المغني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي
(الجزء الثالث – كتاب الجنائز) •كتاب الجنائز o فصل: استحباب عيادة المريض o فصل: ما يستحب عند المريض والمحتضر o مسألة: ما يفعل بالميت o فصل: تجهيز الميت بعد تيقن موته o فصل: المسارعة في قضاء دين الميت وتنفيذ وصيته o فصل: يستحب خلع ثياب الميت وتسجيته بثوب يستر ه كله o مسألة: غسل الرجال والنساء للأطفال من الجنسين وتحديد السن فيه o فصل: تجريد الميت للغسل مع ستر العورة o مسألة: استحباب أن لا يغسل تحت السماء o فصل: ستر ما يرى من الميت من أمارات السوء o مسألة: تلين مفاصل الميت إن سهلت عليه o مسألة: كتمان الغاسل ما يبدو من الميت أثناء الغسل o مسألة: لف الخرقة على اليد والمسح الرفيق على بطن الميت o مسألة: صب الماء على الميت والبدء بالميامن o مسألة: كيفية تغسيل الميت o فصل: صفة غسل الميت وكونه بالسدر ونحوه كالصابون o مسألة: صفة غسل الميت o مسألة: الماء الحار والأشنان والخلال يستعمل إن احتيج إليه o مسألة: الرفق بالميت حين الغسل وعدد الغسلات o مسألة: غسل الميت بالماء الحار والأشنان أو الصابون o فصل: زيادة عدد الغسلات للحاجة o فصل: ما يجب في غسل الميت وما يستحب في أكفانه o فصل: ما يجب في غسل الميت وما يستحب في أكفانه o مسألة: ما ورد في الكفن وصفة التكفين وما معه o مسألة: غسل الميت المحرم وصفة تكفينه وتجهيزه o فصل: في هيئة الكفن o فصل: ما ورد في الكفن وصفة التكفين وما معه o مسألة: وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جعل المئزر مما يلي جلده ولم يزر عليه القميص o فصل: صفة التكفين o فصل: جواز التكفين في ثوبين o فصل: تكفين الصبي o فصل: تجمير الكفن وكيفية وضع الميت فيه o مسألة: خروج شيء يسير من الميت بعد وضعه في أكفانه o مسألة: رؤية الميت ومن يجب عليه الكفن o مسألة: ما يستحب في تكفين المرأة من الأثواب o فصل: كيفية تكفين الجارية إذا لم تبلغ o فصل: التكفين في الحرير o مسألة: تضفير شعر المرأة وإسداله من خلفها o مسألة: استحباب الإسراع بالجنازة o فصل: الأمر باتباع الجنائز o فصل: ما يستحب لمتبع الجنازة o مسألة: أفضلية المشي أمام الجنازة o فصل: كراهية الركوب في اتباع الجنائز o فصل: كراهة رفع الصوت عند الجنازة o فصل: كراهة مس الجنازة بالأيدي والأكمام والمناديل o فصل: كراهة اتباع الميت بنار o فصل: كراهة اتباع النساء الجنائز o فصل: حكم المنكر المصاحب للجنازة o مسألة: التربيع في حمل الجنازة o فصل: عدم استحباب القيام للجنازة o فصل: الإمامة للأمير o مسألة: أولى الناس بعد الأمير بالأمامة o فصل: تقديم العصبات إن اجتمع زوج المرأة وعصبتها o فصل: تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية إذا اجتمع أخ من الأبوين وأخ من أب في صلاة الجنازة o فصل: إذا استوى وليان في درجة واحدة فأولاهما أحقهما بالإمامة o فصل: في من قدمه الولي فهو بمنزلته o فصل: الحر البعيد أولى من العبد القريب في الإمامة o فصل: تقديم الأولى بالإمامة في الفرائض إذا اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم في من يتقدم للصلاة عليهم o مسألة: سنة التكبير على الجنازة أربع o فصل: سرية القراءة والدعاء في صلاة الجنازة o مسألة: بعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي كما يصلي عليه في التشهد o فصل: في الدعاء للميت o فصل: تحري الصدق في الدعاء للميت o فصل: إن كان الميت طفلاً o مسألة: ما يفعل بعد تكبير الرابعة o مسألة: رفع اليدين في كل تكبيرة في صلاة الجنازة o مسألة: السنة أن يسلم على الجنازة تسليمة واحدة o فصل: لا تنقض الصفوف حتى ترفع الجنازة o فصل: الواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات o فصل: استحباب أن يصف في الصلاة على الجنائز ثلاثة صفوف o فصل: استحباب تسوية الصف في الصلاة على الجنازة o فصل: لا بأس بالصلاة على الميت إذا لم يخف تلويثه o فصل: حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة o مسألة: من فاته شيء من التكبير قضاه متتابعًا o فصل: إذا أدرك الإمام فيما بين تكبيرتين o مسألة: دخول القبر يكون من عند الرجلين إن كان أسهل o فصل: تعميق القبر إلى الصدر o فصل: السنة في القبر اللحد o فصل: حثو التراب على الميت ثلاث حثيات o فصل: عند إدخال الميت القبر يقال: بسم الله وعلى ملة رسول الله o فصل: من مات في سفينة في البحر o مسألة: استحباب تخمير قبر المرأة بثوب o مسألة: أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها o فصل: أولى الناس بدفن الرجل أولاهم بالصلاة عليه من أقاربه o مسألة: عدم شق الكفن في القبر o مسألة: عدم دخول الآجر والخشب القبر o فصل: إذا فرغ من اللحد أهيل التراب على الميت o فصل: لا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة o فصل: تسنيم القبر أفضل من تسطيحه o فصل: الوقوف على القبر بعد الدفن والدعاء للميت o فصل: التلقين بعد الدفن o فصل: تطيين القبور o فصل: كراهة البناء على القبور o فصل: كراهة الجلوس على القبر o فصل: عدم جواز اتخاذ السرج على القبور o فصل: الدفن في مقابر المسلمين o فصل: استحباب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء o فصل: استحسان جمع الأقارب في الدفن o فصل: استحباب دفن الشهيد o فصل: تنازع اثنين من الورثة في دفن الميت o فصل: تشاح اثنين في الدفن في المقبرة o فصل: جواز نبش القبر والدفن فيه o مسألة: حكم من فاتته صلاة الجنازة o فصل: لا يسن إعادة الصلاة على الجنازة o فصل: جواز صلاة الجنازة على القبر o فصل: جواز الصلاة على الميت البعيد من نفس البلد o فصل: توقف الصلاة على الغائب بشهر o مسألة: التكبير بتكبير الإمام خمسًا o فصل: أفضلية أن يكون التكبير أربعاّ o فصل: حكم التكبير على الجنازة المردفة بغيرها o مسألة: وقوف الإمام وقيامه عند صدر الرجل ووسط المرأة o فصل: اجتماع جنائز رجال ونساء o مسألة: عدم صلاة الجنازة على القبر بعد شهر o مسألة: تشاح الورثة في الكفن o فصل: وجوب تكفين الميت o فصل: كفن المرأة ومئونة دفنها o مسألة: حكم السقط إذا ولد لأكثر من أربعة أشهر o مسألة: تسمية السقط o مسألة: تغسيل المرأة زوجها o مسألة: تغسيل الرجل زوجته لضرورة o فصل: حكم من طلق امرأته ثم مات أحدهما في العدة وكان الطلاق رجعيا o فصل: القول في أن حكم أم الولد حكم المرأة o فصل: الزوجة الذمية ليس لها تغسيل زوجها o فصل: حكم تغسيل ذات المحرم عند الضرورة o فصل: للنساء تغسيل الطفل بغير خلاف o فصل: عدم صحة تغسيل الكافر للمسلم o مسألة: الشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل ولم يصل عليه o فصل: حكم الشهيد الجنب o فصل: إثبات حكم الشهادة لغير البالغ o مسألة: الدفن في الثياب o مسألة: حمل الشهيد وبه رمق o فصل: الشهيد المقتول بسلاح نفسه كالمقتول بأيدي العدو o فصل: حكم من قتل من أهل العدل في المعركة o فصل: حكم الشهيد بغير قتل كالمبطون والمطعون o فصل: اختلاط موتى المسلمين بموتى المشركين o مسألة: المحرم يغسل بماء وسدر o مسألة: حكم سقوط شيء من الميت o فصل: حكم العثور على بعض الميت o فصل: حكم وجود جزء من الميت بعد دفنه o فصل: القول في تعذر تغسيل الميت o فصل: القول فيمن مات في بئر ذات نفس o مسألة: القول فيمن مات وكان شاربه طويلاً o فصل: القول فيمن مات طويلة أظفاره o فصل: القول فيمن مات ولم يكن قد اختتن o فصل: القول فيمن مات منجبرا بعض عظمه o فصل: القول فيمن مات مشنجاً أو به حدب o فصل: استحباب ترك الخشب فوق سرير المرأة o مسألة: استحباب التعزية o فصل: استحباب تعزية جميع أهل المصيبة o فصل: كيفية التعزية o فصل: القول في تعزية أهل الذمة o فصل: كراهة الجلوس للتعزية o مسألة: البكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة o فصل: القول في الندب o فصل: الميت يعذب في قبره بما يناح عليه o فصل: استعانة المصاب بالله تعالى o مسألة: إعداد الطعام لأهل الميت o مسألة: القول في المرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك o فصل: القول في بلع الميت مالاً o فصل: جواز نبش القبر للشيء يسقط فيه مثل الفأس والدراهم o فصل: القول فيمن دفن من غير غسل, أو إلى غير القبلة o فصل: القول فيمن دفن قبل صلاة الجنازة عليه o فصل: القول فيمن دفن بغير كفن o فصل: الأوقات التي تكره فيها الصلاة على الميت o فصل: القول في الدفن ليلاً o فصل: حكم إشهاد الجهمية والرافضة o فصل: حكم الصلاة على أطفال المشركين o فصل: حكم الصلاة على أهل الكبائر o مسألة: كيفية صلاة الجنازة إذا ما كانت جنازة رجل وامرأة وصبي o فصل: تقديم الخنثى على المرأة في الصلاة عليهما صلاة الجنازة o فصل: إذا كانت الجنازات لنوع واحد قدم إلى الإمام أفضلهم o فصل: جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة o مسألة: كيفية الدفن في القبور o فصل: عدم دفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة o مسألة: كيفية دفن نصرانية وهي حاملة من مسلم o مسألة: استحباب خلع النعال عند دخول القبور o فصل: كراهة المشي على القبور o فصل: كراهية الجلوس على القبور والاتكاء عليها o مسألة: جواز زيارة المقابر o فصل: ما يقال عند المرور بالقبور أو زيارتها o فصل: القول في القراءة عند القبر o فصل: وصول مثوبة قربات أهل الميت لميتهم o مسألة: زيارة النساء للقبور o فصل: كراهة النعي
كتاب الجنائز يستحب للإنسان ذكر الموت والاستعداد له فإنه روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات فما ذكر في كثير إلا قلله, ولا في قليل إلا كثره) روى البخاري أوله وإذا مرض استحب له أن يصبر ويكره الأنين لما روي عن طاوس أنه كرهه ولا يتمنى الموت لضر نزل به لقول النبي ـ ﷺ ـ : (ولا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ويحسن ظنه بربه تعالى قال جابر: سمعت رسول الله - ﷺ- (يقول قبل موته بثلاث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى) رواه مسلم وأبو داود وقال معتمر عن أبيه, إنه قال له عند موته: حدثني بالرخص.
فصل:
ويستحب عيادة المريض قال البراء: أمرنا رسول الله ـ ﷺ ـ باتباع الجنائز وعيادة المريض رواه البخاري, ومسلم وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح, وكان له خريف في الجنة ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي, وكان له خريف في الجنة) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وإذا دخل على المريض دعا له ورقاه قال ثابت لأنس: يا أبا حمزة اشتكيت قال أنس, أفلا أرقيك برقية رسول الله ـ ﷺ ـ ؟ قال: بلى قال (اللهم رب الناس مذهب الباس اشف أنت الشافي, شفاء لا يغادر سقما) وروى أبو سعيد قال: (أتى جبريل النبي ـ ﷺ ـ فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم قال: بسم الله أرقيك, من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعين حاسدة الله يشفيك) وقال أبو زرعة: كلا هذين الحديثين صحيح وروى أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإنه لا يرد من قضاء الله شيئا وإنه يطيب نفس المريض) رواه ابن ماجه ويرغبه في التوبة والوصية لما روى ابن عمر, عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليه.
فصل:
ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به, وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لله عز وجل ليذكره الله تعالى والتوبة من المعاصي, والخروج من المظالم والوصية وإذا رآه منزولا به تعهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه, ويندي شفتيه بقطنة ويستقبل به القبلة لقول رسول الله ـ ﷺ ـ : (خير المجالس ما استقبل به القبلة) ويلقنه قول " لا إله إلا الله " لقول رسول الله ـ ﷺ ـ : (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم وقال الحسن: سئل رسول الله ـ ﷺ ـ : أي الأعمال أفضل؟ قال: (أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله) رواه سعيد ويكون ذلك في لطف ومداراة ولا يكرر عليه, ولا يضجره إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون لا إله إلا الله آخر كلامه نص على هذا أحمد, وروي عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه " لا إله إلا الله " فأكثر عليه فقال له عبد الله: إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم قال الترمذي: إنما أراد عبد الله ما روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود, بإسناده وروى سعيد بإسناده عن معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة, قال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: كلمة سمعتها من رسول الله ـ ﷺ ـ كنت أخبؤها ولولا ما حضرنى من الموت ما أخبرتكم بها سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: (من كان آخر كلامه عند الموت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب فلقنوها موتاكم فقيل: يا رسول الله فكيف هي للأحياء؟ قال هي أهدم وأهدم) قال أحمد: ويقرءون عند الميت إذا حضر, ليخفف عنه بالقراءة يقرأ [يس] وأمر بقراءة فاتحة الكتاب وروى سعيد حدثنا فرج بن فضالة, عن أسد بن وداعة قال: لما حضر غضيف بن حارث الموت حضره إخوانه, فقال: هل فيكم من يقرأ سورة [يس] ؟ قال رجل من القوم: نعم قال: اقرأ ورتل وأنصتوا فقرأ, ورتل وأسمع القوم فلما بلغ: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} [يس: 83] . خرجت نفسه قال أسد بن وداعة: فمن حضر منكم الميت فشدد عليه الموت, فليقرأ عنده سورة [يس] فإنه يخفف عنه الموت.
مسألة:
قال أبو القاسم: [وإذا تيقن الموت وجه إلى القبلة, وغمضت عيناه وشد لحياه لئلا يسترخي فكه, وجعل على بطنه مرآة أو غيرها لئلا يعلو بطنه] قوله: [إذا تيقن الموت] يحتمل أنه أراد حضور الموت لأن التوجيه إلى القبلة يستحب تقديمه على الموت واستحبه عطاء والنخعي, ومالك وأهل المدينة والأوزاعي, وأهل الشام وإسحاق وأنكره سعيد بن المسيب, فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة قال: ما لكم؟ قالوا: نحولك إلى القبلة قال: ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟ والأول أولى لأن حذيفة قال: وجهوني ولأن فعلهم ذلك بسعيد دليل على أنه كان مشهورا بينهم يفعله المسلمون كلهم بموتاهم, ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة ويحتمل أن الخرقي أراد تيقن وجود الموت لأن سائر ما ذكره إنما يفعل بعد الموت وهو تغميض الميت, فإنه يسن عقيب الموت لما روي عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله ـ ﷺ ـ على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه, ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج الناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة, وارفع درجته في المهديين المقربين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين, وأفسح له في قبره ونور له فيه) أخرجه مسلم وروى شداد بن أوس قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إذا حضرتم موتاكم, فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت) رواه أحمد, في " المسند " وروى أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال لابنه حين حضرته الوفاة: ادن مني فإذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي فضع كفك اليمني على جبهتي, واليسري تحت ذقني وأغمضني ويستحب شد لحييه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم, فلم يغمض حتى يبرد بقي مفتوحا فيقبح منظره, ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله وقال بكر بن عبد الله المزني: ويقول الذي يغمضه: بسم الله وعلى وفاة رسول الله ـ ﷺ ـ ويجعل على بطنه شيء من الحديد, كمرآة أو غيرها لئلا ينتفخ بطنه فإن لم يكن شيء من الحديد فطين مبلول ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه قال أحمد: تغمض المرأة عينيه إذا كانت ذات محرم له وقال: يكره للحائض والجنب تغميضه, وأن تقرباه وكره ذلك علقمة وروى نحوه عن الشافعي وكره الحسن وابن سيرين وعطاء, أن يغسل الحائض والجنب الميت وبه قال مالك وقال إسحاق وابن المنذر: يغسله الجنب لقول النبي ـ ﷺ ـ : (المؤمن ليس بنجس) ولا نعلم بينهم اختلافا في صحة تغسيلهما وتغميضهما له ولكن الأولى أن يكون المتولى لأموره, في تغميضه وتغسيله طاهرا لأنه أكمل وأحسن
فصل:
ويستحب المسارعة إلى تجهيزه إذا تيقن موته لأنه أصوب له وأحفظ من أن يتغير, وتصعب معافاته قال أحمد: كرامة الميت تعجيله وفيما روى أبو داود أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنونى به, وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة لما يؤمل من الدعاء له إذا صلى عليه ما لم يخف عليه أو يشق على الناس نص عليه أحمد وإن اشتبه أمر الميت, اعتبر بظهور أمارات الموت من استرخاء رجليه وانفصال كفيه, وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخساف صدغيه وإن مات فجأة كالمصعوق, أو خائفا من حرب أو سبع أو تردي من جبل انتظر به هذه العلامات, حتى يتيقن موته قال الحسن في المصعوق: ينتظر به ثلاثا قال أحمد - رحمه الله- : إنه ربما تغير في الصيف في اليوم والليلة قيل: فكيف تقول؟ قال: يترك بقدر ما يعلم أنه ميت قيل له: من غدوة إلى الليل قال: نعم.
فصل:
ويسارع في قضاء دينه لما روي أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه) قال الترمذي: هذا حديث حسن وإن تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه, كما فعل أبو قتادة لما أتى النبي ـ ﷺ ـ بجنازة فلم يصل عليها قال أبو قتادة: صل عليها يا رسول الله, وعلى دينه فصلى عليه رواه البخاري ويستحب المسارعة إلى تفريق وصيته ليعجل له ثوابها بجريانها على الموصى له.
فصل:
ويستحب خلع ثياب الميت لئلا يخرج منه شيء يفسد به ويتلوث بها إذا نزعت عنه, ويسجى بثوب يستر جميعه قالت عائشة: سجي رسول الله ـ ﷺ ـ بثوب حبرة متفق عليه ولا يترك الميت على الأرض لأنه أسرع لفساده ولكن على سرير أو لوح ليكون أحفظ له.
مسألة:
قال: (فإذا أخذ في غسله ستر من سرته إلى ركبتيه) وجملته أن المستحب تجريد الميت عند غسله, ويستر عورته بمئزر هذا ظاهر قول الخرقي في رواية الأثرم عن أحمد فقال: يغطى ما بين سرته وركبتيه وهذا اختيار أبى الخطاب وهو مذهب ابن سيرين ومالك وأبي حنيفة وروى المروذي عن أحمد, أنه قال: يعجبني أن يغسل الميت وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب قال: وكان أبو قلابة إذا غسل ميتا جلله بثوب قال القاضي: السنة أن يغسل في قميص رقيق ينزل الماء فيه ولا يمنع أن يصل إلى بدنه ويدخل يده في كم القميص, فيمرها على بدنه والماء يصب فإن كان القميص ضيقا فتق رأس الدخاريص وأدخل يده منه وهذا مذهب الشافعي لأن النبي ـ ﷺ ـ غسل في قميصه وقال سعد اصنعوا بي كما صنع برسول الله ـ ﷺ ـ قال أحمد غسل النبي ـ ﷺ ـ في قميصه, وقد أرادوا خلعه فنودوا أن لا تخلعوه, واستروا نبيكم ولنا أن تجريده أمكن لتغسيله وأبلغ في تطهيره, والحي يتجرد إذا اغتسل فكذا الميت ولأنه إذا غسل في ثوبه تنجس الثوب بما يخرج, وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به فأما النبي ـ ﷺ ـ فذاك خاص له ألا ترى أنهم قالوا: نجرده كما نجرد موتانا كذلك روت عائشة قال ابن عبد البر: روي ذلك عنها من وجه صحيح فالظاهر أن تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهورا عندهم, ولم يكن هذا ليخفى على النبي ـ ﷺ ـ بل الظاهر أنه كان بأمره لأنهم كانوا ينتهون إلى رأيه ويصدرون عن أمره في الشرعيات واتباع أمره وفعله أولى من اتباع غيره ولأن ما يخشى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأمونا في حق النبي ـ ﷺ ـ لأنه طيب حيا وميتا, بخلاف غيره وإنما قال سعد الحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا, كما صنع برسول الله ـ ﷺ ـ ولو ثبت أنه أراد الغسل فأمر رسول الله ـ ﷺ ـ أولى بالاتباع وأما ستر ما بين السرة والركبة فلا نعلم فيه خلافا فإن ذلك عورة وستر العورة مأمور به, وقد (قال النبي ـ ﷺ ـ لعلي: لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) قال ابن عبد البر: وروي: "الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء, والمتكشف ملعون".
فصل:
قال أبو داود: قلت لأحمد الصبي يستر كما يستر الكبير أعنى الصبي الميت في الغسل قال: أي شيء يستر منه وليست عورته بعورة ويغسله النساء؟
مسألة:
قال: (والاستحباب أن لا يغسل تحت السماء, ولا يحضره إلا من يعين في أمره ما دام يغسل) وجملة ذلك أن المستحب أن يغسل في بيت وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذي يغسل فيه مظلما وذكره أحمد فإن لم يكن جعل بينه وبين السماء سترا قال ابن المنذر كان النخعي يحب أن يغسل وبينه وبين السماء سترة وروى أبو داود بإسناده قال: أوصى الضحاك أخاه سالمًا قال: إذا غسلتنى فاجعل حولى سترًا, واجعل بيني وبين السماء سترا وذكر القاضي أن عائشة قالت: (أتانا رسول الله ـ ﷺ ـ ونحن نغسل ابنته فجعلنا بينها وبين السقف سترا) قال: وإنما استحب ذلك خشية أن يستقبل السماء بعورته, وإنما كره أن يحضره من لا يعين في أمره لأنه يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا من حاجة, وسبب ذلك أنه ربما كان بالميت عيب يكتمه ويكره أن يطلع عليه بعد موته وربما حدث منه أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله, وربما ظهر فيه شيء هو في الظاهر منكر فيحدث به فيكون فضيحة له وربما بدت عورته فشاهدها, ولهذا أحببنا أن يكون الغاسل ثقة أمينا صالحا ليستر ما يطلع عليه وفي الحديث عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ليغسل موتاكم المأمونون) رواه ابن ماجه وروى عنه عليه السلام أنه قال: (من غسل ميتا ثم لم يفش عليه, خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه ابن ماجه أيضا وفي " المسند " عن عائشة قالت: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة, ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وقال: (ليله أقربكم منه إن كان يعلم فإن كان لا يعلم فمن ترون أن عنده حظا من ورع وأمانة) وقال القاضي: لوليه أن يدخل كيف شاء وكلام الخرقي عام في المنع, ولعله يقتضي التعميم والله أعلم.
فصل:
وينبغي للغاسل ولمن حضر, إذا رأى من الميت شيئا مما ذكرناه ومما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحدث به لما رويناه, ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة) وإن رأى حسنا مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه, والتبسم ونحو ذلك استحب إظهاره, ليكثر الترحم عليه ويحصل الحث على مثل طريقته والتشبه بجميل سيرته قال ابن عقيل: وإن كان الميت مغموصا عليه في الدين والسنة, مشهورا ببدعته فلا بأس بإظهار الشر عليه لتحذر طريقته وعلى هذا ينبغي أن يكتم ما يرى عليه من أمارات الخير لئلا يغتر مغتر بذلك, فيقتدى به في بدعته.
مسألة:
قال: [وتلين مفاصله إن سهلت عليه وإلا تركها] معنى تليين المفاصل هو أن يرد ذراعيه إلى عضديه وعضديه إلى جنبيه, ثم يردهما ويرد ساقيه إلى فخذيه وفخذيه, إلى بطنه ثم يردها ليكون ذلك أبقى للينه, فيكون ذلك أمكن للغاسل من تكفينه وتمديده, وخلع ثيابه وتغسيله قال أصحابنا: ويستحب ذلك في موضعين عقيب موته قبل قسوتها ببرودته, وإذا أخذ في غسله وإن شق ذلك لقسوة الميت أو غيرها تركه لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه ويصير به ذلك إلى المثلة.
