الرئيسيةبحث

الكتاب الأخضر/الفصل الثالث/الرياضة و الفروسية و العروض

الكتاب الأخضر الرياضة و الفروسية و العروض
المؤلف: معمر القذافي


الرياضة إما خاصة كالصلاة يقوم بها الإنسان بنفسه وبمفرده حتى داخل حجرة مغلقة ، وإما عامة تمارس في الميادين وبشكل جماعي كالصلاة التي تمارس في المعابد بصورة جماعية . إن النوع الأول من الرياضة يهم الفرد شخصه ، أما النوع الثاني فهو يهم كل الشعب يمارسه كله ولا يتركه لأحد يمارسه بالنيابة عنه .. مثلما هو من غير المعقول أن تدخل الجماهير المعابد لتتفرج على شخص أو مجموعة تصلى دون أن تمارس هي الصلاة ! يكون أيضاً من غير المعقول أن تدخل الجماهير الملاعب والميادين لتتفرج على لاعب أو لاعبين دون أن تمارس هي الرياضة بنفسها . إن الرياضة مثل الصلاة ومثل الأكل ومثل التدفئة والتهوية ، فمن الغباء أن تدخل الجماهير إلى مطعم لتتفرج على شخص يأكل أو مجموعة تأكل ! أو تترك الناس شخصاً أو مجموعة يتمتعون بالتدفئة لأجسامهم نيابة عنها أو بالتهوية ! لا يعقل أن يجيز المجتمع لفرد أو فريق أن يحتكر الرياضة دون المجتمع، وأن يتحمل المجتمع تكاليف ذلك الاحتكار لصالح فرد أو فريق .. تماماً مثلما لا يجوز ديمقراطياً أن يسمح الشعب لفرد أو جماعة حزباً كان أو طبقة أو طائفة أو قبيلة أو مجلساً أن يقرر مصيره نيابة عنه ، ويحس بحاجاته نيابة عنه . الرياضة الخاصة لا تهم إلا من يمارسها وعلى مسؤوليته ونفقته .الرياضة العامة حاجة عامة للناس لا ينوب أحد في ممارستها نيابة عنهم مادياً وديمقراطياً … فمن الناحية المادية لا يستطيع هذا النائب أن ينقل ما استفاده لجسمه أو لروحه المعنوية رياضياً للآخرين . وديمقراطياً لا يحق لفرد أو فريق أن يحتكر الرياضة أو السلطة أو الثروة أو السلاح دون الآخرين. إن النوادي الرياضية التي هي أساس الرياضة التقليدية في العالم اليوم ، والتي تستحوذ على كل النفقات والإمكانات العامة الخاصة بالنشاط الرياضي في كل دولة .. إن هذه المؤسسات ما هي إلا أدوات احتكارية اجتماعية شأنها شأن الأدوات السياسية الدكتاتورية التي تحتكر السلطة دون الجماهير ، والأدوات الاقتصادية التي تحتكر الثروة عن المجتمع ، والأدوات العسكرية التقليدية التي تحتكر السلاح عن المجتمع . فكما يحطم عصر الجماهير أدوات احتكار الثروة والسلطة والسلاح … لابد أن يحطم أدوات احتكار النشاط الاجتماعي من رياضة وفروسية وما إليها ..إن الجماهير التي تصطف لتؤيد مرشحاً لينوب عنها في تقرير مصيرها وعلى أساس افتراض مستحيل في أن ينوبها ويحمل بالنيابة عنها كرامتها وسيادتها وكل حيثيتها .ولا يبقى لتلك الجماهير المسلوبة الإرادة والكرامة إلا أن تتفرج على شخص يقوم بعمل كان من الطبيعي أن تقوم به الجماهير نفسها، هي مثل الجماهير التي لا تمارس الرياضة بنفسها ولنفسها نتيجة لعجزها عن ممارستها لجهلها واستغفالها من قبل أدوات الاحتكار التي تعمل على تلهية الجماهير وتخديرها لتمارس الضحك والتصفيق بدلاً من ممارسة الرياضة التي تحتكرها تلك الأدوات الاحتكارية … مثلما السلطة تكون جماهيرية ، فالرياضة كذلك تكون جماهيرية ومثلما الثروة تصبح لكل الجماهير والسلاح للشعب … تكون الرياضة ، بوصفها نشاطاً اجتماعيا جماهيرية كذلك . إن الرياضة العامة تخص كل الجماهير .. وهي حق لكل الشعب لما لها من فوائد صحية وترفيهية ، من الغباء تركها لأفراد ولجماعات معينة تحتكرها وتجني فوائدها الصحية والمعنوية بمفردها، بينما الجماهير تقدم كل التسهيلات والإمكانات، وتدفع النفقات لقيام الرياضة العامة وما تتطلبه. .