومذهب الشافعي على نحو هذا التفصيل.

فصل:

وإن قال: أول من تقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده: أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة, لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وإن قام واحد أو واحدة ولم يقم بعده أحد احتمل وجهين أحدهما, يقع الطلاق والعتق لأن الأول ما لم يسبقه شيء وهذا كذلك والثاني لا يقع طلاق ولا عتق لأن الأول ما كان بعده شيء, ولم يوجد فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى يتبين من قيام أحد منهم بعده فتنحل يمينه, وإن قام اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة, وقام بعدهم آخر وقع الطلاق والعتق بالجماعة الذين قاموا في الأول لأن الأول يقع على الكثير والقليل قال الله تعالى: {ولا تكونوا أول كافر به} وحكي عنالقاضي في من قال: أول من يدخل من عبيدي, فهو حر فدخل اثنان دفعة واحدة ثم دخل بعدهما ثالث, لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنهم قد دخل بعضهم بعد بعض ولا أول فيهم وهذا لا يستقيم إلا أن يكون قال: أول من يدخل منكم وحده ولم يدخل بعد الثالث أحد فإنه لو دخل بعد الثالث أحد, عتق الثالث لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وحده, فإن لفظة " الأول " تتناول الجماعة كما ذكرنا وقال النبي -ﷺ-: (أول من يدخل الجنة فقراء المهاجرين) ولو قال: آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن, حتى يتبين من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك, فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخلت وكذلك الحكم في العتق.

فصل:

وإذا حلف يمينا على فعل بلفظ عام, وأراد به شيئا خاصا مثل إن حلف لا يغتسل الليلة وأراد الجنابة أو: لا قربت لي فراشا وأراد ترك جماعها أو قال: إن تزوجت, فعبدي حر وأراد امرأة معينة أو قال: إن دخل إلى رجل أو قال: أحد فامرأتي طالق وأراد رجلا بعينه أو حلف لا يأكل خبزا يريد خبز البر أو لا يدخل دارا يريد دار فلان أو قال: إن خرجت فأنت طالق يريد الخروج إلى الحمام أو قال: إن مشيت وأراد استطلاق البطن فإن ذلك يسمى مشيا (قال النبي -ﷺ- لامرأة: ثم تستمشين) ويقال: شربت مشيا, ومشوا إذا شرب دواء يمشيه فإن يمينه في ذلك على ما نواه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين قال أحمد في الظهار, في من قال لامرأته: إن قربت لي فراشا فأنت علي كظهر أمي فجاءت فقامت على فراشه, فقال: أردت الجماع لا يلزمه شيء وقال الشافعي ومحمد بن الحسن: لا يقبل قوله في الحكم في هذا كله لأنه خلاف الظاهر ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله, فقبل كما لو قال: أنت طالق أنت طالق وقال: أردت بالثانية التوكيد.

فصل:

وإن حلف يمينا عامة, لسبب خاص وله نية حمل عليها, ويقبل قوله في الحكم لأن السبب دليل على صدقه وإن لم ينو شيئا فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب وذكره الخرقي فقال: فإن لم يكن له نية, رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب وهذا قول أصحاب أبي حنيفة وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فإنه قال في من قال: لله علي أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله, فقال: النذر يوفي به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب الاعتبار به في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع ووجه الأول, أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عدمها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية, وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام فلا يختص بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب فعلى هذا, لو قامت امرأته لتخرج فقال: إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك, أو دعاه إنسان إلى غدائه فقال: امرأتي طالق إن تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول, ويحنث على الثاني وإن حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل, وطلق المرأة وباع المملوك أو حلف على وكيل فعزله, خرج في ذلك كله وجهان.

فصل:

وإن قال: إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان: إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها, فقال القاضي: لا يحنث لأن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة, ويخرج المخاطب من اليمين بها أيضا ويحتمل أن يحنث أخذا بعموم اللفظ وإعراضا عن السبب كما في التي قبلها.

فصل:

وإذا قال لامرأته: إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها وقال محمد بن الحسن يمينه على الوطء بالقدم لأنه الحقيقة وحكي عنه أنه لو قال: أردت به الجماع لم يقبل في الحكم ولنا, أن الوطء إذا أضيف إلى المرأة كان في العرف عبارة عن الجماع ولهذا يفهم منه الجماع في لفظ الشارع في مثل قول النبي -ﷺ-: (لا توطأ حامل حتى تضع, ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) فيجب حمله عند الإطلاق عليه كسائر الأسماء العرفية من الظعينة, والراوية وأشباههما ولا يحنث حتى تغيب الحشفة في الفرج وإن حلف ليجامعها أو لا يجامعها, انصرف إلى الوطء في الفرج ولم يحنث بالجماع دون الفرج وإن أنزل لأن مبنى الأيمان على العرف, والعرف ما قلناه وإن حلف لافتضضتك فافتضها بأصبع لم يحنث لأن المعهود من إطلاق هذه اللفظة وطء البكر وإن حلف على امرأة لا يملكها, أن لا ينكحها فيمينه على العقد لأن إطلاق النكاح ينصرف إليه وإن كان مالكا لها بنكاح أو ملك يمين فهو على وطئها لأن قرينة الحال صارفة عن العقد عليها لكونها معقودا عليها.

فصل:

وإن قال: إن أمرتك فخالفتني, فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر: لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها خالفت نهيه لا أمره وقال أبو الخطاب: يحنث, إذا قصد أن لا تخالفه أو لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي لأنه إذا كان كذلك فإنما يريد نفي المخالفة ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده, والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها: إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له: لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث لأن إعطاءها من مالها لا يجوز, ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا يتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع, ولفظه عام فيدخل المحرم فيه.

فصل:

فإن قال لامرأته: إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام, طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت إلى الحمام, ثم عدلت إلى غيره فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث, كما لو خالفت لفظه ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه ويتناوله لفظه وإن خرجت إلى الحمام وغيره وجمعتهما في القصد ففيه وجهان أحدهما, يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث بما حلف عليه, كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا والثاني لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام, بل الخروج مشترك ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل: إذا حلف بالطلاق أن لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة, ثم مر إلى مكة فقال: النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجهه ما تقدم, وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت له امرأته: اذهب حيث شئت فقال: لا حتى تقول: إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له إذنا عاما, لم يحنث قال القاضي: وهذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها, كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام.

فصل:

فإن حلف ليرحلن من هذه الدار, أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم يحنث إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها لأن الحلف على الخروج والرحيل, وقد فعلهما وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد فخرج ثم رجع: قد مضت يمينه, لا شيء عليه ونقل عنه مثنى بن جامع في من قال لامرأته: أنت طالق إن لم نرحل من هذه الدار: إن لم يدركه الموت, ولم ينو شيئا هي إلى أن تموت فإن رحل لم يرجع ومعنى هذا, أنه إن أدركه الموت قبل إمكان الرحيل لم يحنث وإن أمكنه الرحيل, فلم يفعل لم يحنث حتى يموت أحدهما فيقع بها الطلاق في آخر أوقات الإمكان وأما قوله: إن رحل لم يرجع فمحمول على من كان ليمينه سبب يقتضي هجران الدار على الدوام ونقل مهنا, في رجل قال لامرأته: إن وهبت كذا فأنت طالق فإذا هي قد وهبت قال: أخاف أن يكون قد حنث قال القاضي: هذا محمول على أنه قال: إن كنت وهبته وإلا فلا يحنث حتى تبتدئ هبته لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه ونقل عنه أيضا في رجل قال لامرأته: إن رأيتك تدخلين الدار, فأنت طالق: فهو على نيته إن أراد أن لا تدخلها حنث وإن كان نوى إذا رآها, لم يحنث حتى يراها تدخل وهو كما قال فإن مبني اليمين على النيات سيما والرؤية تطلق على العلم كقول الله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} ونحوه ومتى لم تكن له نية ولا هناك سبب يدل على إرادته مع الدخول بمجرده, لم يحنث حتى يراها تدخل الدار لأنه الذي تناوله لفظه ونقل عنه المروي في رجل أقرض رجلا دراهم فحلف أن لا يقبلها, وكان الرجل ميتا: تعطي الورثة يعني إذا مات الحالف يوفى الورثة ولا يبرأ بيمينه لأنها ليست إبراء فلا يسقط الحق بها.

فصل:

ولو قال: امرأتي طالق, إن كنت أملك إلا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث فإن نوى إني لا أملك أكثر من مائة, لم يحنث بملك ما دونها وإن قال: إن كنت أملك أكثر من مائة فامرأتي طالق وكان يملك أقل من المائة لم يحنث لأنه صادق.