مسألة:
قال [ويلف على يده خرقة, فينقى ما به من نجاسة ويعصر بطنه عصرا رفيقا] وجملته أنه يستحب أن يغسل الميت على سرير يترك عليه متوجها إلى القبلة منحدرا نحو رجليه, لينحدر الماء بما يخرج منه ولا يرجع إلى جهة رأسه ويبدأ الغاسل, فيحني الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له, ثم يمر يده على بطنه يعصره عصرا رفيقا ليخرج ما معه من نجاسة لئلا يخرج بعد ذلك, ويصب عليه الماء حين يمر يده صبا كثيرا ليخفى ما يخرج منه ويذهب به الماء, ويستحب أن يكون بقربه مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح وقال أحمد ـ رحمه الله ـ : لا يعصر بطن الميت في المرة الأولى ولكن في الثانية وقال في موضع آخر: يعصر بطنه في الثالثة يمسح مسحا رفيقا مرة واحدة وقال أيضا: عصر بطن الميت في الثانية أمكن لأن الميت لا يلين حتى يصيبه الماء ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة, فينجيه بها لئلا يمس عورته لأن النظر إلى العورة حرام فاللمس أولى, ويزيل ما على بدنه من نجاسة لأن الحي يبدأ بذلك في اغتساله من الجنابة ويستحب أن لا يمس بقية بدنه إلا بخرقة قال القاضي: يعد الغاسل خرقتين يغسل بإحداهما السبيلين وبالأخرى سائر بدنه, فإن كان الميت امرأة حاملا لم يعصر بطنها لئلا يؤذي الولد وقد جاء في حديث رواه الخلال, بإسناده عن أم سليم قالت: قال رسول الله ـ ﷺ ـ (إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدأ ببطنها, فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى فإن كانت حبلى فلا يحركها).
مسألة:
قال: [ويوضئه وضوءه للصلاة ولا يدخل الماء في فيه, ولا في أنفه وإن كان فيهما أذى أزاله بخرقة] وجملة ذلك أنه إذا أنجاه وأزال عنه النجاسة, بدأ بعد ذلك فوضأه وضوء الصلاة فيغسل كفيه ثم يأخذ خرقة خشنة فيبلها ويجعلها على أصبعه, فيمسح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ويكون ذلك في رفق, ثم يغسل وجهه ويتم وضوءه لأن الوضوء يبدأ به في غسل الحي, وقد قال رسول الله ـ ﷺ ـ للنساء اللاتي غسلن ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) متفق عليه وفي حديث أم سليم: (فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقيا بماء وسدر فوضئيها وضوء الصلاة, ثم اغسليها) ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم كذلك قال سعيد بن جبير, والنخعي والثوري وأبو حنيفة وقال الشافعي يمضمضه وينشقه كما يفعل الحي ولنا أن إدخال الماء فاه وأنفه لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه, فيفضي إلى المثلة به ولا يؤمن خروجه في أكفانه.
مسألة:
قال: [ويصب عليه الماء فيبدأ بميامنه, ويقلبه على جنبيه ليعم الماء سائر جسمه] وجملة ذلك أنه إذا وضأه بدأ بغسل رأسه ثم لحيته نص عليه أحمد فيضرب السدر فيغسلهما برغوته, ويغسل وجهه ويغسل اليد اليمنى من المنكب إلى الكفين وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبيه وفخذه وساقه, يغسل الظاهر من ذلك وهو مستلق ثم يصنع ذلك بالجانب الأيسر ثم يرفعه من جانبه الأيمن, ولا يكبه لوجهه فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يعود فيحرفه على جنبه الأيمن, ويغسل شقه الأيسر كذلك هكذا ذكره إبراهيم النخعي والقاضي وهو أقرب إلى موافقة قوله عليه السلام (ابدأن بميامنها) وهو أشبه بغسل الحي.
مسألة:
قال: [ويكون في كل المياه شيء من السدر ويضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته] هذا المنصوص عن أحمد قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر, ثلاث غسلات قلت: فيبقى عليه؟ قال: أي شيء يكون هو أنقى له وذكر عن عطاء أن ابن جريج قال له: إنه يبقى عليه السدر إذا غسل به كل مرة فقال عطاء: هو طهور وفي رواية أبي داود عن أحمد, قال: قلت يعني لأحمد: أفلا تصبون ماء قراحا ينظفه؟ قال: إن صبوا فلا بأس واحتج أحمد بحديث أم عطية (أن رسول الله ـ ﷺ ـ حين توفيت ابنته قال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا, أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر, واجعلن في الآخرة كافورا) متفق عليه وحديث ابن عباس أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (اغسلوه بماء وسدر) متفق عليه وفي حديث أم سليم: (ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر) وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين إلى أنه لا يترك مع الماء سدرا يغيره, ثم اختلفوا فقال ابن حامد: يطرح في كل المياه شيء يسير من السدر لا يغيره ليجمع بين العمل بالحديث ويكون الماء باقيا على طهوريته وقال القاضي وأبو الخطاب: يغسل أول مرة بالسدر, ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة ويكون الاعتداد بالآخر دون الأول لأن أحمد, - رحمه الله- شبه غسله بغسل الجنابة ولأن السدر إن غير الماء سلبه وصف الطهورية, وإن لم يغيره فلا فائدة في ترك يسير لا يؤثر وظاهر كلام أحمد الأول ويكون هذا من قوله دالا على أن تغير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته قال بعض أصحابنا: يتخذ الغاسل ثلاثة أوان آنية كبيرة يجمع فيها الماء الذي يغسل به الميت يكون بالبعد منه وإناءين صغيرين يطرح من أحدهما على الميت والثالث يغرف به من الكبير في الصغير الذي يغسل به الميت, ليكون الكبير مصونا فإذا فسد الماء الذي في الصغير وطار فيه من رشاش الماء, كان ما بقي في الكبير كافيا ويضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته, ويبلغه سائر بدنه كما يفعل الحي إذا اغتسل.
فصل:
فإن لم يجد السدر غسله بما يقوم مقامه ويقرب منه, كالخطمى ونحوه لأن المقصود يحصل منه وإن غسله بذلك مع وجود السدر جاز لأن الشرع ورد بهذا لمعنى معقول, وهو التنظيف فيتعدى إلى كل ما وجد فيه المعنى.
مسألة:
قال: [ويستعمل في كل أموره الرفق به] ويستحب الرفق بالميت في تقليبه وعرك أعضائه, وعصر بطنه وتليين مفاصله وسائر أموره, احتراما له فإنه مشبه بالحى في حرمته ولا يأمن إن عنف به أن ينفصل منه عضو فيكون مثلة به, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحي) وقال (إن الله يحب الرفق في الأمر كله).
مسألة:
قال [والماء الحار والأشنان والخلال يستعمل إن احتيج إليه] هذه الثلاثة تستعمل عند الحاجة إليها, مثل أن يحتاج إلى الماء الحار لشدة البرد أو لوسخ لا يزول إلا به وكذا الأشنان يستعمل إذا كان على الميت وسخ قال أحمد: إذا طال ضنى المريض غسل بالأشنان يعنى أنه يكثر وسخه, فيحتاج إلى الأشنان ليزيله والخلال: يحتاج إليه لإخراج شيء والمستحب أن يكون من شجرة لينة كالصفصاف ونحوه مما ينقى ولا يجرح, وإن لف على رأسه قطنا فحسن ويتتبع ما تحت أظفاره حتى ينقيه فإن لم يحتج إلى شيء من ذلك لم يستحب استعماله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة المسخن أولى بكل حال لأنه ينقى ما لا ينقى البارد ولنا, أن البارد يمسكه والمسخن يرخيه ولهذا يطرح الكافور في الماء ليشده ويبرده والإنقاء يحصل بالسدر إذا لم يكثر وسخه, فإن كثر ولم يزل إلا بالحار صار مستحبا.
مسألة:
قال: [ويغسل الثالثة بماء فيه كافور وسدر ولا يكون فيه سدر صحاح] الواجب في غسل الميت مرة واحدة لأنه غسل واجب من غير نجاسة أصابته فكان مرة واحدة, كغسل الجنابة والحيض ويستحب أن يغسل ثلاثا كل غسلة بالماء والسدر, على ما وصفنا ويجعل في الماء كافور في الغسلة الثالثة ليشده ويبرده ويطيبه لقول رسول الله ـ ﷺ ـ للنساء اللاتى غسلن ابنته: (اغسلنها بالسدر وترا ثلاثا, أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن واجعلن في الغسلة الأخيرة كافورا) وفي حديث أم سليم: (فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها, فاجعلى ماء فيه شيء من كافور وشيء من سدر ثم اجعلى ذلك في جرة جديدة, ثم أفرغيه عليها وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها) ولا يجعل في الماء سدر صحيح لأنه لا فائدة فيه لأن السدر إنما أمر به للتنظيف, والمعد للتنظيف إنما هو المطحون ولهذا لا يستعمله المغتسل به من الأحياء إلا كذلك قال أبو داود: قلت لأحمد إنهم يأتون بسبع ورقات من سدر فيلقونها في الماء في الغسلة الأخيرة فأنكر ذلك, ولم يعجبه وإذا فرغ من الغسلة الثالثة لم يمر يده على بطن الميت لئلا يخرج منه شيء, ويقع في أكفانه قال أحمد: ويوضأ الميت مرة واحدة في الغسلة الأولى وما سمعنا إلا أنه يوضأ أول مرة وهذا والله أعلم ما لم يخرج منه شيء, ومتى خرج منه شيء أعاد وضوءه لأن ذلك ينقض الوضوء من الحي ويوجبه وإن رأى الغاسل أن يزيد على ثلاث, لكونه لم ينق بها أو غير ذلك غسله خمسا أو سبعا, ولم يقطع إلا على وتر قال أحمد ولا يزاد على سبع والأصل في هذا قول النبي ـ ﷺ ـ : (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا) لم يزد على ذلك وجعل جميع ما أمر به وترا وقال أيضا: "اغسلنها وترا" وإن لم ينق بسبع فالأولى غسله حتى ينقى, ولا يقطع إلا على وتر لقوله عليه السلام: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن" ولأن الزيادة على الثلاث إنما كانت للإنقاء وللحاجة إليها, فكذلك فيما بعد السبع ولم يذكر أصحابنا أنه يزيد على سبع.
مسألة:
قال: "فإن خرج منه شيء غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع" يعنى إن خرجت نجاسة من قبله أو دبره وهو على مغتسله بعد الثلاث, غسله إلى خمس فإن خرج بعد الخامسة غسله إلى سبع ويوضئه في الغسلة التي تلى خروج النجاسة قال صالح: قال أبي: يوضأ الميت مرة واحدة, إلا أن يخرج منه شيء فيعاد عليه الوضوء ويغسله إلى سبع وهو قول ابن سيرين, وإسحاق واختار أبو الخطاب أنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ ولا يجب إعادة غسله وهو قول الثوري, ومالك وأبى حنيفة لأن خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطله فكذلك الميت وعن الشافعي كالمذهبين ولنا, أن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ألا ترى أن الموت جرى مجرى زوال العقل في حق الحي وقد أوجب الغسل في حق الحي, فكذلك هذا ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك, بماء وسدر).
فصل:
وإن خرجت منه نجاسة من غير السبيلين فقال أحمد فيما روى أبو داود: الدم أسهل من الحدث ومعناه أن الدم الذي يخرج من أنفه أسهل من الحدث في أن لا يعاد له الغسل لأن الحدث ينقض الطهارة بالاتفاق ويسوى بين كثيره وقليله ويحتمل أنه أراد أن الغسل لا يعاد من يسيره كما لا ينقض الوضوء, بخلاف الخارج من السبيلين.
فصل:
والحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل قال ابن المنذر: هذا قول من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقال الحسن وسعيد بن المسيب: ما مات ميت إلا جنب وقيل عن الحسن: إنه يغسل الجنب للجنابة والحائض للحيض ثم يغسلان للموت والأول أولى لأنهما خرجا من أحكام التكليف, ولم يبق عليهما عبادة واجبة وإنما الغسل للميت تعبد وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة والنضارة, وهذا يحصل بغسل واحد ولأن الغسل الواحد يجزئ من وجد في حقه موجبان له كما لو اجتمع الحيض والجنابة.
فصل:
والواجب في غسل الميت النية, والتسمية في إحدى الروايتين وغسله مرة واحدة لأنه غسل تعبد عن غير نجاسة أصابته شرط لصحة الصلاة, فوجب ذلك فيه كغسل الجنابة وقد شبه أحمد غسله بغسل الجنابة ولما تعذرت النية والتسمية من الميت اعتبرت في الغاسل, لأنه المخاطب بالغسل قال عطاء يجزئه غسلة واحدة إن أنقوه وقال أحمد: لا يعجبني أن يغسل واحدة لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (اغسلنها ثلاثا أو خمسا) وهذا على سبيل الكراهة دون الإجزاء لما ذكرناه ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال في المحرم الذي وقصته ناقته: (اغسلوه بماء وسدر) ولم يذكر عددا وقال ابن عقيل: يحتمل أن لا تعتبر النية, لأن القصد التنظيف فأشبه غسل النجاسة ولا يصح هذا لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف, ولجاز غسله بماء الورد وسائر ما يحصل به التنظيف وإنما هو غسل تعبد أشبه غسل الجنابة.
مسألة:
قال: [وينشفه بثوب, ويجمر أكفانه] وجملته أنه إذا فرغ الغاسل من غسل الميت نشفه بثوب لئلا يبل أكفانه وفي حديث أم سليم: (فإذا فرغت منها, فألقى عليها ثوبا نظيفا) وذكر القاضي في حديث ابن عباس في غسل النبي ـ ﷺ ـ قال: فجففوه بثوب ومعنى تجمير أكفانه تبخيرها بالعود وهو أن يترك العود على النار في مجمر, ثم يبخر به الكفن حتى تعبق رائحته ويطيب ويكون ذلك بعد أن يرش عليه ماء الورد, لتعلق الرائحة به وقد روى عن جابر قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا) وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود وقال أبو هريرة: يجمر الميت ولأن هذا عادة الحي عند غسله, وتجمير ثيابه أن يجمر بالطيب والعود فكذلك الميت.
مسألة:
قال: [ويكفن في ثلاثة أثواب بيض, يدرج فيها إدراجا ويجعل الحنوط فيما بينها] الأفضل عند إمامنا - رحمه الله- أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها قال الترمذي: والعمل عليها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ وغيرهم وهو مذهب الشافعي ويستحب كون الكفن أبيض لأن النبي ـ ﷺ ـ كفن في ثلاثة أثواب بيض ولقول رسول الله ـ ﷺ ـ : (البسوا من ثيابكم البيض, فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم) رواه النسائي وحكى عن أبى حنيفة أن المستحب أن يكفن في إزار ورداء وقميص لما روى ابن المغفل, أن النبي ـ ﷺ ـ : كفن في قميصه ولأن النبي ـ ﷺ ـ ألبس عبد الله بن أبى قميصه وكفنه به رواه النسائي ولنا قول عائشة ـ رضي الله عنه ـا: (كفن رسول الله ـ ﷺ ـ في ثلاثة أثواب بيض سحولية, ليس فيها قميص ولا عمامة) متفق عليه وهو أصح حديث روى في كفن رسول الله ـ ﷺ ـ وعائشة أقرب إلى النبي ـ ﷺ ـ وأعرف بأحواله ولهذا لما ذكر لها قول الناس أن النبي ـ ﷺ ـ كفن في برد قالت: قد أتى بالبرد, ولكنهم لم يكفنوه فيه فحفظت ما أغفله غيرها وقالت أيضا: (أدرج النبي ـ ﷺ ـ في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبى بكر ثم نزعت عنه, فرفع عبد الله بن أبى بكر الحلة وقال: أكفن فيها ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله ـ ﷺ ـ وأكفن فيها فتصدق بها) رواه مسلم ولأن حال الإحرام أكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط وكذلك حالة الموت أشبه بها وأما إلباس النبي ـ ﷺ ـ عبد الله بن أبى قميصه, فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وإجابة لسؤاله حين سأله ذلك ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله ـ ﷺ ـ وقيل: إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبى عن كسوته العباس قميصه يوم بدر والله أعلم.
فصل:
والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها, فيبسط أولا ليكون الظاهر للناس أحسنها فإن هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه, ويجعل عليها حنوطا ثم يبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها ويجعل فوقها حنوطا وكافورا, ثم يبسط فوقهما الثالثة ويجعل فوقها حنوطا وكافورا ولا يجعل على وجه العليا, ولا على النعش شيء من الحنوط لأن الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: لا تجعلوا على أكفانى حنوطا ثم يحمل الميت مستورا بثوب فيوضع فيها مستلقيا لأنه أمكن لإدراجه فيها ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ويجعل من الطيب على وجهه ومواضع سجوده ومغابنه لأن الحي يتطيب هكذا, ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين أليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئا إن خرج منه حين تحريكه, ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان وهو السراويل بلا أكمام ويجعل الباقي على منافذ وجهه, في فيه ومنخريه وعينيه لئلا يحدث منهن حادث وكذلك في الجراح النافذة, ويترك على مواضع السجود منه لأنها أعضاء شريفة ثم يثنى طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر, وإنما استحب ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ما فضل عند رأسه ورجليه, فيرد على وجهه ورجليه وإن خاف انتشارها عقدها وإذا وضع في القبر حلها, ولم يخرق الكفن.
فصل:
وتكره الزيادة على ثلاثة أثواب في الكفن لما فيه من إضاعة المال وقد نهى عنه النبي ـ ﷺ ـ ويحرم ترك شيء مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روى عن النبي ـ ﷺ ـ أنه ترك تحته قطيفة في قبره, فإن ترك نحو ذلك فلا بأس.
مسألة:
قال [وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جعل المئزر مما يلي جلده ولم يزر عليه القميص] التكفين في القميص والمئزر واللفافة غير مكروه وإنما الأفضل الأول, وهذا جائز لا كراهة فيه فإن النبي ـ ﷺ ـ ألبس عبد الله بن أبى قميصه لما مات رواه البخاري فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك وقال أحمد: إن جعلوه قميصا فأحب إلى أن يكون مثل قميص الحي, له كمان ودخاريص وأزرار ولا يزر عليه القميص.
فصل:
قال أبو داود: قلت لأحمد: يتخذ الرجل كفنه يصلى فيه أياما أو قلت: يحرم فيه, ثم يغسله ويضعه لكفنه؟ فرآه حسنا قال: يعجبني أن يكون جديدا أو غسيلا وكره أن يلبسه حتى لا يدنسه.
فصل:
ويجوز التكفين في ثوبين لقول النبي ـ ﷺ ـ في المحرم الذي وقصته دابته: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين) رواه البخاري وكان سويد بن غفلة يقول: يكفن في ثوبين وقال الأوزاعي: يجزئ ثوبان وأقل ما يجزئ ثوب واحد يستر جميعه (قالت أم عطية: لما فرغنا يعنى من غسل بنت رسول الله ـ ﷺ ـ ألقى إلينا حقوه, فقال: أشعرنها إياه ولم يزد على ذلك) رواه البخاري وقال: معنى أشعرنها إياه الففنها فيه قال ابن عقيل: العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فجسد الميت أولى وقال القاضي: لا يجزئ أقل من ثلاثة أثواب لمن يقدر عليها ويروى مثل ذلك عن عائشة واحتج بأنه لو جاز أقل منها لم يجز التكفين بها في حق من له أيتام, احتياطا لهم والصحيح الأول وما ذكره القاضي لا يصح فإنه يجوز التكفين بالحسن مع حصول الإجزاء بما دونه.
فصل:
قال أحمد: يكفن الصبي في خرقة وإن كفن في ثلاثة فلا بأس وكذلك قال إسحاق ونحوه قال سعيد بن المسيب, والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لا خلاف بينهم في أن ثوبا يجزئه, وإن كفن في ثلاثة فلا بأس لأنه ذكر فأشبه الرجل.
فصل:
فإن لم يجد الرجل ثوبا يستر جميعه ستر رأسه, وجعل على رجليه حشيشا أو ورقا كما روي عن خباب (أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه, إلا نمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي ـ ﷺ ـ أن نغطي رأسه, ونجعل على رجليه من الإذخر) رواه البخاري فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها لأنها أهم في الستر بدليل حالة الحياة فإن كثر القتلى وقلت الأكفان, كفن الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد كما صنع بقتلى أحد قال أنس: كثرت قتلى أحد وقلت الثياب قال: فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد, ثم يدفنون في قبر واحد قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن غريب.
مسألة:
قال: [وإن خرج منه شيء يسير بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل] لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا والوجه في ذلك أن إعادة الغسل فيها مشقة شديدة لأنه يحتاج إلى إخراجه, وإعادة غسله وغسل أكفانه وتجفيفها أو إبدالها ثم لا يؤمن مثل هذا في المرة الثانية والثالثة, فسقط لذلك ولا يحتاج أيضا إلى إعادة وضوئه ولا غسل موضع النجاسة, دفعا لهذه المشقة ويحمل بحاله ويروى عن الشعبي أن ابنة له لما لفت في أكفانها بدا منها شيء فقال الشعبي: ارفعوا فأما إن كان الخارج كثيرا فاحشا فمفهوم كلام الخرقي ها هنا أنه يعاد غسله إن كان قبل تمام السبعة لأن الكثير يتفاحش, ويؤمن مثله في المرة الثانية لتحفظهم بالشد والتلجم ونحوه ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال الخلال: وخالفه أصحاب أبى عبد الله, كلهم رووا عنه: لا يعاد إلى الغسل بحال قال: والعمل على ما اتفق عليه لما ذكرنا من المشقة فيه ويحتمل أن تحمل الروايتان على حالتين فالموضع الذي قال لا يعاد غسله إذا كان يسيرا ويخفى على المشيعين والموضع الذي أمر بإعادته إذا كان يظهر لهم ويفحش.
مسألة:
قال: [وإن أحب أهله أن يروه لم يمنعوا] وذلك لما روي عن (جابر قال: لما قتل أبى جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي, والنبي ـ ﷺ ـ لا ينهاني) وقالت عائشة: (رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل) وقالت: أقبل أبو بكر فتيمم النبي ـ ﷺ ـ وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله, ثم بكى فقال: بأبى أنت يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين وهذه أحاديث صحاح.
مسألة:
قال: [والمرأة تكفن في خمسة أثواب: قميص ومئزر, ولفافة ومقنعة وخامسة تشد بها فخذاها] قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب, وإنما استحب ذلك لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت ولما كانت تلبس المخيط في إحرامها, وهو أكمل أحوال الحياة استحب إلباسها إياه بعد موتها والرجل بخلاف ذلك, فافترقا في اللبس بعد الموت لافتراقهما فيه في الحياة واستويا في الغسل بعد الموت لاستوائهما فيه في الحياة وقد روى أبو داود, بإسناده عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت في من غسل أم كلثوم بنت رسول الله ـ ﷺ ـ عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله ـ ﷺ ـ الحقو, ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة, ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت: ورسول الله ـ ﷺ ـ عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا إلا أن الخرقي إنما ذكر لفافة واحدة فعلى هذا تشد الخرقة على فخذيها أولا, ثم تؤزر بالمئزر ثم يلبس القميص ثم تخمر بالمقنعة, ثم تلف بلفافة واحدة وقد أشار إليه أحمد فقال: تخمر ويترك قدر ذراع, يسدل على وجهها ويسدل على فخذيها الحقو وسئل عن الحقو؟ فقال: هو الإزار قيل: الخامسة قال: خرقة تشد على فخذيها قيل له: قميص المرأة؟ قال: يخيط قيل: يكف ويزر؟ قال: يكف ولا يزر عليها والذي عليه أكثر أصحابنا وغيرهم أن الأثواب الخمسة إزار, ودرع وخمار ولفافتان, وهو الصحيح لحديث ليلى الذي ذكرناه ولما روت أم عطية, أن النبي ـ ﷺ ـ ناولها إزارا ودرعا وخمارا, وثوبين.
