الرئيسيةبحث

القياس

القياس
المؤلف: ابن رشد


بسم الله الرحمن الرحيم

☰ جدول المحتويات

الشيء الذي عنه الفحص ومنفعته

قال: ينبغي أن نبتدئ أولا فنخبر بالشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب وبالمنفعة الحاصلة عن الشيء المفحوص عنه. ثم بعد ذلك نخبر بالأشياء التي تتنزل من هذا الكتاب بمنزلة الأصول والمبادئ لسائر ما يتكلم فيه- وهي أن نعرف ما هي المقدمة، وما هو الحد، وما هو القياس، وأي القياسات كامل وأيها غير كامل، وما المحمول على كل شيء أو ليس بمحمول على كل الشيء أولا على شيء منه.

فنقول: أما الشيء الذي عنه الفحص في هذا الكتاب فهو البرهان لأن القياس إنما الفحص عنه من أجل الفحص عن البرهان. وأما المنفعة الحاصلة منه فهو حصول العلم البرهاني في جميع الموجودات على أتم ما في طباعها أن تحصل للإنسان.

فأما المقدمة فهي قول موجب شيئا لشيء أو سالب شيئا عن شيء. والمقدمة لها انقسام من جهة الكيفية وانقسام من جهة الكمية. أما من جهة الكمية فمنها كلية ومنها جزئية ومنها مهملة. وأما من جهة الكيفية فمن قبل أن كل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة. فالكلية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لكل الموضوع- مثل قولنا كل إنسان حيوان. والسالبة الكلية هي ما سلب فيها المحمول عن كل الموضوع- مثل قولنا ولا إنسان واحد حجر. والجزئية الموجبة هي ما أوجب فيها المحمول لبعض الموضوع- مثل قولنا بعض الحيوان إنسان. والجزئية السالبة هي إما سالب المحمول عن بعض الموضوع- مثل قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان- وإما سالب الكلية عن الموضوع- قولنا ليس كل حيوان إنسانا- فإن السالبة الجزئية لها عبارتان، إحداهما رفع البعض والثانية رفع الكل الموجود فيها. والمهملة هي التي لا يقرن بها سور أصلا لا كلي ولا جزئي- مثل قولنا العلم بالأضداد واحد، واللذة ليست بخير. فهذه هي أقسام المقدمة من جهة الصورة- اعني الأقسام النافعة في معرفة القياس بإطلاق.

وأما انقسام المقدمة من جهة المادة فمنها برهانية ومنها جدلية إلى غير ذلك من الأقسام التي يلحقها من جهة المواد المستعملة في الصنائع المنطقية على ما سنبين بعد من هذه الصناعة. والمقدمة البرهانية والجدلية يفترقان بأشياء. أحدها أن المقدمة البرهانية إنما هي أحد جزءي النقيض وهو الصادق. وأما المقدمة الجدلية فقد تكون كل واحدة من جزءي النقيض إذ كانت إنما تؤخذ متسلمة من المجيب، والمجيب فقد يجيب بكل واحد من جزءي النقيض إذ كان السائل يفوض إليه في هذه الصناعة عند السؤال أن يجيب بأي جزءي النقيض أحب. وليس الفرق الذي بين المقدمة البرهانية والمقدمة الجدلية مما له تأثير في وجود القياس عنها، بل ليس بينهما في ذلك فرق أصلا. فإن المبرهن والجدلي قد يقيس كل واحد من هؤلاء قياسا صحيحا إذا أخذ شيئا محمولا على شيء أو غير محمول- أعني إذا وضع مقدمة من المقدمات فتكون المقدمة القياسية التي هي كالجنس للمقدمة البرهانية والجدلية، وهي التي ينظر فيها في هذا الكتاب، هو قول موجب شيئا لشيء أو سالب شيئا عن شيء. وأما المقدمة البرهانية فهي التي تكون من المعلومات الأول بالطبع. وأما الجدلية أما للقياس فمن المشهورات، وأما للسائل فمن المتسلمات المشهورة. والفصول التي تنفصل بها هذه المقدمات بعضها من بعض هي مستوفاة في كتاب البرهان وكتاب الجدل، والنظر فيها من هذه الجهة هو هنالك. وكذلك فصول سائر المقدمات هي مستوفاة في الصنائع الخاصة بها- مثل المقدمات السوفسطائية والخطبية والشعرية. وأما هاهنا فيكفي من معرفة فصول المقدمات هذا القدر الذي ذكر.

وأما الحد فإنه يدل به في هذا الكتاب على الشيء الذي تنحل إليه المقدمة مما هو جزء ضروري في كونها مقدمة- وهو المحمول والموضوع اللذان هما جزءا المقدمة الضروريان في وجودها- لا الأشياء التي تزاد في المقدمة لموضع الرباط- وهي الكلم الوجودية- فإن تلك ليست تنحل إليها المقدمة على أنها أجزاء ضرورية فيها، إذ كانت قد تكون المقدمة مقدمة بالفعل وإن كانت الكلم الوجودية موجودة فيها بالقوة وفي الضمير على ما جرت عليه العادة عند العرب في الثلاثية وعلى ما عليه الأمر في الثنائية- أعني من أنه ليست بها حاجة إلى الكلم الوجودية. وسواء في هذا المعنى المقدمات الموجبة والسالبة. فأما القياس فهو قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم من الاضطرار عن تلك الأشياء الموضوعية بذاتها لا بالعرض شيء ما آخر غيرها. فالقول هاهنا هو جنس القياس- وأريد به القول الجازم- وسائر ما أخذ في الحد هي فصول تميز القول القياسي بالحقيقة من غير القياسي. فقوله: إذا وضعت فيه، يريد به إذا تسلمت واصطلح عليها. وقوله: أشياء أكثر من واحد، يريد بها المقدمات. وإنما قال أكثر من واحد لأنه سيبين بعد أنه لا يكون قياس من مقدمة واحدة. وقوله: شيء ما آخر، يعني به النتيجة، وذلك أنه واجب أن تكون النتيجة غير المقدمات، فإن الشيء لا يؤخذ في بيان نفسه. وقوله: لزم من الاضطرار، إنما إشترط فيه من الاضطرار من قبل أن اللزوم منه ضروري ومنه غير ضروري، وبهذا الشرط ينفصل القياس من الأقاويل التي يلزم عنها الشيء لزوما غير ضروري- وهي الاستقراء والمثال والمقاييس التي تنتج السلب مرة والإيجاب أخرى. وقوله: بذاتها، أراد به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل ال به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل النتاج من موجبتين في الشكل الثاني إذا كانت المحمولات مساوية للموضوعات في الحمل. وبعض ما أخذ في هذا الحد هو بين بنفسه- أعني وجوده للقياس- وبعضه- سيبين وجوده. وذلك أن كون القياس قولا جازما هو بين بنفسه إذ كان القول الجازم هو الذي يصدق أو يكذب، وكذلك ما قيل فيه من أن يكون الازم عنه غير المقدمات وأن يكون اللزوم ضروريا هو بين بنفسه، وكذلك كون اللزوم بذاته لا بالعرض هو أيضا أمر بين بنفسه- أعني أن القياس يجب أن يكون بهذه الصفة. والذي بقي أن يبين هو أن الواجب أن يوضع فيه أكثر من مقدمة، وذلك سيبين فيما بعد إذا تبين أن كل قياس فإنما يأتلف من مقدمتين لا أكثر ولا أقل.

والقياس منه كامل ومنه- كما قلنا- غير كامل. والكامل هو الذي لا يحتاج في ظهور ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر غيره مما يبين به إنتاجه. وغير الكامل هو الذي يحتاج في بيان ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر أو أشياء أخر مما هو لازم عن المقدمات التي وضعت فيه. وذلك أن القياس بالجملة يجب أن يكون تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. ثم هذا ينقسم قسمين، فمنه ما ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الذي يخص هاهنا باسم غير الكامل- ومنه مالا ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الكامل.

وأما المقول على الكل أو المقول ولا على واحد، فيعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويحمل عليه المحمول موجودا لكل الموضوع ولكل ما يتصف بالموضوع ويوجد فيه، حتى يكون قولنا كل ما هو حيوان فهو جسم إذا أردنا به معنى المقول على الكل ليس معناه كل واحد من الحيوانات فهو جسم بل كل واحد من الحيوانات وكل ما يتصف بكل واحد منها فهو جسم. وهذا هو الفرق بين المقول على الكل المستعمل مبدأ في هذا الكتاب وبين المقدمة الكلية. وكذلك المقول ولا على واحد، إنما يعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويسلب عنه المحمول، حتى يكون المحمول مسلوبا عن كل الموضوع وعن جميع الأشياء الموجود فيها الموضوع- أعني الأشياء التي يتصف بها الموضوع.

فهذه هي الأشياء التي يجب أن تتقدم معرفتها قبل النظر في أصناف المقاييس أي صنف كان.

المقدمات المنعكسة

وكل مقدمة فإما أن تكون مطلقة- أي موجودة بالفعل- وإما اضطرارية وإما ممكنة. ولذلك تنقسم أجناس المقاييس بانقسام جهات المقدمات وكل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة، وإما كلية وإما جزئية وإما مهملة. ولذلك تتنوع المقاييس الموجودة من قبل هذه الجهات- أعني أن منها ما يكون من مقدمات ضرورية ووجودية وممكنة- كما نتنوع من جهة اختلاف المقدمات في الكمية- أعني بالكمية اختلافها من قبل الأسوار وبالكيفية اختلافها من قبل الإيجاب والسلب. والجهة الضرورية والممكنة قد عرفتها من الكتاب المتقدم. وأما الوجودية فيشبه أن يكون أريد بها هاهنا الموجودة بالفعل بإطلاق- أي التي المحمول فيها موجود لكل موضوعاته لا في زمان مشار إليه بل بإطلاق. فإنه قدصرح أرسطو في كتاب البرهان أن المقدمات التي تحمل على الكل غير الضرورية. وقد يدخل في هذا الجنس التي ليست بضرورية- أعني التي يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع وذلك في أكثر الزمان. وهذا هو الفرق بين الضرورية وبين الموجودة بالفعل- أعني أن الضرورية يوجد المحمول فيها لكل أشخاص الموضوع في كل الزمان، وأما تلك ففي أكثر الزمان. ويشبه أن يدخل في هذا الصنف من المقدمات التي يجهل من أمرها أنها ضرورية أو غير ضرورية، لا الموجودة بالفعل مادام الموضوع موجودا أو مادام المحمول موجودا- وهو الذي يذهب إليه الإسكندر- لأن هذه شخصية وإن وجد منها كلية ففي الأقل من الزمان وبالعرض. وقد حذر أرسطو من استعمال أمثال هذه المقدمات الوجودية فيما يأتي بعد وإن كان قد يستعملها أرسطو لأمور دعته إلى ذلك. ولا هي أيضا شيء يشمل الضروري والممكن على ما يذهب إليه ثاوفرسطس وغيره- إلا أن يريد المعلومة الوجود المجهولة كونها ضرورية أو غير ممكنة- فإن المقصود هاهنا هو قسمة المقدمة إلى أقسام الوجود أو إلى أقسام المعارف الأول الموجودة لنا بالطبع في المقدمات، وسيبين هذا من قولنا بعد.

وهذه المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- منها ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس. وأعني بالانعكاس أن يتبدل ترتيب أجزاء القضية فيصير محمولها موضوعا وموضوعها محمول ويبقى صدقها وكيفيتها من الإيجاب أو السلب أيضا محفوظا. فأما إذا يتبدل الترتيب ولم يبق الصدق محفوظا فهو الذي يسمى في هذه الصناعة قلب القضية.

القول في انعكاس المقدمات المطلقة

فأما المقدمات المطلقة الكلية فإن السالبة تنعكس محفوظة الكمية. مثال ذلك إن كان ولا شيء من اللذة خير صادقا فقولنا ولاشيء من الخير لذة صادق أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا. وأما الموجبة الكلية فإنها تنعكس أيضا لكنها لا تنعكس محفوظة الكمية- أعني كلية- كالحال في السالبة بل تنعكس جزئية. وذلك أنه إن كان قولنا إن كل لذة خير صادق فقولنا بعض الخير لذة صادق.

وأما المقدمات الجزئية المطلقة فإن الموجبة منها تنعكس جزئية. وذلك انه كان قولنا بعض اللذة خير صادقا فواجب أن كون قولنا بعض الخير لذة صادقا أيضا. وأما السالبة منها فليس تنعكس دائما وفي كل مادة من هذا الصنف- وهو الشيء الذي يشترط في المقدمات المنعكسة- وذلك أنه إن كان صادقا قولنا بعض الحيوان ليس بإنسان، ليس بصادق عكس هذا- وهو قولنا بعض الإنسان ليس بحيوان. فالاستقراء كاف في بيان ما لا ينعكس منها- مثل السالبة الجزئية.

وأما بيان ما ينعكس منها فقد يحتاج إلى قول. فليكن أولا مثال السالبة الكلية قولنا اَ ولا في شيء من بَ، على أن يكون اَ مثالا للمحمول وبَ مثالا للموضوع، فإن التمثيل بالحرف هو أحرى أن لا يظن بما يبين من ذلك أنه إنما لزم من قبل المادة- أعني من قبل مادة المثال الموضوع فيه- لا من قبل الأمر في نفسه- مثل أن نضع بدل اَ حيوانا وبدل بَ حجرا. فأقول إنه إذا كان قولنا ولا شيء من اَ بَ صادقا فإنه يجب ضرورة أن يكون ولا شيء من بَ اَ صادقا، لأنه إن لم يكن قولنا ولا شيء من بَ اَ صادقا فنقيضه هو الصادق على ما تبين في الكتاب المتقدم وهو قولنا بعض بَ اَ. فلنفرض ذلك البعض شيئا محسوسا- وهو جَ مثلا- فتكون جَ التي هي بعض بَ موجودة بالحس في اَ فهي بعض اَ، فيكون بعض اَ موجودا بالحس في بَ وقد كنا فرضنا أنه ولاشيء من اَ هو بَ صادقا، وذلك خلف لا يمكن. فإذن قولنا بعض بَ اَ كاذب. وإذا كذب هذا، صدق قولنا ولا شيء من بَ اَ، وهو الذي قصدنا بيانه. وأما الموجبة الكلية المطلقة فإنها تنعكس كما قلنا جزئية. وذلك أنه إن كان كل بَ اَ صادقا، فأقول إنه يجب ضرورة وفي كل مادة أن يكون بعض اَ بَ صادقا. برهان ذلك أنه إن لم يكن قولنا بعض اَ بَ صادقا فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا ولا شيء من اَ هو بَ. وإذا كان هذا صادقا، فعكسه أيضا صادق على ما تبين قبل من أن السالبة الكلية تنعكس وهو قولنا ولا شيء من بَ اَ. وقد كنا فرضنا أن كل بَ اَ. هذا خلف لا يمكن فإذن قولنا ولا شيء من اَ هو بَ هو كاذب. وإذا كذب هذا صدق نقيضه، وهو قولنا بعض بَ اَ.

وأما الموجبة الجزئية، فأقول إنها أيضا تنعكس جزئية وذلك أنه إن كان بعض بَ اَ صادقا، فبعض اَ بَ صادق ضرورة، لأنه إن لم يكن صادقا فنقيضه هو الصادق- وهو لا شيء من اَ بَ. وإذا صدق هذا، فعكسه أيضا صادق- وهو قولنا ولا شيء من بَ اَ. وقد كنا فرضنا بعض بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. فإذن قولنا ولا شيء من اَ بَ كاذب ضرورة، فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا بعض اَ بَ.

وأما الجزئية السالبة فإنها لا تنعكس دائما. ومثال ذلك إن جعلنا في موضع بَ حيا وفي موضع اَ إنسانا، فصدق قولنا ليس كل حي إنسانا، لم يصدق عكسه- وهو قولنا ليس كل إنسان حيا. وهذا كاف في الإبطال كما قلنا.

فهذه هي المقدمات المنعكسة وغير المنعكسة في المادة المطلقة.

القول في انعكاس المقدمات الضرورية

وأما المقدمات الاضطرارية فإن الكلية السالبة منها تنعكس كلية أيضا والكلية الموجبة جزئية وكذلك الجزئية الموجبة كالحال في المطلقة. وبيان ذلك أنه إن كان ولا شيء من بَ اَ باضطرار صادقا، فأقول إنه يلزم أن يكون ولا شيء من اَ بَ باضطرار صادقا أيضا. برهان ذلك أنه إن لم يكن صادقا قولنا ولا شيء من اَ بَ باضطرار، فنقيضه إذن صادق- وهي إما الموجبة الجزئية التي في المادة الممكنة التي هي مضادة للمادة الضرورية، وإما الجزئية الموجبة الضرورية، إذ كان ليس هاهنا غير هاتين المادتين. فإن المطلقة هي من طبيعة الممكن، والمحال الذي يعرض عن فرضهما هو واحد بعينه، إذ كان الممكن هو الذي إذا أنزل بالفعل لم يلزم عن إنزاله محال، لكن إن أنزلناها الجزئية الضرورية يتبين بالبيان المتقدم في السالبة المطلقة لزوم المحال عن هذا الفرض. وإن أنزلناه الجزئية الممكنة- مثل أن نفرض بعض اَ بَ بإمكان، فهو ظاهر أنا إن أنزلنا أن بعض اَ بَ بالفعل أنه ليس يعرض عن ذلك محال. لكن إن أنزلنا أن بعض اَ بَ بالفعل، فبعض بَ اَ بالفعل، لأن الجزئية المطلقة قد تبين انعكاسها. وقد كنا وضعنا أنه ولا شيء من بَ اَ بالضرورة، هذا خلف لا يمكن، فإن الموجود من طبيعة الممكن والممكن مضاد للضروري. وإذا كذبت الموجبة الجزئية الضرورية والممكنة، فواجب أن تصدق السالبة الضرورية الكلية لأن ما ليس موجود بإمكان ولا بالضرورة فهو مسلوب بالضرورة.

وأما الموجبة الكلية الضرورية فإنها تنعكس أيضا جزئية ضرورية، لأنه إن كان كل بَ اَ باضطرار صادقا فأقول إنه يجب أن يكون بعض اَ بَ باضطرار، لأنه إن كان بعض اَ بَ بإمكان لا باضطرار وجب أن يكون بعض بَ اَ بإمكان، وذلك ببيان الفرض المتقدم المستعمل في الوجودية. وذلك أنا إذا فرضنا بعض بَ الذي هو موجود في اَ بإمكان شيئا محسوسا، كان ذلك الشيء بعض اَ وبعض بَ. فيكون إذن بعض بَ اَ بإمكان، وقد كنا وضعنا كل بَ واَ باضطرار، وهذا خلف لا يمكن. فإذن واجب أن يكون الصادق مع قولنا كل بَ اَ باضطرار إن بعض اَ بَ باضطرار.

وأما الموجبة الجزئية الاضطرارية فإنها تنعكس أيضا جزئية ضرورية، لأنه إن كانت بعض بَ اَ باضطرار فواجب أن يكون شيء من اَ باضطرار هو بَ وإلا لم يكن شيء من بَ باضطرار هو اَ.

فهذه هي المقدسات المنعكسة في المطلقة والاضطرارية. وهذا البيان الذي نسقناه هو البيان الذي اعتمده أرسطو فيها. وبه تنحل الشكوك التي شككها القدماء في هذا الباب عليه.

القول في انعكاس المقدمات الممكنة

وأما المقدمات الممكنة- أعني التي يقال عليها اسم الممكن بالحقيقة، وهي التي يمكن أن توجد وأن لا توجد في الزمان المستقبل- فإن الحال في انعكاس الموجبات منها كالحال في انعكاس الموجبات المطلقة والضرورية- أعني أن الكلية الممكنة والجزئية تنعكسان جزئية. وذلك بين أنه إن كان كل اَ بَ بإمكان أو بعض اَ بَ بإمكان، فأقول إن بعض بَ اَ بإمكان لأنه إن لم يكن بإمكان بل باضطرار فبعض اَ بَ باضطرار على ما تقدم، وقد كان وضع أن كل اَ بَ بإمكان، هذا خلف لا يمكن.

وأما المقدمات السوالب التي في هذه المادة فانعكاسها على ضد الانعكاس في تلك. وذلك أن الكلية السالبة في هذه المادة لا تنعكس كلية والجزئية تنعكس على ما سنبين ذلك عند القول في المقاييس التي تأتلف في المقدمات الممكنة. والسبب في ذلك أن السوالب في هذه المادة ليست سوالب بالحقيقة على ما بين في الكتاب المتقدم، وإنما قوتها قوة الموجبات، وذلك أن الجهة فيها نظير الكلمة الوجودية في القضايا التي ليس فيها جهة. وكما أن القضية التي لا يقرن حرف السلب فيها بالكلمة الوجودية وإنما يقرن بالمحمول هي موجبة- مثل قولنا زيد يوجد لا خيرا، ويوجد لا أبيض- كذلك هذه القضايا لما كان حرف السلب لا يقرن فيها بالجهة وإنما يقرن بالمحمول- مثل قولنا هذا ممكن أن لا يكون في شيء من هذا، وممكن أن لا يكون في بعض هذا. وسنبين هذا فيما بعد بيانا أكثر.

ائتلاف القياس

وإذ قد تبينت هذه الأشياء من أي شيء يأتلف القياس الذي حد قبل وبماذا يأتلف وكيف جهة ائتلافه ومتى يأتلف ائتلافا يلزم عنه شيء آخر غيره بالضرورة. ثم من بعد ذلك ينبغي أن نتكلم في البرهان. لأن الكلام في القياس يجب أن يتقدم على الكلام في البرهان لأن القياس أعم من البرهان إذ كان كل برهان قياسا وليس كل قياسا برهانا، وذلك إذا كان شكله منتجا ولم تكن مقدماته صادقة.

فنقول إن القياس المطلوب في هذا الكتاب إنما هو القياس الذي يؤلف على مطلوب محدد- مثل قولنا هل كل جَ هو اَ أم ليس شيء من جَ اَ. وهو بين أنا إذا أخذنا شيئا منسوبا لجَ واَ الذين هما طرفا المطلوب- وهو مثلا بَ- إنه يأتلف من ذلك مقدمتان من ثلاثة حدود متباينتان بحدين ومشتركتان في حد واحد، وإنه إذا أخذنا شيئا مشتركا لطرفي المطلوب بهذه الصفة إنه يمكن أن يبين به المطلوب- أعني أن جَ هي اَ أو أن جَ ليست هي اَ أو ليس فيها اَ. مثال ذلك أن نقول جَ هي بَ، وبَ هي اَ فيلزم أن تكون اَ في جَ. أو نقول جَ هي بَ، وبَ ليست هي اَ، فيلزم أن لا تكون اَ في جَ. فلنسم موضوع المطلوب في المقدمة الواحدة- الذي هو جَ- الطرف الأصغر ومحمول المطلوب في المقدمة الثانية- الذي هو اَ- الطرف الأكبر والحد المشترك بينهما- الذي هو بَ- الحد الأوسط. وتسمى المقدمة التي فيها الطرف الأصغر الصغرى والتي فيها الطرف الأكبر الكبرى. ولنسم ترتيب الحد الأوسط من الطرفين الشكل.

ولما كان الحد المشترك له من الطرفين أوضاع أربعة أحدها أن يكون موضوعا للطرفين أو محمولا عليهما أو موضوعا للأكبر ومحمولا على الأصغر أو عكس ذلك، فلننظر في أي ترتيب منها يصح أن تكون الأشكال الطبيعية للقوة الفكرية- أعني التي يقع عليها الناس بالطبع لا بقوة صناعية. فإن هذا هو القياس الذي تروم إعطائه هذه الصناعة- أعني الذي تروم حصر أجناسه وتميز الأصناف المنتجة في جنس جنس منها من غير المنتجة. ومن هذا الفحص يبين لك أن الأشكال الحملية ثلاثة وأن الشكل الرابع الذي يضعه جالينوس ليس بشكل طبيعي، وهو أن يكون الحد الأوسط محمولا على الطرف الأعظم موضوعا للأصغر لأنه ليس تعمله فكرة بالطبع- أعني أنه لا يوجد في كلام الناس ولو وجد لكان من جنس الشكل الأول ولم يكن رابعا.

القول في الشكل الأول

فنقول: أما إذا رتب الحد الأوسط من الطرفين بأن يكون محمولا والأكبر محمولا عليه- مثل أن نقول كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ- فهو من البين بنفسه أن هذا الترتيب قياسي وأنه يوجد لنا بالطبع. وأرسطو يسمي هذا الترتيب الشكل الأول. ولما كانت كل مقدمتين إما أن يكون كلاهما كلية أو جزئية أو مهملة أو تكون إحداهما كلية والأخرى جزئية أو إحداهما كلية والأخرى مهملة أو إحداهما مهملة والأخرى جزئية، وكل واحدة من هذه الأصناف الثلاثة تنقسم قسمين إما أن تكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى أو بالعكس، وكذلك الكلية مع المهملة والجزئية مع المهملة وكل واحد من هذه الأصناف التسعة من التركيب إما أن تكون موجبتين معا أو سالبتين معا، أو تكون إحداهما موجبة والثانية سالبة، وهذا ضربان، أحدهما أن تكون الصغرى هي السالبة والكبرى هي الموجبة، والضرب الثاني عكس هذا، فهو بين أنه إذا ضرب هذه الأربعة في تلك التسعة حدث عنها ستة وثلاثون إقترانا. وأرسطو يبين المنتج منها وغير المنتج على ما أقوله.

أما متى كانت المقدمتان كليتين موجبتين، فإنه ينتج موجبة كلية ضرورة، مثال ذلك من الحروف أنه متى وضعنا كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج عن ذلك أن كل جَ هو اَ وذلك بالضرورة ودائما. ومثال ذلك من المواد أنا متى وضعنا أن كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس فإنه يلزم عن ذلك أن يكون كل إنسان حساسا. واللزوم هاهنا ظاهر من معنى المقول على الكل الذي رسمناه في أول هذا الكتاب، وذلك أن معنى قولنا كل بَ هو اَ أو كل حيوان حساس- وهي المقدمة الكبرى في هذا التأليف- إنما هو أن كل ما هو بَ ويوصف ببَ بإيجاب فهو اَ. فإذا أضفنا الى هذا الوضع أن جَ يوصف ببَ بإيجاب لزم ضرورة أن يوصف جَ باَ. وكذلك قولنا كل حيوان حساس إنما نريد به كل ما يوصف بأنه حيوان فهو حساس، فإذا أضفنا الى هذا أن الإنسان يوصف بأنه حيوان، فهو ظاهر أنه يجب أن يوصف بالحساس. فهذا هو أحد الضروب المنتجة في هذا الشكل.

وكذلك متى كانت المقدمتان كليتين وكانت الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فهو ظاهر أيضا من معنى المقول ولا على واحد أنه ينتج سالبة كلية. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ، ولا شيء من بَ هو اَ، فيجيب عن ذلك ولا شيء من جَ اَ، لأن معنى قولنا ولا شيء من بَ اَ أي ولا شيء مما يوصف ببَ بإيجاب هو اَ، وجَ يوصف ببَ بإيجاب، فيجب أن لا يوصف بشيء من اَ.

وأما متى كانت المقدمتان الكليتان سالبتين معا أو كانت الكبرى موجبة والصغرى سالبة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس منتج لا كلي ولا جزئي، وذلك ظاهر من أنه ينتج في المواد مرة موجبا صادقا ومرة سالبا صادقا، ومن أنه أيضا ليس فيه معنى المقول على الكل، إذ كان شرط ما يقال على الكل إنما هو أن تكون اَ مسلوبة عن كل ما يوصف ببَ وصف إيجاب. ولما كانت جَ توصف ببَ وصف سلب لم يجب منه أن يوصف باَ وصف سلب سواء كانت الكبرى موجبة أو سالبة. وأما أن هذين الضربين ينتجان في المواد مرة موجبة صادقة ومرة سالبة صادقة، فذلك ظاهر متى جعلنا حدود المقدمتين الكليتين اللتين الكبرى منها موجبة والصغرى سالبة مرة الحي والإنسان والفرس على أن الحي هو الحد الإكبر والأوسط الإنسان والأصغر الفرس، ومرة الحي والإنسان والحجر. فإذا قلنا ولا فرس واحد إنسان وكل إنسان حي، انتج موجبا كليا- وهو أن كل فرس حي. وإذا قلنا ولا حجر واحد إنسان وكل إنسان حي، أنتج سالبا كليا- وهو قولنا ولا حجر واحد حي. وإذا كان هذا التركيب مرة ينتج السالب ومرة ينتج الموجب، فليس يلزم عنه شيء آخر من الاضطرار ودائما على ما أخذ في حد القياس. وإذا كان ذلك كذلك فليس بقياس. وكذلك الحدود التي تنتج الموجب في المقدمتين السالبتين الكليتين هي النطق والفرس والإنسان، والتي تنتج السالب هي النطق والفرس والحمار. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس واحد ناطق ينتج كل إنسان ناطق، وأيضا ولا حمار واحد فرس ولا فرس واحد ناطق. فإذن هذا التأليف مرة ينتج الموجب ومرة السالب، فليس بتأليف قياس. فهذه حال المقاييس التي تأتلف من مقدمتين كليتين في هذا الشكل- أعني أن اثنتين منها منتج واثنتين غير منتج. إلا أنه ينبغي أن تعلم أن الذي كليتين سالبتين في هذا الشكل ليس ينتج أصلا شيئا من الأشياء لا بقياس صناعي ولا بقياس طبيعي، وهو الذي تأتي به الفكرة من غير روية. وأما التي الصغرى فيه سالبة فقد يظن به أنه ينتج سالبة جزئية إذا عكسنا المقدمات. لكن هذا النوع من الإنتاج ليس هو عن قياس تقع عليه الفكرة بالطبع، وإنما كان يكون لو كان هذا النوع من الشكل الأول قياسا طبيعيا. والمقصود هاهنا كما قلنا إنما هو إحصاء المقاييس التي تقع عليها أفكار الناس بالطبع.

وأما متى كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فإنه متى كانت الكلية هي الكبرى موجبة كانت أو سالبة وكانت الجزئية هي الصغرى وكانت موجبة فإنه يكون عن ذلك قياس منتج كانل. مثال ذلك أنه متى وضعنا أن بعض جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فإنه يجب أن يكون بعض جَ هو اَ. وذلك بين من معنى المقول على الكل، لأن معنى قولنا كل بَ هو اَ- كما قلناه غير مرة- هو كل ما يوصف ببَ وصف إيجاب فهو اَ، وبعض جَ وضع موصوفا ببَ، فواجب أن يكون ذلك البعض موصوفا بألف. وكذلك متى وضعنا أن بعض جَ هو بَ ولا شيء من بَ اَ، فإنه يجب عن ذلك أن بعض جَ ليس اَ، وذلك أيضا يبين من معنى المقول على الكل السالب، وعلى هذا النحو يلزم الأمر متى جعل عوض الجزئية في هذين الصفتين مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية إذ كانت المهملة لا تنفك من أن تكون جزئية، وذلك هو الدائم الضروري الوجود فيها. وأما كونها دالة على المعنى الكلي فليس بلازم لها، ولذلك جعلوا قوتها قوة الجزئية.

وأما إذا كانت المقدمة الكلية هي الصغرى موجبة كانت أو سالبة، وكانت المقدمة الكبرى غير كلية إما مهملة وإما جزئية سالبة كانت أو موجبة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس. وذلك ظاهر فيها من أنه ليس يوجد فيها معنى المقول على الكل. وظاهر أيضا من المواد- أعني أنها توجد تنتج في المواد مرة موجبا ومرة سالبا. ومثال ذلك متى وضعنا أن كل جَ هو بَ واَ موجودة في بعض بَ أو غير موجودة في بعض بَ، فإنه ليس يلزم عنه أن يكون اَ مسلوبة عن بعض جَ أو موجودة في بعض جَ وذلك أنه نقص هاهنا من شرط المقول على الكل الكلية الموجودة فيه، إذ كان معنى المقول على الكل أن يكون اَ محمولة بإيجاب أو بسلب على كل ما يوصف ببَ بإيجاب فقط واَ هاهنا إنما هي مقولة على بعض بَ لا على كلها.

ومثال الحدود التي تنتج الموجب الصادق في التي الصغرى منها كلية موجبة والكبرى جزئية موجبة الخير والقنية والحكمة وذلك أن كل حكمة قنية وبعض القنية خير والنتيجة فكل حكمة خير. والتي تنتج السالب الخير والقنية والجهل الذي على طريق الملكة- أعني المكتسب. وذلك أن كل جهل قنية وبعض القنية خير ولا جهل واحد خير. وهذا هو أيضا غير منتج بالطريق الطبيعي وكذلك متى وضعنا أنه ولا شيء من جَ هو بَ وبعض بَ اَ أو بعض بَ ليس هو اَ، فإنه لا ينتج نتيجة محفوظة الكيفية. وذلك بين أيضا من معنى المقول على الكل ومن المواد. فمثال حدود المقدمات التي تنتج الموجب مما الكبرى فيه موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية الأبيض والفرس والققنس، وذلك أنه ولا ققنس واحد فرس وبعض الفرس أبيض ينتج كل ققنس أبيض. والحدود التي تنتج سالبة صادقة الأبيض والفرس والغراب، وذلك أنه ولا غراب واحد فرس وبعض الفرس أبيض ينتج ولا غراب واحد أبيض وهو سالب صادق.

وإذا تبين في أمثال هذه المقاييس أنها تنتج الموجب الكلي مرة والسالب الكلي مرة، فبين أنه ليس ينتج سالبا جزئية ولا موجبا جزئيا. وذلك أن من جهة أنها قد تنتج الموجب الكلي فليس يمكن فيها أن تنتج دائما سالبا جزئيا ومن جهة أنها تنتج السالب الكلي فليس يمكن فيها أن تنتج دائما لا موجبا كليا ولا جزئيا. وهذه ليست مقاييس بالإضافة إلى ما ينتج بطريق طبيعي. وكذلك يلفى الأمر إن أخذ هاهنا بدل الجزئية مهملة، إذ كانت قوتهما واحدة. وكذلك أيضا متى كانت المقدمة الكبرى كلية موجبة كانت أو سالبة وكانت المقدمة الصغرى جزئية سالبة، فإنه لا يكون أيضا قياسا ينتج المطلوب بطريق طبيعي، لأن الطرف الأصغر لما كان ليس يوجد فيه الحد الأوسط- أعني ليس هو محمولا عليه بإيجاب- على الشريطة المفروضة في المقول على الكل، أمكن أن يوجد الطرف الأكبر فيه وأن لا يوجد في شيء منه. ومثال ذلك أنا إذا وضعنا أن بعض جَ غير موجودة لشيء من بَ وكل بَ اَ، فإنه يمكن أن ينتج أن اَ موجودة مرة لبعض جَ ومرة غير موجودة. ومثال حدود ذلك من المواد الحي والإنسان والأبيض. وذلك أن بعض الأبيض ليس بإنسان وكل إنسان حي. فإن قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان- وهي السالبة الجزئية- يصدق مع السالبة الكلية- وهي قولنا ولا واحد من الأبيض إنسان- كان القياس مؤتلفا مع مقدمتين صغراهما سالبة كلية وكبراهما موجبة كلية، وقد تبين أن هذا غير منتج من جهة الحدود التي تنتج المتضادين. وإن كانت لا تصدق مع قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان السالبة الكلية، فيكون بعض الأبيض ضرورة هو إنسان وبعضه ليس بإنسان. فإذن لا يوجد في هذا الوضع حدود تنتج المتضادين- أعني السالب والموجب- إذ كان يجب أن يكون بعض جَ هو اَ، لأنه إذا صدق مع قولنا بعض الأبيض ليس بإنسان قولنا إن بعض الأبيض إنسان، كان اللازم عن هذا التأليف تأليفا منتجا- وهو الذي يكون من موجبة صغرى جزئية وكبرى كلية- وقد تبين أنه ينتج ولابد موجبة جزئية. فلذلك لا يصح أن يوجد في مثل هذه المادة سالب كلي، لأنه نقيض للموجب الجزئي. لكن يبين في مثل هذه المادة- أعني إذا كانت المقدمة الجزئية السالبة صادقة مع الموجبة الجزئية، وهي التي تسمى جزئية بالطبع- أن هذا التأليف غير منتج، فإنه يمكن أن نجد في ذلك البعض الذي سلب عنه الإنسان ما يصدق عليه الحيوان وما يكذب عليه. وذلك أن بعض الأبيض الذي ليس بإنسان، إذا فرضنا أنه الثلج مثلا، صدق قولنا ولا ثلج واحد حيوان. وإذا فرضناه الققنس مثلا، صدق قولنا إن كل ققنس حيوان. فمن هذه الجهة قد يظهر لنا أن هذا التأليف مرة ينتج موجبا كليا صادقا ومرة سالبا كليا صادقا، وهما المتضادان.

وقد يمكن أيضا إن يقال أن هذا الشكل غير منتج من جهة أنه إنما يطلب هاهنا المنتج دائما لا بحسب مادة من المواد. ولما كان هذا التأليف إن سلمنا أنه ينتج موجبة جزئية، فإنما ينتجها في الموضع الذي تكون الجزئية السالبة فيه بالطبع- أعني في المادة التي تصدق معها الموجبة الجزئية- لا في الموضع الذي تصدق معها السالبة الكلية- وهي التي تسمى جزئية بالوضع- وكان المطلوب من التأليفات إنما هو المنتج بالذات وهو المنتج في كل مادة، لم يعد هذا التأليف في التأليفات المنتجة كما لا يعد الذي من موجبتين في الشكل الثاني منتجا وإن كان قد ينتج في بعض المواد لأن المواد التي يتأتى فيها الإنتاج من التي لا يتأتى فيها الإنتاج قد تكون مجهولة.

وكذلك يبين أيضا أن التأليف الذي تكون المقدمة الكبرى فيه سالبة كلية والصغرى سالبة جزئية أنه غير منتج بمثل هذا البيان بعينه. وحدود ذلك من المواد غير النامي والإنسان والأبيض. وذلك أن بعض الأبيض ليس بإنسان ولا إنسان واحد غير نام. فإن أخذنا من ذلك البعض الثلج وققنس، أنتج لنا أن الثلج غير نام وأن ققنس- الذي هو طائر- نام. فنجد هذا التأليف ينتج المتقابلين معا. وإذا كانت المقدمتان المأخوذتان في هذا الشكل كلناهما جزئية أو مهملة أو إحداهما مهملة والثانية جزئية، فأنه لا يكون من ذلك قياس موجبتان كانتا معا أو سالبتان معا أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة وذلك بين من أنه ليس يوجد فيها معنى المقول على الكل. إذ كان ذلك يقتضي شرطين، أحدهما أن تكون الكبرى كلية كيفما كانت في كيفيتها- أعني موجبة أو سالبة- وأن تكون الصغرى موجبة ولا بد كيفما كانت في كميتها- أعني كلية أو جزئية. وقد تبين أنه غير منتج من الحدود التي تنتج المتضادات في جميع هذه التأليفات. والحدود العامة لها أما فيما ينتج الموجب الكلي، فالحي والأبيض والإنسان- أعني أن يكون الحي هو الطرف الأعظم والأبيض الأوسط والإنسان الأصغر وذلك أنك تجد في هذه الحدود جميع أصناف تلك التأليفات وكلها ينتج موجبا. وذلك أن بعض الإنسان أبيض وبعض الأبيض حي وبعض الإنسان ليس بأبيض وبعض الأبيض ليس بحي. وكلها يلزم عنها أن الإنسان حي. وأما الحدود العامة لها التي ينتج فيها السالب الكلي، فالحي والأبيض والحجر- أعني أن يكون الحي هو الأكبر والأبيض الأوسط والأصفر والحجر.

فقد تبن المنتج في هذا الشكل من غير المنتج، وأن النتج منها أربعة فقط- وهو الذي يكون من موجبتين كليتين، ومن موجبة كلية كبرى وموجبة جزئية صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وجزئية موجبة صغرى، ومن كلية سالبة كبرى وكلية موجبة صغرى- وأنه ينتج جميع أصناف القضايا- أعني أنه ينتج موجبة كلية وموجبة جزئية وسالبة كلية وسالبة جزئية- وأن المقاييس المنتجة في هذا الشكل كاملة، ولذلك سمي بالشكل الأول.

وما ظن القدماء من أن الثلاثة الأصناف التي في هذا الشكل قد تنتج نتيجتين- أعني أن الصنف الذي ينتج السالبة الكلية قد ينتج عكسها وكذلك الذي ينتج الموجبة الجزئية والذي ينتج الموجبة الجزئية والذي ينتج الموجبة الكلية أعني أنهما ينتجان أيضا عكسيهما وهي موجبة جزئية- فذلك جهل بغرض أرسطو هاهنا وذلك أن أرسطو إنما قصد أن يعدد هاهنا أصناف النتائج الموجودة بالذات وأولا للمقاييس الطبيعية، لا الموجودة بالقصد الثاني وعلى غير مجرى الطبع القياسي.

القول في الشكل الثاني

وأما متى حمل الحد الأوسط على الطرفين جميعا- أعني على موضوع المطلوب وعل محموله- وذلك إما بأن يكون محمولا عليهما بإيجاب أو سلب أو محمولا على أحدهما بإيجاب وعلى الثاني بسلب كان الحمل في كليهما كليا أو جزئيا أو في أحدهما كليا وفي الآخر جزئيا أو مهملا، فإنه بين أن مثل هذا التأليف هو تأليف قياسي وأن الفكرة الإنسانية تقع عليه بالطبع لا بطريق صناعي. مثال ذلك أنه قد يقول القائل هذا السقط ليس بحي، فيقال له ولم ذلك فيقول لأن الحي يستهل صارخا. فإنه من البين أن هذا القول قد حذف منه قائله المقدمة الصغرى لبيانها، وهي أن هذا الطفل لم يستهل صارخا وهذا هو أخذ المستهل صارخا- الذي هو الحد الأوسط- محمولا على الطرفين. فلنسم مثل هذا التأليف الشكل الثاني، ولنسم الحد المحمول عليهما أيضا الأوسط، وموضوع المطلوب الأصغر، ومحمول المطلوب الأكبر، والمقدمة التي موضوعها موضوع المطلوب المقدمة الصغرى، والتي موضوعها محمول المطلوب المقدمة الكبرى. ولنفرض الأول في القول هو الطرف الأصغر، ثم يليه الأوسط، ثم يليه الأعظم ليتميز لنا الطرف الأكبر من الأصغر لأنهما في هذا الشكل لا يتميزان إلا بالإضافة إلى المطلوب.