فصل:

فإن قال لامرأته: يا طالق, أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة بقوله: يا طالق وبقيت أخرى معلقة بدخول الدار ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن دخلت الدار فإن كانت له نية رجع إليها, وإلا وقعت واحدة بالنداء وبقيت الثلاث معلقة على دخول الدار وكذا لو قال: أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار وعاد الشرط إلى الطلاق, دون القذف وقال محمد بن الحسن: يرجع الشرط إليهما في المسألتين فلا يقع بها في الحال شيء والأولى أن يرجع الشرط إلى الخبر الذي يصح فيه التصديق والتكذيب وجرت العادة بتعليقه بالشرط, بخلاف النداء والقذف الذي لا يوجد ذلك فيه.

فصل:

فإن قال لامرأته: أنت طالق مريضة بالنصب أو الرفع, ونوى به وصفها بالمرض في الحال طلقت في الحال وإن نوى به أنت طالق في حال مرضك لم تطلق حتى تمرض لأن هذا حال والحال مفعول فيه, كالظرف ويكون الرفع لحنا لأن الحال منصوب وإن أطلق ونصب انصرف إلى الحال لأن مريضة اسم نكرة, جاء بعد تمام الكلام وصفا لمعرفة فيكون حالا وإن رفع, فالأولى وقوع الطلاق في الحال ويكون ذلك وصفا لطالق الذي هو خبر المبتدأ, وإن أسكن احتمل وجهين أحدهما وقوع الطلاق في الحال لأن قوله: أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق في الحال فقد تيقنا وجود المقتضى وشككنا فيما يمنع حكمه, فلا نزول عن اليقين بالشك والثاني لا يقع إلا في حال مرضها لأن ذكره للمرض في سياق الطلاق يدل على تعليقه به وتأثيره فيه, ولا يؤثر فيه إلا إذا كان حالا.

مسألة:

قال: [وإذا قال: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق] أما إذا قدم به ميتا, أو مكرها محمولا فلا تطلق لأنه لم يقدم إنما قدم به وهذا قول الشافعي ونقل عن أبي بكر, أنه يحنث لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال: دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال: أنت طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه ولنا أن الفعل ليس منه, والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا والكلام عند إطلاقه لحقيقته إذا أمكن وأما الطعام, فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه وأما إن قدم بنفسه لإكراه فعلى قول الخرقي: لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو بكر: يحنث وحكاه عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة, وينسب إليه قال الله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها} ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى: {ادخلوا أبواب جهنم} ولولا أن الفعل يتحقق منه, لما صح أمره به ووجه الأول أنه بالإكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه, كان كوجود الطلاق منه مكرها وهذا فيما إذا أطلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه, وتقيد بها.

فصل:

وإن قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها قال أبو بكر الخلال: يقع الطلاق, قولا واحدا وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان القادم ممن لا يمتنع من القدوم بيمينه كالسلطان والحاج, والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله, وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما, أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها, فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله ناسيا أو جاهلا وفي ذلك روايتان, كذلك ها هنا وذلك لأنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقا للطلاق على صفة ولم يكن يمينا, فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يمينا, فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله, الدالة على قصده فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا, وإن كان قصده جعله صفة في مطلقة لم يكن يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله, ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها, ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها, أو على فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها, لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها من فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى أشكلت الحال, فينبغي أن يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص, وجب العمل بمقتضى العموم.

فصل:

فإن قال: إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج, فإن كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لأن اليمين إذا وقعت على فعلها, فقد فعل الخروج على غير اختيار منها فكانت كالمكره إذ لم يمكنها حفظه ومنعه وإن نوى فعله فقد وجد, وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي تناوله لفظه فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو اختيارها.

فصل:

فإن حلف لا تأخذ حقك مني, فأكره على دفعه إليه وأخذه منه قهرا حنث لأن المحلوف عليه فعل الأخذ, وقد أخذه مختارا وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين في من أكره على القدوم وإن وضعه الحالف في حجره, أو بين يديه أو إلى جنبه فلم يأخذه, لم يحنث لأن الأخذ ما وجد وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي: لا يحنث وهو مذهب الشافعي لأنه ما أخذه منه وإن قال: لا تأخذ حقك على حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص عن أحمد, أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الأيمان عنده على الأسباب لا على الأسماء ولأنه لو وكل وكيلا, فأخذه منه كان آخذا لحقه منه عرفا ويسمى آخذا قال الله تعالى: {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} وقال: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} وإن كانت اليمين من صاحب الحق, فحلف: لا أخذت حقي منك فالتفريع فيها كالتي قبلها فإن تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه, لم يحنث لأن هذا ليس بمعدود أخذا ولا يبرأ به الغريم منها فإن كانت اليمين: لا أعطيتك حقك فأخذه الحاكم منه كرها, فدفعه إلى الغريم لم يحنث وإن أكرهه على دفعه إليه فدفعه, خرج على الوجهين في المكره وإن أعطاه باختياره حنث وإن وضعه في حجره أو جيبه, أو صندوقه وهو يعلم حنث لأنه أعطاه وإن دفعه إلى الحاكم اختيارا, ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه من ماله باختياره, فدفعه إلى الغريم حنث وقال القاضي: لا يحنث وقياس المذهب أنه يحنث لأنه أوصله إليه مختارا فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله, فأعطاه إياه ولأن الأيمان على الأسباب لا على الأسماء, على ما ذكرناه فيما مضى.

فصل:

فإن قال: إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته ميتا أو نائما, أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف, طلقت لأنها رأته وإن رأت خياله في ماء أو مرآة, أو صورته على حائط أو غيره لم تطلق لأنها لم تره, وإن أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين.

مسألة:

قال: [وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان, إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى فتلزمه واحدة وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى, ولم يلزمها ما بعدها لأنه ابتداء كلام] وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته المدخول بها: أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وإن نوى بها إفهامها أن الأولى قد وقعت بها, أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة وإن لم تكن له نية وقع طلقتان وبه قال أبو حنيفة, ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر: تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والإفهام ويحتمل الإيقاع, فلا توقع طلقة بالشك ولنا أن هذا اللفظ للإيقاع ويقتضي الوقوع, بدليل ما لو لم يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والإفهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه, كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالإطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا طلقة واحدة, سواء نوى الإيقاع أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث, وعكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان, والحكم والثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحكم عن علي وزيد بن ثابت, وابن مسعود وقال مالك والأوزاعي والليث يقع بها تطليقتان, وإن قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلا لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل, أشبه قوله: أنت طالق ثلاثا ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها, فلم تقع الأولى كما لو فرق كلامه ولأن غير المدخول بها تبين بطلقة, لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلم يمكن وقوع الطلاق بها لأنها غير زوجة, وإنما تطلق الزوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم, فيكون إجماعا. فصل: فإن قال: أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية, ولم يقبل قوله: نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف, والصفة والبدل.

فصل:

وكل طلاق يترتب في الوقوع ويأتي بعضه بعد بعض, لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من طلقة واحدة لما ذكرناه ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها مثل قوله: أنت طالق فطالق, فطالق أو: أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو: أنت طالق ثم طالق وطالق أو: فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب, فتقع بها الأولى فتبينها فتأتي الثانية فتصادفها بائنا غير زوجة فلا تقع بها وأما المدخول بها, فتأتي الثانية فتصادف محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال: أنت طالق, بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب ولو قال: أنت طالق طلقة قبل طلقة أو: بعد طلقة أو بعدها طلقة أو: طلقة فطلقة أو: طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة, وبالمدخول بها طلقتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة.

فصل:

وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك ذكره القاضي وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم: لا يقع بغير المدخول بها شيء بناء على قولهم في المسألة السريجية وقال أبو بكر: يقع طلقتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة, فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه, وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمن يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب, فلا يؤخر إلى البعيد مع إمكان القريب ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه, كما لو قال: طلقة بعد طلقة ولا يمتنع أن يقع المتأخر في لفظه متقدما كما لو قال: طلقة بعد طلقة أو قال: أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم ولو قال: جاء زيد بعد عمرو أو: جاء زيد وقبله عمرو أو: أعط زيدا بعد عمرو وكان كلاما صحيحا, يفيد تأخير المتقدم لفظا عن المذكور بعده وليس هذا طلاقا في زمن ماض, وإنما يقع إيقاعه في المستقبل مرتبا على الوجه الذي رتبه ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض لامتنع وقوعها وحدها, ووقعت الأخرى وحدها وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع إلا واحدة, والأول من التعليل أصح -إن شاء الله تعالى-.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان وإن قال: معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف: يقع طلقة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يمكن أن يكون معها شيء ولنا, أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن, كما لو قال: أنت طالق ثلاثا ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد التلفظ به إذ لو وقع بذلك, لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها, وكذلك الحكم لو قال: إذا طلقتك فأنت طالق معها طلقة ثم قال: أنت طالق فإنها تطلق طلقتين لما ذكرنا.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال: أردت إني أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال: أردت إني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين, وهل يقبل في الحكم؟ على ثلاثة أوجه أحدها يقبل والآخر لا يقبل والثالث, يقبل إن كان وجد وإن لم يكن وجد لم يقبل والصحيح أنه إذا لم يكن وجد لا يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طالق طالق وقال: أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام يكرر للتوكيد كقوله عليه السلام: " فنكاحها باطل باطل باطل " وإن قصد الإيقاع, وكرر الطلقات طلقت ثلاثا وإن لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة, فلا يكن متغايرات وإن قال: أنت طالق وطالق وطالق وقال: أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينها وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع التأكيد وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال: أردت بها التوكيد دين, وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين إحداهما يقبل وهي مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الأول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال: أنت طالق, أنت طالق والثانية لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل ما يخالف ذلك, كما لا يقبل في الثانية ولو قال: أنت طالق فطالق فطالق أو: أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو وإن غاير بين الحروف, فقال: أنت طالق وطالق ثم طالق أو: طالق ثم طالق وطالق أو: طالق وطالق فطالق ونحو ذلك لم يقبل في شيء منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها, مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته.