فصل:
قال المروذي: سألت أبا عبد الله: في كم تكفن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين وقميص لا خمار فيه وكفن ابن سيرين بنتا له قد أعصرت في قميص ولفافتين وروي في بقير ولفافتين قال أحمد: البقير القميص الذي ليس له كمان ولأن غير البالغ لا يلزمها ستر رأسها في الصلاة واختلفت الرواية عن أحمد في الحد الذي تصير به في حكم المرأة في الكفن, فروي عنه: إذا بلغت وهو ظاهر كلامه في رواية المروذي لقول النبي ـ ﷺ ـ : (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) مفهومه أن غيرها لا تحتاج إلى خمار في صلاتها فكذلك في كفنها ولأن ابن سيرين كفن ابنته, وقد أعصرت أي قاربت المحيض بغير خمار وروى عن أحمد أكثر أصحابه: إذا كانت بنت تسع يصنع بها ما يصنع بالمرأة واحتج بحديث عائشة (أن النبي ـ ﷺ ـ دخل بها وهي بنت تسع سنين) وروي عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة.
فصل:
قال أحمد لا يعجبني أن تكفن في شيء من الحرير وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحاق قال ابن المنذر: ولا أحفظ من غيرهم خلافهم وفي جواز تكفين المرأة بالحرير احتمالان لأن أقيسهما الجواز, لأنه من لباسها في حياتها لكن كرهناه لها لأنها خرجت عن كونها محلا للزينة والشهوة, وكذلك يكره تكفينها بالمعصفر ونحوه لذلك قال الأوزاعي: لا يكفن الميت في الثياب المصبغة إلا ما كان من العصب, يعنى ما صنع بالعصب وهو نبت ينبت باليمن. مسألة: قال: [ويضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من خلفها] وجملة ذلك أن شعر الميتة يغسل, وإن كان معقوصا نقض ثم غسل ثم ضفر ثلاثة قرون, قرنيها وناصيتها ويلقى من خلفها وبهذا قال الشافعي, وإسحاق وابن المنذر وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يضفر ولكن يرسل مع خديها, من بين يديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار لأن ضفره يحتاج إلى تسريحها فينقطع, شعرها وينتف ولنا ما روت أم عطية قالت: (ضفرنا شعرها ثلاثة قرون, وألقيناه خلفها يعني بنت رسول الله ـ ﷺ ـ) متفق عليه ولمسلم: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها وللبخاري: جعلن رأس بنت رسول الله ـ ﷺ ـ ثلاثة قرون نقضنه, ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون وإنما غسلنه بأمر رسول الله ـ ﷺ ـ وتعليمه وفي حديث أم سليم عن النبي ـ ﷺ ـ : (واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة, وقرنين ولا تشبهنها بالرجال) فأما التسريح فكرهه أحمد وقال: قالت عائشة: علام تنصون ميتكم؟ قال: يعنى لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأن ذلك يقطع شعره وينتفه وقد روى عن أم عطية, قالت: مشطناها ثلاثة قرون متفق عليه قال أحمد: إنما ضفرن وأنكر المشط فكأنه تأول قولها: مشطناها على أنها أرادت ضفرناها لما ذكرناه والله أعلم.
مسألة: قال: [والمشى بالجنازة الإسراع] لا خلاف بين الأئمة رحمهم الله في استحباب الإسراع بالجنازة, وبه ورد النص وهو قول النبي ـ ﷺ ـ : (أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه, وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه وعن أبى هريرة قال: (كان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا تبع الجنازة قال: انبسطوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود بجنائزها) رواه أحمد, في " المسند " واختلفوا في الإسراع المستحب فقال القاضي: المستحب إسراع لا يخرج عن المشى المعتاد وهو قول الشافعي وقال أصحاب الرأي: يخب ويرمل لما روى أبو داود عن عيينة بن عبد الرحمن, عن أبيه قال: (كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص فكنا نمشي مشيا خفيفا فلحقنا أبو بكر فرفع سوطه فقال: لقد رأيتنا مع النبي ـ ﷺ ـ نرمل رملا) ولنا, ما روى أبو سعيد عن النبي ـ ﷺ ـ : (أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضا فقال عليه السلام: عليكم بالقصد في جنائزكم) من " المسند " وعن ابن مسعود قال: (سألنا نبينا ـ ﷺ ـ عن المشي بالجنازة فقال: ما دون الخبب) رواه أبو داود, والترمذي وقال: يرويه أبو ماجد وهو مجهول وقول النبي ـ ﷺ ـ : (انبسطوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود) يدل على أن المراد إسراع يخرج به عن شبه مشي اليهود بجنائزهم, ولأن الإسراف في الإسراع يمخضها ويؤذى حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت وقد قال ابن عباس, في جنازة ميمونة: لا تزلزلوا وارفقوا فإنها أمكم.
فصل:
واتباع الجنائز سنة قال البراء: (أمرنا رسول الله ـ ﷺ ـ باتباع الجنائز) وهو على ثلاثة أضرب: أحدها, أن يصلى عليها ثم ينصرف قال زيد بن ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك وقال أبو داود: رأيت أحمد ما لا أحصى صلى على جنائز ولم يتبعها إلى القبر, ولم يستأذن الثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لقول رسول الله ـ ﷺ ـ : (من شهد الجنازة حتى يصلى فله قيراط, ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه الثالث أن يقف بعد الدفن فيستغفر له, ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة فإنه روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه كان إذا دفن ميتا وقف, وقال: (استغفروا له واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود وقد روي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها.
فصل:
ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعا متفكرا في مآله, متعظا بالموت وبما يصير إليه الميت ولا يتحدث بأحاديث الدنيا, ولا يضحك قال سعد بن معاذ: ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها ورأى بعض السلف رجلا يضحك في جنازة فقال: أتضحك وأنت تتبع الجنازة؟ لا كلمتك أبدا.
مسألة:
قال: "والمشى أمامها أفضل " أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة, روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان, وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير, وأبى قتادة وأبى أسيد وعبيد بن عمير, وشريح والقاسم بن محمد وسالم, والزهري ومالك والشافعي وقال الأوزاعي, وأصحاب الرأي: المشى خلفها أفضل لما روى ابن مسعود عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (الجنازة متبوعة ولا تتبع, ليس منها من تقدمها) وقال على ـ رضي الله عنه ـ: (فضل الماشى خلف الجنازة على الماشى قدامها كفضل المكتوبة على التطوع سمعته من رسول الله ـ ﷺ ـ ) ولأنها متبوعة فيجب أن تقدم كالإمام في الصلاة, ولهذا قال في الحديث الصحيح: " من تبع جنازة " ولنا ما روى ابن عمر قال: رأيت النبي ـ ﷺ ـ وأبا بكر, وعمر يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود والترمذي وعن أنس نحوه رواه ابن ماجه وقال ابن المنذر: ثبت أن النبي ـ ﷺ ـ وأبا بكر, وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وقال أبو صالح: كان أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ يمشون أمام الجنازة ولأنهم شفعاء له, بدليل قوله عليه السلام: (ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له, إلا شفعوا فيه) رواه مسلم والشفيع يتقدم المشفوع له وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد وهو مجهول, قيل ليحيى: من أبو ماجد هذا؟ قال: طائر طار قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن وقالوا: هو ضعيف ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن ولم يكن معها وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر فإنها تابعة لهما, وتتقدمهما في الوجود.
فصل:
ويكره الركوب في اتباع الجنائز قال ثوبان: (خرجنا مع النبي ـ ﷺ ـ في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم, وأنتم على ظهور الدواب) رواه الترمذي فإن ركب في جنازة فالسنة أن يكون خلفها قال الخطابي في الراكب: لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها لقول النبي ـ ﷺ ـ : (الراكب يسير خلف الجنازة والماشى يمشي خلفها وأمامها, وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها) رواه أبو داود وروى الترمذي نحوه ولفظه: (الراكب خلف الجنازة, والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه) وقال: هذا حديث صحيح ولأن سير الراكب أمامها يؤذي المشاة لأنه موضع مشيهم على ما قدمناه فأما الركوب في الرجوع منها فلا بأس به قال جابر بن سمرة: (إن النبي ـ ﷺ ـ اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا, ورجع على فرس) رواه مسلم قال الترمذي: هذا حديث حسن.
فصل:
ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي ـ ﷺ ـ أن تتبع الجنازة بصوت قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ يكرهون رفع الصوت عند ثلاث عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال وذكر الحسن, عن أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت عند ثلاث فذكر نحوه وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن, والنخعي وإمامنا وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له وقال الأوزاعي بدعة وقال عطاء: محدثة وقال سعيد بن المسيب في مرضه: إياي وحاديهم, هذا الذي يحدو لهم يقول: استغفروا له غفر الله لكم وقال فضيل بن عمرو: بينا ابن عمر في جنازة, إذ سمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله لكم فقال ابن عمر: لا غفر الله لك رواهما سعيد قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة: سلم رحمك الله فإنه بدعة ولكن يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله ـ ﷺ ـ ويذكر الله إذا تناول السرير.
فصل:
ومس الجنازة بالأيدي والأكمام والمناديل محدث مكروه, ولا يؤمن معه فساد الميت وقد منع العلماء مس القبر فمس الجسد مع خوف الأذى أولى بالمنع.
فصل:
ويكره اتباع الميت بنار, قال ابن المنذر: يكره ذلك كل من يحفظ عنه روى عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل, ومعقل بن يسار وأبي سعيد وعائشة, وسعيد بن المسيب أنهم وصوا أن لا يتبعوا بنار وروى ابن ماجه أن أبا موسى حين حضره الموت قال: (لا تتبعوني بمجمر قالوا له: أوسمعت فيه شيئا؟ قال: نعم, من رسول الله ـ ﷺ ـ) وروى أبو داود بإسناده عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) فإن دفن ليلا فاحتاجوا إلى ضوء, فلا بأس به إنما كره المجامر فيها البخور وفي حديث (عن النبي ـ ﷺ ـ دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج). قال الترمذي: هذا حديث حسن.
فصل:
ويكره اتباع النساء الجنائز لما روي عن أم عطية قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز, ولم يعزم علينا) متفق عليه وكره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة, وعائشة ومسروق والحسن, والنخعي والأوزاعي وإسحاق وروي (أن النبي ـ ﷺ ـ خرج, فإذا نسوة جلوس قال ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة قال: هل تغسلن؟ قلن: لا قال: هل تحملن؟ قلن: لا قال: هل تدلين في من يدلي؟ قلن: لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات) رواه ابن ماجه وروي (أن النبي ـ ﷺ ـ لقي فاطمة فقال: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ قالت: يا رسول الله, أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به قال لها رسول الله ـ ﷺ ـ : فلعلك بلغت معهم الكدى؟ قالت: معاذ الله, وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال: لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديدا) رواه أبو داود.
فصل:
فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه فإن قدر على إنكاره وإزالته أزاله, وإن لم يقدر على إزالته ففيه وجهان: أحدهما ينكره ويتبعها, فيسقط فرضه بالإنكار ولا يترك حقا لباطل والثاني يرجع, لأنه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك وأصل هذا في الغسل فإن فيه روايتين, فيخرج في اتباعها وجهان.
مسألة:
قال: (والتربيع أن يوضع على الكتف اليمنى إلى الرجل ثم الكتف اليسرى إلى الرجل) التربيع هو الأخذ بجوانب السرير الأربع وهو سنة في حمل الجنازة لقول ابن مسعود: (إذا تبع أحدكم جنازة, فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة) رواه سعيد, في " سننه " وهذا يقتضي سنة النبي ـ ﷺ ـ وصفة التربيع المسنون أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم يضع القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى, ثم يعود أيضا إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وعن أحمد - رحمه الله- أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحاق وروى عن ابن مسعود, وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب ولأنه أخف ووجه الأول, أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول فأما الحمل بين العمودين فقال ابن المنذر روينا عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة, وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير وقال به الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وكرهه النخعي, والحسن وأبو حنيفة وإسحاق والصحيح الأول لأن الصحابة, رحمة الله عليهم قد فعلوه وفيهم أسوة حسنة وقال مالك ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء ونحوه قال الأوزاعي واتباع الصحابة, ـ رضي الله عنهم ـ فيما فعلوه وقالوه أحسن وأولى.
فصل:
إذا مرت به جنازة لم يستحب له القيام لها لقول على ـ رضي الله عنه ـ: (قام رسول الله ـ ﷺ ـ ثم قعد) رواه مسلم وقال إسحاق معنى قول على يقول: كان النبي ـ ﷺ ـ إذا رأى جنازة قام, ثم ترك ذلك بعد قال أحمد: إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس وذكر ابن أبى موسى والقاضي, أن القيام مستحب لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه) رواه مسلم وقد ذكرنا: أن آخر الأمرين من رسول الله ـ ﷺ ـ ترك القيام لها والأخذ بالآخر من أمره أولى, فقد روى في حديث (أن يهوديا رأى النبي ـ ﷺ ـ قام للجنازة فقال: يا محمد: هكذا نصنع فترك النبي ـ ﷺ ـ القيام لها). فصل: استحباب عدم الجلوس لمتبع الجنازة حتى توضع ومن يتبع الجنازة استحب له أن لا يجلس حتى توضع ممن رأى أن لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال الحسن بن على وابن عمر, وأبو هريرة وابن الزبير والنخعي, والشعبي والأوزاعي وإسحاق ووجه ذلك ما روى مسلم بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع) ورأى الشافعي أن هذا منسوخ بحديث على ولا يصح لأن قول على يحتمل ما ذكره إسحاق والسبب الذي ذكرناه فيه, وليس في اللفظ عموم فيعم الأمرين جميعا فلم يجز النسخ بأمر محتمل, ولأن قول على: قام رسول الله ـ ﷺ ـ ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام وها هنا إنما وجدت منه الاستدامة إذا ثبت هذا, فأظهر الروايتين عن أحمد أنه أريد بالوضع وضعها عن أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل وقد روى الثوري الحديث: (إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض) ورواه أبو معاوية (حتى توضع في اللحد) وحديث سفيان أصح فأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهى إليه قال الترمذي روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهى إليهم, فإذا جاءت الجنازة لم يقوموا لها لما تقدم. مسألة: تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت قال: "ثم الأمير" أكثر أهل العلم يرون تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت وقال الشافعي في أحد قوليه: يقدم الولى قياسا على تقديمه في النكاح بجامع اعتبار ترتيب العصبات, وهو خلاف قول النبي ـ ﷺ ـ : (لا يؤم الرجل في سلطانه) وحكى أبو حازم قال: شهدت حسينا حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول: تقدم, لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة النبي ـ ﷺ ـ وروى الإمام أحمد بإسناده عن عمار مولى بنى هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت على وزيد بن عمر فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد ـ ﷺ ـ فيهم ابن عمر والحسن والحسين وسمى في موضع آخر زيد بن ثابت, وأبا هريرة وقال على ـ رضي الله عنه ـ الإمام أحق من صلى على الجنازة وعن ابن مسعود نحو ذلك وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا ولأنها صلاة شرعت فيها الجماعة, فكان الإمام أحق بالإمامة فيها كسائر الصلوات وقد كان النبي ـ ﷺ ـ يصلى على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء بعده ولم ينقل إلينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقدم عليها.
فصل:
الإمامة للأمير فإن لم يكن فللأمير من قبله فإن لم يكن فللنائب من قبله في الإمامة. والأمير ها هنا الإمام, فإن لم يكن فالأمير من قبله فإن لم يكن فالنائب من قبله في الإمامة فإن الحسين قدم سعيد بن العاص, وإنما كان أميرا من قبل معاوية فإن لم يكن فالحاكم
مسألة:
أولى الناس بعد الأمير بالأمامة الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة قال: [ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة] الصحيح في المذهب ما ذكره الخرقي في أن أولى الناس بعد الأمير الأب, ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابنه وإن نزل, ثم الأخ الذي هو عصبة ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات, وقال أبو بكر: إذا اجتمع جد وأخ ففيه قولان وحكي عن مالك أن الابن أحق من الأب لأنه أقوى تعصيبا منه بدليل الإرث, والأخ أولى من الجد لأنه يدلى بالبنوة والجد يدلى بالأبوة ولنا أنهما استويا في الإدلاء لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه والأب أرأف وأشفق, ودعاؤه لأبنه أقرب إلى الإجابة فكان أولى كالقريب مع البعيد, إذ كان المقصود الدعاء للميت والشفاعة له بخلاف الميراث
فصل:
وإن اجتمع زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن أحمد, وقول سعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج ومذهب أبي حنيفة, ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه وروي عن أحمد تقديم الزوج على العصبات لأن أبا بكرة صلى على امرأته ولم يستأذن إخوتها وروى ذلك عن ابن عباس, والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز, وإسحاق ولأنه أحق بالغسل فكان أحق بالصلاة, كمحل الوفاق ولنا أنه يروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها ولأن الزوج قد زالت زوجيته بالموت فصار أجنبيا والقرابة لم تزل, فعلى هذه الرواية إن لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لأن له سببا وشفقة, فكان أولى من الأجنبي
فصل:
فإن اجتمع أخ من الأبوين وأخ من أب ففي تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية, وجهان أخذا من الروايتين في ولاية النكاح والحكم في أولادهما, وفي الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المنعم ثم أقرب عصباته, ثم الرجل من ذوي أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب
فصل:
فإن استوى وليان في درجة واحدة فأولاهما أحقهما بالإمامة في المكتوبات لعموم قول النبي ـ ﷺ ـ (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) قال القاضي: ويحتمل أن يقدم له الأسن لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء, وأعظم عند الله قدرا وهذا ظاهر مذهب الشافعي والأول أولى وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات, مع أنه يقصد فيها إجابة الدعاء والحظ للمأمومين وقد روى عنه عليه السلام أنه قال: (أئمتكم شفعاؤكم) ولا نسلم أن الأسن الجاهل أعظم قدرا من العالم ولا أقرب إجابة فإن استووا وتشاحوا, أقرع بينهم كما في سائر الصلوات
فصل:
ومن قدمه الولي فهو بمنزلته لأنها ولاية تثبت له فكانت له الاستنابة فيها, ويقدم نائبه فيها على غيره كولاية النكاح.
فصل:
والحر البعيد أولى من العبد القريب لأن العبد لا ولاية له ولهذا لا يلي في النكاح ولا المال فإن اجتمع صبي ومملوك ونساء فالمملوك أولى لأنه تصح إمامته بهما فإن لم يكن إلا نساء وصبيان, فقياس المذهب أنه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر ويصلي كل نوع لأنفسهم وإمامهم منهم ويصلى النساء جماعة إمامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: يصلين مفردات, لا يسبق بعضهن بعضًا وإن صلين جماعة جاز ولنا أنهن من أهل الجماعة, فيصلين جماعة كالرجال وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضا, تحكم لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع وقد صلى أزواج النبي ـ ﷺ ـ على سعد بن أبى وقاص رواه مسلم.
فصل:
فإن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم في من يتقدم للصلاة عليهم, قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض وقال القاضي: يقدم السابق يعني من سبق ميته ولنا أنهم تساووا فأشبهوا الأولياء إذا تساووا في الدرجة, مع قول النبي ـ ﷺ ـ (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وإن أراد ولى كل ميت إفراد ميته بصلاة جاز.
مسألة:
قال والصلاة عليه يكبر ويقرأ الحمد وجملة ذلك أن سنة التكبير على الجنازة أربع, ولا تسن الزيادة عليها ولا يجوز النقص منها فيكبر الأولى, ثم يستعيذ ويقرأ الحمد ويبدؤها ببسم الله الرحمن الرحيم, ولا يسن الاستفتاح قال أبو داود سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك؟ قال: ما سمعت قال ابن المنذر كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح, كسائر الصلوات ولنا أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشيء, وليس فيها ركوع ولا سجود والتعوذ سنة للقراءة مطلقا في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]. إذا ثبت هذا فإن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة وبهذا قال الشافعي, وإسحاق وروى ذلك عن ابن عباس وقال الثوري والأوزاعي ومالك, وأبو حنيفة: لا يقرأ فيها بشيء من القرآن لأن ابن مسعود قال: إن النبي ـ ﷺ ـ لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة ولنا أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: إنه من السنة أو: من تمام السنة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى ابن ماجه بإسناده عن أم شريك قالت (أمرنا رسول الله ـ ﷺ ـ أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب) وروى الشافعي, في "مسنده" بإسناده عن جابر أن النبي ـ ﷺ ـ كبر على الجنازة أربعا وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة, كسائر الصلوات وإن صح ما رووه عن ابن مسعود فإنما قال: لم يوقت أي لم يقدر ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة وقد روى ابن المنذر عنه أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب ثم لا يعارض ما رويناه لأنه نفي يقدم عليه الإثبات, ويفارق سجود التلاوة فإنه لا قيام فيه والقراءة إنما محلها القيام
فصل:
ويسر القراءة والدعاء في صلاة الجنازة لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ولا يقرأ بعد أم القرآن شيئا وقد روى عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب قال أحمد: إنما جهر ليعلمهم.
مسألة:
قال: [ويكبر الثانية, ويصلي على النبي كما يصلي عليه في التشهد] هكذا وصف أحمد الصلاة على الميت كما ذكر الخرقي وهو مذهب الشافعي وروي عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على النبي ـ ﷺ ـ ثم دعا لصاحبها فأحسن, ثم انصرف وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة وروى الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى, يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي ـ ﷺ ـ ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه وصفة الصلاة على النبي ـ ﷺ ـ كصفة الصلاة عليه في التشهد لأن النبي ـ ﷺ ـ لما سألوه: كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك وإن أتى بها على غير ما ذكر في التشهد, فلا بأس لأن القصد مطلق الصلاة قال القاضي يقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وأهل طاعتك أجمعين, من أهل السموات وأهل الأرضين إنك على كل شيء قدير لأن أحمد قال في رواية عبد الله يصلى على النبي ـ ﷺ ـ ويصلي على الملائكة المقربين. مسألة: بعد التكبيرة الثالثة يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت قال: [ويكبر الثالثة, ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت] وإن أحب أن يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا, وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا إنك على كل شيء قدير, اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم إنه عبدك وابن أمتك, نزل بك وأنت خير منزول به ولا نعلم إلا خيرا اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه, وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده والواجب أدنى دعاء لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود وهذا يحصل بأدنى دعاء, ولأن المقصود الشفاعة للميت والدعاء فيجب أقل ذلك ويستحب أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين قال أحمد وليس على الميت دعاء مؤقت والذي ذكره الخرقي حسن يجمع ذلك, وقد روي أكثره في الحديث فمن ذلك ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: (كان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا صلى على الجنازة, قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا, وذكرنا وأنثانا) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ـ ﷺ ـ مثل حديث أبي إبراهيم وزاد: " اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام, اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده وفي حديث آخر عن أبى هريرة, عن النبي ـ ﷺ ـ (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام, وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء, فاغفر له) رواه أبو داود وروى مسلم بإسناده عن عوف بن مالك قال: (صلى رسول الله ـ ﷺ ـ على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه, وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله, واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس, وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت).
فصل:
زاد أبو الخطاب على ما ذكره الخرقي: اللهم جئناك شفعاء له, فشفعنا فيه وقه فتنة القبر وعذاب النار, وأكرم مثواه وأبدله دارا خيرا من داره وجوارا خيرا من جواره, وافعل بنا ذلك وبجميع المسلمين وزاد ابن أبى موسى: الحمد لله الذي أمات وأحيا الحمد لله الذي يحيى الموتى له العظمة والكبرياء, والملك والقدرة والثناء وهو على كل شيء قدير اللهم إنه عبدك ابن عبدك, ابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه, وأنت تعلم سره جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة, اللهم وقه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه, وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم قد نزل بك وأنت خير منزول به فقيرا إلى رحمتك, وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره اللهم لا تحرمنا أجره, ولا تفتنا بعده.