وهذا الشكل ليس يوجد فيه قياس كامل، وتوجد فيه قياسات منتجة، إذا كانت المقدمات كلية وغير كلية. فأما إذا كانت كلية فإن القياس إنما يوجد فيه، إذا كان الأوسط محمولا على أحد الطرفين- أيهما كان- بإيجاب وكان محمولا على الآخر بسلب. وأما إذا كان محمولا عليهما بإيجاب، فلن يكون فيه قياس منتج. فلنضع أولا مقدمتين كليتين إحداهما سالبة والأخرى موجبة، ولتكن الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة، فأقول إنها تنتج سالبة كلية. مثال ذلك كل جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عن ذلك ولا شيء من جَ هو اَ لأنه إذا عكسنا السالبة الكلية- وهي قولنا ولا شيء من اَ هو بَ فقلنا ولاشيء من بَ هو اَ وقد كان معنا أن كل جَ هو بَ، أنتجنا في الصنف الثاني من الشكل الأول على ما تبين أنه ولا شيء من جَ اَ. ولنضع السالبة أيضا هي الصغرى والموجبة هي الكبرى، فأقول إن هذا التأليف ينتج أيضا سالبة كلية. مثال ذلك قولنا ولا شيء من جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فهذا ينتج أنه ولا شيء من جَ هو اَ. برهان ذلك أنا نعكس المقدمة السالبة فيكون معنا ولا شيء من بَ هو جَ، وقد كان معنا أن كل اَ هو بَ، فينتج لنا في الصنف الثاني من الشكل الأول أنه ولا شيء من اَ هو جَ، ثم نعكس هذه النتيجة فيكون معنا ولا شيء من جَ هو اَ. وهذه النتيجة بعينها كانت نتيجة القياس الأول من هذا الشكل.

وأما إذا كانت المقدمتان الكليتان موجبتين أو سالبتين معا، فإنه لا يكون عن غير ذلك قياس منتج. ومثال ذلك أنه إذا وضعنا كل جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه ليس يلزم عن ذلك أن يكون كل جَ هو اَ ولا بعض جَ هو اَ، وذلك بين من المواد التي تنتج المتضادات. فمثال الحدود التي تنتج الموجب من المواد الإنسان والجوهر والحي على أن نأخذ الجوهر هو الحد الأوسط، وذلك أن كل إنسان جوهر وكل حي جوهر، وهذا ينتج في هذه المادة أن كل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب من المواد الحجر والجوهر والحي، وذلك أن كل حجر جوهر وكل حي جوهر ولا حجر واحد حي.

وكذلك متى وضعنا أنه ولا شيء من جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فإنه يوجد هذا التأليف أيضا في المواد ينتج المتضادين معا. ومثال الحدود التي تنتج الموجب الإنسان والخط والحي، وذلك أنه ولا إنسان واحد خط ولا حي واحد خط وكل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب الكلي الحجر والخط والحي، وذلك أنه ولا حجر واحد خط ولا حي واحد خط ينتج ولا حجر واحد حي. فيوجد هذان التأليفان مرة ينتجان الموجب ومرة ينتجان السالب، فليسا بقياس.

فقد تبين من هذا القول إذا كانت المقدمتان كليتين متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون، وأن القياسات المنتجة في هذا الشكل ليست بكاملة، إذ كانت إنما يبين أنها منتجة بغيرها لا بنفسها- وهو ردها إلى الشكل الأول.

فأما إذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فإنه إذا كانت الكبرى كلية والصغرى جزئية وكانت إحداهما مخالفة للأخرى في الكيفية- أعني إن كانت إحداهما سالبة كانت الأخرى موجبة- فإنه يكون من ذلك قياسات منتجة. فلتكن أولا الكبرى سالبة كلية والصغرى موجبة جزئية. ومثال ذلك أن يكون بعض جَ هو بَ ولا شيء من اَ بَ. فأقول إنه من الاضطرار أن يكون بعض جَ ليس هو اَ لأنه ينعكس ولا شيء من اَ بَ فيكون معنا بعض جَ هو بَ ولاشيء من بَ اَ، فيرجع هذا إلى الشكل الأول. وقد تبين أنه يلزم في هذا الشكل أن يكون بعض جَ ليس فيه شيء من اَ. ولتكن أيضا المقدمة الكبرى الكلية الموجبة والصغرى السالبة الجزئية. مثال ذلك أن يكون بعض جَ ليس بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عنه جزئية سالبة وهي أن بعض جَ ليس هي اَ. برهان ذلك أنه إن لم يكن قولنا إن بعض جَ ليس هو اَ صادقا، فليكن الصادق نقيضه- وهو أن كل جَ هي اَ- ونضيف إليه المقدمة الثانية التي وضعنا- وهي قولنا وكل اَ بَ- فيلزم عنه في الشكل الأول أن يكون كل جَ هو بَ، وقد وضعنا أن بعض جَ ليس بَ، هذا خلف لا يمكن. وما لزم عنه الكذب فهو كذب، والكذب إنما لزم عن وضعنا أن كل جَ اَ فقولنا كل جَ اَ كذب، فنقيضه إذن صادق وهو قولنا بعض جَ ليس اَ- وذلك ما أردنا بيانه. وأما إذا كانت المقدمة الكبرى في هذا الشكل هي الجزئية والصغرى هي الكلية وكانت احداهما مخالفة في الكيفية للثانية، فإنه لا يكون أيضا عن ذلك قياس. فلتكن أولا الكبرى جزئية سالبة والصغرى موجبة كلية. مثال ذلك أن يكون كل جَ هو بَ وبعض اَ ليس هو بَ، وبيان ذلك أنها توجد تنتج في المواد المختلفة المتضادين معا. فالحدود التي تنتج الموجب الغراب والحي والجوهر، والغراب هو الأصغر والحي هو الأوسط، فإن كل غراب حي وبعض الجوهر ليس بحي، فينتج كل غراب جوهر وهو موجب صادق. وأما الحدود التي تنتج السالب فهي الغراب والحي والأبيض، وذلك أن كل غراب حي وبعض الأبيض ليس بحي، فينتج ولا غراب واحد أبيض، وذلك صادق. وكذلك أيضا لا يكون قياس إذا كانت الكبرى موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية. ومثال ذلك من الحروف ولا شيء من جَ هو بَ وبعض اَ هو بَ. والحدود التي تنتج الموجب في هذا التأليف هي الحجر والحي والجوهر، والحجر هو الأصغر والحي هو الأوسط، وذلك أنه ولا حجر واحد حي وبعض الجوهر حي، تكون النتيجة كل حجر جوهر. والحدود التي تنتج السالب هي العلم والحي والجوهر، والعلم هو الأصغر بحسب ترتيبنا والحي هو الأوسط، وذلك أن العلم ليس بحياة وبعض الجواهر حية، والنتيجة العلم ليس بجوهر.

فقد تبين إذا كانت المقدمة الكلية في هذا الشكل مخالفة للجزئية في كيفيتها، متى يكون قياس ومتى لا.

وأما إذا كانت الكلية والجزئية متوافقتين في الكيفية- أعني إما سالبتين معا أو موجبتين معا- فلا يكون منهما قياس البتة. فلتكن أولا سالبتين ولتكن الكلية هي المقدمة الكبرى والجزئية الصغرى. ومثال ذلك أن تكون بَ ليست في كل جَ ولا شيء من اَ هو بَ. وبرهان ذلك أن قولنا بَ ليست في كل جَ هو غير محدود، فقد تصدق معه السالبة الكلية، وقد تصدق معه الموجبة الجزئية. فإذا صدقت معه السالبة الكلية، لم يكن منتجا على ما تبين ووجدت حدود تنتج الموجبة. وإذا صدقت معها الموجبة الجزئية لم توجد حدود تنتج موجبة كلية، وذلك أنه لو وجدت حدود تنتج أن كل جَ هو اَ وقد كان معنا ولا شيء من اَ هو بَ، لقد كان يجب أن يكون ولا شيء من جَ هو بَ، فتكون الجزئية السالبة سالبة بالوضع لا بالطبع. وقد كنا فرضناها سالبة بالطبع، وهي التي تصدق معها بعض جَ هو بَ، هذا خلف لا يمكن. لكن بين أن هذا التأليف غير منتج من قبل أن تلك السالبة الجزئية غير محدودة- أعني أنها مرة تكون جزئية بالطبع ومرة بالوضع- فتكون مرة تنتج ومرة لا تنتج. وما كان مرة ينتج ومرة لا ينتج لم يعد قياسا، إذ القياس هو الذي ينتج نتيجة واحدة دائما وباضطرار. وقد يمكن أن يستعمل في هذا البيان المتقدم الذي استعمل في نظير هذا من الشكل الأول بأن يؤخذ من ذلك البعض شيء يصدق عليه محمول المطلوب وشيء يكذب عليه. مثال ذلك أن نقول بعض الأبيض ليس بحي ولا حجر واحد حي، ثم نأخذ من بعض الأبيض ما يكذب عليه الحجر- وهو الثياب البيض- وما يصدق عليه الحجر- وهو الرخام- ولكن هذا البيان قوته قوة النقل الى السالبة الصغرى الكلية. وذلك ما يظن أن أرسطو أضرب هاهنا عنه.

ولتكونا أيضا موجبتين وتكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى مثل أن يكون بعض جَ بَ وكل اَ بَ- فإنه أيضا لا يكون عن ذلك قياس. وذلك أنه إن صدقت مع الموجبة الجزئية الموجبة الكلية، كان ذلك غير منتج على ما تبين، ووجدت حدود تنتج الموجب فيها والسالب. وإن صدقت معها السالبة الجزئية، لم توجد هنالك حدود تنتج الموجب الكلي للسبب الذي قلناه في الذي يكون من سالبتين، لكن بين أنه غير منتج بذلك الوجه بعينه الذي تبين به ذلك.

وأما إن كانتا جميعا سالبتين وكانت المقدمة الكلية هي الصغرى والكبرى هي الجزئية- مثل أن يكون ولا شيء من جَ بَ وبعض اَ ليس بَ- فإنه لا يكون عن ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب الكلي فيه هي الغراب والأبيض والحي، والغراب هو الأصغر والأبيض هو الأوسط والحد الأكبر هو الحي. والتي تنتج السالب الغراب والأبيض والحجر، والغراب هو الأصغر والأبيض الأوسط والحجر الأكبر. وكذلك لا يكون قياس وإن كانتا موجبتين معا وتكون المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى، لأنه ينتج المتضادتين. فمثال الحدود التي تنتج الموجب الققنس والأبيض والحي، والققنس هو الأصغر والأبيض الأوسط. وذلك أن كل ققنس أبيض وبعض الحي أبيض، والنتيجة كل ققنس حي. والتي تنتج السالب الكلي الثلج والأبيض والحي. وذلك أن كل ثلج أبيض وبعض الحي أبيض، والنتيجة ولا ثلج واحد حي.

فقد تبين أنه إذا كانت المقدمتان متشابهتين في الكيفية ومختلفتين في الكمية أنه لا يكون في هذا الشكل قياس.

وأما إذا كانت كلتاهما جزئية أو مهملة أو إحداهما جزئية والثانية مهملة، فإنه لا يكون أيضا منهما قياس كانتا موجبتين معا أو سالبتين معا أو إحداهما موجبة والثانية سالبة، لأن جميعها تنتج في المواد المختلفة الموجبة تارة والسالبة تارة. والحدود العامة التي تنتج الموجب في جميعها هي الإنسان والأبيض والحي، والإنسان هو الأصغر والأبيض الأوسط والحي الأكبر. ولن يخفى عليك تأليفها. وكلها ينتج أن الإنسان حي. والحدود العامة لجميعها التي تنتج السالب غير النامي والأبيض والحي، والأصغر هو غير النامي والأوسط الأبيض. وكلها ينتج أن غير النامي ليس بحي.

فقد تبين من هذا القول أنه إذا وجد في هذا الشكل قياس منتج فمن الاضطرار أن تكون المقدمات على ما وضعنا- أعني أن تكون الكبرى كلية والثانية مخالفة لها في الكيفية- وأنه إذا وجدت المقدمات بهذه الصفة فمن الاضطرار أن يكون في هذا الشكل قياس. وتبين مع هذا أن كل قياس يكون في هذا الشكل فهو غير كامل، إذ كان إنما يبين فيه أنه قياس إذا زيد فيه أشياء أخر إما من الأمور اللاحقة باضطرار لمقدماته- مثل انعكاسها ورجوعها إلى الشكل الأول- وإما باستعمال بيان الخلف في ذلك. وهو بين أنه لا يكون في هذا الشكل نتيجة موجبة وإنما تكون سالبة كلية أو جزئية.

القول في الشكل الثالث

وإذا كان الحد الأوسط موضوعا لطرفي المطلوب والطرفان محمولان عليه، فإنه يسمى هذا الشكل الشكل الثالث- مثل أن تكون اَ وجَ محمولتين على بَ. وهو بين أن هذا الشكل أيضا شكل طبيعي، وذلك أنه قد يقول القائل إن جَ هي اَ لكون بَ هي جَ وبَ هي اَ. ومن المواد الجسم محدث لأن الحائط جسم ولأن الحائط محدث. والمقدمة التي فيها موضوع المطلوب تسمى الصغرى- وهو الذي يسمى الحد الأصغر- والتي فيها محمول المطلوب- الذي هو الطرف الأكبر- تسمى الكبرى، وليكن مثال الطرف الأصغر جَ والأوسط بَ والأكبر اَ، ويكون ترتيبها في القول بأن نبدأ أولا بالحد الأوسط ثم يليه الأصغر ثم يليه الأكبر.

وليس يكون أيضا في هذا الشكل قياس كامل وقد يمكن أن يكون فيه قياس، إذا كانت مقدمتاه كليتين أو إحداهما كلية والأخرى جزئية، وقد يمكن أن لا يكون فيهما قياس.

فلتكن أولا المقدمتان كليتين ولتكن موجبتين. مثال ذلك قولنا كل بَ هو ج َ وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج بعض جَ هو اَ لأنه تنعكس الصغرى الكلية- وهي قولنا كل بَ هو جَ- جزئية فيصير بعض جَ هو بَ، ومعنا أن كل بَ هو اَ فينتج في الشكل الأول أن بعض جَ هو اَ، على ما تبين هنالك. وقد يبين هذا بالخلف وبالافتراض. أما بالخلف فبأن تأخذ نقيض النتيجة ونضيف إليها إحدى المقدمتين، فيلزم عنهما نقيض المقدمة الثانية، وما لزم عنه الكذب فهو كذب. وأما بالافتراض فبأن نفرض بعض بَ هو زَ، ولأن جَ في كل بَ، وزَ هو جزء من بَ، فزَ ضرورة جزء من جَ، ولأن اَ في كل بَ، وزَ جزء من بَ، فزَ ضرورة جزء من اَ وقد كانت جزءا من جَ، فبعض جَ هو اَ.

وكذلك متى كانت المقدمة الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فإنه يكون أيضل قياس. مثال ذلك قولنا كل بَ هو جَ ولا شيء من بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج بعض جَ ليس هو اَ- أعنى سالبة جزئية- لأنه إذا عكسنا الموجبة الكلية جزئية، ائتلف القول هكذا: بعض جَ هو بَ ولا شيء من بَ اَ فبعض جَ ليس هو اَ، وذلك في الشكل الأول. وأما إذا كانت الكلية السالبة هي الصغرى والكلية الموجبة هي الكبرى- مثل قولنا ولا شيء من بَ هو جَ وكل بَ هو اَ- فإنه لا يكون في ذلك قياس ينتج المطلوب، لأنه ينتج المتضادين عند استعماله في المواد. فمثال الحدود التي تنتج الموجب الفرس والإنسان والحي، والأصغر هو الفرس والأوسط هو الإنسان. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس وكل إنسان حي ينتج وكل فرس حي، وهو موجب صادق. والحدود التي تنتج السالب غير النامي والإنسان والحي، فالإنسان ليس بغير نام والإنسان حي، وينتج أن غير النامي ليس بحي.

وأما إذا كانت المقدمتان الكليتان سالبتين فإنه لا يكون قياس أصلا. فالحدود التي ينتج فيها الموجب الفرس وغير النامي والحي، والفرس هو الأصغر وغير النامي الأوسط، وذلك أن غير النامي ليس بفرس وليس بحي ينتج الفرس حي. والتي تنتج السالب الفرس وغير النامي والإنسان، والفرس الأصغر وغير النامي الأوسط والإنسان الأكبر، وذلك أن غير النامي ليس بفرس وغير النامي ليس بإنسان والفرس ليس بإنسان.

فقد تبين متى يكون قياس في هذا الشكل إذا كانت المقدمتان كليتين ومتى لا يكون، وذلك أنه إذا كانتا موجبتين كان قياس ينتج موجبا جزئيا، وكذلك متى كانت الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة كان قياس ينتج سالبا جزئيا. وأما إذا كانتا سالبتين أو كانت الصغرى الكلية هي السالبة والكبرى هي الموجبة، فإنه لا يكون قياس.

وأما إذا كانت إحداهما كلية والأخرى جزئية- أيهما اتفق- وكانتا موجبتين، فإنه يكون قياس منتج موجبة جزئية. مثال ذلك أنه إذا وضعنا أن كل بَ هو جَ وبعض بَ هو اَ، فأقول إن بعض جَ هو اَ- أعني إذا كانت الصغرى هي الكلية والكبرى الجزئية- وذلك أنه ينعكس بعض بَ هو اَ فيكون معنا بعض اَ هو بَ وكل بَ هو جَ، ينتج في الشكل الأول أن بعض اَ هو جَ، ثم نعكس هذه النتيجة فينتج المطلوب- وهو أن بعض جَ هو اَ وهذا ينتج بعكسين.

وكذلك أيضا إن كانت الجزئية هي الصغرى والكلية هي الكبرى، فإنه يكون قياس منتج. ومثال ذلك أن نضع أن بعض بَ هو ج وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج أن بعض جَ هو اَ. وذلك أنه تنعكس هذه الجزئية، فيكون معنا بعض جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فينتج في الشكل الأول أن بعض جَ هو اَ. وقد يبين هذا بالافتراض، وذلك أنا فرضنا بعض بَ مثلا هو زَ، كان كل زَ هي جَ وكل زَ هي اَ، ورجع إلى الذي من كليتين موجبتين في هذا الشكل- أعني أنه ينتج بعض جَ هي اَ. وقد يبين بسياقة الكلام إلى المحال- وهو الذي يسمى الخلف- وذلك بأن نأخذ نقيض النتيجة فنضيف إليها إحدى المقدمتين، فيلزم أن تكذب الثانية. مثال ذلك أن نأخذ ولا شيء من جَ هو اَ- الذي هو نقيض النتيجة- ونضيف إليها المقدمة الصغرى- وهي قولنا بعض بَ هي جَ- فينتج لنا في الشكل الأول أن بعض بَ ليست اَ، وهو نقيض المقدمة الكبرى التي وضعنا- وهو أن كل بَ هو اَ. فقد ساق الكلام بوضع نقيض تلك النتيجة فيه إلى المحال، فذلك النقيض إذن محال، فالنتيجة صادقة.

فأما إذا كانت إحداهما موجبة والثانية سالبة، وكانت المقدمة السالبة هي الكبرى والموجبة هي الصغرى، فقد يكون قياس. مثال ذلك أنا نفرض أولا أن السالبة الكبرى هي الجزئية والموجبة الصغرى هي الكلية- مثل أن يكون كل بَ هو جَ وبعض بَ ليس اَ- فأقول إنه ينتج أن بعض جَ ليس هو اَ ن وذلك بسياقة الكلام إلى المحال. وذلك إن لم يكن صادقا قولنا بعض جَ ليس اَ، فليكن الصادق نقيضه- هو أن كل جَ هو اَ- فإذا أضفنا إلى هذه المقدمة الصغرى- وهي كل بَ جَ- أنتج لنا أن كل بَ هو اَ، وذلك محال لأنه نقيض المقدمة الكبرى لأنا قد كنا وضعنا أن بعض بَ ليس اَ، فنقيضه هو الصادق- هو أن بعض جَ ليس اَ. وقد يبين ذلك بالفرض إذا فرض بعض بَ شيئا محسوسا وليكن مثلا زَ، فيكون معنا ولا شيء من زَ هو اَ وكل زَ هو جَ لأن زَ جزء بَ، فيعود إلى الصنف المنتج من هذا الشكل- أعني الذي من كليتين الكبرى سالبة والصغرى موجبة- وينتج بعض جَ ليس اَ. وهذا الصنف ليس يتبين بالانعكاس.

وكذلك إذا كانت السالبة الكبرى هي الكلية، والموجبة الصغرى هي الجزئية، فإنه يكون أيضا قياس منتج. ومثال ذلك بعض بَ هو جَ، ولا شيء من بَ هو اَ، فينتج بعض جَ ليس هو اَ. وذلك أنا إذا عكسنا الموجبة الصغرى منه رجع إلى الشكل الأول. وأما وإن كانت المقدمة الكبرى هي الموجبة والصغرى هي السالبة، فإنه لا يكون في ذلك قياس على المطلوب. وهذا صنفان كما الأول أحدهما أن تكون الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية. والصنف الثاني عكس هذا. فلنضع أولا الكبرى هي الكلية والصغرى هي الجزئية. مثال ذلك قولنا بعض بَ ليس هو جَ وكل بَ هو اَ، فأقول إن هذا غير منتج. وذلك أنه ينتج في المواد المختلفة المتضادين معا. فمثال المواد التي ينتج فيها الموجب الإنسان والحي والنامي، والإنسان هو الأصغر والحي هو الأوسط والنامي هو الأكبر. وذلك أن بعض الحي ليس بإنسان وكل حي نام وكل إنسان نام. وإما الحدود التي تنتج السالب فليس توجد، إذ كان قد يصدق مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية. فيكون بعض بَ هو جَ وكل بَ هو اَ، فبعض جَ إذن هو اَ. فإذن ليس يصدق ولا شيء من جَ هو اَ. لكن هذا الصنف يعد في غير المنتج من قبل أنه إنما ينتج في بعض المواد- وهي المادة التي تصدق فيها مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية.

وكذلك إذا كانت الصغرى هي الكلية والكبرى هي الجزئية. مثال ذلك أن يكون ولا شيء من بَ هو جَ وبعض بَ هو اَ، فأقول إنه غير منتج. فالحدود التي تنتج الموجب المائي والإنسان والحي، وذلك أنه ولا مائي واحد إنسان وبعض المائي حي وكل إنسان حي، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالب المائي والعلم والحي، وذلك أنه ولا مائي واحد له علم وبعض المائي له حياة، فلا علم واحد حياة.

وكذلك أيضا لا يكون قياس، إذا كانتا سالبتين معا- أعني الكلية والجزئية. ومثال الحدود التي تنتج السالب إذا كانت الصغرى هي الكلية النامي والعلم والحي، والنامي هو الأوسط هو الأصغر والحي الأعظم، وذلك أن النمو ليس بعلم وبعض النمو ليس بحياة والعلم ليس بحياة، وهي النتيجة. ومثال الحدود التي تنتج الموجب المائي والإنسان والحي، وذلك أن المائي ليس بإنسان وبعض المائي ليس بحيوان وكل إنسان حيوان، وهي النتيجة. والحدود التي تنتج السالب، إذا كانت المقدمة الكبرى هي الكلية البياض والثلج والغراب، وذلك أن بعض الأبيض ليس بثلج ولا ابيض واحد غراب، والنتيجة ولا ثلج واحد غراب. وأما الحدود التي تنتج الموجب فيه فليس يوجد للعلة التي تقدمت- أعني لأنه قد يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية- وذلك أنه إن كان كل جَ هو اَ وقد كان معنا بعض بَ هو جَ، أنتج لنا أن بعض بَ هو اَ، وقد وضعنا في مقدمات هذا القياس ولا شيء من بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. فإذن لا يمكن في هذا الصنف أن ينتج موجبا أصلا. لكن يعلم أنه ليس بقياس لأنه ليس ينتج نتيجة واحدة دائما، وذلك أنه لا يدرى الموضع الذي يصدق فيه مع السالبة الجزئية الموجبة الجزئية من الموضع الذي يصدق فيه معها السالبة الكلية.

وأما إذا كانت المقدمتان في هذا القياس جزئيتين أو مهملتين أو احداهما جزئية والأخرى مهملة، موجبتين كانتا معا أو سالبتين معا أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فإنه لن يكون في ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب- العامة لهذه الضروب كلها- البياض والإنسان والحي. والتي تنتج السالب الأبيض وغير النامي والحي. والأبيض هو الحد الأوسط فيهما والحي هو الأكبر.

فقد تبين من هذا القول متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون قياس، وأنه إذا كانت الصغرى في هذا القياس موجبة وكانت فيه مقدمة كلية إما الصغرى وإما غيرها أنه يكون قياس منتج، وأنه إذا كان قياس منتج فمن الاضطرار أن تكون المقدمات بهذه الصفة. وتبين أيضا أن القياسات في هذا الشكل غير كاملة، وأن منها ما يبين بالانعكاس والافتراض والخلف ومنها ما يبين بالافتراض والخلف، وأنه ليس يوجد في هذا الشكل نتيجة كلية لا سالبة ولا موجبة، وأنه يعم الأشكال كلها أنه لا ينتج فيها من سالبتين ولا من جزئيتين ولا من مهملتين ولا من مهملة وجزئية إذ كانت المهملات قوتها قوة الجزئيات.

الأمور العامة للأشكال الثلاثة

وتبين أنه إذا كان في كل واحد من أصناف المقاييس مقدمتان إحداهما كلية سالبة والأخرى موجبة، أنه قد يكون قياس منتج دائما- أعني أنه ينتج مطلوبا مفروضا وغير مفروض. أما المطلوب المفروض فمتى كانت السالبة الكلية هي الكبرى في الشكل الأول. وأما غير المفروض فمتى كانت الصغرى هي الكلية السالبة، وكذلك الحال في الشكل الثاني الذي تكون فيه الصغرى كلية والكبرى جزئية ن وفي الشكل الثالث الذي تكون الصغرى فيه سالبة. وذلك أنه إذا كان ولا شيء من جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فإذا عكست هاتان المقدمتان فقيل بعض اَ هو بَ ولا شيء من بَ هو جَ، فأنه ينتج بعض اَ ليس هو جَ. لكن لم تعد أمثال هذه المقاييس في المقاييس المقصودة هاهنا، إذ كان المطلوب هاهنا إنما هو القياس الذي تقع عليه الفكرة بالطبع بالإضافة الى المطلوب المحدود. فأما القياس الذي ينتج غير المطلوب، فليس تعتمده القوة الفكرية بالطبع ولا تؤلفه أصلا، لأنه مثلا إذا طلبنا هل اَ في جَ فقلنا اَ في جَ لأن اَ في بَ وبَ في جَ، كان ذلك قياسا طبيعيا موجودا في كلام الناس كثيرا، وهذا هو الشكل الأول. وكذلك إذا قلنا اَ في جَ لأن بَ في جَ وفي اَ، فهو بين أن هذا التأليف موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثاني وهو موجود كثيرا في كلام الناس بالطبع. وكذلك إذا قلنا اَ في جَ لأن اَ وجَ في بَ، هذا أيضا قياس موجود لنا بالطبع، وهذا هو الشكل الثالث. وأما أن نقول أن اَ في جَ لأن جَ في بَ وبَ في اَ، فهو شيء لا يفعله بالطبع أحد، لأن الذي يلزم منه هو غير المطلوب، وهو أن جَ في اَ. فكأن هذا بمنزلة من قال اَ في جَ لأن اَ في بَ وبَ في دَ، وهذا شيء لا تفعله الفكرة بالطبع.

ومن هنا يبين أن الشكل الرابع- الذي يذكره جالينوس- ليس بقياس تقع عليه الفكرة بالطبع. وذلك أنه إذا طلبنا هل جَ فيها اَ فقلنا جَ فيها اَ لأن بَ في اَ وجَ في بَ، فنحن بين أحد أمرين، إما أن نلحظ اللازم عن هذا التأليف ونطرح ذلك المطلوب بالجملة- وهو أن جَ في اَ- وذلك خلاف ما طلبنا، وإما أن يكون عندما نأتي بهذا التأليف يبقى المطلوب في أذهاننا على ما كان عليه عند الطلب- وهو أن يكون الموضوع فيه موضوعا والمحمول محمولا. وذلك أن كل مطلوب واحد فالموضوع فيه موضوع بالطبع، والمحمول فيه محمول بالطبع، فإذا بقي الموضوع موضوعا عندنا في المطلوب والمحمول محمولا- وذلك موجود في أذهاننا بهذه الصفة مادام المطلوب مطلوبا- ثم أتينا بحد أوسط يكون محمولا على محمول المطلوب وموضوعا لموضوع المطلوب- على ما يرى جالينوس أن هذا شكل رابع- بالإضافة إلى المطلوب، وإلا فما هاهنا شكل رابع وإنما هاهنا شكل أول إما على المطلوب وإما على عكسه. لكن لننزل هاهنا أن هذا الشكل الرابع إنما نتصوره على هذه الجهة- أعني بالإضافة إلى المطلوب المحدود الذي الموضوع فيه موضوع بالطبع والمحمول محمول بالطبع- فإنه ليس يتصور شكل رابع إلا على هذا الوجه. فمتى طلبنا وجود شيء في شيء وأخذنا حدا أوسط فحملناه مرة على محمول المطلوب ومرة حملنا عليه موضوع المطلوب، عاد المطلوب موضوعا والموضوع مطلوبا فانعكس الطلب والقياس وأنتج العكس، وذلك في غاية الاستكراه. فهذا هو السبب في أن لم تؤلفه فكرة بالطبع على مطلوب محدود حتى يكون هاهنا قياس ينتج المطلوب المحدود بعكسين كما يراه جالينوس في الشكل الرابع على ما يقال عنه. والفرق بين هذا العكس والعكس الذي يستعمله أرسطو في رد كثير من أصناف الشكل الثاني والثالث إلى الأول أن ذلك العكس هو في تبين الإنتاج في مقاييس طبيعية، وهذا عكس في تبين الإنتاج في قياس صناعي لا طبيعي. وإنما لم يلتف أرسطو إلى المقاييس الصناعية لأنها غير محاكية للوجود وتكاد أن تكون غير متناهية. ولذلك ظن قوم أنه توجد نتائج كثيرة في كل واحد من الأشكال غير النتائج التي ذكرها أرسطو، وذلك إما جزئياتها وإما عكوسها. وتلك إن جعلت مطلوبات، ثم أنتجت بتوسط النتائج الأول، فذلك إنتاج بطريق غير طبيعي بل صناعي. وأرسطو يبين أن الصنفين الكليين من الشكل الأول-أعني اللذين ينتجان نتيجة كلية- أكمل الأشكال كلها، لأن جميع أصناف المقاييس المنتجة التي في الشكل الثاني ترجع الكلية منها إلى الكلية في هذا الشكل وترجع الجزئية التي فيه الى الجزئية، وجميع أصناف الشكل الثالث إلى الجزئية التي في الشكل الأول. وذلك أن جميع أصناف الشكل الثالث إنما ينتج جزئية والجزئية التي في الشكل الأول يمكن فيها أن تبين على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني التي تبين بالكلية التي في الشكل الأول، فيكون هذان الصنفان من الشكل الأول أكمل من جميع أصناف المقاييس المنتجة، إذ كلها يمكن أن يبين بهذين الصنفين.

وأما كيف تبين الجزئية التي في الشكل الأول على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني، فعلى ما أقول. وذلك أنه كانت اَ موجودة في كل بَ وبَ في بعض جَ، فأقول إن اَ موجودة في بعض جَ. فإن لم يكن ذلك فنقيضها هو الصادق- وهو أنه ولا شيء من اَ في جَ- وقد كان معنا أن اَ موجودة في كل بَ، فينتج في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ، وقد كنا فرضناها في بعض جَ، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا يبين إنتاج السالب الجزئي في الشكل الأول بالكلى السالب من الشكل الثاني عن طريق الخلف.

فقد تبين من هذا القول أصناف القياسات المطلقة التي توجب إثبات شيء وإبطاله.

جهات مقدمات المقاييس

القول في القياسات الاضطرارية

قال: ولأن المقدمات المطلقة والاضطرارية والممكنة يخالف بعضها بعضا في الجهة وفي المادة التي تدل عليها الجهة- وذلك أن هاهنا أشياء كثيرة موجودة بالفعل من غير أن يكون وجودها باضطرار وهذه هي المطلقة، وأشياء ليست بمضطرة أن تكون ولا هي موجودة بالفعل بل هي ممكنة أن توجد في المستقبل وأن لا توجد وهذه هي الممكنة، وأشياء هي موجودة دائما وهذه هي المضطرة- فهو بين أنه يجب أن تكون المقاييس المؤلفة من صنف صنف من هذه مختلفة من قبل اختلاف مقدماتها. فيكون القياس الاضطراري مؤلفا من مقدمات اضطرارية، والقياس المطلق من مقدمات مطلقة، والممكن من مقدمات ممكنة.

فأما المقاييس التي تأتلف من المقدمات الاضطرارية فقريبة من المقاييس التي تأتلف من المقدمات المطلقة، وذلك أن الأشياء التي تشترط في المنتجة من المطلقة هي بعينها تشترط في المنتجة من الضرورية والأشياء التي هي سبب عدم الإنتاج في غير المنتج منها هي بعينها سبب عدم الإنتاج في الضرورية، إذ كان لا فرق بينهما إلا زيادة الاضطرار فقط. ولذلك كانت الأصناف المنتجة من المطلقة وغير المنتجة على عدد المنتجة وغير المنتجة من الضرورية. وإنما الفرق بينهما في أن المطلقة تقال على ما كان موجودا بالفعل من غير أن يشترط في ذلك وجود ضرورة- أعني في جميع الزمان. وذلك أن المطلقة هي التي توجب أن يوجد المحمول فيها في كل الموضوع مادام الموضوع موصوفا بصفة من الصفات التي يمكن أن تفارقه. والضرورية هي التي يوجد فيها في كل الموضوع من جهة ما الموضوع موصوفا بصفة لا تفارقه. فمثال المطلقة الأولى قولنا كل ماش متحرك ومثال الضرورية كل إنسان ناطق. وليست المطلقة ما يحكى عن الإسكندر ولا ما حكى عن ثاوفرسطس، وقد بينا ذلك في مقالة أفردناها لذلك، وأن الضرورية تقال على ما كان موجودا بالفعل ومشترطا فيه هذه الزيادة. وجهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل من الاضطرارية هو بعينه جهة البيان فيما يأتلف من المطلقة. وذلك أنه لا فرق بين المقول على الكل أو المقول ولا على شيء، وهو الشرط الذي به يكون القياس في الشكل الأول منتجا في المادة المطلقة أو الضرورية. وذلك أن معنى المقول على الكل فيهما إنما هو أن تكون اَ مقولة بإيجاب أو سلب على كل ما هو بالفعل بَ سواء كان ما هو بالفعل موجودا بزيادة شرط الضرورة أو بغير زيادة ذلك. وأما شرط المقول على الكل المستعمل في المادة الممكنة فمخالف لشرط المقول على الكل المستعمل في هاتين المادتين. وهذا هو الذي هو ظاهر كلام أرسطو، وهو الحق في نفسه على ما سيبين بعد. وكذلك جهة البيان فيما يأتلف من المنتج في الشكل الثاني والثالث من المقدمات الاضطرارية هي بعينها جهة البيان فيما يأتلف من ذلك في الشكل الثاني والثالث من المقدمات المطلقة، وذلك فيما كان منها يتبين برجوعه الى الشكل الأول بعكس إحدى مقدمتيه. وذلك أن وجود العكس في المقدمات المطلقة والضرورية هو واحد وكذلك ما كان منها يتبين بالفرض.

وأما ما كان منها يبين بالخلف، وهي متى كانت المقدمة الكلية موجبة والجزئية سالبة، فليس الأمر فيه واحدا. وذلك أن القياس الذي يؤدي إلى الاستحالة يكون مؤلفا من إحدى مقدمتي القياس ومن نقيض النتيجة في الجهة والسلب. فيكون مختلطا من مقدمة ضرورية ومطلقة أو ممكنة. ولم يتبين بعد جهة النتيجة اللازمة عن هذا التأليف. ولكن الذي تبين بالخلف هناك يبين هاهنا بالافتراض بأن نفرض البعض المسلوب عنه شيئا مشارا إليه ويكون المحمول مسلوبا عن جميعه، فيرجع إلى الصنف الذي يكون في ذلك الشكل من كليتين إحداهما موجبة والثانية سالبة.

القول في المقاييس المختلطة من الضرورية والوجودية

والمقاييس المنتجة في هذه المختلطة هي بعينها المقاييس المنتجة في غير المختلطة إلا أنها ضعفها، وذلك أن الصنف الواحد بعينه يكون صنفين. مثال ذلك أن الذي من كليتين مثلا في الشكل الأول يكون صنفين. أحدهما أن تكون الكبرى هي الضرورية والصغرى الوجودية. والصنف الثاني عكس هذا. فتكون المقاييس المنتجة في كل شكل هاهنا ضعف المنتجة في كل شكل من الضرورية. والشيء الذي به يتبين المنتج من غير المنتج هناك هو الذي به يتبين هاهنا- أعني في المختلطة. وإنما الذي بقى أن ننظر فيه هاهنا من أمر هذه المختلطة هو جهة نتائجها- أعني لأي جهة تكون تابعة من جهتي المقدمتين. وأرسطو يقول إنه إذا كانت المقدمة الكبرى في الشكل الأول ضرورية فإن النتيجة تكون ضرورية، وإن لم تكن ضرورية لم تكن النتيجة ضرورية. فليكن كل ما هو جَ فهو بَ بالفعل وكل ما هو بَ فهو اَ بالضرورة أو ليس اَ بالضرورة. فأقول إن هذين الصنفين من الشكل الأول ينتج أحدهما أن اَ بالضرورة في كل جَ والآخر ولا شيء من جَ بالضرورة هو اَ. برهان ذلك أن جَ هي جزء من بَ إذ كان من شرط الشكل الأول أن تكون الصغرى فيه موجبة ومن شرط هذا الاختلاط أن تكون جَ جزءا من بَ بالفعل وبَ كلا لجَ بالفعل لا بالإمكان كالحال في المقاييس الممكنة. وإذا حمل شيء على الكل فهو يحمل على الجزء ضرورة بالجهة التي بها حمل على الكل. وذلك بين بنفسه، فإن الجزء منطو في الكل وداخل تحته. وأما إن كانت الكبرى ليست الضرورية لكن كانت الضرورية الصغرى فإنه ليس تكون النتيجة ضرورية. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ باضطرار وكل بَ فهو اَ بالفعل أولا شيء من بَ اَ بالفعل. فأقول إنه ليس ينتج في هذا التأليف أن كل جَ فهو اَ باضطرار أو ليس اَ باضطرار. برهان ذلك أنه إن كان ذلك ممكنا فلنضع أن كل جَ هو اَ باضطرار، وقد فرضنا أن كل جَ هو بَ باضطرار، فينتج لنا في الشكل الأول والثالث أن بعض بَ هو اَ باضطرار. وقد وضعنا أن كل بَ هو اَ باضطرار، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا تبين إذا وضعنا المقدمة الكبرى سالبة ليست بضرورية. وقد يبين أيضا ذلك من أن جَ هي جزء من بَ. فإذا كانت اَ محمولة على كل ما هو جزء لبَ- التي هي الكل. بغير ضرورة- فهي محمولة على جَ بغير ضرورة، إذ كانت جزءا من بَ وهو أيضا بين من الحدود أن النتيجة ليست ضرورية. مثال ذلك أن نضع عوض اَ متحركا وعوض بَ حيا وعوض جَ إنسانا، فنقول كل إنسان حي باضطرار وكل حي متحرك لا بالضرورة فتكون النتيجة كل إنسان متحرك لا بالضرورة، إلا أن الحدود إنما تعطى أنها ليست تنتج ضرورية دائما لا أنها ليست تنتج ضرورية أصلا كما يعطى ذلك قياس الخلف ومعنى المقول على الكل.

وأما المقاييس الجزئية في هذا الشكل- أعني التي تنتج نتائج جزئية- فإنه إذا كانت المقدمة الكلية اضطرارية وهي الكبرى فالنتيجة اضطرارية. وإن كانت الجزئية وهي الصغرى اضطرارية والكبرى ليست باضطرارية، فليست النتيجة اضطرارية موجبة كانت الكبرى أو سالبة، والبرهان على ذلك هو البرهان على المقاييس الكلية- أعني من جهة المقول على الكل، ومن جهة الخلف، ومن جهة المواد- وذلك إذا وضعنا بدل اَ متحركا وبدل بَ حيا وبدل جَ أبيض، فيأتلف القياس هكذا: بعض الأبيض حي بالضرورة وكل حي متحرك لا بالضرورة فينتج بعض الأبيض متحرك لا بالضرورة. فأرسطو بين من أمره أنه لا يرى في هذا الصنف أن جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى. إن كانت المقدمة الكبرى مطلقة فالنتيجة مطلقة، وإن كانت ضرورية فالنتيجة ضرورية. وثاوفرسطس وأوديموس من قدماء المشائين وثامسطيوس من متأخريهم ومن تبعهم يرون أن جهة النتيجة تابعة لأخس الجهتين- أعني أنها توجد أبدا في مثال هذا التأليف تابعة للمقدمة المطلقة، فإن الوجود المطلق أخس من الوجود الضروري. ومن أقوى ما يتمسكون به في ذلك أنهم يرون أن كل شيء كان فيه شيء يجري مجرى الجزء والكل فإنه متى حمل شيء حملا ما على الكل فيجب أن يحمل على الجزء بتلك الجهة بعينها، ومتى حمل أيضا الجزء على شيء ما حملا بجهة ما فيجب أن يحمل الكل على ذلك الشيء بتلك الجهة بعينها. ولما كان كل قياس فيه شيء يجري مجرى الكل ومجرى الجزء فمتى كانت إحدى المقدمتين مطلقة والأخرى ضرورية، فلا يخلو ذلك من أن تكون الضرورية هي الصغرى والمطلقة هي الكبرى أو الضرورية هي الكبرى والمطلقة هي الصغرى. قالوا: فإن كانت الضرورية هي الصغرى، ففيها شيء يجري مجرى الكل وفيها شيء يجري مجرى الجزء. أما الذي يجري مجرى الكل فالحد الأوسط، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأصغر. فيجب متى حمل شيء بجهة ما على الكل الذي هو الحد الأوسط أن تكون بتلك الجهة بعينها تحمل على الجزء الذي هو الطرف الأصغر. ومتى كانت الضرورية هي المقدمة الكبرى كان الكل والجزء موجودا فيها أيضا. أما الذي يجري مجرى الكل فالطرف الأكبر، وأما الذي يجري مجرى الجزء فالحد الأوسط. فيجب متى حمل الجزء الذي هو الحد الأوسط على الطرف الأصغرى بجهة ما أن تكون تلك الجهة بعينها هي جهة حمل الكل الذي هو الطرف الأكبر عليه. قالوا: فكيف ما كان يجب أن تكون جهة الحمل في النتيجة تابعة لجهة المقدمة المطلقة.

