الرئيسيةبحث

المغني - كتاب الخلع

المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي

(الجزء السادس والثلاثون – كتاب الخلع) •كتاب الخلع o مسألة: المرأة إذا كانت مبغضة للرجل وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه o فصل: لا يفتقر الخلع إلى حاكم o فصل: لا بأس بالخلع في الحيض والطهر o مسألة: عدم استحباب أن يأخذ الزوج أكثر مما أعطى زوجته المنخلعة o مسألة: حالات وقوع الخلع مع الكراهة o فصل: إن عضل زوجته وضارها بالضرب o فصل: إن ضربها على نشوزها ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك o فصل: إن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع o فصل: إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق o فصل: ألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية o فصل: لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج o مسألة: لا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق o فصل: لا يثبت في الخلع رجعة o فصل: إن شرط في الخلع أن له الرجعة o فصل: إن شرط الخيار لها أو له يوما أو أكثر وقبلت المرأة صح الخلع وبطل الخيار o فصل: في رجل قالت له امرأته: اجعل أمري بيدي o مسألة: إذا قالت له اخلعني على ما في يدي من الدراهم o فصل: أقسام الخلع على مجهول o فصل: إذا خالعته على رضاع ولده سنتين صح o فصل: إن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح o فصل: العوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلًا أو موزونًا o مسألة: إن خالعها على غير عوض كان خلعا ولا شيء له o فصل: إذا قالت: بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح o فصل: إن خالعها على نصف دار صح o مسألة: لو خالعها على ثوب فخرج معيبا فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب أو قيمة الثوب ويرده o فصل: إذا قال: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفا أو أكثر طلقت o فصل: إن قال: إن أعطيتني ثوبا مرويًا فأنت طالق فأعطته هرويًا لم تطلق o فصل: كل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق o فصل: تعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج o فصل: إذا قال لامرأته: أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء o فصل: إن خالعها على محرم يعلمان تحريمه كالحر o فصل: إن قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته مدبرا أو معتقا نصفه وقع الطلاق بهما o مسألة: إذا قالت له: طلقني ثلاثًا بألف فطلقها واحدة لم يكن له شيء ولزمها التطليقة o فصل: فإن: قالت: طلقني ثلاثًا ولك ألف فهي كالتي قبلها o فصل: إن قالت: طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة o فصل: إن لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت: طلقني بألف واحدة أبين بها واثنتين في نكاح آخر o فصل: إن قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف o فصل: إذا قالت: طلقني بألف أو على أن لك ألفا أو إن طلقتني فلك على ألف o فصل: لو قالت له: طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شيء له o فصل: لو: لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت: طلقني ثلاثا بألف o فصل: إن قالت: طلقني بألف إلى شهر أو أعطته ألفاً على أن يطلقها إلى شهر o فصل: إذا قال لها: أنت طالق وعليك ألف وقعت طلقة رجعية ولا شيء عليها o فصل: إذا قال: أنت طالق ثلاثا بألف فقالت: قبلت واحدة منها بألف وقع الثلاث o مسألة: إذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان الخلع واقعًا o الفصل الأول: أن الخلع مع الأمة صحيح o الفصل الثاني: أن الخلع إذا كان بغير إذن سيدها على شيء في ذمتها فإنه يتبعها إذا عتقت o الفصل الثالث: إذا كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض بذمته o فصل: الحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء o فصل: يصح خلع المحجور عليها لفلس o فصل: لا يصح بذل العوض من المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون o فصل: إذا قال الأب: طلق ابنتي وأنت بريء من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيًا o فصل: إن قال لامرأتيه: أنتما طالقتان بألف إن شئتما o فصل: يصح الخلع مع الأجنبي بغير إذن المرأة o فصل: إن قالت له امرأته: طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع الطلاق بهما بائنًا o فصل: إن قالت: طلقني بألف على أن تطلق ضرتي o مسألة: ما خالع العبد به زوجته من شيء جاز وهو لسيده o فصل: توقف أحمد في طلاق الأب زوجة ابنه الصغير وخلعه إياها o مسألة: إذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع o مسألة: لو خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث o مسألة: لو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضه ثم أسلما أو أحدهما لم يرجع عليها بشيء o فصل: يصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردًا o فصل: إذا اختلفا في الخلع فادعاه الزوج وأنكرته المرأة بانت بإقراره o فصل: إذا علق طلاق امرأته بصفة ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة طلقت o فصل: إن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني

كتاب الخلع

مسألة:

قال: [والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل, وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه]. وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه, أو دينه أو كبره أو ضعفه, أو نحو ذلك وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وروي (أن رسول الله -ﷺ- خرج إلى الصبح, فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله -ﷺ-: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت لزوجها, فلما جاء ثابت قال له رسول الله -ﷺ-: هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله -ﷺ- لثابت بن قيس: خذ منها فأخذ منها, وجلست في أهلها) وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك وأحمد وغيرهما, وفي رواية البخاري قال: (جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي -ﷺ- فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق, إلا إني أخاف الكفر فقال رسول الله -ﷺ-: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم فردتها عليه وأمره ففارقها) وفي رواية فقال له: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام قال ابن عبد البر ولا نعلم أحدا خالفه, إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} الآية وروي عن ابن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ولنا الآية التي تلوناها والخبر, وأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة لم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فيكون إجماعا, ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شيء من ذلك إذا ثبت هذا, فإن هذا يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال الله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال الله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.

فصل:

ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال: يجوز الخلع دون السلطان وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك, والشافعي وإسحاق وأهل الرأي وعن الحسن, وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان ولنا قول عمر وعثمان ولأنه معاوضة, فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي, أشبه الإقالة.

فصل:

ولا بأس بالخلع في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة, فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي -ﷺ- المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها, والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاء منها به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه.

مسألة:

قال: [ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها] هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق, وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشيء صح وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب: لا يأخذ أكثر مما أعطاها وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع واختاره أبو بكر قال: فإن فعل رد الزيادة وعن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا واحتجوا بما روي (أن جميلة بنت سلول أتت النبي -ﷺ- فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق, ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي -ﷺ-: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم فأمره النبي -ﷺ- أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد) رواه ابن ماجه ولأنه بدل في مقابلة فسخ, فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة ولنا قول الله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ولأنه قول من سمينا من الصحابة, قالت الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر فلم ينكر, فيكون إجماعا ولم يصح عن علي خلافه فإذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد فإن فعل جاز مع الكراهية ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي -ﷺ- (أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها) رواه أبو حفص بإسناده وهو صريح في الحكم, فنجمع بين الآية والخبر فنقول: الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهية والله أعلم.

مسألة:

قال: [ولو خالعته لغير ما ذكرنا, كره لها ذلك ووقع الخلع] في بعض النسخ " بغير ما ذكرنا " بالباء فيحتمل أنه أراد بأكثر من صداقها وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبل هذه, والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله لأنه لو أراد الأول لقال: كره له فلما قال: كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له, والحال عامرة والأخلاق ملتئمة فإنه يكره لها ذلك, فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال: الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر, فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود وقال ابن المنذر وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن الله تعالى قال: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا إلا يقيما حدود الله ثم قال: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فدل بمفهومه على أن الجناح لاحق بهما إذا افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال: {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وروى ثوبان قال: قال رسول الله -ﷺ-: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق, من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي -ﷺ- قال: (المختلعات والمنتزعات هن المنافقات) رواه أبو حفص ورواه أحمد في " المسند ", وذكره محتجا به وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة ولأنه إضرار بها وبزوجها, وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة فحرم لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) واحتج من أجازه بقول الله سبحانه: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا, حرمه الله في العقد وأباحه في الهبة والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية الجواز, مع ما عضدها من الأخبار والله أعلم.

فصل:

فأما إن عضل زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة, والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت, فالخلع باطل والعوض مردود روي ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة: العقد صحيح والعوض لازم, وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} وقال الله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} ولأنه عوض أكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع, والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا: الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث, فله رجعها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة وإن قلنا: هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين, وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ها هنا بالعوض فإذا لم يحصل له العوض, لا يحصل المعوض وقال مالك إن أخذ منها شيئا على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا: يصح الخلع بغير عوض.