فصل:
وقوله: لا نعلم إلا خيرا إنما يقوله لمن لم يعلم منه شرا لئلا يكون كاذبا وقد روى القاضي حديثا عن عبد الله بن الحارث عن أبيه (أن النبي ـ ﷺ ـ علمهم الصلاة على الميت: اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا, وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا اللهم إن عبدك وابن عبدك نزل بفنائك فاغفر له وارحمه, ولا نعلم إلا خيرا فقلت وأنا أصغر الجماعة: يا رسول الله وإن لم أعلم خيرا؟ قال لا تقل إلا ما تعلم) وإنما شرع هذا للخبر, ولأن النبي ـ ﷺ ـ لما أثنى عنده على جنازة بخير فقال: "وجبت" وأثنى على أخرى بشر فقال: "وجبت" ثم قال (إن بعضكم على بعض شهيد) رواه أبو داود متفق عليه وفي حديث عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ما من عبد مسلم يموت, يشهد له اثنان من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله تعالى: قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت ما أعلم) رواه الإمام أحمد, في " المسند " وفي لفظ عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الأدنين, فيقولان: اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله تعالى: قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان) أخرجه اللالكائى.
فصل:
وإن كان الميت طفلا, جعل مكان الاستغفار له: اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا وسلفا وأجرا اللهم ثقل به موازينهما, وأعظم به أجورهما اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين وأجره برحمتك من عذاب الجحيم, وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان ونحو ذلك وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه وليس فيه شيء موقت
مسألة:
قال: ويكبر الرابعة, ويقف قليلا ظاهر كلام الخرقي أنه لا يدعو بعد الرابعة شيئا ونقله عن أحمد جماعة من أصحابه وقال: لا أعلم فيه شيئا لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل وروي عن أحمد أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة, فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل التكبيرة الرابعة قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقيل يقول: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وهذا الخلاف في استحبابه, ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب وأن الوقوف بعد التكبير قليلا مشروع وقد روى الجوزجاني بإسناده عن زيد بن أرقم أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يكبر أربعا ثم يقول ما شاء الله, ثم ينصرف قال الجوزجاني وكنت أحسب أن هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف فإن الإمام إذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف, فإن كان هكذا فالله عز وجل الموفق له وإن كان غير ذلك فإني أبرأ إلى الله ـ عز وجل ـ من أن أتأول على رسول الله ـ ﷺ ـ أمرا لم يرده أو أراد خلافه.
مسألة:
قال [ويرفع يديه في كل تكبيرة] أجمع أهل العلم على أن المصلى على الجنائز يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها, وكان ابن عمر يرفع يديه في كل تكبيرة وبه قال سالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء, وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي, والشافعي وقال مالك والثوري وأبو حنيفة: لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات ولنا, ما روى عن ابن عمر قال: (كان رسول الله ـ ﷺ ـ يرفع يديه في كل تكبيرة) رواه ابن أبي موسى وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك ولأنها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الأولى وما ذكروه غير مسلم, فإذا رفع يديه فإنه يحطهما عند انقضاء التكبير ويضع اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات وفيما روى ابن أبي موسى (أن رسول الله ـ ﷺ ـ صلى على جنازة, فوضع يمينه على شماله).
مسألة:
قال: ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه السنة أن يسلم على الجنازة تسليمة واحدة قال - رحمه الله - : التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم وروى تسليمة واحدة عن على وابن عمر, وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس بن مالك, وابن أبي أوفي وواثلة بن الأسقع وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين, وأبو أمامة بن سهل والقاسم بن محمد والحارث, وإبراهيم النخعي والثوري وابن عيينة, وابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق وقال ابن المبارك: من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل واختار القاضي أن المستحب تسليمتان, وتسليمة واحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات ولنا ما روى عطاء بن السائب (أن النبي ـ ﷺ ـ سلم على الجنازة تسليمة واحدة) رواه الجوزجاني بإسناده, وأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا قال أحمد: ليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم قال الجوزجاني هذا عندنا لا اختلاف فيه لأن الاختلاف إنما يكون بين الأقران والأشكال, أما إذا أجمع الناس واتفقت الرواية عن الصحابة والتابعين فشذ عنهم رجل لم يقل لهذا اختلاف واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامه وأصحابه وإجماع الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنه ـم إذا ثبت هذا فإن المستحب أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه, وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس قال أحمد: يسلم تسليمة واحدة وسئل يسلم تلقاء وجهه؟ قال: كل هذا وأكثر ما روى فيه عن يمينه قيل: خفية؟ قال: نعم يعنى أن الكل جائز والتسليم عن يمينه أولى, لأنه أكثر ما روى وهو أشبه بالتسليم في سائر الصلوات قال أحمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه على بن سعيد أنه قال: إذا قال السلام عليكم أجزأه وروى الخلال بإسناده عن على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه: السلام عليكم.
فصل:
وروى عن مجاهد أنه قال: إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع قال ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه إذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال قال الأوزاعي لا تنقض الصفوف حتى ترفع الجنازة.
فصل:
والواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات, والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي ـ ﷺ ـ وأدنى دعاء للميت, وتسليمة واحدة ويشترط لها شرائط المكتوبة إلا الوقت وتسقط بعض واجباتها عن المسبوق على ما سنبين, ولا يجوز أن يصلى على الجنائز وهو راكب لأنه يفوت القيام الواجب وهذا قول أبي حنيفة والشافعي, وأبي ثور ولا أعلم فيه خلافا.
فصل:
ويستحب أن يصف في الصلاة على الجنائز ثلاثة صفوف لما روي عن مالك بن هبيرة - حمصي وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ (من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب) قال فكان مالك بن هبيرة إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة أجزاء رواه الخلال بإسناده وقال الترمذي: هذا حديث حسن قال أحمد: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين, في كل صف رجلين وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في صف رجل واحد وذكر ابن عقيل أن عطاء بن أبي رباح روى أن النبي ـ ﷺ ـ صلى على جنازة, فكانوا سبعة فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني اثنين, والثالث واحدا قال ابن عقيل ويعايا بها فيقال: أين تجدون فذا انفراده أفضل؟ ولا أحسب هذا الحديث صحيحا فإني لم أره في غير كتاب ابن عقيل, وأحمد قد صار إلى خلافه وكره أن يكون الواحد صفا ولو علم أحمد في هذا حديثا لم يعده إلى غيره والصحيح في هذا أن يجعل كل اثنين صفا.
فصل:
ويستحب تسوية الصف في الصلاة على الجنازة نص عليه أحمد وقيل لعطاء: أخذ على الناس أن يصفوا على الجنازة كما يصفون في الصلاة؟ قال: لا, قوم يدعون ويستغفرون ولم يعجب أحمد قول عطاء هذا وقال يسوون صفوفهم فإنها صلاة ولأن النبي ـ ﷺ ـ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه, وخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا متفق عليه وروى عن أبي المليح أنه صلى على جنازة, فالتفت فقال استووا لتحسن شفاعتكم.
فصل:
ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه وبهذا قال الشافعي وإسحاق, وأبو ثور وداود وكره ذلك مالك وأبو حنيفة لأنه روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له) من المسند ولنا ما روى مسلم وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنه ـا قالت: ما صلى رسول الله ـ ﷺ ـ على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد وقال سعيد: حدثنا مالك عن سالم أبي النضر قال: لما مات سعد بن أبي وقاص قالت عائشة: ـ رضي الله عنه ـا مروا به على حتى أدعو له فأنكر الناس ذلك, فقالت: ما أسرع ما نسي الناس ما صلى رسول الله ـ ﷺ ـ على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد وقال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: صلى على أبي بكر في المسجد وقال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: صلى على عمر في المسجد وهذا كان بمحضر من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فلم ينكر, فكان إجماعا ولأنها صلاة فلم يمنع منها في المسجد كسائر الصلوات وحديثهم يرويه صالح مولى التوأمة قال ابن عبد البر: من أهل العلم من لا يقبل من حديثه شيئا لضعفه, لأنه اختلط ومنهم من يقبل منه ما رواه عن ابن أبي ذئب خاصة ثم يحمل على من خيف عليه الانفجار, وتلويث المسجد.
فصل:
فأما الصلاة على الجنازة في المقبرة فعن أحمد فيها روايتان إحداهما: لا بأس بها لأن النبي ـ ﷺ ـ صلى على قبر وهو في المقبرة قال ابن المنذر ذكر نافع أنه صلى على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع صلى على عائشة أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر وفعل ذلك عمر بن عبد العزيز والرواية الثانية: يكره ذلك وروى ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص, وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي والشافعي, وإسحاق وابن المنذر لقول النبي ـ ﷺ ـ : (والأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ولأنه ليس بموضع للصلاة غير صلاة الجنازة فكرهت فيه صلاة الجنازة كالحمام.
مسألة:
قال: ومن فاته شيء من التكبير قضاه متتابعا فإن سلم مع الإمام ولم يقض, فلا بأس وجملة ذلك أن المسبوق بتكبير الصلاة في الجنازة يسن له قضاء ما فاته منها وممن قال: يقضي ما فاته سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي, والزهري وابن سيرين وقتادة, ومالك والثوري والشافعي, وإسحاق وأصحاب الرأي فإن سلم قبل القضاء فلا بأس هذا قول ابن عمر والحسن, وأيوب السختياني والأوزاعي قالوا: لا يقضي ما فات من تكبيرة الجنازة قال أحمد: إذا لم يقض لم يبال العمري عن نافع عن ابن عمر أنه لا يقضي وإن كبر متتابعا فلا بأس كذلك قال إبراهيم وقال أيضا يبادر بالتكبير قبل أن يرفع وقال أبو الخطاب إن سلم قبل أن يقضيه فهل تصح صلاته؟ على روايتين إحداهما: لا تصح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك, والشافعي لقوله عليه السلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وفي لفظ: " فاقضوا " وقياسا على سائر الصلوات ولنا قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالف, وقد روي عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفي على بعض التكبير؟ قال: (ما سمعت فكبري, وما فاتك فلا قضاء عليك) وهذا صريح ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام فلم يجب قضاء ما فاته منها كتكبيرات العيد, وحديثهم ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله في صدر الحديث: (ولا تأتوها وأنتم تسعون) وروي أنه سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه فعلم, أنه لم يرد بالحديث هذه الصلاة ثم الحديث الذي رويناه أخص منه فيجب تقديمه والقياس على سائر الصلوات لا يصح لأنه لا يقضى في شيء من الصلوات التكبير المنفرد, ثم يبطل بتكبيرات العيد إذا ثبت هذا فإنه متى قضى أتى بالتكبير متواليا لا ذكر معه كذلك قال أحمد وحكاه عن إبراهيم قال: يبادر بالتكبير متتابعا وإن لم يرفع قضى ما فاته, وإذا أدرك الإمام في الدعاء على الميت تابعه فيه فإذا سلم الإمام كبر وقرأ الفاتحة, ثم كبر وصلى على النبي ـ ﷺ ـ وكبر وسلم وقال الشافعي: متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة ثم أتى بالصلاة في الثانية ووجه الأول أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته فينبغي أن يأتي ها هنا بالقراءة على صفة ما فاته والله أعلم فصل: وإذا أدرك الإمام فيما بين تكبيرتين فعن أحمد أنه ينتظر الإمام حتى يكبر معه, وبه قال أبو حنيفة والثوري وإسحاق لأن التكبيرات كالركعات, ثم لو فاتته ركعة لم يتشاغل بقضائها وكذلك إذا فاتته تكبيرة والثانية يكبر ولا ينتظر وهو قول الشافعي لأنه في سائر الصلوات متى أدرك الإمام كبر معه, ولم ينتظر وليس هذا اشتغالا بقضاء ما فاته وإنما يصلي معه ما أدركه, فيجزئه كالذي عقيب تكبير الإمام أو يتأخر عن ذلك قليلا وعن مالك كالروايتين قال ابن المنذر: سهل أحمد في القولين جميعا ومتى أدرك الإمام في التكبيرة الأولى فكبر, وشرع في القراءة ثم كبر الإمام قبل أن يتمها فإنه يكبر, ويتابعه ويقطع القراءة كالمسبوق في بقية الصلوات إذا ركع الإمام قبل إتمام القراءة.
مسألة:
قال: [ويدخل قبره من عند رجليه إن كان أسهل عليهم] الضمير في قوله " رجليه " يعود إلى القبر أي: من عند موضع الرجلين وذلك أن المستحب أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر, ثم يسل سلا إلى القبر روي ذلك عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الأنصاري, والنخعي والشعبي والشافعي وقال أبو حنيفة توضع الجنازة على جانب القبر, مما يلي القبلة ثم يدخل القبر معترضا لأنه يروى عن على ـ رضي الله عنه ـ ولأن النخعي قال: حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وأن السل شيء أحدثه أهل المدينة ولنا ما روى الإمام أحمد, بإسناده عن عبد الله بن يزيد الأنصاري (أن الحارث أوصى أن يليه عند موته فصلى عليه ثم دخل القبر, فأدخله من رجلى القبر وقال: هذا السنة) وهذا يقتضي سنة النبي ـ ﷺ ـ وروى ابن عمر وابن عباس (أن النبي ـ ﷺ ـ سل من قبل رأسه سلا) وما ذكر عن النخعي لا يصح لأن مذهبه بخلافه ولأنه لا يجوز على العدد الكثير أن يغيروا سنة ظاهرة في الدفن إلا بسبب ظاهر, أو سلطان قاهر قال: ولم ينقل من ذلك شيء ولو ثبت فسنة النبي ـ ﷺ ـ مقدمة على فعل أهل المدينة وإن كان الأسهل عليهم أخذه من قبل القبلة أو من رأس القبر, فلا حرج فيه لأن استحباب أخذه من رجلى القبر إنما كان طلبا للسهولة عليهم, والرفق بهم فإذا كان الأسهل غيره كان مستحبا قال أحمد - رحمه الله- : كل لا بأس به.
فصل:
قال أحمد - رحمه الله- : يعمق القبر إلى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر وقال سعيد حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر, أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة ولا يعمقوا فإن ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها وذكر أبو الخطاب أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (احفروا, وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود ولأن ابن عمر أوصى بذلك في قبره, ولأنه أحرى أن لا تناله السباع وأبعد على من ينبشه والمنصوص عن أحمد أن المستحب تعميقه إلى الصدر لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق, ويخرج عن العادة وقول النبي: ـ ﷺ ـ (أعمقوا) ليس فيه بيان لقدر التعميق ولم يصح عن ابن عمر أنه أوصى بذلك في قبره ولو صح عند أبي عبد الله لم يعده إلى غيره إذا ثبت هذا, فإنه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر وقد روى زيد بن أسلم قال: وقف رسول الله ـ ﷺ ـ على قبر فقال: (اصنعوا كذا, اصنعوا كذا) ثم قال: (ما بي أن يكون يغني عنه شيئا ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم) قال معمر وبلغني أنه قال: " ولكنه أطيب لأنفس أهله " رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز.
فصل:
والسنة أن يلحد قبر الميت, كما صنع بقبر النبي ـ ﷺ ـ قال سعد بن أبي وقاص الحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله ـ ﷺ ـ رواه مسلم ومعنى اللحد, أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكانا يوضع الميت فيه فإن كانت الأرض رخوة جعل له من الحجارة شبه اللحد قال أحمد ولا أحب الشق لما روى ابن عباس أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود والنسائي, والترمذي وقال: هذا حديث غريب فإن لم يمكن اللحد شق له في الأرض ومعنى الشق أن يحفر في أرض القبر شقا يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشيء, ويضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه ويضع تحت رأسه لبنة, أو حجرا أو شيئا مرتفعا كما يصنع الحي وقد روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا جعلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض ويدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه ويسند من ورائه بتراب, لئلا ينقلب قال أحمد - رحمه الله- : ما أحب أن يجعل في القبر مضربة ولا مخدة وقد جعل في قبر النبي ـ ﷺ ـ قطيفة حمراء فإن جعلوا قطيفة فلعلة فإذا فرغوا نصبوا عليه اللبن نصبا ويسد خلله بالطين لئلا يصل إليه التراب, وإن جعل مكان اللبن قصبا فحسن لأن الشعبي قال: جعل على لحد النبي ـ ﷺ ـ طن قصب فإني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك قال الخلال: كان أبو عبد الله يميل إلى اللبن, ويختاره على القصب ثم ترك ذلك ومال إلى استحباب القصب على اللبن وأما الخشب فكرهه على كل حال ورخص فيه عند الضرورة إذا لم يوجد غيره, وأكثر الروايات عن أبى عبد الله استحباب اللبن وتقديمه على القصب لقول سعد: انصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله ـ ﷺ ـ وقول سعد أولى من قول الشعبي فإن الشعبي لم ير, ولم يحضر وأيهما فعله كان حسنا قال حنبل: قلت لأبي عبد الله: فإن لم يكن لبن؟ قال ينصب عليه القصب والحشيش وما أمكن من ذلك, ثم يهال عليه التراب.
فصل:
روى عن أحمد أنه حضر جنازة فلما ألقى عليها التراب قام إلى القبر, فحثى عليه ثلاث حثيات ثم رجع إلى مكانه وقال: قد جاء عن على وصح أنه حثى على قبر ابن مكفف وروي عنه أنه قال: إن فعل فحسن, وإن لم يفعل فلا بأس ووجه استحبابه ما روى (أن رسول الله ـ ﷺ ـ صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت من قبل رأسه فحثى عليه ثلاثا) أخرجه ابن ماجه وعن عامر بن ربيعة (أن رسول الله ـ ﷺ ـ صلى على عثمان بن مظعون فكبر عليه أربعا, ثم أتى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات وهو قائم عند رأسه) رواه الدارقطني وعن جعفر بن محمد عن أبيه (أن رسول الله ـ ﷺ ـ حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) أخرجه الشافعي في مسنده وفعله على ـ رضي الله عنه ـ وروى عن ابن عباس أنه لما دفن زيد بن ثابت حثى في قبره ثلاثا, وقال: هكذا يذهب العلم.
فصل:
ويقول حين يضعه في قبره ما روي ابن عمر (أن النبي ـ ﷺ ـ كان إذا أدخل الميت القبر قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله ـ ﷺ ـ وروى وعلى سنة رسول الله ـ ﷺ ـ ) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وروى ابن ماجه عن سعيد بن المسيب قال: (حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال: بسم الله, وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ـ ﷺ ـ فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال: اللهم أجرها من الشيطان, ومن عذاب القبر اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعد روحها, ولقها منك رضوانا قلت: يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول الله ـ ﷺ ـ أم قلته برأيك؟ قال: إني إذا لقادر على القول بل سمعته من رسول الله ـ ﷺ ـ ) وروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه كان إذا سوى على الميت قال: اللهم أسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة وذنبه عظيم, فاغفر له رواه ابن المنذر.
فصل:
إذا مات في سفينة في البحر فقال أحمد - رحمه الله - : ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعا يدفنونه فيه حبسوه يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد, فإن لم يجدوا غسل وكفن وحنط, ويصلى عليه ويثقل بشيء ويلقى في الماء وهذا قول عطاء والحسن قال الحسن: يترك في زنبيل, ويلقى في البحر وقال الشافعي: يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل فربما وقع إلى قوم يدفنونه وإن ألقوه في البحر لم يأثموا والأول أولى لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه وإلقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير والهتك, وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا وربما وقع إلى قوم من المشركين فكان ما ذكرناه أولى.
مسألة:
قال: [والمرأة يخمر قبرها بثوب] لا نعلم في استحباب هذا بين أهل العلم خلافا وقد روى ابن سيرين, أن عمر كان يغطى قبر المرأة وروى عن على أنه مر بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: إنما يصنع هذا بالنساء وشهد أنس بن مالك دفن أبى زيد الأنصاري فخمر القبر بثوب فقال عبد الله بن أنس: ارفعوا الثوب, إنما يخمر قبر النساء وأنس شاهد على شفير القبر لا ينكر ولأن المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون, فإن كان الميت رجلا كره ستر قبره لما ذكرنا وكرهه عبد الله بن يزيد ولم يكرهه أصحاب الرأي وأبو ثور والأول أولى لأن فعل على ـ رضي الله عنه ـ وأنس يدل على كراهته ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ
مسألة:
قال: [ويدخلها محرمها, فإن لم يكن فالنساء فإن لم يكن فالمشايخ] لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها, ولها السفر معه وقد روى الخلال بإسناده عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قام عند منبر رسول الله ـ ﷺ ـ حين توفيت زينب بنت جحش فقال: ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها فأرسلن من كان يحل له الدخول عليها في حياتها فرأيت أن قد صدقن ولما توفيت امرأة عمر قال لأهلها: أنتم أحق بها ولأن محرمها أولى الناس بولايتها في الحياة فكذلك بعد الموت وظاهر كلام أحمد أن الأقارب يقدمون على الزوج قال الخلال: استقامت الرواية عن أبى عبد الله أنه إذا حضر الأولياء والزوج, فالأولياء أحب إليه فإن لم يكن الأولياء فالزوج أحق من الغريب لما ذكرنا من خبر عمر ولأن الزوج قد زالت زوجيته بموتها والقرابة باقية وقال القاضي: الزوج أحق من الأولياء, لأن أبا بكر أدخل امرأته قبرها دون أقاربها ولأنه أحق بغسلها منهم فكان أولى بإدخالها قبرها, كمحل الوفاق وأيهما قدم فالآخر بعده فإن لم يكن واحد منهما فقد روى عن أحمد أنه قال: أحب إلى أن يدخلها النساء لأنه مباح لهن النظر إليها, وهن أحق بغسلها وعلى هذا يقدم الأقرب منهن فالأقرب كما في حق الرجل وروى عنه أن النساء لا يستطعن أن يدخلن القبر ولا يدفن وهذا أصح وأحسن لأن النبي ـ ﷺ ـ حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها وروى أن النبي ـ ﷺ ـ قال (أيكم لم يقارف الليلة؟ قال أبو طلحة: أنا فأمره النبي ـ ﷺ ـ فنزل فأدخلها قبرها) رواه البخاري ورأى النبي ـ ﷺ ـ النساء في جنازة, فقال: " هل تحملن؟ " قلن: لا قال: " هل تدلين في من يدلى؟ " قلن: لا قال: (فارجعن مأزورات غير مأجورات) رواه ابن ماجه وهذا استفهام إنكار فدل على أن ذلك غير مشروع لهن بحال وكيف يشرع لهن وقد نهاهن رسول الله ـ ﷺ ـ عن اتباع الجنائز؟ ولأن ذلك لو كان مشروعا لفعل في عصر النبي ـ ﷺ ـ أو خلفائه ولنقل عن بعض الأئمة, ولأن الجنازة يحضرها جموع الرجال وفي نزول النساء في القبر بين أيديهم هتك لهن مع عجزهن عن الدفن, وضعفهن عن حمل الميتة وتقليبها فلا يشرع لكن إن عدم محرمها استحب ذلك للمشايخ لأنهم أقل شهوة وأبعد من الفتنة, وكذلك من يليهم من فضلاء الناس وأهل الدين لأن النبي ـ ﷺ ـ أمر أبا طلحة فنزل في قبر ابنته دون غيره.
فصل:
فأما الرجل فأولى الناس بدفنه أولاهم بالصلاة عليه من أقاربه لأن القصد طلب الحظ للميت والرفق به قال على: ـ رضي الله عنه ـ إنما يلي الرجل أهله ولما توفي النبي ـ ﷺ ـ ألحده العباس, وعلى وأسامة رواه أبو داود ولا توقيف في عدد من يدخل القبر نص عليه أحمد فعلى هذا يكون عددهم على حسب حال الميت وحاجته وما هو أسهل في أمره وقال القاضي: يستحب أن يكون وترا لأن النبي ـ ﷺ ـ ألحده ثلاثة ولعل هذا كان اتفاقا أو لحاجتهم إليه وقد روى أبو داود عن أبى مرحب أن عبد الرحمن بن عوف نزل في قبر النبي ـ ﷺ ـ قال: كأنى أنظر إليهم أربعة وإذا كان المتولى فقيها كان حسنا لأنه محتاج إلى معرفة ما يصنعه في القبر.
مسألة:
قال [ولا يشق الكفن في القبر, وتحل العقد] أما شق الكفن فغير جائز لأنه إتلاف مستغنى عنه ولم يرد الشرع به, وقد قال النبي: ـ ﷺ ـ (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم وتخريقه يتلفه ويذهب بحسنه وأما حل العقد من عند رأسه ورجليه فمستحب لأن عقدها كان للخوف من انتشارها, وقد أمن ذلك بدفنه وقد روى (أن النبي ـ ﷺ ـ لما أدخل نعيم بن مسعود الأشجعى القبر نزع الأخلة بفيه) وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب نحو ذلك.