وهذا القول الاختلال فيه بين. وذلك أن اعتبار الكل والجزء في القياس من جهة ما هو قياس منتج في الشكل الأول بحسب المقول على الكل إنما هو في المقدمة الصغرى. ولذلك اشترط فيها أن تكون موجبة، واشترط في الكبرى أن تكون كلية ولم يشترط فيها أن تكون موجبة. وإذا كان ذلك كذلك فلا اعتبار بالكل والجزء الموجود في المقدمة الكبرى إن وجد، سواء كان ضروريا أو لم يكن، بل الواجب اعتبار الكل والجزء في الموضع الذي هو شرط في وجود القياس، وهو الكل والجزء الموجود في المقدمة الصغرى. وإذا كان ذلك كذلك فتكون جهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى على ما يراه أرسطو. ولو سلمنا لهم أن الجزء والكل يعتبر في كل واحدة من المقدمتين، لم يكن لنا أن نجعل في موضع الاعتبار بالجزء والكل الذي يكون في المقدمة الصغرى وفي موضع الاعتبار بالجزء والكل الموجود في الكبرى حتى يتحكم على القياس هذا التحكم. وأيضا فمتى اعتبرنا الجزء والكل في المقدمة الكبرى ولم نعتبره في الصغرى، لم يكن قياس إلا بالعرض لأنه ليس يجب أن يكون الطرف الأصغر منطويا في الحمل تحت المقدمة الكبرى، وذلك بين بنفسه.

وأما ما يحتجون به من أنه يجب أن تكون جهة النتيجة تابعة لأخس جهتي المقدمتين كالحال في الإيجاب والسلب- أعني أنه متى كانت إحدى المقدمتين موجة والأخرى سالبة أن النتيجة تتبع السالبة التي هي أخس- فإن هذا قياس شبهي. وذلك أن النتيجة ليس تتبع المقدمة السالبة دون الموجبة من جهة أن السالبة أخس من الموجبة، بل من جهة ما هي سالبة. والمطلقة وإن كانت أخس فهي موجبة لا سالبة. واختلال هذا القول ظاهر بنفسه. وأما ما يحتجون به أيضا من أنه قد يوجد في بعض المواد ما ينتج المطلق، وهو مؤلف من مطلقة صغرى وضرورية كبرى- مثال ذلك قولنا كل إنسان يمشي أي بالفعل وكل ماش متحرك باضطرار فكل إنسان متحرك لا باضطرار- فإن وجه التغليظ في ذلك أن الماشي ليس هو متحرك باضطرار من جهة ما هو إنسان، وإنما هو متحرك من جهة ما هو ماش فإذا اشترط هذا الشرط المأخوذ في المقدمة الكبرى في النتيجة كانت ضرورية- وهو أن كل إنسان متحرك باضطرار من جهة ما هو ماش. وليس ينبغي أن يجاب في هذا بأن يقال إنما عرض في هذا التأليف أن تكون النتيجة مطلقة والكبرى ضرورية من أجل أن هذه المقدمة الضرورية ليس يوجد فيها شرط المقول على الكل الذي استعمله أرسطو على العموم في هذا الكتاب- وهو أن تكون اَ محمولة بالضرورة على كل ما يوصف ببَ بإيجاب، كان موصوفا ببَ بالفعل أو بالضرورة أو بإمكان- فإنه لا فائدة في هذا الاشتراط إذا لم يكن صادقا في جميع المواد، وإنما ينبغي أن يشترط الشيء الصادق في جميع المواد. ونحن إذا استقرينا المواد ظهر لنا أن قولنا كل ما هو بَ هو اَ بالضرورة أو هو اَ بإطلاق أن في بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل ماش متحرك باضطرار- وفي بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل متحرك هو جسم. وكذلك الأمر في القضية المطلقة. وإذا كان الأمر هكذا فإذن المقول على الكل الصادق في كل مادة في المقدمة الضرورية والمطلقة هو أن تكون اَ موجودة بالضرورة وبإطلاق على كل ما هو بالفعل بَ إذ كان في بعض المواد يصدق على كل ما هو بالقوة والفعل بَ وفي بعضها على ما هو بالفعل فقط، لأن اَ إذا صدقت على كل ما هو بالقوة بَ فهي تصدق على ما هو بالفعل، وليس ينعكس هذا- أعني أنه ليس إذا صدقت على كل ما بالفعل بَ فهي تصدق على كل ما هو بالقوة بَ. ولهذا ما يجب أن يكون شرط المقول على الكل في الضرورية والمطلقة أن يكون الطرف الأكبر محمولا على كل ما هو الحد الأوسط بالفعل- أعني على ما يحمل عليه الحد الأوسط بالفعل لا بالإمكان. ولذلك متى كانت المقدمة الصغرى ممكنة والكبرى ضرورية أو مطلقة، لم يكن القياس منتجا بحسب المقول على الكل في كل مادة على ما صرح به أرسطو بعد لأنه إنما يكون منتجا بحسب المقول على الكل في بعض المواد- وهي التي يصدق فيها أن اَ بإطلاق أو بالضرورة على كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة. وما يكون من قبل المواد فغير معتبر هاهنا. فتأمل هذا، فإن أبا نصر قد وهم على أرسطو فيه. وأما المقدمة الممكنة الكبرى فإنه يوجد فيها في جميع المواد الشرط الذي ظن به أبو نصر أنه شرط أرسطو في المقول على الكل في جميع أصناف المقدمات. وذلك أن قولنا كل ما هو بَ فهو اَ بإمكان يصدق على ما كان بالقوة أو بالفعل بَ. ولذلك متى كانت الكبرى ممكنة، كانت النتيجة ممكنة في أي ضرب كان من الاختلاط على ما سيبين بعد. فليس إذن شرط المقول على الكل في جميع المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- هو واحد على ما ظنه أبو نصر من أن يكون المحمول بإطلاق أو بالضرورة أو بإمكان على كل ما هو بَ بأي واحد كان من هذه الأصناف الثلاثة- أعني بإمكان أو باضطرار أو بالفعل. ولا هو أيضا ما ذكره عن الإسكندر من أن شرط المقول على الكل المستعمل في هذا الكتاب هو أن تكون اَ محمولة باضطرار أو بإمكان أو بالفعل على كل ما هو بالفعل بَ فقط. فإنه لو كان الأمر هكذا لم تنتج التي من ممكنتين بحسب المقول على الكل. وهذا واضح فتدبره.

والاستقراء شاهد لمذهب أرسطو، فإنه لا فائدة في شرط لا يطابق المواد- على ما ذهب إليه أبو نصر- ولا في شرط لا يعم جميع أصناف المقدمات- على ما ذهب إليه الإسكندر. وبهذا تنحل الحيرة التي عرضت للناس في مذهب أرسطو في اختلاط الممكن مع الوجودي والضروري على ما سيبين من قولنا إذا وصلنا إلى ذلك الموضع أن شاء الله. فقد تبين أن الحكم في اختلاف الضرورية مع المطلقة للمقدمة الكبرى في الشكل الأول.

القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الشكل الثاني

وأما الشكل الثاني فإنه متى كانت المقدمة السالبة فيه هي الضرورية فإن النتيجة ضرورية، وإن كانت الموجبة اضطرارية فليست النتيجة اضطرارية فلتكن أولا السالبة الكلية اضطرارية والموجبة الكلية الصغرى مطلقة. مثال ذلك قولنا كل جَ هو بالفعل بَ ولا شيء من اَ هو بَ بالضرورة. فلأن السالبة تنعكس يرجع هذا الضرب الى الصنف من الشكل الأول الذي كبراه سالبة ضرورية وصغراه مطلقة، فالنتيجة لا محالة ضرورية، على ما تبين. وكذلك يعرض هذا بعينه إن صيرت السالبة الكلية الاضطرارية صغرى والمطلقة كبرى، لأنه ينعكس قولنا ولا شيء من جَ هو بَ فيصير معنا ولا شيء من بَ هو جَ بالضرورة وكل اَ هو بَ بإطلاق فينتج في الشكل الأول ولا شيء من اَ هو جَ بالضرورة، على ما تبين قبل. فإذا انعكست هذه النتيجة حصل المطلوب.

فإن كانت المقدمة الموجبة هي الاضطرارية وكانت السالبة هي المطلقة أنتجت مطلقة، لأن السالبة المطلقة هي التي تكون إذا انعكست كبرى في الشكل الأول. وقد تبين أنه إذا كانت الكبرى في الشكل الأول غير ضرورية أن النتيجة تكون غير ضرورية بل مطلقة. وقد يبين بطريق الخلف أن النتيجة ليست ضرورية بل مطلقة متى كانت الموجبة هي الضرورية. وذلك أنه إن وضع أن نتيجة هذا القياس هي ولا شيء من جَ هو اَ بالضرورة وقد كان معنا في مقدمات هذا القياس أن كل جَ هو بَ بالضرورة، فإذا عكسنا الموجبة الكلية كان معنا بعض بَ هو جَ ولا شيء من جَ هو اَ بالضرورة، فالنتيجة على ما تبين في الشكل الأول أن بعض بَ ليس هو اَ بالضرورة، وقد كان معنا أن اَ ليس هو بَ بإطلاق، فإذن عكسها صادق أيضا- وهو أن بَ ليس هو اَ بإطلاق. وإذا كانت بَ ليست هي اَ بإطلاق، فقد يمكن أن يكون كل بَ هو اَ بإطلاق، لأن المطلق من طبيعة الممكن وقد كانت النتيجة أن بعض بَ ليست اَ بالضرورة، هذا خلف لا يمكن. وبهذا البيان بعينه يبين ذلك متى كانت الاضطرارية الموجبة هي الكبرى والسالبة المطلقة الصغرى وهو الذي ينتج بعكسين. وكذلك تبين أيضا من الحدود أن النتيجة في هذين الصفين ليست اضطرارية. فليكن بدل اَ أبيض وبدل بَ حي وبدل جَ إنسان فيأتلف القياس هكذا: كل إنسان بالضرورة حي ولا أبيض واحد بالفعل حي. فينتج ولا إنسان واحد أبيض. وذلك ليس بضروري، لأنه قد يمكن الإنسان أن يكون أبيض وأن لا يكون.

وكذلك توجد جهة النتيجة في القياسين الجزئيين من هذا الشكل تابعة لجهة المقدمة السالبة. وبيان ذلك بهذه الطريق بعينها- أعني بالعكس وبالخلف في الموضع الذي استعمل فيه الخلف في القياسين الكليين من هذا الشكل- وبتلك الحدود بأعيانها.

تأليف الوجودي والاضطراري في الشكل الثالث

وأما الشكل الثالث فإن جهة النتيجة تكون فيه أبدا تابعة لجهة المقدمة التي لا تنعكس، لأن تلك المقدمة هي بالقوة المقدمة الكبرى في الشكل الأول. وقد تبين أن جهة النتيجة في الشكل الأول تابعة للمقدمة الكبرى، بخلاف ما عليه الأمر في الشكل الثاني- أعني أن جهة النتيجة فيه تابعة لجهة المقدمة المنعكسة إذ كانت المنعكسة في هذا الشكل هي الكبرى في الشكل الأول بالقوة. وذلك أن الصغرى في الشكل الثاني هي بعينها كما هي في الشكل الأول والكبرى هي التي تنعكس فيه. والكبرى في الشكل الثالث هي بعينها كما هي في الشكل الأول، والصغرى هي التي تنعكس فيه، وهذا القانون مطرد فيما يبين منها إنتاجه بالعكس وما يبين بالافتراض، فإن الأصناف التي تتبين بالافتراض أيضا قوتها قوة الأصناف التي تتبين بالعكس.

فإذا أصبحت لنا هذه الجملة فإنه متى كانت المقدمتان في هذا الشكل- كما يقول أرسطو- وكلية موجبة فأيها كانت ضرورية، فإن النتيجة تكون ضرورية، وذلك بتعمد عكسنا المطلقة الكلية جزئية، فيصير في الشكل الأول ما كبراه كلية ضرورية وصغراه مطلقة جزئية، ينتج نتيجة جزئية ضرورية على ما تبين فإن كانت التي عكسنا هي الصغرى من هذا الشكل- وذلك إذا كانت الضرورية هي الكبرى منه- فالأمر في ذلك بين- أعني أنه ينتج من غير عكسنا للنتيجة. وإن عكسنا الكبرى لكونها مطلقة، فكانت الكلية الضرورية في هذا الشكل هي الصغرى. يبين ذلك بعكسين- عكس المقدمة وعكس النتيجة، على ما تبين. وإن كانت إحدى الكليتين موجبة والأخرى سالبة فجهة النتيجة تابعة ضرورة لجهة السالبة، لأن العكس إنما يكون في الموجبة فتصير السالبة كبرى في الشكل الأول، فإن كانت ضرورية كانت النتيجة ضرورية على ما تبين وإن كانت مطلقة فمطلقة.

وإن كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل- أعني في المنتج منها- كلية والأخرى جزئية وكانتا موجبتين فإن النتيجة تابعة للكلية منهما لأنها التي لا تنعكس في هذا الشكل، لأنها إن انعكست كان القياس من جزئيتين وقد تبين أنه غير منتج. وإذا لم تنعكس فهي التي تكون كبرى في الشكل الأول. وإن كانت إحداهما موجبة والأخرى سالبة فإن جهة النتيجة تابعة لجهة السالبة، لأن السالبة إن كانت في هذا الشكل هي الكلية فهي الكبرى في الشكل الأول، إذ كانت الصغرى لا يمكن أن تكون في الشكل الأول سالبة. وإن كانت الجزئية فقوتها عند البيان بالافتراض قوة السالبة الكلية، على ما تبين من الافتراض.

القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة

قال: وينبغي الآن أن يقال متى يكون القياس من مقدمات ممكنة وكيف يكون وبماذا يكون. والممكن بالجملة هو الذي ليس بالضروري ومتى وضع موجودا لم يعرض من ذلك محال. ونعني بالذي هاهنا ما يشتمل الشيء الموجود بالفعل والمعدوم، وبالضروري جميع أصناف ما يقال عليه الضروري- أعني الضروري المطلق والضروري بالإضافة إلى وقت ما إما في الماضي وإما في الحاضر وإما في المستقبل، الموجب من كل هذه والسالب- لا ما يقال عليه الضروري باشتراك الاسم، وهو الممكن الذي قصدنا حده هاهنا.

فأما أن هذا هو حد الممكن فذلك يظهر من أنه ليس يمكن أن يصدق المتناقضان معا، لأن القول بأن الشيء لا يمكن أن يكون ومحال أن يكون وباضطرار أن لا يكون يناقضه قولنا يمكن أن يكون وليس بمحال أن يكون ولا باضطرار أن لا يكون. وذلك أن هذه يلزم بعضها بعضا-أعني أنه يلزم قولنا لا يمكن أن يكون قولنا محال أن يكون وقولنا باضطرار أن لا يكون، كما يلزم قولنا ممكن أن يكون قولنا ليس بمحال أن يكون ولا ضروري أن لا يكون. وإذا كان ذلك كذلك وكان كل واحد من الأشياء واجبا إما أن تصدق عليه السالبة أو الموجبة، فإذن قولنا ممكن أن يكون واجب أن يصدق عليه قولنا ليس بالضرورة أن لا يكون إذ كان يكذب عليه قولنا بالضرورة لا يكون. ولذلك ينعكس هذا حتى نقول كل ممكن فليس بضروري أن يكون وأن لا يكون وما ليس بضروري أن يكون وأن لا يكون فهو ممكن. ولذلك يشبه أن يكون جنس هذا الحد ما يدل عليه لفظ الذي- وهو الشيء الذي يشمل الموجود والمعدوم كما قلنا- وفصله قولنا ليس بضروري إذ كان بقي الدائم الوجود والدائم العدم. ويكون ما زيد فيه من أنه إذا وضع موجودا لم يلزم عنه محال خاصة من خواص الممكن لا فصلا من فصوله. وهذا هو مذهب أبي نصر في هذا الحد. ويحتمل أن يكون هذا القول هو الفصل الأخير في الحد ويكون المفهوم من قولنا ما ليس بضروري أي ليس وجوده في المستقبل بالضرورة، مثل كسوف القمر. ولأن قولنا ليس وجوده بالضرورة يصدق على الممتنع زيد فيه ومتى أنزل موجودا لم يعرض عنه محال. فيكون على هذا جنس الممكن هو المعدوم، والفصل الذي يخصه هو إذا وضع موجودا لم يلزم عنه محال. وهذا هو مذهب جل المفسرين من المشائيين. ومما يخص المقدمات الممكنة أن الموجبة منها تلزم السالبة، والسالبة تلزم الموجبة- أعني السالبة الممكنة لا سالبة الممكن، وهي التي توجب الإمكان وتسلب الوجود لا التي تسلب الإمكان، لأن تلك هي المناقضة للمكنة على ما تبين في بارى ارميناس وذلك أنه يلزم قولنا ممكن أن يكون قولنا ممكن أن لا يكون، إذ كانت هذه هي طبيعة الممكن- أعني أنه يتهيأ أن يوجد الشيء وأن لا يوجد. وهذا اللزوم موجود في جميع أصناف المتقابلة الموجودة في هذه المادة. وذلك أنه يلزم قولنا ممكن أن يكون في كل الشيء ممكن أن لا يكون في شيء منه، وقولنا ممكن أن يكون في كله قولنا ممكن أن لا يكون في بعضه، وعكس هذين. والبرهان على ذلك هو أن الممكن هو ما ليس بضروري الوجود، وما ليس بضروري الوجود فيمكن أن لا يوجد. فإذن ما يمكن أن يوجد يمكن أن لا يوجد، وما يمكن أن لا يوجد يمكن أن يوجد إذ كان ليس بضروري أن لا يوجد. وهذه المقدمات التي تعدها هنا سوالب هي في الحقيقة موجبات معدولة على ما تبين في بارى أرميناس، إذ كان حرف لا لا يقرن فيها بالجهة وإنما يقرن بالكلمة الوجودية، وذلك مثل ما يقرن بالموضوع في القضايا التي ليست بذات جهة.

والممكن يقال على ثلاثة أضرب. أحدها الممكن على الأكثر- مثل أن يشيب الإنسان في سن الشيخوخة وينمى في سن الشباب. والثاني الممكن على الأقل، وهو الذي يقابل الممكن على الأكثر- مثل أن لا يشيب الإنسان في سن الاكتهال، ولا ينمى في سن الشباب. والثالث الممكن على التساوي، وهو الذي يمكن أن يكون وأن لا يكون على التساوي- مثل تمزق هذا الثوب أو لا تمزقه. فأما الممكن الذي على التساوي فإنه يلزم الموجبة منه السالبة، والسالبة منه الموجبة على التساوي. وأما الذي على الأكثر فإنه يلزم الموجبة منه السالبة والسالبة منه الموجبة على الأقل. وأما الذي على الأقل فإنه يلزم الموجبة منه السالبة والسالبة منه الموجبة على الأكثر. وذلك أنه إن كان يمكن أن يشيب الإنسان على الأكثر في سن الاكتهال فيمكن أن يشيب على الأقل. والممكن الذي على الأقل وعلى التساوي فليس تستعمله صناعة البرهان، وقد تستعمله صنائع كثيرة- مثل الخطابة- فأنها قد تستعمل الممكن على التساوي. وأما الزجر والتكهن فإنها قد تستعمل الذي على الأقل.

والغرض هاهنا إنما هو القول في تعريف متى يكون قياس ومتى لا يكون من المقدمات الممكنة بإطلاق- أي من جهة ما هي ممكنة سواء كانت في الأكثر أو في الذي على التساوي أو في الأقل، إذ كان هذا الكتاب إنما ينظر فيه في صورة القياس، لا في مادته. وإذ قد تقرر هذا فلنقل في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة في الشكل الأول، ولنبدأ من هذه أولا بالصرفة ثم بالمختلطة.

القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة الصرفة في الشكل الأول

فنقول: إن عدد المقاييس الكاملة المنتجة في هذه المادة هي بأعيانها عدد المقاييس المنتجة في المادة المطلقة والضرورية. وذلك أنه إن كان كل ما هو جَ فهو بَ بإمكان وكل ما هو بَ فهو اَ بإمكان، فواجب أن يكون كل جَ هو اَ بإمكان. وذلك بين أيضا من معنى المقول على الكل أو المسلوب عن الكل، وذلك أن معنى قولنا كل بَ اَ بإمكان- أي كل ما يوصف ببَ بإمكان أو بالفعل، أي كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة فإنه اَ بإمكان، أي فإن اَ محمولة عليه بإمكان. فإذا وضعنا أن جَ موصوفة ببَ بإمكان، فيجب أن تكون جَ هي اَ بإمكان. وكذلك إن كانت المقدمة الكبرى كلية سالبة والصغرى موجبة كلية- مثل قولنا كل جَ هو بَ بإمكان ولا شيء من بَ هو اَ بإمكان فإنه يجب أيضا من جهة أن جَ جزء بإمكان لبَ أن تكون اَ مسلوبة عن كل جَ بإمكان. وأما إذا كانت الموجبة من المقدمتين الكليتين الكبرى والسالبة الصغرى فإنه لا يكون قياس، إذ كان لا يوجد فيها شرط المقول على الكل- وهو أن يكون الطرف الأصغر متصفا بالأوسط، أعني متصفا الأوسط وصف إيجاب على ما قيل. وأما جهة لزوم المقدمة الموجبة في هذه المادة عن السالبة فقد يكون قياس إلا أنه غير تام، إذ كان تبين بشيء زائد على المقول على الكل- وهو الذي يسميه أرسطو في هذه المادة عكسا. وذلك أنه إذا وضعنا بدل المقدمة السالبة اللازم عنها- وهي الموجبة- كان واجبا أن يكون من ذلك الصنف الأول في هذا الشكل- وهو الذي يكون من موجبتين كليتين. وأكثر ما ينتفع بمثل هذا القياس إذا كانت السالبة الكلية أقلية، فإنها تنعكس إلى الأكثرية وهي المستعملة أكثر ذلك. وكذلك إذا كانت المقدمتان الكليتان في هذا الشكل سالبتين فلن يكون قياس تام، إذ كان ليس يوجد فيها معنى المقول على الكل. وقد يكون قياس غير تام إذا عكسنا السالبتين إلى الموجبتين اللازمتين لها، أو عكسنا السالبة الصغرى إلى الموجبة اللازمة لها. وأكثر ما ينتفع بهذا العكس إذا كانت السوب أقلية، فإن أمثال هذه المقاييس هي نافعة في الجدول وهي حيلة جيدة في تلك الصناعة. وذلك أن السائل قد يقصد أن يتسلم مقدمات موجبة أكثرية لينتج منها موجبة أكثرية، فيخاف إن هو صرح بالسؤال عن المقدمات التي تنتج له تلك النتيجة أن لا يسلمها له المجيب فيسأل عن سوالبها الأقلية فلا يشعر المجيب بما يلزم عن ذلك فيسلمها.

وأما إذا كانت إحدى المقدمتين في هذه المادة كلية والثانية جزئية وكانت الكلية هي الكبرى والصغرى هي الجزئية، فإنه إذا كانت الصغرى موجبة يكون قياس تام كانت الكلية الكبرى سالبة أو موجبة، وذلك بين من معنى المقول على الكل. وأما إذا كانت الصغرى سالبة فإنه لا يكون قياس تام، لكي يكون غير تام إذا عكست الصغرى إلى الموجبة اللازمة عنها.

وأما إذا كانت المقدمة الكبرى جزئية والصغرى كلية، فإنه لا يكون قياس بتة لا تام ولا غير تام موجبتين كانتا معا أو سالبتين أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة. وذلك أنه لا يوجد فيها معنى المقول على الكل لا بانعكاس ولا من نفس المقدمات. وذلك أنه إذا قلنا كل جَ هو بَ وبعض بَ هو اَ، لم يمتنع أن تكون جَ داخلة تحت البعض الذي تفضل به بَ على اَ- أعني الذي يسلب عن اَ سلبا ضروريا. فلا يلزم لذلك أن يكون كل جَ هو اَ ولا أن لا يكون في شيء منها بإمكان لأنه إذا لم يكن كل جَ اَ بإمكان فليس يصدق كل جَ هو اَ بإمكان. وكذلك إذا لم يصدق أيضا أن يكون بعض جَ هو اَ بإمكان، فلن يصدق أيضا أن بعض جَ ليس هو بإمكان. وقد يتبين في جميع هذه الأصناف أنها غير منتجة جزئيتين كانتا معا أو الكبرى جزئية والصغرى كلية من الحدود، لأنها تنتج الموجب تارة والسالب تارة- أعني السالب الضروري والموجب الضروري. فالحدود التي تنتج الموجب مثل الإنسان والأبيض والحي، ذلك أن بعض الإنسان أبيض بإمكان وبعض الأبيض حي بإمكان وبعض الناس- وهي النتيجة- حي بالضرورة. والتي تنتج السالب الثوب الأبيض والحي، وذلك أن بعض الثياب أبيض بإمكان وبعض الأبيض حي بإمكان ولا ثوب واحد حي، وهي النتيجة. وكذلك يعرض متى أخذنا الصغرى كلية- مثل أن نقول كل إنسان ممكن أن يكون أبيض وبعض الأبيض ممكن أن يكون حيا فكل إنسان حي، وكل ثوب ممكن أن يكون أبيض وبعض الأبيض حي بإمكان ولا ثوب واحد حي، وهي النتيجة. وكون الحدود المأخوذة في هذا التأليف ينتج مرة موجبة ضرورية ومرة سالبة ضرورية يدل على أن هذا التأليف ليس بقياس أصلا لنتيجة من النتائج أي مادة كانت- أعني مطلقة فرضت أو ضرورية أو مكنة. وذلك أن بإنتاجه السالب الضروري تارة والموجب الضروري تارة يدل على أنه ليس ينتج نتيجة واحدة ضرورية وبكونه ينتج الضروري يدل على أنه ليس ينتج لا نتيجة مطلقة ولا ممكنة، لأن المطلقة والممكنة ليست بضرورية. فتكون المقاييس المنتجة في هذا الشكل في هذه المادة ثمانية أصناف إذا لم تعد المهملة غير الجزئية، أربعة تامة- وهي التي تنتج في المواد الأخر- وأربعة غير تامة- وهي الخاصة بهذه المادة. وما يقوله ثامسطيوس في أن هذه الأربعة الغير تامة لا غناء لها أصلا لأنه إن كانت السوالب التي وضعت أولا أكثرية انعكست إلى الأقلية وتلك لا تستعمل في صناعة أصلا وإن كانت أقلية فتلك مقدمات غير مسئول عنها في صناعة في صناعة من الصنائع التي تضع المقدمات بالسؤال ولا موضوعة أيضا ابتداء في الصنائع التي لا تستعمل السؤال، فهو قول باطل لأنا قد بينا الوجه الذي به تستعمل وينتفع بها في صناعة الجدل. هذا إن سلمنا أن المقدمات الأقلية لا تستعملها صناعة. فإنه يشبه أن يكون الذي يفحص عن هذه الطبيعة يحتاج إلى استعمالها، وذلك هو صاحب العلم الإلهي.

تأليف الممكن والوجودي في الشكل الأول

ونقول أنه إذا كانت إحدى المقدمتين مطلقة والثانية ممكنة فإن كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة والصغرى هي المطلقة، فإن أصناف المقاييس التي توجد في هذا التركيب تكون تامة- أي بينة الإنتاج بحسب المقول على الكل- وهي أربعة أصناف- أعني التي تنتج الموجب الكلي والسالب الكلي والجزئي السالب والجزئي الموجب- وتكون نتائجه ممكنة حقيقية. وأما إذا كانت الكبرى هي المطلقة والصغرى هي الممكنة فإن المقاييس المنتجة في هذا النوع من الاختلاط تكون في هذا الشكل غير تامة. وتكون النتيجة الموجبة منها ممكنة كانت كلية أو جزئية، والسالبة إما ممكنة وإما ضرورية جزئية أو كانت كلية. فلتكن أولا الكبرى هي الممكنة والصغرى هي المطلقة ولتكونا كليتين، فأقول أنها تنتج نتيجة ممكنة. مثال ذلك أن يكون كل جَ هو بَ بالفعل وكل ما هو بَ فهو اَ بإمكان هذا ينتج أن كل جَ هو اَ بإمكان. وذلك أن معنى قولنا كل ما هو بَ فهو اَ بإمكان أي كل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل فهو اَ بإمكان، وذلك أن هذا هو شرط المقول على الكل المأخوذ في المقدمة الكبرى الممكنة بخلاف شرط المقول على الكل المأخوذ في الكبرى الوجودية أو الاضطرارية وذلك أنه متى قلنا إن كل بَ هو اَ بالفعل أو بالضرورة فهو بين أن في كثير من المواد إنما تصدق هذه المقدمات على كل ما هو بالفعل فقط- مثل قولنا كل إنسان يمشي وكل إنسان ناطق، فإن هاتين المقدمتين إنما تصدقان على ما هو إنسان بالفعل لا على ما هو إنسان بالقوة- وفي كثير منها يصدق على الأمرين جميعا- أعني على كل ما هو بالقوة وما هو بالفعل- وبخاصة الضرورية- مثل قولنا كل متحرك جسم، فإنه يصدق على المتحرك بالفعل والمتحرك بالقوة. فإذا كان الأمر كذلك فالعام في كل مادة في هاتين المقدمتين- أعني الضرورية والمطلقة- إنما هو أن يكون المحمول موجودا لما هو بالفعل الحد الأوسط- أعني أن تكون اَ موجودة بالضرورة أو بالفعل لكل ما هو بَ بالفعل. فإذن ليس في هذا التأليف مقول على الكل لأن المقول على الكل هو الذي يوجد دائما في كل مادة من التأليف الواحد بعينه، فقول أبي نصر إنه قد يوجد في هذا التأليف مقول على الكل لا معنى له. ولذلك ما يقول أرسطو في هذا الاختلاط أنه متى كانت الكبرى مطلقة والصغرى ممكنة إن القياسات تكون غير تامة، لأن الصغرى إذا كانت ممكنة والكبرى مطلقة أو ضرورية لم يتضمنها شرط المقول على الكل العام في كل مادة فوجب أن يتجنب ما ينتج بحسب بعض المواد كما يتجنب إنتاج الموجبتين في الشكل الثاني وإن كانت قد تنتج في بعض المواد. وأما المقدمة الممكنة الكبرى فالأمر فيها بخلاف ذلك- أعني أنه في كل مادة يصدق فيها أن اَ مقولة بإمكان على كل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل. وذلك أن قولنا كل ما هو إنسان فهو ممكن أن يمشي يصدق على ما هو إنسان بالقوة وإنسان بالفعل. وكذلك الأمر في سائر المواد. وهذا أمر ظاهر بنفسه من استقراء المواد. ولا أدري كيف خفي هذا على المفسرين، والأمر في ذلك في غاية البيان. وإذ تقرر هذا فنقول إنه متى كان وعلى قولنا أن كل بَ هو اَ بإمكان- أي أن كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة أن اَ محمولة عليه بإمكان- ثم وضعنا أن جَ هو بَ بالفعل، فظاهر أن اَ تكون مقولة على جَ بإمكان. وكذلك يبين الأمر متى كانت الكلية الممكنة الكبرى سالبة والصغرى المطلقة موجبة كلية أن النتيجة تكون سالبة ممكنة من معنى المقول على الكل بعينه المشترط في المقدمة الكبرى السالبة الممكنة. وذلك أن معنى قولنا أنه ولا شيء من بَ هو اَ بإمكان أي ولا شيء مما هو بَ بالقوة كان أو بالفعل هو اَ بإمكان- ثم نضع أن جَ هي بَ بالفعل، فيجب أن يكون جَ ليس شيئا من اَ بإمكان.

وأما إذا كانت الكبرى هي المطلقة والصغرى هي الممكنة، فإنه لا يكون قياس تام لأن شرط الحمل المطلق الصادق في كل مادة- كما قلنا- هو أن يكون على أشياء موجودة بالفعل لا بالقوة. فمتى وضعنا أن كل بَ هو اَ بالفعل- أي كل ما هو بَ بالفعل فهو اَ بالفعل- وأضفنا إلى ذلك أ، جَ هو بَ بالإمكان، فبين أن جَ ليست داخلة تحت شرط المقول على الكل وأن هذا النوع من المقاييس غير بين الإنتاج بنفسه- أني من المقدمات أنفسها- بل من شيء آخر ولكن هو مأخوذ من المقدمات الموضوعية فيه. وهذا هو شرط القياسات الغير كاملة. فلذلك ما قال أرسطو في أصناف المقاييس التي تكون الكبرى فيها في هذا الاختلاط مطلقة والصغرى ممكنة إنها مقاييس غير تامة، ورام بيانها بالخلف. وهو يوطئ لبيان إنتاج هذه المقاييس الغير تامة أن الكذب المحال ليس يلزم عن الكذب الممكن. وهو أيضا يوطئ أولا لبيان هذا المعنى أنه متى كان شيئان يلزم وجود أحدهما عن الآخر- أي الثاني عن الأول، مثل لزوم النتيجة عن القياس، أعني أنه يجب ضرورة متى وجدت المقدمات أن توجد النتيجة- فإنه يلزم في ذلك الشيئين إذا وجد الأول منهما بالضرورة- الذي هو متبوع- فإن الثاني يوجد- الذي هو تابع بالضرورة. وإذا وجد الأول بإمكان فإن اللازم يوجد أيضا بإمكان- أعني بالإمكان العام، وهو الذي يقابل الممتنع. مثال ذلك أنه إذا فرضنا أنه متى كانت اَ موجودة فإن بَ تكون موجودة بالذات عن وجود اَ وتوهمنا بدل اَ مثلا القياس المنتج وبدل بَ النتيجة، فأقول أنه متى كان وجود اَ ضروريا كان وجود بَ ضروريا ومتى كان وجود اَ ممكنا كان وجود بَ ممكنا ومتى كانت اَ موجودة بإطلاق فإن بَ موجودة بإطلاق فلتكن بَ أولا ممكنة، فأقول أن بَ اللازم وجودها عن وجود اَ تكون ممكنة. برهان ذلك أنه إن كانت بَ غير ممكنة- وأعني هاهنا بغير ممكنة رفع جميع المعاني التي يدل عليها اسم الممكن وهو السالب الذي يصدق على الممتنع، وكان الممكن في وقت ما هو ممكن هو الذي يجوز أن يخرج الى الفعل، وغير الممكن هو الذي لا يجوز أن يخرج إلى الفعل- فإن اَ إذا فرضناها ممكنة وبَ غير ممكنة، فإنه قد يمكن أن توجد اَ وتخرج إلى الفعل من غير أن توجد بَ. وقد كنا وضعنا أنه إذا وجدت اَ وجدت بَ، فيجب أن تكون بَ موجودة وغير موجودة معا، هذا خلف لا يمكن. فإذن واجب متى كانت اَ ممكنة أن تكون بَ ممكنة- أعني أي نوع اتفق مما يقال عليه اسم الممكن.

وإذا تقرر هذا فأقول إنه ليس يلزم عن الكذب الممكن كذب مستحيل. ومثال ذلك إذا وضعنا وجود اَ كاذبا ممكنا- وهو الممكن الذي ينزل موجودا في الوقت الذي هو غير موجود- فأقول إن وجود بَ يكون كاذبا ممكنا، لا كاذبا ممتنعا- وهو الدائم الكذب. ومثال ذلك أن تكون مقدمات القياس أو إحداهما كاذبة ممكنة، فإنه ليس يمكن أن تكون النتيجة كاذبة مستحيلة. وذلك أن اَ إذا كانت كاذبة. فهي في وقت كذبها ممكنة حقيقية. وقد كنا فرضنا أن اَ إذا كانت ممكنة حقيقية أن بَ تكون ممكنة، والممكن ليس بكاذب مستحيل فتكون بَ ممكنة غير ممكنة معا، وذلك خلف لا يمكن. فإذن متى كانت إحدى مقدمات القياس أو كلتاهما كاذبة ممكنة فليس تكون النتيجة كاذبة مستحيلة، بل كاذبة ممكنة.

فإذا تقرر هذا فلنضع مقدمتين كليتين، كبراهما موجبة مطلقة، وصغراهما موجبة ممكنة- مثل أن تكون كل جَ هي بَ بإمكان وكل بَ هي اَ بالفعل، فأقول: إن هذا التأليف ينتج دائما أن جَ ممكنة أن تكون اَ. برهان ذلك أنه إن لم تكن كل جَ ممكنة أن تكون اَ فليكن نقيضها- وهو قولنا ليس يمكن أن يكون كل جَ اَ- ومعنى أن كل جَ ممكنة أن تكون بَ. فإذا أنزلنا هذه المقدمة موجودة بالفعل- وهي أن كل جَ هي بَ بالفعل- كانت كذبا غير محال. فإذا أضفناها إلى اللازم عن قولنا ليس يمكن أن يكون كل جَ اَ، أنتج لنا في الشكل الثالث أن بعض بَ بالضرورة ليست في اَ لأن قولنا ليس يمكن أن يكون كل جَ اَ يصدق معه قولنا بعض جَ ليس اَ بالضرورة. فيكون معنا في الشكل الثالث مقدمتان إحداهما وجودية موجبة والثانية سالبة ضرورية جزئية، فهي تنتج ضرورة سالبة ضرورية جزئية على ما تقدم- وهو بعض بَ ليس اَ بالضرورة. لكن قد كان موضوعا لنا أن كل بَ هو اَ بالفعل وهو نقيض النتيجة، هذا خلف لا يمكن. فالكذب المحال إنما لزم ضرورة عن المقدمة التي أضفناها إلى المقدمة الكاذبة الممكنة- وهي قولنا ليس ممكن أن يكون كل جَ اَ باضطرار- إذ كان الكاذب الممكن لا يلزم عنه كاذب مستحيل على ما تبين. وما لزم عنه محال فهو محال. وإذا كذب قولنا فبعض جَ ليس اَ باضطرار اللازم عن قولنا ليس يمكن أن يكون كل جَ اَ، فقولنا أنه ليس يمكن أن يكون كل جَ اَ كاذب، وإذا كان هذا كاذبا فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا كل جَ ممكنة أن تكون اَ. فقد تبين من هذا أن نتيجة هذا القياس هي ممكنة. وإنما يعرض لهذا التأليف أن يكون منتجا بهذه الجهة- أعني أن لا ينتج مرة الإيجاب الضروري ومرة السلب الضروري كالحال في المقاييس الغير منتجة متى أخذت المطلقة الحقيقية، وهي التي يصح فيها الحمل الكلي المطلق، أعني التي يشاهد بالحس وجود المحمول فيها لجميع الموضوع في جميع الزمان أو في أكثره. وهذه هي المقدمات التي تنشأ عن الاستقراء الذي يستوفي فيه جميع الجزئيات- مثل أن كل غراب أسود وكل ثلج أبيض. والفرق بينها وبين الضرورية أن هذه يخطر بالبال إمكان عدمها في الأقل من الزمان المستقبل، والضرورية لا يخطر ذلك فيها بالبال لأن الذهن يشعر فيها بالنسبة الذاتية التي بين المحمول والموضوع. ومن هذه المطلقة- كما يقول أرسطو- تعمل أكثر المقاييس. وأما المطلقة التي توجد في الأقل من الزمان- مثل أن كل متحرك إنسان- فهو بين أنه لا يعمل منها قياس- وبخاصة مع الممكنة- كما لا يعمل في الممكنة الأقلية قياس. وهذه المطلقة- أعني التي لا يصح فيها الحمل الكلي إلا في زمان معين متى أخذت الكبرى والصغرى ممكنة- فإنها توجد مرة تنتج الموجب ومرة تنتج السالب. السبب في ذلك أن هذه المطلقة إنما تصدق الكلية فيها في الزمان الحاضر، والمقدمة الصغرى من جهة ما هي ممكنة ليست بمنطوية تحت الكبرى إذ كان الممكن هو الموجود في الزمان المستقبل.

