► | "قصيدة للشيخ معروف الرصافي الشاعر العراقي الشهير ينتصر فيها لمذهب الإمام ابن القيم في كتابه «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان»". عن مجلة المنار، مجلد13 ج2 ص128 صفر 1328 | ☰ |
بدت كالشمس يحضنها الغروب ** فتاة راع نضرتها الشحوب
منزهة عن الفحشاء خود ** من الخفرات آنسة عروب
نور تستجد بها المعالي ** وتبلى دون عفتها العيوب
صفا ماء الشباب بوجنتيها ** فحامت حول رونقه القلوب
ولكن الشوائب أدركته ** فعاد وصفوه كدر مشوب
ذوى منها الجمال الغض وجدا ** وكاد يجف ناعمه الرطيب
أصابت من شيبتها الليالي ** ولم يدرك ذؤابتها المشيب
وقد خلب العقول لها جبين ** تلوح على أسرّته النكوب
ألا إن الجمال إذا علاه ** نقاب الحزن منظره عجيب
حليلة طيب الأعراق زالت ** به عنها وعنه بها الكروب
رعى ورعت فلم تر قط منه ** ولم ير قط منها ما يريب
توثق حبل ودهما حضورا ** ولم ينكث توثقه المغيب
فغاضب زوجها الخلطاء يوما ** بأمر للخلاف به نشوب
فأقسم بالطلاق لهم يمينا ** وتلك النية خطأ وحوب
وطلقها على جهل ثلاثا ** كذلك يجهل الرجل الغضوب
وأفتى بالطلاق طلاق بت ** ذوو فتيا تعصبهم عصيب
فبانت عنه لم تأت الدنايا ** ولم يعلق بها الذام المعيب
فظلت وهي باكية تنادي ** بصوت منه ترتجف القلوب
لماذا يا نجيب صرمت حبلي ** وهل أذنبت عندك يا نجيب
وما لك قد جفوت جفاء قالٍ ** وصرت إذا دعوتك لا تجيب
أبِنْ ذنبي اليّ فدتك نفسي ** فإني عنه بعدئذ أتوب
أما عاهدتني بالله أن لا ** يفرق بيننا إلا شعوب
لئن فارقتني وصددت عني ** فقلبي لا يفارقه الوجيب
وما إدماء ترتع حول روض ** ويرتع خلفها رشا ربيب
فما لفتت إليه الجيد حتى ** تخطفه بآزمتيه ذيب
فراحت من تحرقها عليه ** بداء مالها فيه طبيب
تشم الأرض تطلب منه ريحا ** وتنجب والبغام هو النحيب
وتمزع في الفلاة لغير وجه ** وآونة لمصرعه تؤوب
بأجزع من فؤادي يوم قالوا ** برغم منك فارقك الحبيب
فأطرق رأسه خجلا وأغضى ** وقال ودمع عينيه سكوب
نجيبة اقصري عني فإني ** كفاني من لظي الندم اللهيب
وما والله هجرك باختياري ** ولكن هكذا جرت الخطوب
فليس يزول حبك من فؤادي ** وليس العيش دونك لي يطيب
ولا أسلو هواك وكيف أسلو ** هوى كالروح في له دبيب
سلي عني الكواكب وهي تسري ** بجنح الليل تطلع أو تغيب
فكم غالبتها بهواك سهدا ** ونجم القطب مطلع رقيب
خذي من نور "رنتجن" شعاعا ** به للعين تنكشف الغيوب
وألقيه بصدري وانظريني ** ترى قلبي عليك به ندوب
وما المكبول ألقى في خضم ** به الأمواج تصعد أو تصوب
فراح يغطه التيار غطا ** إلى أن تم فيه له الرسوب
بأهلك يا ابنة الأمجاد مني ** إذا أنا لم يعد بك لي نصيب
ألا قل في الطلاق لموقعيه ** بما في الشرع ليس له وجوب
غلوتم في ديانتكم غلوا ** يضيق ببعضه الشرع الرحيب
أراد الله تيسيرا وأنتم ** من التعسير عندكم ضروب
وقد حلت بأمتكم كروب ** لكم فيهن لا لهم الذنوب
وهَى حبل الزواج ورقَّ حتى ** كاد إذا نفخت له يذوب
كخيط من لعاب الشمس أدلت ** به في الجو هاجرة حلوب
يمزقه من الأفواه نفث ** ويقطعه من النسم الهبوب
فدى ابن القيم الفقهاء كم قد ** دعاهم للصواب فلم يجيبوا
ففي إعلامه للناس رشد** ومزدجر لمن هو مستريب
نحا فيما أتاه طريق علم ** نحاها شيخه الحبر الأديب
وبين حكم دين الله لكن ** من الغالين لم تعه القلوب
لعل الله يحدث بعدُ أمرا ** لنا فيخيب منهم من يخيب