مسألة:
قال: " ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا, ولا شيئا مسته النار " قد ذكرنا أن اللبن والقصب مستحب وكره أحمد الخشب وقال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب ولا يستحب الدفن في تابوت لأنه لم ينقل عن النبي ـ ﷺ ـ ولا أصحابه وفيه تشبه بأهل الدنيا, والأرض أنشف لفضلاته ويكره الآجر لأنه من بناء المترفين وسائر ما مسته النار تفاؤلا بأن لا تمسه النار.
فصل:
وإذا فرغ من اللحد أهال عليه التراب, ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم على صاحبه وروى الساجي عن جابر أن النبي ـ ﷺ ـ رفع قبره عن الأرض قدر شبر وروى القاسم بن محمد, قال: قلت لعائشة: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله ـ ﷺ ـ وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رواه أبو داود ولا يستحب رفعه بأكثر من ترابه نص عليه أحمد, وروى بإسناده عن عقبة بن عامر أنه قال: " لا يجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه حين حفر وروى الخلال بإسناده عن جابر قال: (نهى رسول الله ـ ﷺ ـ أن يزاد على القبر على حفرته) ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا لقول النبي ـ ﷺ ـ لعلي, ـ رضي الله عنه ـ: (لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته) رواه مسلم وغيره والمشرف ما رفع كثيرا بدليل قول القاسم في صفة قبر النبي ـ ﷺ ـ وصاحبيه: لا مشرفة, ولا لاطئة ويستحب أن يرش على القبر ماء ليلتزق ترابه قال أبو رافع (سل رسول الله ـ ﷺ ـ سعدا ورش على قبره ماء) رواه ابن ماجه وعن جابر (أن رسول الله ـ ﷺ ـ رش على قبره ماء) رواهما الخلال جميعا.
فصل:
ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة قال أحمد لا بأس أن يعلم الرجل القبر علامة يعرفه بها وقد علم النبي ـ ﷺ ـ قبر عثمان بن مظعون وروى أبو داود بإسناده عن المطلب قال: (لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن, أمر النبي ـ ﷺ ـ رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله فقام رسول الله ـ ﷺ ـ فحسر عن ذراعيه ثم حملها, فوضعها عند رأسه وقال: أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله) ورواه ابن ماجه عن النبي ـ ﷺ ـ من رواية أنس.
فصل:
وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه وبه قال مالك وأبو حنيفة, والثوري وقال الشافعي: تسطيحه أفضل قال: وبلغنا أن رسول الله ـ ﷺ ـ سطح قبر ابنه إبراهيم وعن القاسم قال: رأيت قبر النبي ـ ﷺ ـ وأبي بكر وعمر مسطحة ولنا ما روى سفيان التمار أنه قال: رأيت قبر النبي ـ ﷺ ـ مسنما رواه البخاري بإسناده وعن الحسن مثله ولأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا وهو أشبه بشعار أهل البدع, فكان مكروها وحديثنا أثبت من حديثهم وأصح فكان العمل به أولى.
فصل:
وسئل أحمد عن الوقوف على القبر بعدما يدفن يدعو للميت؟ قال: لا بأس به, قد وقف علي والأحنف بن قيس وروى أبو داود بإسناده عن عثمان قال (كان النبي ـ ﷺ ـ إذا دفن الرجل وقف عليه, فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وروى الخلال بإسناده ومسلم والبخاري عن السرى قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة, قال: اجلسوا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم فإني أستأنس بكم.
فصل:
فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن أحمد شيئا, ولا أعلم فيه للأئمة قولا سوى ما رواه الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل, ويقول: يا فلان بن فلانة اذكر ما فارقت عليه شهادة أن لا إله إلا الله؟ فقال: ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام, حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذاك قال: وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم, أنهم كانوا يفعلونه وكان ابن عياش يروي فيه ثم قال فيه: إنما لأثبت عذاب القبر قال القاضي, وأبو الخطاب: يستحب ذلك ورويا فيه عن أبي أمامة الباهلي أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقف أحدكم عند رأس قبره, ثم ليقل: يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل: يا فلان بن فلانة الثانية, فيستوي قاعدا ثم ليقل: يا فلان بن فلانة فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله, ولكن لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ـ ﷺ ـ نبيا, وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله تعالى حجته دونهما فقال رجل: يا رسول الله, فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: فلينسبه إلى حواء) رواه ابن شاهين في [كتاب ذكر الموت] بإسناده.
فصل:
سئل أحمد عن تطيين القبور فقال: أرجو أن لا يكون به بأس ورخص في ذلك الحسن والشافعي وروى أحمد بإسناده عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتعاهد قبر عاصم بن عمر قال نافع وتوفي ابن له وهو غائب, فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه وروى عن الحسن, عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ـ ﷺ ـ (لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره أو قال: ما لم يطو قبره).
فصل:
ويكره البناء على القبر وتجصيصه, والكتابة عليه لما روى مسلم في " صحيحه " قال: (نهى رسول الله ـ ﷺ ـ أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه) زاد الترمذي وأن يكتب عليه وقال: هذا حديث حسن صحيح ولأن ذلك من زينة الدنيا, فلا حاجة بالميت إليه وفي هذا الحديث دليل على الرخصة في طين القبر لتخصيصه التجصيص بالنهي ونهى عمر بن عبد العزيز أن يبنى على القبر بآجر وأوصى بذلك وأوصى الأسود بن يزيد أن لا تجعلوا على قبري آجرا وقال إبراهيم كانوا يكرهون الآجر في قبورهم وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط وأوصى أبو هريرة حين حضره الموت أن لا تضربوا على فسطاطا.
فصل:
ويكره الجلوس على القبر, والاتكاء عليه والاستناد إليه والمشي عليه, والتغوط بين القبور لما تقدم من حديث جابر وفي حديث أبي مرثد الغنوي: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) صحيح وذكر لأحمد أن مالكا يتأول حديث النبي ـ ﷺ ـ أنه نهى أن يجلس على القبور أي للخلاء فقال: ليس هذا بشيء ولم يعجبه رأى مالك وروى الخلال بإسناده عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ (لأن أطأ على جمرة, أو سيف أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالى أوسط القبور قضيت حاجتي, أو وسط السوق) رواه ابن ماجه.
فصل:
ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي: ـ ﷺ ـ (لعن الله زوارات القبور المتخذات عليهن المساجد والسرج) رواه أبو داود والنسائي, ولفظه: لعن رسول الله ـ ﷺ ـ ولو أبيح لم يلعن النبي ـ ﷺ ـ من فعله ولأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة وإفراطا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (لعن الله اليهود, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله ـ ﷺ ـ لئلا يتخذ مسجدا ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها, وقد روينا أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها, والصلاة عندها.
فصل:
والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبى عبد الله من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له, والترحم عليه ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى فإن قيل: فالنبي ـ ﷺ ـ قبر في بيته وقبر صاحباه معه؟ قلنا: قالت عائشة إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا رواه البخاري ولأن النبي ـ ﷺ ـ كان يدفن أصحابه في البقيع وفعله أولى من فعل غيره, وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روي: " يدفن الأنبياء حيث يموتون " وصيانة لهم عن كثرة الطراق وتمييزا له عن غيره.
فصل:
ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء لتناله بركتهم وكذلك في البقاع الشريفة وقد روى البخاري ومسلم بإسنادهما (أن موسى - عليه السلام - لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر, قال النبي ـ ﷺ ـ : لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر).
فصل:
وجمع الأقارب في الدفن حسن لقول النبي ـ ﷺ ـ (لما دفن عثمان بن مظعون أدفن إليه من مات من أهله) ولأن ذلك أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم ويسن تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة إذا أمكن.
فصل:
ويستحب دفن الشهيد حيث قتل قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (ادفنوا القتلى في مصارعهم) وروى ابن ماجه أن رسول الله ـ ﷺ ـ أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح وهذا مذهب الأوزاعي, وابن المنذر قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة فحمل إلى مكة فدفن فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت, ولو شهدتك ما زرتك ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز وقال أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا وسئل الزهري عن ذلك فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة وقال ابن عيينة مات ابن عمر هنا, فأوصى أن لا يدفن ها هنا وأن يدفن بسرف.
فصل:
وإذا تنازع اثنان من الورثة فقال أحدهما: يدفن في المقبرة المسبلة وقال الآخر: يدفن في ملكه دفن في المسبلة لأنه لا منة فيه, وهو أقل ضررا على الوارث فإن تشاحا في الكفن قدم قول من قال: نكفنه من ملكه لأن ضرره على الوارث بلحوق المنة وتكفينه من ماله قليل الضرر وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره قال: يدفن في المقابر مع المسلمين, إن دفن في داره أضر بالورثة وقال: لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه فعل ذلك عثمان بن عفان, وعائشة وعمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـم
فصل:
وإذا تشاح اثنان في الدفن في المقبرة المسبلة قدم أسبقهما, كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد فإن تساويا أقرع بينهما.
فصل:
وإن تيقن أن الميت قد بلي وصار رميما, جاز نبش قبره ودفن غيره فيه وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة فإن حفر فوجد فيها عظاما دفنها, وحفر في مكان آخر نص عليه أحمد واستدل بأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي وسئل أحمد عن الميت يخرج من قبره إلى غيره فقال: إذا كان شيء يؤذيه قد حول طلحة وحولت عائشة وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة فقال: قد نبش معاذ امرأته, وقد كانت كفنت في خلقين فكفنها ولم ير أبو عبد الله بأسا أن يحولوا.
مسألة:
قال: [ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر] وجملة ذلك أن من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن, فإن دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ وغيرهم روي ذلك عن أبي موسى, وابن عمر وعائشة ـ رضي الله عنه ـم وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وقال النخعي, والثوري ومالك وأبو حنيفة: لا تعاد الصلاة على الميت إلا للولي إذا كان غائبا, ولا يصلي على القبر إلا كذلك ولو جاز ذلك لكان قبر النبي ـ ﷺ ـ يصلى عليه في جميع الأعصار ولنا ما روى (أن النبي ـ ﷺ ـ ذكر رجلا مات, فقال: فدلوني على قبره فأتى قبره فصلى عليه) متفق عليه وعن ابن عباس (أنه مر مع النبي ـ ﷺ ـ على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه) قال أحمد ـ رحمه الله ـ : ومن شك في الصلاة على القبر يروى عن النبي ـ ﷺ ـ من ستة وجوه كلها حسان ولأنه من أهل الصلاة, فيسن له الصلاة على القبر كالولي وقبر النبي ـ ﷺ ـ لا يصلى عليه لأنه لا يصلى على القبر بعد شهر.
فصل:
ومن صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها وإذا صلى على الجنازة مرة لم توضع لأحد يصلى عليها قال القاضي: لا يحسن بعد الصلاة عليه, ويبادر بدفنه فإن رجي مجيء الولى آخر إلى أن يجيء إلا أن يخاف تغيره قال ابن عقيل: لا ينتظر به أحد لأن النبي ـ ﷺ ـ قال في طلحة بن البراء (اعجلوا به, فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) فأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلي عليها فعل ذلك علي, وأنس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة ومعمر بن سمير.
فصل:
ويصلى على القبر, وتعاد الصلاة عليه قبل الدفن جماعة وفرادى نص عليهما أحمد وقال: وما بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ وفي حديث ابن عباس قال (انتهى النبي ـ ﷺ ـ إلى قبر رطب فصفوا خلفه, وكبر أربعا) متفق عليه.
فصل:
فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر قال: وهذا اختيار أبي حفص البرمكي لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه أو على قبره وصلى أبو عبد الله بن حامد على ميت مات في أحد جانبي بغداد وهو في الجانب الآخر لأنه غائب, فجازت الصلاة عليه كالغائب في بلد آخر وهذا منتقض بما إذا كان معه في هذا الجانب.
فصل:
وتتوقف الصلاة على الغائب بشهر, كالصلاة على القبر لأنه لا يعلم بقاؤه من غير تلاش أكثر من ذلك وقال ابن عقيل في أكيل السبع والمحترق بالنار: يحتمل أن لا يصلى عليه لذهابه بخلاف الضائع والغريق فإنه قد بقي منه ما يصلى عليه ويصلى عليه إذا غرق قبل الغسل, كالغائب في بلد بعيد لأن الغسل تعذر لمانع أشبه الحي إذا عجز عن الغسل والتيمم صلى على حسب حاله.
مسألة:
قال [وإن كبر الإمام خمسا كبر بتكبيره] لا يختلف المذهب أنه لا يجوز الزيادة على سبع تكبيرات, ولا أنقص من أربع والأولى أربع لا يزاد عليها واختلفت الرواية فيما بين ذلك, فظاهر كلام الخرقي أن الإمام إذا كبر خمسا تابعه المأموم ولا يتابعه في زيادة عليها رواه الأثرم عن أحمد وروي حرب عن أحمد إذا كبر خمسا لا يكبر معه, ولا يسلم إلا مع الإمام قال الخلال: وكل من روى عن أبى عبد الله يخالفه وممن لم ير متابعة الإمام في زيادة على أربع الثوري ومالك وأبو حنيفة, والشافعي واختارها ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها, كالقنوت في الركعة الأولى ولنا: ما روى عن زيد بن أرقم أنه (كبر على جنازة خمسا وقال: كان النبي ـ ﷺ ـ يكبرها) أخرجه مسلم وسعيد بن منصور وغيرهما وفي رواية سعيد: فسئل عن ذلك فقال: سنة رسول الله ـ ﷺ ـ وقال سعيد: ثنا خالد بن عبد الله عن يحيى الجابري عن عيسى مولى لحذيفة, أنه كبر على جنازة خمسا فقيل له فقال: مولاى وولى نعمتى صلى على جنازة وكبر عليها خمسا وذكر حذيفة أن النبي ـ ﷺ ـ فعل ذلك وروى بإسناده أن عليا صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه خمسا وكان أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا وروى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب قال: كل ذلك قد كان أربعا وخمسا وأمر الناس بأربع قال أحمد في إسناد حديث زيد بن أرقم: إسناد جيد رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن زيد بن أرقم ومعلوم أن المصلين معه كانوا يتابعونه وروى الأثرم عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يكبر على أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ غير أهل بدر خمسا وعلى سائر الناس أربعا وهذا أولى مما ذكروه فأما إن زاد الإمام عن خمس فعن أحمد أنه يكبر مع الإمام إلى سبع قال الخلال: ثبت القول عن أبي عبد الله أنه يكبر مع الإمام إلى سبع, ثم لا يزاد على سبع ولا يسلم إلا مع الإمام وهذا قول بكر بن عبد الله المزني وقال عبد الله بن مسعود كبر ما كبر إمامك فإنه لا وقت ولا عدد ووجه ذلك ما روى (أن النبي ـ ﷺ ـ كبر على حمزة سبعا) رواه ابن شاهين وكبر على على جنازة أبي قتادة سبعا وعلى سهل بن حنيف ستا وقال: إنه بدري وروي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ جمع الناس فاستشارهم, فقال بعضهم: كبر النبي ـ ﷺ ـ سبعا وقال بعضهم: خمسا وقال بعضهم: أربعا فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال: هو أطول الصلاة وقال الحكم بن عتيبة: إن عليا ـ رضي الله عنه ـ صلى على سهل بن حنيف, فكبر عليه ستا وكانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا فإن زاد على سبع لم يتابعه نص عليه أحمد وقال في رواية أبي داود: إن زاد على سبع ينبغي أن يسبح به, ولا أعلم أحدا قال بالزيادة على سبع إلا عبد الله بن مسعود فإن علقمة روى أن أصحاب عبد الله قالوا له: إن أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا فلو وقت لنا وقتا فقال: إذا تقدمكم إمامكم فكبروا ما يكبر فإنه لا وقت ولا عدد رواه سعيد والأثرم والصحيح أنه لا يزاد على سبع لأنه لم ينقل ذلك من فعل النبي ـ ﷺ ـ ولا أحد من الصحابة, ولكن لا يسلم حتى يسلم إمامه قال ابن عقيل لا يختلف قول أحمد إذا كبر الإمام زيادة على أربع أنه لا يسلم قبل إمامه على الروايات الثلاث, بل يتبعه ويقف فيسلم معه قال الخلال العمل في نص قوله وما ثبت عنه أنه يكبر ما كبر الإمام إلى سبع وإن زاد على سبع فلا ولا يسلم إلا مع الإمام وهو مذهب الشافعي في أنه لا يسلم قبل إمامه وقال الثوري, وأبو حنيفة ينصرف كما لو قام الإمام إلى خامسة فارقه, ولم ينتظر تسليمه قال أبو عبد الله: ما أعجب حال الكوفيين سفيان ينصرف إذا كبر الرابعة والنبي ـ ﷺ ـ كبر خمسا وفعله زيد بن أرقم وحذيفة وقال ابن مسعود كبر ما كبر إمامك ولأن هذه زيادة قول مختلف فيه, فلا يسلم قبل إمامه إذا اشتغل به كما لو صلى خلف من يقنت في صلاة يخالفه الإمام في القنوت فيها ويخالف ما قاسوا عليه من وجهين: أحدهما أن الركعة الخامسة لا خلاف فيها والثاني, أنها فعل والتكبيرة الزائدة بخلافها وكل تكبيرة قلنا يتابع الإمام فيها فله فعلها, وما لا فلا.
فصل:
والأفضل أن لا يزيد على أربع لأن فيه خروجا من الخلاف وأكثر أهل العلم يرون التكبير أربعا منهم عمر وابنه وزيد بن ثابت وجابر, وابن أبي أوفي والحسن بن علي والبراء بن عازب, وأبو هريرة وعقبة بن عامر وابن الحنفية وعطاء, والأوزاعي وهو قول مالك وأبي حنيفة, والثوري والشافعي لأن النبي ـ ﷺ ـ كبر على النجاشي أربعا متفق عليه وكبر على قبر بعدما دفن أربعا وجمع عمر الناس على أربع ولأن أكثر الفرائض لا تزيد على أربع, ولا يجوز النقصان منها وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثا ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال: قد كبر أنس ثلاثا ناسيا فأعاد ولأنه خلاف ما نقل عن النبي ـ ﷺ ـ ولأن الصلاة الرباعية إذا نقص منها ركعة بطلت كذلك ها هنا فإن نقص منها تكبيرة عامدا بطلت, كما لو ترك ركعة عمدا وإن تركها سهوا احتمل أن يعيدها كما فعل أنس ويحتمل أن يكبرها, ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين.
فصل:
قال أحمد - رحمه الله - : يكبر على الجنازة فيجيئون بأخرى, يكبر إلى سبع ثم يقطع ولا يزيد على ذلك حتى ترفع الأربع قال أصحابنا: إذا كبر على جنازة ثم جيء بأخرى, كبر الثانية عليهما وينويهما فإن جيء بثالثة كبر الثالثة عليهن ونواهن, فإن جيء برابعة كبر الرابعة عليهن ونواهن ثم يكمل التكبير عليهن إلى سبع, ليحصل للرابعة أربع تكبيرات إذ لا يجوز النقصان منهن ويحصل للأولى سبع, وهو أكثر ما ينتهى إليه التكبير فإن جيء بخامسة لم ينوها بالتكبير وإن نواها لم يجز لأنه دائر بين أن يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع, وكلاهما لا يجوز وهكذا لو جيء بثانية بعد الرابعة لم يجز أن يكبر عليها الخامسة لما بينا فإن أراد أهل الجنازة الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز لأن السلام ركن لا تتم الصلاة إلا به إذا تقرر هذا, فإنه يقرأ في التكبيرة الخامسة الفاتحة وفي السادسة يصلى على النبي ـ ﷺ ـ ويدعو في السابعة ليكمل لجميع الجنائز القراءة والأذكار كما كمل لهن التكبيرات وذكر ابن عقيل وجها ثانيا قال: ويحتمل أن يكبر ما زاد على الأربع متتابعا, كما قلنا في القضاء للمسبوق ولأن النبي ـ ﷺ ـ كبر سبعا ومعلوم أنه لم يرو أنه قرأ قراءتين والأول أصح لأن الثانية وما بعدها جنائز, فيعتبر في الصلاة عليهن شروط الصلاة وواجباتها كالأولى.
مسألة:
قال: [والإمام يقوم عند صدر الرجل ووسط المرأة] لا يختلف المذهب في أن السنة أن يقوم الإمام في صلاة الجنازة حذاء وسط المرأة, وعند صدر الرجل أو عند منكبيه وإن وقف في غير هذا الموقف خالف سنة الموقف وأجزأه وهذا قول إسحاق, ونحوه قول الشافعي إلا أن بعض أصحابه قال: يقوم عند رأس الرجل وهو مذهب أبي يوسف ومحمد لما روي عن أنس (أنه صلى على رجل فقام عند رأسه, ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم فلما فرغ, قال: احفظوا) قال الترمذي: هذا حديث حسن وقال أبو حنيفة: يقوم عند صدر الرجل والمرأة لأنهما سواء فإذا وقف عند صدر الرجل فكذا المرأة وقال مالك: يقف من الرجل عند وسطه لأنه يروى مثل هذا عن ابن مسعود ويقف من المرأة عند منكبيها لأن الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم ولنا, ما روى سمرة قال: (صليت وراء النبي ـ ﷺ ـ على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) متفق عليه وحديث أنس الذي ذكرناه والمرأة تخالف الرجل في الموقف, فجاز أن تخالفه ها هنا ولأن قيامه عند وسط المرأة أستر لها من الناس فكان أولى فأما قول من قال: يقف عند رأس الرجل فغير مخالف لقول من قال بالوقوف عند الصدر لأنهما متقاربان فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر, والله أعلم. فصل: فإن اجتمع جنائز رجال ونساء فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما يسوى بين رءوسهم وهذا اختيار القاضي, وقول إبراهيم وأهل مكة ومذهب أبي حنيفة لأنه يروي عن ابن عمر أنه كان يسوي بين رءوسهم وروى سعيد, بإسناده عن الشعبي أن أم كلثوم بنت على وابنها زيد بن عمر توفيا جميعا فأخرجت جنازتاهما, فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رءوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما وبإسناده عن حبيب بن أبي ثابت قال: قدم سعيد بن جبير على أهل مكة, وهم يسوون بين الرجل والمرأة إذا صلى عليهما فأرادهم على أن يجعلوا رأس المرأة عند وسط الرجل فأبوا عليه والرواية الثانية, أن يصف الرجال صفا والنساء صفا ويجعل وسط النساء عند صدور الرجال وهذا اختيار أبي الخطاب ليكون موقف الإمام عند صدر الرجل ووسط المرأة وقال سعيد: حدثني خالد بن يزيد بن أبى مالك الدمشقي قال: حدثني أبي قال: رأيت واثلة بن الأسقع يصلي على جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت, فيصف الرجال صفا ثم يصف النساء خلف الرجال رأس أول امرأة يضعها عند ركبة آخر الرجال, ثم يصفهن ثم يقوم وسط الرجال وإذا كانوا رجالا كلهم صفهم, ثم قام وسطهم وهذا يشبه مذهب مالك وقول سعيد بن جبير وما ذكرناه أولى لأنه مدلول عليه بفعل النبي ـ ﷺ ـ ولا حجة في قول أحد خالف فعله أو قوله والله أعلم.
مسألة:
قال: [ولا يصلى على القبر بعد شهر] وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم: يصلى عليه أبدا واختاره ابن عقيل لأن النبي ـ ﷺ ـ صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين حديث صحيح, متفق عليه وقال بعضهم يصلى عليه ما لم يبل جسده وقال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي إلى ثلاث ولا يصلي عليه غيره بحال وقال إسحاق: يصلي عليه الغائب إلى شهر والحاضر إلى ثلاث ولنا, ما روى سعيد بن المسيب (أن أم سعد ماتت والنبي ـ ﷺ ـ غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر) أخرجه الترمذي وقال أحمد: أكثر ما سمعنا أن النبي ـ ﷺ ـ صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت فيها, فجازت الصلاة عليه فيها كما قبل الثلاث وكالغائب, وتجويز الصلاة عليه مطلقا باطل بقبر النبي ـ ﷺ ـ فإنه لا يصلى عليه الآن اتفاقا وكذلك التحديد ببلى الميت فإن النبي ـ ﷺ ـ لا يبلى, ولا يصلى على قبره فإن قيل: فالخبر دل على الجواز بعد شهر فكيف منعتموه؟ قلنا: تحديده بالشهر دليل على أن صلاة النبي ـ ﷺ ـ كانت عند رأسه ليكون مقاربا للحد, وتجوز الصلاة بعد الشهر قريبا منه لدلالة الخبر عليه ولا يجوز بعد ذلك لعدم وروده.