فهذا هو عندي معنى إيصاء أرسطو أن تكون المقدمات الكلية المأخوذة صادقة على الأزمنة الثلاثة، لا ما يظنه أبو نصر من أن هذه الوصية هي في معنى المقول على الكل، فإنه ليس يمكن أن يوجد المقول على الكل في المقدمة الكبرى الوجودية الحقيقية عاما في الأزمنة الثلاثة إلا في بعض المواد- وهي التي يصدق فيها أن اَ موجودة بالفعل لكل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل. وإذا وجد الأمر بهذه الصفة فالتأليف من ذلك يكون منتجا بحسب المقول على الكل. فإن كان أرسطو وصى أن لا تستعمل المقدمات المطلقة إلا في هذه المادة فما باله قد قال أنها غير منتجة بحسب المقول على الكل- أعني المطلقة إذا اختلطت مع الممكنة- وبين إنتاجها بالخلف، وما باله قد قال فيها إنها تنتج الموجب مرة والسالب أخرى. فإذن واجب أن تكون هذه المطلقة هي غير المطلقة التي بين أنها تنتج بطريق الخلف. ويكون السبب عن إعراضه عن المنتج منها بحسب المقول على الكل العام صدقه في بعض المواد لا في كلها وليس هذه الوصية أيضا مما يفهم منها أن المقدمة الوجودية عنده هي التي تشتمل الضروري والممكن كما فهم ذلك ثامسطيوس، فإن هذه المقدمة- أعني المطلقة التي بهذه الصفة- ليس لها وجود خارج الذهن، والقصد هاهنا إنما هو إحصاء جهات المقدمات المطابقة لأصناف الوجود أو للمعارف الأول. فأما أن كان قصد أرسطو بالجهات إحصاء فصول المقدمات من جهة الوجود فليس ينتفع بالمطلقة على رأي ثاوفرسطس وثامسطيوس. وإن كان أراد إحصاءها من جهة المعارف الأول التي لنا بالطبع فقد ينتفع بها، فإن كثيرا ما نعلم أن المحمول موجود للموضوع ونجهل هل هو موجود بإمكان أو باضطرار. ويشبه أن يكون قصد بالمطلقة الأمرين جميعا- أعني المطلقة بحسب الوجود والمعرفة 0 وهي التي حددنا، لا التي يذكرها الإسكندر فإن تلك لا يأتلف منها قياس إلا بالعرض- أي في وقت ما مخصوص. وإذا خلطت مع الممكن فليس يأتلف منها قياس أصلا- أعني أن تكون الصغرى ممكنة. فعلى هذا التأويل تنحل الشكوك الواردة على كلام هذا الرجل، مع أنه التأويل ألحق اللائق بمذهبه في هذه الصناعة. وأرسطو يبين من الحدود المأخوذة من المواد أنه إذا أخذت في مثل هذا الاختلاط المطلقة الموجودة في زمان معين بالفعل أنه لا يكون قياس منتج أصلا، لأنه ينتج حينا سالبا ضروريا وحينا موجبا ضروريا. والحدود التي تنتج السالب هي الإنسان والمتحرك والفرس. والأصغر هو الإنسان والأوسط هو المتحرك والأكبر هو الفرس. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون متحركا، وكل متحرك قد يكون في وقت ما فرسا إذا لم يوجد شيء متحرك إلا فرس، والنتيجة سالبة ضرورية- وهي ولا إنسان واحد فرس. والحدود التي تنتج الموجب هي الإنسان والمتحرك والحي. فإن كل إنسان ممكن أن يكون متحركا، وكل متحرك في وقت ما قد يكون حيا إذا توهمنا أنه لا يتحرك في ذلك الوقت شيء إلا الحيوان، والنتيجة موجبة ضرورية- وهي أن كل إنسان حي. وإذا كان الأمر هكذا فلتكن المطلقة المأخوذة هاهنا هي التي لا تختص بزمان دون زمان، وسواء علم من أمرها أنها ليست ضرورية أو جهل ذلك فإن أكثر المقدمات هذه هي حالها.

ولتكن المقدمة الكلية الكبرى سالبة مطلقة والصغرى الكلية موجبة ممكنة، فأقول إنه ينتج سالبة مطلقة باشتراك الاسم- أعني التي تقال على الممكنة والضرورية. ومعنى قولنا في أمثال هذه المقاييس إنها منتجة- أي ليست تنتج الموجب مرة والسالب مرة، بل إنما تنتج إما الموجب فقط وإما السالب فقط- لكن السالب والموجب فيها هو مقول على أكثر من معنى واحد، فهذا هو أحد الأسباب التي من أجله قيل فيها إنها غير تامة. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ بإمكان ولا شيء من بَ هو اَ بإطلاق، فأقول إنه ينتج هذا أنه ولا شيء من جَ هو اَ بإمكان. فمرة تكون النتيجة ولا شيء من جَ هو اَ بالضرورة، ومرة تكون ولا شيء من جَ هو اَ بإمكان. برهان ذلك إنه إن لم يكن الصادق قولنا إنه يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ، فليكن نقيضه هو الصادق- وهو أنه ليس يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ. وإذا لم يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ فبعض جَ هو اَ بالضرورة، وذلك بين اللزوم بنفسه. فإذا كان معنا أن بعض جَ هو اَ بالضرورة وأن كل جَ هو اَ بالفعل- وذلك بنقل المقدمة الممكنة في هذا الشكل إلى الوجودية- كان معنا قياس في الشكل الثالث من مقدمتين موجبتين، إحداهما جزئية ضرورية كبرى والثانية كلية مطلقة صغرى. وقد تبين أن هذا قد ينتج جزئية ضرورية بالافتراض. وذلك أنه يرجع من موجبتين كليتين في الشكل الثالث كبراهما ضرورية- وهي أن بعض بَ هي اَ باضطرار- وقد كان موضوعا لنا في القياس أنه ولا شيء من بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. والخلف لم يلزم عن الكذب الممكن وإنما لزم عن وضعنا أن بعض جَ اَ بالضرورة، لكن إذا كذب هذا فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا ليس بالضرورة هو اَ- وهذا يصدق معه أن يكون جَ ليس اَ بإمكان، وليس اَ بالضرورة، فلذلك تكون نتيجة هذا القياس مرة سالبة ضرورية، ومرة سالبة ممكنة. وقد يبين هذا المعنى من الحدود. فليكن بدل جَ إنسان وبدل بَ مفكر وبدل اَ غراب، فيأتلف هكذا كل إنسان يمكن أن يكون مفكرا ولا مفكر واحد غراب ينتج ولا إنسان واحد غراب- وهي سالبة ضرورية وليكن جَ أيضا إنسانا وبَ عالما واَ متحركا، فيأتلف القياس هكذا: كل إنسان يمكن أن يكون عالما، ولا عالم واحد متحرك بعلمه، فتكون النتيجة كل إنسان يمكن أن لا يكون متحركا بعلمه- وهي سالبة ممكنة.

وقد شك أبو نصر في هذا المثال لما اعتقد أن الوجودية هي التي يوجد المحمول فيها لكل الموضوع في زمان مشار إليه- مثل ما حكاه عن الإسكندر- وقال: إن قولك ولا مفكر واحد غراب هو ضروري لا وجودي، إلا أن تريد بالتفكر التخيل. وهذا كله لعدم التفاته إلى الفرق بين المطلقة والضرورية عند أرسطو لأن الضروري عند أرسطو هو الذاتي. وليس امتناع الفكرة من الغراب من الواجب الضرري عند جميع الناس مثل سلب الإنسان عن الغراب. والوجودية هي الصادقة عنده فقط، والصادق أيضا هو غير الضروري عنده. وبالجملة إذا أخذ الفكر بالفعل كانت المقدمة ضرورية بالعرض مطلقة بالذات. فإن كانت الصغرى في هذا الشكل سالبة ممكنة، فإنه لا يكون قياس تام إذ كان من شرط الإنتاج في هذا الشكل أن تكون الصغرى موجبة. لكن إذا عكست السالبة الممكنة إلى موجبة ممكنة، كان القياس الذي تقدم وكذلك يعرض متى كانت المقدمتان في هذا الاختلاط سالبتين وكانت الصغرى هي الممكنة- أعني أنه لا ينتج شيئا- حتى تعكس الممكنة إلى موجبة. فإن كانت الصغرى في هذا الشكل سالبة مطلقة، فإنه لن يكون قياس منتج كانت الكبرى سالبة ممكنة أو موجبة ممكنة. والحدود التي تنتج الموجب الضروري هي الثلج والحي الأبيض. وذلك أنه ولا ثلج واحد حي وكل حي يمكن أن يكون أبيض، والنتيجة كل ثلج أبيض- وهي موجبة ضرورية. والحدود التي تنتج السالب هي القار والحي والأبيض. وذلك أن كل قار ليس بحي وكل حي يمكن أن يكون أبيض، والنتيجة ولا قار واحد يمكن أن يكون أبيض- وهي سالبة ضرورية.

فقد تبين إذا كانت المقدمتان كليتين في هذا الاختلاط متى يكون قياس منتج ومتى لا يكون، وإذا كان فما منه تام وما منه غير تام. وتبين ما يكون بين الإنتاج من غير التام بقياس الخلف وما يكون بينا بالانعكاس.

فأما إذا كانت إحدى المقدمتين من هذا الاختلاط كلية والأخرى جزئية وكانت المقدمة الكبرى ممكنة كلية سالبة كانت أو موجبة والصغرى الجزئية موجبة، فإنه يكون قياس تام على نحو ما كان الأمر إذا كانت المقدمتان كليتين وكانت الكبرى ممكنة والصغرى مطلقة. وتكون جهة النتيجة هي جهة تلك الكبرى بعينها- أعني ممكنة- إلا أن هذه جزئية وتلك كلية، وذلك بين من معنى المقول على الكل كما كان الأمر في تلك. فإن كانت المقدمة الكبرى كلية ومطلقة غير ممكنة وكانت المقدمة الصغرى جزئية ممكنة كانت المقدمتان موجبتين أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة، فإنه يكون عن ذلك قياسات منتجة غير تامة. فمنها ما يبين بالخلف، وهي نظير ما بان بالخلف في هذا الاختلاط الذي فيه المقدمتان كليتان. ومنها ما يبين بالعكس، وهي متى كانت الصغرى الجزئية سالبة ممكنة كالحال فيها إذا كانت سالبة كلية. وأما إذا كانت الصغرى سالبة مطلقة، فإنه لن يكون قياس. والحدود التي تنتج الموجب هي الثلج والحي والأبيض. وذلك أن بعض الثلج ليس بحي وكل حي يمكن أن يكون أبيض، والنتيجة بعض الثلج أبيض. والتي تنتج السالب فالقار والحي والأبيض. ذلك أن بعض القار ليس بحي وكل حي يمكن أن يكون أبيض، والنتيجة بعض القار ليس بأبيض- وهي سالبة ضرورية جزئية. وإذا أخذت هذه الحدود مهملة، قامت مقام الجزئية ولم توهم ما توهم الجزئية في مثل قولنا بعض الثلج ليس بحي إن بعض الثلج حي. وهذا شيء ينبغي أن يعتمد في الحدود التي تؤخذ عامة للجزئية والمهملة.

فإن كانت المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى سالبة كانت أو موجبة ممكنة أو مطلقة، فإنه ليس يكون في ذلك قياس وكذلك إذا كانت المقدمتان جزئيتين أو مهملتين، فإنه لا يكون قياس كانت الكبرى هي المطلقة والصغرى الممكنة أو بالعكس. والبرهان على ذلك هو البرهان المتقدم على هذه الأصناف في المواد الغير مختلطة. والحدود التي تنتج الموجبة الضرورية في هذه إذا كانت الكبرى جزئية، الإنسان والأبيض والحي والأصغر هو الإنسان والأبيض الأوسط، والحي الأكبر. وأما التي تنتج السالب، فالثوب والأبيض والحي فقد تبين من هذا ما المنتج في هذا النوع من الاختلاط في هذا الشكل- أعني الأول- وما غير المنتج وما كان من المنتج تاما.

القول في تأليف الضروري والممكن في الشكل الأول

وإذا كانت إحدى مقدمتي القياس ممكنة والثانية اضطرارية، فإن أنواع المقاييس المنتجة تكون على عدد المقاييس المنتجة في المختلطة من الممكن والوجودي التامة منها وغير التامة. والتامة تكون هاهنا إذا كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة كما كانت هنالك، وغير التامة إذا كانت الكبرى هي الضرورية والصغرى هي الممكنة. أما النتائج هاهنا فتكون إذا كانت المقدمتان موجبتين ممكنة تامة كانت المقاييس أو غير تامة كلية كانت النتائج أو جزئية. وأما إن كانت إحدى المقدمتين موجبة والأخرى سالبة وكانت الموجبة اضطرارية والسالبة ممكنة، فإنه تكون النتيجة ممكنة. فإن كانت المقدمة السالبة اضطرارية، تكون النتيجة مرة سالبة ممكنة ومرة سالبة مطلقة، كما أنه إذا كانت السالبة في اختلاط ممكن والوجودي وجودية كانت النتيجة مرة سالبة ضرورية ومرة سالبة ممكنة. وهذا كله سواء كانت المقدمتان كليتين أو إحداهما كلية والأخرى جزئية- أعني إذا كانت الكلية هي الكبرى والجزئية الصغرى فإنه إذا كانت الجزئية هي الكبرى لم يكن منتجا أصلا. ولم يقل أن هاهنا قياسا ينتج سالبة ضرورية لأن ذلك جزئي وفي بعض المواد وإن كان يوجد قياس ينتج سالبة الاضطرار فإن سالبة الاضطرار غير السالبة الاضطرارية. كما أنه لم يقل إن هاهنا قياسا ينتج موجبة ضرورية، فإن ذلك أيضا جزئي وفي بعض المواد كالحال في إنتاج الشكل الثاني موجبة.

فلتكن المقدمتان موجبتين كليتين ولتكن الكبرى هي الضرورية والصغرى هي الممكنة، فأقول إنه ينتج ممكنة لا ضرورية وأن القياس في ذلك يكون غير تام مثال ذلك قولنا كل جَ هو بَ بإمكان وكل بَ هو اَ بالضرورة، فأقول أنه ينتج كل جَ هي اَ بإمكان وأنه قياس غير تام لأن شرط المقول على الكل في المقدمة الضرورية أن تكون اَ محمولة على ما هو بَ بالفعل لا بالقوة. فأما ما به يتبين أن النتيجة ممكنة فبقياس الخلف على النحو الذي بان في نظير هذا من الاختلاط الآخر. وذلك بأن نأخذ نقيض النتيجة- وهي سالبة ضرورية لأن غير الممكن يصدق على السالبة الضرورية- ونضيف إليها المقدمة الممكنة من القياس- وهي الصغرى- بعد أن ننقلها إلى الوجود فيلزم عنه نقيض المقدمة الكبرى- وهي السالبة الضرورية لأن الكبرى كانت موجبة ضرورية. فأما إذا كانت الكبرى هي الممكنة والصغرى الضرورية فإنه يكون في ذلك قياس تام- وذلك بين من معنى المقول على الكل على ما تقدم- وتكون النتيجة ممكنة.

فإن كانت إحدى المقدمتين الكليتين موجبة والأخرى سالبة وكانت السالبة اضطرارية وكبرى والصغرى ممكنة، فإنه يكون قياس منتج غير تام ينتج نتيجتين إحداهما سالبة مطلقة والثانية سالبة ممكنة. ولم يقل إنه ينتج سالبة ضرورية، إذ ذلك إنما يمكن إذا كان الطرف الأصغر داخلا بالقوة تحت الأوسط وذلك لا يصدق إلا في بعض المواد. ولكن يبين أيضا بقياس الخلف إنه ينتج نتيجة مطلقة سالبة وممكنة. فليكن معنا أن كل جَ هو بَ بإمكانه وإنه ولا شيء من بَ هو اَ بالضرورة، فأقول إنه ينتج ولا شيء من جَ هو اَ بالفعل أو بإمكان. برهان ذلك أنه إن لم تكن هذه النتيجة صادقة، فليكن نقيضها هو الصادق- وهو أن بعض جَ هي اَ باضطرار، وذلك أن هذه هي المناقضة للنتيجة في الكيفية والكمية والجهة- ولنضف إليها المقدمة السالبة الكلية الضرورية من القياس- وهو أن بَ ليس اَ بالضرورة- فينتج في الشكل الثاني أن بَ غير ممكنة أن تكون في بعض جَ، وقد كان موضوعا لنا أن كل جَ هو بَ بإمكان، هذا خلف لا يمكن. وإذا كذبت الموجبة الضرورية صدق نقيضها- وهي السالبة المطلقة. فإذا صدقت السالبة الوجودية، أمكن أن تصدق معها السالبة الممكنة إذ المطلق ممكن الوجود. فإذا كانت المقتدمة الكبرى سالبة ممكنة والصغرى موجبة اضطرارية، فإنه يكون قياس تام وتكون النتيجة ممكنة- على ما تبين من معنى المقول على الكل. وأرسطو يقول إنه ليس يمكن أن يتبين بقياس الخلف أنه ينتج مطلقة. فإن كانت المقدمة السالبة صغرى وكانت ممكنة فإنه لا يكون قياس تام، لكن يكون قياس غير تام بعكس السالبة الممكنة الى الموجبة- على ما تقدم. فإن كانت الصغرى السالبة اضطرارية لم يكن قياس، ولا إذا كانتا جميعا سالبتين وكانت الصغرى هي الاضطرارية. والحدود التي تنتج الموجب الثلج والحي والأبيض. وذلك أنه ولا ثلج واحد حي والحي أبيض بإمكان، والنتيجة موجبة ضرورية- وهي أن كل ثلج أبيض. والحدود التي تنتج السالب القار والحي والأبيض. وذلك أن النتيجة ولا قار واحد أبيض- وهي سالبة. وكذلك إذا أخذتا سالبتين. وذلك أن القار ليس بحي والحي ليس بأبيض والقار ليس بأبيض. وأيضا فإن الثلج ليس بحي والحي ليس بأبيض بإمكان والثلج أبيض.

وأما إذا كانت إحدى المقدمتين جزئية وكانت الكبرى ضرورية وسالبة، فإن النتيجة تكون سالبة مطلقة وسالبة ممكنة كما كانت الحال إذا كانتا كليتين الكبرى سالبة، وتبين ذلك بالخلف كما بان ذلك في الكليتين. وأما إذا كانت الصغرى جزئية موجبة وضرورية وكانت الكبرى سالبة ممكنة فإن النتيجة تكون ممكنة جزئية، وذلك بين من معنى المقول على الكل. وأما إذا كانتا موجبتين وكانت الكرى كلية وضرورية، فإن النتيجة تكون ممكنة. والبرهان على ذلك هو البرهان الذي تقدم إذا كانتا معا كليتين. فإن كانت المقدمة الكلية هي الصغرى والجزئية هي الكبرى وكانت الجزئية اضطرارية والكلية ممكنة موجبة كانت أو سالبة، فإنه لا يكون قياس. والحدود التي تنتج الموجب الإنسان والأبيض والحي. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون أبيض وبعض الأبيض ليس بحي، والإنسان حي بالضرورة. والإنسان يمكن أن لا يكون أيضا أبيض وبعض الأبيض حي والإنسان حي بالضرورة. وأما الحدود التي تنتج السالب فالثوب والأبيض والحي. وذلك أن الثوب يمكن أن يكون أبيض وبعض الأبيض ليس بحي، والثوب ليس بحي. وأيضا فإن الثوب يمكن أن لا يكون أبيض وبعض الأبيض حي، والثوب لا يمكن أن يكون حيا، سواء كانت الصغرى سالبة أو موجبة إذا كانت كلية وممكنة فإنها غير منتجة. وكذلك إذا كانت الصغرى كلية واضطرارية سالبة كانت أو موجبة والكبرى ممكنة جزئية، فإنه لا ينتج أصلا. والحدود التي تنتج الموجب إذا كانت سالبة الغراب والأبيض والحي. وذلك أن الغراب ليس بأبيض بالضرورة وبعض الأبيض حي بإمكان، والغراب حي بالضرورة- وهي النتيجة. وأما الحدود التي تنتج السالب فالقار والأبيض والحي وذلك أن القار ليس بأبيض وبعض الأبيض حي، والقار ليس بحي. وأما الحدود التي تنتج الموجب إذا كانت الصغرى كلية موجبة واضطرارية فهي الققنس والأبيض والحي. وذلك أن كل ققنس أبيض بالضرورة وبعض الأبيض حي، والنتيجة وكل ققنس حي- وهي ضرورية. والتي تنتج السالب فالثلج والأبيض والحي. وذلك أن الثلج أبيض وبعض الأبيض حي والثلج ليس بحي بالضرورة- وهي النتيجة.

وكذلك لا يكون أيضا في هذا الصنف قياس إذا كانت المقدمتان مهملتين أو جزئيتين أو إحداهما مهملة والأخرى جزئية كانت الكبرى هي الممكنة والصغرى هي الضرورية أو بالعكس. والحدود العامة لهذه الأصناف كلها، أما التي تنتج الموجب فالإنسان والأبيض والحي، وأما التي تنتج السالب فالغير متنفس والأبيض والحي. وتركيبها قريب على من تأملها.

فقد تبين من هذا القول إن أصناف المقاييس المركبة في هذا الشكل من اختلاط الممكن والمطلق هي مساوية لأصناف المقاييس المركبة من الممكن والضروري، المنتج منها للمنتج وغير المنتج لغير المنتج والمنتج التام للمنتج التام والمنتج غير التام لغير التام. والطريق الذي يبين به غير التام وفيهما واحد بعينه وتبين أن النتائج منها في الموجبات ممكنة وكذلك في السوالب، إذا كانت المقدمات الكبر منها هي الممكنة وأما إذا كانت الضرورية أو الوجودية فإنها تكون أما في المختلطة من الممكنة والوجودية فسالبة ضرورية أو ممكنة، أما في المختلطة من الممكنة والضرورية فسالبة مطلقة أو سالبة ممكنة. وقد يسأل سائل فيقول: كيف قال أرسطو في المقاييس المختلطة التي كبراها سالبة مطلقة وصغراها موجبة ممكنة- وهي السالبة الغير تامة في هذا الاختلاط- إنها تنتج نتيجتين إحداهما سالبة ممكنة والثانية سالبة ضرورية، أو إنها تنتج مع السالبة الممكنة السالبة الضرورية، وسكت عن النتيجة المطلقة وهو قد ينتجها، وبرهان الخلف الذي استعمل أرسطو في بيان أنه ينتج سالبة ضرورية وممكنة يقتضي أنه قد ينتج المطلقة وبالجملة سالبة ممكنة باشتراك الاسم- أعني الممكن القول على الثلاث جهات. وكيف قال في المقاييس التي كبراها سالبة ضرورية وصغراها موجبة ممكنة- وهي الغير تامة في هذا الاختلاط- إنها تنتج أيضا نتيجتين إحداهما سالبة مطلقة والأخرى سالبة ممكنة، وقال إنه ليس يوجد في هذا الصنف برهان على أنه ينتج السالب الضروري ويبين من أمره أنه قد ينتج الضروري، وبرهان الخلف الذي استعمل في بيان إنتاجه السالب الممكن والسالب المطلق يدل على إمكان ذلك. وهل في هذا كله فرق بين الموجبات والسوالب في هذا الاختلاط الذي سماه غير تام- وهو الذي لا تكون الكبرى فيه ممكنة. فإن الذي فهم عنه من ذلك المفسرون الذين وصلتنا أقوالهم هو أن التأليفات الموجبة في هذين النوعين من الاختلاط بخلاف السوالب، وأن الموجبات منها تنتج ممكنات حقيقية. وهذا الذي قاله المفسرون هو الذي يقتضيه ظاهر ألفاظه أو ليس في ذلك فرق بين الموجبات والسوالب، بل كل الصنفين ينتج نتائج ممكنة باشتراك الاسم على ظاهر ما يقتضيه برهان الخلف المستعمل في ذلك وعلى ظاهر ما يذهب إليه أبو نصر في تفسيره هذا الموضع.

فنقول نحن الآن: إن الإنتاج بالجملة إما أن يكون سبب الاتصال. وأعني بالانطواء تضمن المقول على الكل جهة المقدمة الصغرى وانطوائها تحت حمل الحد الأكبر على الأصغر. وأعني بالاتصال تضمن المقول على الكل كون الحد الأوسط محمولا بإيجاب على الأصغر فقط من غير أن يتضمن الجهة- أعني جهة المقدمة الصغرى- وإنما يتضمن جنسها وهو الإيجاب فقط. والاتصال منه تام وهو أن تكون كلتا المقدمتين موجبتين، ومنه غير تام وهو أن تكون الكبرى كلية سالبة والصغرى موجبة فقط.

فأرسطو لما نظر في هذه المختلطات وجد منها ما ينتج بحسب الانطواء دائما وفي كل مادة- أعني أن المقدمة الكبرى فيه تتضمن جهة النتيجة- فحكم في هذه حكما جزما إن جهة النتيجة تابعة للمقدمة الكبرى وذلك في اختلاط الوجودي مع الضروري وفي اختلاط الممكن مع الضروري والوجودي مع الضروري والوجودي في الصنف التام منه- أعني إذا كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة- فإن الانطواء موجود في هذه التأليفات على ما تبين من قولنا. ولما نظر في الصنف من اختلاط الممكن مع الضروري والوجودي الذي تكون المقدمات الضغر فيه ممكنة، وجد الانطواء فيها جزئيا- أعني في بعض المواد فرفض الإنتاج الذي يكون في هذا الاختلاط من قبل الانطواء وعاد إلى تبين الإنتاج الذي يكون في هذه من قبل الاتصال إذ كان هو الدائم. ومعنى دوامه أنه إذا رفعت نتيجته عن القياس لم يكن بعد قياسا، ولزم عنه الخلف. وفعل ذلك في الصنفين من الاتصال جميعا- أعني التام، وهو الصنف الموجب، والناقص، وهو الصنف السالب- وعرف ما يلزم كل واحد منهما من النتائج من جهة الاتصال وما لا يلزمه، وأن الموجب في ذلك بخلاف السالب. فابتدأ فعرف قي الموجب الذي يأتلف من مقدمة كبرى مطلقة وصغرى ممكنة أن النتيجة بحسب الاتصال يجب أن تكون ممكنة حقيقية وأنه ليس يمكن أن يكون غير ذلك، إذ الإنتاج لهذا الضرب إنما هو من جهة الاتصال. وذلك بأن يبين أنه متى وضعت نتيجة هذا القياس سالبة ضرورية كلية، إنه يعرض عن ذلك محال. وإذا كذبت السالبة الكلية الضرورية أمكن أن تصدق الموجبة الممكنة الكلية والموجبة المطلقة والضرورية. لكن أطرح المطلقة لأنها إنما تكون بحسب الانطواء، وسقطت الضرورية لأن الاتصال تام وليس في المقدمتين جهة ضرورية فبقي أن تكون ممكنة حقيقية. وليس ينبغي أن يفهم هذا الموضوع عاما على ما يقتضيه ظاهر برهانه من أنه لما أخذ نقيض النتيجة الممكنة- وغير الممكنة- فلزم عنها الضروري السالب بين كذب السالب، فلما بين كذب السالب كذب الذي لزم عنه السالب الضروري- وهو غير الممكن- وإذا كذب غير الممكن صدق الممكن العام، فتكون النتيجة على هذا ممكنة باشتراك الاسم، فإن هذا الفهم محال. وذلك إنه إذا كانت اَ محمولة على بَ بإطلاق وبَ محمولة على كل جَ بإمكان، فأقول إنه ليس يمكن أن تحمل اَ على جَ باضطرار لأنه إن كان في هذا الحمل انطواء فاَ موجودة لجَ من الاضطرار وبإطلاق مع، وذلك خلف. فإن المطلق من طبيعة الممكن على ما تبين. وإن لم يوجد فيه غير معنى الاتصال فظاهر أيضا أن اَ موجودة لجَ بإمكان لأنه إذا كانت ألف موجودة لكل بَ بالفعل وبَ موجودة لكل جَ بإمكان فإن اَ بالضرورة تكون موجودة لجَ بإمكان لا باضطرار، فإنها وجدت لجَ بتوسط وجود بَ لها وبَ وجدت لها بإمكان، فاَ موجودة لها ضرورة بإمكان. وذلك أنه لو وجدت اَ بالضرورة لجَ من جهة مشاركتها لبَ، لوجب في بَ أن تكون موجودة بالضرورة لجَ وقد كانت فرضت بإمكان. وكذلك يبين أيضا أنها لا تنتج من قبل الاتصال مطلقة، لأن النتيجة تكون أبدا في الإنتاج الذي بحسب الاتصال التام تابعة لأخس المقدمتين، لأنه لما كانت النسبة التي بين الحد الأوسط والأصغر هي نسبة الكل الى الجزء فظاهر متى حمل شيء على الكل حملا مخالفا لجهة حمل الكل على الجزء أنه إن كان ذلك الحمل أنقص جهة من حمل الكل على الجزء أنه يحمل على الجزء بالجهة التي حمل على الكل، فإن كان حمل الكل على الجزء أنقص جهة من حمل ذلك الشيء على الكل إن ذلك الشيء يحمل على الجزء حمل الكل على الجزء.

وهذا هو الذي ظهر لأوديموس وثاوفرسطس من قدماء المشائين من أن النتيجة تكون أبدا في المختلطة جهتها تابعة لأخس جهتي المقدمتين. وما قالوه صحيح في الإنتاج الذي يكون بحسب الاتصال- أعني التام- لا بحسب الانطواء وهو الذي ذهب على القوم. فقد تبين من هذا أن الاختلاط ليس ينتج أصلا نتيجة ضرورية ولا مطلقة من جهة الاتصال الذي قصد أرسطو بيانه، إذ كان ذلك جزئيا وفي بعض المواد وكأنه بضرب من العرض إذ كان ذلك إنما يكون من قبل الانطواء، والانطواء أمر عارض لهذا التأليف وبمثل هذا بين في الاختلاط الذي يكون من كبرى ضرورية موجبة وصغرى ممكنة موجبة أن النتيجة تكون أيضا من قبل الاتصال ممكنة حقيقية- أعني بذلك النوع من برهان الخلف- وأطرح الضرورية لأنها بالعرض لهذا التأليف وأما المطلقة فليس يمكن أن توجد فيه، إذ كان ليس توجد في إحدى جهتي المقدمتين والاتصال تام. فأذن ما فهمه مفسرو المشائين من النتائج في هذه المختلطات الموجبات ممكنة حقيقية هو الصحيح. وأما الأقيسة السالبة في هذا النوع من الاختلاط- وهو الذي اتصالها غير تام من قبل أن الكبرى فيه سالبة والسلب هو انفصال الاتصال- فإن أرسطو أيضا نظر في جهات نتائجها من قبل الاتصال لا من قبل الانطواء، إذ كان عارضا في هذا النوع من الاختلاط أيضا. فبين في الاختلاط الذي يكون من كبرى سالبة مطلقة وصغرى موجبة ممكنة أن جهة النتيجة في هذا الضرب من الاختلاط مرة تكون ممكنة حقيقية- أعني سالبة- ومرة تكون سالبة ضرورية. وذلك بأن بين أنه متى وضعت نتيجة هذا الشكل موجبة جزئية ضرورية أنه يعرض عن ذلك محال، وإذا كذبت الموجبة الجزئية الضرورية أمكن أن تصدق السالبة الكلية الضرورية وأمكن أن تصدق السالبة الممكنة والسالبة المطلقة، وهذا شيء عرض لهذا التأليف من قبل نقصان الاتصال- أعني أنه ينتج جهة ليست هي جهة واحدة من المقدمتين المأخوذة فيه. وذلك أنه ليس يمتنع أن يوجد شيء واحد مسلوب عن شيئين أحدهما باضطرار والآخر بإطلاق وأحد الشيئين موجود للآخر بإمكان، إذا لم يوجد فيهما الانطواء- مثل أن تكون اَ غير موجودة لجَ باضطرار ولبَ بإطلاق وبَ لجَ بإمكان- فسكت هاهنا عن السالبة المطلقة، لأنها إنما تلزم عن الانطواء. وأما الاختلاط الذي يكون من سالبة كبرى ضرورية وموجبة ممكنة، فإنه قال فيه أيضا بحسب الاتصال إنه ينتج سالبة مطلقة وسالبة ممكنة فإنه بين أنه متى وضعت في هذا الشكل موجبة جزئية ضرورية لزم عنها محال، وبين أنه متى كذبت الجزئية الموجبة الضرورية أنه يمكن أن تصدق السالبة المطلقة والسالبة الممكنة والسالبة الضرورية، إلا أنه أطرح السالبة الضرورية إذ كانت إنما تنتج بحسب الانطواء- وهو جزئي. ولذلك قال إنه ليس يوجد قياس يبين به أن هذا التأليف ينتج سالبا ضروريا- يريد دائما- كما يبين وجود السالب الممكن دائما حيث يوجد الانطواء دائما- أعني في الضرب التام من هذا الاختلاط.

وليس الأمر في هذا البيان الذي استعمله أرسطو على ما يظن من أنه إذا كذبت الموجبة الجزئية الاضطرارية صدقت السالبة الممكنة، فإن ذلك غير صادق. وقد بين ذلك أرسطو عندما فحص عن عكس السالبة الممكنة فيخص المنتج من قبل الاتصال الناقص أنه ينتج نتيجتين إحداهما بحسب أخس المقدمتين والأخرى برانية- أعني ذات جهة غير موافقة لإحدى جهتي المقدمتين المأخوذة في القياس. وتحصيل جهات هذه النتائج على مذهب أرسطو أن التأليف لا يخلو أن يوجد فيه معنا الانطواء دائما أو لا يوجد فيه معنى الانطواء دائما فإن وجد فيه معنى الانطواء دائما، فجهة النتيجة تابعة لجهة المقدمة الكبرى، وذلك دائما. وإن لم يوجد فيه معنى الانطواء دائما وإنما وجد فيه معنى الاتصال، فجهة النتيجة تابعة عنده لحكم الاتصال لا لحكم الانطواء. فإن كان الاتصال تاما فجهة النتيجة موافقة لأخس جهتي مقدمتي القياس. وإن كان ناقصا فجهة النتيجة مرة تكون موافقة لأخس جهتي المقدمتين ومرة تكون برانية- أعني غير موافقة بجهتها لإحدى جهتي مقدمتي القياس. فهكذا ينبغي أن يفهم الأمر عن أرسطو في هذه النتائج.

وأحسب أن هذا المقصد من التفسير هو شيء ذهب على جميع المفسرين اللهم إلا الاسكندر، فإنه لم تصل الينا أقواله في هذه الأشياء، والرجل عظيم القدر جدا. وأما ثامسطيوس فإنا نجده قد ذهب عليه هذا الأمر، كما ذهب على قدماء المشائين، وكذلك يشبه أن يكون هذا المعنى ذهب على أبي نصر، وذلك بين من شرحه لهذا الموضوع. فما أعجب شأن هذا الرجل وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لنوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى في النوع الإنساني محسوسا ومشارا إليه، فما هو إنسان، ولذلك كان القدماء يسمونه الإلاهي. ونحن في تلخيصنا هذه المواضع قديما أجرينا العبارة فيها على ما يعطيه مفهوم في قوله في بادي الرأي- وهو الذي فهمه المفسرون- لنجد بذلك سبيلا إلى حل الشكوك الواردة فيه إلى أن ظهر لنا فيها هذا القول. فمن أحب أن يحول العبارة فيها إلى ما لا يتطرق إليه شك فليفعل، وإن أمهل الله في العمر فسنشرح هذا الموضع من كلامه على اللفظ، فإن هذا الموضع إلى هذه الغاية فيما أحسب لم يشرح شرحا تاما.

القول في تأليف الممكن في الشكل الثاني

وإذا كانت كلتا المقدمتين ممكنة في الشكل الثاني فإنه لا يكون قياس منتج، موجبتين كانتا أم سالبتين أم إحداهما موجبة والثانية سالبة، كليتين كانتا أو جزئيتين معا أو إحداهما كلية والأخرى جزئية. وأما إذا كانت إحداهما مطلقة والأخرى ممكنة فإنه إن كانت الموجبة هي المطلقة والسالبة هي الممكنة، فإنه لا يكون قياس منتج. وأما إذا كانت السالبة المطلقة وكانت كلية، فإنه يكون قياس منتج. ومثل هذا يعرض إذا كانت إحدى المقدمتين أيضا ضرورية والأخرى ممكنة. والممكن هاهنا ينبغي أن يفهم في نتائج هذه المقاييس على نحو ما فهم فيما تقدم.

وينبغي أن نبين هاهنا أولا أن الكلية السالبة الممكنة لا تنعكس محفوظة الكمية والكيفية كما تنعكس السالبة الضرورية والسالبة المطلقة. فلنضع أولا أن كل جَ يمكن أن لا يكون شيئا من اَ، فأقول إنه ليس يلزم عن هذا أن تكون كل اَ ممكنة أن لا يكون شيئا من جَ. برهان ذلك أنه إن أمكن ذلك فستصدق معها الموجبة الممكنة الكلية- وهي قولنا كل اَ يمكن أن يكون جَ- لأن الموجبات الممكنة ترجع إلى سوالبها الكلية للكلية والجزئية للجزئية. وذلك أن قولنا كل جَ يمكن أن لا يكون شيئا من اَ تصدق معها الموجبة المضادة لها- وهي قولنا كل جَ يمكن أن يكون اَ- فإذن يصدق مع قولنا كل جَ يمكن أن يكون اَ قولنا كل اَ يمكن أن يكون جَ، فالموجبة الممكنة الكلية تنعكس كلية وقد تبين أنها لا تنعكس، هذا خلف لا يمكن. وأيضا فإن كونها لا تنعكس دائما يظهر من المواد. وذلك أنه إذا كان كل جَ يمكن أن لا يكون شيئا من اَ فقد يمكن أن يكون بعض اَ ليس هو جَ بالضرورة. مثال ذلك أن كل إنسان يمكن أن لا يكون أبيض وبعض الأبيض ليس هو إنسانا بالضرورة- مثل الثلج وققنس- وإذا أمكن أن يكون بعض اَ بالضرورة ليس هو جَ، فليس يصدق مع ذلك أن كل اَ يمكن أن لا يكون جَ، لأن بعضه واجب وضروري أن لا يكون.

قال: وقد يظن أن السالبة الممكنة قد تبين انعكاسها بطريق الخلف. ومثال ذلك أن يقول قائل: إن قول القائل كل اَ يمكن أن لا يكون شيئا من بَ ينعكس صادقا- وهو أن كل بَ يمكن أن لا يكون شيئا من اَ برهان ذلك أنه إن لم يكن صادقا قولنا كل بَ يمكن أن لا يكون اَ فنقيضه إذن هو الصادق- وهو كل بَ غير ممكن أن لا يكون اَ- ولما كان قولنا كل بَ غير ممكن أن لا يكون اَ يلزمه أن بعض بَ بالضرورة اَ وكان هذا قد تبين أنه ينعكس إذ كانت جزئية ضرورية، فبعض اَ بَ بالضرورة وقد كنا فرضنا أن كل اَ يمكن أن لا يكون بَ، هذا خلف لا يمكن. لكن في هذا القول مغالطة. وذلك أنه ليس اللازم عن قولنا كل بَ غير ممكن أن لا يكون في شيء من اَ قولنا إن بعض بَ بالضرورة اَ، بل وقد يلزمه أن بعض بَ بالضرورة ليست اَ لأنه يناقض قولنا كل بَ ممكن أن لا يكون اَ قولنا بعض بَ بالضرورة ليست اَ كما يناقض قولنا بعض بَ بالضرورة اَ قولنا كل بَ ممكن أن يكون اَ. ولما كان قولنا أن كل بَ ممكن أن يكون اَ يلزمه أن كل بَ ممكن أن لا يكون اَ وكان قولنا كل بَ ممكن أن يكون اَ يناقضه قولنا بعض بَ بالضرورة اَ وقولنا كل بَ يمكن أن لا يكون اَ يناقضه قولنا بعض بَ بالضرورة ليست اَ، فإذن قولنا كل بَ ممكن أن يكون اَ يناقضه قولنا بعض بَ بالضرورة اَ وبعض بَ بالضرورة ليست اَ. وكذلك يناقض هاتين الجزئيتين المقدمة السالبة الممكنة- وهي قولنا كل بَ يمكن أن لا يكون اَ- والذي يناقض هذا يلزم نقيضه. فإذن قولنا كل بَ ممكن أن لا يكون اَ يناقضه شيئان، أحدهما بعض بَ بالضرورة ليست اَ، والثاني بعض بَ بالضرورة هو اَ. فقولنا في قياس الخلف كل بَ غير ممكن أن لا يكون اَ قد يلزمه مرة أن بعض بَ بالضرورة اَ ومرة أن بعض بَ بالضرورة ليست اَ. فإن كان اللازم هو السالبة الجزئية الضرورية لم يفض القول إلى محال لأنه ليس تنعكس السالبة الضرورية، بل قد يكون كل اَ ممكن أن لا يكون بَ وبعض بَ ليس بالضرورة اَ- مثل قولنا كل إنسان يمكن أن يكون أبيض وبعض الأبيض ليس هو إنسان بالضرورة، مثل الثلج وققنس. فإذ قد تبين أن السوالب الممكنة لا تنعكس، فلنضع مقدمتين كليتين ممكنتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة في الشكل الثاني- مثل قولنا كل جَ هو بَ بإمكان وكل اَ يمكن أن لا يكون بَ- فأقول إن هذا التأليف لا ينتج شيئا، لأنه لا يمكن أن تنعكس السالبة الممكنة كما أمكن ذلك في المادة المطلقة والضرورية. ولا بقياس الخلف تبين أيضا أنه يكون قياس، لأنه إن أخذنا نقيض النتيجة الموجبة الممكنة الحقيقية لم يعرض عن ذلك محال إذ كانتا متلازمتين- أعني الموجبة الممكنة والممكنة السالبة. وكذلك إن أخذنا النقيض جزئية ضرورية موجبة أو سالبة. وبالجملة وإن كان عن هذا التأليف قياس، فإنه إنما ينتج بالذات نتيجة ممكنة إذ كانت المقدمتان ممكنتين، لا نتيجة مطلقة ولا ضرورية إذ كان ليس في هذا القياس مقدمة بهذه الصفة. فإن كان ينتج نتيجة ممكنة فإما أن تكون سالبة ممكنة وإما موجبة ممكنة. لكن تبين من الحدود أنها تنتج مرة سالبة ضرورية، ومرة موجبة ضرورية. وبكل واحدة من هاتين النتيجتين يبطل أن تنتج سالبة ممكنة أو موجبة ممكنة، وذلك أن السالبة الضرورية تناقض الموجبة الممكنة والسالبة الممكنة وكذلك الموجبة الضرورية تناقض كليهما. فالحدود التي تنتج في هذه المادة سالبة الإنسان والأبيض والفرس. والأبيض هو الحد الأوسط والإنسان الأصغر، ويأتلف هكذا: كل إنسان يمكن أن يكون أبيض وكل فرس يمكن أن لا يكون أبيض، والنتيجة ولا إنسان واحد فرس- وهي سالبة ضرورية. وإذا كانت اَ مسلوبة عن جَ باضطرار، لم يصدق أن كل اَ ممكنة أن تكون في جَ ولا كل اَ ممكنة أن لا تكون في جَ لأنها تنعكس على الموجبة فمن هاهنا تبين أن هذا التأليف ليس بمنتج نتيجة ممكنة لا سالبة ولا موجبة. وقد تبين ذلك أيضا من أنه ينتج في بعض المواد موجبة ضرورية. وذلك إذا أخذنا بدل الفرس الحي، وذلك أنه ينتج كل إنسان حي- وهي موجبة ضرورية. وليس يمكن أن يصدق معها لا الموجبة الممكنة ولا السالبة الممكنة، وذلك أن مناقضتها للسالبة الممكنة بين بنفسه ومناقضتها للموجبة الممكنة من أجل لزومها للسالبة الممكنة. وكذلك تبين أنه لا يكون قياس في هذا الشكل وإن غير مكان السالبة- أعني إن جعلت صغرى بعد أن كانت كبرى أو بالعكس. وكذلك تبين أنه لا يكون قياس وإن أخذت كلتا المقدمتين موجبتين أو سالبتين. والبرهان على ذلك بهذه الحدود بأعيانها، ولن يعسر ذلك على من تأملها.