فصل:

فأما إن ضربها على نشوزها, ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن ذلك لا يمنعهما أن لا يخافا أن لا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة أنها (كانت تحت ثابت بن قيس, فضربها فكسر ضلعها فأتت النبي -ﷺ- فدعا النبي -ﷺ- ثابتا فقال: خذ بعض مالها, وفارقها ففعل) رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها, ولكن عليه إثم الظلم.

فصل:

فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت, صح الخلع لقول الله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} والاستثناء من النهي إباحة ولأنها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره, وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر: لا يصح لأنه عوض أكرهت عليه, أشبه ما لو لم تزن والنص أولى.

فصل:

إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق, فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر وإن كانت قبضته كله, ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة وهذا قول عطاء, والنخعي والزهري والشافعي وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية, فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل لأنها ما وجبت بعد ولنا أن المهر حق لا يسقط بالخلع إذا كان بلفظ الطلاق, فلا يسقط بلفظ الخلع والمبارأة كسائر الديون ونفقة العدة إذا كانت حاملا, ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة, والنصف لها لا يبرأ منه بقولها: بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها.

فصل:

وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له العرف والمفاداة لأنه ورد به القرآن بقوله سبحانه: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه, فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية وما عدا هذه مثل: بارأتك, وأبرأتك وأبنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية, كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته, صح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النية فيه, وإن لم يكن دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية, سواء قلنا: هو فسخ أو طلاق ولا يقع بالكناية إلا بنية ممن تلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه والله أعلم.

فصل:

ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج قال القاضي: هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون وقد أومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب, إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفتى بذلك ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا فقال ابن شهاب: المخلعة على وجهين, مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول: لا أنا ولا أنت, ولا أبر لك قسما وأنا أفتدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال, انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روى قال: قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي الله عنه من قبل مالا على فراق, فهي تطليقة بائنة لا رجعة له فيها واحتج بقول النبي -ﷺ- لجميلة: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم ففرق رسول الله -ﷺ- بينهما وقال: خذ ما أعطيتها, ولا تزدد) ولم يستدع منه لفظا ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجرة, وإن لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون اللفظ كما لو سألته أن يطلقها بعوض, ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق, ولأن أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع, ولأن الخلع إن كان طلاقا فلا يقع بدون صريحة أو كنايته وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح, فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد وأما حديث جميلة فقد رواه البخاري: (اقبل الحديقة, وطلقها تطليقة) وهذا صريح في اعتبار اللفظ وفي رواية: فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق, فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال: ففرق النبي -ﷺ- بينهما, وقال (خذ ما أعطيتها) فجعل التفريق قبل العوض ونسب التفريق إلى النبي -ﷺ- ومعلوم أن النبي -ﷺ- لا يباشر التفريق فدل على أن النبي -ﷺ- أمر به, ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولا بد منه اتفاقا.

مسألة:

قال: ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق, ولو واجهها به وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن, والشعبي ومالك والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أن يقول: كل امرأة لي طالق وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب, وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد, والثوري لما روي عن النبي -ﷺ- أنه قال: (المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة) ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير, ولا نعرف لهما مخالفا في عصرهما ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول, أو المنقضية عدتها ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه, كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية, فلا يلحقها الصريح المعين كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول: أنت طالق أو لا يواجهها به, مثل أن يقول: فلانة طالق وحديثهم لا نعرف له أصلا ولا ذكره أصحاب السنن.

فصل:

ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا: هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا: الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق, فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق ولنا, قوله سبحانه وتعالى: {فيما افتدت به} وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه, ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر, وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد.

فصل:

فإن شرط في الخلع أن له الرجعة, فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد, كالنكاح ولأنه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط, كالطلاق الثلاث ويحتمل أن يبطل الخلع وتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة متنافيان فإذا شرطاهما سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط, ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع وإذا حكمنا بالصحة, فقال القاضي: يسقط المسمى في العوض لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه, فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل أن يجب المسمى لأنهما تراضيا به عوضا, فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة.

فصل:

فإن شرط الخيار لها أو له يوما أو أكثر, وقبلت المرأة صح الخلع وبطل الخيار وبه قال أبو حنيفة فيما إذا كان الخيار للرجل وقال: إذا جعل الخيار للمرأة, ثبت لها الخيار ولم يقع الطلاق ولنا أن سبب وقوع الطلاق وجد, وهو اللفظ به فوقع كما لو أطلق, ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه.

فصل:

نقل مهنا في رجل قالت له امرأته: اجعل أمري بيدي, وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئا هو له, إنما قالت: اجعل أمري بيدي وأعطيك فقيل له: متى شاءت تختار؟ قال: نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي أن ترجع عليه بالعوض لأنه استرجع ما جعل لها, فتسترجع منه ما أعطته ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق أولى كالوكالة قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها, فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئا ووجهه أن الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار, وقد فعل فاستحق الألف وليست الألف في مقابلة الفرقة. مسألة: قال: وإذا قالت له اخلعني على ما في يدي من الدراهم ففعل فلم يكن في يدها شيء, لزمها ثلاثة دراهم وجملة ذلك أن الخلع بالمجهول جائز وله ما جعل له وهذا قول أصحاب الرأي وقال أبو بكر: لا يصح الخلع ولا شيء له لأنه معاوضة, فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع, فإذا كان العوض مجهولا وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط, فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع ليس فيه تمليك شيء, والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض بخلاف النكاح وإذا صح الخلع, فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوتت عليه ما يوجبه فإن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم, بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو رضاعها لمن ينفسخ به نكاحها لم يجب عليها شيء, ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو وطئت بشبهة أو مكرهة, لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شيء وإنما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة, وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها إلى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله فأما إيجاب شيء لم ترض به فلا وجه له فعلى هذا إن خالعها على ما في يدها من الدراهم, صح فإن كان في يدها دراهم فهي له وإن لم يكن في يدها شيء فله عليها ثلاثة نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة, لفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم وإن كان في يدها أقل من ثلاثة احتمل أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم, وهو في يدها واحتمل أن يكون له ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا لم يكن في يدها شيء فكذلك إذا كان في يدها.

فصل:

والخلع على مجهول ينقسم أقساما: أحدها أن يخالعها على عدد مجهول من شيء غير مختلف, كالدنانير والدراهم كالتي يخالعها على ما في يدها من الدراهم فهي هذه التي ذكر الخرقي حكمها والثاني, أن يكون ذلك من شيء مختلف لا يعظم اختلافه مثل أن يخالعها على عبد مطلق أو عبيد أو يقول: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته إياه, ويملكه بذلك ولا يكون له غيره وكذلك إن خالعته عليه فليس له إلا ما يقع عليه اسم العبد وإن خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في المسألة التي قبلها وقد قال أحمد فيما إذا قال: إذا أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا: فهي طالق والظاهر من كلامه ما قلناه وقال القاضي: له عليها عبد وسط وتأول كلام أحمد على أنها أعطته عبدا وسطا, والظاهر خلافه ولنا أنها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم, كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ولأنه إذا قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا فقد وجد شرطه, فيجب أن يقع الطلاق كما لو قال: إن رأيت عبدا فأنت طالق ولا يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئا فلا يلزمها شيء كما لو طلقها بغير خلع الثالث, أن يخالعها على مسمى تعظم الجهالة فيه مثل أن يخالعها على دابة أو بعير, أو بقرة أو ثوب أو يقول: إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك, ويقع الطلاق بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته إياه ولا يلزمها غير ذلك, في قياس ما قبلها وقال القاضي وأصحابه من الفقهاء: ترد عليه ما أخذت من صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض لجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت, وهو المهر ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها, كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن المسمى قد استوفى بدله بالوطء فكيف يجب بغير رضي ممن يجب عليه, والأشبه بمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به ومن هذا القسم لو خالعها على ما في بيتها من المتاع, فإن كان فيه متاع فهو له قليلا كان أو كثيرا, معلوما أو مجهولا وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع وعلى قول القاضي, عليها المسمى في الصداق وهو قول أصحاب الرأي والوجه للقولين ما تقدم الرابع أن يخالعها على حمل أمتها أو غنمها, أو غيرهما من الحيوان أو قال: على ما في بطونها أو ضروعها فيصح الخلع وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح الخلع على ما في بطنها, ولا يصح على حملها ولنا أن حملها هو ما في بطنها فصح الخلع عليه كما لو قال: على ما في بطنها إذا ثبت هذا, فإنه إن خرج الولد سليما أو كان في ضروعها شيء من اللبن فهو له وإن لم يخرج شيء, فقال القاضي: لا شيء له وهو قول مالك وأصحاب الرأي وقال ابن عقيل: لها مهر المثل وقال أبو الخطاب: له المسمى وإن خالعها على ما يثمر نخلها, أو تحمل أمتها صح قال أحمد: إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز, فإن لم يحمل نخلها ترضيه بشيء قيل له: فإن حمل نخلها؟ قال: هذا أجود من ذاك قيل له: يستقيم هذا؟ قال: نعم جائز فيحتمل قول أحمد: ترضيه بشيء أي: له أقل ما يقع عليه اسم الثمرة أو الحمل, فتعطيه عن ذلك شيئا أي شيء كان مثل ما ألزمناه في مسألة المتاع وقال القاضي: لا شيء له وتأول قول أحمد ترضيه بشيء على الاستحباب لأنه لو كان كان واجبا, لتقدر بتقدير يرجع إليه وفرق بين هاتين المسألتين ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع فيهما بأقل ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئا وها هنا لا يرجع بشيء إذا لم يجد حملا ولا ثمرة ثم أوهمته أن معها دراهم, وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به فكان ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حرا, وفي هاتين المسألتين دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شيء غيره, كما لو قال: خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة: لا يصح العوض ها هنا لأنه معدوم ولنا أن ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما كان يحمل, كالوصية واختار أبو الخطاب أن له في هذه الأقسام الثلاثة المسمى في الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص أحمد على جوازه والدليل عليه والله أعلم.