فصل:

ولو قال: أنت مطلقة أنت مسرحة, أنت مفارقة وقال: أردت التوكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيدا وإن قال: أنت مطلقة, ومسرحة ومفارقة وقال: أردت التوكيد احتمل أن يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيدا كقوله: فألفى قولها كذبا ومينا ويحتمل أن لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة, فأشبه ما لو كان بلفظ واحد.

مسألة:

قال: [وإذا قال لغير مدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق لزمه الثلاث لأنه نسق وهو مثل قوله: أنت طالق ثلاثا] وبهذا قال مالك والأوزاعي, والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عنالشافعي في القديم ما يدل عليه وقال الثوري, وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية, فلم يقع عليها شيء آخر كما لو فرقها ولنا أن الواو تقتضي الجمع, ولا ترتيب فيها فيكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها, كقوله: أنت طالق ثلاثا أو: طلقة معها طلقتان ويفارق ما إذا فرقها فإنها لا تقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب, فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وهاهنا لا تقع الأولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناء, أو شرطا أو صفة لحق به, ولم يقع الأول مطلقا ولو كان يقع حين تلفظه لم يلحقه شيء من ذلك, وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات, وهو معنى قول الخرقي: لأنه نسق أي غير مفترق فإن قيل: إنما وقف أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه مغير له والعطف لا يغير فلا يقف عليه, ونتبين أنه وقع أول ما لفظ به ولذلك لو قال لها: أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة قلنا: ما لم يتم الكلام, فهو عرضة للتغيير إما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط, وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء وإما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد, وأشباه هذا فيجب أن يكون واقعا ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها: أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يمكن أن يقع بها شيء آخر وأما إذا قال: أنت طالق, أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى, ولا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع المعطوف عليه شيء واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع, ولأن المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله: أنت طالق فإنها جملة مفيدة, لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها يقع الثلاث وقال مخالفونا: يقع طلقتان وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وكرر ذلك ثلاثا, فدخلت طلقت في قول الجميع لأن الصفة وجدت, فاقتضى وقوع دفعة واحدة وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف, ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة: يقع واحدة لأن الطلاق المعلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في تلك الحال على صفته, ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة ولنا أنه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات, غير مرتبات فوقع الثلاث كالتي قبلها وإن قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقتان فدخلت, طلقت ثلاثا وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافا.

فصل:

وإن قال لغير مدخول بها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار أو: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق أو: إن دخلت فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت, طلقت واحدة فبانت بها ولم يقع غيرها وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة, تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن " ثم " تقطع الأولى عما بعدها لأنها للمهلة فتكون الأولى موقعة, والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد: لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط لثلاث فوقعت, كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ولنا أن " ثم " للعطف وفيها ترتيب, فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعليق الشرط بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط, وفي هذا انفصال عما ذكروه ولأن الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه, كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزاء للشرط وعقبه إياها بفاء التعقيب, الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال: إن دخل زيد داري, فأعطه درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ها هنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد في اللغة, ولا أصل في الشرع.

فصل:

وإن قال لمدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شيء حتى تدخل الدار فتقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال, وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه, ويعلق به ما يبعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم توجد فيه الفاء التي يجازى بها, دون ما وجدت فيه تحكما لا يعرف عليه دليلا ولا نعلم له نظيرا وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت, طلقت ثلاثا في قولهم جميعا.

مسألة:

قال: [إذا طلق ثلاثا وهو ينوي واحدة فهي ثلاث] وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث, وإن نوى واحدة لا نعلم فيه خلافا لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ, ولذلك لا نعمل بمجردها والصريح قوي يعمل بمجرده من غير نية, فلا يعارض القوي بالضعيف كما لا يعارض النص بالقياس ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملاته, والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة, فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصح كما لو قال: له على ثلاثة دراهم وقال: أردت واحدا.

مسألة:

قال: [وإن طلق واحدة, وهو ينوي ثلاثا فهي واحدة] أما إذا قال: أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها, فإذا نوى ثلاثا فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك, لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: يقع ثلاث لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا فاسد, فإن قوله: معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة, فلا تعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظ وأما إذا قال: أنت طالق ونوى ثلاثا فهذا فيه روايتان إحداهما, لا يقع إلا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار, والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا, ولا بينونة فلم تقع به الثلاث كما لو قال: أنت طالق واحدة بيانه أن قوله: أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها, فلم يتضمن العدد كقوله: قائمة وحائض, وطاهر والرواية الثانية إذا نوى ثلاثا وقع الثلاث وهو قول مالك, والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لأنه لفظ لو قرن به لفظ الثلاث, كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثا, كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به, كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد أنه يصح تفسيره به فيقول: أنت طالق ثلاثا ولأن قوله: طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر, كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير وفارق قوله: أنت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها, والطلاق يمكن تعدده.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلاقا ونوى ثلاثا وقع لأنه صرح بالمصدر والمصدر يقع على القليل والكثير, فقد نوى بلفظه ما يحتمله وإن نوى واحدة فهي واحدة, وإن أطلق فهي واحدة لأنه اليقين وإن قال: أنت طالق الطلاق وقع ما نواه وإن لم ينو شيئا فحكى فيها القاضي روايتين إحداهما: يقع الثلاث نص عليها أحمد, في رواية مهنا لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث والثانية, إنها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يريد الطلاق الذي أوقعته ولأن اللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله: ومن أكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق واغتسلت بالماء وتيممت بالتراب وقرأت العلم والحديث والفقه هذا مما يراد به ذلك الجنس, ولا يفهم منه الاستغراق فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه وهكذا لو قال لامرأته: أنت الطلاق فإن أحمد قال: إن أراد ثلاثا, فهي ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة, وإن لم ينو شيئا فكلام أحمد يقتضي أن تكون ثلاثا لأنه إذا قال: أنت الطلاق فهذا قد بين أي شيء بقي هي ثلاث وهذا اختيار أبي بكر ويخرج فيها أنها واحدة بناء على المسألة قبلها ووجه القولين ما تقدم, ومما يبين أنه يراد بها الواحد قول الشاعر: فأنت الطلاق وأنت الطلاق ** وأنت الطلاق ثلاثا تماما فجعل المكرر ثلاثا ثلاثا ولو كان للاستغراق لكان ذلك تسعا.

فصل:

ولو قال: الطلاق يلزمني أو: الطلاق لي لازم فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه: لزمه الطلاق وقالوا: إذا عقل الصبي الطلاق فطلق, لزمه ولعلهم أرادوا: لزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك, حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع به ما نواه من واحدة أو اثنتين, أو ثلاث وإن أطلق ففيه روايتان وجههما ما تقدم وإن قال: على الطلاق فهو بمثابة قوله: الطلاق يلزمني لأن من لزمه شيء فهو عليه كالدين, وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق ويخرج فيه في حالة الإطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة؟ والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا, ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى للفظهم, فيصير كأنهم نووا الواحدة.

فصل:

وإن قال: أنت طالق للسنة طلقت واحدة في وقت السنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها تطلق ثلاثا في ثلاثة قروء بناء منه على أن هذا هو السنة وقد بينا أن طلاق السنة طلقة واحدة, في طهر لم يصبها فيه وإن قال: أنت طالق طلاق السنة وقعت بها واحدة في طهر لم يصبها فيه أيضا إلا أن ينوي الثلاث فتكون ثلاثا لأنه ذكر المصدر, والمصدر يقع على الكثير والقليل بخلاف التي قبلها.

فصل:

وإن قال العجمي: بهشتم لبسيار طلقت امرأته ثلاثا نص عليه أحمد لأن معناه: أنت طالق كثيرا وإن قال: بهشتم فحسب طلقت واحدة, إلا أن ينوي ثلاثا فتكون ثلاثا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وقال القاضي: يتخرج فيه روايتان بناء على قوله: أنت طالق لأن هذا صريح, وذاك صريح فهما سواء والصحيح أنه يقع ما نواه لأن معناها خليتك وخليتك يقع بها ما نواه, وكذا ها هنا وإنما صارت صريحة لشهرة استعمالها في الطلاق وتعينها له, وذلك لا ينفي معناها ولا يمنع العمل به إذا أراده وإن قال: فارقتك أو: سرحتك ونوى واحدة أو أطلق, فهي واحدة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث لأنه فعل يمكن أن يعبر به عن القليل والكثير وكذلك لو قال: طلقتك.