تأليف الوجودي والممكن في الشكل الثاني

وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل مطلقة والأخرى ممكنة وكانت السالبة هي الممكنة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس أصلا كلية كانت كلتا المقدمتين أم جزئية. والبرهان على ذلك هو البرهان الذي استعمل إذا كانتا معا ممكنتين وبتلك الحدود بأعيانها- أعني أنها توجد مرة تنتج سالبة ضرورية ومرة موجبة ضرورية. فإن كانت المقدمة سالبة هي المطلقة والموجبة هي الممكنة وكانتا معا كليتين، فإنه يكون قياس. وذلك أن السالبة المطلقة تنعكس، فيكون الشكل الأول- على ما تقدم- وسواء كانت السالبة هي الكبرى أو الصغرى. لكن إذا كانت الصغرى تبين ذلك بعكسين عكس المقدمة وعكس النتيجة على ما سلف.

فإن كانت كلتاهما- أعني الكليتين- سالبتين وكانت إحداهما ممكنة والأخرى مطلقة، فإنه يكون قياس غير تام إذا انعكست السالبة الممكنة إلى الموجبة التي تلزمها، لأنه يكون مؤتلفا من مقدمتين مطلقة سالبة وممكنة موجبة. وإن كانت كلتا المقدمتين موجبتين فإنه لن يكون قياس، وذلك تبين من أنها تنتج مرة موجبة ومرة سالبة. أما الحدود التي تنتج الموجب فهي الإنسان والصحة والحي. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون صحيحا وكل حي هو صحيح وكل إنسان حي باضطرار- وهي النتيجة. وأما التي تنتج السالب فالإنسان والصحة والفرس. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون صحيحا وكل فرس هو صحيح، والنتيجة ولا إنسان واحد فرس- وهي سالبة ضرورية. وإذا كانت إحدى المقدمتين كلية والأخرى جزئية، فإنه يعرض في ذلك مثل ما عرض فيها إذا كانتا كليتين معا- أعني أن شرط المنتج فيها هو شرط المنتج في تلك، وغير المنتج فيها هو غير المنتج في هذه. وذلك أنه متى كانت الموجبة هي المطلقة الكلية كانت أو الجزئية، فإنه لن يكون في ذلك قياس. وذلك يبين كما يبين ذلك إذا كانتا كليتين وبتلك الحدود بأعيانها. وأما إذا كانت الكلية هي المطلقة وكانت سالبة فإنه يكون قياس بالعكس إلى الشكل الأول. وإن كانت كلتاهما سالبتين وكانت إحداهما مطلقة، فإنه يكون أيضا قياس غير تام إذا انعكست السالبة الممكنة إلى الموجبة الممكنة- على ما تبين. فإن كانت السالبة المطلقة جزية فإنه لا يكون قياس موجبة كانت المقدمة الأخرى أم سالبة وكذلك لا يكون قياس إذا كانت تلك المقدمتين مهملتين أو جزئيتين، أو إحداهما مهملة والثانية جزئية موجبتين كانتا معا أم سالبتين. والبرهان على ذلك هو البرهان المتقدم وبحدود واحدة بأعيانها.

تأليف الممكن والاضطراري في الشكل الثاني

وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل ممكنة والثانية اضطرارية وكانتا كليتين معا وكانت السالبة هي الضرورية، فإنه يكون قياس بعكس السالبة إلى الشكل الأول الذي كبراه سالبة ضرورية وصغراه موجبة ممكنة. وقد تبين إن هذا ينتج سالبة مطلقة وممكنة سالبة، وسواء كانت السالبة الضرورية هي الكبرى أو الصغرى.

فأما إذا كانت الموجبة هي الضرورية فإنه لا يكون قياس. وبيان ذلك من الحدود أن نفرض الطرف الأصغر إنسانا والأوسط أبيض والأكبر ققنس. وذلك أن كل إنسان يمكن أن لا يكون أبيض وكل ققنس فهو أبيض بالضرورة، والنتيجة أنه ولا إنسان واحد ققنس- وهي سالبة ضرورية. وما ينتج سالبة ضرورية فليس يمكن أن ينتج دائما ممكنة لا موجبة ولا سالبة. وهو بين أيضا أنه لا ينتج نتيجة سالبة ضرورية دائما، لأن الضرورية إنما تكون عن مقدمتين ضروريتين، أو عن قياس تكون الضرورية فيه سالبة والموجبة وجودية لا ممكنة- على ما تبين. وكذلك تبين أيضا أنه لا ينتج مطلقة، لأن المطلقة من طبيعة الممكن. وقد يظهر أيضا من الحدود أنه لا ينتج سالبة ضرورية، فإنه مرة ينتج سالبة ضرورية ومرة موجبة ضرورية. فالحدود التي تنتج سالبة ضرورية هي التي تقدمت. وأما التي تنتج موجبة ضرورية فهو اليقظان والمتحرك والحي. وذلك أن كل يقضان متحرك بالضرورة وكل حي ممكن أن لا يكون متحركا وكل يقظان حي بالضرورة. فإذن لا يكون في هذا التأليف قياس منتج أصلا، وسواء كانت الموجبة الضرورية هي الصغرى أو الكبرى.

فإن كانت المقدمتان متشابهتين في الكيفية فإنهما إن كانتا سالبتين، فإنه يكون قياس إذا انعكست السالبة الممكنة إلى الموجبة التي تلزمها، لأنه يكون تأليفا من مقدمتين الموجبة ممكنة والسالبة ضرورية. وقد تبين أن هذا منتج، وسواء كانت السالبة هي الصغرى أو الكبرى.

فإن كانت المقدمتان الكليتان موجبتين، فإنه لن يكون قياس لأنه بين أن النتيجة ليس يمكن أن تكون سالبة لا مطلقة ولا اضطرارية، لأنه لم يؤخذ في القياس مقدمة سالبة- لا اضطرارية ولا مطلقة- ولا أيضا سالبة ممكنة ولا موجبة اضطرارية، لأنه تبين من الحدود أنها تنتج سالبة ضرورية وما ينتج سالبة ضرورية فليس يمكن أن ينتج دائما لا موجبة ضرورية ولا ممكنة ولا مطلقة، وكذلك لا يمكن أن ينتج سالبة ممكنة. فأما الحدود التي تنتج السالب الضروري، فالإنسان والأبيض والققنس. فإن كل إنسان يمكن أن يكون أبيض وكل ققنس أبيض، والنتيجة ولا إنسان واحد ققنس.

فهذه هي الضروب المنتجة في هذا الشكل في خذا الضرب من الاختلاط وغير المنتجة، إذا كانت المقدمتان كليتين. فإن كانت إحداهما كلية والأخرى جزئية، فإنه إن كانت المقدمة السالبة هي كلية واضطرارية فإنه يكون قياس ينتج إما سالبة ممكنة وإما سالبة مطلقة، لأن السالبة الاضطرارية تنعكس فترجع إلى الشكل الأول الذي يأتلف من موجبة ممكنة صغرى، وسالبة كبرى ضرورية. وأما إذا كانت الموجبة هي الاضطرارية فإنه لا يكون أيضا قياس البتة. والبرهان على ذلك هو البرهان بعينه إذا كانتا كليتين، وبتلك الحدود بأعيانها التي سلفت وكذلك لا يكون قياس إذا كانتا كلتاهما موجبتين. والبيان في ذلك هو البيان الذي تقدم إذا كانتا كليتين. فإن كانت كلتا المقدمتين- أعني الكلية والجزئية- سالبتين وكانت إحداهما كلية اضطرارية، فإنه يكون في ذلك قياس غير تام. وذلك أنه إذا انعكست الممكنة السالبة إلى الموجبة فإنه يكون قياس كما يكون إذا كانتا كليتين- على ما تقدم.

وكذلك لا يكون قياس إذا كانت المقدمتان مهملتين أو جزئيتين. والبرهان في ذلك هو البرهان الذي استعمل فيما تقدم وبتلك الحدود بأعيانها.

فقد تبين أنه متى وضعت المقدمة السالبة كلية اضطرارية أنه يكون ضرورة قياس ينتج إما سالبة مطلقة وإما سالبة ممكنة، وأنه متى وضعت الموجبة اضطرارية أنه لا يكون قياس. وهو بين أن بترتيب واحد للحدود في المقاييس المطلقة والضرورية يكون قياس أولا يكون. وهو بين أن هذه المقاييس غير تامة.

تأليف الممكن في الشكل الثالث

وإذا كانت المقدمتان في هذا الشكل ممكنتين كليتين، فإنه يكون قياس وتكون النتيجة جزئية ممكنة على نحو ما تكون في المطلقة الصرف والضرورية الصرف- أعني بتلك الشروط بأعيانها- والبرهان على ذلك هو البرهان على تلك. وتخص هذه المادة أنه متى كانتا سالبتين فإنه يكون من جميعها قياس غير تام إذا انعكست إحدى السالبتين إلى الموجبة اللازمة لها، لأنه يعود من ممكنتين إحداهما موجبة، والثانية سالبة.

فإن كانت إحداهما كلية والأخرى جزئية، فإن المقاييس المنتجة منها وغير المنتجة تكون كما كانت في المادة المطلقة والضرورية وبتلك الشروط بأعينها. ويخص هذا أنه إذا كانتا معا سالبتين، كان قياس بالانعكاس- أعني بانعكاس السالبة إلى الموجبة اللازمة لها- لأنه لا يكون قياس من سالبتين في شيء من التأليفات لا البسيطة ولا المركبة.

وأما إذا أخذت المقدمتان مهملتين أو جزئيتين فإنه لا يكون أيضا قياس، لأنه ينتج مرة موجبة ضرورية ومرة سالبة ضرورية. أما الحدود التي تنتج الموجبة فإنسان وأبيض وحي. وذلك أن بعض الأبيض يمكن أن يكون إنسانا والأبيض يمكن أن يكون حيا، والإنسان بالضرورة حي. والتي تنتج السالبة الإنسان والأبيض والفرس. وذلك أن الأبيض يمكن أن يكون إنسانا والأبيض يمكن أن يكون فرسا، والنتيجة ولا إنسان واحد فرس.

وبهذه الحدود بأعينها يتبين ذلك إذا كانتا سالبتين أو إحداهما موجبة والأخرى سالبة، لأنها يمكن أن تؤلف هذا التأليف.

تأليف الممكن والوجودي في الشكل الثالث

وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل مطلقة والثانية ممكنة وكلاهما موجبتان كليتان، فإن النتيجة تكون ممكنة جزئية. وذلك يتبين بانعكاس. فإن كانت هي الممكنة عادت من الشكل الأول إلى ما صغراه ممكنة وكبراه مطلقة، وقد تبين فيما سلف أن نتيجته ممكنة. فإن كانت الصغرى هي المطلقة عادت إلى ما صغراه في الشكل الأول مطلقة وكبراه ممكنة، وقد تبين أن هذا أيضا ينتج ممكنة.

فإن كانت إحداهما موجبة والأخرى سالبة وكان أيهما اتفق مطلقة- أعني الكبرى أو الصغرى- وكانت السالبة هي الكبرى، فإن النتيجة تكون ممكنة. فإن كانت السالبة هي الممكنة كانت النتيجة ممكنة حقيقية، وإن كانت السالبة هي المطلقة كانت النتيجة سالبة ممكنة باشتراك الاسم- أعني أنه ينتج نتيجتين سالبة ضرورية وسالبة ممكنة. فإن كانت السالبة هي الصغرى وكانت ممكنة أو كانتا جميعا سالبتين، فإنه لا يكون قياس إلا إذا انعكست الممكنة السالبة إلى الممكنة اللازمة عنها، لأنه يعود إما إلى ما هو من موجبتين وإما إلى ما كبراه سالبة وصغراه موجبة. وأما إذا كانت إحدى المقدمتين كلية والأخرى جزئية وكان كلاهما موجبتين أو كانت الكلية هي السالبة الكبرى والجزئية الموجبة، فإنه يكون قياس برجوعها إلى الشكل الأول بانعكاس الجزئية الموجبة- على ما تبين- ونتيجته تكون على نحو ما كانت نتيجة المقدمتين الكليتين. فإن كانت الموجبة هي الكلية والسالبة الجزئية وكانت الصغرى هي المطلقة الموجبة والكبرى السالبة الجزئية الممكنة، فإنه يكون قياس. وبيان ذلك يكون بقياس الخلف. فليكن كلف بَ فهو جَ وبعض بَ ليس هو اَ بإمكان، فأقول إن بعض جَ ممكن أن لا يكون اَ لأنه إن لم يكن هذا صادقا فنقيضه هو الصادق- وهو أن كل جَ هو اَ بالضرورة- لأن هذه هي المناقضة في الجهة والكمية، وقد كان معنا أن كل بَ فهو جَ بإطلاق، فإذن ينتج في الشكل الأول أن كل بَ هو اَ بالضرورة، وقد كان معنا أن بعض بَ ليس هو اَ بإمكان، هذا خلف لا يمكن. وأما إن كانت الكبرى الجزئية هي الوجودية والصغرى هي الممكنة، فإنه يكون قياس يبين بالافتراض. فإن كانت الصغرى هي السالبة وكانت مطلقة، فإنه لا يكون قياس لأن خاصة الشكل الثالث أن لا تكون صغراه سالبة. وإن كانت ممكنة فإنه يكون قياس إذا انعكست إلى الموجبة- على ما سلف.

وإذا كانت كلتا المقدمتين مهملتين أو جزئيتين، فإنه لا يكون قياس. وبرهان ذلك هو البرهان المستعمل في الأصناف الكلية في هذا الباب- أعني في الممكن الصرف- وبتلك الحدود بأعيانها.

تأليف الممكن والاضطراري في الشكل الثالث

وإذا كانت كلتا المقدمتين كليتين وكانت إحداهما اضطرارية والأخرى ممكنة وكانتا معا موجبتين، فإنه يكون عن ذلك قياس ينتج نتيجة ممكنة. وذلك بين بالانعكاس إلى الشكل الأول.

فإن كانت إحداهما موجبة والأخرى سالبة وكانت الموجبة هي الضرورية وهي الصغرى، فإن النتيجة تكون سالبة ممكنة. وذلك بانعكاس الموجبة ورجوع التأليف من الشكل الأول إلى ما كبراه سالبة ممكنة وصغراه موجبة ضرورية. فإن كانت السالبة هي الاضطرارية الكبرى، فإن النتيجة تكون سالبة ممكنة وسالبة مطلقة برجوعها بالعكس إلى ما كبراه في الشكل الأول سالبة ضرورية وصغراه موجبة ممكنة. فإن كانت الصغرى سالبة ممكنة والكبرى موجبة ضرورية، فأنه لا يكون قياس إلا بعكس السالبة الممكنة إلى الموجبة الممكنة. وإن كانت الصغرى سالبة ضرورية فإنه لا يكون قياس. فالحدود التي تنتج الموجب هي الإنسان والنائم والفرس. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس وكل إنسان يمكن أن يكون نائما، والنتيجة فكل فرس يمكن أن يكون نائما. والحدود التي تنتج السالب الإنسان اليقظان والنائم والفرس. وذلك أنه ولا فرس واحد إنسان يقظان وكل فرس يمكن أن يكون نائما، والنتيجة ولا إنسان واحد يقظان هو نائم.

فإن كانت إحدى المقدمتين كلية والثانية جزئية وكانت كلتاهما موجبتين، فإنه يكون قياس تام بالرجوع إلى الشكل الأول وتكون النتيجة ممكنة كحالها في الأصناف التي ترجع إليها من الشكل الأول. فإن كانت إحدى المقدمتين سالبة والأخرى موجبة وكانت السالبة هي الكبرى، فإنه إن كانت اضطرارية فإن النتيجة تكون مطلقة أو ممكنة، لأنها ترجع بالعكس إلى الصنف من الشكل الأول الذي ينتج هاتين النتيجتين إن كانت كلية وإن كانت جزئية فبالافتراض والخلف. وإن كانت السالبة هي الممكنة فإنها تكون النتيجة ممكنة حقيقية، كحالها في الصنف من القياس الذي يرجع إليه في الشكل الأول. فأما إن كانت السالبة هي الصغرى فإنه إن كانت ممكنة كان قياس بعكسها إلى الموجبة الممكنة، وإن كانت هي الضرورية لم يكن قياس. وذلك يبين على نحو ما تبين إذا كانتا كليتان، وبتلك الحدود بأعيانها.

فقد تبين متى يكون في هذا الضرب قياس، وكيف يكون وأي نتيجة ينتج أي قياس، وأيها تامة وغير تامة، كالحال في الأصناف التي تكون في هذا الشكل. وهنا انقضى القول في جميع المقاييس الحملية.

التكلم في المقاييس الحملية

قال: ويبين بنحو ما قيل في الأشكال الوجودية أن جميع المقاييس التي في هذه الأشكال أيضا ترتقي إلى الشكل الأول الذي فيها. فأما أن جميع أجناس المقاييس الموجودة على الإطلاق ترجع كلها بأسرها إلى الشكل الأول، فذلك يبين إذا تبين أن جميع أجناس المقاييس الحملية هي هذه الثلاثة فقط وأن ما عداها من المقاييس التي ليست بحملية فكلها مضطرة إلى الحملية.

فنقول: إن كل قياس بالجملة فهو إنما يبين إما أن الشيء موجود إما أنه غير موجود. وكل واحد من هذين إما أن يكون كليا وإما جزئيا. وكل ما يبين أن الشيء موجود أو غير موجود فإما أن يبينه على جهة الحمل وإما أن يبينه على جهة الاشتراط، وإما أن يبينه بقياس مركب من هذين- وهو الذي يدعى بقياس الخلف. والغرض الآن إنما هو التكلم في المقاييس الحملية، وشروط المنتج منها من غير المنتج على الإطلاق. فإنه إذا تبينت هذه تبينت المقاييس المضطرة إلى هذه في الإنتاج- وهو قياس الخلف والقياس الذي يكون بشريطة.

فنقول: إنه متى احتجنا أن نبين أن شيئا موجود في شيء- مثل أن نحتاج أن نبين أن اَ محمولة على بَ- إما على جهة السلب وإما على جهة الإيجاب، فهو من الظاهر أنه يجب أن نأخذ في بيان ذلك على جهة الحمل أن شيئا موجود لشيء ومحمول على شيء. فإن أخذنا في ذلك أن اَ محمولة على بَ، فمن البين أنا قد أخذنا الشيء في بيان نفسه، وذلك مستحيل وغير مفيد علما زائدا في المطلوب. وكذلك إن أخذنا في ذلك مباينة بالمحمول والموضوع المطلوب، فهو بين أيضا أنه ليس يلزم عنه شيء في المطلوب لا إيجاب ولا سلب- مثل قولنا إن اَ محمولة على بَ لأن جَ محمولة على دَ. وإذا امتنع هذان الوجهان، فلم يبق إلا أن يكون القول المأخوذ في بيان أن اَ موجودة في بَ إما قول مشارك له في أحد الطرفين أو مشارك لهما معا. ثم إن كان مشاركا لأحد الطرفين، فلا يخلو أن يكون محموله هو محمول المطلوب بعينه وموضوعه غيره، أو يكون موضوعه موضوع المطلوب ومحموله غيره، أو يكون محمول المطلوب هو موضوعه أو موضوع المطلوب هو محموله. فإنه لا يخلو القول المشارك لأحد الطرفين من هذه الأقسام. ثم لا يخلو أيضا هذا المشارك إما أن يوجد حكما واحدا بنفسه من غير أن يشاركه حكم آخر أو قضية أخرى وإما أن يوجد مشاركا لقضية أخرى- وذلك من غير أن يتصل بالمطلوب. فإن أخذ المشارك لأحد طرفي المطلوب الذي هو اَ وبَ قضية واحدة فقط- مثل أن نأخذ أن اَ مشاركة لجَ- بحمل أحدهما على صاحبه، فهو بين أنه ليس يلزم عن ذلك أن تكون اَ مشاركة لبَ- أي محمولة بإيجاب أو بسلب على بَ- ما لم يشارك جَ بَ. وإن أخذنا اَ مشاركة لجَ وجَ مشاركة لدَ بحمل بعضها على بعض، فهو بين أيضا أنه يكون عن ذلك قياس إلا أنه لا يكون قياس على المطلوب الذي طلب- أعني على وجود اَ في بَ أو سلبها عنه. ولو أخذنا الأمور المشاركة لأحد الطرفين إلى غير نهاية من غير أن يشارك الطرف الآخر- مثل أن نأخذ اَ مشاركة للجَ والجَ للدَ والدَ للهَ- فإنه ليس يلزم عن ذلك أن تكون اَ مشاركة لبَ إما بحمل إيجاب أو سلب ما لم يكن المشارك للألف مشاركا للبَ. فإن القياس الغير محدود إنما يكون عن مقدمات غير محدودة- أعني أن القياس يكون على غير مطلوب محدود. وأما القياس المحدود- أعني الذي يكون على مطلوب محدود- فإنه يجب أن يأتلف من مقدمات محدودة مشاركة لطرفي المطلوب، ولذلك ما يجب أن يكون أقل القياس المحدود إنما يأتلف من مقدمتين تشتركان بحد أوسط وتختلفان بطرفي المطلوب وإلا لم يمكن أن يبين أن شيئا محمول على شيء من أجل حمل شيء على شيء- مثل أن تكون اَ مشاركة للجَ والجَ مشاركة للبَ، فحينئذ يجب أن تكون ألف مشاركة للبَ. فقد تبين من هذا أن كل قياس فإنه يكون من مقدمتين وثلاثة حدود- حد أصغر وأوسط وأكبر. وأما أن كل قياس حمل مؤلف على مطلوب محدود فإنه يكون أحد هذه الثلاثة الأصناف من المقاييس الحملية- أعني الشكل الأول والثاني والثالث- وأنه ليس يوجد شكل رابع، فهو ظاهر من أن الحد الأوسط الذي يؤخذ مشاركا للطرفين- مثل أن نأخذ الجَ مشاركة للبَ والألف اللذين هما طرف المطلوب- لا يخلو من ثلاثة أحوال، إما أن يكون موضوعا للطرف الأكبر محمولا للأصغر- مثل أن تكون اَ مقولة على جَ وجَ مقولة على بَ- وهذا هو الشكل الأول، أو يكون محمولا عليهما جميعا- وهذا هو الشكل الثاني- أو يكون موضوعا لهما- وهذا هو الشكل الثالث. وأما أن يؤخذ محمولا على الأكبر موضوعا للأصغر فليس يمكن، لأن المحمول على الأكبر محمول على الأصغر إذ كان الأكبر محمولا في الطلب بالطبع على الأصغر فيكون الشيء بعينه محمولا على نفسه، وذلك مستحيل. هذا إذا اعتبر الحد الأوسط بحسب المطلوب المفروض. وأما إذا اعتبر بحسب المشاركة فإنه ينتج غير المطلوب الذي هو عكسه. فهو بهذه الجهة إن عد هذا التأليف شكلا رابعا كما يضعه جالينوس، فإنما يكون صنفا من أصناف الشكل الأول على مطلوب غير مفروض لا شكلا رابعا. ولذلك ليس تقع عليه فكرة بالطبع، ولا يوجد في كلام قياسي ولا برهاني ولا ظني. فقد تبين من هذا القول أن كل قياس حملي فإنه إنما يكون ضرورة أحد هذه الأصناف الثلاثة، وإن كان المطلوب الواحد بعينه يبين بأوساط كثيرة- مثل أن يبين أن ألف موجودة في البَ بوجود اَ في الجَ والجَ في الدَ، والدَ في الهَ والهَ في البَ- فهو قياس مركب من واحد من هذه الأشكال الثلاثة أو من اثنين منها أو ثلاثة.

وأما أن قياس الخلف أيضا مركب من واحد من هذه الأشكال الثلاثة ومن القياس الشرطي، فذلك يبين من أن قياس الخلف إنما يكون بسياقة الكلام فيه إلى المحال بقياس حملي ومن أن المطلوب فيه الأول إنما يلزم ويبين بقياس شرطي- مثل أن نقول أن القطر إما أن يكون مشاركا لضلع المربع أو مباينا له، ثم تبين المستثنى من هذا القياس الشرطي- وهو أنه لا يكون مشاركا- بقياس حملي يؤدي إلى المحال. وذلك بأن نقول: لأنه إن كان مشاركا كانت نسبة مربع أحدهما إلى الآخر نسبة عدد مربع إلى عدد مربع، فيلزم عن ذلك أن تكون نسبة مربع الضلع إلى مربع القطر نسبة عدد مربع إلى عدد مربع. وقد تبين في العاشرة من كتاب الاسطقسات أن نسبة المربعين أحدهما إلى الآخر ليست نسبة عدد مربع إلى عدد مربع- وهي نسبة الإثنين إلى الواحد- هذا خلف لا يمكن. فإذا تبين أنه غير مشارك استثنيناه من القياس الشرطي الذي استعملناه أولا- وهو قولنا القطر إما مباين وإما مشارك- فقلنا لكنه غير مشارك، فهو ضرورة مباين. وهذا هو القياس الشرطي المنفصل الذي يأتلف من المتعاندات التامة العناد الذي متى استثنى أحدهما أنتج مقابل الثاني، على ما قيل في المقاييس الشرطية. فالمحال- كما قلنا- في هذا القياس يبين بقياس حملي، والمطلوب يبين بقياس شرطي.

وأما القياس الشرطي فإنه تبين أيضا من أمره أنه لا يستغني عن القياس الحملي، وذلك أن القياس الشرطي جنسان أولان. أحدهما القياس المتصل، وهو الذي يتركب من المتلازمات ويرتبط بحروف الشرط التي تعطى الاتصال- مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود. والشيء الذي يلزم عنه الشيء يسمى المقدم، واللازم التالي، وهو صنفان، أحدهما يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج التالي بعينه- مثل قولنا لكن الشمس طالعة فالنهار موجود- والثاني يستثنى فيه مقابل التالي فينتج مقابل المقدم- مثل قولنا لكن النهار غير موجود فالشمس ليست بطالعة. والجنس الثاني الشرطي المنفصل، وهو يتركب من المعاندة التامة العناد وتقرن به حروف الشرط التي تدل على الانفصال- مثل قولنا هذا الوقت إما ليل وإما نهار. وهذه أربعة أصناف. وذلك أنه يستثنى فيه المقدم بعينه فينتج مقابل التالي، ويستثنى فيه التالي بعينه فينتج مقابل المقدم، ويستثنى فيه مقابل المقدم فينتج التالي، ويستثنى فيه مقابل التالي فينتج المقدم. وذلك أنا قد نقول: لكنه ليس بليل فهو نهار، أو لكنه ليس بنهار فهو ليل، أو لكنه ليل فليس بنهار، أو لكنه نهار فليس بليل. وإذا كانت أجناس القياسات الشرطية الأول هي هذان الجنسان فكلاهما إذا تؤمل الأمر فيهما ظهر أن المطلوب فيهما هو الذي يبين فيها بجهة الشرط. وأما المستثنى فإنه يحتاج إلى أن يبين بقياس حملي في الشرطي المنفصل والمتصل، إذ كان التعاند والاتصال فيها بينا بنفسه. وذلك أنه إذا كان الاتصال فيها بينا بنفسه والمستثنى بينا بنفسه، كان اللازم بينا بنفسه. وذلك ظاهر جدا في الشرطي المنفصل، فإنه إذا كان التعاند بينا بنفسه والمستثنى بينا بنفسه فالمطلوب بين بنفسه، لأنه إن كان بينا أن العالم لا يخلو أن يكون إما محدثا وإما قديما وكان بينا بنفسه أنه عديم بقديم، فكونه محدثا بين بنفسه ضرورة. ويشبه أن يكون الأمر كذلك في الشرطي المتصل، فإنه إذا كان وجود الحركة بينا بنفسه ووجودها عن الطبيعة بينا بنفسه من غير وسط فوجود الطبيعة بين. وكذلك إن كانت أفعال النفس بينة الوجود بنفسها وبينة الوجود عن النفس فالنفس بينة الوجود بنفسها. وكذلك إن كانت الحركة معلومة الوجود ومعلوم بنفسه وجودها عن محرك، فالمحرك معلوم الوجود بنفسه. وإن كان عدم الحركة في شيء ما بين الوجود بنفسه، فعدم المحرك هنالك بين الوجود بنفسه. وبالجملة فأنت إذا تأملت البراهين التي تخرج مخرج الشرط في العلوم- وذلك في المطلوبات بالطبع- وجدت إما الاتصال فيها بينا بوسط وإما الاستثناء، وهذا إنما يلزم في المقاييس الشرطية التي ليست هي حملية بالقوة وهي الشرطية الحقيقية. وأما التي هي بالقوة حملية فتلك حملية أخرجت مخرج الشرط. ولذلك أمكن في هذه أن يبين بها المطلوب بذاتها ومفردة بزيادة مقدمة. وهذا النوع من الشرطيات هو الذي يشارك المقدم التالي بحد واحد. وقد تقصينا ذلك في قول أفردناه لذلك.

وأما إذا كان الأمران في القياس الشرطي معلومين بأنفسهما، فإنه لا يستعمل أصلا في بيان شيء مجهول بالطبع، وإن كانت قد تستعمل في بيان ما هو أقل خفاء من المجهول بالطبع- مثل استعمال الاستقراء وما أشبهه. وليس لقائل أن يقول إنه كما قد تكون المقدمتان في القياس الحملي معلومتين بأنفسهما والنتيجة مجهولة، كذلك قد يتفق أن يكون الأمر في القياس الشرطي- أعني أن تكون المقدمتان معلومتين بأنفسهما، الشرطية والمستثناة، وتكون النتيجة مجهولة- فإنه إنما اتفق أن كانت المقدمتان في القياس الحملي معلومتين والنتيجة مجهولة لأن المقدمتين لم تتألف بعد في الذهن التأليف الذي يلزم عنه النتيجة. وأما المقدمتان في القياس الشرطي فإنها ليست محتاجة إلى التأليف في لزوم ما يلزم عنها لأن اللزوم هو أحد المقدمات، ولذلك لا يدخل تحت حد القياس- كما ظن أبو نصر- إذ اللزوم في القياس الحملي يتولد عن المقدمتين، وهو في القياس الشرطي أحد ما يوضع. فما قاله أبو نصر من أنه يدخل تحت حد القياس لكونه من مقدمتين إحداهما المقدم والثاني اللزوم ليس بصحيح، لأن اللزوم ليس هو جزءا من القياس وإنما هو تابع. ولو كان القياس الشرطي قياسا، لكان يوجد قياس من مقدمة واحدة لأن اللزوم هو فعل القياس. فهكذا ينبغي أن يفهم هذا الموضع من أرسطو، لا على ما يقوله في ذلك أبو نصر ولا على ما يتشكك في ذلك عليه ابن سينا. وبالجملة فبالاستقراء الذي أرشدنا إليه يظهر ما يقوله أرسطو في هذا الأمر ظهورا بينا، لأنه قد تبين من قولنا أن كثيرا من الأشياء المعلومة بأنفسها- مثل وجود النفس وغيرها- إنما علمناها بهذا النحو من البيان. ومحال أن يكون طريق واحد بعينه يستعمل في الوقوف على المعلوم بنفسه والمجهول بالطبع. وكذلك المقاييس التي نسميها المقاييس الاقترانية- وهي المؤتلفة من مقدمتين شرطيتين يشركان بحد أوسط- هي مقاييس حملية في الحقيقة أخرجت مخرج الشرط. وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع.

فقد تبين أن جميع أجناس المقاييس إنما يتم بالشكل الأول وأنها تنحل إلى الكلية منها على ما سلف. وذلك أن ماعدا الحملية يتم بالحملية، والحملية تتم بالشكل الأول، والجزئية التي في الشكل الأول بالمقاييس الكلية التي فيه- على ما تبين. وبين أنه واجب أن يكون في كل قياس منتج مقدمة موجبة " كيف ما" كانت في كميتها ومقدمة كلية كيف ما كانت في كيفيتها. وذلك أنه إذا لم يكن هنالك مقدمة كلية فإما أن لا يكون هنالك قياس، وإما أن يكون على غير المطلوب، وإما تكون المقدمة بنفسها هي المطلوب. مثال ذلك إن كان المطلوب هل اللذة بالموسيقى خير، فإن ما يمكن أن يؤخذ في بيان هذا المطلوب لا يخلو من أن يكون المطلوب نفسه أو غيره. ثم أن كان غيره فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال، إما أن تكون المقدمة المأخوذة في ذلك مهملة- وهي أن اللذة خير- أو تكون جزئية- وهي أن بعض اللذات خير- أو تكون كلية- وهي أن كل لذة خير. فإن أخذت المقدمة مهملة- وهو أن اللذة خير- لم تأمن أن تكون هذه المهملة تصدق من اللذات على غير اللذة الموسيقية، فلا يتضمن المطلوب- وهو أن اللذة الموسيقية خير. وكذلك إن صرحنا أيضا فيها بالسور الجزئي، فقلنا بعض اللذات خير. وذلك إن أنتجت أمثال هذه دائما، فغير المطلوب- مثل أن يكون قولنا بعض اللذات خير صادقا على لذة العلم. وكذلك المهملة تنتج عن ذلك أن لذة العلم خير، إلا أنه ليس هي المطلوب. وأما إن أخذنا المطلوب نفسه فهو بين أنه ليس يكون قياس. فلا بد في القياس النتج أن يكون الطرف الأصغر نطويا تحت الأوسط انطواء الجزءئي في الكلي حتى تكون نسبة إحداهما إلى الأخرى هي نسبة الجزء إلى الكل، وذلك بالفعل في الشكل الأول وبالقوة في الشكل الثاني والثالث. ومن هنا تبين أنه واجب أن تكون المقدمة المنطوية تحت المقدمة الكلية موجبة، لأنها إن كانت سالبة لم تنطو تحتها، ولا وجدت فيها هذه النسبة. ولذلك كان معنى المقول على الكل الذي يتضمن هذه النسبة موجودابالفعل في الشكل الأول وفي الثاني والثالث بالقوة.

فقد تبين من هذا القول أن كل قياس فواجب أن تكون فيه مقدمة كلية موجبة، وأن النتيجة الكلية إنما تبين عن مقدمات كلية، وأن النتيجة الجزئية قد تبين عن مقدمتين إحداهما جزئية- وذلك في الشكل الأول والثاني- وقد تبين عن مقدمتين كليتين- وذلك في الشكل الثالث. وإذا كان ذلك كذلك فالنتيجة الكلية لا تبين ضرورة إلا عن مقدمتين كليتين. وأما النتائج الجزئية فقد تبين عن الصنفين جميعا- أعني عن الكليتين وعن الكلية والجزئية.

وهو بين أيضا أنه واجب أن تكون كلتا المقدمتين أو إحداهما شبيهة في جهتها وكيفيتها بالنتيجة- أعني أنه إن كانت النتيجة ضرورية أو ممكنة أو مطلقة، فإنه إما أن تكون كلتا المقدمتين بتلك الجهة أو إحداهما- وذلك في المقاييس التي تنتج نتيجة واحدة، وهي المنتجة بما يتضمن من معنى المقول على الكل.

وهو بين أيضا مما قيل متى يكون قياس منتج ومتى يكون غير منتج، والمنتج أيضا متى يكون ناقصا ومتى يكون تاما، وأنه متى كان القياس حملي فبالضرورة أن تكون الحدود فيه مرتبه أحد تلك الأنحاح الثلاثة التي وصفنا.

وهو بين أيضا أن كل نتيجة فإنها تكون بثلاثة حدود لا أقل من ذلك ولا أكثر، إن لم تكن النتيجة الواحدة بعينها تبين بمقاييس كثيرة. وذلك يكون على ضربين، أحدهما أن تكون النتيجة الواحدة بعينها تبين بمقاييس كثيرة كل واحد منها كان في إنتاج النتيجة- أعني مفردا وبذاته. ولتعلم أن ذلك ممكن بنحوين، أحدهما مثل أن تبين نتيجة هَ مثلا بمقدمتي اَ بَ على حدة وبمقدمتي جَ دَ على حدة، أو بمقدمتي اَ بَ على حدة وبمقدمتي اَ كَ على حدة أو بَ لَ على حدة. والضرب الثاني أن تكون المقدمتان المنتجتان للنتيجة المفروضة نتائج عن مقدمات أخر إما كلاهما وإما إحداهما. مثال ذلك أن تكون نتيجة هَ منتجة بمقدمتي اَ وبَ ويكون مقدمتي دَ هَ ومقدمة بَ منتجة بمقدمتي وَزَ، أو تكون مقدمة اَ منتجة بمقدمتي دَ هَ وتكون مقدمة بَ مبينة بالاستقراء أو بينة بنفسها من أول الأمر. فعلى الجهة الأولى تكون المقاييسي كثيرة والنتيجة واحدة. وعلى هذه الجهة تكون المقاييس كثيرة والنتائج كثيرة لأنها في هذا المثال ثلاثة، وهي هَ التي هي النتيجة الأخيرة، واَ وبَ اللذان هما مقدمتان نتيجة هَ، ونتيجتا مقدمتي دَ هَ وَزَ وَ. فأما متى لم تكن مقاييس كثيرة لنتيجة واحدة وإنما هو قياس واحد، فإنه لا يمكن أن تكون نتيجة واحدة عن اكثر من حدود ثلاثة، لأنه قد تبين هاهنا أنه لا يكون قياس عن أقل من مقدمتين. فلننزل أنه يكون عن قياس واحد نتيجة واحدة من أربع مقدمات وستة حدود- مثل أن ننزل أن هَ مثلا منتجة عن مقدمتي اَ بَ ومقدمتي جَ دَ. ولأنه قد تبين أنه إن كان مزمعا أن يكون عن مقدمتي اَ بَ قياس أن تكون نسبة إحداهما إلى الأخرى نسبة الجزء إلى الكل. فإن كانت نسبة إحداهما إلى الأخرى نسبة الجزء إلى الكل، فإنه يكون عنهما ضرورة نتيجة. فإن كانت عنهما نتيجة، فلا تخلو من ثلاثة أحوال إما أن يكون عنهما نتيجة هَ المفروضة، وإما أن تكون النتيجة إحدى مقدمتي جَ دَ، وإما أن تكون شيئا آخر غير هذين. ثم في كل واحد من هذه الأحوال الثلاثة لمقدمتي اَ بَ لا تخلو أيضا مقدمتا جَ دَ من أن تكون نسبة إحداهما إلى الأخرى نسبة الكل إلى الجزء أو لا تكون. فإن كانت فتحدث عنهما ضرورة نتيجة. ثم هذه النتيجة أيضا لا تخلو من تلك الثلاثة الأحوال إما أن تكون نتيجة هَ المطلوبة، وإما أن تكون النتيجة إحدى مقدمتي اَ بَ، وإما أن تكون النتيجة شيئا آخر غير هذين. فإن كانت النتيجة الحادثة عن مقدمتي اَ بَ نتيجة هَ المطلوبة وكانت عن مقدمتي جَ دَ نتيجة ما بأن تكون نسبة إحداهما إلى الأخرى نسبة الكل إلى الجزء فإنه إن كانت تلك النتيجة هي نتيجة هَ أو هي إحدى مقدمتي اَ بَ فإنه تكون قياسات كثيرة على نتيجة واحدة، وذلك شيء غير ممتنع. وإن كانت نتيجة مقدمتي جَ دَ غير نتيجة هَ وغير إحدى مقدمتي اَ بَ فإنه تكون مقاييس كثيرة على مطالب كثيرة غير متصل بعضها ببعض. وأما إن لم تكن نسبة مقدمتي جَ دَ إحداهما إلى الأخرى نسبة الكل إلى الجزء، فإنه ليس يكون لها غناء في نتيجة هَ إلا أن تؤخذ على جهة الاستقراء لتصحيح مقدمتي القياس أو لستر النتيجة وإخفائها أو لغير ذلك من الأشياء التي تؤخذ لها المقدمات التي ليست ضرورية في الإنتاج- على ما تبين في الثامنة من الجدل.