فصل:

إذا خالعته على رضاع ولده سنتين صح, وكذلك إن جعلا وقتا معلوما قل أو كثر وبهذا قال الشافعي لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع ولده مطلقا, ولم يذكرا مدته صح أيضا وينصرف إلى ما بقي من الحولين نص عليه أحمد, قيل له: ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول: ترضعه سنتين؟ قال: نعم وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى يذكرا مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكرا المدة ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين, فقال تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وقال سبحانه: {وفصاله في عامين} وقال {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} ولم يبين مدة الحمل ها هنا والفصال فحمل على ما فسرته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر, وقال النبي -ﷺ- (لا رضاع بعد فصال) يعني بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على ذلك أيضا ولا يحتاج إلى وصف الرضاع, لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الإجارة فإن ماتت المرضعة, أو جف لبنها فعليها أجر المثل لما بقي من المدة وإن مات الصبي فكذلك وقال الشافعي في أحد قوليه: لا ينفسخ, ويأتيها بصبي ترضعه مكانه لأن الصبي مستوفى به لا معقود عليه فأشبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات ولنا أنه عقد على فعل في عين, فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولأن ما يستوفيه من اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي, وحاجات الصبيان تختلف ولا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله في حياته, ولأنه لا يجوز إبداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة, بخلاف راكب الدابة وإن وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شيء من المدة فعليها أجر رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه: لا يرجع بشيء وعن الشافعي كقولنا, وعنه: يرجع بالمهر ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثلها, كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه.

فصل:

وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح, وإن لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام والأدم ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع, وقدر الطعام وجنسه وقدر الإدام وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه, وما يحل منه كل يوم ومبنى الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام وقول النبي -ﷺ-: (رحم الله أخي موسى, آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه) ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ها هنا وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الصبي, وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه, وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع, فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم؟ فيه وجهان أحدهما يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في " الجامع " واحتج بقول أحمد: إذا خالعها على رضاع ولده, فمات في أثناء الحولين قال: يرجع عليها ببقية ذلك ولم يعتبر الأجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقا فإذا زالت الحاجة إلى التفريق استحق جملة واحدة والثاني لا يستحقه إلا يوما بيوم ذكره القاضي في " المجرد ", وهو الصحيح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذه منه كل يوم أرطالا معلومة, فمات المستحق له ولأن الحق لا يحل بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق, وإن وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين وإن ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين, بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أم لا؟

فصل:

والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا, لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما, دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه قال أحمد في امرأة قالت لزوجها: اجعل أمري بيدي, ولك هذا العبد ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعدما مات العبد: جائز وليس عليها شيء قال: ولو أعتقت العبد, ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها له فلم يصحح عتقها له لأن ملكها زال عنه بجعلها له عوضا في الخلع ولم يضمنها إياه إذا تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد ويخرج فيه وجه, أنه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه, كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق وأما المكيل والموزون فلا يصح تصرفه فيه, ولا يدخل في ضمانه حتى يقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لأنه من ذوات الأمثال وقد ذكر القاضي في الصداق أنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه, وإن كان مكيلا أو موزونا لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فها هنا مثله.

مسألة:

قال: [وإن خالعها على غير عوض كان خلعا, ولا شيء له] اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة: فروي عنه ابنه عبد الله قال: قلت لأبي: رجل علقت به امرأته تقول: اخلعني قال: قد خلعتك قال يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا, وتكون عنده على ثنتين فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لأنه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق, ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فتسأله فراقها, فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فصح, كما لو كان بعوض قال أبو بكر: لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال, فلا نزاع في أنه طلاق تملك به الرجعة ولا يكون فسخا والرواية الثانية لا يكون خلع إلا بعوض روي عنه مهنا, إذا قال لها: اخلعي نفسك فقالت: خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شيء إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى فعلى هذه الرواية, لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق, كان طلاقا رجعيا لأنه يصلح كناية عن الطلاق وإن لم ينو به الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها وكذلك لو قال: فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق, لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة, فلا يجتمع له العوض والمعوض وإن قلنا: الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية, أو بذل العوض فيقوم مقام النية وما وجد واحد منهما ثم إن وقع الطلاق, فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن تكمل الثلاث.

فصل:

إذا قالت: بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح, وكان بيعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح إفراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما, كبيع ثوبين وقد نص أحمد على الجمع بين بيع وصرف أنه يصح وهو نظير لهذا وذكر أصحابنا فيه وجها آخر, أنه لا يصح لأن أحكام العقدين تختلف والأول أصح لما ذكرنا وللشافعي فيه قولان أيضا فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته, حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك وإن وجدته حرا أو مغصوبا رجعت به لأنه عوضه فإن كان مكان العبد شقص مشفوع, ففيه الشفعة ويأخذ الشفيع بحصة قيمته من الألف لأنها عوضه.

فصل:

وإن خالعها على نصف دار صح, ولا شفعة فيه لأنه عوض عما لا قيمة له ويتخرج أن فيه شفعة لأن له عوضا وهل يأخذه الشفيع بقيمته أو بمثل المهر, على وجهين: فأما إن خالعها ودفع إليها ألفا بنصف دارها صح, ولا شفعة أيضا وقال أبو يوسف ومحمد: تجب الشفعة فيما قابل الألف لأنه عوض مال ولنا أن إيجاب الشفعة تقويم للبضع في حق غير الزوج والبضع لا يتقوم في حق غيره, ولأن الزوج ملك الشقص صفقة واحدة من شخص واحد فلا يجوز للشفيع أخذ بعضه كما لو اشتراه بثمن واحد.

مسألة:

قال: [ولو خالعها على ثوب فخرج معيبا, فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب أو قيمة الثوب ويرده] وجملة ذلك أن الخلع يستحق فيه رد عوضه بالعيب أو أخذ الأرش لأنه عوض في معاوضة, فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق ولا يخلو إما أن يكون على معين مثل أن تقول: اخلعني على هذا الثوب فيقول: خلعتك ثم يجد به عيبا لم يكن علم به, فهو مخير بين رده وأخذ قيمته وبين أخذ أرشه وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت, وملكه قال أصحابنا: والحكم فيه كما لو خالعها عليه وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لم يجعل له المطالبة بالأرش مع إمكان رده وهذا أصل ذكرناه في البيع وله أيضا قول: إنه إذا رده رجع بمهر المثل وهذا الأصل ذكر في الصداق وإن خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم, صح وعليها أن تعطيه إياه سليما لأن إطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فإن دفعته إليه معيبا, أو ناقصا عن الصفات المذكورة فله الخيار بين إمساكه أو رده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة سليما تام الصفات, فيرجع بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب له عليها وإن قال: إن أعطيتني ثوبا صفته كذا وكذا فأعطته ثوبا على تلك الصفات, طلقت وملكه وإن أعطته ناقصا صفة لم يقع الطلاق, ولم يملكه لأنه ما وجد الشرط فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي: ويتخير بين إمساكه, ورده والرجوع بقيمته وهذا قول الشافعي إلا أن له قولا أنه يرجع بمهر المثل, على ما ذكرنا وعلى ما قلنا نحن فيما تقدم: أنه إذا قال: إذا أعطيتني ثوبا أو عبدا أو هذا الثوب, أو هذا العبد فأعطته إياه معيبا طلقت وليس له شيء سواه وقد نص أحمد على من قال: إن أعطيتني هذا الألف, فأنت طالق فأعطته إياه فوجده معيبا فليس له البدل وقال أيضا: إذا قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته عبدا, فهي طالق ويملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال: إن أعطيتني كذا فأعطته إياه فليس له غيره وذلك لأن الإنسان لا يلزمه في ذمته شيء إلا بإلزام, أو التزام ولم يرد الشرع بإلزامها هذا ولا هي التزمته له, وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شيء سواه, ولأنها لم تدخل معه في معاوضة وإنما حققت شرط الطلاق فأشبه ما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت أو ما لو قال: إن أعطيت أباك عبدا فأنت طالق فأعطته إياه. فصل: إذا قال: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفا أو أكثر, طلقت لوجود الصفة وإن أعطته دون ذلك لم تطلق لعدمها وإن أعطته ألفا وازنة, تنقص في العدد طلقت وإن أعطته ألفا عددا, تنقص في الوزن لم تطلق لأن إطلاق الدرهم ينصرف إلى الوازن من دراهم الإسلام وهي ما كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل أن الدراهم متى كانت تنفق برءوسها من غير وزن, طلقت لأنها يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطته وازنة تنقص في العدد لذلك وإن أعطته ألفا رديئة, كنحاس فيها أو رصاص أو نحوه لم تطلق لأن إطلاق الألف يتناول ألفا من الفضة وليس في هذه ألف من الفضة وإن زادت على الألف بحيث يكون فيها ألف فضة طلقت لأنها قد أعطته ألفا فضة وإن أعطته سبيكة تبلغ ألفا, لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم توجد الصفة بخلاف المغشوشة, فإنها تسمى دراهم وإن أعطته ألفا رديء الجنس لخشونة أو سواد أو كانت وحشة السكة, طلقت لأن الصفة وجدت قال القاضي: وله ردها وأخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسألة التي قبلها.

فصل:

وإن قال: إن أعطيتني ثوبا مرويا فأنت طالق فأعطته هرويا لم تطلق لأن الصفة التي علق الطلاق عليها لم توجد, وإن أعطته مرويا طلقت وإن خالعها على مروي فأعطته هرويا فالخلع واقع, ويطالبها بما خالعها عليه وإن خالعها على ثوب بعينه على أنه مروي فبان هرويا, فالخلع صحيح لأن جنسهما واحد وإنما ذلك اختلاف صفة فجرى مجرى العيب في العوض, وهو مخير بين إمساكه ولا شيء له غيره وبين رده وأخذ قيمته لو كان مرويا لأن مخالفته الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد وقال أبو الخطاب: وعندي لا يستحق شيئا سواه لأن الخلع على عينه وقد أخذه وإن خالعها على ثوب, على أنه قطن فبان كتانا لزم رده, ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان بخلاف ما لو خالعها على مروي فخرج هرويا, فإن الجنس واحد.

فصل:

وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق, سواء قبضه منها أو لم يقبضه لأن العطية وجدت فإنه يقال: أعطته فلم يأخذ ولأنه علق اليمين على فعل من جهتها والذي من جهتها في العطية البذل على وجه يمكنه قبضه, فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت: يضمنه لك زيد أو اجعله قصاصا مما لي عليك أو أعطته به رهنا, أو أحالته به لم يقع الطلاق لأن العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطه وكذلك كل موضع تعذرت العطية فيه لا يقع الطلاق, سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرهما لانتفاء الشرط ولو قالت: طلقني بألف فطلقها, استحق الألف وبانت وإن لم يقبض نص عليه أحمد قال أحمد: ولو قالت: لا أعطيك شيئا يأخذها بالألف يعني ويقع الطلاق لأن هذا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول.

فصل:

وتعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان, أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوما لا سبيل إلى دفعه فإن الغالب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه على الشروط ويقع الطلاق بوجود الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي وقال الشافعي: إن قال: متى أعطيتني, أو متى ما أعطيتني أو أي حين أو أي زمان أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على التراخي وإن قال: إن أعطيتني أو إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على الفور فإن أعطته جوابا لكلامه, وقع الطلاق وإن تأخر العطاء لم يقع الطلاق لأن قبول المعاوضات على الفور فإذا لم يوجد منه تصريح بخلافه, وجب حمل ذلك على المعاوضات بخلاف متى وأي فإن فيهما تصريحا بالتراخي, ونصا فيه وإن صارا معاوضة فإن تعليقه بالصفة جائز أما إن وإذا, فإنهما يحتملان الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور ولنا, أنه علق الطلاق بشرط الإعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول: علق الطلاق بحرف مقتضاه التراخي, فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض والدليل على أن مقتضاه التراخي, أنه يقتضي التراخي إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه وهذه المعاوضة معدول بها عن سائر المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط, ويكون على التراخي فيما إذا علقها بمتى أو بأي فكذلك في مسألتنا ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من الفرق, ثم يبطل قياسهم بقول السيد لعبده: إن أعطيتني ألفا فأنت حر فإنه كمسألتنا وهو على التراخي على أننا قد ذكرنا أن حكم هذا اللفظ حكم الشرط المطلق.

فصل:

إذا قال لامرأته: أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء, فإذا شاءت وقع الطلاق بائنا ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت: طلقني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق طلاقها على شرط, فلم يوجد قبل وجوده وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وإن كان محلها القلب فلا يعرف ما في القلب إلا بالنطق, فيعلق الحكم به ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه أحمد ومذهب الشافعي كذلك, إلا في أنه على الفور عنده ولو أنه قال لامرأته: أمرك بيدك إن ضمنت لي ألفا فقياس قول أحمد أنه على التراخي لأنه نص على أن أمرك بيدك على التراخي ونص على أنه إذا قال لها: أنت طالق إن شئت أن لها المشيئة بعد مجلسها ومذهب الشافعي أنه على الفور لما تقدم ولنا, أنه لو قال لعبده: إن ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي ولو قال له: أنت حر على ألف إن شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق فعلى هذا متى ضمنت له ألفا كان أمرها بيدها, وله الرجوع فيما جعل إليها لأن أمرك بيدك توكيل منه لها فله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة وكذلك لو قال لزوجته: طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فمتى ضمنت له ألفا, وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع وإن ضمنت الألف ولم تطلق, أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق.

فصل:

وإن خالعها على محرم يعلمان تحريمه كالحر, والخمر والخنزير والميتة, فهو كالخلع بغير عوض سواء لا يستحق شيئا وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي: له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع, فإذا كان العوض محرما وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم, على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شيء, كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شيء ففعلته وفارق النكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج متقوم, ولا يلزم إذا خالعها على عبد فبان حرا لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وها هنا رضي بما لا قيمة له إذا تقرر هذا, فإن كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لأنه خلا عن عوض وإن كان بلفظ الخلع وكنايات الخلع, ونوى به الطلاق فكذلك لأن الكناية مع النية كالصريح وإن كان بلفظ الخلع, ولم ينو الطلاق انبنى على أصل وهو أنه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان فإن قلنا: يصح صح ها هنا وإن قلنا: لا يصح لم يصح ولم يقع شيئا وإن قال: إن أعطيتني خمرا أو ميتة, فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شيء عليها وعند الشافعي, عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها.

فصل:

فإن قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته مدبرا أو معتقا نصفه وقع الطلاق بهما لأنهما كالقن في التمليك, وإن أعطته حرا أو مغصوبا أو مرهونا, لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لا تكون معطية له وإن قال: إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه, فإذا هو حر أو مغصوب لم تطلق أيضا لما ذكره أبو بكر وأومأ إليه أحمد وذكر القاضي وجها آخر, أنه يقع الطلاق قال: وأومأ إليه أحمد في موضع آخر لأنه إذا عينه فقد قطع اجتهادها فيه فإذا أعطته إياه وجدت الصفة, فوقع الطلاق بخلاف غير المعين ولأصحاب الشافعي أيضا وجهان كذلك وعلى قولهم: يقع الطلاق هل يرجع بقيمته أو بمهر المثل؟ على وجهين ولنا, أن العطية إنما معناها المتبادر إلى الفهم منها عند إطلاقها التمكين من تملكه بدليل غير المعين ولأن العطية ها هنا التمليك بدليل حصول الملك بها فيما إذا كان العبد مملوكا لها, وانتفاء الطلاق فيما إذا كان غير معين.