مسألة:
قال: (وإذا تشاح الورثة في الكفن جعل بثلاثين درهما, فإن كان موسرا فبخمسين) وجملة ذلك أنه يستحب تحسين كفن الميت بدليل ما روى مسلم أن النبي ـ ﷺ ـ ذكر رجلا من أصحابه قبض, فكفن في كفن غير طائل فقال: (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) ويستحب تكفينه في البياض لقول رسول الله ـ ﷺ ـ : (البسوا من ثيابكم البياض فإنه أطهر وأطيب, وكفنوا فيها موتاكم) رواه النسائي وكفن رسول الله ـ ﷺ ـ في ثلاثة أثواب سحولية وإن تشاح الورثة في الكفن جعل كفنه بحسب حاله إن كان موسرا كان كفنه رفيعا حسنا, ويجعل على حسب ما كان يلبس في حال الحياة وإن كان دون ذلك فعلى حسب حاله وقول الخرقي: " جعل بثلاثين درهما وإن كان موسرا فبخمسين " ليس هو على سبيل التحديد, إذ لم يرد فيه نص ولا فيه إجماع والتحديد إنما يكون بأحدهما, وإنما هو تقريب فلعله كان يحصل الجيد والمتوسط في وقته بالقدر الذي ذكره وقد روى عن ابن مسعود, أنه أوصى أن يكفن بنحو من ثلاثين درهما والمستحب أن يكفن في جديد إلا أن يوصي الميت بغير ذلك فتمتثل وصيته كما روي عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: كفنوني في ثوبي هذين, فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هما للمهنة والتراب وذهب ابن عقيل إلى أن التكفين في الخليع أولى لهذا الخبر والأول أولى لدلالة قول النبي ـ ﷺ ـ وفعل أصحابه عليه.
فصل:
ويجب كفن الميت لأن النبي ـ ﷺ ـ أمر به, ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله مقدما على الدين والوصية والميراث لأن حمزة ومصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ ما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب, فكفن فيه ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت ولا ينتقل إلى الوارث من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية, وكذلك مئونة دفنه وتجهيزه وما لا بد للميت منه فأما الحنوط والطيب, فليس بواجب ذكره أبو عبد الله بن حامد ولأنه لا يجب في الحياة فكذلك بعد الموت وقال القاضي: يحتمل أنه واجب لأنه مما جرت العادة به وليس بصحيح فإن العادة جرت بتحسين الكفن وليس بواجب.
فصل:
وكفن المرأة ومئونة دفنها من مالها إن كان لها مال وهذا قول الشعبي, وأبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم: يجب على الزوج واختلفوا عن مالك فيه واحتجوا بأن كسوتها ونفقتها واجبة عليه فوجب عليه كفنها كسيد العبد والوالد ولنا, أن النفقة والكسوة تجب في النكاح للتمكن من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت, فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه بالموت فأشبهت الأجنبية وفارقت المملوك, فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانتفاع ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والولد تجب نفقته بالقرابة ولا يبطل ذلك بالموت بدليل أن السيد والوالد أحق بدفنه وتوليه إذا تقرر هذا فإنه إن لم يكن لها مال, فعلى من تلزمه نفقتها من الأقارب فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها.
مسألة:
قال: والسقط إذا ولد لأكثر من أربعة أشهر, غسل وصلى عليه السقط: الولد تضعه المرأة ميتا أو لغير تمام, فأما إن خرج حيا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل صلى عليه وإن لم يستهل, فقال أحمد: إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصلى عليه وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحاق, وصلى ابن عمر على ابن لابنته ولد ميتا وقال الحسن وإبراهيم والحكم وحماد, ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يصلي عليه حتى يستهل وللشافعي قولان كالمذهبين لما روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (الطفل لا يصلى عليه ولا يرث, ولا يورث حتى يستهل) رواه الترمذي ولأنه لم يثبت له حكم الحياة ولا يرث ولا يورث, فلا يصلى عليه كمن دون أربعة أشهر ولنا ما روى المغيرة, أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (والسقط يصلى عليه) رواه أبو داود والترمذي وفي لفظ رواية الترمذي: [والطفل يصلى عليه] وقال: هذا حديث حسن صحيح وذكره أحمد واحتج به وبحديث أبى بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: ما أحد أحق أن يصلى عليه من الطفل, ولأنه نسمة نفخ فيه الروح فيصلى عليه كالمستهل فإن النبي ـ ﷺ ـ أخبر في حديثه الصادق المصدوق أنه ينفخ فيه الروح لأربعة أشهر وحديثهم, قال الترمذي: قد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم موقوفا قال الترمذي: كأن هذا أصح من المرفوع وأما الإرث فلأنه لا تعلم حياته حال موت مورثه وذلك من شرط الإرث والصلاة من شرطها أن تصادف من كانت فيه حياة, وقد علم ذلك بما ذكرنا من الحديث ولأن الصلاة عليه دعاء له ولوالديه وخير, فلا يحتاج فيها إلى الاحتياط واليقين لوجود الحياة بخلاف الميراث فأما من لم يأت له أربعة أشهر فإنه لا يغسل, ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن ولا نعلم فيه خلافا, إلا عن ابن سيرين فإنه قال: يصلى عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح وحديث الصادق المصدوق يدل على أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد أربعة أشهر وقبل ذلك فلا يكون نسمة, فلا يصلى عليه كالجمادات والدم.
مسألة:
قال: [فإن لم يتبين أذكر هو أم أنثى, سمى اسما يصلح للذكر والأنثى] هذا على سبيل الاستحباب لأنه يروى عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال (سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم) رواه ابن السماك بإسناده قيل: إنهم إنما يسمون ليدعوا يوم القيامة بأسمائهم فإذا لم يعلم هل السقط ذكر أو أنثى سمى اسما يصلح لهما جميعا كسلمة, وقتادة وسعادة وهند, وعتبة وهبة الله ونحو ذلك.
مسألة:
قال: وتغسل المرأة زوجها قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله ـ ﷺ ـ إلا نساؤه رواه أبو داود وأوصى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس وكانت صائمة, فعزم عليها أن تفطر فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه فقالت: لا أتبعه اليوم حنثا فدعت بماء فشربت وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله, وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس.
مسألة:
قال: وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس المشهور عن أحمد أن للزوج غسل امرأته وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود, وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن, وقتادة وحماد ومالك, والأوزاعي والشافعي وإسحاق وعن أحمد رواية ثانية, ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها, فحرمت النظر واللمس كالطلاق ولنا ما روي ابن المنذر أن عليا ـ رضي الله عنه ـ غسل فاطمة ـ رضي الله عنه ـا واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكروه, فكان إجماعا ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال لعائشة: ـ رضي الله عنه ـا (لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك) رواه ابن ماجه والأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة وحمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص ولأنه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كالآخر, والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه, لما بينهما من المودة والرحمة وما قاسوا عليه لا يصح لأنه يمنع الزوجة من النظر وهذا بخلافه, ولأنه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة ولا أثر لها بدليل, ما لو مات المطلق ثلاثا فإنه لا يجوز لها غسله مع العدة ولأن المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله ولا عدة عليها وقول الخرقي وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس " يعني به, أنه يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه لما فيه من الخلاف والشبهة ولم يرد أنه محرم فإن غسلها لو كان محرما لم تبحه الضرورة, كغسل ذوات محارمه والأجنبيات.
فصل:
فإن طلق امرأته ثم مات أحدهما في العدة وكان الطلاق رجعيا, فحكمهما حكم الزوجين قبل الطلاق لأنها زوجة تعتد للوفاة وترثه ويرثها ويباح له وطؤها وإن كان بائنا لم يجز لأن اللمس والنظر محرم حال الحياة, فبعد الموت أولى وإن قلنا: إن الرجعية محرمة لم يبح لأحدهما غسل صاحبه لما ذكرناه.
فصل:
وحكم أم الولد حكم المرأة فيما ذكرنا وقال ابن عقيل: يحتمل أن لا يجوز لها غسل سيدها لأن عتقها حصل بالموت ولم يبق علقة من ميراث ولا غيره وهذا قول أبي حنيفة ولنا أنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع, فكذلك في الغسل والميراث ليس من المقتضى بدليل الزوجين إذا كان أحدهما رقيقا, والاستبراء ها هنا كالعدة ولأنها إذا ماتت يلزمه كفنها ودفنها ومؤنتها بخلاف الزوجة فأما غير أم الولد من الإماء فيحتمل أن لا يجوز لها غسل سيدها لأن الملك انتقل فيها إلى غيره, ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات ولو مات قبل الدخول بامرأته احتمل أن لا يباح لها غسله لذلك والله أعلم.
فصل:
وإن كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها لأن الكافر لا يغسل المسلم, لأن النية واجبة في الغسل والكافر ليس من أهلها وليس لزوجها غسلها لأن المسلم لا يغسل الكافر, ولا يتولى دفنه ولأنه لا ميراث بينهما ولا موالاة, وقد انقطعت الزوجية بالموت ويتخرج جواز ذلك بناء على جواز غسل المسلم الكافر.
فصل:
وليس لغير من ذكرنا من الرجال غسل أحد من النساء ولا أحد من النساء غسل غير من ذكرنا من الرجال وإن كن ذوات رحم محرم وهذا قول أكثر أهل العلم وحكى عن أبي قلابة أنه غسل ابنته واستعظم أحمد هذا, ولم يعجبه وقال: أليس قد قيل: استأذن على أمك وذلك لأنها محرمة حال الحياة فلم يجز غسلها كالأجنبية وأخته من الرضاع فإن دعت الضرورة إلى ذلك بأن لا يوجد من يغسل المرأة من النساء, فقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يغسل أخته إذا لم يجد نساء قال: لا قلت: فكيف يصنع؟ قال: يغسلها وعليها ثيابها يصب عليها الماء صبا قلت لأحمد: وكذلك كل ذات محرم تغسل وعليها ثيابها؟ قال: نعم وقال الحسن ومحمد ومالك: لا بأس بغسل ذات محرم عند الضرورة فأما إن مات رجل بين نسوة أجانب أو امرأة بين رجال أجانب, أو مات خنثى مشكل فإنه ييمم وهذا قول سعيد بن المسيب والنخعي, وحماد ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر وحكى أبو الخطاب رواية ثانية أنه يغسل من فوق القميص, يصب عليه الماء من فوق القميص صبا ولا يمس وهو قول الحسن وإسحاق ولنا, ما روى تمام الرازي في "فوائده" بإسناده عن مكحول عن واثلة قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال) ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف, ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر فكان العدول إلى التيمم أولى, كما لو عدم الماء.
فصل:
وللنساء غسل الطفل بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة تغسل الصبي الصغير قال أحمد: لهن غسل من له دون سبع سنين وقال الحسن: إذا كان فطيما أو فوقه وقال الأوزاعي: ابن أربع أو خمس وقال أصحاب الرأي: الذي لم يتكلم - ولنا, أن من له دون السبع لم نؤمر بأمره بالصلاة ولا عورة له فأشبه ما سلموه, فأما من بلغ السبع ولم يبلغ عشرا فحكى أبو الخطاب فيه روايتين والصحيح أن من بلغ عشرا ليس للنساء غسله لأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (وفرقوا بينهم في المضاجع) وأمر بضربهم للصلاة لعشر ومن دون العشر يحتمل أن يلحق بمن دون السبع لأنه في معناه, ويحتمل أن لا يلحق به لأنه يفارقه في أمره بالصلاة وقربه من المراهقة فأما الجارية الصغيرة, فلم ير أبو عبد الله أن يغسلها الرجل وقال: النساء أعجب إلى وذكر له أن الثوري يقول: تغسل المرأة الصبي والرجل الصبية قال: لا بأس أن تغسل المرأة الصبي, وأما الرجل يغسل الصبية فلا أجترئ عليه إلا أن يغسل الرجل ابنته الصغيرة فإنه يروى عن أبي قلابة أنه غسل بنتا له صغيرة والحسن قال: لا بأس أن يغسل الرجل ابنته, إذا كانت صغيرة وكره غسل الرجل الصغيرة سعيد والزهري قال الخلال: القياس التسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما فكرهه أحمد لذلك وسوى أبو الخطاب بينهما, فجعل فيهما روايتين جريا على موجب القياس والصحيح ما عليه السلف من أن الرجل لا يغسل الجارية, والتفرقة بين عورة الغلام والجارية لأن عورة الجارية أفحش ولأن العادة معاناة المرأة للغلام الصغير ومباشرة عورته في حال تربيته, ولم تجر العادة بمباشرة الرجل عورة الجارية في الحياة فكذلك حالة الموت والله أعلم فأما الصبي إذا غسل الميت, فإن كان عاقلا صح غسله صغيرا كان أو كبيرا لأنه يصح طهارته فصح أن يطهر غيره كالكبير فصل: ويصح أن يغسل المحرم الحلال, والحلال المحرم لأن كل واحد منهما تصح طهارته وغسله فكان له أن يغسل غيره.
فصل:
ولا يصح غسل الكافر للمسلم لأنه عبادة وليس الكافر من أهلها وقال مكحول في امرأة توفيت في سفر, ومعها ذو محرم ونساء نصارى: يغسلها النساء وقال سفيان في رجل مات مع نساء ليس معهن رجل قال: إن وجدوا نصرانيا أو مجوسيا, فلا بأس إذا توضأ أن يغسله ويصلى عليه النساء وغسلت امرأة علقمة امرأة نصرانية ولم يعجب هذا أبا عبد الله وقال: لا يغسله إلا مسلم وييمم لأن الكافر نجس, فلا يطهر غسله المسلم ولأنه ليس من أهل العبادة فلا يصح غسله للمسلم كالمجنون وإن مات كافر مع مسلمين لم يغسلوه, سواء كان قريبا لهم أو لم يكن ولا يتولوا دفنه إلا أن لا يجدوا من يواريه وهذا قول مالك وقال أبو حفص العكبري: يجوز له غسل قريبه الكافر, ودفنه وحكاه قولا لأحمد وهو مذهب الشافعي لما روي عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (قلت للنبي ـ ﷺ ـ : إن عمك الشيخ الضال قد مات فقال النبي ـ ﷺ ـ : اذهب فواره) ولنا أنه لا يصلى عليه, ولا يدعو له فلم يكن له غسله وتولى أمره, كالأجنبي والحديث إن صح يدل على مواراته له وذلك إذا خاف من التعيير به, والضرر ببقائه قال أحمد - رحمه الله- في يهودي أو نصراني مات, وله ولد مسلم: فليركب دابة وليسر أمام الجنازة وإذا أراد أن يدفن رجع, مثل قول عمر ـ رضي الله عنه ـ.
مسألة:
قال: [والشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل ولم يصل عليه] يعني إذا مات في المعترك, فإنه لا يغسل رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم, ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب, قالا: يغسل الشهيد ما مات ميت إلا جنبا والاقتداء بالنبي ـ ﷺ ـ وأصحابه في ترك غسلهم أولى فأما الصلاة عليه فالصحيح أنه لا يصلى عليه وهو قول مالك, والشافعي وإسحاق وعن أحمد رواية أخرى, أنه يصلى عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وأبي حنيفة إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة قال في موضع: إن صلى عليه فلا بأس به وفي موضع آخر, قال: يصلي وأهل الحجاز لا يصلون عليه وما تضره الصلاة, لا بأس به وصرح بذلك في رواية المروذي فقال: الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأ فكأن الروايتين في استحباب الصلاة, لا في وجوبها إحداهما يستحب لما روى عقبة أن (النبي ـ ﷺ ـ خرج يوما, فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر) متفق عليه وعن ابن عباس (أن النبي ـ ﷺ ـ صلى على قتلى أحد) ولنا ما روى جابر (أن النبي ـ ﷺ ـ أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم, ولم يغسلهم ولم يصل عليهم) متفق عليه ولأنه لا يغسل مع إمكان غسله فلم يصل عليه, كسائر من لم يغسل وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد فإنه صلى عليهم في القبور بعد ثماني سنين, وهم لا يصلون على القبر أصلا ونحن لا نصلي عليه بعد شهر وحديث ابن عباس يرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف, وقد أنكر عليه شعبة رواية هذا الحديث وقال: إن جرير بن حازم يكلمني في أن لا أتكلم في الحسن بن عمارة وكيف لا أتكلم فيه وهو يروي هذا الحديث ثم نحمله على الدعاء إذا ثبت هذا فيحتمل أن ترك غسل الشهيد لما تضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة المستحسنة شرعا فإنه جاء عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (والذي نفسى بيده, لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة, واللون لون دم والريح ريح مسك) رواه البخاري وقال النبي ـ ﷺ ـ : (ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من قطرتين وأثرين: أما الأثران فأثر في سبيل الله, وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى) رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن وقد جاء ذكر هذه العلة في الحديث, فإن عبد الله بن ثعلبة قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ: (زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في سبيل الله إلا يأتي يوم القيامة يدمي لونه لون الدم, وريحه ريح المسك) رواه النسائي ويحتمل أن الغسل لا يجب إلا من أجل الصلاة إلا أن الميت لا فعل له فأمرنا بغسله لنصلي عليه, فمن لم تجب الصلاة عليه لم يجب غسله كالحي ويحتمل أن الشهداء في المعركة يكثرون فيشق غسلهم, وربما يكون فيهم الجراح فيتضررون فعفي عن غسلهم لذلك وأما سقوط الصلاة عليهم فيحتمل أن تكون علته كونهم أحياء عند ربهم, والصلاة إنما شرعت في حق الموتي ويحتمل أن ذلك لغناهم عن الشفاعة لهم فإن الشهيد يشفع في سبعين من أهله فلا يحتاج إلى شفيع, والصلاة إنما شرعت للشفاعة.
فصل:
فإن كان الشهيد جنبا غسل وحكمه في الصلاة عليه حكم غيره من الشهداء وبه قال أبو حنيفة وقال مالك: لا يغسل لعموم الخبر وعن الشافعي كالمذهبين ولنا ما روي (أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد, فقال النبي ـ ﷺ ـ : ما شأن حنظلة؟ فإني رأيت الملائكة تغسله فقالوا: إنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال) رواه ابن إسحاق في " المغازي " ولأنه غسل واجب لغير الموت, فلم يسقط بالموت كغسل الجنابة وحديثهم لا عموم له فإنه قضية في عين ورد في شهداء أحد وحديثنا خاص في حنظلة, وهو من شهداء أحد فيجب تقديمه إذا ثبت هذا فمن وجب الغسل عليه بسبب سابق على الموت, كالمرأة تطهر من حيض أو نفاس ثم تقتل فهي كالجنب للعلة التي ذكرناها ولو قتلت في حيضها أو نفاسها, لم يجب الغسل لأن الطهر من الحيض شرط في الغسل أو في السبب الموجب فلا يثبت الحكم بدونه فأما إن أسلم, ثم استشهد فلا غسل عليه لأنه روي أن أصيرم بني عبد الأشهل أسلم يوم أحد ثم قتل, فلم يؤمر بغسله.
فصل:
والبالغ وغيره سواء وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد, وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة: لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ لأنه ليس من أهل القتال ولنا أنه مسلم قتل في معترك المشركين بقتالهم, أشبه البالغ ولأنه أشبه البالغ في الصلاة عليه والغسل إذا لم يقتله المشركون فيشبهه في سقوط ذلك عنه بالشهادة, وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان وعمير بن أبي وقاص أخو سعد وهما صغيران, والحديث عام في الكل وما ذكره يبطل بالنساء.
مسألة:
قال: [ودفن في ثيابه وإن كان عليه شيء من الجلود والسلاح نحي عنه] أما دفنه بثيابه فلا نعلم فيه خلافا, وهو ثابت بقول النبي ـ ﷺ ـ: (ادفنوهم بثيابهم) وروي أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس, أن رسول الله ـ ﷺ ـ (أمر بقتلي أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم) وليس هذا بحتم, لكنه الأولى وللولي أن ينزع عنه ثيابه ويكفنه بغيرها وقال أبو حنيفة: لا ينزع عنه شيء لظاهر الخبر ولنا, ما روي (أن صفية أرسلت إلى النبي ـ ﷺ ـ ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر) رواه يعقوب بن شيبة, وقال: هو صالح الإسناد فدل على أن الخيار للولي والحديث الآخر يحمل على الإباحة والاستحباب إذا ثبت هذا فإنه ينزع عنه من لباسه ما لم يكن من عامة لباس الناس من الجلود والفراء والحديد قال أحمد: لا يترك عليه فرو, ولا خف ولا جلد وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك: لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لقول النبي ـ ﷺ ـ : (ادفنوهم بثيابهم) وهذا عام في الكل, وما رويناه أخص فكان أولى.
مسألة:
قال: [وإن حمل وبه رمق غسل وصلى عليه] معنى قوله: "رمق" أي حياة مستقرة فهذا يغسل, ويصلى عليه وإن كان شهيدا لأن النبي ـ ﷺ ـ (غسل سعد بن معاذ وصلى عليه, وكان شهيدا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله, فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما حتى حكم في بني قريظة, ثم انفتح جرحه فمات) وظاهر كلام الخرقي أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلى عليه وإن مات في المعترك, أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه ونحو هذا قول مالك, قال: إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة, غسل وقال أحمد في موضع: إن تكلم أو أكل أو شرب, صلى عليه وقول أصحاب أبي حنيفة نحو من هذا وعن أحمد أنه سئل عن المجروح إذا بقي في المعترك يوما إلى الليل ثم مات فرأى أن يصلي عليه وقال أصحاب الشافعي: إن مات حال الحرب, لم يغسل ولم يصل عليه وإلا فلا والصحيح: التحديد بطول الفصل, أو الأكل لأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتباره في كثير من المواضع وأما الكلام والشرب, وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشيء منها لأنه يروى (أن النبي ـ ﷺ ـ قال يوم أحد: من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول الله فنظر فوجده جريحا به رمق, فقال له: إن رسول الله ـ ﷺ ـ أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله ـ ﷺ ـ عنى السلام وذكر الحديث قال: ثم لم أبرح أن مات) وروى أن أصيرم بنى عبد الأشهل وجد صريعا يوم أحد, فقيل له: ما جاء بك؟ قال: أسلمت ثم جئت وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي ـ ﷺ ـ : (ادفنوهم بدمائهم وثيابهم) ولم يغسلهم, ولم يصل عليهم وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب وفي قصة أهل اليمامة, عن ابن عمر أنه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الأنيفي قال: فسقيته ماء, وبه أربعة عشر جرحا كلها قد خلص إلى مقتل فخرج الماء من جراحاته كلها, فلم يغسل وفي فتوح الشام: أن رجلا قال: أخذت ماء لعلي أسقي ابن عمي إن وجدت به حياة فوجدت الحارث بن هشام فأردت أن أسقيه فإذا رجل ينظر إليه, فأومأ لي أن أسقيه فذهبت إليه لأسقيه فإذا آخر ينظر إليه, فأومأ لي أن أسقيه فلم أصل إليه حتى ماتوا كلهم ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة, وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب.
فصل:
فإن كان الشهيد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو وقال القاضي: يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين, أشبه ما لو أصابه ذلك في غير المعترك ولنا ما روى أبو داود عن (رجل من أصحاب النبي ـ ﷺ ـ قال: أغرنا على حى من جهينة, فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف, فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله ـ ﷺ ـ بثيابه ودمائه, وصلى عليه فقالوا: يا رسول الله أشهيد هو؟ قال: نعم, وأنا له شهيد) وعامر بن الأكوع بارز مرحبا يوم خيبر فذهب يسفل له فرجع سيفه على نفسه, فكانت فيها نفسه فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة فأشبه ما لو قتله الكفار وبهذا فارق, ما لو كان في غير المعترك فأما إن سقط من دابته أو وجد ميتا ولا أثر به, فإنه يغسل نص عليه أحمد وتأول الحديث: (ادفنوهم بكلومهم) فإذا كان به كلم لم يغسل وهذا قول أبي حنيفة في الذي يوجد ميتا لا أثر به وقال الشافعي: لا يغسل بحال لاحتمال أنه مات بسبب من أسباب القتال ولنا أن الأصل وجوب الغسل, فلا يسقط بالاحتمال ولأن سقوط الغسل في محل الوفاق مقرون بمن كلم فلا يجوز حذف ذلك عن درجة الاعتبار.