فهذا ما يلزم متى فرضنا أن نتيجة مقدمتي اَ بَ هي هَ وأما إن كانت نتيجة مقدمتي اَ بَ غير الهَ وغير إحدى مقدمتي جَ، فإنه أيضا لا يخلو أن تكون نتيجة مقدمتي جَ دَ أما نتيجة هَ وإما إحدى مقدمتي اَ بَ، وإما شيئا آخر غير هذين، وإما أن تكون مقدمتا جَ دَ غير منتجة أصلا. فإن كانت نتيجة مقدمتي اَ بَ غير الهَ وغير إحدى مقدمتي جَ دَ وكانت نتيجة مقدمتي جَ دَ غير الهَ وغير إحدى مقدمتي اَ بَ فإنه ليس يكون قياس على مطلوب واحد فضلا على المطلوب وتكون مقاييس كثيرة. وإن كانت نتيجة مقدمتي جَ دَ هي الهَ فإنه أيضا تكون مقاييس كثيرة على مطالب كثيرة. وإن كانت نتيجة مقدمتي جَ دَ إحدى مقدمتي اَ بَ، فإنه تكون أيضا مقاييس كثيرة على مطلوب واحد إلا أنه غير مطلوب. وإن كانت مقدمتا جَ دَ غير منتجة فإنه لا يكون له غناء في نتيجة مقدمتي اَ بَ مع أن نتيجة مقدمتي اَ بَ هي غير المطلوب. وأما إن كانت نتيجة مقدمتي اَ بَ إحدى مقدمتي جَ دَ فإن مقدمتي جَ دَ لا تخلو أيضا من تلك الثلاثة الأحوال إما أن تكون منتجة لهَ، وإما لإحدى مقدمتي اَ بَ، وإما لشيء آخر غيرها فإن كانت نتيجتهما هَ فإنه تكون مقاييس كثيرة على المطلوب الواحد، وقد تبين أن ذلك غير ممتنع. وأن كانت نتيجتهما إحدى مقدمتي اَ بَ فإنه يكون البيان دورا، ولا يكون هنالك قياس على المطلوب. وإن كانت نتيجتهما- أعني مقدمتي جَ دَ- غير الهَ وغير إحدى مقدمتي اَ بَ، فإنه تكون أيضا مقاييس كثيرة على مطلوب واحد، إلا أنه غير المطلوب. وأما أن كانت مقدمتا جَ دَ غير منتجة أصلا، فإنه ليس يكون لها غناء في الإنتاج ويكون باطلا، ويكون هنالك قياس واحد لكن على غير المطلوب.

فقد تبين أن جميع الوجوه التي يمكن أن يتصور بها أن مطلوبا واحدا يبين عن قياس واحد مركب من أكثر من مقدمتين مستحيلة. وبهذا بعينه يبين أنه لا يمكن أن يبين مطلب واحد هو مركب من أكثر من ثلاثة حدود، وذلك ما قصدنا بيانه. وإذ تبين أن كل قياس بسيط فإنه لا يكون من أكثر من ثلاثة حدود وكانت الثلاثة الحدود هي مقدمتان فقط، فكل قياس لا يكون بأكثر من مقدمتين وثلاثة حدود. وقد كان تبين أنه لا يكون ب أقل. فكل قياس بسيط فلا يكون بأكثر من ثلاثة حدود ولا بأقل. وإذا تبين هذا فهو بين أيضا أن كل قياس بسيط أو مركب من مقاييس بسيطة تام التركيب غير ناقص منه مقدمة من المقدمات الضرورية في النتيجة الأخيرة فهو مؤلف من مقدمات أزواج وحدود أفراد لأن الحدود أكثر من المقدمات بواحد، وأنه أي قياس كان بهذه الصفة ولم تكن مقدماته أزواجا فإنه غير منتج إلا أن يكون أخذ فيه مقدمة ليست ضرورية في الإنتاج أو حذف منه بعض المقدمات الضرورية، وخاصة هذا القياس أن تكون النتائج فيه نصف المقدمات، لن عن كل مقدمتين نتيجة. والقياس المركب الذي بهذه الصفة يسمى الموصول، وهو الذي يصرح فيه- كما قلنا- بجميع المقدمات الضرورية في إنتاج المطلوب ويصرح فيه بالمقدمات الوسط مرتين، مرة من حيث هي نتائج، ومرة من حيث هي مقدمات- وعني بالوسائط المقدمات التي بين المطلوب الأول وبين المقدمات الأول التي ائتلفت منها الأقيسة البسائط التي إليها ينحل القياس المركب، وهي المعروفة بنفسها- مثل أن نبين أن اَ موجودة في بَ بمقدمتي جَ ودَ وتبين كل واحدة من هاتين المقدمتين بمقدمتين أيضا. مثال ذلك أن يبين مقدمة جَ بمقدمتي هَ زَ ومقدمة دَ بمقدمتي حَ كَ وتكون مقدمات هَ زَ حَ كَ الأربعة بينة بنفسها، فتكون جميع مقدمات هذا القياس ما خلا هذه الأربع مرة هي نتائج ومرة هي مقدمات- أعني نتائج بالإضافة إلى ما تحتها، مقدمات بالإضافة إلى ما فوقها.

وأما القياس المركب الذي يسمى المفصول- وهو الذي إنما يصرح فيه إما بجميع المقدمات فقط دون النتائج اللازمة عنها وإما ببعض المقدمات- فإنه من جهة أنه ليس يصرح فيه بجميع المقدمات تكون خاصته أن الحدود التي تزيد أبدا على المقدمات بواحد إلا أنه ليس تكون المقدمات أبدا أزواجا والحدود أفرادا كما كانت في القياس المركب الموصول، بل خاصة هذا أنه متى كانت المقدمات أزواجا كانت الحدود أفرادا ومتى كانت المقدمات أفرادا كانت الحدود أزواجا، لأن هذه هي خاصة الأعداد التي يزيد أحدهما على الآخر بواحد، فمتى كانت المقدمات أفرادا والحدود أزواجا وزيد هنالك فرد آخر انعكس الأمر، فعادت المقدمات أزواجا والحدود أفرادا.

ولما كان يلحق هذا القياس أن المقدمات فيه يتصل بعضها ببعض إذ ليس تحول بينها النتائج التي يصرح بها في القياس الموصول بل تحذف هاهنا حذفا، وجب أن تحدث فيه مع كل ثلاثة حدود نتيجة. فمنها ما لها غناء في إنتاج المطلوب، ومنها ليس لها غناء- وهي النتائج المسماة فوائد. وإذا كان هذا هكذا كانت النتائج الحادثة في هذا القياس أكثر كثيرا من الحدود والمقدمات- أعني متى كانت الحدود أكثر من أربعة. ومتى زيد حد واحد تزيد نتائج أقل من الحدود التي زيد عليها الحد بواحد، لأنه لا يجتمع من الحد المزيد ومن الحد الذي يليه نتيجة، وإنما يجتمع منه ومن الحد الثالث، ثم منه ومن الرابع، وهكذا إلى آخر الحدود، وسواء كان الحد المزيد في الطرف الأسفل- وهو أن يكون موضوعا للموضوع الأول- أو في الطرف الأعلى- وهو أن يكون محمولا على المحمول الأخير- أو كان أيضا مزيدا في الوسط، وذلك أنه إذا كان في الوسط، عمل أيضا مع الحدود التي فوقه والتي تحته نتائج ما خلا الحدين اللذين يليانه اللذين أحدهما من فوق والآخر من أسفل. مثال ذلك أنه إذا كانت معنا حدود أربعة- وهي حدود اَ بَ جَ دَ- فإنه يكون عن هذه الحدود ثلاث نتائج نتيجة لحدود اَ بَ جَ، ونتيجة لحدود اَ جَ دَ، ونتيجة لحدود بَ جَ دَ. فإن زيد عليها حد واحد- وهو مثلا هَ- حدثت ثلاث نتائج- نتيجة لحدود هَ جَ دَ، ونتيجة لحدود هَ جَ بَ، ونتيجة أيضا لحدود هَ دَ اَ- فتكون أكثر من الحدود وتكون النتائج الحادثة عن الحد المزيد أقل من الحدود التي أضيف إليها الحد المزيد بواحد.

فبهذه السبارات يمكن أن يوقف على معرفة نوعي القياس المركب الموصول والمفصول، فإنه إذا لم تلف فيه هذه الخواص ولم تكن هنالك مقدمات زيدت لغرض من الأغراض التي تزاد فيها المقدمات التي ليس لها غناء في إنتاج المطلوب، فهو بين أن القول ليس بقياس مركب أصلا لا موصول ولا مفصول. وما وجدت فيه خواص الموصول فهو موصول، وما وجدت فيه خواص المفصول فهو مفصول.

فصل

ولأن ضروب النتائج التي تكون عن المقاييس عندنا معلومة وفي كم من شكل تكون النتيجة الواحدة بعينها وفي كم من صنف في ذلك الشكل تكون، قد يظهر لنا من ذلك أي ضرب من ضروب النتائج والمطلوبات يكون وجود القياس عليه أصعب وأي ضرب من ضروب النتائج يكون وجود القياس عليه أسهل، لأنه من البين أن الضرب الذي يتبين عن مقاييس أكثر أشكالا وأكثر أصنافا من أصناف الشكل الواحد بعينه أسهل من التي تتبين عن مقاييس أقل أشكالا وأقل أصنافا.

فأما الموجب الكلي فقد تبين أنه لا يبين إلا في الشكل الأول. وذلك في صنف واحد منه. وأما السالب الكلي فقد تبين أيضا أنه يبين في شكلين- في الأول وفي الثاني- ويبين في الأول في صنف واحد فقط وفي الثاني في صنفين اثنين. وأما الموجب الجزئي فقد تبين أيضا أنه ينتج في الشكل الأول والثالث، أما في الشكل الأول ففي صنف واحد منه، وأما في الثالث ففي ثلاثة أصناف منه. وكذلك تبين أن السالب الجزئي ينتج في الأشكال كلها، أما في الأول ففي صنف واحد، وأما في الثاني ففي صنفين، وأما في الثالث ففي ثلاثة أصناف. وإذا كان هذا كله كما وصفنا فظاهر أن أعسرها إثباتا هو الموجب الكلي إذ كان يثبت بطريق واحد، وأنه أسهلها كلها إبطالا إذ كان يبطل بإثبات السالب الجزئي. والسالب الجزئي أسهلها إثباتا، إذ كان يثبت بأكثرها طرقا وأيضا فإنه يثبت بالسالب الكلي. وبالجملة فإبطال الكلي أسهل من إثباته، إذ كان يبطل بثبوت نقيضه- وهو الجزئي- وبثبوت مضاده- وهو الكلي. والسالب الكلي يثبت في شكلين ويبطل في شكلين إلا أن إبطاله أسهل من إثباته، وذلك أنه يبطل بإثبات الجزئي الموجب والكلي الموجب ويثبت بجهة واحدة- وهو إنتاجه نفسه. وأما المطلوبات الجزئية فإثباتها أسهل من إبطالها، وذلك أنها تثبت من جهتها أنفسها وهي تتبين بأشكال كثيرة وفي أصناف كثيرة ومن جهة إثبات الكلي الذي يشتمل عليها وتبطل من جهة الكلي المناقض لها فقط. ولذلك كان أعسرها إبطالا هو السالب الجزئي، إذ كان إنما يبطل بأعسرها إثباتا- وهو الموجب الكلي.

وبالجملة فإثبات الموجب أعسر من إثبات السالب، وذلك أن السالب الجزئي يتبين بطرق أكثر من الطرق التي يتبين بها الموجب الجزئي وكذلك السالب الكلي يتبين بطرق أكثر من التي يتبين بها الموجب الكلي ولأن إثبات السلب هو إبطال الوجود، فعلى هذه الجهة قد يصح أن يقال إن الإبطال أسهل من الإثبات. وأما إذا أخذ الإثبات والإبطال للكلي والجزئي، كان إبطال الكلي أسهل من إثباته والجزئي بالعكس.

فقد تبين مما قيل كيف يكون ترتيب الحدود في المقاييس، ومن كم من حد ومن كم من مقدمة يكون، وكيف ينبغي أن تكون نسبة المقدمات بعضها إلى بعض، وأي مطلوب يبين في أي شكل، وما يبين منها في أشكال قليلة وما يبين منها في أشكال كثيرة. وهنا انقضى الفصل الأول من هذه المقالة.

كيف يستنبط القياس

قال: وقد ينبغي أن تعلم كيف يستنبط القياس على كل مطلوب تقصد معرفته وبأي سبيل تأخذ مقدمات كل قياس. فإنه ليس ينبغي لنا أن نكون عالمين بالقياس فقط، بل وأن تكون عندنا قوانين نقدر بها على أن نكون بها عاملين للقياس. وذلك يتم بمعرفة صنفين من القوانين، أحدهما معرفة القوانين التي بها يستنبط القياس، والثاني معرفة القوانين التي بها تستخرج مقدمات القياس. فنقول إن الأشياء الموجودة منها ما لا يحمل على شيء البتة إلا بالعرض وعلى غير المجرى الطبيعي ويحمل عليها غيرها، وهي أشخاص الجواهر المحسوسة- مثل زيد وعمرو وخالد. فإنا قد نقول إن زيدا هذا هو إنسان وهو حيوان، فنحمل عليه غيره ولا نحمله على غيره إلا بالعوض- مثل أن نقول إن هذا الأبيض هو زيد. ومنها ما يحمل عليها شيء وتحمل هي على شيء، وهذه هي مثل حملنا الأنواع على الأشخاص، وحمل الأجناس على الأنواع. مثال ذلك حمل الحيوان على الإنسان وحمل الإنسان على زيد وعمرو. وهذان الصنفان بين وجودهما بنفسه. ومنها صنف ثالث وهي الأشياء التي تحمل على شيء ولا يحمل عليها شيء أصلا وذلك على المجرى الطبيعي، وسنبين وجود هذا الصنف من المحمولات في كتاب البرهان، فإن هنالك يبين أن الأشياء المحمولة بعضها على بعض تنتهي بالجملة إلى محمول أخير ليس يحمل عليه محمول أصلا. وإذا تقرر هذا وكان بينا أن أكثر الفحص والطلب إنما هو في الأشياء المتوسطة بين هذين الطرفين- أعني التي تحمل على شيء ويحمل عليها شيء- فهو بين أن كل مطلوب يكون في هذا الجنس أن المحمول فيه والموضوع يلحقه أنه يحمل كل واحد منهما على شيء ويحمل عليه شيء.

وإذا تقرر هذا أيضا فالسبيل التي بها نصل في الجملة إلى مقدمات كل مطلوب يكون داخلا في هذا الجنس من الموجودات- أعني المتوسطة- تكون بأن نقسم أولا المطلوب إلى حديه الذين هما المحمول والموضوع، إذ كل مطلوب ينقسم إلى هذين الحدين. ثم ننظر في الأشياء التي توجد لكل واحد من هذين الحدين- أعني الأشياء التي توجب لمحمول المطلوب والتي توجب لموضوعه، وتلك هي الحدود والأجناس والفصول والخواص والأعراض اللاحقة للشيء- وفي الأشياء أيضا التي يوجد لها كل واحد من جزئي المطلوب- أعني الأشياء التي يوجب لها موضوع المطلوب والأشياء التي يوجب لها محموله- وفي الأشياء أيضا التي تسلب عن كل واحد من هذين الحدين، وهي بأعيانها الأشياء التي يسلب عنها كل واحد من هذين الحدين غذ كانت السوالب قد تبين أنها تنعكس.

وينبغي عندما نفعل هذا أن نميز أي من هذه المحمولات هي حدود لأحد الحدين أو لكليهما وأي هي أجناس وأي هي خواص وأي هي أعراض لاحقة وكذلك ينبغي أن نميز أيضا أي من هذه هو حد بالحقيقة أو جنس أو خاصة أو عرض وأي منها هو حد بحسب الرأي المشهور أو جنس أو خاصة أو عرض، لنستعمل من ذلك اللائق بصناعة صناعة، فما كان من ذلك بالحقيقة استعمل في صناعة البرهان، وما كان من ذلك بحسب الرأي المشهور استعمل في صناعة الجدل. وبالجملة فكلما أكثرنا من اكتساب أنواع المقدمات كان أسرع لوجود المطلوب. وينبغي أن لا يؤخذ من اللواحق إلا اللواحق العامة لكلا الحدين- وهي المحمولة على كل واحد منهما- لا اللواحق الخاصة- وهي الجزئية، أعني المحمولة على بعضها. مثال ذلك أنه إن كان المطلوب هل الإنسان كذا، فإنه ليس ينبغي أن نختار ما هو لاحق لإنسان ما، بل ما هو لاحق لكل إنسان لأنه لا يكون قياس إلا من المقدمات الكلية- كما تبين. وكذلك لا ينبغي أن تؤخذ المقدمات مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية- على ما تبين- وليس يبين من أمرها هل هي كلية أم ليست بكلية. وكذلك ينبغي أن نختار من الأشياء التي يلحقها كل واحد من الحدين الأشياء الكلية. مثال ذلك أن نختار ما يلحقه الإنسان كله لا بعضه. والسور أبدا إنما يجب أن يقرن بموضوع المقدمة المستنبطة لا بمحمولها، لأنه إذا قرن بمحمولها كان إما مستحيلا وإما غير نافع في القياس- على ما تبين في الكتاب المتقدم. وإذا كان أحد الحدين من المطلوب الذي نلتمس أخذ لاحقه محاطا بأمر كلي فلا فرق في هذا الموضوع بين أن نلتمس لاحقه نفسه أو لاحق ذلك الكلي المحيط به. مثال ذلك أنه إذا التمسنا لواحق الإنسان- مثل الحي- وقد علمنا أن الحي محيط بالإنسان، لم يكن في هذا الموضع فرق بين أن نجد لاحقا من لواحق الإنسان أو لاحقا من لواحق الحي، لأن كل ما لحق المحيط بالإنسان فقد يلحق الإنسان. وكذلك أيضا متى التمسنا لاحق أحد الحدين وكان الحد الذي التمس لاحقه محيطا بموضوعات ما، فليس ينبغي أيضا هاهنا أن نشتغل بتصحيح أن ما هو لاحق لذلك الحد فهو لاحق لموضوعه، إذ كان معلوما أن ما لحق الشيء فهو لاحق لما يحيط به ذلك الشيء. وإنما ينبغي أن نصحح أن ذلك الحد الذي أخذ لاحقه محيط بذلك الموضوع. مثال ذلك أنه إذا كان الحي لاحقا للإنساني ومحيطا به، فهو بين أنه لاحق لكل ما يحيط به الإنسان، وإنما الذي ينبغي أن نصحح أن هذا الشيء يحيط به الإنسان أو ليس يحيط به. وينبغي أن نختار من هذه اللواحق المناسبة للمطلوب. فإن كان المطلوب في الممكن الأكثري أخذنا من اللواحق الممكنة الأكثرية، لأن قياس المطالب التي تكون في الممكنة الأكثرية إنما تكون من مقدمات أكثرية، كما أن قياس المطالب التي تكون في المادة الضرورية إنما تكون من مقدمات ضرورية.

فهذه هي القوانين التي بها يلتمس اكتساب المقدمات في كل قياس نقصد عمله.

وأما القوانين التي بها يلتمس القياس نفسه- أعني صورته فهي على ما أقوله. وذلك أن كل مطلوب يلتمس القياس عليه فإما أن يكون موجبا كليا أو سالبا كليا أو موجبا جزئيا أو سالبا جزئيا.

فإن كان المطلوب موجبا كليا وأردنا إنتاجه، فإنه ينبغي أن ننظر في موضوعات محمولة ومحمولات موضوعة. فإن ألفينا بعض موضوعات المحمول في هي بأعيانها بعض محمولات موضوعه فبالضرورة ما يكون المحمول منه في كل الموضوع. وذلك بين من أن هذا الوضع بعينه هو وضع الشكل الأول، إذ كان الموجب الكلي إنما ينتج في هذا الشكل. ومثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل كل جزء من أجزاء العالم محدث، فنجد العالم موصوفا بالمؤلف ونجد المؤلف موضوعا بالحدث، فيأتلف القياس هكذا: كل جزء من أجزاء العالم مؤلف وكل مؤلف محدث، فكل جزء من أجزاء العالم محدث.

فإن أردنا أن ننتج موجبة جزئية من مقدمات كلية، فإن ذلك يمكننا بأن نأخذ موضوعات الحدين معا. فإن ألفينا شيئا واحدا بعينه موضوعا لكليهما، فبالضرورة ما يجب أن يكون المحمول منه موجودا لبعض الموضوع. وذلك بين من وضع الشكل الثالث. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل حركة ما أزلية، فنجد شيئا واحدا موضوعا لهذين الحدين- وهو الجرم السماوي فيأتلف القياس هكذا: الجرم السماوي متحرك والجرم السماوي أزلي ينتج بعض المتحرك أزلي. وقد يتفق ذلك في الشكل الأول متى ألفينا أحد موضوعات المحمول هو بعينه أحد المحمولات على بعض موضوع المطلوب. فإن أردنا أن ننتج سالبا كليا فإن ذلك يتفق بأحد وجهين إما أن ننظر في لواحق موضوع المطلوب وفيما لا يمكن أن يكون موضوعا لمحمول المطلوب فإن ألفينا لاحق موضوع المطلوب هو بعينه الموضوع الذي لا يمكن أن يوضع للمحمول، أنتج لنا ذلك في الشكل الأول أن محمول المطلوب ليس يمكن أن يوجد في شيء من موضوع المطلوب. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل النفس غير مائتة، فنجد المتحرك من تلقائه لاحقا من لواحق موضوع هذا المطلوب- وهو بعينه الموضوع الذي لا يمكن أن يوجد فيه محمول هذا المطلوب- فيأتلف القياس هكذا: كل نفس متحركة من ذاتها ولا شيء متحرك من ذاته مائت، ينتج عن ذلك أن كل نفس غير مائتة. والوجه الثاني أن ننظر في لواحق الحد المحمول، فإن ألفينا فيها ما هو مسلوب عن الموضوع أنتج لنا عن ذلك في الشكل الثاني أن المحمول مسلوب عن جميع الموضوع. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل الخلاء أحد الموجودات الطبيعية، فنجد الموجود المحسوس موجبا للموجودات الطبيعية ومسلوبا عن الخلاء فيأتلف القياس هكذا: الخلاء ليس بمحسوس والموجودات الطبيعية محسوسة، النتيجة فالخلاء ليس واحدا من الموجودات الطبيعية.

فإن أردنا أن ننتج سالبة جزئية فإن ذلك يتفق على وجوه ثلاثة، إذ قد تبين أن هذا المطلوب ينتج في الأشكال الثلاثة. أحدها أن ننظر في لواحق الموضوع وفيما لا يمكن أن يكون في المحمول، فإن كان بعض اللواحق هو بعينه ما لا يمكن أن يكون في المحمول فإنه ينتج في الشكل الثاني أن المحمول ليس في بعض الموضوع. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل بعض الأنفس غير مائتة، فنجد بعض الأنفس يلحقها أن يكون فعلها جوهرها والمائت ليس فعله جوهره، فيأتلف القياس في الشكل الثاني هكذا: بعض الأنفس فعله جوهره وكل مائت ليس فعله جوهره، فيرجع إلى الشكل الأول بعكس السالبة فينتج فيه أن بعض الأنفس غير مائتة وقد يبين ذلك في الشكل الثالث بأن نأخذ موضوعات موضوع المطلوب والأشياء التي يسلب عنها المحمول. فإن وجدنا من هذه شيئا هو واحد بعينه، أنتج لنا في الشكل الثالث أن المحمول مسلوب عن بعض الموضوع. وقد يتفق هذا في الشكل الأول بأن نجد لواحق الموضوع هي بعينها ما لا يمكن أن يوجد فيها المحمول، إلا أنه ينتج هذا المطلوب بمقدمات كلية في الشكل الثالث فقط.

وقد كانت الوصية هاهنا أن نتخير المقدمات الكلية. وينبغي أن نختار من اللواحق للطرفين والموضوعات لها ما هو أكثر عموما وأكثر كلية، لأنه إذا وجد القياس من أمثال هذه المقدمات فقد وجد القياس مما هو أقل عموما منها إذ هو منطو فيها، وإذا لم يوجد القياس مما هو أكثر عموما فقد يمكن أن يوجد مما هو أقل عموما وقد بمكن أن لا يوجد. مثال ذلك أنه إذا وجدنا القياس على أن الإنسان مركب من الأضداد من جهة أنه متغذ فقد وجدنا القياس على ذلك من جهة أنه حساس إذ كان الحساس أخص من المتغذي ومنطويا فيه، ومتى وجدنا الأضداد في المتغذي فقد وجدناه في الحساس، ومتى وجدنا المتغذي في الحساس فقد وجدنا المتغذي في الإنسان، فإذن متى وجدنا الأضداد في الإنسان بتوسط المتغذي فقد وجدناها فيه بتوسط الحساس. وإن لم نجد القياس على ذلك من جهة أنه متغذ فقد يمكن أن نجد القياس على ذلك من جهة أنه حساس وقد يمكن أن لا نجد.

وهو بين أن هذا النظر ليس يتجاوز أن يكون بمقدمتين وثلاثة حدود- على ما تبين من أمر القياس- وأنه لا يكون قياس إلا في اشكال الثلاثة التي ذكرت ومن هذه في المنتجة منها.

ولذلك ما ينبغي أن يتجنب في اكتساب المقدمات وأخذ اللواحق والموضوعات ما يأتلف منه شكل غير منتج- مثل أنه ليس ينبغي أن نأخذ اللاحق للطرفين إذا كانا أمرا واحدا بعينه لأنه يكون من ذلك موجبتان في الشكل الثاني وقد تبين أنه غير منتج. وكذلك لا ينبغي أن نأخذ ما هو مسلوب عن الطرفين، لأنه قد تبين أنه لا ينتج من سالبتين. وكذلك إذا كان موضوع محمول المطلوب وما يسلب عن موضوع المطلوب شيئا واحدا فليس ينبغي أن نأخذه لأنه تكون المقدمة الصغرى سالبة في الشكل الأول، وقد تبين أن ذلك غير منتج. وهو بين أنه إنما يكون قياس إذا أخذ شيء واحد مكررا مرتين- أعني إذا نسب إلى الحدين نسبة حمل أو وضع- وهو الحد الأوسط، وأنه إن كان الحد الأوسط شيئين لم يكن قياس إذ لا يكون قياس يوجب أن أحد الطرفين موجود للآخر أو مسلوب عنه. وأما ما يظن أنه قد يكون قياس إذا أخذ شيئان للطرفين مختلفان كالأضداد وبالجملة ما لا يمكن أن يجتمعا في شيء واحد، فإن ذلك راجع إلى أن قوة ذلك قوة أخذ شيء واحد موجب لأحدهما ومسلوب عن الآخر، ولولا ذلك لم يكن منتجا. مثال ذلك إن بين مبين أن اللذة ليست بغاية إنسانية من قبل أن اللذة شر والغاية الإنسانية خير، فإنه إنما ينتج من هذا أن اللذة ليست بغاية إنسانية من جهة أنه ينتج أولا أن اللذة ليست بخير من جهة أنها شر. فإذا أضاف إلى هذه النتيجة أن الغاية الإنسانية خير، أنتج له أن اللذة ليست بغاية إنسانية. فإذن أمثال هذه المقاييس هي أقيسة مركبة من أكثر من شكل واحد، لا أنها قياس رابع بسيط. فمن اعتقد في مثل هذا أنه قياس واحد فهو بمنزلة من اعتقد فيما هو مركب أنه بسيط، ومن اعتقد ذلك لم يعرف ما هو القياس البسيط، ومن لم يعرف ما هو القياس البسيط لم يعرف القياس بإطلاق.

وأقيسة الخلف إنما تكون بهذا النحو من النظر- أعني بالأشياء التي تنسب إلى كل واحد من الحدين- وهي ثلاثة كما قلنا، إما أشياء توضع له، وإما أشياء تحمل عليه، وإما أشياء تسلب عنه إما على جهة الحمل وإما على جهة الوضع إذ كان ذلك غير مختلف في السلب على ما قيل. وذلك ظاهر من أن كل مطلوب يبين بقياس حملي يمكن أن يبين بتلك الحدود بأعيانها بقياس الخلف، وكذلك كل مطلوب يبين بقياس الخلف فيمكن أن يبين بتلك الحدود بأعيانها بقياس حملي. مثال ذلك أنه إذا كان عندنا أن بَ موجودة في كل اَ وغير موجودة في شيء من هَ، وأردنا أن نبين بهاتين المقدمتين أن اَ غير موجودة في شيء من هَ بطريق الخلف، قلنا أن اَ غير موجودة لشيء من هَ، وإلا فلتكن اَ موجودة ببعضها وقد كان معنا أن بَ موجودة في كل اَ، فينتج لنا أن بَ موجودة في بعض هَ، وقد كانت غير موجودة في شيء من هَ، هذا خلف لا يمكن. وإن أردنا أن ننتج ذلك عن طريق الحمل، قلنا إن اَ غير موجودة في شيء من هَ، لأن بَ غير موجودة في شيء من هَ وموجودة في كل اَ.

وكذلك يبين الأمر في جميع المطالب، وذلك أن كلا القياسين- أعني الجزمي والسائق إلى المحال- إنما يكتسبان بأخذ لواحق الطرفين أو بموضوعاتها، وبأخذ شيء واحد يكرر فيهما. وإنما الفرق بينهما أن القياس السائق إلى المحال يأتلف من مقدمتين، إحداهما المقدمة الحق والأخرى كذب، فينتج نقيض المقدمة الحق الثانية. والقياس الحملي يأتلف من المقدمتين الحق لا غير. فلا بد في كل قياس منهما من الاعتراف بمقدمتين، وذلك يكون بالطرق التي وصفنا. فإن اكتفى بهما كان القياس حمليا، وإن أخذ نقيض المطلوب وأضيف إليه أحدهما كان قياس خلف. وسيبين ذلك أكثر إذا تبينت أنواع المقاييس الحملية الواقعة في قياس الخلف. وكذلك المقاييس الشرطية مضطرة إلى هذا النحو من النظر، إذ قد تبين أنه لا يبين مطلوب بقياس شرطي دون أن يقترن به قياس حملي- وهو الذي تبين به إما صحة المستثنى وإما صحة الاتصال. فهذا النحو من النظر يبين كل مطلوب كان في مادة ضرورية أو في مادة ممكنة.

وهو بين أيضا أنه ليس فقط بهذه السهيل يمكن أن يستخرج كل قياس، بل وأنه ليس يمكن أن يستخرج قياس بغير هذه السبيل، لأنه قد تبين أن كل قياس إنما يكون بواحد من الأشكال الثلاثة وأن هذه الأشكال الثلاثة إنما تكون من الأمور المحمولة على الطرفين أو الموضوعة على الطرفين. فإذن ليس يمكن أن يوجد قياس إلا من النظر في هذه الأشياء- أعني اللاحقة والموضوعة. فإن كان أيضا بينا أن كل قياس إنما يكون من النظر في هذه الأشياء، فهو بين من ذلك أن كل قياس إنما يكون بواحد من الأشكال الثلاثة ومن مقدمتين وثلاثة حدود. وهذا الطريق في اكتساب المقدمات والمقاييس على المطلوبات هو عام في جميع الصنائع وفي كل تعليم كان حقيقيا أو مشهورا، لأنه تؤخذ اللواحق والموضوعات في الحقيقي حقيقية وفي المشهور مشهورة. وبين أن هذا الطريق نافع لنا معرفته في اكتساب المقدمات في جميع المطالب، وإلا كنا جدرا متى لم تكن عندنا هذا الطريق أن نقصد في استنباط أي مطلوب اتفق إلى أي شيء اتفق من المقدمات وإلى مقدمات واحدة بعينها في المطلوبات الموجبة والمطلوبات السالبة. وليس هذا فقط، بل وكان يمكن أن يعرض لنا أن نروم استنباط جميع أنواع المطالب الأربعة- أعني الإيجاب الكلي والسالب الكلي والموجب الجزئي- بطريق واحد من مقدمات واحدة بأعيانها. وأما متى كان عندنا هذا الطريق كان قصدنا في مطلوب مطلوب من أشياء محدودة معروفة قليلة العدد.

وينبغي إذا استعملنا هذا الطريق أن نختار في كل مطلوب المقدمات الخاصة بالجنس الذي فيه ذلك المطلوب المناسبة له- مثل أنه إن كان المطلوب عمليا أن نختار المقدمات المناسبة للأمور الإرادية، وإن كان علميا اخترنا الأشياء المناسبة للأمور النظرية الخاصة بذلك الجنس الذي تنظر فيه تلك الصناعة النظرية. ولذلك ما يحتاج في معرفة المقدمات الأوائل في كل جنس- أعني الخاصة به المناسبة له- إلى التجربة. مثال ذلك أنه يحتاج في علم النجوم- أعني علم الهيئة- إلى التجربة الموقفة على حركات النجوم. ولذلك لما علمت بالتجربة والرصد حركات الكواكب المتحيرة، أمكن أن توجد البراهين على معرفة أفلاكها. وكذلك الأمر في كل صناعة وفي كل علم الحاجة فيه إلى التجربة ضرورية. فإنه إذا اكتسبنا بالتجربة جميع الأوائل والمقدمات الموجودة في ذلك الجنس، أمكننا بسهولة أن نجد البراهين على جميع الأشياء المطلوبة في ذلك الجنس وأن نعرف ما يمكن أن يبرهن في ذلك الجنس مما لا يمكن.

فقد قلنا على العموم كيف ينبغي أن نكتسب المقاييس والمقدمات. وأما القول على الاستقصاء والخصوص بجنس جنس من أجناس المطالب فسيقال فيه في كتاب الجدل.

قال: وأما طريق القسمة فأنه جزء صغير من هذا النحو من النظر، لأنه قد يعين في اكتساب المقدمات التي تكون من الفصول اللاحقة. والسبب في أنه جزء صغير كون القسمة كأنها قياس ضعيف لا قياس حقيقي، لأن الذي يقيس بطريق القسمة يضع فيها ما ينبغي أن يبرهن بالقياس وينتج فيها أبدا شيئا خارجا عن المقدمات غير منطو فيها، وذلك بخلاف ما عليه الأمر في القياس.

قال: والقدماء لما كانوا يظنون بطريق القسمة أنه قياس تبرهن به حدود الأشياء كان غلطهم في طريق القسمة في موضعين، أحدهما في ظنهم أن الحد يبرهن، والثاني في ظنهم أن طريق القسمة قياس. فإذن لم يعلموا ما يمكن أن يبرهن مما لا يمكن أن يبرهن، ولا علموا أن ما تبين بالقياس فإنما تبين بهذه المقاييس التي ذكرناها. وإنما كانت القسمة ليست قياسا في الحقيقة لأن الحد الأوسط في القياس يكون أبدا أخص من الطرف الأول، والطرف الأول- الذي هو محمول المطلوب- أعم منه، وفي القسمة الأمر بالعكس- أعني أن الحد الأوسط أعم من الطرف الأعظم الذي هو محمول المطلوب. مثال ذلك إذا كان عندنا مجهولا أن الإنسان مائت أو غير مائت وكان معلوما عندنا بمقدمتين إحداهما أن الإنسان حيوان والمقدمة الثانية أن الحيوان إما مائت أو غير مائت، وأردنا أن نبين من هاتين المقدمتين أن الإنسان إما حيوان مائت وإما غير مائت- أعني أحد هذين المتقابلين- ليحصل لنا من ذلك حده- وهو أنه حيوان مائت- فألفنا القول هكذا: الإنسان حيوان والحيوان إما مائت أو غير مائت، لا أنه أحدهما على التحصيل- الذي كان مطلوبا لنا- إلا أن كان بينا بنفسه أو معلوما بقياس من الأقيسة المذكورة. فإذن الحد الأوسط في هذا القياس- الذي هو الحيوان- أعم من المطلوب- الذي هو المائت أوغير المائت. وكذلك إن كان معلوما عندنا أن الإنسان حيوان مائت وأن المائت منه ذو رجلين ومنه ذو أرجل كثيرة وأردنا أن نعرف أي هو الإنسان من هذين، لم نستفد ذلك عن طريق القسمة بوجه من الوجوه. فإذن القسمة ليست قياسا بوجه من الوجوه، لا في مطلوب مطلق- مثل أن الشيء موجود أو غير موجود- ولا في مطلوب مقيد- مثل أن يطلب هو الشيء عرض أو جنس أو خاصة أو حد- ولكنها نافعة في القياس. فقد قيل من أي شيء تكتسب المقاييس وكيف تكتسب وإلى أي شيء ينبغي أن نقصد في كل نوع من أنواع المطالب.

رد المقاييس المستعملة في الكتب إلى هذه الأشكال

قال: وقد بقي علينا بعد ذلك أن نقول كيف تكون لنا قدرة على رد المقاييس المستعملة في الكتب والمخاطبات إلى هذه الأشكال وتحليلها إليها، إذ كانت ليست تستعمل في الكتب والمخاطبات على الطريق الذي ذكرناه، لأن هذا هو الأمر الثالث الذي بقي علينا أن ننظر فيه من أمر المقاييس لأنه إذا عرفنا أنواع المقاييس وكانت لنا قدرة على عملها وقدرة على أن نرد جميع ما يقع منها في الكلام والمخاطبة إلى الأشكال التي ذكرناها فقد تم لنا غرضنا الأول من معرفة القياس مع أنه يعرض لنا عندما نتكلم في حل المقاييس إلى الأشكال التي ذكرنا أن نزداد يقينا بما قيل من أن كل قياس إنما يكون بواحد من الأشكال المتقدمة لأنه إذا وجدنا جميع المقاييس المستعملة في الكتب والمخاطبات ترجع إلى هذه الأشكال حصل لنا بضرب من الاستقراء أن هذه الأشكال هي اسطقسات جميع المقاييس. وهذا هو شأن الشيء الذي يقوم عليه البرهان- أعني أن يوجد حقا من كل وجه يتأمل منه ومتفقا من كل جهة من جهاته. فإن الحق كما يقول أرسطو شاهد لنفسه ومتفق من كل جهة- يعني أنه تشهد منه جهة لجهة.

فأول ما ينبغي أن يفعله من يريد حل المقاييس إلى هذه الأشكال أن يروم وجود المقدمتين في ذلك القول القياسي، فإن المقدمتين هي أعظم أجزاء القياس، وقسمة الشيء إلى أعظم أجزائه أسهل من قسمته إلى أصغر أجزائه. ثم من بعد ذلك فينبغي أن يعلم أيما هي المقدمة الكبرى وأي هي الصغرى، وذلك بين من طرفي المطلوب، وهل صرح بهما معا في ذلك الكلام القياسي أم إنما صرح بواحدة منهما. وإن كان صرح بواحدة وسكت عن واحدة فأي هي المسكوت عنها المحذوفة، هل الكبرى أو الصغرى. فإنه كثيرا ما يعرض في الكلام المتلو والمقروء أن يصرحوا بالكبرى ويحذفوا الصغرى أو يصرحوا بالصغرى ويحذفوا الكبرى. وكثيرا أيضا ما يضعون في القياس من مقدمات ليست نافعة لا في إثبات النتيجة ولا في إبطالها، وذلك إما للإيضاح وإما للإقناع وأما لغير ذلك من الوجوه التي عددت في الثامنة من الجدل. فينبغي لذلك أن نفحص هل أخذ في ذلك القول القياسي مقدمة زائدة أو نقص منه مقدمة ضرورية لنرفض الزائد ونضع الناقص حتى نجد المقدمتين اللتين منهما ائتلف القياس، لأنه متى لم نجد المقدمتين لم يمكن أن نرد القول القياسي إلى أحد الأشكال المتقدمة. ومن الكلام القياسي ما تسهل معرفة ما فيه من الزيادة والنقصان، ومنه ما يعسر، ومنه ما يظن أنه قياس ما- من جهة أنه يلزم عنه شيء باضطرار- وليس بقياس، إذ ليس كل ما يلزم عن شيء باضطرار فهو لازم لزوما قياسيا بل ما لزم باضطرار عن مقدمتين نسبة إحداهما إلى الأخرى نسبة الكل إلى الجزء فهو قياس. فمثال ما هو ناقص ويعسر معرفة ما نقص منه قول من قدم لإنتاج أن أجزاء الجوهر جوهر أن ببطلان غير الجوهر ليس يبطل الجوهر وببطلان أجزاء الجوهر يبطل الجوهر، فإن هذه النتيجة هي لازمة عن هذا القول لكن تنقصه المقدمة الكبرى- وهي أن ما يبطل الجوهر ببطلانه فهو جوهر- وهذه المقدمة هي لازمة من المقدمة التي صرح بها في هذا القول- وهو أن ما ليس بجوهر فليس يبطل الجوهر ببطلانه- وذلك أنه إذا صحت لنا هذه المقدمة صح لنا عكس نقيضها- وهو أن ما يبطل الجوهر ببطلانه فهو جوهر، فإذا أضفنا إلى هذه الصغرى- وهو أن أجزاء الجوهر يبطل ببطلانه الجوهر- أنتج لنا في الشكل الأول أن أجزاء الجوهر جوهر. وقد يمكن أن نحل هذا القول إلى غير هذا الشكل- مثل أن يقال أجزاء الجوهر ببطلانها يبطل الجوهر وهو غير جوهر فلا يبطل ببطلانه الجوهر فينتج في الشكل الثاني أن أجزاء الجوهر ليست غير جوهر ثم يضاف إلى هذا وما ليس هو غير جوهر فهو جوهر فينتج أن أجزاء الجوهر جوهر. ومثال ما نقص منه بعض المقدمات- ومعرفة ذلك مهمل- قولنا إن كان الإنسان موجودا فالحي موجود وإن كان الحي موجودا فالجوهر موجود، فإن كان الإنسان موجودا فالجوهر موجود، وذلك أنه نقص من هذا وكل إنسان حي وكل حي جوهر. وسبب الغلط في هذا هو أن يظن بما لزم باضطرار أنه لازم لزوما قياسيا. فإذن متى وجدنا شيئا قد لزم عن شيء فليس ينبغي أن نتوهمه قياسا تاما إلا إذا وجدنا فيه المقدمتين معا. فإذا وجدنا مقدمتي القياس بهذا الفعل فينبغي أن نقسم المقدمتين أيضا إلى الثلاثة الحدود ونميز الحد الأوسط الذي هو الحد المشترك للحدين اللذين هما طرفا المطلوب، فإنه لابد في كل قياس من حد أوسط. فإن ألفينا الحد الأوسط محمولا على الأصغر وموضوعا للأكبر أو محمولا على الأصغر مسلوبا عن الأكبر، فإنه يكون الشكل الأول. فإن كان الحد الأوسط محمولا في أحدهما مسلوبا عن الآخر على جهة الحمل لا على جهة الوضع فإنه يكون الشكل الثاني. وإن كان الحد الأوسط موضوعا للطرفين إما على طريق الإيجاب أو لأحدهما على طريق الإيجاب وللثاني على طريق السلب، فإنه يكون الشكل الثالث. لأنه قد تبرهن أنه ليس هاهنا نسبة رابعة للحد الأوسط إلى الطرفين والطرفان على المجرى الطبيعي في الحمل، وسواء كانت المقدمتان كلية أو كانت إحداهما كلية والثانية جزئية، ما لم تقع الجزئية كبرى في الشكل الأول والثاني، فإن الحد الأوسط وضعه في ذلك واحد.