مسألة:

قال (وإذا قالت له: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يكن له شيء ولزمها التطليقة] أما وقوع الطلاق بها فلا خلاف فيه وأما الألف, فلا يستحق منه شيئا وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: له ثلث الألف لأنها استدعت منه فعلا بعوض فإذا فعل بعضه استحق بقسطه من العوض كما لو قال: من رد عبيدي فله ألف فرد ثلثهم, استحق ثلث الألف وكذلك في بناء الحائط وخياطة الثوب ولنا, أنها بذلت العوض في مقابلة شيء لم يجبها إليه فلم يستحق شيئا كما لو قال في المسابقة: من سبق إلى خمس إصابات فله ألف فسبق إلى بعضها أو قالت: بعني عبديك بألف فقال: بعتك أحدهما بخمسمائة وكما لو قالت: طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة, فإن أبا حنيفة وافقنا في هذه الصورة على أنه لا يستحق شيئا فإن قيل: الفرق بينهما أن الباء للعوض دون الشرط وعلى للشرط فكأنها شرطت في استحقاقه الألف أن يطلقها ثلاثا قلنا: لا نسلم أن على للشرط, فإنها ليست مذكورة في حروفه وإنما معناها ومعنى الباء واحد وقد سوى بينهما فيما إذا قالت: طلقني وضرتي بألف, أو على ألف ومقتضى اللفظ لا يختلف بكون المطلقة واحدة أو اثنتين.

فصل:

فإن: قالت: طلقني ثلاثا ولك ألف فهي كالتي قبلها إن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق, ولا شيء له وإن طلقها ثلاثا استحق الألف ومذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم في التي قبلها وقال أبو حنيفة: لا يستحق شيئا, وإن طلقها ثلاثا لأنه لم يعلق الطلاق بالعوض ولنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فأشبه ما لو قالت: رد عبدي ولك ألف فرده وقوله: لم يعلق الطلاق بالعوض غير مسلم فإن معنى الكلام ولك ألف عوضا عن طلاقي فإن قرينة الحال دالة عليه وإن قالت: طلقني وضرتي بألف, أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين, وخلعه للمرأتين بعوض عليهما خلعان فجاز أن ينعقد أحدهما صحيحا موجبا للعوض دون الآخر وإن كان العوض منها وحدها فلا شيء له, في قياس المذهب لأن العقد لا يتعدد بتعدد العوض وكذلك لو اشترى منه عبدين بثمن واحد كان عقدا واحدا, بخلاف ما إذا كان العاقد من أحد الطرفين اثنين فإنه يكون عقدين.

فصل:

وإن قالت: طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة أو ثلاثا بانت بثلاث قال أصحابنا: ويستحق الألف, علمت أو لم تعلم وهو منصوص الشافعي وقال المزني: لا يستحق إلا ثلث الألف لأنه إنما طلقها ثلث ما طلبت منه فلا يستحق إلا ثلث الألف كما لو كان طلاقها ثلاثا وقال ابن سريج: إن علمت أنه لم يبق من طلاقها إلا طلقة, استحق الألف وإن لم تعلم كقول المزني لأنها إن كانت عالمة, كان معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل ذلك ووجه قول أصحابنا أن هذه الواحدة كملت الثلاث, وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب بها العوض, كما لو طلقها ثلاثا.

فصل:

فإن لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت: طلقني بألف واحدة أبين بها واثنتين في نكاح آخر فقال أبو بكر: قياس قول أحمد, أنه إذا طلقها واحدة استحق العوض فإن تزوج بها بعد ذلك, ولم يطلقها رجعت عليه بالعوض لأنها بذلت العوض في مقابلة ثلاث فإذا لم يوقع الثلاث, لم يستحق العوض كما لو كانت ذات طلقات ثلاث فقالت: طلقني ثلاثا فلم يطلقها إلا واحدة, ومقتضى هذا أنه إذا لم ينكحها نكاحا آخر أنها ترجع عليه بالعوض, وإنما يفوت نكاحه إياها بموت أحدهما وإن نكحها نكاحا آخر وطلقها اثنتين لم ترجع عليه بشيء وإن لم يطلقها إلا واحدة, رجعت عليه بالعوض كله وقال القاضي: الصحيح في المذهب أن هذا لا يصح في الطلقتين الآخرتين لأنه سلف في طلاق ولا يصح السلم في الطلاق ولأنه معاوضة على الطلاق قبل النكاح, والطلاق قبل النكاح لا يصح فالمعاوضة عليه أولى فإذا بطل فيهما انبنى ذلك على تفريق الصفقة, فإن قلنا: تفرق فله ثلث الألف وإن قلنا: لا تفرق فسد العوض في الجميع ويرجع بالمسمى في عقد النكاح.

فصل:

وإن قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف وقال محمد بن الحسن: قياس قول أبي حنيفة إنه لا يستحق شيئا لأن الثلاث مخالفة للواحدة, لأن تحريمها لا يرتفع إلا بزوج وإصابة وقد لا تريد ذلك ولا تبذل العوض فيه, فلم يكن ذلك إيقاعا لما استدعته بل هو إيقاع مبتدأ فلم يستحق به عوضا ولنا, أنه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة, وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها لا يستحق بها شيئا فإن قال لها: أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة, ولم تقع الثانية ولا الثالثة لأنهما جاءا بعد بينونتها وهذا مذهب الشافعي وإن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق بألف وقع الثلاث وإن قال: أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف؟ فإن قال: الأولى بانت بها ولم يقع ما بعدها وإن قال: الثانية بانت بها, ووقعت بها طلقتان ولم تقع الثالثة وإن قال: الثالثة وقع الكل وإن قال: نويت أن الألف في مقابلة الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف, فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي بأن يوقعها بذلك مثل أن تقول: طلقني بألف فيقول: أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت العوض فيه بنية العوض, فلم يسقط بعضه بنيته كما لو قالت: رد عبدي بألف فرده ينوي خمسمائة وإن لم ينو شيئا استحق الألف بالأولى, ولم يقع بها ما بعدها ويحتمل أن تقع الثلاث لأن الواو للجمع ولا تقتضي ترتيبا فهو كقوله: أنت طالق ثلاثا بألف وكذلك لو قال ذلك لغير مدخول بها, أو قال: أنت طالق وطالق وطالق بألف طلقت ثلاثا.

فصل:

وإذا قالت: طلقني بألف أو على أن لك ألفا أو إن طلقتني فلك على ألف فقال: أنت طالق استحق الألف, وإن لم يذكره لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال معاد في الجواب فأشبه ما لو قالت: بعني عبدك بألف فقال: بعتكه وإن قالت: اخلعني بألف فقال: أنت طالق فإن قلنا: الخلع طلقة بائنة وقع, واستحق العوض لأنه أجابها إلى ما بذلت العوض فيه وإن قلنا: هو فسخ احتمل أن يستحق العوض أيضا لأن الطلاق يتضمن ما طلبته وهو بينونتها وفيه زيادة نقصان العدد, فأشبه ما لو قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا احتمل أن لا يستحق شيئا لأنها استدعت منه فسخا فلم يجبها إليه وأوقع طلاقا ما طلبته, ولا بذلت فيه عوضا فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعيا لأنه أوقعه مبتدئا به غير مبذول فيه عوض, فأشبه ما لو طلقها ابتداء ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم يحصل العوض لم يقع لأنه كالشرط فيه, فأشبه ما لو قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق وإن قالت: طلقني بألف فقال: خلعتك فإن قلنا: هو طلاق استحق الألف لأنه طلقها وإن نوى به الطلاق فكذلك لأنه كناية فيه, وإن لم ينو الطلاق وقلنا: ليس بطلاق لم يستحق عوضا لأنه ما أجابها إلى ما بذلت العوض فيه ولا يتضمنه لأنها سألته طلاقا ينقص به عدد طلاقه, فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها معتقدا لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع بغير عوض وفيه من الخلاف ما فيه.

فصل:

ولو قالت له: طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين, فلا شيء له لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يستحق عليها ما بذلت وإن طلقها ثلاثا استحق الألف, على قياس قول أصحابنا فيما إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد حصل بذلك جميع المقصود.