فصل:
ومن قتل من أهل العدل في المعركة, فحكمه في الغسل والصلاة عليه حكم من قتل في معركة المشركين لأن عليا لم يغسل من قتل معه وعمار أوصى أن لا يغسل, وقال: ادفنونى في ثيابى فإنى مخاصم قال أحمد: قد أوصى أصحاب الجمل: إنا مستشهدون غدا فلا تنزعوا عنا ثوبا, ولا تغسلوا عنا دما ولأنه شهيد المعركة أشبه قتيل الكفار وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه: يغسلون لأن أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير والأول أولى لما ذكرناه, وأما عبد الله بن الزبير فإنه أخذ وصلب فهو كالمقتول ظلما وليس بشهيد المعركة وأما الباغي, فقال الخرقي: من قتل منهم غسل وكفن, وصلى عليه ويحتمل إلحاقه بأهل العدل لأنه لم ينقل إلينا غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين ولأنهم يكثرون في المعترك فيشق غسلهم, فأشبهوا أهل العدل فأما الصلاة على أهل العدل فيحتمل أن لا يصلى عليهم لأننا شبهناهم بشهداء معركة المشركين في الغسل فكذلك في الصلاة, ويحتمل أن يصلى عليهم لأن عليا ـ رضي الله عنه ـ صلى عليهم.
فصل:
فأما الشهيد بغير قتل كالمبطون والمطعون, والغرق وصاحب الهدم والنفساء, فإنهم يغسلون ويصلى عليهم لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن الحسن: لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة ولنا (أن النبي ـ ﷺ ـ صلى على امرأة ماتت في نفاسها, فقام وسطها) متفق عليه (وصلى على سعد بن معاذ وهو شهيد) وصلى المسلمون على عمر وعلى ـ رضي الله عنهما ـ وهما شهيدان وقال النبي ـ ﷺ ـ : (الشهداء خمسة: المطعون, والمبطون والغرق وصاحب الهدم, والشهيد في سبيل الله) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح متفق عليه وعن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (الشهادة سبع سوى القتل) وزاد على ما ذكر في هذا الخبر: " صاحب الحريق وصاحب ذات الجنب, والمرأة تموت بجمع شهيدة " وكل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم لأن النبي ـ ﷺ ـ ترك غسل الشهيد في المعركة لما يتضمنه من إزالة الدم المستطاب شرعا أو لمشقة غسلهم, لكثرتهم أو لما فيهم من الجراح ولا يوجد ذلك ها هنا.
فصل:
فإن اختلط موتى المسلمين بموتي المشركين, فلم يميزوا صلى على جميعهم ينوي المسلمين قال أحمد: ويجعلهم بينه وبين القبلة ثم يصلى عليهم وهذا قول مالك, والشافعي وقال أبو حنيفة: إن كان المسلمون أكثر صلى عليهم وإلا فلا لأن الاعتبار بالأكثر, بدليل أن دار المسلمين الظاهر فيها الإسلام لكثرة المسلمين بها وعكسها دار الحرب لكثرة من بها من الكفار ولنا, أنه أمكن الصلاة على المسلمين من غير ضرر فوجب كما لو كانوا أكثر, ولأنه إذا جاز أن يقصد بصلاته ودعائه الأكثر جاز قصد الأقل ويبطل ما قالوه بما إذا اختلطت أخته بأجنبيات, أو ميتة بمذكيات ثبت الحكم للأقل دون الأكثر.
مسألة:
قال: [والمحرم يغسل بماء وسدر, ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه ولا يغطي رأسه, ولا رجلاه] إنما كان كذلك لأن المحرم لا يبطل حكم إحرامه بموته فلذلك جنب ما يجنبه المحرم من الطيب وتغطية الرأس, ولبس المخيط وقطع الشعر روى ذلك عن عثمان وعلي, وابن عباس وبه قال عطاء والثوري والشافعي, وإسحاق وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة: يبطل إحرامه بالموت, ويصنع به كما يصنع بالحلال وروي ذلك عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعية, فبطلت بالموت كالصلاة والصيام ولنا ما روى ابن عباس (أن رجلا وقصه بعيره, ونحن مع النبي ـ ﷺ ـ فقال النبي ـ ﷺ ـ : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا, ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبدا) وفي رواية " ملبيا " متفق عليه فإن قيل: هذا خاص له لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا قلنا: حكم النبي ـ ﷺ ـ في واحد حكمه في مثله إلا أن يرد تخصيصه, ولهذا ثبت حكمه في شهداء أحد في سائر الشهداء وقد روي عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (حكمى على الواحد حكمى على الجماعة) قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن كفنوه في ثوبيه أي يكفن في ثوبين وأن يكون في الغسلات كلها سدر, ولا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا ويكون الكفن من جميع المال وقال أحمد في موضع: يصب عليه الماء صبا, ولا يغسل كما يغسل الحلال وإنما كره عرك رأسه ومواضع الشعر كي لا يتقطع شعره واختلف عنه في تغطية رجليه, فروى حنبل عنه: لا تغطي رجلاه وهو الذي ذكره الخرقي وقال الخلال: لا أعرف هذا في الأحاديث ولا رواه أحد عن أبي عبد الله غير حنبل وهو عندي وهم من حنبل, والعمل على أنه يغطي جميع المحرم إلا رأسه لأن إحرام الرجل في رأسه, ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته فكذلك في مماته واختلفوا عن أحمد في تغطية وجهه فنقل عنه إسماعيل بن سعيد: لا يغطي وجهه لأن في بعض الحديث: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه) ونقل عنه سائر أصحابه: لا بأس بتغطية وجهه لحديث ابن عباس الذي رويناه, وهو أصح ما روي فيه وليس فيه إلا المنع من تغطية الرأس ولأن إحرام الرجل في رأسه, ولا يمنع من تغطية وجهه في الحياة فبعد الموت أولى ولم ير أن يلبس المحرم المخيط بعد موته, كما لا يلبسه في حياته وإن كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص وخمرت, كما تفعل ذلك في حياتها ولم تقرب طيبا لأنه يحرم عليها في حياتها فكذلك بعد موتها.
مسألة:
قال: [وإن سقط من الميت شيء غسل, وجعل معه في أكفانه] وجملته أنه إذا بان من الميت شيء وهو موجود غسل, وجعل معه في أكفانه قاله ابن سيرين ولا نعلم فيه خلافا وقد روي عن أسماء, أنها غسلت ابنها فكانت تنزعه أعضاء كلما غسلت عضوا طيبته, وجعلته في كفنه ولأن في ذلك جمع أجزاء الميت في موضع واحد وهو أولى من تفريقها.
فصل:
فإن لم يوجد إلا بعض الميت فالمذهب أنه يغسل, ويصلى عليه وهو قول الشافعي ونقل ابن منصور عن أحمد أنه لا يصلي على الجوارح قال الخلال: ولعله قول قديم لأبي عبد الله والذي استقر عليه قول أبي عبد الله أنه يصلي على الأعضاء وقال أبو حنيفة, ومالك: إن وجد الأكثر صلى عليه وإلا فلا لأنه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه, كالذي بان في حياة صاحبه كالشعر والظفر ولنا إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قال أحمد: صلى أبو أيوب على رجل, وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رءوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده وقال الشافعي: ألقى طائر يدا بمكة من وقعة الجمل, فعرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة وكان ذلك بمحضر من الصحابة, ولم نعرف من الصحابة مخالفا في ذلك ولأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلي عليه كالأكثر, وفارق ما بان في الحياة لأنه من جملة لا يصلى عليها والشعر والظفر لا حياة فيه.
فصل:
وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل, وصلى عليه ودفن إلى جانب القبر أو نبش بعض القبر ودفن فيه, ولا حاجة إلى كشف الميت لأن ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرقة أجزائه.
فصل:
والمجدور والمحترق, والغريق إذا أمكن غسله غسل وإن خيف تقطعه بالغسل صب عليه الماء صبا, ولم يمس فإن خيف تقطعه بالماء لم يغسل وييمم إن أمكن, كالحي الذي يؤذيه الماء وإن تعذر غسل الميت لعدم الماء ييمم وإن تعذر غسل بعضه دون بعض, غسل ما أمكن غسله وييمم الباقي كالحي سواء.
فصل:
فإن مات في بئر ذات نفس, فأمكن معالجة البئر بالأكسية المبلولة تدار في البئر حتى تجتذب بخاره ثم ينزل من يطلعه أو أمكن إخراجه بكلاليب من غير مثلة, لزم ذلك لأنه أمكن غسله من غير ضرر فلزم كما لو كان على ظهر الأرض وإذا شك في زوال بخاره, أنزل إليه سراج أو نحوه فإن انطفأ فالبخار باق وإن لم ينطفئ فقد زال, فإنه يقال: لا تبقي النار إلا فيما يعيش فيه الحيوان وإن لم يمكن إخراجه إلا بمثلة ولم يكن إلى البئر حاجة طمت عليه, فكانت قبره وإن كان طمها يضر بالمارة أخرج بالكلاليب سواء أفضى إلى المثلة أو لم يفض لأن فيه جمعا بين حقوق كثيرة نفع المارة, وغسل الميت وربما كانت المثلة في بقائه أعظم لأنه يتقطع وينتن فإن نزل على البئر قوم فاحتاجوا إلى الماء, وخافوا على أنفسهم فلهم إخراجه وجها واحدا, وإن حصلت مثلة لأن ذلك أسهل من تلف نفوس الأحياء ولهذا لو لم يجد من السترة إلا كفن الميت واضطر الحي إليه, قدم الحي ولأن حرمة الحي وحفظ نفسه, أولى من حفظ الميت عن المثلة لأن زوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم ولأن الميت لو بلع مال غيره شق بطنه لحفظ مال الحي وحفظ النفس أولى من حفظ المال, والله أعلم.
مسألة:
قال: [وإن كان شاربه طويلا أخذ وجعل معه] وجملته أن شارب الميت إن كان طويلا استحب قصه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله, وسعيد بن جبير وإسحاق وقال أبو حنيفة ومالك: لا يؤخذ من الميت شيء لأنه قطع شيء منه فلم يستحب, كالختان واختلف أصحاب الشافعي كالقولين ولنا قول النبي ـ ﷺ ـ : (اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم) والعروس يحسن ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره, ولأن تركه يقبح منظره فشرعت إزالته كفتح عينيه وفمه شرع ما يزيله, ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه فشرع بعد الموت كالاغتسال ويخرج على هذا الختان لما فيه من المضرة فإذا أخذ الشعر جعل معه في أكفانه لأنه من الميت, فيستحب جعله في أكفانه كأعضائه وكذلك كل ما أخذ من الميت من شعر أو ظفر أو غيرهما فإنه يغسل ويجعل معه في أكفانه كذلك.
فصل:
فأما الأظفار إذا طالت ففيها روايتان: إحداهما لا تقلم قال أحمد: لا تقلم أظفاره, وينقى وسخها وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله: والخلال يستعمل إن احتيج إليه والخلال يزال به ما تحت الأظفار لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة إلى قصه والثانية يقص إذا كان فاحشا نص عليه لأنه من السنة, ولا مضرة فيه فيشرع أخذه كالشارب ويمكن أن تحمل الرواية الأولى على ما إذا لم تكن فاحشة وأما العانة فظاهر كلام الخرقي أنها لا تؤخذ لتركه ذكرها وهو قول ابن سيرين ومالك, وأبي حنيفة لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها وهتك الميت, وذلك محرم لا يفعل لغير واجب ولأن العورة مستورة يستغني بسترها عن إزالتها وروى عن أحمد أن أخذها مسنون وهو قول الحسن وبكر بن عبد الله, وسعيد بن جبير وإسحاق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه شعر إزالته من السنة فأشبه الشارب والأول أولى ويفارق الشارب العانة لأنه ظاهر يتفاحش لرؤيته, ولا يحتاج في أخذه إلى كشف العورة ولا مسها فإذا قلنا بأخذها فإن حنبلا روى أن أحمد سئل: ترى أن تستعمل النورة؟ قال: الموسى أو مقراض يؤخذ به الشعر من عانته وقال القاضي: تزال بالنورة لأنه أسهل, ولا يمسها ووجه قول أحمد أنه فعل سعد والنورة لا يؤمن أن تتلف جلد الميت.
فصل:
فأما الختان فلا يشرع لأنه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن بعض الناس أنه يختن حكاه الإمام أحمد والأول أولى لما ذكرناه ولا يحلق رأس الميت لأنه ليس من السنة في الحياة وإنما يراد لزينة أو نسك, ولا يطلب شيء من ذلك ها هنا.
فصل:
وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات لم ينزع إن كان طاهرا وإن كان نجسا فأمكن إزالته من غير مثلة أزيل لأنه نجاسة مقدور على إزالتها من غير مضرة وإن أفضى إلى المثلة لم يقلع, وصار في حكم الباطن كما لو كان حيا وإن كان على الميت جبيرة يفضي نزعها إلى مثلة مسحت كمسح جبيرة الحي وإن لم يفض إلى مثلة, نزعت فغسل ما تحتها قال أحمد في الميت تكون أسنانه مربوطة بذهب: إن قدر على نزعه من غير أن يسقط بعض أسنانه نزعه وإن خاف أن يسقط بعضها تركه.
فصل:
ومن كان مشنجا, أو به حدب أو نحو ذلك فأمكن تمديده بالتليين والماء الحار, فعل ذلك وإن لم يكن إلا بعنف تركه بحاله فإن كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشتهر بالمثلة, ترك في تابوت أو تحت مكبة مثل ما يصنع بالمرأة لأنه أصون له, وأستر لحاله.
فصل:
ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شيء من الخشب أو الجريد مثل القبة يترك فوقه ثوب ليكون أستر لها وقد روي أن فاطمة بنت رسول الله ـ رضي الله عنه ـا أول من صنع لها ذلك بأمرها.
مسألة:
قال: [ويستحب تعزية أهل الميت] لا نعلم في هذه المسألة خلافا, إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن لأنه خاتمة أمره ولنا عموم قوله عليه السلام: (من عزى مصابا فله مثل أجره) رواه الترمذي وقال: هو حديث غريب وروي ابن ماجه, في " سننه " عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده, عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) وقال أبو برزة: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة) قال الترمذي: هذا ليس إسناده بالقوى والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة, وقضاء حقوقهم والتقرب إليهم والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله.
فصل:
ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة, كبارهم وصغارهم ويخص خيارهم والمنظور إليه من بينهم ليستن به غيره, وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته إليها ولا يعزى الرجل الأجنبي شواب النساء مخافة الفتنة.
فصل:
ولا نعلم في التعزية شيئا محدودا, إلا أنه يروى أن النبي ـ ﷺ ـ (عزى رجلا فقال: رحمك الله وآجرك) رواه الإمام أحمد وعزى أحمد أبا طالب فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجركم, وأحسن عزاءكم وقال بعض أصحابنا: إذا عزى مسلما بمسلم قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاك ورحم الله ميتك واستحب بعض أهل العلم أن يقول ما روى جعفر بن محمد, عن أبيه عن جده قال: (لما توفي رسول الله ـ ﷺ ـ وجاءت التعزية, سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات, فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب) رواه الشافعي, في " مسنده " وإن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك.
فصل:
وتوقف أحمد - رحمه الله- عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم, وفيها روايتان: إحداهما لا نعودهم فكذلك لا نعزيهم لقول النبي ـ ﷺ ـ : (لا تبدءوهم بالسلام) وهذا في معناه والثانية, نعودهم لأن النبي ـ ﷺ ـ (أتى غلاما من اليهود كان مرض يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه, فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي ـ ﷺ ـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) رواه البخاري فعلى هذا نعزيهم فنقول في تعزيتهم بمسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وعن كافر: أخلف الله عليك, ولا نقص عددك ويقصد زيادة عددهم لتكثر جزيتهم وقال أبو عبد الله بن بطة يقول: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل دينك فأما الرد من المعزى فبلغنا عن أحمد بن الحسين, قال: سمعت أبا عبد الله وهو يعزى في عبثر ابن عمه وهو يقول: استجاب الله دعاك, ورحمنا وإياك. فصل: قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجا للحزن وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزى إذا دفن الميت, أو قبل أن يدفن وقال: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت لم تأخذ وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقا لباطل, وإن نهاه فحسن.
مسألة: [قال: والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة] أما البكاء بمجرده فلا يكره في حال وقال الشافعي: يباح إلى أن تخرج الروح ويكره بعد ذلك لما روى عبد الله بن عتيك قال: (جاء رسول الله ـ ﷺ ـ إلى عبد الله بن ثابت يعوده, فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع وقال: غلبنا عليك أبا الربيع فصاح النسوة, وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال له النبي ـ ﷺ ـ : دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية) يعني إذا مات ولنا, ما روى أنس قال: (شهدنا بنت رسول الله ـ ﷺ ـ ورسول الله ـ ﷺ ـ جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان) (وقبل النبي ـ ﷺ ـ عثمان بن مظعون وهو ميت, ورفع رأسه وعيناه تهراقان) وقال أنس: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب, ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله ـ ﷺ ـ لتذرفان) وقالت عائشة: دخل أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله ـ ﷺ ـ فقبله ثم بكى وكلها أحاديث صحاح وروى الأموي, في "المغازي" عن عائشة أن سعد بن معاذ لما مات, جعل أبو بكر وعمر ينتحبان حتى اختلطت على أصواتهما وروي (أن النبي ـ ﷺ ـ دخل على سعد بن عبادة وهو في غاشيته, فبكى وبكى أصحابه وقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين, ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم) وعنه عليه السلام (أنه دخل على ابنه إبراهيم, وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله ـ ﷺ ـ تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى, فقال: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) متفق عليهما وحديثهم محمول على رفع الصوت والندب وشبههما بدليل ما روى جابر (أن النبي ـ ﷺ ـ أخذ ابنه فوضعه في حجره, فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة, وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان) قال الترمذي: هذا حديث حسن وهذا يدل على أنه لم ينه عن مطلق البكاء, وإنما نهى عنه موصوفا بهذه الصفات وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبى سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قال أبو عبيد: اللقلقة: رفع الصوت والنقع: التراب يوضع على الرأس.
فصل:
وأما الندب فهو تعداد محاسن الميت, وما يلقون بفقده بلفظ النداء إلا أنه يكون بالواو مكان الياء وربما زيدت فيه الألف والهاء مثل قولهم: وارجلاه واجبلاه, وانقطاع ظهراه وأشباه هذا والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب, وضرب الخدود والدعاء بالويل والثبور فقال بعض أصحابنا: هو مكروه ونقل حرب عن أحمد كلاما فيه احتمال إباحة النوح والندب واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الأسقع, وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان وقال أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكى عن فاطمة في مثل الدعاء, لا يكون مثل النوح يعني لا بأس به وروى البخاري بإسناده عن فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه, إلى جبريل أنعاه يا أبتاه أجاب ربا دعاه وروي عن علي, ـ رضي الله عنه ـ أن فاطمة ـ رضي الله عنه ـا أخذت قبضة من تراب قبر النبي ـ ﷺ ـ فوضعتها على عينها ثم قالت: ماذا على مشتم تربة أحمد ** أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على مصيبة لو أنها
- صبت على الأيام عدن لياليا
وظاهر الأخبار تدل على تحريم النوح وهذه الأشياء المذكورة لأن النبي ـ ﷺ ـ نهى عنها في حديث جابر لقول الله تعالى: {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة: 12]. قال أحمد: هو النوح (ولعن النبي ـ ﷺ ـ النائحة والمستمعة) وقالت أم عطية: (أخذ علينا رسول الله ـ ﷺ ـ عند البيعة أن لا ننوح) متفق عليه وعن أبي موسى, أن النبي ـ ﷺ ـ برئ من الصالقة والحالقة والشاقة والصالقة: التي ترفع صوتها وعن ابن مسعود, أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) متفق عليه ولأن ذلك يشبه التظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله, وفي بعض الآثار: إن أهل البيت إذا دعوا بالويل والثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب وقال: إن كانت صيحتكم على فإني مأمور, وإن كانت على ميتكم فإنه مقبور وإن كانت على ربكم فالويل لكم والثبور وإن لي فيكم عودات ثم عودات وقال النبي ـ ﷺ ـ : (إذا حضرتم الميت, فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون).
فصل:
وقد صح عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه) وفي لفظ: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) وروى ذلك عمر وابنه والمغيرة وهي أحاديث متفق عليها واختلف أهل العلم في معناها, فحملها قوم على ظواهرها وقالوا: يتصرف الله في خلقه بما شاء وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (ما من ميت يموت, فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه واسنداه ونحو ذلك, إلا وكل الله به ملكين يلهزانه: أهكذا كنت؟) قال الترمذي: هذا حديث حسن وروى النعمان بن بشير قال: أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي, وتقول: وا جبلاه وا كذا وا كذا تعدد عليه فقال حين أفاق: ما قلت لي شيئا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري وأنكرت عائشة ـ رضي الله عنه ـا حملها على ظاهرها, ووافقها ابن عباس قال ابن عباس: ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله ـ ﷺ ـ : (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) ولكن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه) وقالت: حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]. قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه, فما قال شيئا رواه مسلم وحمله قوم على من كان النوح سنته ولم ينه أهله لقول الله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحربم: 6]. وقول النبي ـ ﷺ ـ : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته, كقول طرفة: إذا مت فانعينى بما أنا أهله ** وشقى على الجيب يا ابنة معبد وقال آخر: من كان من أمهاتى باكيا أبدا ** فاليوم إني أرانى اليوم مقبوضا يسمعننيه فإنى غير سامعه ** إذا جعلت على الأعناق معروضا ولا بد من حمل البكاء في هذه الأحاديث على البكاء غير المشروع وهو الذي معه ندب ونياحة ونحو هذا بدليل ما قدمناه من الأحاديث في صدر المسألة.
فصل:
وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى, ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة ويتنجز ما وعد الله به الصابرين, حيث يقول سبحانه: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155]. وروى مسلم في " صحيحه " عن أم سلمة ـ رضي الله عنه ـا قالت: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: (ما من عبد تصيبه مصيبة, فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته, وأخلف له خيرا منها) قالت: فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله ـ ﷺ ـ فأخلف لي خيرا منه رسول الله ـ ﷺ ـ وليحذر أن يتكلم بشيء يحبط أجره, ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فإن الله عدل لا يجور, وله ما أخذ وله ما أعطي وهو الفعال لما يريد فلا يدعو على نفسه, فإن النبي ـ ﷺ ـ قال لما مات أبو سلمة: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ويحتسب ثواب الله تعالى ويحمده لما روى أبو موسى أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (إذا مات ولد العبد, قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
مسألة:
قال: (ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاما, يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما يطعمون الناس) وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم, إعانة لهم وجبرا لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم وقد روى أبو داود في " سننه ", بإسناده عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم) وروي عن عبد الله بن أبي بكر, أنه قال: فمازالت السنة فينا حتى تركها من تركها فأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم, وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية وروي أن جريرا وفد على عمر فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت, ويجعلون الطعام؟ قال: نعم قال: ذاك النوح وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ويبيت عندهم ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه.
مسألة:
قال: (والمرأة إذا ماتت, وفي بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها ويسطو عليه القوابل, فيخرجنه) معنى "يسطو القوابل" أن يدخلن أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه والمذهب أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها مسلمة كانت أو ذمية, وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن ومذهب مالك, وإسحاق قريب من هذا ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي, فجاز كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق, ولأنه يشق لإخراج المال منه فلإبقاء الحي أولى ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة, ولا يتحقق أنه يحيا فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم وقد قال عليه السلام: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحي) رواه أبو داود, وفيه مثلة وقد (نهي النبي ـ ﷺ ـ عن المثلة) وفارق الأصل فإن حياته متيقنة وبقاءه مظنون, فعلى هذا إن خرج بعض الولد حيا ولم يمكن إخراجه إلا بشق شق المحل, وأخرج لما ذكرنا وإن مات على تلك الحال فأمكن إخراجه أخرج وغسل وإن تعذر غسله ترك, وغسلت الأم وما ظهر من الولد وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج إلى التيمم من أجله لأن الجميع كان في حكم الباطن, فظهر البعض فتعلق به الحكم وما بقي فهو على ما كان عليه ذكر هذا ابن عقيل وقال: هي حادثة سئلت عنها, فأفتيت فيها.