فصل:

ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق, إلا في موضعين أحدهما من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة, طلقت زوجته وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا طريق له إلى الطلاق إلا بالإشارة, فقامت إشارته مقام الكلام من غير نية كالنكاح فأما القادر, فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث إلى الطلاق, طلقت ثلاثا لأن إشارته جرت مجرى نطق غيره ولو قال الناطق: أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن إشارته لا تكفي وإن قال: أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا لأن قوله هكذا تصريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بيانا, كما قال النبي -ﷺ-: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بيديه مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين وإن قال: أردت الإشارة بالأصبعين المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمل ما يدعيه الموضع الثاني إذا كتب الطلاق, فإن نواه طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري, والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه, أن له قولا آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على النطق, فلم يقع به الطلاق كالإشارة ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق, فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه, وقع كاللفظ ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة أن النبي -ﷺ- كان مأمورا بتبليغ رسالته فحصل ذلك في حق البعض بالقول, وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق فأما إن كان كتب ذلك من غير نية فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي الشريف في " الإرشاد " على روايتين إحداهما, يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري, والحكم لما ذكرنا والثانية: لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة, فإنه يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط وغم الأهل, من غير نية ككنايات الطلاق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه, لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فالكتابة أولى وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى, ويقبل أيضا في الحكم في أصح الوجهين لأنه يقبل ذلك في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فهاهنا مع أنه ليس بلفظ أولى وإن قال: نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب, في من كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق: وقع وإن أراد أن يغم أهله, فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي -ﷺ-: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به) فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال: أنت طالق يريد به غمها ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق, دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به, أو الكلام وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به.

فصل:

وإن كتبه بشيء لا يبين مثل أن كتب بأصبعه على وسادة, أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع وقال أبو حفص العكبري: يقع ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق, فأشبه ما لو كتبه بشيء يبين والأول أولى لأن الكتابة التي لا تبين كالهمس بالفم بما لا يتبين, وثم لا يقع فهاهنا أولى.

فصل:

إذا كتب لزوجته: أنت طالق ثم استمد فكتب: إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط, أو استثناء وكان في حال كتابته للطلاق مريدا للشرط لم يقع طلاقه في الحال لأنه لم ينو الطلاق في الحال, بل نواه في وقت آخر وإن كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط, طلقت للحال وإن لم ينو شيئا وقلنا: إن المطلق يقع به الطلاق نظرنا فإن كان استمدادا لحاجة, أو عادة لم يقع طلاق قبل وجود الشرط لأنه لو قال: أنت طالق ثم أدركه النفس أو شيء يسكته, فسكت لذلك ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى وإن استمد لغير حاجة ولا عادة, وقع الطلاق كما لو سكت بعد قوله: أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر شرطا وإن قال: إنني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا, أنها لا تطلق قبل الشرط إلا أنه يدين وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين بناء على قولهم في من قال: أنت طالق ثم قال: أردت تعليقه على شرط وإن كتب إلى امرأته: أما بعد فأنت طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب, أو لم يصل وعدتها من حين كتبه وإن كتب إليها: إذا وصلك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله إليها وإن ضاع ولم يصلها, لم تطلق لأن الشرط وصوله وإن ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الكاغد, لم تطلق لأنه ليس بكتاب وكذلك إن انطمس ما فيه لعرق أو غيره لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة وإن ذهبت حواشيه أو تخرق منه شيء لا يخرجه عن كونه كتابا, ووصل باقيه طلقت لأن الباقي كتاب وإن تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق فوصل طلقت لأن المقصود باق فينصرف الاسم إليه وإن تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه, لم تطلق لأن المقصود ذاهب فإن قال لها: إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصفتين في مجيء الكتاب فإن قال: أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذي علقته دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين.

فصل:

ولا يثبت الكتاب بالطلاق إلا بشاهدين عدلين, أن هذا كتابه قال أحمد في رواية حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطه وخاتمه بالطلاق: لا تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول قيل له: فإن شهد حامل الكتاب؟ قال: لا إلا شاهدان فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه غيره لأن الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت إلا بشاهدين, ككتاب القاضي وظاهر كلام أحمد أن الكتاب يثبت عندها بشهادتهما بين يديها وإن لم يشهدا به عند الحاكم لأن أثره في حقها في العدة, وجواز التزويج بعد انقضائها وهذا معنى يختص به لا يثبت به حق على الغير فاكتفى فيه بسماعها للشهادة ولو شهد شاهدان, أن هذا خط فلان لم يقبل لأن الخط يشبه به ويزور ولهذا لم يقبله الحاكم, ولو اكتفى بمعرفة الخط لاكتفى بمعرفتها له من غير شهادة وذكر القاضي أنه لا يصح شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه, ثم لا يغيب عنهما حتى يؤديا الشهادة وهذا مذهب الشافعي والصحيح أن هذا ليس بشرط فإن كتاب القاضي لا يشترط فيه ذلك فهذا أولى وقد يكون صاحب الكتاب لا يعرف الكتابة وإنما يستنيب فيها وقد يستنيب فيها من يعرفها بل متى أتاها بكتاب وقرأه عليهما وقال: هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به.

مسألة:

قال: [وإذا قال لها: نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق أو قال لها: أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة وقعت بها واحدة] الكلام في هذه المسألة في فصلين: الفصل الأول أنه إذا طلق جزءا منها والثاني إذا طلق جزءا من طلقة فأما الأول فإنه متى طلق من المرأة جزءا من أجزائها الثابتة طلقت كلها سواء كان جزءا شائعا كنصفها أو سدسها أو جزءا من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم صاحب مالك وذهب أصحاب الرأي إلى أنه إن أضافه إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وإن أضافه إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة منه بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة بإضافة الطلاق إليه كالسن والظفر ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس بثابت والشعر والظفر ليس بثابت فإنهما يزولان ويخرج غيرهما ولا ينقض مسهما الطهارة.

الفصل الثاني:

إذا طلقها نصف تطليقة أو جزءا منها وإن قل فإنه يقع بها طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال: لا تطلق بذلك قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال أبو عبيد: وهو قول مالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق وذلك لأن ذكر بعض ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه كما لو قال: نصفك طالق.

فصل:

فإن قال: أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشيء كله وإن قال: ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فكمل النصف فصارا طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الأنصاف من طلقة واحدة فيسقط ما ليس منها وتقع طلقة ولا يصح لأن إسقاط الطلاق الموقع من الأهل في المحل لا سبيل إليه وإنما الإضافة إلى الطلقة الواحدة غير صحيحة فلغت الإضافة وإن قال: أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجها آخر أنه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى وإن قال: أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشيء جميعه فهو كما لو قال: أنت طالق طلقتين وإن قال: أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لأن نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فتصير طلقتين.

فصل:

وإن قال: أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة لأنها أجزاء الطلقة ولو قال: أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فقال أصحابنا: يقع ثلاث لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة فظاهره أنها طلقات متغايرة ولأنها لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها فاللام التعريف فقال: ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا: إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفا بالألف واللام فالثاني هو الأول كقوله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا} فالعسر الثاني هو الأول لإعادته معرفا واليسر الثاني غير الأول لإعادته منكرا ولهذا قيل: لن يغلب عسر يسرين وقيل: لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه الأولى وإن قال: أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقة لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذه الأجزاء من طلقة غير متغايرة ولأنه يكون الثاني ها هنا بدلا من الأول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم يقتض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال: أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة فإن قال: أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء الطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا ولو قال: أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس ثم يكمل وإن أراد من كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا وإن قال: أنت طلقة أو: أنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في: أنت الطلاق أنه صريح في الطلاق وهاهنا مثله.

فصل:

فإن قال لأربع نسوة له: أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وابن القاسم وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم تكملت وإن قال: بينكن طلقة فكذلك نص عليه أحمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وإن قال: أوقعت بينكن طلقتين وقع بكل واحدة طلقة ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي: تطلق كل واحدة طلقتين وروي عن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال: أوقعت بينكن ثلاث تطليقات: ما أرى إلا قد بن منه لأننا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزءان من طلقتين ثم تكمل والأول أولى لأنه لو قال: أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما تقسم برءوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا اختلاف فيها ولأن فيما ذكرناه أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فإن أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على ما قال أبو بكر وإن قال: أوقعت بينكن ثلاث طلقات أو أربع طلقات فعلى قولنا: تطلق كل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا وإن قال: أوقعت بينكن خمس طلقات وقع بكل واحدة طلقتان كذلك قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة طلقة وربع ثم تكمل وكذلك إن قال: ستا أو سبعا أو ثمانيا وإن قال: أوقعت بينكن تسعا طلقن ثلاثا ثلاثا.