فصل:

ولو: لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقالت: طلقني ثلاثا بألف فقال: أنت طالق طلقتين, الأولى بألف والثانية بغير شيء وقعت الأولى واستحق الألف, ولم تقع الثانية وإن قال: الأولى بغير شيء وقعت وحدها ولم يستحق شيئا لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث وإن قال: إحداهما بألف لزمها الألف لأنها طلبت منه طلقة بألف, فأجابها إليها وزادها أخرى.

فصل:

وإن قالت: طلقني بألف إلى شهر أو أعطته ألفا على أن يطلقها إلى شهر فقال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق صح ذلك, واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه بعوض وإن طلقها قبل مجيء الشهر طلقت ولا شيء له ذكره أبو بكر وقال: روي ذلك عن أحمد عل بن سعيد وذلك لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر, فقد اختار إيقاع الطلاق من غير عوض وقال الشافعي: إذا أخذ منها ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها بألف بانت, وعليها مهر المثل لأن هذا سلف في طلاق فلم يصح لأن الطلاق لا يثبت في الذمة, ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه ولنا أنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها, فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل: إلى شهر ولأنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها, فلم يستحق أكثر منه كالأصل وإن قالت: لك ألف على أن تطلقني أي وقت شئت من الآن إلى شهر صح في قياس المسألة التي قبلها وقال القاضي: لا يصح لأن زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه طلقها على عوض لم يصح, لفساده ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا تضر الجهالة في وقت الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط, فصح بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال: متى أعطيتني ألفا فأنت طالق صح وزمنه مجهول أكثر من الجهالة ها هنا, فإن الجهالة ها هنا في شهر واحد وثم في العمر كله وقول القاضي: له مهر المثل مخالف لقياس المذهب فإنه ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض أن له المسمى فكذلك يجب أن يكون ها هنا إن حكمنا بفساده والله أعلم.

فصل:

إذا قال لها: أنت طالق وعليك ألف وقعت طلقة رجعية ولا شيء عليها لأنه لم يجعل له العوض في مقابلتها, ولا شرطا فيها وإنما عطف ذلك على طلاقها فأشبه ما لو قال: أنت طالق, وعليك الحج فإن أعطته المرأة عن ذلك عوضا لم يكن له عوض لأنه لم يقابله شيء وكان ذلك هبة مبتدأة, يعتبر فيه شرائط الهبة وإن قالت المرأة: ضمنت لك ألفا لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن لحق واجب أو مآله إلى الوجوب وليس ها هنا شيء من ذلك وذكر القاضي أنه يصح لأن ضمان ما لم يجب يصح, ولم أعرف لذلك وجها إلا أن يكون أراد أنها إذا قالت قبل طلاقها: ضمنت لك ألفا على أن تطلقني فقال: أنت طالق, وعليك ألف فإنه يستحق الألف وكذلك إذا قالت: طلقني طلقة بألف فقال: أنت طالق وعليك ألف وقع الطلاق وعليها ألف لأن قوله: أنت طالق يكفي في صحة الخلع, واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد فإن اختلف فقال: أنت استدعيت مني الطلاق بالألف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه, فإذا حلفت برئت من العوض وبانت لأن قوله مقبول في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإن قال: ما استدعيت مني الطلاق وإنما أنا ابتدأت به, فلي عليك الرجعة وادعت أن ذلك كان جوابا لاستدعائها فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لا يدعيه وإن قال أنت طالق على الألف فالمنصوص عن أحمد أن الطلاق يقع رجعيا كقوله: أنت طالق, وعليك ألف فإنه قال في رواية مهنا في الرجل يقول لامرأته أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئا: فهي طالق يملك الرجعة ثانيا وقال القاضي في " المجرد ": ذلك للشرط, تقديره إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق فإن ضمنت له ألفا وقع الطلاق بائنا وإلا لم يقع وكذلك الحكم إذا قال: أنت طالق على أن عليك فقياس قول أحمد, الطلاق يقع رجعيا ولا شيء له وعلى قول القاضي إن قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعا وإلا لم يقع الطلاق وهو قول أبي حنيفة, والشافعي وهو أيضا ظاهر كلام الخرقي لأنه استعمل على بمعنى الشرط في مواضع من كتابه منها قوله: وإذا أنكحها على أن لا يتزوج عليها, فلها فراقه إن تزوج عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قول الله تعالى في قصة شعيب: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} وقال {فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} وقال موسى {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} ولو قال في النكاح: زوجتك ابنتي على صداق كذا صح وإذا أوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله: أنت طالق, إن أعطيتني ألفا أو ضمنت لي ألفا ووجه الأول أنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط, وجعل عليها عوضا لم تبذله فوقع رجعيا من غير عوض كما لو قال: أنت طالق, وعليك ألف ولأن على ليست للشرط ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح أن يقول: بعتك ثوبي على دينار. فصل: وإذا قال: أنت طالق ثلاثا بألف فقالت: قبلت واحدة منها بألف وقع الثلاث, واستحق الألف لأن إيقاع الطلاق إليه إنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وإن قالت: قبلت بألفين وقع, ولم يلزمها الألف الزائدة لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه وإن قالت: قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد وإن قالت: قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف وإن قال: أنت طالق طلقتين إحداهما بألف وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قبولها لأنها بعوض.

مسألة:

قال: [وإذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان الخلع واقعا, ويتبعها إذا عتقت بمثله إن كان له مثل وإلا فقيمته] في هذه المسألة ثلاثة فصول:

الفصل الأول:

أن الخلع مع الأمة صحيح, سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه لأن الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى يكون طلاقها على عوض بائنا, والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء

الفصل الثاني:

أن الخلع إذا كان بغير إذن سيدها على شيء في ذمتها فإنه يتبعها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها ولو كان على عين, فالذي ذكر الخرقي أنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثليا لأنها لا تملك العين وما في يدها من شيء فهو لسيدها, فيلزمها بذله كما لو خالعها على عبد فخرج حرا أو مستحقا وقياس المذهب أنه لا شيء له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة, فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضيا بغير عوض فلا يكون له شيء, كما لو قال: خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في " المجرد " قال: هو كالخلع على المغصوب لأنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي: يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها أن سيدها أذن لها في هذا الخلع بهذه, العين ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين أو يكون اختاره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمته, ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي تملك فيه فهي كالمعسر يرجع عليه في حال يساره, ويرجع بقيمته أو مثله لأنه مستحق تعذر تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته, كالمغصوب

الفصل الثالث:

إذا كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض بذمته هذا قياس المذهب كما لو أذن لعبده في الاستدانة ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة وإن خالعت على معين بإذن السيد فيه, ملكه وإن أذن في قدر المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الإذن اقتضى الخلع بالمسمى لها, فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها, كما لو عين لها قدرا فخالعت بأكثر منه وإن كانت مأذونا لها في التجارة سلمت العوض مما في يدها.

فصل:

والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لاحظ فيه, وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها إن كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير إذن السيد, فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وإن كان بإذن السيد, سلمه مما في يدها وإن لم يكن في يدها شيء فهو على سيدها.

فصل:

يصح خلع المحجور عليها لفلس, وبذلها للعوض صحيح لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها, كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها.

فصل:

فأما المحجور عليها لسفه أو صغر, أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله, وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الإذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة فإنها أهل التصرف ولهذا تصح منها الهبة وغيرها من التصرفات بإذنه, ويفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فإن خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقا فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضا, وإن لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض ويحتمل أن لا يقع الخلع ها هنا لأنه إنما رضي به بعوض لم يحصل له, ولا أمكن الرجوع ببدله قال أصحابنا: وليس لولي هؤلاء المخالعة بشيء من مالهن لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ وهذا لا حظ فيه بل فيه إسقاط نفقتها ومسكنها وبذل مالها, ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه ويمكن أن يكون الحظ لها فيه بتخليصها ممن يتلف مالها, وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيرا ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها, وحفظ نفسها ومالها كما يجوز بذله في مداواتها وفكها من الأسر وهذا مذهب مالك والأب وغيره من أوليائها في هذا سواء وإن خالعها بشيء من ماله, جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى.