فصل:
وإن بلع الميت مالا لم يخل من أن يكون له أو لغيره فإن كان له لم يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته, ويحتمل أنه إن كان يسيرا ترك وإن كثرت قيمته شق بطنه وأخرج لأن فيه حفظ المال عن الضياع, ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذنه فهو كماله لأن صاحبه أذن في إتلافه وإن بلعه غصبا ففيه وجهان: أحدهما, لا يشق بطنه ويغرم من تركته لأنه إذا لم يشق من أجل الولد المرجو حياته فمن أجل المال أولى والثاني, يشق إن كان كثيرا لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه وعن الميت بإبراء ذمته وعن الورثة بحفظ التركة لهم ويفارق الجنين من وجهين: أحدهما, أنه لا يتحقق حياته والثاني أنه ما حصل بجنايته فعلى هذا الوجه الأول إذا بلي جسده وغلب على الظن ظهور المال, وتخلصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه وقد روى أبو داود أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (إن هذا قبر أبي رغال, وآية ذلك أن معه غصنا من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه) فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن ولو كان في أذن الميت حلق, أو في أصبعه خاتم أخذ فإن صعب أخذه برد وأخذ لأن تركه تضييع للمال.
فصل:
وإن وقع في القبر ما له قيمة, نبش وأخرج قال أحمد: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها وقال في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم: ينبش قال: إذا كان له قيمة يعني ينبش قيل: فإن أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شيء يريد, وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر النبي ـ ﷺ ـ ثم قال: خاتمى ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه فكان يقول: أنا أقربكم عهدا برسول الله ـ ﷺ ـ .
فصل:
وإن دفن من غير غسل, أو إلى غير القبلة نبش وغسل, ووجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك وهذا قول مالك, والشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة: لا ينبش لأن النبش مثلة وقد نهى عنها ولنا, أن الصلاة تجب ولا تسقط بذلك كإخراج ما له قيمة وقولهم: إن النبش مثلة قلنا: إنما هو مثلة في حق من يقبر ولا ينبش.
فصل:
وإن دفن قبل الصلاة فعن أحمد أنه ينبش, ويصلى عليه وعنه أنه إن صلى على القبر جاز واختار القاضي أنه يصلى على القبر ولا ينبش وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي ـ ﷺ ـ (صلى على قبر المسكينة ولم ينبشها) ووجه الأول أنه دفن قبل واجب فنبش, كما لو دفن من غير غسل وإنما يصلى على القبر عند الضرورة وأما المسكينة فقد كانت صلى عليها ولم تبق الصلاة عليها واجبة, فلم تنبش لذلك فأما إن تغير الميت لم ينبش بحال.
فصل:
وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك لأن القصد بالكفن ستره, وقد حصل ستره بالتراب والثاني ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل وإن كفن بثوب مغصوب, فقال القاضي: يغرم قيمته من تركته ولا ينبش لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها ويحتمل أن ينبش إذا كان الكفن باقيا بحاله ليرد إلى مالكه عن ماله, وإن كان باليا فقيمته من تركته فإن دفن في أرض غصب أو أرض مشتركة بينه وبين غيره بغير إذن شريكه نبش وأخرج لأن القبر في الأرض يدوم ضرره, ويكثر بخلاف الكفن وإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه, لم يملك ذلك لأن في ذلك ضررا وإن بلي الميت وعاد ترابا فلصاحب الأرض أخذها وكل موضع أجزنا نبشه لحرمة ملك الآدمي, فالمستحب تركه احتراما للميت.
فصل:
قال أحمد: تكره الصلاة ـ يعني على الميت ـ في ثلاثة أوقات: عند طلوع الشمس ونصف النهار وعند غروب الشمس وذكر حديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات كان رسول الله ـ ﷺ ـ ينهانا أن نصلي فيهن, أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى يميل وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب) رواه مسلم ومعنى تتضيف: أي تجنح وتميل للغروب, من قولك: تضيفت فلانا: إذا ملت إليه قال ابن المبارك: معنى أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة قيل لأحمد: الشمس على الحيطان مصفرة؟ قال: يصلي عليها ما لم تدل للغروب فلا وتجوز الصلاة على الميت في غير هذه الأوقات روي ذلك عن ابن عمر وعطاء, والنخعي والأوزاعي والثوري, وإسحاق وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد أن ذلك جائز وهو قول للشافعي قياسا على ما بعد الفجر والعصر والأول أصح لحديث عقبة بن عامر, ولا يصح القياس على الوقتين الآخرين لأن مدتهما تطول فيخاف على الميت فيهما ويشق انتظار خروجهما, بخلاف هذه وكره أحمد أيضا دفن الميت في هذه الأوقات لحديث عقبة فأما الصلاة على القبر والغائب فلا يجوز في شيء من أوقات النهي لأن علة تجويزها على الميت معللة بالخوف عليه, وقد أمن ذلك ها هنا فيبقى على أصل المنع والعمل بعموم النهي
فصل:
فأما الدفن ليلا, فقال أحمد: وما بأس بذلك وقال: أبو بكر دفن ليلا وعلى دفن فاطمة ليلا وحديث عائشة: كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي ـ ﷺ ـ وممن دفن ليلاً: عثمان, وعائشة وابن مسعود ورخص فيه عقبة بن عامر وسعيد بن المسيب, وعطاء والثوري والشافعي, وإسحاق وكرهه الحسن لما روى مسلم في "صحيحه" (أن النبي ـ ﷺ ـ خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض, فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي ـ ﷺ ـ أن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك) وقد روي عن أحمد أنه قال: إليه أذهب ولنا, ما روى ابن مسعود قال: (والله لكأني أسمع رسول الله ـ ﷺ ـ في غزوة تبوك وهو في قبر ذي النجادين, وأبو بكر وعمر وهو يقول: أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة: اللهم إني أمسيت عنه راضيا, فارض عنه وكان ذلك ليلا قال: فوالله لقد رأيتني ولوددت إني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة, وأخذه من قبل القبلة) رواه الخلال في "جامعه" وروى ابن عباس (أن النبي ـ ﷺ ـ دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج, فأخذ من قبل القبلة وقال: رحمك الله إن كنت لأواها, تلاء للقرآن) قال الترمذي: هذا حديث حسن وروي أن النبي ـ ﷺ ـ (سأل عن رجل فقال: من هذا؟ قالوا: فلان دفن البارحة فصلى عليه) أخرجه البخاري فلم ينكر عليهم, ولأنه أحد الآيتين فجاز الدفن فيه كالنهار وحديث الزجر محمول على الكراهة والتأديب فإن الدفن نهارا أولى لأنه أسهل على متبعها, وأكثر للمصلين عليها وأمكن لإتباع السنة في دفنه وإلحاده.
فصل:
قال أحمد: لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء, قد ترك النبي ـ ﷺ ـ الصلاة على أقل من هذا الدين والغلول وقاتل نفسه وقال: لا يصلى على الرافضي وقال أبو بكر بن عياش: لا أصلي على رافضي, ولا حروري وقال الفريابي: من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه قيل له: فكيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم, ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته وقال أحمد: أهل البدع لا يعادون إن مرضوا ولا تشهد جنائزهم إن ماتوا وهذا قول مالك قال ابن عبد البر: وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله: عليه السلام (صلوا على من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولنا أن النبي ـ ﷺ ـ (ترك الصلاة بأدون من هذا, فأولى أن نترك الصلاة به) وروى ابن عمر أن النبي ـ ﷺ ـ قال: (إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم, وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه الإمام أحمد. فصل: ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه مثل أن يسلم أحد أبويه, أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما, فإنه يصلى عليه قال أبو ثور من سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الإسلام ولنا, أنه محكوم له بالإسلام أشبه ما لو سبي منفردا منهما.
فصل:
ويصلى على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا, وغيرهم قال أحمد: من استقبل قبلتنا وصلى بصلاتنا نصلي عليه وندفنه ويصلى على ولد الزنا, والزانية والذي يقاد منه بالقصاص أو يقتل في حد وسئل عمن لا يعطى زكاة ماله, فقال: يصلى عليه ما يعلم أن رسول الله ـ ﷺ ـ ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء, والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي, إلا أن أبا حنيفة قال: لا يصلى على البغاة ولا المحاربين لأنهم باينوا أهل الإسلام, وأشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك: لا يصلى على من قتل في حد لأن أبا برزة الأسلمي قال: لم يصل رسول الله ـ ﷺ ـ على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه) رواه أبو داود ولنا قول النبي ـ ﷺ ـ : (صلوا على من قال لا إله إلا الله) رواه الخلال بإسناده, وروى الخلال بإسناده عن أبي شميلة (أن النبي ـ ﷺ ـ خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار, يحملون جنازة على باب فقال النبي ـ ﷺ ـ : ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم ولكنه كان وكان فقال: أكان يصلي؟ قالوا: قد كان يصلي ويدع فقال لهم: ارجعوا به, فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه, وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه) وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لأنهم كفار ولا يقبل فيهم شفاعة, ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم وقال الله تعالى لنبيه ـ ﷺ ـ : {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]. وقال: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80]. وأما ترك الصلاة على ماعز فيحتمل أن النبي ـ ﷺ ـ أمر من يصلي عليه لعذر, بدليل أنه ـ ﷺ ـ (رجم الغامدية وصلى عليها فقال له عمر: ترجمها وتصلي عليها؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) كذلك رواه الأوزاعي وروى معمر, وهشام عن أبان أنه أمرهم بالصلاة عليها قال ابن عبد البر: وهو الصحيح.
مسألة:
[قال: وإذا حضرت جنازة رجل وامرأة وصبي جعل الرجل مما يلي الإمام, والمرأة خلفه والصبي خلفهما] لا خلاف في المذهب أنه إذا اجتمع مع الرجال غيرهم أنه يجعل الرجال مما يلي الإمام, وهو مذهب أكثر أهل العلم فإن كان معهم نساء وصبيان فنقل الخرقي ها هنا, أن المرأة تقدم مما يلي الرجل ثم يجعل الصبي خلفهما مما يلي القبلة لأن المرأة شخص مكلف فهي أحوج إلى الشفاعة, ولأنه قد روي عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي القبلة, فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري, وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا: هذه السنة والمنصوص عن أحمد, في رواية جماعة من أصحابه أن الرجال مما يلي الإمام والصبيان أمامهم, والنساء يلين القبلة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأنهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة فكذلك يقدمون عليهن مما يلي الإمام عند اجتماع الجنائز, كالرجال وأما حديث عمار فالصحيح فيه أنه جعلها مما يلي القبلة وجعل ابنها مما يليه كذلك رواه سعيد, وعمار مولى بني سليم عن عمار مولى بني هاشم وأخرجه كذلك أبو داود والنسائي, وغيرهما ولفظه قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم, ووضعت المرأة وراءه وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة, وأبو هريرة فقلنا لهم فقالوا: السنة وأما الحديث الأول فلا يصح فإن زيد بن عمر هو ابن أم كلثوم بنت علي, الذي صلى عليه معها وكان رجلا له أولاد كذلك قال الزبير بن بكار ولا خلاف في تقديم الرجل على المرأة ولأن زيدا ضرب في حرب كانت بين عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل, ومات والتفت صارختان عليه وعلى أمه ولا يكون إلا رجلا.
فصل:
ولا خلاف في تقديم الخنثى على المرأة لأنه يحتمل أن يكون رجلا, وأدنى أحواله أن يكون مساويا لها ولا في تقديم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الإمامة ولا في تقديم الكبير على الصغير كذلك وقد روى الخلال, بإسناده عن على ـ رضي الله عنه ـ في جنازة رجل وامرأة وحر وعبد وصغير وكبير, يجعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة أمام ذلك والكبير مما يلي الإمام, والصغير أمام ذلك والحر مما يلي الإمام والمملوك أمام ذلك فإن اجتمع حر صغير وعبد كبير, قال أحمد في رواية الحسن بن محمد في غلام حر وشيخ عبد: يقدم الحر إلى الإمام هذا اختيار الخلال, وغلط من روى خلاف ذلك واحتج بقول على: الحر مما يلي الإمام والمملوك وراء ذلك ونقل أبو الحارث: يقدم أكبرهما إلى الإمام, وهو أصح - إن شاء الله تعالى- لأنه يقدم في الصف في الصلاة وقول على أراد به إذا تساويا في الكبر والصغر بدليل أنه قال: والكبير مما يلي الإمام والصغير أمام ذلك.
فصل:
فإن كانوا نوعا واحدا, قدم إلى الإمام أفضلهم لأن النبي ـ ﷺ ـ (كان يوم أحد يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد ويقدم أكثرهم أخذا للقرآن) ولأن الأفضل يقدم في صف المكتوبة فيقدم ها هنا, كالرجال مع المرأة وقد دل على الأصل قوله عليه السلام: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) وإن تساووا في الفضل قدم الأكبر فالأكبر فإن تساووا قدم السابق وقال القاضي: يقدم السابق وإن كان صبيا ولا تقدم المرأة وإن كانت سابقة لموضع الذكورية, فإن تساووا قدم الإمام من شاء منهم فإن تشاح الأولياء في ذلك أقرع بينهم.
فصل:
ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة, وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز وقد روي عن النبي ـ ﷺ ـ (أنه صلى على حمزة مع غيره) وقال حنبل: صليت مع أبي عبد الله على جنازة امرأة منفوسة فصلى أبو إسحاق على الأم, واستأمر أبا عبد الله وقال: صل على ابنتها المولودة أيضا؟ قال أبو عبد الله: لو أنهما وضعا جميعا كانت صلاتهما واحدة تصير إذا كانت أنثى عن يمين المرأة, وإذا كان ذكرا عن يسارها وقال بعض أصحابنا: إفراد كل جنازة بصلاة أفضل ما لم يريدوا المبادرة وظاهر كلام أحمد في هذه الرواية التي ذكرناها أنه أفضل في الإفراد, وهو ظاهر حال السلف فإنه لم ينقل عنهم ذلك.
مسألة:
قال: [وإن دفنوا في قبر يكون الرجل ما يلي القبلة والمرأة خلفه والصبي خلفهما, ويجعل بين كل اثنين حاجزا من تراب] وجملته أنه إذا دفن الجماعة في القبر قدم الأفضل منهم إلى القبلة ثم الذي يليه في الفضيلة, على حسب تقديمهم إلى الإمام في الصلاة سواء على ما ذكرنا في المسألة قبل هذه لما روى هشام بن عامر قال: (شكا إلى رسول الله ـ ﷺ ـ الجراحات يوم أحد, فقال: احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد, وقدموا أكثرهم قرآنا) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح فإذا ثبت هذا فإنه يجعل بين كل اثنين حاجزا من التراب, فيجعل كل واحد منهم في مثل القبر المنفرد لأن الكفن حائل غير حصين قال أحمد: ولو جعل لهم شبه النهر وجعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجعل بينهما شيء من التراب, لم يكن به بأس أو كما قال.
فصل:
ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في قبر واحد قال: أما في مصر فلا وأما في بلاد الروم فتكثر القتلى, فيحفر شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا ويجعل بينهما حاجزا, لا يلتزق واحد بالآخر وهذا قول الشافعي وذلك لأنه لا يتعذر في الغالب إفراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر ذلك غالبا في دار الحرب وفي موضع المعترك وإن وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة وأكثر في القبر الواحد, حيثما كان من مصر أو غيره فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره وإن استووا في ذلك بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات, فإن استووا في القرب قدم أنسبهم وأفضلهم.
مسألة:
قال: [وإن ماتت نصرانية وهي حاملة من مسلم دفنت بين مقبرة المسلمين ومقبرة النصارى] اختار هذا أحمد لأنها كافرة, لا تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذوا بعذابها ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم, وتدفن منفردة مع أنه روي عن واثلة بن الأسقع مثل هذا القول وروي عن عمر أنها تدفن في مقابر المسلمين قال ابن المنذر: لا يثبت ذلك قال أصحابنا: ويجعل ظهرها إلى القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن, لأن وجه الجنين إلى ظهرها.
مسألة:
قال: [ويخلع النعال إذا دخل المقابر] هذا مستحب لما روى بشير ابن الخصاصية قال: (بينا أنا أماشي رسول الله ـ ﷺ ـ إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان, فقال: يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ـ ﷺ ـ خلعهما, فرمى بهما) رواه أبو داود وقال أحمد: إسناد حديث بشير ابن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا قال جرير بن حازم: رأيت الحسن, وابن سيرين يمشيان بين القبور في نعالهما ومنهم من احتج بقول النبي ـ ﷺ ـ : (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه, إنه يسمع قرع نعالهم) رواه البخاري وقال أبو الخطاب: يشبه أن يكون النبي ـ ﷺ ـ إنما كره للرجل المشي في نعليه لما فيهما من الخيلاء فإن نعال السبت من لباس أهل النعيم قال عنترة: يحذى نعال السبت ليس بتوأم ** ولنا أمر النبي ـ ﷺ ـ في الخبر الذي تقدم, وأقل أحواله الندب ولأن خلع النعلين أقرب إلى الخشوع وزى أهل التواضع, واحترام أموات المسلمين وإخبار النبي ـ ﷺ ـ بأن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة فإنه يدل على وقوع هذا منهم, ولا نزاع في وقوعه وفعلهم إياه مع كراهيته فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من خلع نعليه مثل الشوك يخافه على قدميه, أو نجاسة تمسهما لم يكره المشي في النعلين قال أحمد في الرجل يدخل المقابر وفيها شوك يخلع نعليه: هذا يضيق على الناس حتى يمشي الرجل في الشوك, وإن فعله فحسن هو أحوط وإن لم يفعله رجل يعني لا بأس وذلك لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال, والاستحباب أولى ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف لأن نزعها يشق وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه مع أمره بخلع النعال وذكر القاضي أن الكراهة لا تتعدى النعال إلى الشمشكات ولا غيرها لأن النهي غير معلل, فلا يتعدى محله.
فصل:
ويكره المشي على القبور وقال الخطابي: ثبت أن النبي ـ ﷺ ـ (نهى أن توطأ القبور) وروى ابن ماجه قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (لأن أمشي على جمرة أو سيف, أو أخصف نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور - كذا قال - قضيت حاجتي, أو وسط السوق) ولأنه كره المشي بينها بالنعلين فالمشي عليها أولى.
فصل:
ويكره الجلوس عليها والاتكاء عليها لما روى أبو يزيد, قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ : (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله: (لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده, خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم: قال الخطابي: وروى أن النبي ـ ﷺ ـ (رأى رجلا قد اتكأ على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر).
مسألة: جواز زيارة المقابر
قال: [ولا بأس أن يزور الرجل المقابر] لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة زيارة الرجال القبور وقال على بن سعيد: سألت أحمد عن زيارة القبور تركها أفضل عندك أو زيارتها؟ قال: زيارتها وقد صح عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها فإنها تذكركم الموت) رواه مسلم والترمذي بلفظ: " فإنها تذكر الآخرة ".
فصل:
وإذا مر بالقبور أو زارها استحب أن يقول ما روى مسلم, عن بريدة قال: (كان رسول الله ـ ﷺ ـ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي حديث عائشة: (ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) وفي حديث آخر: (اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم) وإن أراد قال: اللهم اغفر لنا ولهم كان حسنا.
فصل:
قال: ولا بأس بالقراءة عند القبر, وقد روى عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرءوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر وروى عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة وروى ذلك عن هشيم, قال أبو بكر: نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعا أبان به عن نفسه فروى جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر, وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة فقال له محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله: ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة قال: فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها, وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ وقال الخلال: حدثني أبو على الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور وقد روى عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ, وكان له بعدد من فيها حسنات) وروى عنه عليه السلام (من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له).
فصل:
وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم, نفعه ذلك إن شاء الله أما الدعاء, والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات, فلا أعلم فيه خلافا إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة وقد قال الله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر: 10]. وقال الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19]. (ودعا النبي ـ ﷺ ـ لأبي سلمة حين مات) وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك, ولكل ميت صلى عليه ولذي النجادين حتى دفنه وشرع الله ذلك لكل من صلى على ميت (وسأل رجل النبي ـ ﷺ ـ فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) رواه أبو داود وروى ذلك عن سعد بن عبادة (وجاءت امرأة إلى النبي ـ ﷺ ـ فقالت: يا رسول الله, إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم قال: فدين الله أحق أن يقضي) (وقال للذي سأله: إن أمي ماتت, وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: نعم) وهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية, وقد أوصل الله نفعها إلى الميت فكذلك ما سواها مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس, وتخفيف الله تعالى عن أهل المقابر بقراءته وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال لعمرو بن العاص: لو كان أبوك مسلما, فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه, بلغه ذلك) وهذا عام في حج التطوع وغيره ولأنه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه, كالصدقة والصيام والحج الواجب وقال الشافعي: ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه لقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]. وقول النبي ـ ﷺ ـ : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) ولأن نفعه لا يتعدى فاعله فلا يتعدى ثوابه وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت, أو أهدى إليه ثوابه كان الثواب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها, فترجى له الرحمة ولنا ما ذكرناه وأنه إجماع المسلمين فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن, ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير ولأن الحديث صح عن النبي ـ ﷺ ـ : (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة ولأن الموصل لثواب ما سلموه قادر على إيصال ثواب ما منعوه, والآية مخصوصة بما سلموه وما اختلفنا فيه في معناه فنقيسه عليه ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به, فإنما دل على انقطاع عمله فلا دلالة فيه عليه ثم لو دل عليه كان مخصوصا بما سلموه وفي معناه ما منعوه, فيتخصص به أيضا بالقياس عليه وما ذكروه من المعنى غير صحيح فإن تعدى الثواب ليس بفرع لتعدي النفع, ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به والله أعلم.
مسألة:
قال: [وتكره للنساء] اختلفت الرواية عن أحمد في زيارة النساء القبور, فروي عنه كراهتها لما روت أم عطية قالت: (نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا) رواه مسلم ولأن النبي ـ ﷺ ـ قال: (لعن الله زوارات القبور) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهذا خاص في النساء والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء ويحتمل أنه كان خاصا للرجال ويحتمل أيضا كون الخبر في لعن زوارات القبور, بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والإباحة فأقل أحواله الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر, كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها وتجديد لذكر مصابها, فلا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يجوز بخلاف الرجل ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد, وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما والرواية الثانية لا يكره لعموم قوله عليه السلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) وهذا يدل على سبق النهي ونسخه, فيدخل في عمومه الرجال والنساء وروى عن ابن أبي مليكة أنه قال لعائشة: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها: قد (نهي رسول الله ـ ﷺ ـ عن زيارة القبور؟ قالت: نعم, قد نهى ثم أمر بزيارتها) وروى الترمذي أن عائشة زارت قبر أخيها وروي عنها أنها قالت: لو شهدته ما زرته.
فصل:
ويكره النعي, وهو أن يبعث مناديا ينادي في الناس: إن فلانا قد مات ليشهدوا جنازته لما روى حذيفة قال: سمعت النبي ـ ﷺ ـ (ينهى عن النعي) قال الترمذي: هذا حديث حسن واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم منهم عبد الله بن مسعود وأصحابه علقمة, والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل قال علقمة: لا تؤذنوا بي أحدا وقال عمرو بن شرحبيل: إذا أنا مت فلا أنعى إلى أحد وقال كثير من أهل العلم: لا بأس أن يعلم بالرجل إخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء قال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه, وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: أنعى فلانا كفعل الجاهلية وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين وروي عن ابن عمر أنه نعى إليه رافع بن خديج, قال: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قال: نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى من قد بات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال: نعم ما رأيتم وقال النبي ـ ﷺ ـ (في الذي دفن ليلا: ألا آذنتموني) وقد صح عن أبى هريرة (أن رسول الله ـ ﷺ ـ نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه, وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) متفق عليه وفي لفظ: (إن أخاكم النجاشي قد مات, فقوموا فصلوا عليه) وروي عن النبي ـ ﷺ ـ (أنه قال: لا يموت فيكم أحد إلا آذنتموني به) أو كما قال ولأن في كثرة المصلين عليه أجرا لهم ونفعا للميت فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر وجاء عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: (ما من مسلم يموت, فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) وقد ذكرنا هذا وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي المليح أنه صلى على جنازة, فالتفت فقال: استووا ولتحسن شفاعتكم ألا وإنه حدثني عبد الله بن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين, وهي ميمونة وكان أخاها من الرضاعة أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: (ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه) فسألت أبا المليح عن الأمة؟ فقال: أربعون.