فصل:

فإن قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيبا وإن قال: أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وإن قال: أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها.

فصل:

فإن قال لنسائه: أنتن طوالق ثلاثا أو: طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا نص عليه أحمد لأن قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله: أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزء منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة.

مسألة:

قال: [وإن قال لها: شعرك أو ظفرك طالق لم تطلق] لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما فليس هما كالأعضاء الثابتة وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك والشافعي: تطلق بذلك, ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالأصبع ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق فإنه لا خلاف فيهما وفارق الأصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينجس بموت الحيوان ولا ينقض الوضوء مسه فأشبه العرق والريق واللبن ولأن الحمل متصل بها وإنما لم تطلق بطلاقه لأن مآله إلى الانفصال وهذه كذلك والسن في معناهما لأنها تزول من الصغير ويخلف غيرها وتنقلع من الكبير.

فصل:

وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق لا نعلم فيه خلافا لأن هذه ليست من جسمها وإنما الريق والدمع والعرق فضلات تخرج من جسمها فهو كلبنها والحمل مودع فيها قال الله تعالى: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع} قيل: مستودع في بطن الأم وإن أضافه إلى الزوج فقال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام أن هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء الشعر والسن والظفر والروح جرد القول عنه مهنا بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به.

مسألة:

قال: [وإذا لم يدر أطلق أم لا فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق] وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن (النبي -ﷺ- أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما لو شك المتطهر في الحدث أو المحدث في الطهارة والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا راجع امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها أو قد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره, وحكي عنشريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة في الحكم وليس بشيء لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة. مسألة: قال: [وإذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل] وجملة ذلك أنه إذا طلق وشك في عدد الطلاق فإنه يبنى على اليقين نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثا؟ قال: أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي عنده حتى يستيقن وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه كما لو شك في أصل الطلاق وإذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وإذا راجع وجبت النفقة وحقوق الزوجية قال الخرقي: ويحرم وطؤها ونحوه قول مالك إلا أنه حكي عنه أنه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما: تيقن في التحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق وشك في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم النجاسة بغسل موضع من الثوب ولا يزول إلا بغسل جميعه وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة الواحدة فهي باقية لأنها كانت باقية ولم يتيقن زوالها وظاهر قول غير الخرقي من أصحابنا أنه إذا راجعها حلت له وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق بما ينفيه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع تحريم تزيله الرجعة وتحريم يزيله نكاح جديد وتحريم يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى, ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة فنظير مسألتنا أن يتيقن نجاسة كم الثوب ويشك في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحدها كذا ها هنا ويمكن منع حصول التحريم ها هنا ومنع يقينه فإن الرجعة مباحة لزوجها في ظاهر المذهب فما هو إذا متيقن للتحريم بل شاك فيه متيقن للإباحة.

فصل:

إذا رأى رجلان طائرا فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر بالطلاق أنه حمام فطار ولم يعلما لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثابت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه ولو كان الحالف واحدا فقال: إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن كان حماما فعبيده أحرار أو قال: إن كان غرابا فزينب طالق وإن كان حماما فهند طالق ولم يعلم ما هو لم يحكم بحنثه في شيء لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح والملك بالشك فأما إن قال أحد الرجلين: إن كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فامرأته طالق ثلاثا فطار ولم يعلما فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى لأن كل واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه فأما الوطء فذكر القاضي أنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث بيقين وامرأته محرمة عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعا كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي والشافعي: لا يحرم على واحد منهما وطء امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه ولم يحكم بوقوع الطلاق عليه وفارق الحانث في إحدى امرأتيه لأنه معلوم زوال نكاحه عن إحدى زوجتيه قلنا: إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا أن إحداهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعا وكذلك ها هنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطء عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الإناءين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجلين أو لرجل واحد وقال مكحول: يحمل الطلاق عليهما جميعا, ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحد منهما أنه علم الحال وأنه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء والشعبي والزهري والحارث العكلي والثوري والشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث طلقت زوجتاهما بإقرارهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده وإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف؟ يخرج على روايتين.

فصل:

فإن قال أحدهما: إن كان هذا غرابا فعبدي حر وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فعبدي حر, فطار ولم يعلما لم نحكم بعتق واحد من العبدين فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه لأن إنكاره حنث نفسه اعتراف منه بحنث صاحبه وإقرار بعتق الذي اشتراه وإذا اشترى من أقر بحريته عتق عليه وإن لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده وأحدهما حر ولم يعلم بعينه, ويرجع في تعيينه إلى القرعة وهذا قول أبى الخطاب وذهب القاضي إلى أنه يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي ولنا أنه لم يعترف لفظا ولا فعل ما يلزم منه الاعتراف فإن الشرع يسوغ له إمساك عبده مع الجهل استنادا إلى الأصل فكيف يكون معترفا مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما؟ وإنما اكتفينا في إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فحلف بعتق أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ ولو كان الحالف واحدا فقال: إن كان غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة, ولم يعلم فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق أو ادعى كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه. /// 6 ///

فصل:

وإن قال: إن كان غرابا فهذه طالق وإن لم يكن غرابا فهذه الأخرى طالق فطار ولم يعلم فقد طلقت إحداهما فيحرم عليه قربانهما ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما لأنهما محبوستان عليه لحقه وذهب أصحابنا إلى أنه يقرع بينهما فتخرج بالقرعة المطلقة منهما كقولنا في العبيد والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ها هنا لما سنذكره فيما إذا طلق واحدة وأنسيها وهو قول أكثر أهل العلم فعلى هذا يبقى التحريم فيهما إلى أن يعلم المطلقة منهما ويؤخذ بنفقتهما فإن قال: هذه التي حنثت فيها حرمت عليه ويقبل قوله في حل الأخرى فإن ادعت التي لم يعترف بطلاقها أنها المطلقة فالقول قوله لأنه منكر, وهل يحلف؟ يخرج على روايتين.

فصل:

فإن قال: إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار وطار ولم يعلم منع من التصرف في الملكين حتى يتبين وعليه نفقة الجميع فإن قال: كان غرابا طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى العبيد أنه لم يكن غرابا ليعتقوا فالقول قوله وهل يحلف؟ يخرج على روايتين وإن قال: لم يكن غرابا عتق عبيده ولم تطلق النساء, فإن ادعين أنه كان غرابا ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان وكل موضع قلنا: يستحلف, فنكل عن اليمين قضى عليه بنكوله وإن قال: لا أعلم ما الطائر؟ فقياس المذهب أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد, وإن وقعت على العبيد عتقوا ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي: إن وقعت القرعة على العبيد عتقوا وإن وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي -ﷺ- أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك فيه ولا يمكن قياسه على العتق لأن الطلاق حل قيد النكاح, والقرعة لا تدخل في النكاح والعتق حل الملك والقرعة تدخل في تمييز الأملاك قالوا: ولا يقرع بينهم إلا بعد موته ويمكن أن يقال على هذا: إن ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصلح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولأن الإماء محرمات على الموروث تحريما لا تزيله القرعة فلم ينجز للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن.

مسألة:

قال: [وإذا قال لزوجاته: إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن] وجملته أنه إذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فإنها تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن وأبو ثور وقال قتادة ومالك: يطلقن جميعا وقال حماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة والشافعي: له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه يملك إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ولا مخالف لهما في الصحابة ولأنه إزالة ملك بنى على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي -ﷺ- أقرع بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية بإحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية, وأما الدليل على أنهن لا يطلقن جميعا أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها قولهم: إنه كان يملك الإيقاع والتعيين قلنا: ملكه للتعيين بالإيقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها وأما إن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه وإن قال: إنما أردت فلانة قبل منه لأنه يحتمل ما قاله وإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق.

فصل:

وإذا قال لنسائه: إحداكن طالق غدا فجاء غد طلقت واحدة منهن, وأخرجت بالقرعة فإن مات قبل الغد ورثنه كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق, فإذا جاء غد أقرع بين الميتة والأحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شيء من الأحياء وصارت كالمعينة بقوله: أنت طالق غدا وقال القاضي: قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الأحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت الأخرى كما لو قال لامرأته وأجنبية: إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلا للطلاق وإرادتها بالطلاق ممكنة وإرادتها بالطلاق كإرادة الأخرى, وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق الأخرى طلاقا فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول في تعليق الطلاق وإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبيد الأخر فإن وقعت على المبيع لم يعتق منهم شيء وعلى قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله: فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين, وإن باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسرى إلى باقيه إن كان المعتق موسرا وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصفه.

فصل:

وإذا قال: امرأتي طالق وأمتي حرة, وله نساء وإماء ونوى بذلك معينة انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئا فقال أبو الخطاب: يطلق نساؤه كلهن, ويعتق إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} و {أحل لكم ليلة الصيام} ولأن ذلك يروي عن ابن عباس وقال الجماعة: يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال: إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع إلا مجازا والكلام لحقيقته ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوى الاحتمالان لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم.