فصل:

إذا قال الأب: طلق ابنتي وأنت بريء من صداقها فطلقها, وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من شيء ولم يرجع على الأب, ولم يضمن له لأنه أبرأه مما ليس له الإبراء منه فأشبه الأجنبي قال القاضي: وقد قال أحمد: إنه يرجع على الأب قال وهذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب لا يصح فكان له الرجوع عليه لأنه غره, فرجع عليه كما لو غره فزوجه معيبة وإن علم أن إبراء الأب لا يصح, لم يرجع بشيء ويقع الطلاق رجعيا لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه, يقع الطلاق بائنا لأنه بعوض فإن قال الزوج: هي طالق إن أبرأتني من صداقها فقالت: قد أبرأتك لم يقع الطلاق لأنه لا يبرأ وروي عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالإبراء دون حقيقة البراءة وإن قال الزوج: هي طالق إن برئت من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط ولم يوجد وإن قال الأب: طلقها على ألف من مالها, وعلى الدرك فطلقها طلقت بائنا لأنه بعوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك, ولا يملك الألف لأنه ليس له بذلها.

فصل:

وإن قال لامرأتيه: أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا: قد شئنا وقع الطلاق بهما بائنا ولزمهما العوض بينهما على قدر مهريهما وإن شاءت إحداهما دون الأخرى لم يطلق واحدة منهما لأنه جعل ما شئتما صفة في طلاق كل واحدة منهما ويخالف هذا ما لو قال: أنتما طالقتان بألف فقبلت إحداهما دون الأخرى, لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل في طلاقها شرطا وهاهنا علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما جميعا فيتعلق الحكم بقولهما: قد شئنا لفظا لأن ما في القلب لا سبيل إلى معرفته, فلو قال الزوج: ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا: ما شئنا بقلوبنا لم يقبل فإذا ثبت هذا فإن العوض يتقسط عليهما على قدر مهر كل واحدة منهما في الصحيح من الذهب وهو قول ابن حامد, ومذهب أهل الرأي وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر: يلزم كل واحدة منهما مهر مثلها وعلى قول أبى بكر من أصحابنا يكون ذلك عليهما نصفين وأصل هذا في النكاح إذا تزوج اثنتين بصداق واحد وقد ذكرناه في موضعه فإن كانت إحداهما رشيدة والأخرى محجورا عليها لسفه, فقالتا: قد شئنا وقع الطلاق عليهما ووجب على الرشيدة قسطها من العوض ووقع طلاقها بائنا, ولا شيء على المحجور عليها ويكون طلاقها رجعيا لأن لها مشيئة ولكن الحجر مع صحة تصرفها ونفوذه, ولهذا يرجع إلى مشيئة المحجور عليه في النكاح وفيما تأكله وكذلك إن كانت غير بالغة إلا أنها مميزة, فإن لها مشيئة صحيحة ولهذا يخير الغلام بين أبويه إذا بلغ سبعا وإن كانت إحداهما مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة منهما ولم يقع الطلاق وفي كل موضع حكمنا بوقوع الطلاق, فإن الرشيدة يلزمها قسطها من العوض وهو قسط مهرها من العوض في أحد الوجهين, وفي الآخر نصفه وإن قالت له امرأتاه: طلقنا بألف بيننا نصفين فطلقهما فعلى كل واحدة منهما نصفه وجها واحدا وإن طلق إحداهما وحدها, فعليها نصف الألف وإن قالتا: طلقنا بألف فطلقهما فالألف عليهما على قدر صداقيهما في أصح الوجهين وإن طلق إحداهما, فعليها حصتها منه وإن كانت إحداهما غير رشيدة فطلقهما فعلى الرشيدة حصتها من الألف, يقع طلاقها بائنا وتطلق الأخرى طلاقا رجعيا ولا شيء عليها.

فصل:

ويصح الخلع مع الأجنبي, بغير إذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج: طلق امرأتك بألف علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور: لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه, فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال: بع عبدك لزيد بألف علي ولنا أنه بذل مال في مقابلة إسقاط حق عن غيره فصح, كما لو قال: أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال: ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح لزمه ذلك, مع أنه لا يسقط حقا عن أحد فهاهنا أولى ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض, فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك, فلا يجوز بغير رضاء من يثبت له الملك وإن قال: طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح يرجع عليه بمهرها.

فصل:

وإن قالت له امرأته: طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع الطلاق بهما بائنا, واستحق الألف على باذلته لأن الخلع مع الأجنبي جائز وإن طلق إحداهما فقال القاضي: تطلق طلاقا بائنا ولزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي, إلا أن بعضهم قال: يلزمها مهر مثل المطلقة وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شيء, ووقعت بها التطليقة أن لا يلزم الباذلة ها هنا شيء لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت, ولأنه قد يكون غرضها في بينونتها جميعا منه فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها, فلا يلزمها عوضها.

فصل:

وإن قالت: طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم وقال الشافعي: الشرط والعوض باطلان, ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض بعضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولا وقال أبو حنيفة: الشرط باطل, والعوض صحيح لأن العقد يستقل بذلك العوض ولنا أنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت: طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها بشرطها, فعليها الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل أن لا يستحق شيئا من العوض لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلا يستحقه, كما لو طلقها بغير عوض.

مسألة:

قال: [وما خالع العبد به زوجته من شيء جاز وهو لسيده] وجملة ذلك أن كل زوج صح طلاقه صح خلعه لأنه إذا ملك الطلاق, وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شيء فلأن يملكه محصلا للعوض أولى والعبد يملك الطلاق, فملك الخلع وكذلك المكاتب والسفيه وفي الصبي المميز وجهان, بناء على صحة طلاقه ومن لا يصح طلاقه كالطفل والمجنون لا يصح خلعه لأنه ليس من أهل التصرف, فلا حكم لكلامه ومتى خالع العبد كان العوض لسيده لأنه من اكتسابه واكتسابه لسيده, وسائر من ذكرنا العوض لهم ويجب تسليم العوض إلى سيد العبد وولي المحجور عليه لأن العوض في خلع العبد ملك لسيده فلم يجز تسليمه إلى غيره إلا بإذنه, وولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه وأما المكاتب فيدفع العوض إليه لأنه هو الذي يتصرف لنفسه وقال القاضي: يصح قبض العبد والمحجور عليه العوض لأن من صح خلعه, صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول أحمد: ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشيء, والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أن لا يجوز لأن العوض في الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعه إلى غير من هو له بغير إذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له, إلا أنه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد يحمل على ما إذا أتلفه العبد قبل تسليمه إليه وعلى أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه, فإنه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك للسيد, فلا فائدة في الرجوع عليها بما ترجع به على ماله وإن أسلمت العوض إلى المحجور عليه لم تبرأ فإن أخذه الولي منه, برئت وإن أتلفه أو تلف, كان لوليه الرجوع عليها به.

فصل:

وقد توقف أحمد في طلاق الأب زوجة ابنه الصغير وخلعه إياها وسأله أبو الصقر عن ذلك, فقال: قد اختلف فيه وكأنه رآه قال أبو بكر: لم يبلغني في هذه المسألة إلا ما رواه أبو الصقر فيخرج على قولين أحدهما يملك ذلك وهو قول عطاء, وقتادة لأن ابن عمر طلق على ابن له معتوه رواه الإمام أحمد وعن عبد الله بن عمرو أن المعتوه إذا عبث بأهله طلق عليه وليه قال عمرو بن شعيب: وجدنا ذلك في كتاب عبد الله بن عمرو ولأنه يصح أن يزوجه, فصح أن يطلق عليه إذا لم يكن متهما كالحاكم يفسخ للإعسار, ويزوج الصغير والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن النبي -ﷺ- قال (الطلاق لمن أخذ بالساق) رواه ابن ماجه وعن عمر أنه قال: إنما الطلاق بيد الذي يحل له الفرج ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء من الدين, وإسقاط القصاص ولأن طريقه الشهوة فلم يدخل في الولاية والقول في زوجة عبده الصغير, كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه. مسألة: قال: [وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع, وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة] وجملة الأمر أن المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعا لأنه معاوضة, فصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافا ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح, ولا رجوع إن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري وإسحاق وقال أبو حنيفة له العوض كله, فإن حابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي وعن مالك كالمذهبين وعنه: يعتبر بخلع مثلها وقال الشافعي: إن خالعت بمهر مثلها, جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث ولنا, على أنه لا يعتبر مهر المثل أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمنا واعتبار مهر المثل تقويم له وعلى إبطال الزيادة, أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل, كما لو أوصت له أو أقرت له وأما قدر الميراث, فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع, وله جميع ما خالعها به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة.