وإذا كان هذا هكذا فهو بين أن أي قول لم يوجد فيه شيء واحد مكرر مرتين أن ذلك القول ليس بقياس، لأنه إذا لم يوجد فيه حد واحد مكرر مرتين فليس فيه حد أوسط، وإذا لم يكن هنالك حد أوسط فليس هنالك قياس. ولأنه قد تبين أنه ليس يبين كل مطلوب في كل شكل وأن منها ما يبين في شكل واحد- وهو للكلى الموجب- ومنها ما يبين في شكلين- وهو السالب الكلي والموجب الجزئي- ومنها ما يبين في الثلاثة الأشكال- وهو السالب الجزئي- فهو بين أنه ليس ينبغي أن نلتمس المطلوب في أي شكل أتفق لكن في الشكل الخاص به. فكل ما كان من المطلوبات يتبين بأكثر من شكل واحد فإنما يعرف الشكل الذي به تبين بوضع الحد الأوسط فيه من الطرفين. وكل ما كان إنما تبين في شكل مخصوص فقد يعرف الشكل الذي يبين به من المطلوب نفسه كما تعرفه من وضع الحد الأوسط. وما كان منها يتبين في شكلين فإنا نلتمس فيه أن نجد وضع الحد الأوسط فيه الوضع الذي يكون في ذلك الشكلين فهذه هي التي منها يمكن أن نقف على شكل القياس الذي به أنتج المطلوب في القول القياسي المكتوب أو المتلو.

قد يعرض لنا مرارا كثيرة الغلط والخدعة بأن نظن عند تحليل القول فيما ليس بقياس أنه قياس وعكس ذلك لأسباب شتى. أحدها إذا ظننا أن المقدمات كلية وليست في الحقيقة كلية، يعرض إذا أخذت مهملة فإن شكل القياس يغلطنا في ذلك. مثل أن نأخذ أن الإنسان حيوان وأن الحيوان غير كائن ولا فاسد، فيظن أنه يلزم عن ذلك أن الإنسان غير كائن ولا فاسد، وذلك كذب. والمقدمة الصغرى صادقة بالكل- وهو أن الإنسان حيوان- وأما الكبرى فإنما هي صادقة بالجزء لا بالكل- وذلك أنه ليس كل حيوان هو غير كائن ولا فاسد- وإنما يصدق ذلك على الحيوان الكلي المعقول لا على كل واحد من أشخاص الحيوان.

وقد يعرض الكذب والخدعة من قبل فساد نسبة الحدود بعضها إلى بعض في الوضع حتى نظن فيما هو قياس أنه ليس بقياس، وذلك بأن تؤخذ على الجهة التي هي بها غير صادقة. مثال ذلك أن يقول قائل إن كل إنسان قابل للمرض والمرض ليس يمكن أن يقبل الصحة، فالإنسان لي سيمكن أن يقبل الصحة وذلك كذب. وسبب ذلك أن الحدود في هذه المقدمات لم تؤخذ في الحمل على ما ينبغي، وذلك أنه أخذ بدل موضوع الصحة والمرض والصحة والمرض نفسه- أعني أنه أخذ بدل قولنا صحيح صحة وبدل قولنا مريض مرض- ولذلك إذا غيرنا ذلك فقلنا الإنسان يمكن أن يكون مريضا والمريض يمكن أن يصح، أنتج لنا أمرا صادقا- وهو أن الإنسان يمكن أن يصح. فمتى لم يتحفظ بهذا في أمثال هذه المقدمات فلن يكون قياس. فإنه إذا أخذت الأحوال والملكات بدل القابل للملكات، ليس قياسا في الشكل الأول فقط بل ولا في الثلاثة الأشكال لأنه قد يقول قائل الإنسان يمكن أن يقبل الصحة والمرض ليس يمكن أن يقبل الصحة. وهذا تأليف في الشكل الثاني غير منتج إذ كان ينتج كذبا- وهو أن الإنسان ليس يمكن أن يقبل المرض. وكذلك يمكن أن لا يوجد لهذا التأليف نتيجة في الشكل الثالث. وذلك أن المرض والصحة والعلم والجهل يوجدان في شيء واحد وليس يوجد أحدهما في الثاني، وهذا تأليف الشكل الثالث. فلذلك يظن لهذه العلة أن الأشكال الثلاثة غير منتجة. والسبب في ذلك أنه أخذ بدل الموضوع للملكات والأحوال الأحوال أنفسها والملكات. ولذلك كان واجبا في أمثال هذه المقدمات أن نأخذ القابل للحال مع الحال، وحينئذ نصيره حدا موضوعا محمولا.

والحدود التي ينحل إليها القياس وبخاصة الحد الأوسط فليس ينبغي أن نطلبها أبدا من حيث يدل عليها أسم مفرد، لأن كثيرا ما يدل عليها بقول مركب وبخاصة إذا كان ذلك الحد ليس أسم مفرد. ولذلك قد يعسر أن نرد أمثال هذه الأقاويل إلى الأشكال المتقدمة، ويغلط فس ذلك فيظن أنه قد يكون قياس من غير حد أوسط. مثال ذلك قولنا إنما صار المثلث زواياه مساوية لقائمتين لأن الخارجية منه مساوية للداخلتين. فلذلك ما ينبغي أن لا يطلب الحد الأوسط في كل قياس ولا لفظا مفردا، بل أحيانا يكون قولا وأحيانا يكون لفظا مفردا.

وأيضا ليس يجب أن نطلب للحدود الموجودة في القياس إذا حمل بعضها على بعض إما على جهة السلب وإما على جهة الإيجاب نسبة واحدة من الحمل- مثل أنه إذا أخذنا أن الطرف الأكبر موجود في الأوسط والأوسط في الأخير، فإنه لي ينبغي أن يفهم من ذلك في كل موضع أن الأول صفة للأوسط والأوسط صفة للأخير وأن الأول في الأخير أيضا صفة. وكذلك متى سلبنا حدا عن حد فليس ينبغي أن يفهم منه سلبه على أنه صفة وموصوف، بل إنما ينبغي أن يفهم من ذلك واحدا من أنحاء النسب التي بها نوجب شيئا لشيء أو نسلب شيئا عن شيء أو أكثر من نحو واحد منها إن كان يوجد منها أكثر من نحو واحد من أنحاء النسب. مثال ذلك أنه يصدق قولنا للأضداد علم واحد وقولنا الأضداد علمها واحد وليس يصدق قولنا الأضداد علم واحد. وقد يتفق أن يكون الطرف الأول صفة للأوسط ولا يكون الأوسط صفة للثالث. مثال قولنا الحكمة علم والحكمة للفاضل والنتيجة أن العلم للفاضل. وقد يكون عكس هذا- أعني أن يكون الحد الأوسط صفة للأخير والأول غير صفة للأوسط مثل أنه وضعنا في كل ضد علما والخير ضد فإن النتيجة تكون إن في الخير علما. وقد يتفق أن لا يكون الأول صفة للأوسط ولا الأوسط للأخير يكون الأول صفة للأخير، وهي النتيجة. مثال ذلك أن في الخير علما والعلم له جنس، والخير جنس. وعلى هذا ينبغي أن يفهم الأمر في السلب. فإنه ليس متى سلب شيء عن شيء يدل على أن هذا هو غير هذا، بل أحيانا على أن هذا ليس لهذا أو ليس في هذا وما أشبه ذلك من ضروب النسب. مثال ذلك أنه يصدق قولنا ليس للحركة حركة ولا يصدق قولنا الحركة ليست هي حركة، وكذلك نقول الكون ليس له كون ولا نقول الكون ليس كونا. فإذا أضفنا إلى هذا أن اللذة كون، أنتج أنه ليس للذة كون لا أن اللذة ليست كونا.

وقال بالجملة وبالقول الكلي: أما الحدود الموضوعة فينبغي أن تؤخذ بالجهة التي بها تؤخذ مفردة- يريد بالرفع- لأنه بهذه الجهة يستدل على المقدمات منها. وأما المقدمات فينبغي أن تؤخذ على النحو الذي تكون به صادقة سواء كانت مرفوعة أو غير مرفوعة. فغير مرفوعة مثل قولنا العشرة ضعف الخمسة، والثوب من كتان.

والحدود الموجبة للشيء ليست تكون أبدا مفردة ولا مطلقة، بل قد تكون مركبة كما تكون مقيدة. فينبغي أن يؤخذ كل على النحو الذي هو به صادق من تركيب أو إفراد أو إطلاق أو تقييد، وكذلك الحدود المحمولة على جهة السلب. فأما الحدود التي تكرر في المقدمات في بعض المواضع ثلاث مرات فينبغي أن تكرر مع الحد الأكبر لا مع الحد الأوسط. مثال ذلك قولنا الإنسان محسوس والمحسوس يتلف من جهة ما هو محسوس فالإنسان يتلف من جهة ما هو محسوس، فإنه إن كررنا قولنا من جهة ما هو محسوس مع الحد الأوسط فقلنا الإنسان محسوس من جهة ما هو محسوس كان ذلك كذبا. وكذلك قولنا العدل خير والخير يعلم من جهة أنه خير فالعدل يعلم من جهة أنه خير، فإن وضعناه مع الحد الأوسط فقلنا العدل خير من جهة أنه خير كان كذبا وغير مفهوم. وإنما يحتاج إلى هذا التكرير لأن به تكون المقدمة صادقة، لأنه متى قلنا إن الإنسان يتلف ولم يشترط من جهة ما هو محسوس كان كذبا.

قال: وليس وضع الحدود في مقدمات القياس الذي نتيجته مطلقة مثل وضعها في القياس الذي تنتجه مقيدة ومشترط فيها شرط ما. مثال ذلك أنه إذا بين مبين أن الخير معلوم وأنه معلوم ما بواسطة أنه موجود، فينبغي أن يبين أنه معلوم ما بأن يأخذ في بيان ذلك أنه موجود ما، لا موجود على الإطلاق أخذ في بيان ذلك أنه موجود على الإطلاق. وذلك أنه متى قلنا الخير موجود ما وذلك الموجود معلوم كانت النتيجة أن الخير معلوم ما- أي يخصه- وذلك أن ما المشددة إنما تدل على الذات الخاصية بالشيء. ومتى قلنا إن الخير موجود والموجود معلوم فإنما ينتج لنا أن الخير معلوم من جهة أنه موجود لا من جهة ما يخصه.

وينبغي أن تبدل الأسماء في الحدود إذا كانت غير واضحة بأسماء أوضح منها، وكذلك يبدل القول المركب بالقول المركب الذي هو أوضح منه إذا كان يدل عليه بقول مركب، وإذا كان الحد الذي يدل عليه بقول مركب له اسم فينبغي أن نأخذ اسمه مكان ذلك القول لأنه أسهل وأخص. مثال ذلك أنه إذا كان لا فرق بين قولنا إن المتوهم ليس جنسه المظنون وبين قولنا إن المتوهم ليس هو مظنونا، فينبغي أن يستعمل في القياس قولنا المتوهم ليس هو مظنونا بدل قولنا المتوهم ليس جنسه المظنون.

وبالجملة فينبغي أن يتحفظ بأن تكون العبارة في المقدمات على النحو الذي يكون في النتيجة- أعني أن لا يزاد في النتيجة حرف ليس يؤخذ في المقدمات ولا ينقص منها حرف قد أخذ في المقدمات. وذلك أنه إن كانت النتيجة أن اللذة هي الخير فينبغي أن يؤخذ الخير في المقدمات التي تنتج هذه النتيجة معرفا بالألف واللام. وإن كانت النتيجة أن اللذة هي خير بغير تعريف، فينبغي أن يؤخذ الخير في المقدمات على هذا النحو، لأن بونا كثيرا بين قولنا اللذة خير وقولنا اللذة هي الخير. وذلك أن القول الأول يدل على أن اللذة من الخير، والقول الثاني يدل على أن اللذة وحدها هي الخير.

وإذا أخذت الحدود محمولة بعضها على بعض فينبغي أن يتحفظ فيها بالمقول على الكل. وذلك أنه فرق كبير بين أن نقول في المقدمة الكبرى أن الذي توجد فيه الباء توجد الألف في كله وبين أن نقول إن الألف توجد في كل ما توجد فيه الباء. فإنه إذا أضفنا إلى قولنا إن الألف توجد في كل ما فيه الباء أن الباء موجودة في كل الجيم، أنتج لنا بالضرورة أن اَ موجودة في كل الجيم وأما متى أضفنا إلى قولنا أن الذي يوجد فيه الباء توجد الألف في كله أن الباء توجد في كل الجيم، لم يلزم عم ذلك أن تكون الألف موجودة في كل الجيم إذا كان الشرط إنما هو أن الشيء الذي توجد فيه الباء توجد الألف في كله، فقد يكون ذلك الشيء بعض ما توجد فيه الباء لا كله. فليس يلزم عن ذلك أن تكون الألف موجودة في كل الجيم، إذ قد يمكن أن تكون الجيم من البعض الذي يتصف بالباء ولا توجد فيه الألف. وكذلك متى كانت الكبرى سالبة- أعني أنه فرق كبير بين أن نقول إن اَ مسلوبة عن كل الشيء الذي توجد فيه الباء وبين أن نقول أن اَ مسلوبة عن كل ما فيه الباء. فهو بين أنه إذا أخذ في الحدود أن اَ مقولة على كل الشيء الذي تقال عليه الباء وأن الباء مقولة على كل الجيم، أنه ليس يلزم أن تكون اَ مقولة على كل الجيم. وإن أخذ أن الألف مقولة على كل ما يقال عليه الباء، لزم أن تكون الألف مقولة على كل الجيم. قال: وليس ينبغي أن يتوهم أنا نحيل في قولنا إن الألف هي بَ والباء هي الجيم- أي نأتي في ذلك بقول مستحيل. فإنا لسنا نستعمل هذه الحروف على أنها الشيء المشار إليه المطلوب بيانه، وإنما نأخذها بدل المواد كما يأخذ المهندس الخط الذي يرسمه بدل الخط الذي يقصد البرهان عليه ولذلك قد يضع المهندس أن هذا الخط طول مقدار قدم وأن هذا الخط هو طول لا عرض له، وليس كذلك في الحس. ولذلك وإن كانت الألف المكتوبة ليست هي الباء ولا الباء هي الألف، فلسنا نريد بقولنا إنه متى لم تكن مقولة على كل ما هو بَ وكانت الجيم موضوعة للباء أنه ليس يلزم أن تكون الألف مقولة على الجيم. إلا أنه إذا لم يكن شيء نسبته إلى آخر كنسبة الكل إلى الجزء وآخر نسبته إلى هذا كنسبة الكل إلى الجزء فإنه لا يكون عن ذلك قياس. لكن أخذنا بدل الأمثلة الداخلة تحت هذا القول الحروف لأنه أسهل في التعليم إذ كان إعطاء المثال ضروريا في التعليم.

قال: فبهذا النحو من النظر يمكننا أن نحل المقاييس وليس ينبغي أن نطلب على هذا النحو حل القياس الشرطي لأن ليس يمكن أن يحل القياس الذي تبين على جهة الشرط لأن ذلك إنما يكون على جهة الوضع والاصطلاح بين المتكلمين- مثل أنه إن وضع واضع على جهة الاصطلاح أنه إن كانت توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد فإنه ليس يكون للأضداد علم واحد ثم تبين أنه توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد فيلزم عنه أن لا يكون للأضداد علم واحد. فالذي يمكن أن يحل من هذا القول ليس هو ما وضع على جهة الشرط- وهو قولنا أنه ليس للأضداد علم واحد- لكن الذي يمكن أن يحل هو الشيء الذي يبين على جهة القياس الحملي- وهو قولنا أنه توجد قوة واحدة غير قابلة للأضداد- لأنه قد كان على ذلك قياس- وهو قولنا المرض والصحة أضداد والمرض والصحة ليست قوتهما واحدة فيجب عن ذلك في الشكل الثالث أن ليس كل الأضداد قوتها واحدة، لأنه لو وجد ذلك لوجد الشيء صحيحا مريضا معا. وإنما كان ذلك لأن القياس الشرطي إنما يتبين فيه المستثنى بقياس حملي. وكذلك قياس الخلف ليس يحل منه إلا القياس الحملي الذي يسوق إلى المحال، لا القياس الشرطي، لأنه قد تبين أنه مركب من النوعين من القياس. وهو أيضا بين أن ما كان من المطالب يبين في أكثر من شكل واحد انه قد يمكن أن يحل القول الذي استعمل في بيان ذلك المطلوب إلى أكثر من شكل واحد. والقانون في ذلك أن ما كان من أصناف القياسات التي في الشكل الثاني والثالث التي تشارك الأول في بيان بعض أنواع المطالب-مثل مشاركة الصنف الأول والثاني من الشكل الثاني للصنف الثاني من الشكل الأول في إنتاج السالب الكلي، ومثل مشاركة الأصناف التي تنتج الجزئي السالب في الشكل الثاني والثالث للذي ينتج السالب الجزئي في الشكل الأول- فما كان من هذه الأصناف في الشكل الثاني والثالث مما يبين إنتاجه بالعكس سواء كان بعكسين أو بعكس واحد فقد يمكن ما يكون منه في الشكل الثاني والثالث أن يرد إلى الأول وما كان من ذلك في الأول فقد يمكن أن يرد إلى الثاني والثالث. وأما ما تبين إنتاجه من هذه الأصناف في الشكل الثاني أو الثالث بطريق الخلف أو الافتراض فإنه لا يمكن رجوع ذلك القول إلى الشكل الأول- مثل الضرب الرابع من الشكل الثاني الذي ينتج السالب الجزئي فليس يمكن رجوعه إلى الصنف من الشكل الأول الذي ينتج السالب الجزئي. ولذلك ما نرى أن ما كان من سالب كلي فيمكن فيه أن يحل القول المنتج له إلى الشكل الثاني وإلى الشكل الأول. وأما السالب الجزئي الذي ينتج في الشكل الثاني وفي الثالث فليس يرجع منه شيء إلى الشكل الأول، ولا ما كان في الشكل الأول منه يرجع إلى هذين إلا في التي لا يبين إنتاجها بالافتراض. وأما التي يبين إنتاجها بالافتراض في الشكلين فلا يمكن ذلك فيها. وأما رجوع ما كان في الشكل الثاني إلى الثالث- أعني من التي تنتج السالب- ورجوع ما كان من ذلك في الثالث إلى الثاني فإنما يمكن ذلك في الأصناف التي يمكن فيها عكس المقدمتين معا. وذلك يكون متى كانت المقدمة السالبة كلية- أعني أن كل واحد منهما يرجع إلى صاحبه- لأن السالبة الكلية تنعكس والموجبة الجزئية تنعكس. وأما متى كانت السالبة في الشكل الثاني جزئية فإن الجزئية السالبة لا تنعكس والكلية أيضا إن انعكست تكون جزئية. وكذلك التي في الشكل الثالث إذا كانت السالبة هي الكلية أمكن رجوع مقدماتها إلى الشكل الأول، لأن السالبة الكلية تنعكس والموجبة تنعكس جزئية كانت كلية أو جزئية. وإن كانت السالبة هي الجزئية فإن القياس لا ينحل إلى الشكل الثاني، لأن السالبة الجزئية لا تنعكس.

فقد تبين من هذا القول أي أصناف القياسات التي تشترك في مطلوب واحد من الأجناس الثلاثة من أجناس القياس يمكن فيها أن يحل بعضها إلى بعض وأيها لا يمكن ذلك فيها.

وقد يوقع خدعة في القياس أن يظن بالقضية المعدولة أنها والسالبة قضية واحدة بعينها، وذلك أنه يعرض من ذلك أحد أمرين. إما أن يظن بالمنتج أنه غير منتج، وذلك إذا وقعت القضية المعدولة في الموضع الذي إذا وقعت فيه السالبة يمنع القياس أن يكون قياسا وظن بالمعدولة أنها سالبة فإنه يظن فيما هو قياس أنه ليس بقياس. وأما أن يظن بالنتيجة المعدولة أنها سالبة وهي في الحقيقة معدولة، وذلك إذا وقعت المقدمة المعدولة التي ظن بها أنها سالبة في موضع لا يمنع القياس أن يكون منتجا. والذي يرفع هذه الخدعة أن يعلم أن قولنا في الشيء أنه لا أبيض وأنه ليس بأبيض ليس يدلان منه على معنى واحد، وأنه ليس سالبة قولنا زيد أبيض قولنا زيد لا أبيض بل قولنا زيد ليس بأبيض. وذلك أن نسبة قولنا زيد أبيض إلى قولنا زيد لا أبيض هي نسبة قولنا زيد يمكن أن يمشي إلى قولنا زيد يمكن أن لا يمشي، ونسبة قولنا زيد يوجد أبيض إلى قولنا زيد ليس يوجد أبيض هي نسبة قولنا زيد يمكن أن يمشي إلى قولنا زيد ليس يمكن أن يمشي. فكما أن الممكنين قضيتان موجبتان- على ما تبين في الكتاب المتقدم- كذلك قولنا زيد أبيض، زيد لا أبيض. فإن كان قولنا زيد لا أبيض بمنزلة قولنا زيد ليس بأبيض، فيجب أن يكون كل شيء أما أبيض وأما لا أبيض كما يجب أن يكون كل شيء إما أبيض وإما ليس بأبيض. وهو بين أن الأشياء المعدومة وكثرة من الأشياء الموجودة لا يصدق عليها أنها بيض ولا أنها لا بيض، وأما أنها بيض أو ليست بيض فيصدق على جميع الأشياء. وأيضا لو كان قولنا زيد هو قادر أن لا يمشي بمنزلة قولنا زيد ليس هو قادر أن يمشي، لكان الإيجاب والسلب يجتمعان في شيء واحد بعينه لأنه كما أن قولنا في زيد أنه قادر أن يمشي وأن لا يمشي يصدقان معا كذلك كان يجب أن يكون قولنا فيه إنه قادر وإنه ليس بقادر- أعني لو كان معنى السلب في ذلك هو معنى العدل. وبين أن قولنا قادر وليس بقادر لا يجتمعان معا في شيء واحد بعينه. فالقضية المعدولة تفارق السلب، أما حينا فبأنها توجد هي ومقابلتها معا في شيء واحد، وأما حينا فبأنها قد يخلو الموضوع من كل واحد منهما. وأما القضية السالبة والموجبة فيخصهما أنهما لا يجتمعان في شيء واحد ولا يخلو من أحدهما شيء من الأشياء. ولذلك كان قولنا في سقراط أنه عادل ولا عادل كاذبين معا إذا كان سقراط ميتا، وقولنا أنه عادل أو ليس بعادل يقتسمان الصدق والكذب- أعني أنه ليس يخلو سقراط من أن يوصف بواحد منهما كان ميتا أو حيا. وكذلك قولنا في زيد إنه يقدر أن يمشي ويقدر أن لا يمشي المتقابلان صادقان معا فيه، وقولنا فيه إنه يقدر أن يمشي ليس يقدر أن يمشي أحدهما صادق والآخر كاذب. وإذا كانت القضايا المعدولة موجبات فلها سوالب. وإذا قيست القضايا البسيطة والمعدولة الموجبات فيها والسوالب ظهر لبعضها إلى بعض نسبتان- نسبة تقابل ونسبة لزوم. فلنفرض بدل الموجبة البسيطة- وهي قولنا زيد خير- حرف اَ وبدل سالبتها- وهي قولنا زيد ليس بخير- حرف الباء، وبدل الموجبة المعدولة- وهي قولنا زيد لا خير- حرف الدال، وبدل سالبتها- وهي قولنا زيد ليس هو لا خير- حرف جيم، ولنضع تحت الألف جَ وتحت الباء دَ فكل شيء إما أن يوجد اَ وإما بَ، وليس يمكن أن يجتمعا في شيء واحد إذا كانت إحداهما موجبة والثانية سالبة. وكذلك حال جَ مع دَ، إذ كانت إحداهما أيضا موجبة والأخرى سالبة. وهو بين أيضا أن كل ما يوجد فيه دَ فبالضرورة يوجد في كله بَ، لأنه إن كان قولنا في زيد إنه لا خير صدقا فواجب أن يكون قولنا فيه إنه ليس بخير أيضا صدقا، لأنه واجب أن يصدق عليه قولنا إنه خير أو إنه ليس بخير. وإذا كذب عليه أنه خير فواجب أن يصدق عليه أنه ليس بخير، فإذن كل ما يوجد فيه دَ يوجد فيه بَ فبَ لاحقه لدَ وموجودة حيث وجدت. وليس ينعكس هذا حتى تكون دَ موجودة في كل ما يوجد فيه بَ، لأنه إذا كان زيد معدوما صدق عليه أنه ليس بخير ولم يصدق عليه أنه لا خير. فهذه حال دَ مع بَ في اللزوم. وأما حال اَ مع جَ فبعكس هذا- أعني أن جَ لاحقه للألف وموجودة حيث وجدت. وليس ينعكس ذلك حتى تكون اَ لاحقة لجَ وموجودة حيث وجدت، لأن ما يصدق عليه قولنا إنه خير يصدق عليه إنه ليس لا خير لأنه إما أن يصدق عليه قولنا إنه ليس لا خيرا أو إنه لا خير. وليس ينعكس هذا حتى يكون ما يصدق عليه قولنا إنه ليس لا خير يصدق عليه قولنا إنه خير، فإن زيدا المعدوم يصدق عليه قولنا ليس لا خير إذ كان لا بد أن يصدق عليه قولنا إنه لا خير أو إنه ليس لا خير لأن هذين القولين أحدهما موجب والآخر سالب، وليس يخلو من أحدهما شيء ولا يجتمعان في شيء واحد. وإذا كان هذا هكذا فبين أنه ليس يمكن في جَ- وهي السالبة المعدولة- وفي دَ- وهي الموجبة المعدولة أن يجتمعا في شيء واحد، لأن ما يصدق عليه اَ يصدق عليه جَ وما صدق عليه جيم كذب عليه دَ إذ إحداهما موجبة والأخرى سالبة. وأما جيم- وهي السالبة المعدولة- وبَ- وهي السالبة البسيطة- فقد يجتمعان في شيء واحد، لأنه ليس يلزم وجود دَ فيما توجد بَ وإنما الأمر بالعكس- أعني أن بَ توجد فيما يوجد فيه دَ.

وقد يتوهم أن اَ- وهي الموجبة البسيطة ودَ- وهي الموجبة المعدولة- متقابلتان، وذلك أنه لما كنا وضعنا أن دَ متى كانت موجودة أن بَ موجودة وبَ واَ متقابلتان- أي متى وجد أحدهما ارتفع الآخر وليس يخلو من أحدهما شيء من الأشياء- فإذن دَ واَ بهذه الصفة. لكن لو كان دَ واَ متقابلتان على جهة السلب والإيجاب للزم متى وجد بَ أن يؤخذ دَ، وذلك كذب وخلاف ما بين لأنه كان واجبا أن يصدق على بَ دَ إذ كان كاذبا عليه اَ. وقد يمكن متى وضعنا أن جَ لازمة للألف وأن اَ ليس يلزم جَ أن يبين من ذلك أن بَ لاحقة لدَ وأن ذلك غير منعكس وأنه لا يمكن أن يجتمع دَ واَ ويمكن أن يجتمع جَ وبَ، وذلك أنه إذا كان هذا هكذا فبين أنه ليس يمكن في اَ ودَ أن يجتمعا في شيء واحد لأن بَ محصورة في دَ وحيث وجدت بَ فليس يوجد اَ لأن إحداهما موجبة والأخرى سالبة. وأما جَ وبَ فقد يمكن أن يجتمعا في شيء واحد، لأنه ليس اَ محصورة في جَ فقد توجد جَ حيث لا توجد اَ. وإذا كان كل شيء إما أن يوجد فيه اَ وإما بَ فقد يوجد جَ مرة في اَ وتارة في بَ. وقد يمكن أن يبين ببرهان آخر أنه متى كانت جَ لاحقة للألف أن بَ لاحقة لدَ وأن دَ واَ لا يمكن أن يجتمعا معا وأن بَ وجَ قد يمكن أن يجتمعا وذلك أنه إذا كانت جَ محصورة في اَ وكان كل شيء إما أن يصدق عليه دَ أو جَ فواجب أن يكون صادقا منها على بَ دَ دون جَ، لأن جَ محصورة في مقابل بَ الذي هو اَ. فإذن متى كانت جَ محصورة في اَ فإن بَ محصورة في دَ. وإذا كانت جَ محصورة في اَ وبَ محصورة في دَ فبين أن دَ واَ ليس يمكن أن يجتمعا في شيء واحد وأنه يمكن ذلك في جَ وبَ. وهذا الذي يعرض في القضايا الشخصية المعدولة والبسيطة يعرض مثله في العدمية مع البسيطة. وكما أنه ليس سالبة البسيطة الشخصية الموجبة الشخصية المعدولة الموجبة، كذلك ليس سالبة الموجبة الكلية البسيطة الموجبة الكلية المعدولة. (239 بَ) وقد يمكن أن يغلط في هذا الترتيب حتى نظن أن اَ متى كانت موجودة- أعني الموجبة البسيطة- أن السالبة المعدولة موجودة وأنه متى كانت السالبة المعدولة موجودة أن الموجبة البسيطة موجودة. وكذلك الأمر في السالبة البسيطة مع المعدولة. وذلك إنما يعرض متى غلطنا فظننا أن المعدولة سالبة- مثل أن يظن فيما هو خير أنه مقابل ما هو لا خير على جهة الإيجاب والسلب لا على جهة العدل- وذلك أنه متى أخذنا اَ وبَ موجبة وسالبة وأخذنا أيضا اَ ودَ المعدولة موجبة وسالبة عرض ضرورة أن يكون متى وجدت اَ وجدت جَ ومتى وجدت جَ وجدت اَ وكذلك متى وجدت بَ وجدت دَ ومتى وجدت دَ وجدت بَ، وذلك خلاف الترتيب الذي تبين. فأما كيف يعرض ذلك فلانه إذا وضعنا أن اَ وبَ يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات ووضعنا أن اَ ودَ- وهي المعدولة- هي بهذه الصفة لزم ضرورة متى وجدنا بَ أن توجد دَ ومتى وجدنا دَ أن توجد بَ، لأن اَ وبَ واَ ودَ لما كانا يقتسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات لزم متى كذبت اَ أن تصدق بَ ودَ لأن اَ وبَ متقابلان على جهة الإيجاب والسلب وكذلك اَ ودَ. فإذن متى وجدت بَ وجدت دَ ومتى وجدت دَ وجدت بَ، وكذلك يلزم في اَ مع جَ. وهذا اللزوم المظنون من هذه الأربعة حدود- التي هي اَ وجَ وبَ ودَ- ليس هو في الوجود فقط بل في الوجود والارتفاع- أعني أنهما متلازمان في الوجود والارتفاع- وذلك خلاف ما تبين. والسبب في هذا الغلط أن ظن بالمعدولة أنها سالبة تقتسم الصدق والكذب. وإذن تقرر أن الموجبة البسيطة ليست كالموجبة المعدولة.

مثال ذلك أنه ليس سلب قولنا كل إنسان أبيض قولنا كل إنسان لا أبيض، بل قولنا ليس كل إنسان أبيض. والعلة في ذلك هي العلة التي ذكرنا، وذلك أن قولنا كل إنسان أبيض وكل إنسان لا أبيض يكذبان معا وليس يوجد أحدهما بالضرورة في أي شيء كان من الأشياء كالحال في قولنا كل إنسان أبيض، ليس كل إنسان بأبيض. فإذن القياس الذي ينتج به قولنا كل إنسان لا أبيض هو غير القياس الذي ينتج به أنه ولا إنسان واحد أبيض، وذلك أن قولنا كل إنسان لا أبيض هي كلية موجبة وقد تبين أنها لا تنتج إلا في الشكل الأول. وقولنا ولا إنسان واحد أبيض هي سالبة كلية وهي تنتج في الأول والثاني، وذلك في صنف واحد من الأول وفي صنفين من الثاني، فهي تنتج في ثلاثة أصناف من المقاييس. وكذلك متى كانت المقدمة الصغرى في الشكل الأول معدولة، فليس ينبغي أن يظن به أنه غير منتج كحالها إذا كانت سالبة ولا متى كانت المقدمتان معدولتين كحالها إذا كانتا سالبتين. والمقدمة المعدولة تميز من السالبة بأن حرف العدل هو جزء من المقدمة، ولذلك يدخل أيضا عليه حرف السلب. وليس حرف السلب جزءا من المقدمة، ولذلك محمول الموجبة وموضوعها هو بعينه محمول السالبة وموضوعها.

وهنا انقضت المعاني التي تضمنتها هذه المقالة.

المقاييس التي تنتج نتائج كلية

قال: وإذ قد بينا في كم شكل تكون الأقاويل القياسية وبأي صنف من أصناف المقدمات تكون- وهي المقدمات التي فيها معنى المقول على الكل- وبكم مقدمة تكون وأنهما إثنتان ومتى يكون منهما قياس ومتى لا يكون- وذلك إذا لم يلف بينهما حد مشترك- وقلنا في كيفية شكل شكل من الأشكال الثلاثة- الذي هو ترتيب الحد الأوسط بين الطرفين- وقلنا مع ذلك أي شكل من الأشكال نلتمسه في مطلوب مطلوب من المطالب الأربعة- أعني الموجب الكلي والسالب الكلي والموجب الجزئي والسالب الجزئي- وأخبرنا بعد ذلك عن كيفية البحث عن المطلوب على الإطلاق وفي أي صناعة كانت وبأي سبيل نأخذ مقدمات القياس ونعملها وكيف نحل كل قول قياسي إلى القياس الذي تركب منه، فنقول الآن إنه لما كانت المقاييس منها ما ينتج نتائج كلية ومنها ما ينتج نتائج جزئية فإن المقاييس التي تنتج نتائج كلية قد يلحقها ويعرض لها أن تنتج سوى النتيجة الأولى نتائج كثيرة. وأما المقاييس التي تنتج نتائج جزئية فإن التي تنتج منها الموجبة الجزئية قد يعرض لها أن تنتج مع النتيجة الأولى نتائج كثيرة- وأما التي تنتج سالبة جزئية فليس تنتج غير النتيجة الأولى. والسبب في ذلك أن النتائج الكلية والجزئية الموجبة تنعكس والسالبة الجزئية ليس تنعكس. والقياس الذي ينتج نتيجة كلية موجبة يعرض له أن ينتج الجزئية المنطوية تحت تلك الكلية والجزئية والتي تنعكس إليها الكلية الموجبة، والذي ينتج سالبة كلية يعرض له أن ينتج عكسها والسالبة الجزئية المنطوية تحتها، والذي ينتج الموجبة الجزئية يعرض له أن ينتج عكسها. وأما الذي ينتج السالبة الجزئية فليس يعرض له أن ينتج غيرها، إذ كانت غير منعكسة ولا محيطة بغيرها، فمن هذه الجهة يعرض للقياس الواحد بعينه أن ينتج أكثر من نتيجة واحدة إلا أن الذي ينتج بالذات وأولا هي واحدة، وسائر ما ينتجه من جهة أنه يلحق النتيجة الأولى وبوساطتها فكأنها نتائج بالعرض. ولذلك لم يعدد أمثال هذه في نتائج المقاييس في المقالة الأولى، وغلط في ذلك قدماء المفسرين فعددوها.

وقد يمكن أن يظن أنه قد يكون عن القياس الواحد يعينه نتيجة أكثر من واحدة على جهة أخرى، إلا أن ذلك في الظن لا في الحقيقة. وذلك أما في الشكل الأول فإنه يعرض ذلك على وجهين. أحدهما متى بينا أن محمولا ما يوجد لموضوع ما وكان ظاهرا عندنا أن شيئا ما لموضوع المطلوب، فقد يظن أنه إذا تبين أن محمول المطلوب موجود في موضوعه أنه قد تبين مع ذلك أنه موجود في موضوع الموضوع. مثال ذلك أن يكون المطلوب هل العالم الثالث محدث، فإنه إذا تبين لنا أن العالم محدث تبين لنا أن السماء محدثة، وذلك أنه ظاهر بنفسه أن السماء جزء من أجزاء العالم. فهذا أحد ما يظن به أنه قد يكون عن قياس واحد بهذه الجهة أكثر من نتيجة واحدة. وليس ذلك حقيقيا، فإن قولنا السماء محدثة في هذا المثال إنما أنتج بمقدمتين إحداهما أن السماء جزء من أجزاء العالم والثانية أن جميع أجزاء العالم محدث فيلزم عن ذلك أن السماء محدثة. والوجه الآخر أنه متى بينا أن شيئا ما موجود لموضوع بمقدمتين وكان ظاهرا بنفسه أن الحد الأوسط في مقدمتين منطو تحته موضوع آخر مع موضوع المطلوب، فقد يظن أنه ينتج عن ذلك نتائج أكثر من واحدة إحداها النتيجة المطلوبة والأخرى التي موضوعها منطو تحت الحد الأوسط مع موضوع المطلوب. مثال ذلك إن تبين أن العالم محدث بمقدمتين إحداهما أن العالم محدث مؤلف والثانية أن المؤلف محدث. فإنه قد يظن أنه ينتج لنا من هاتين المقدمتين نتيجتان إحداهما أن العالم محدث والثانية أن الجسم محدث، لأنه ظاهر بنفسه أن الجسم منطو تحت المؤلف على مثال انطواء العالم تحته. وأكثر ما يعرض هذا إذا كانت الكبرى بينة عن قياس. وهما في الحقيقة قياسان يشتركان في المقدمة الكبرى ويفترقان في الصغرى. وهذا بعينه يعرض في الشكل الأول الذي ينتج السوالب الكلية، كما يعرض في الذي ينتج الموجبة الكلية. وأما الذي ينتج الجزئية فليس يعرض فيه الصنف من النتائج الذي يكون من قبل انطواء موضوعها تحت موضوع النتيجة لكون النتيجة جزئية ويعرض فيه الصنف الثاني لكون المقدمة الكبرى كلية في جميع أصناف المقاييس في هذا الشكل الكلية والجزئية. وأما الشكل الثاني فإنه يعرض في الأصناف الكلية منه أن يظن به أنه ينتج نتيجة وما هو منطو تحت موضوع النتيجة لقرب ذلك في بادئ الرأي. وفي الحقيقة إنما هي نتيجة قياس في الشكل الأول- أعني وجود الطرف الأعظم لموضوع موضوعه. وليس يظن فيه أنه ينتج مع نتيجة ما هو موضوع للحد الأوسط، لأن ذلك إن أنتج فإنما ينتج بترتيب الشكل الثاني والفكرة لا تقع بالطبع على شعور الإنتاج في الشكل الثاني كوقوعها على ذلك في الشكل الأول. فلذلك يظهر أن وجود الطرف الأعظم لما هو موضوع للحد الأوسط في الشكل الثاني هو بقياس ثان. وليس يظن به أنه ينتج بالقياس الأول، بخلاف ما هو موضوع لموضوع النتيجة. مثال ذلك قولنا الجسم السماوي ليس بمحدث والجسم المركب محدث، فإنه يلزم عن هذا القياس إن الجسم السماوي ليس بمركب وأن فلك الكواكب الثابتة غير مركب، إذ كان انطواؤه تحت الجسم السماوي ظاهرا بنفسه. وأما أن يظن أنه يلزم عن هذا القياس وجود الطرف الأعظم لما هو موضوع للحد الأوسط فيه- مثل أن يكون بينا بنفسه أن الأسطقسات ليست بمحدثة- فإنه ليس يلزم عن ذلك أن الأسطقسات ليست بمركبة إلا بقياس هو غير القياس الذي لزم به أن الجسم السماوي ليس بمركب، وذلك في الحقيقة وفي بادئ الرأي. وكذلك الحال في الشكل الثالث- أعني أنه ليس يظن به أنه ينتج مع نتيجته إلا وجود الطرف الأكبر لما هو موضوع للطرف الأصغر فقط، لا لما هو موضوع للحد الأوسط. ولذلك ليس يظن بالمقاييس الجزئية منها أنها تنتج غير نتيجتها، إذ موضوع المطلوب فيه جزئي.

في أنه قد يمكن أن يكون من المقدمات الكاذبة نتيجة صادقة ومتى يكون ذلك وكيف

والمقدمتان اللتان يكون منهما القياس قد تكونان معا صادقتين وقد تكونان معا كاذبتين وقد تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة. والكاذبة ربما كانت كاذبة بالكل- وهي التي يصدق ضدها- وربما كانت كاذبة بالجزء، وأما النتيجة فتكون إما صادقة باضطرار وإما كاذبة. فأما المقدمتان الصادقتان أو المقدمات الصادقة فليس يمكن أن يكون عنهما نتيجة كاذبة. وأما المقدمات الكاذبة فقد يمكن أن يكون عنهما نتيجة صادقة، لكن ليس يعرض ذلك من قبل المقدمات بل ذلك لعلة أخرى ستبين بعد.