مسألة:

قال: [وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة] أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها ويحل له الباقيات وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ها هنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال: سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق؟ قال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت: أرأيت إن مات هذا؟ قال: أقول بالقرعة, وذلك لأنه تصير القرعة على المال وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث فأما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذن في المسألة: في شيئين أحدهما في استعمال القرعة في المنسية للتوريث والثاني في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال: سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال: قال علي رضي الله عنه: أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها كالشركاء في القسمة والعبيد في الحرية وأما القرعة في الحل في المنسية فلا يصح استعمالها لأنه اشتبهت عليه زوجته فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولا احتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها وقد قال الخرقي في من طلق امرأته فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة: لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فهاهنا أولى وهكذا الحكم في كل موضع وقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة في روزنة أو مولية فيقول: أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه, وكذلك إذا أوقع الطلاق على إحدى نسائه في مسألة الطائر وشبهها فإنه يحرم جميع نسائه عليه حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزوج لأنه يجوز أن تكون غير المطلقة ولا يحل للزوج غيرها لاحتمال أن تكون المطلقة, وقال أصحابنا: إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها وحل للزوج من سواها كما لو كان الطلاق في واحدة غير معينة واحتجوا بما ذكرنا من حديث على ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال: إحداكن طالق ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق والصحيح إن شاء الله أن القرعة لا تدخل ها هنا لما قدمنا وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة, فإنها تصلح للتعيين وفي مسألتنا الطلاق واقع في معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرعة على غيرها واحتمال وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر في غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث ولذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر وأشباه ذلك مما يطول ذكره لا تدخله قرعة فكذا ها هنا وأما حديث على فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في الحل من الصحابة قائلا

فصل:

فعلى قول أصحابنا إذا ذكر أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة فقد تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر, وقوله في هذا مقبول لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا تبينا أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق لا صريح ولا كناية فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت تعلق بها حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه, والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين قال أحمد في رواية الميموني: إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق يقرع بينهن فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثم ذكر التي طلق فقال: هذه ترجع إليه والتي ذكر أنه طلق يقع الطلاق عليها, فإن تزوجت فهذا شيء قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه لأن الحاكم في ذلك أكبر منه وقال أبو بكر وابن حامد: متى أقرع ثم قال بعد ذلك: إن المطلقة غيرها وقع الطلاق بهما جميعا ولا ترجع إليه واحدة منهما إلا أن التي عينها بالطلاق تحرم بقوله: وترثه إن مات ولا يرثها ويجيء على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها

فصل:

فإن قال: هذه المطلقة قبل منه وإن قال: هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل إقراره ثم قبل إقراره بطلاق الثانية ولم يقبل رجوعه عما أقر به من طلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا فقال: هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن, وإن قال: هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأوليين وإن قال: طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الآخرتين وإن قال: أنت طالق وهذه أو هذه فقال القاضي: هي كذلك وذكر أنه قول الكسائي, وقال محمد بن الحسن: تطلق الثانية ويبقى الشك في الأولى والثالثة وجه الأول أنه عطف الثانية على الأولى بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما ولو قال: طلقت هذه أو هذه وهذه طلقت الثالثة وكان الشك في الأوليين ويحتمل في هاتين المسألتين أن يكون الشك في الجميع لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما فيعود إليهما وفي المسألة: الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال: طلقت هذه وهذه أو هذه طولب بالبيان, فإن قال: هي الثالثة طلقت وحدها وإن قال: لم أطلقها طلقت الأوليان وإن لم يبين أقرع بين الأوليين والثالثة قال القاضي في " المجرد ": وهذا أصح, وإن قال: طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ بالبيان فإن قال: هي الأولى طلقت وحدها وإن قال: ليست الأولى طلقت الأخريان كما لو قال: طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطء قبل التعيين فإن وطئ لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال أبو حنيفة: يتعين الطلاق في الأخرى لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها كمرضها وإن قال: طلقت هذه وهذه أو هذه وهذه فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدرى أهما الأوليان أم الآخرتان كما لو قال: طلقت هاتين أو هاتين فإن قال: هما الأوليان تعين الطلاق فيهما, وإن قال: لم أطلق الأوليين تعين الآخرتان وإن قال: إنما أشك في طلاق الثانية والآخرتين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه بشيء محتمل قبل منه.

مسألة:

قال: [فإن مات قبل ذلك أقرع الورثة وكان الميراث للبواقي منهن] نص أحمد على هذا وقال أبو حنيفة: يقسم الميراث بينهن كلهن لأنهن تساوين في احتمال استحقاقه ولا يخرج الحق عنهن وقال الشافعي: يوقف الميرات المختص بهن حتى يصطلحن عليه لأنه لا يعلم المستحق منهن ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين فوجب المصير إلى القرعة كمن أعتق عبيدا في مرضه لا مال له سواهم وقد ثبت الحكم فيهم بالنص ولأن توريث الجميع توريث لمن لا يستحق يقينا والوقف لا إلى غاية حرمان لمن يستحق يقينا والقرعة يسلم بها من هذين المحذورين ولها نظير في الشرع.

فصل:

فإن مات بعضهن أو جميعهن قرعنا بين الجميع فمن خرجت القرعة لها حرمناه ميراثها وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده وخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها, وإن خرجت لميتة بعده حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه فإن قال الزوج بعد موتها: هذه التي طلقتها أو قال في غير المعينة: هذه التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه لأن علم ذلك إنما يعرف من جهته ولأن الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه لها والأصل عدمه وهل يستحلف على ذلك؟ فيه روايتان فإن قلنا: يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الأخرى لإقراره بطلاقها, فإن مات فقال ورثته لإحداهن: هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه وإن أنكرت أو أنكر ورثتها فقياس ما ذكرناه أن القول قولها لأنها تدعي بقاء نكاحها وهم يدعون زواله والأصل معها فلا يقبل قولهم عليها إلا ببينة وإن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما وجدتهما لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها فالقول قوله وإن مات لم ترثه لإقرارهما بأنها لا تستحق ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون ما لها وعليها العدة لأننا لم نقبل قولها فيما عليها, وهذا التفريع فيما إذا كان الطلاق يبينها فأما إن كان رجعيا ومات في عدتها أو ماتت ورت كل واحد منهما صاحبه. فصل: وإذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها خرجت وورث الباقيات نص عليه أحمد أيضا وذهب الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعا وقال الشافعي: يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن ووجه الأقوال ما تقدم وقال أحمد في رواية ابن منصور في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن ثلاثا وواحدة اثنتين وواحدة واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدري أيتهن طلق ثلاثا وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة: يقرع بينهن فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها هذا فيما إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته, فإنه لا يحرم الميراث إلا المطلقة ثلاثا والباقيتان رجعيتان يرثنه في العدة ويرثهن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان.

فصل:

إذا طلق واحدة من نسائه لا يعينها أو يعينها فأنسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة وخرج ابن حامد وجها في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه بالنسبة إلى وجوب الإنفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح لأننا علمنا أن منهن واحدة بائنا منه ليست في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته؟ وإنما الإنفاق عليها لأجل حبسها ومنعها من التزوج بغيره لأجل اشتباهها ومتى علمناها بعينها إما بتعيينه أو قرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها وذكر أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أن عدتها من حين التعيين وهذا فاسد فإن الطلاق وقع حين إيقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطء وحرمان الميراث من الزوج وحرمانه منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين تبين لما كان واقعا وإن مات الزوج قبل البيان فعلى الجميع عدة الوفاة في قول الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني قال أبو عبيد: وهو قول أهل الحجاز والعراق لأن كل واحدة منهن يحتمل أنها باقية على النكاح والأصل بقاؤه فتلزمها عدته والصحيح أنه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق لكن عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن يكون عليها عدة الوفاة ويحتمل أنها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا إلا بأطولهما وهذا في الطلاق البائن فأما الرجعى فعليها عدة الوفاة بكل حال لأن الرجعية زوجة.

فصل:

إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ولا يقبل فيه إلا عدلان ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل: أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق؟ قال: لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص فإن لم تكن بينة فهل يستحلف؟ فيه روايتان نقل أبو الخطاب أنه يستحلف وهو الصحيح لقول النبي -ﷺ-: (ولكن اليمين على المدعى عليه) وقوله: (اليمين على من أنكر) ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر ونقل أبو طالب عنه: لا يستحلف في الطلاق والنكاح لأنه لا يقضي فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح إذا ادعى زوجيتها فأنكرته, وإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرناه فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه ما استطاعت وتمتنع منه إذا أرادها وتفتدي منه إن قدرت قال أحمد: لا يسعها أن تقيم معه وقال أيضا: تفتدي منه بما تقدر عليه فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ولا تقر به وتهرب إن قدرت وإن شهد عندها عدلان غير متهمين فلا تقيم معه وهذا قول أكثر أهل العلم قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين: تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه بكل ما يمكن وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو عبيد: تفر منه وقال مالك: لا تتزين له ولا تبدي له شيئا من شعرها ولا عريتها ولا يصيبها إلا وهي مكرهة وروي عن الحسن والزهري والنخعي يستحلف ثم يكون الإثم عليه والصحيح ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجنبيات وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية أو لو تزوجها تزويجا باطلا وسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كله كالحكم في المطلقة ثلاثا.