مسألة:

قال: [ولو خالعها في مرض موته, وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث فللورثة أن لا يعطوها أكثر من ميراثها] أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته, سواء كان بمهر مثلها أو أكثر أو أقل, ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء, فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته فأما إن أوصى لها بمثل ميراثها, أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه, فللورثة منعها ذلك لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي في حباله فطلقها ليوصل ذلك إليها, فمنع منه كما لو أوصى لوارث.

مسألة:

قال: [ولو خالعته بمحرم وهما كافران, فقبضه ثم أسلما أو أحدهما, لم يرجع عليها بشيء] وجملة ذلك أن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل الذمة أو أهل حرب لأن كل من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه, كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا إلى الحاكم, أمضى ذلك عليهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضه ثم أسلما, وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما أمضى ذلك عليهما ولم يعوض له, ولم يرده ولا يبقى له عليها شيء كما لو أصدقها خمرا ثم أسلما, أو تبايعا خمرا أو تقابضا ثم أسلما وإن كان إسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر بإقباضه لأن الخمر والخنزير لا يجوز أن يكون عوضا لمسلم أو من مسلم, فلا يأمر الحاكم بإقباضه قال القاضي في " الجامع ": ولا شيء له لأنه رضي منها بما ليس بمال كالمسلمين إذا تخالعا بخمر وقال, في " المجرد ": يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فيرجع إلى قيمة المتلف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب له شيء لأن تخصيصه حالة القبض بنفي الرجوع, يدل على الرجوع مع عدم القبض والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد الخمر والخنزير مالا, فإذا رضي به عوضا فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شيء, والمشرك يعتقده مالا فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجبا له, كما لو خالعها على حر يظنه عبدا أو خمر يظنه خلا إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل, كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللنا به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك, فيكون له قدره من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض, وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة والأصل فيه قول الله تعالى {وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}.

فصل:

ويصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردا وكل من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه, جاز توكيله ووكالته حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا, محجورا عليه أو رشيدا لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلا وموكلا فيه كالحر الرشيد وهذا مذهب الشافعي, وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا يكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء استدعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض, وتسليمه وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز التوكيل مع تقدير العوض, ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر, وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد فإن وكل الزوج لم يخل من حالين: الحال الأول أن يقدر له العوض, فخالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به, وإن خالع بأقل منه ففيه وجهان: أحدهما لا يصح الخلع وهذا اختيار ابن حامد, ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى, ولأنه لم يأذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالأجنبي والثاني, يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الإطلاق, والأول أولى وأما إن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فخالع على عبد, أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالا فخالع بعوض نسيئة, فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح تصرفه كالوكيل في البيع, ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل وقال القاضي: القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه, ويكون له ما خالع قياسا على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع, ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شيء, ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تملكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه وأما المخالفة في القدر, فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح الخلع فيها أيضا لما قدمناه والحال الثاني, إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد, صح لأنه زاده خيرا وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه وذكر القاضي احتمالين آخرين: أحدهما, أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه والثاني أن يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا رجعة له, وبين رده وله الرجعة وإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يصح الخلع, ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه إنما أذن له في الخلع وهو إبانة المرأة بعوض وما أتى به, وإنما أتى بطلاق غير مأذون له فيه ذكره القاضي في " المجرد " وهو مذهب الشافعي وسواء عين له العوض أو أطلق وذكر, في " الجامع " أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شيء على المرأة هذا إذا قلنا: الخلع بلا عوض يصح وإن قلنا: لا يصح لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح, فكذلك وكيل الزوج وهذا القياس غير صحيح فإن وكيل الزوج يوقع الطلاق فلا يصح أن يوقعه على غير ما أذن له فيه ووكيل الزوجة لا يوقع وإنما يقبل, ولأن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه, فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه ألا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدرته له, صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يلزمه, وأما وكيل الزوجة فله حالان: أحدهما أن تقدر له العوض فمتى خالع به فما دون, صح ولزمها ذلك: لأنه زادها خيرا وإن خالع بأكثر منه, صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج, فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال وقال القاضي في " المجرد ": عليها مهر مثلها, ولا شيء على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه, ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضا وهو عوض صحيح معلوم, فلم يكن له أكثر منه كما لو بذلته المرأة الثاني أن يطلق الوكالة, فيقتضي خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعها بذلك فما دون صح, ولزمها وإن خالعها بأكثر منه فهو كما لو خالعها بأكثر مما قدرت له, على ما مضى من القول فيه.

فصل:

إذا اختلفا في الخلع فادعاه الزوج وأنكرته المرأة بانت بإقراره, ولم يستحق عليها عوضا لأنها منكرة وعليها اليمين وإن ادعته المرأة, وأنكره الزوج فالقول قوله لذلك ولا يستحق عليها عوضا لأنه لا يدعيه, فإن اتفقا على الخلع واختلفا في قدر العوض أو جنسه, أو حلوله أو تأجيله أو صفته, فالقول قول المرأة حكاه أبو بكر نصا عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وذكر القاضي رواية أخرى عن أحمد أن القول قول الزوج لأن البضع يخرج من ملكه, فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبته وقال الشافعي: يتحالفان لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه, كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة, كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره ولأن المرأة منكرة للزيادة في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي -ﷺ-: (اليمين على المدعى عليه) وأما التحالف في البيع, فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ وإن قال: خالعتك بألف فقالت: إنما خالعك غيري بألف في ذمته بانت, والقول قولها في نفي العوض عنها لأنها منكرة له وإن قالت: نعم ولكن ضمنها لك أبي أو غيره لزمها الألف لإقرارها به, والضمان لا يبرئ ذمتها وكذلك إن قالت: خالعتك على ألف يزنه لك أبي لأنها اعترفت بالألف وادعت على أبيها دعوى فقبل قولها على نفسها دون غيرها وإن قال: سألتني طلقة بألف فقالت: بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة بانت بإقرار, والقول قولها في سقوط العوض وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم فيما إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف, وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير وقالت: بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل ولو قال أحدهما: كانت دراهم قراضية وقال الآخر: مطلقة فالقول قولها, إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسألتين وإن اتفقا على الإطلاق لزم الألف من غالب نقد البلد وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم قراضية لزمها ما اتفقت إرادتهما عليه وإن اختلفا في الإرادة, كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد وقال القاضي: إذا اختلفا في الإرادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا, فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب الألف من غالب نقد البلد, ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل, كعبد مطلق وبعير وفرس والجهالة ها هنا أقل فالصحة أولى.

فصل:

إذا علق طلاق امرأته بصفة, ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة, طلقت ومثاله إذا قال: إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها بخلع ثم تزوجها فكلمت أباها, فإنها تطلق نص عليه أحمد فأما إن وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى, فظاهر المذهب أنها تطلق وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق نص عليه في العتق في رجل قال لعبده: أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع, يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق وإن لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود, وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي: وإذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق إن تزوجها ولو قال: إن ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار أبي الحسن التميمي وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث, وإن لم توجد الصفة في حال البينونة هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم, على أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف, ثم دخلت الدار أنه لا يقع عليها الطلاق وهذا على مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة, ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة, ثم نكحها لم تنحل في قول مالك وأصحاب الرأي, وأحد أقوال الشافعي وله قول آخر: لا تعود الصفة بحال وهو اختيار المزني وأبي إسحاق لأن الإيقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها, فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية: أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه, فسقطت اليمين وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح, فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك, وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة وقولهم: أن هذا طلاق قبل نكاح قلنا: يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث وقولهم: تنحل الصفة بفعلها قلنا: إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت أن عقدها يفتقر إلى الملك, فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين وأما العتق ففيه روايتان: إحداهما, أن العتق كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسألتنا والثانية تنحل لأن الملك الثاني لا يبنى على الأول في شيء من أحكامه وفارق النكاح, فإنه يبنى على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن يبنى عليه في عود الصفة, ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجه وابن بطة رويا بإسنادهما, عن أبي موسى قال رسول الله -ﷺ- (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته: قد طلقتك قد راجعتك, قد طلقتك) وفي لفظ رواه ابن بطة: " خالعتك وراجعتك طلقتك راجعتك " وروى بإسناده عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله -ﷺ-: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل).

فصل:

فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل إن قال: إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا ثم أبانها, فأكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني, وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله تعالى أعلم.