إن الآلاف التي تملأ مدرجات الملاعب لتتفرج وتصفق وتضحك هي الآلاف المغفلة التي عجزت عن ممارسة الرياضة بنفسها حتى صارت مصطفة على رفوف الملعب تمارس الخمول والتصفيق لأولئك الأبطال الذين انتزعوا منها المبادأة. وسيطروا على الميدان ، واستحوذوا على الرياضة ، وسخروا كل الإمكانات التي تحملتها الجماهير نفسها لصالحهم . إن مدرجات الملاعب العامة معدة أصلاً للحيلولة دون الجماهير والميادين والملاعب ، أي لكي تمنع الجماهير من الوصول إلى ميادين الرياضة ، وإنها ستخلى ثم تلغى يوم تزحف الجماهير وتمارس الرياضة جماهيرياً في قلب الملاعب والميادين الرياضية ، وتدرك أن الرياضة نشاط عام ينبغي أن يمارس لا أن يتفرج عليه . كان يمكن أن يكون العكس معقولاً، وهو أن الأقلية العاجزة أو الخاملة هي التي تتفرج . إن مدرجات الملاعب ستختفي عندما لا يوجد من يجلس عليها . إن الناس العاجزين عن ممارسة أدوار البطولة في الحياة ، والذين يجهلون أحداث التاريخ، والقاصرين عن تصور المستقبل ، وغير الجادين في حياتهم هم الهامشيون الذين يملأون مقاعد المسارح والعروض ليتفرجوا على أحداث الحياة ، ويتعلموا كيف تسير ، تماماً كالتلاميذ الذين يملأون مقاعد المدارس لأنهم غير متعلمين..بل يكونون أميين في البداية . إن الذين يصنعون الحياة بأنفسهم ليسوا في حاجة إلى مشاهدة كيف تسير الحياة بواسطة ممثلين على خشبة المسرح أو دور العرض . وهكذا فالفرسان الذين يمتطي كل واحد منهم جواده لا مقعد له على حافة ميدان السباق ، فلو كان لكل واحد جواد لما وجد من يتفرج ويصفق للسباق . فالمتفرجون القاعدون هم فقط الذين غير قادرين على ممارسة هذا النشاط لأنهم ليسوا من راكبي الخيول . هكذا فالشعوب البدوية لا تهتم بالمسرح والعروض لأنها كادحة وجادة في حياتها للغاية ، فهي صانعة الحياة الجادة ، ولهذا تسخر من التمثيل . والجماعات البدوية كذلك لا تتفرج على لاعبين ، بل تمارس الأفراح أو الألعاب بصورة جماعية ، لأنها تحس عفوياً بالحاجة إليها فتمارسها دون تفسير . أما الملاكمة والمصارعة بأنواعها فهي دليل على أن البشرية لم تتخلص بعد من كل السلوك الوحشي … ولكنها ستنتهي حتماً عندما يرقى الإنسان درجات أكثر على سلم الحضارة . إن المبارزة بالمسدسات ، وقبلها تقديم القربان البشري ، كانت سلوكاً مألوفاً في مرحلة من مراحل تطور البشرية … ولكن منذ مئات السنين انتهت هذه الأعمال الوحشية … وأصبح الإنسان يضحك على نفسه ويتحسر لها في ذات الوقت لأنه كان يمارس تلك الأمور . وهكذا شأن الملاكمة والمصارعة بأنواعها بعد عشرات أو مئات السنين. ولكن الأفراد المتحضرين أكثر من غيرهم ، والأرقى عقلياً هم القادرون الآن على تجنب ذلك السلوك الوحشي ممارسة وتشجيعاً.