فصل:

ولو طلقها ثلاثا ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وبه قال قتادة وأبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وابن المنذر وقال الحسن: ترثه لأنها في حكم الزوجات ظاهرا ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات, وقال أحمد في رواية أبي طالب: تهرب منه ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها وتعلم ذلك يجيء فيدعيها فترد عليه وتعاقب وإن مات ولم يقر بطلاقها لا ترثه لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها قيل له: فإن بعض الناس قال: تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزويج قبل ثبوت طلاقها لأنها في ظاهر الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الشرع العقوبة والرد إلى الأول ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الأمر وذاك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن ذلك يقوي التهمة في نشوزها ولأن في قتله قصدا لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصدا فأما إن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه فلا إثم عليها ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها.

فصل:

قال أحمد: إذا طلقها ثلاثا فشهد عليه أربعة أنه وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها صارت بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريما لأنها محرمة وطئا ونكاحا فإن جحد طلاقها ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه وبهذا قال الشعبي ومالك وأهل الحجاز والثوري والأوزاعي وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة في درء الحد عنه ولا سبيل لنا إلى علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا بإقراره بذلك, فإن قال: وطئتها عالما بأنني كنت طلقتها ثلاثا كان إقرارا منه بالزنى فيعتبر فيه ما يعتبر في الإقرار بالزنى.

مسألة:

قال: [وإذا طلق زوجته أقل من ثلاث فقضت العدة ثم تزوجت غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها وقضت العدة ثم تزوجها الأول فهي عنده على ما بقي من الثلاث] وجملة ذلك أن المطلق إذا بانت زوجته منه ثم تزوجها لم يخل من ثلاثة أحوال أحدها أن تنكح غيره ويصيبها ثم يتزوجها الأول فهذه ترجع إليه على طلاق ثلاث بإجماع أهل العلم قاله ابن المنذر والثاني أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف نعلمه والثالث طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول فعن أحمد فيها روايتان إحداهما ترجع إليه على ما بقي من طلاقها وهذا قول الأكابر من أصحاب رسول الله -ﷺ- عمر وعلى وأبى ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة وروي ذلك عن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر والرواية الثانية عن أحمد أنها ترجع إليه على طلاق ثلاث وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن وطء الزوج الثاني مثبت للحل فيثبت حلا يتسع لثلاث تطليقات كما بعد الثلاث لأن وطء الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها ولنا أن وطء الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطء السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطء الثاني وقولهم: إن وطء الثاني يثبت الحل لا يصح لوجهين أحدهما: منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية التحريم بدليل قوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وحتى للغاية, وإنما سمى النبي -ﷺ- الزوج الذي قصد الحيلة محللا تجوزا بدليل أنه لعنه ومن أثبت حلالا يستحق لعنا والثاني أن الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثا وهاهنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم: إنه يهدم الطلاق قلنا: بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له.

مسألة:

قال: [وإذا كان المطلق عبدا وكان طلاقه اثنتين لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت الزوجة أو مملوكة لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء] وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال, فإن كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال ابن عمر: أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا وروي عن علي وابن مسعود أن الطلاق معتبر بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرا كان الزوج أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة لما روت عائشة رضي الله عنها عن النبي -ﷺ- أنه قال: (طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان) رواه أبو داود وابن ماجه ولأن المرأة محل للطلاق فيعتبر بها كالعدة ولنا أن الله تعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرا بهم ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات وحديث عائشة قال أبو داود: راويه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عائشة قالت: قال رسول الله -ﷺ-: (طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقرء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة) وهذا نص ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وأن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرا والآخر رقيقا.

فصل:

قال أحمد: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبيد, وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولأنه يصح عتقه ولا ينكح إلا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد وقد روى الأثرم في " سننه " عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا: حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه, وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فتثبت فيه أحكام العبيد.

فصل:

قال أحمد في رواية محمد بن الحكم: العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا ويطلق ثلاث تطليقات وكذلك كل ما تجزأ بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فلذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح الحر ونصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث وأما الطلاق فلا يمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولأن الأصل إثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق, وإنما خولف في من كمل الرق في حقه ففي من عداه يبقى على الأصل.

فصل:

إذا طلق العبد زوجته اثنتين ثم عتق لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجا غيره لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريما لا ينحل إلا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم وهذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس عن النبي -ﷺ- في المملوكين: (إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها) وقال: لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب, ورواه الإمام أحمد في " المسند " وأكثر الروايات عن أحمد الأول وقال: حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه وقد قال ابن المبارك: من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث قال أحمد: أما أبو حسن فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث قال أبو بكر: إن صح الحديث فالعمل عليه, وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول قال أحمد: ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لأنه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك إلا طلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق وأراد التزوج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يعتبر حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما أن وقعتا محرمتين لم يعتبر ذلك بالعتق بعدهما.

مسألة:

قال: [وإذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين طلقت بثلاث] نص أحمد على هذا في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد: تقع طلقتان لأن معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم تكمل فتصير طلقتين وقيل: بل ثلاث لأن النصف الثالث من طلقتين محال ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا أن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعه ثلاثا فيقع ثلاثا كما لو قال: أنت طالق ثلاث طلقات وقولهم: معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالفه ظاهر اللفظ, فإنه على ما ذكروه يكون ثلاثة أنصاف طلقة وينبغي أن يكون ثلاثة أنصاف طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم: إنه محال قلنا: وقوع نصف الطلقتين عليها ثلاث مرات ليس بمحال فيجب أن يقع.

فصل:

فإن قال: أنت طالق ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئا أو نوى واحدة فهي واحدة قال أحمد في من قال لامرأته: أنت طالق ملء البيت: فإن أراد الغلظة عليها - يعني يريد أن تبين منه - فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو يقع واحدة وذلك لأن الوصف لا يقتضي عددا وهذا لا نعلم فيه خلافا إلا أن الواحدة إذا وقعت كانت رجعية, وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: تكون بائنا لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة تقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعيا كقوله: أنت طالق وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة, وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه أو أطول الطلاق أو أعرضه أو أقصره أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في جميعها: يقع بائنا وقال صاحباه: إن قال: مثل الجبل كانت رجعية وإن قال: مثل عظم الجبل كانت بائنا ووجه القولين ما تقدم ولأنه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق الثلاث والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فيثبت وإن أراد إثباتها بدون ذلك لم يثبت ويحتمل أن يكون أشد الطلاق عليه أو عليها وأغلظ لتعجلهما أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع أمر زائد بالشك, وإن قال: أنت طالق أقصى الطلاق أو أكبره فكذلك في قياس المذهب ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثا لأن أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين وإن قال: أتم الطلاق أو أكمله فواحدة إلا أنها تكون سنية لأنها أكمل الطلاق وأتمه.

فصل:

وإن قال: أنت طالق أكثر الطلاق أو كله أو جميعه أو منتهاه, أو مثل عدد الحصى أو الرمل أو القطر طلقت ثلاثا لأن هذا يقتضي عددا ولأن للطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث وإن قال: كعدد التراب أو الماء وقع ثلاثا وقال أبو حنيفة: يقع واحدة بائن لأن الماء والتراب من أسماء الأجناس لا عدد له ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصا وإن قال: يا مائة طالق أو: أنت مائة طالق طلقت ثلاثا وإن قال: أنت طالق كمائة أو ألف فهي ثلاث قال أحمد في من قال: أنت طالق كألف تطليقة: فهي ثلاث وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن لم تكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد وإنما شبهها بالألف وليس الموقع الشبه به ولنا أن قوله: كألف تشبيه بالعدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله: أنت طالق كعدد ألف وفي هذا انفصال عما قال وإن قال: أردت أنها طلقة كألف في صعوبتها دين, وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين.

فصل:

وإن قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقع طلقتان وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} وإنما يدخل إذا كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها وقال زفر: يقع طلقة لأن ابتداء الغاية ليس منها كقوله: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط وقال أبو يوسف ومحمد: يقع الثلاث لأنه نطق بها فلم يجز إلغاؤها ولنا أن ابتداء الغاية يدخل كما لو قال: خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء الغاية فلا يدخل بمقتضى اللفظ ولو احتمل دخوله وعدم دخوله لم نجز الطلاق بالشك وإن قال: أنت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت واحدة لأنها التي بينهما.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلقة في اثنتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث لأنه يعبر بفي عن " مع " كقوله: {فادخلي في عبادي} فتقدير الكلام أنت طالق طلقة مع طلقتين فإذا أقر بذلك على نفسه قبل منه وإن قال: أردت واحدة قبل أيضا حاسبا كان أو غير حاسب وقال القاضي: إذا كان عارفا بالحساب لم يقبل منه ووقع طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي وإن لم تكن له نية وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان وقال القاضي: إن أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو بلفظ الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الإيقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع إلا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة: لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد إذا لم يقصد به واحدة مع اثنتين لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل منه الإيقاع في واحدة فوقعت دون غيرها ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين فإذا لفظ به وأطلق وقع كما لو قال: أنت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي, فإن اللفظ الموضوع لا يحتاج معه إلى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فإنما ذلك في وضع الحساب في الأصل ثم صار مستعملا في كل ما له عدد فصار حقيقة فيه فأما الجاهل بمقتضى ذلك في الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو لفظة واحدة وإنما صار مصروفا إلى الاثنتين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا اللفظ أولا والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم أن " في " ها هنا بمعنى " مع " وقع به ثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه إرادته وهو المتبادر إلى الفهم من كلامه فإن نوى موجبه عند أهل الحساب فقال القاضي: لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية ولا يعرف معناها, وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه إذا لم يكن يعرف موجبه فلم يقصد إيقاعه ولا يصح منه قصد ما لا يعرفه.

فصل:

فإن قال: أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي: يقع ثلاثا في أحد الوجهين لأن قوله: أنت طالق إيقاع فلا يجوز إيقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه أوقعها ثم أراد رفعها وأوقع اثنتين آخرتين فتقع الثلاث ولنا أن ما لفظ به قبل الإضراب بعض ما لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله: له على درهم بل درهمان وقولهم: لا يجوز إيقاع ما أوقعه قلنا: يجوز أن يخبر بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك قال أحمد: فإن قال: أنت طالق لا بل أنت طالق: هي واحدة وهذا اختيار أبي بكر واختار القاضي أنه يقع طلقتان لأنه أراد رفع الأولى وإيقاع الثانية فلم ترتفع الأولى ووقعت الثانية ووجه الأول أنه لو قال: له على درهم بل درهم لزمه درهم واحد كذا ها هنا فعلى هذا القول إن نوى بقوله: بل أنت طالق طلقة أخرى وقع اثنتان لأنه قصد إيقاع طلقتين بلفظين فوقع كما لو قال: أنت طالق أنت طالق وذكر القاضي احتمالا آخر أنه لا يقع إلا طلقة لأن اللفظ موضوع لواحدة فلا يصح أن ينوي به اثنتين قال أحمد: ولو كان له امرأتان فقال لإحداهما: أنت طالق ثم قال للأخرى: لا بل أنت طالق طلقتا جميعا ووجهه أنه أوقع طلاق الأولى ثم أضرب عنه وأوقع طلاق الأخرى فوقع بها ولم يرتفع عن الأولى وفارق ما إذا قال ذلك لواحدة لأن الطلقة يجوز أن تكون هي الثانية كرر الإخبار بها ولا يجوز في المرأتين أن يكون طلاق إحداهما هو طلاق الأخرى ونظيره في الإقرار ما لو قال: له علي درهم بل درهم لزمه درهم ولو قال: له علي درهم بل دينار لزماه جميعا ولو قال: أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا ولو قال لامرأة غير مدخول بها: أنت طالق واحدة بل ثلاثا طلقت واحدة لأنها بانت الأولى فلم يقع بها ما بعدها وإن قال: أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار, ونوى تعليق الجميع بدخول الدار تعلق وإن نوى تعليق الثلاث حسب وقعت الواحدة في الحال وإن أطلق ففيه وجهان أحدهما يتعلق الجميع بالشرط لأنه بعدهما فيعود إليهما والثاني تقع الواحدة في الحال وتبقى الثلاث معلقة بدخول الدار لأنه إنما ذكر الشرط عقيبها فتختص به, وإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار بل هذه فدخلت الأولى طلقتا وإن دخلت الثانية لم تطلق واحدة منهما فإن قال: أردت أن الثانية تطلق إن دخلت الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله وإن قال: أردت أنك تطلقين إذا دخلت الثانية الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله, وكان طلاق الأولى وحدها معلقا على دخول كل واحدة منهما.

فصل:

إذا قال: أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو: طالق لا أو: طالق طلقة لا ينقص بها عدد طلاقك أو: طالق لا شيء أو: ليس بشيء طلقت واحدة لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع وإن قال ذلك خبرا فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا وإن قال: أنت طالق أو لا؟ لم يقع لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج من أن يكون لفظا لإيقاع ويخالف ما قبل ذلك فإنه إيقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الإيقاع لا لفظ الاستفهام لكون الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها وإن قال: أنت طالق واحدة أو لا؟ فكذلك وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد: يقع واحدة لأن قوله: أو لا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الإيقاع وليس بصحيح لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها يرجع إليها فصار كقوله: أنت طالق أو لا شيء.

فصل:

فإن قال: أنت طالق بعد موتي أو موتك أو مع موتي أو موتك لم تطلق نص عليه أحمد وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لأنها تبين بموت أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله وإن تزوج أمة أبيه ثم قال: إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم يقع الطلاق اختاره القاضي لأنه بالموت يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال: أنت طالق مع موتي واختار أبو الخطاب أنه يقع لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وإن قال: إن اشتريتك فأنت طالق ثم اشتراها خرج على الوجهين, وإن قال الأب: إذا مت فأنت حرة وقال الابن: إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من الثلث ثم مات الأب وقع العتق والطلاق معا وإن لم تخرج من الثلث فإن بعضها ينتقل إلى الورثة فيملك الابن جزءا منها ينفسخ به النكاح فيكون كملك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم أن هذا ينبني على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فإن قلنا: هي عطية مبتدأة, فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وإن قلنا: هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وهكذا إن أجاز الزوج وحده عتق أبيه فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق والصحيح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح وإن كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين عتقت وطلقت, وإن لم يخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو استغرق الدين التركة وإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه.

فصل:

في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله إذا قال: إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق أو أكل تمرا فقال: إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق ولم تعلم ذلك فإنها تعد له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه لا يبرأ إلا بذلك أيضا لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالأسماء العرفية التي تنصرف اليمين إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكلا تمرا فقال: إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالقول فيها كالتي قبلها وإن وقعت في ماء جار فحلف عليها: إن خرجت منه أو أقمت فيه فأنت طالق فقال القاضي: قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه وقال أبو الخطاب: لا يحنث لأن الماء المحلوف عليه جرى عنها وصارت في غيره فلم يحنث سواء أقامت أو خرجت لأنها إنما تقف في غيره أو تخرج منه وكذلك قال القاضي في " المجرد " وهو مذهب الشافعي لأن الأيمان عندهم تنبني على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا: لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها ولو قال: إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر, وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق فكانا جميعا في السوق فقيل: يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا في من حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كمن قال: إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ها هنا لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق ولو كان في فيها تمرة فقال: أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال: إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وإن نوى الجميع لم يحنث بحال ولو كانت عنده وديعة لإنسان فأحلفه ظالم أن ليس لفلان عندك وديعة فإنه يحلف: ما لفلان عندي وديعة وينوي بما " الذي " ويبر في يمينه وكذلك لو سرقت امرأته منه شيئا فحلف عليها بالطلاق: لتصدقني أسرقت منى أم لا؟ وخافت أن تصدقه, فإنها تقول: سرقت منك ما سرقت منك وتعني الذي سرقت منك: ولو استحلفه ظالم: هل رأيت فلانا أو لا؟ فإنه يعني برأيت أي ضربت رئته وذكرته أي قطعت ذكره, وما طلبت منه حاجة أي الشجرة التي حبسها الحاج ولا أخذت منه فروجا يعني القباء ولا حصيرا وهو الحبس وأشباه هذا فمتى لم يكن ظالما فحلف وعنى به هذا تعلقت يمينه بما عناه ولو كانت له امرأة على درجة فحلف عليها أن لا تنزل عنها ولا تصعد منها ولا تقف عليها فإنها تنتقل عنها إلى سلم آخر, وتنزل إن شاءت أو تصعد أو تقف عليه لأن نزولها إنما حصل من غيرها إن كان في يمينه ولا انتقلت عنها فإنها تحمل مكرهة ولو كان في سلم وله امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى في البيت السفلاني فحلف: لا صعدت إلى هذه ولا نزلت إلى الأخرى فإن السفلى تصعد وتنزل العليا ثم ينزل إن شاء أو يصعد.

فصل:

قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن رجل قال لامرأته: أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم قال: يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل إن لم يكن أراد بقوله: اغتسلت المجامعة وقال في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثلاثة ثم فيه لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا تقصر فيها الصلاة, وبعيدة أن يسلك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فهاهنا أولى.