فأما أنه لا يمكن أن يكون عن مقدمات صادقة نتيجة كاذبة فذلك يبين على هذا الوجه لنأخذ بدل المقدمتين الصادقتين اَ ونأخذ بدل النتيجة بَ وهو بين من حد القياس أنه إذا وضعت اَ موجودة أن بَ تكون موجودة لأن الف تكون بمنزلة المقدم في القياس الشرطي المتصل وبَ بمنزلة التالي. وهو بين أنه إذا وجد المقدم وجد التالي وأنه إذا ارتفع التالي ارتفع المقدم وإلا لزم أن يوجد المقدم دون وجود التالي، وقد فرض أنه إذا وجد التالي فيلزم أن يكون التالي موجودا وغير موجود معا، هذا خلف لا يمكن. فإذن إن كانت ألف صادقة فباضطرار أن تكون بَ صادقة لأنه إن كانت غير صادقة عرض أن تكون بَ غير موجودة واَ موجودة، وقد تبين استحالة ذلك. واَ ليس ينبغي أن يتوهم هنا شيئا واحدا وإنما أخذت بدل المقدمتين الصادقتين التي نسبة إحداهما إلى الأخرى كنسبة الكل إلى الجزء، وذلك أنه إذا كان قولنا اَ مقولة على كل بَ صادقا وبَ مقولة على كل جَ صادقا أيضا فباضطرار أن يكون قولنا اَ مقولة على كل جَ صادقا أيضا وإلا عرض أن يكون الصادق غير صادق، ولما كان ليس يلزم من ارتفاع المقدم ارتفاع التالي لم يلزم إذا كانت اَ كاذبة أن تكون بَ- التي هي النتيجة- كاذبة، لأن لزوم النتيجة عن القياس ليس لزوما متكافئا- أعني منعكسا. وهذا البرهان بعينه هو عام للقياس الذي ينتج السالب أو الموجب- أعني أنه لا يمكن أن يكون فيه من مقدمات صادقة نتيجة كاذبة. وأما إذا كانت المقدمتان في القياس كذبا فقد يمكن أن يكون عنهما نتيجة صادقة، إلا أنه ليس يعرض ذلك من أيهما اتفق أن تكون الكاذبة ولا بأي نوع اتفق من نوعي الكذب- أعني الكلي والجزئي ولكن متى أخذت الكبرى وحدها كاذبة بالكلية، فإنه ليس يكون عن القياس الذي هذا شأنه نتيجة صادقة أصلا. وأما متى أخذت كاذبة بالجزء أو أخذت كلتا المقدمتين كاذبة أو أخذت الصغرى كاذبة فقط، فقد يمكن أن تكون عنهما نتيجة صادقة.

القول في الشكل الأول

فلتكن أولا المقدمتان كاذبتين بالكلية. فأقول إنه يظهر من المواد أنها تنتج نتيجة صادقة. وذلك أنه ليس يمنع مانع من أن تكون مثلا اَ- التي هي الطرف الأعظم- محمولة حمل صدق على جَ- التي هي الطرف الأصغر- وتكون اَ غير موجودة لبَ أيضا- التي هي الحد الأوسط- غير موجودة لجَ- الذي هو الطرف الأصغر. فإذا أخذ أن اَ محمولة على كل بَ وبَ محمولة على كل جَ، كانت المقدمتان كاذبتين وكانت النتيجة صادقة- وهي أن اَ محمولة على كل جَ. مثال ذلك قولنا كل إنسان حجر وكل حجر حيوان فكل إنسان حيوان، فهاتان المقدمتان كاذبتان بالكلية ونتيجة صادقة ومثال هذا بعينه يعرض في القياس الكلي الذي ينتج السالب في الشكل الأول، لأنه قد يجوز أن تكون اَ غير موجودة لشيء من جَ- الذي هو الطرف الأصغر وتكون اَ موجودة لبَ- الذي هو الأوسط- وبَ غير موجودة لجَ فإذا أخذ أن اَ غير موجودة لشيء من بَ وبَ موجودة لكل جَ كانتا كاذبتين، إلا أنه ينتج أن اَ غير موجودة لجَ- وهو صدق. مثال ذلك قولنا كل إنسان حجر ولا حجر واحد صنم، قولا إنسان واحد صنم. وكذلك يبين متى أخذت المقدمتان كلتاهما كاذبتين بالجزء.

فإن كانت المقدمة الواحدة كذبا وكانت المقدمة العظمى وكانت كاذبة بالكل، فأقول أن النتيجة لا تكون صدقا. وبيان ذلك أن تكون اَ غير موجودة في شيء من بَ وبَ موجودة في كل جَ، فإنا إن أخذنا أن اَ موجودة في كل بَ- وذلك كذب- وأخذنا أن بَ موجودة في كل جَ- وهو صدق- فمحال أن تكون اَ موجودة في كل جَ- أعني أن يكون قولنا اَ في كل جَ صدقا. وذلك أنه قد كان الصادق أن اَ ليست توجد في شيء مما هو موضوع لبَ وجَ موضوعا لبَ، فإذن ليس يمكن أن يكون حمل اَ على جض صادقا. وذلك بين بنفسه من معنى المقول على الكل، وسواء كانت المقدمة الكبرى إذا أخذت كاذبة بالكل سالبة أو موجبة.

وأما إذا كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء فقد تكون النتيجة صادقة، لأنه يمكن أن تكون اَ موجودة في كل جَ وفي بعض بَ وتكون بَ في كل جَ. فإذا أخذت اَ محمولة على كل بَ وبَ على كل جَ، كان حمل اَ على كل بَ كاذبا بالجزء وحمل بَ على جَ صادق بالكل، والنتيجة صادقة بالكل. مثال ذلك قولنا كل ققنس أبيض وكل أبيض حي، فكل ققنس حي، والنتيجة صادقة، والكبرى كاذبة بالجزء- وهي قولنا كل أبيض حي. وكذلك يعرض متى كانت المقدمة الكبرى سالبة- أعني الكلية- وأخذت كاذبة بالجزء. مثال ذلك كل ثلج أبيض ولا أبيض واحد حي، والنتيجة ولا ثلج واحد حي، وهي صدق فإن أخذت المقدمة الصغرى كلها كاذبة والكبرى كلها صادقة فإن النتيجة قد تكون صدقا، لأنه ليس شيء يمنع أن تكون اَ موجودة في كل واحدة من بَ وجَ وتكون بَ غير موجودة في شيء من جَ. فإن أخذت اَ موجودة في كل بَ وبَ موجودة في كل جَ، ينتج أن اَ موجودة في كل جَ- وهي صدق- والصغرى كاذبة- وهي قولنا بَ موجودة في كل جَ. وهذا يعرض في النوعين اللذين تحت جنس واحد- أعني أن الجنس يحمل عليهما جميعا ولا يحمل أحدهما على الثاني. فمتى أخذ أن الجنس موجود في أحدهما بوجوده في الثاني ووجود الثاني في الذي أخذ أن الجنس فيه أولا موجود، فقد أخذت نتيجة صدق من مقدمتين كبراهما صدق وصغراهما كاذبة بالكلية. مثال ذلك قولنا كل إنسان فرس وكل فرس حي، فكل إنسان حي. وكذلك يعرض متى كانت المقدمة الكبرى سالبة، وهذا يعرض في الجنس مع الأنواع التي تحت جنس آخر أعني أن يكون الجنس مساويا عن كل واحد من النوعين وكل واحد من النوعين مسلوب عن صاحبه، فإذا أخذ أحدهما موجودا في الثاني وأخذ الجنس غير موجود فيه، أنتج أن الجنس مسلوب عن الذي أخذ عنه مسلوبا من أجل سلبه عن الثاني. مثال ذلك قولنا كل موسيقى طب ولا طب واحد حيوان فولا موسيقى واحدة حيوان، وهو حق من مقدمتين صغراهما كاذبة بالكل وكبراهما صادقة.

وكذلك إن كانت المقدمة الصغرى كاذبة بالجزء فإن النتيجة أيضا قد تكون صادقة، لأنه قد يمكن أن تكون اَ موجودة في كل واحد من بَ وجَ وتكون بَ موجودة في بعض جَ، أو تكون اَ غير موجودة في شيء من بَ وجَ وتكون بَ أيضا موجودة في بعض جَ. فإذا أخذ أن بَ موجودة في كل جَ واَ موجودة في كل بَ، أنتج أن اَ موجودة في كل جَ، وتلك نتيجة صادقة من مقدمتين كبراهما صادقة بالكل والأخرى كاذبة بالجزء. وهذا يعرض للجنس الذي يوجد في النوع وفي الفصل- كالحي فإنه موجود في كل إنسان وفي كل مشاء، والإنسان موجود في بعض المشاء لا في كله. فإذا قيل كل مشاء إنسان وكل إنسان حي، لزم عن ذلك نتيجة صادقة، وهو أن كل مشاء حي. ويعرض أن تكون اَ غير موجودة في شيء من جَ وبَ وبَ في بعض جَ، كالحال في الجنس مع الفصل والنوع الذي تحت جنس آخر- كالنبات فإنه ليس في شيء من الإنسان ولا في شيء من المتخيل، وبعض المتخيل إنسان، فإذا قلنا كل متخيل إنسان ولا إنسان واحد نبات، أنتج لنا ولا متخيل واحد نبات.

فهذا ما يعرض للنتيجة مع المقدمات الكاذبة في الصنفين الكليين من الشكل الأول.

وأما في الصنفين الجزئيين منه فقد يمكن إذا كانت المقدمة الكبرى كلها كذبا والأخرى كلها صدقا أن تكون النتيجة صادقة، وذلك خلاف ما عرض للأصناف الكلية من هذا الشكل. وقد يمكن ذلك أيضا إذا كانت كاذبة بالجزء أو كانت كلتاهما كاذبتين إما بالكل وإما بالجزء.

أما كون النتيجة صادقة مع أن الكبرى كاذبة بالكل فذلك ممكن لأنه ليس يمتنع أن تكون اَ غير موجودة في بَ وموجودة في بعض جَ وتكون بَ موجودة في بعض جَ- كالحي فإنه غير موجود في شيء من الثلج وموجود في بعض الأبيض، والثلج موجود في بعض الأبيض، فإذا قيل بعض الأبيض ثلج وكل ثلج حي، أنتج أن بعض الأبيض حي، وذلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كبراهما كاذبة بالكل وصغراهما صادقة. وكذلك يعرض إذا كانت المقدمة الكبرى سالبة، فإنه يمكن أن تكون اَ موجودة في كل بَ وغير موجودة في بعض جَ وتكون بَ موجودة في بعض جَ- مثل الحي فإنه موجود في كل إنسان وغير موجود في بعض الأبيض، وأما الإنسان فموجود في بعض الأبيض، فإذا قيل الأبيض إنسان ولا إنسان واحد حي أنتج أن بعض الأبيض ليس بحي، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كبراهما كاذبة بالكل وصغراهما صادقة.

وكذلك يعرض إن كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء، لأنه ليس يمنع مانع أن تكون اَ في بعض بَ وفي بعض جَ وتكون بَ موجودة في بعض جَ. مثال ذلك الحي فإنه موجود في بعض الجيد وفي بعض الكبير، والجيد في بعض الكبير. فإذا قيل بعض الكبير جيد وكل جيد حي، أنتج أن بعض الكبير حي، وهي نتيجة صادقة عن مقدمتين كبراهما كاذبة بالجزء وصغراهما صادقة. وكذلك يعرض إذا كانت المقدمة الكبرى سالبة، وذلك بين بهذه الحدود بعينها بأن نقول بعض الكبير جيد ولا جيد واحد حي، فينتج لنا بعض الكبير ليس بحي، وذلك صدق عن مقدمتين كبراهما كاذبة بالجزء وصغراهما صادقة. وكذلك إن كانت الكاذبة هي المقدمة الصغرى فقد يكون عن ذلك نتيجة صادقة، لأنه يمكن أن تكون اَ موجودة في كل بَ وموجودة في بعض جَ وتكون بَ غير موجودة في شيء من جَ. مثال ذلك الحي فإنه موجود في كل ققنس وفي بعض الأسود، والققنس غير موجود في شيء من الأسود. فإذا قيل بعض الأسود ققنس وكل ققنس حي، أنتج أن بعض الأسود حي، وذلك صدق عن مقدمتين صغراهما كاذبة وكبراهما صادقة. وكذلك يعرض إذا كانت الكبرى سالبة، لأنه قد يمكن أن تكون اَ غير موجودة في شيء من بَ وغير موجودة في بعض جَ وتكون بَ غير موجودة في شيء من جَ- مثل الجنس ينسب إلى نوع من جنس آخر وإلى العرض الموجود في أنواع ذلك الجنس المنسوب. مثال ذلك الحي فإنه غير موجود في شيء من العدد وغير موجود في بعض الأبيض، والعدد غير موجود في شيء من الأبيض. فإذا قيل بعض الأبيض عدد ولا عدد واحد حي، أنتج أن بعض الأبيض ليس بحي. وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كبراهما صادقة وصغراهما كاذبة.

وكذلك يعرض أن تكون النتيجة صادقة وإن كانت المقدمة الكبرى كاذبة بالجزء والصغرى كاذبة بالكل، لأنه يمكن أن تكون اَ موجودة في بعض بَ وفي بعض جَ وتكون بَ غير موجودة في شيء من جَ. وذلك يعرض إذا كانت بّ ضدا لجَ وكانا جميعا عرضين في جنس واحد- مثل الحي فإنه في بعض الأبيض وفي بعض الأسود، والأبيض غير موجود في شيء من الأسود. فإذا قيل بعض الأبيض أسود وكل أسود حي، أنتج أن بعض الأبيض حي. وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين كبراهما كاذبة بالجزء. وكذلك يعرض إن كانت المقدمة الكبرى سالبة، وذلك يبين من هذه الحدود بعينها. وذلك أنه إذا أخذ بعض الأبيض أسود ولا أسود واحد حي، أنتج أن بعض الأبيض ليس بحي، وذلك صدق.

وكذلك إذا كانت المقدمتان كاذبتين وكانت الكبرى كاذبة بالكل فقد يعرض أن تكون النتيجة صادقة، لأنه قد يمكن أن تكون اَ غير موجودة في شيء من بَ وموجودة في بعض جَ وتكون بَ غير موجودة في شيء من جَ مثل الجنس فإنه غير موجود في النوع الذي من جنس آخر وهو موجود في العرض الذي يوجد لأنواعه، وذلك العرض غير موجود في النوع. مثال ذلك قولنا بعض الأبيض عدد وكل عدد حي، فبعض الأبيض حي، وذلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين. وكذلك يعرض إذا كانت المقدمة الكبرى سالبة. مثال ذلك قولنا بعض الأسود ققنس ولا ققنس واحد حي، فإنه ينتج أن بعض الأسود ليس بحي، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين.

فهذه هي أصناف ما ينتج في الشكل الأول من مقدمات كاذبة نتيجة صادقة.

القول في الشكل الثاني

قال: وأما في الشكل الثاني فقد يمكن أن تكون نتيجة صادقة عن مقدمات كاذبة، كانت كل واحدة من المقدمتين كاذبة وذلك إما بالكل وإما بالجزء وإما إحداهما بالكل والأخرى بالجزء، أو كانت إحداهما كاذبة والأخرى صادقة كانت الكاذبة بالكل أو كانت بالجزء، وذلك يكون فيه في القياسات التي تنتج الكلي والجزئي.

وذلك أنه قد تكون بَ مثلا- التي هي الحد الأوسط- غير موجود في شيء من اَ- الذي هو الطرف الأعظم- وموجودة في كل جَ- الذي هو الطرف الأصغر- فتكون اَ غير موجودة في شيء من جَ على ما تبين. مثال ذلك قولنا كل إنسان حي ولا حجر واحد حي، فولا إنسان واحد حجر. فإن وضعت هذه المقدمات على ضد ما هي بأن تؤخذ بَ موجودة في كل اَ- أعني بأن يؤخذ أن كل حجر حي- وغير موجودة في شيء من جَ- أعني بأن يؤخذ أنه ولا إنسان واحد حي- فإنه ينتج عن هاتين المقدمتين الكاذبتين النتيجة بعينها التي كانت عنها إذا وضعت صادقتين- وهي أنه ولا إنسان واحد حجر. وكذلك يعرض إذا كان الصادق أن بَ موجودة في كل اَ وغير موجودة في شيء من جَ- أعني أنه إذا قلبت هذه أيضا إلى ضدها أنتجت ما كان ينتج قبل القلب إلى الكذب، وهو أن اَ ليس في شيء من جَ. وكذلك يعرض إذا كانت المقدمة الواحدة كذبا كلها والأخرى صدقا أن تنتج أيضا نتيجة صادقة، لأنه يمكن أن تكون بَ مثلا- التي هي الحد الأوسط- موجودة في كل واحد من اَ وجَ- اللذين هما طرفا المطلوب- وتكون اَ غير موجودة في شيء من جَ. وذلك يعرض للجنس مع الأنواع القسيمة التي تحته- مثل الحي فإنه موجود في كل إنسان وفي كل فرس، والفرس غير موجود في واحد من الناس. فمتى أخذ أن الحي موجود في الواحد وغير موجود في الآخر، فإن المقدمة الواحدة تكون كلها كذبا والأخرى كلها صدقا وتكون النتيجة كلها صدقا في أي ناحية صيرت السالبة- أعني كبرى أو صغرى. مثال ذلك قولنا ولا فرس واحد حي وكل إنسان حي، فإنه ينتج أنه ولا فرس واحد إنسان، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين إحداهما كاذبة والأخرى صادقة.

وكذلك يعرض إذا كان بعض المقدمة الواحدة كذبا وكانت الأخرى كلها صدقا، لأنه أيضا قد يمكن أن تكون بَ موجودة في بعض اَ وفي كل جَ- كالحي فأنه موجود في بعض الأبيض وفي كل غراب، والأبيض غير موجود في واحد من الغربان، فإذا أخذ أنه ولا أبيض واحد حي وكل غراب حي، فإنه ينتج ولا أبيض واحد غراب، وهذه نتيجة صدق عن مقدمتين إحداهما كاذبة بالجزء- وهي قولنا ولا أبيض واحد حي- والثانية صادقة بالكل- وهي قولنا كل غراب حي. وكذلك يعرض إن كانت الكاذبة بالجزء هي الموجبة وكانت السالبة صادقة بالكل- مثل قولنا كل أبيض حي ولا زفت واحد حي، فإنه ينتج ولا أبيض واحد زفت، وهي نتيجة صادقة عن مقدمتين إحداهما موجبة كاذبة بالجزء وهي قولنا كل أبيض حي- والثانية سالبة صادقة بالكل- وهي قولنا ولا زفت واحد حي.

وكذلك يعرض أن تكون النتيجة صادقة إذا كانت كلتا المقدمتين كاذبتين بالجزء. مثال ذلك قولنا كل أبيض حي ولا أسود واحد حي، فإنه ينتج عن هذا ولا أبيض واحد أسود، وتلك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالجزء، وذلك أن بعض الأبيض حي وبعض الأسود حي، وسواء فرضت السالبة هي الكبرى أو الصغرى بأن نقول ولا أبيض واحد حي وكل أسود حي- أعني في أنه تكون النتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالجزء.

فهذه حال المقاييس الكلية مع المقدمات الكاذبة في هذا الشكل.

وأما المقاييس الجزئية فإنه قد يعرض أيضا فيها مثل ما عرض في الكلية. وذلك أنه قد تكون الكبرى كاذبة بالكل والجزئية صادقة، فتكون النتيجة صادقة. مثال ذلك قولنا بعض الأبيض حي ولا إنسان واحد حي، فينتج عن ذلك أن بعض الأبيض ليس بإنسان، وهي صدق عن مقدمتين الجزئية صادقة والكلية كاذبة بالكل. وكذلك يعرض إن صيرت الكلية الكاذبة هي الموجبة. مثال ذلك قولنا بعض الأبيض ليس بحي وكل غير متنفس حي، فينتج عن ذلك أن بعض الأبيض غير متنفس، وهو صدق عن جزئية سالبة صادقة وموجبة كلية كاذبة.

وكذلك يعرض إن وضعت المقدمة الصادقة هي الكلية والكاذبة الجزئية. مثال ذلك قولنا بعض غير المتنفس حي ولا عدد واحد حي، فإنه ينتج عن ذلك إن بعض غير المتنفس ليس بعدد، وهو صدق عن جزئية كاذبة وكلية سالبة صادقة. وكذلك يعرض إذا أخذت الكلية الصادقة موجبة والجزئية الكاذبة سالبة، وذلك شيء يعرض للجنس مع الأنواع الموجودة فيه وفصول تلك الأنواع. وذلك أنه لا يصدق أن نقول بعض المشاء ليس بحي وكل إنسان حي فينتج عن ذلك أن بعض المشاء ليس بإنسان، وذلك صدق عن مقدمة صادقة كلية وكاذبة جزئية.

وكذلك إذا كانت المقدمتان كلتاهما كاذبة الجزئية والكلية، فإنه قد يكون عن ذلك نتيجة صادقة سواء كانت السالبة هي الجزئية أو الكلية. مثال ذلك قولنا كل علم هو قوة حيوانية وبعض الإنسان ليس له قوة حيوانية، فإنه ينتج عن ذلك أن بعض الإنسان ليس له علم، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين. وكذلك يعرض إن كانت السالبة هي الكلية والجزئية الموجبة- مثل أن نقول ولا إنسان واحد له قوة حيوانية وبعض العلم هو قوة حيوانية فإنه ينتج عن ذلك أن بعض الناس ليس بعالم أو ليس له علم.

القول في الشكل الثالث وقد يتفق أيضا في هذا الشكل أن تكون النتيجة صادقة وكلتا المقدمتين كاذبتان إما بالكل وإما بالجزء وإما إحداهما بالكل والثانية بالجزء، وكذلك إذا كانت إحداهما صادقة والأخرى كاذبة بالكل كانت أو بالجزء. وذلك أنه ليس يمنع مانع من أم يكون شيئان غير موجودين في شيء آخر وأحدهما موجود في الثاني. فمتى أخذ أن كل واحد منهما موجود في ذلك الشيء الآخر، حدث هنالك نتيجة صادقة عن مقدمتين كاذبتين بالكل. مثال ذلك قولنا كل غير متنفس مشاء وكل غير متنفس إنسان، فإنه ينتج في هذا الشكل أن بعض المشاء إنسان، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالكل. ومثال ذلك يعرض إذا كانت الواحدة سالبة والأخرى موجبة، لأنه قد يمكن أن تكون جَ- التي هي مثال الأضغر- غير موجودة في شيء من بَ- الذي هو الأوسط- وتكون اَ- التي هي الحد الأكبر- موجودة في كل بَ وغير موجودة في بعض جَ. فإذا أخذنا أن جَ موجودة في كل بَ واَ غير موجودة في شيء من بَ، أنتج لنا أن اَ غير موجودة في بعض جَ. مثال ذلك قولنا كل ققنس أسود ولا ققنس واحد حي، فإنه ينتج أن بعض الأسود ليس بحي، وهو صدق عن مقدمتين كاذبتين بالكل.

وكذلك إذا كانت كل واحدة من المقدمتين كاذبتين بالجزء فقد يمكن أن تكون النتيجة منهما صادقة، لأنه يمكن أن تكون اَ وجَ موجودتين في بعض بَ وتكون اَ موجودة في بعض جَ- كالأبيض والجيد، فإنهما موجودان في بعض الحي، والجيد موجود في بعض الأبيض. فإذا وضعنا كلتا اَ وجَ موجودتين في كل بَ، فإنه يعرض أن تكون اَ في بعض جَ، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالجزء. مثال ذلك قولنا كل حي أبيض وكل حي جيد، فإنه ينتج أن بعض الأبيض جيد، وهو صدق. وكذلك يعرض إذا كانت الكبرى سالبة وهي مقدمة اَ بَ، لأنه لا شيء أيضا يمنع أن تكون اَ غير موجودة في بعض بَ وتكون جَ موجودة في بعض بَ وتكون اَ غير موجودة في بعض جَ- التي هي النتيجة. مثال ذلك قولنا ولا حي واحد جيد وكل حي أبيض، فإنه ينتج عن ذلك أن بعض الأبيض ليس بجيد، وذلك صدق عن مقدمتين كاذبتين بالجزء.

وكذلك قد تكون النتيجة صادقة إذا كانت إحدى المقدمتين كاذبة بالكل والأخرى صادقة، لأنه قد يمكن أن تكون كلتا اَ وجَ موجودتين في بَ وتكون اَ غير موجودة في بعض جَ. فإذا أخذنا اَ غير موجودة في شيء من ب وجَ موجودة في كل بَ، أنتج لنا أن اَ غير موجودة في بعض جَ، وذلك صدق عن مقدمتين إحداهما كاذبة. مثال ذلك قولنا كل ققنس حي ولا ققنس واحد أبيض، فإنه ينتج عن ذلك أن بعض الحي ليس بأبيض، وذلك صدق عن مقدمتين إحداهما كاذبة. وكذلك يعرض إذا كانت مقدمة بَ وجَ- التي هي الصغرى- كاذبة ومقدمة اَ بَ- التي هي الكبرى- صادقة. والحدود التي يتبين ذلك منها هي الأسود وققنس وغير المتنفس. وذلك أنه إذا وضعنا أن كل ققنس أسود ولا ققنس واحد غير متنفس، أنتج لنا أن بعض الأسود غير متنفس، وذلك صدق عن مقدمتين صغراهما كاذبة بالكل. وكذلك يعرض إذا أخذت كلتا المقدمتين موجبتين- أعني الصادقة والكاذبة. والحدود التي يتبين منها ذلك هي الحي والققنس والأسود. وذلك أنا نقول كل ققنس أسود وكل ققنس حي، فينتج لنا عن ذلك أن بعض الأسود حي، وهو صدق عن مقدمتين موجبتين إحداهما كاذبة، وسواء كانت الصادقة هي الكبرى أو الصغرى. والبرهان على ذلك هو بهذه الحدود بأعيانها. وكذلك قد تكون النتيجة صادقة إذا كانت إحدى المقدمتين صادقة والأخرى كاذبة بالجزء، لأنه قد يمكن أن تكون جَ موجودة في كل بَ وتكون اَ موجودة في بعض بَ وتكون اَ موجودة في بعض جَ- التي هي النتيجة. مثال ذلك ذو الرجلين فإنه موجود في كل إنسان والجيد غير موجود في كل إنسان، والجيد موجود في بعض ذي الرجلين. فإن أخذت اَ وجَ موجودتين في كل بَ فإن مقدمة بَ جَ تكون صادقة كلها، وبعض مقدمة اَ بَ كاذبة والنتيجة صادقة. مثال ذلك قولنا كل إنسان ذو رجلين وكل إنسان جيد، والنتيجة أن بعض ذي الرجلين جيد. وكذلك يعرض إن أخذت مقدمة اَ بَ- أعني الكبرى- صادقة ومقدمة بَ جَ- أعني الصغرى- كاذبة بالجزء. وبيان ذلك هو بهذه الحدود بأعيانها إذا صيرنا الطرف الأصغر أكبر أو فرضنا مطلوبنا المنتج عكس الأول- وهو أن بعض الجيد ذو رجلين. وكذلك يعرض إن أخذت المقدمة الواحدة سالبة والأخرى موجبة، فإنه قد تبين في الشكل الثالث أنه إذا كانت جَ في كل بَ واَ غير موجودة في بعض بَ فاَ غير موجودة في بعض جَ. فإن أخذت جَ في كل بَ واَ غير موجودة في شيء من بَ، فإنه يعرض أن تكون المقدمة السالبة كذبا وتكون الأخرى كلها صدقا وتبقى النتيجة صادقة بعينها. وكذلك يعرض إن كان الكذب الجزئي في الموجبة، وذلك أنه قد تبين في الشكل الثالث أنه إذا كانت اَ غير موجودة في شيء من بَ وجَ موجودة في بعض بَ أن اَ غير موجودة في بعض جَ. فإذا عرض أن نأخذ أن اَ غير موجودة في شيء من بَ وجَ موجودة في كل بَ، بقيت النتيجة بعينها صادقة- وهي أن اَ غير موجودة في بعض جَ- فتكون النتيجة صادقة عن مقدمتين إحداهما صادقة بالكل- وهي السالبة- والأخرى كاذبة بالجزء- وهي الموجبة.

وهذا الذي قلنا أنه يعرض في القياسات الكلية من هذا الشكل هو بعينه يعرض في القياسات الجزئية. وبيان ذلك يكون بتلك الحدود التي بينا الأمر بها في المقاييس الكلية، وذلك بأن نستعمل في السالبة من هذه ما استعملنا في السالبة من تلك وفي الموجبة من هذه ما استعملناه في الموجبة، لأن المقدمة الكلية الكاذبة بالكل هي كاذبة بالجزء سواء كانت موجبة أو سالبة، فإذا استعملنا تلك المقدمات الكلية الكاذبة التي تمثلنا بها هنالك كلية جزئية في هذا الموضوع تبين بها هاهنا ما تبين بها هنالك. وإذ قد تبين هذا فهو بين أنه إذا كانت النتيجة كاذبة فباضطرار أن يكون في المقدمات مقدمة كاذبة، وإلا كان ليس يحصل على المقدمات الصادقة نتيجة صادقة، وذلك خلاف ما أخذ في حد القياس وما تبرهن من حاله. وأما إذا كانت النتيجة صادقة فليس يجب لا محالة أن تكون المقدمات صادقة. والسبب في ذلك أن الصادق أعم من الصادق الذي يبين على طريق القياس. والصادق الذي يبين على طريق القياس يبين أيضا عن أكثر من قياس واحد، ولذلك يلزم متى ارتفع القياس أن ترتفع النتيجة- أعني إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة- ويلزم إذا ارتفعت النتيجة- أي كذبت- أن يرتفع القياس- أي تكذب المقدمات أو يكون شكل القياس فاسدا. وهذه هي حال اللازم مع الشيء الذي يلزمه إذا لم يكن لزومهما متكافئا- مثل وجود الحيوان والإنسان، فإن الإنسان لما كان أخص من الحيوان لزم متى وجد الإنسان أن يوجد الحيوان ومتى ارتفع الإنسان أن لا يرتفع الحيوان ومتى ارتفع الحيوان أن يرتفع الإنسان، والإنسان هاهنا هو مكان القياس والحيوان وهو مكان النتيجة. وكذلك يظهر أيضا أنه ليس يجب ولا بد إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة ولا أن تصدق. والبرهان على هذا هو ما أقوله: لنفرض شيئين أحدهما أول والآخر ثاني ونفرض أن الثاني يلزم عن الأول- أعني أنه متى وجد الأول وجد الثاني- وليكن على الأول علامة اَ وعلى الثاني علامة بَ- مثل أن يكون اَ أبيض وبَ عظيما- فنقول إنه متى كان من شأن اَ إذا وجد أن توجد بَ، فإنه ليس يلزم متى ارتفع اَ أن توجد بَ، وذلك أنه قد تبين أنه متى ارتفعت بَ فواجب أن ترتفع اَ. وذلك أنه إن لم ترتفع اَ فلتكن موجودة، وإذا كانت اَ موجودة فإنا قد فرضنا أن بَ تكون موجودة، فتكون بَ إذا ارتفعت لزم أن توجد بَ، وذلك خلف لا يمكن. وإذا تقرر هذا الأصل فنقول: إنه متى كانت ثلاثة حدود-أول وثان وثالث- وكان الثاني يلزم الأول والثالث يلزم الثاني، فإن الثالث يلزم الأول. وإذا تقرر هذا فنقول إنه ليس يلزم أن ترتفع اَ وتوجد بَ، وذلك أنه قد تبين أن بَ لما كانت لازمة عن اَ أن بَ متى ارتفعت ارتفع اَ. فإن أنزلنا أن اَ إذا ارتفعت وجدت بَ وقد كان معنا أن بَ إذا ارتفعت ارتفع اَ، فيلزم إذا ارتفعت الباء أن توجد الباء، وذلك خلف لا يمكن. فلذلك ليس يلزم إذا كذبت المقدمات أن تصدق النتيجة، بل الصدق لها إنما هو بضرب من العرض، وذلك ما أردنا بيانه. وكذلك يظهر أيضا أنه ليس يلزم عن ارتفاع اَ أن ترتفع بَ، لأنه يلزم أن يكون وجود اَ لازما عن وجود بَ وقد كانت بَ لازمة عن وجود اَ فيكون اللزوم متكافئا ومنعكسا، وذلك مستحيل فلذلك يلزم إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة. فأما إذا كذبت النتيجة فإنه تكذب المقدمات، لأنه إذا ارتفعت بَ ارتفعت اَ.

القول في البيان بالدور

الشكل الأول

يعرض للقياس أن يقع فيه البيان بالدور، وهو أن تؤخذ نتيجته وعكس إحدى مقدمتي فيتبين بها المقدمة الثانية. مثال ذلك أنه إذا أنتج إنسان أن اَ موجودة في كل جَ بوساطة بَ بأن يضع اَ في كل بَ وبَ في كل جَ فينتج له عن ذلك أن اَ موجودة في كل جَ، فأراد أن يبين بهذه النتيجة- التي هي اَ في كل جَ- أن اَ في كل بَ فإنه يأخذ أن اَ في كل جَ وجَ في كل بَ- وهي عكس المقدمة الثانية- فينتج له من ذلك أن اَ في كل بَ وهي المقدمة الثانية التي قصد تبيينها. وكذلك يعرض له إذا أراد أن ينتج بهذه النتيجة بعينها المقدمة الأخرى التي هي بَ في كل جَ- أعني أنه يأخذ النتيجة التي هي اَ في كل جَ ويضيف إليها عكس المقدمة الأخرى التي هي اَ في كل بَ، فيكون معه بَ في كل اَ واَ في كل جَ، فتكون النتيجة بَ في كل جَ، وهي المقدمة المقصود إنتاجها من مقدمتي القياس. ويبين أنه ليس يمكن أن تبين المقدمات من النتائج بجهة غير هذه الجهة، لأنه متى أخذ آخذ مقدمة غريبة فأضافها إلى النتيجة- وذلك بأن يأخذ حدا أوسط ليس هو واحدا من الحدود التي في المقدمات- لم ينتج له من ذلك شيء من المقدمات المأخوذة في تلك النتيجة. مثال ذلك إن أضاف إلى النتيجة- التي هي اَ في كل جَ- أن جَ في كل هَ، لم ينتج له من ذلك إلا أن اَ في كل هَ، وذلك غير قولنا اَ في كل بَ أو بَ في كل جَ اللتان هما مقدمتا هذه النتيجة. وإذا لم يمكن أن تؤخذ مع النتيجة مقدمة غريبة فقد بقي أن نأخذ معها إحدى مقدمتي القياس، لأنه إن أخذنا المقدمتين بعينها عادت النتيجة التي كنا وضعناها مقدمة. لكن متى أخذنا إحدى مقدمتي القياس على ما هي عليه مع النتيجة، لم ينتج لنا أيضا عن ذلك المقدمة الأخرى. وذلك أنه إن أضفنا إلى النتيجة- التي هي قولنا اَ على كل جَ- قولنا اَ على كل بَ- وهي المقدمة الكبرى لهذه النتيجة- فإنه يأتي القول من موجبتين في الشكل الثاني، وذلك غير منتج. وإن أضفنا إليها الصغرى- وهي قولنا بَ على كل جَ- أتى من ذلك قياس من موجبتين في الشكل الثالث ينتج أن اَ في بعض بَ فلذلك يجب أن نأخذ المقدمة التي نضيفها إلى النتيجة معكوسة- مثل أن نضيف كما قلناه إلى نتيجة اَ في كل جَ بَ في كل اَ، فينتج لنا الصغرى وهي بَ في كل جَ، وكذلك إن أضفنا إليها عكس الصغرى أنتجت المقدمة الكبرى. ولذلك ما يظهر أن هذا النوع من البيان إنما يمكن في المقدمات المنعكسة. فمتى كانت المقدمتان منعكستين والنتيجة منعكسة، كان هنالك ست مقدمات- مقدمتا القياس وعكسهما، والنتيجة وعكسها- وأمكن أن يبرهن كل واحد من هذه المقدمات بأنفسها بعضها من بعض حتى لا يبقى فيها شيء إلا يتبين بقياس مأخوذ منها أنفسها، فيتولد هنالك ستة مقاييس تنتج ستة أصناف من النتائج. مثال ذلك حدود اَ بَ جَ الثلاثة منعكسة بعضها على بعض وكذلك النتيجة المتولدة عنها. مثال ذلك أن تكون كل اَ بَ، وكل بَ اَ، وكذلك كل بَ جَ، وكل جَ بَ، وكذلك كل اَ جَ، وكل جَ اَ. فإنه إذا برهنا أن اَ موجودة في كل جَ فأخذنا اَ في كل بَ، وبَ في كل جَ فإنه يمكن أن تبرهن أيضا مقدمة اَ في كل بَ- وهي الكبرى- بالنتيجة، وعكس مقدمة بَ جَ- وهي الصغرى- بأن نقول اَ في كل جَ، وجَ في كل بَ، فينتج لنا أن اَ في كل بَ- وهي الكبرى من هذا القياس. وكذلك تبين مقدمة بَ جَ- التي هي الصغرى- بالنتيجة بعينها وعكس المقدمة الكبرى. وإذا كان هذا هكذا فقد أمكننا أن نبرهن كل واحدة من مقدمتي هذا القياس. والذي بقي لنا أن نبرهن مما أخذناه في برهان هاتين المقدمتين هو عكس كل واحدة من المقدمتين، لأن النتيجة هي التي قد تبرهنت من أول الأمر. وذلك يتفق لنا بأن نعكس النتيجة ونضيف إليها المقدمة الأخرى- أعني أنه إن أردنا أن نبرهن عكس الكبرى، وهي أن بَ في كل اَ، أخذنا عكس النتيجة والمقدمة الصغرى بعينها فقلنا بَ موجودة في كل جَ، وهي الصغرى، وجَ في كل اَ، وهي عكس النتيجة، أنتج لنا من ذلك أن بَ موجودة في كل اَ، وهو عكس الكبرى الذي استعملناه آنفا غير مبرهن. وكذلك متى أخذنا عكس النتيجة وأضفنا إليها المقدمة الكبرى، أنتج لنا عكس الصغرى- وهو الذي أخذناه قبل غير مبرهن- بأن نقول جَ في كل اَ- وهي عكس النتيجة- واَ في كل بَ، فينتج لنا من ذلك جَ في كل بَ- وهو العكس الذي استعملناه آنفا غير مبرهن. فإذن لم يبق في هذه المقدمات شيء لم نبرهنه إلا عكس النتيجة- وهو القياس السادس- وذلك يبين بعكس المقدمتين اللتين أنتجناها من أول الأمر. مثال ذلك أن نقول كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ فكل جَ هو اَ- وهذا هو عكس النتيجة. فإذن لم يبق لنا من هذه المقدمات شيء مأخوذ إلا قد برهنا هليه، وهو بين أن هذا- كما قلناه- إنما يعرض في المقدمات المنعكسة بعضها عن بعض، إلا أن هذا النحو من البيان- أعني أخذ الشيء في بيان نفسه- وهو نوع من المصادرة. ولذلك لا يستعمل في البراهين إلا أن يكون ذلك مستعملا بجهتين، وذلك بأن تكون المقدمات أعرف من النتيجة بجهة والنتيجة أعرف منها بجهة أخرى- مثل أن تكون المقدمات أعرف من جهة معرفة الوجود والنتيجة أعرف من جهة معرفة السبب. والذي يختص بهذا النحو من البيان هي صناعة السفسطة. فهكذا يعرض البيان بالدور- كما قلنا- في الصنف الأول من الشكل الأول، وهو الذي ينتج الكلي الموجب.

وأما الصنف السالب فإنه قد يمكن أيضا أن يعرض فيه هذا النحو من البيان. فلتكن اَ غير موجودة في شيء من بَ وبَ موجودة في كل جَ، فتكون النتيجة في الشكل الأول أن اَ غير موجودة في شيء من جَ.

فإذا أردنا أن نبين في هذا الصنف المقدمة الكبرى بالنتيجة وعكس الصغرى، فإنا نأخذ أن اَ غير موجودة في شيء من جَ وجَ في كل بَ، فينتج لنا اَ غير موجودة في شيء من بَ- وهي المقدمة الكبرى.

وأما إذا أردنا أن ننتج الصغرى من النتيجة وعكس المقدمة الكبرى، فإنه ليس يتأتى لنا ذلك من المقدمات أنفسها. وذلك أنه ليس يكون قياس من سالبتين ولو كان لم ينتج إلا سالبة، والذي يطلب إنتاجه هي الصغرى وهي موجبة. فلذلك إذا أردنا أن نبين المقدمة الصغرى من النتيجة نفسها ومن عكس المقدمة الكبرى، فإنا نضع النتيجة على حيالها من غير أن نغيرها- وهي قولنا اَ غير موجودة في شيء من جَ- ثم نأخذ المقدمة الكبرى- وهي قولنا اَ غير موجودة في شيء من بَ- فنجد يلزم عنها أن تكون اَ غير موجودة في كل ما فيه بَ موجودة، فنضع عكس هذا- وهو أن تكون بَ موجودة في كل ما ليس اَ فيه موجودة- فإذا كان معنا أن بَ موجودة في كل ما ليس توجد فيه اَ وأضفنا إلى هذه المقدمة أن اَ مسلوبة عن جَ، فهو بين أنه ينتج لنا عن ذلك أن بَ موجودة في كل جَ، وهي المقدمة الصغرى التي قصدنا إنتاجها. وليس هذا أصلا ثانيا من المقول على الكل غير الأصل الذي استعمل في أول هذا الكتاب كما نجد أبا نصر يومئ إلى ذلك. وذلك أنه يقول إن هذا الأصل مناقض لذلك الأصل الأول وإنه إذا استعمل هذا الأصل وجد الغير منتج بحسب ذلك الأصل منتجا بحسب هذا الأصل، وذلك أن هذا الأصل هو أن نضع مثلا أن اَ موجودة لكل ما سلب عنه بَ وأن اَ مسلوبة عن كل ما يسلب عنه بَ بخلاف ما وضعنا في الأصل الأول- وهو أن تكون اَ موجودة أو مسلوبة عن كل ما هو بَ- وعلى هذا ينتج ما صغراه سالبة في الشكل الأول وينتج أيضا ما هو من سالبتين. وذلك أن الأصل الذي استعمل في هذا الكتاب ليس هو بالوضع، وإنما هو مفهوم المقدمة الكلية بعينها ودلالتها الطبيعية- أعني قولنا كل كذا هو كذا أو ليس كذا. وأما هذا الأصل الثاني فهو شيء لازم عن المقدمة الكلية السالبة، فلذلك ليس ينتفع به في الإنتاج من سالبتين- أعني إذا وضعت مقدمتين سالبتين- وإنما كان ينتفع به لو لزم عن قولنا اَ ولا في شيء من بَ أن تكون اَ موجودة في كل ما هو ليس بَ ولا بد، وذلك شيء غير لازم. كما أنه ليس يلزم أيضا هذا العكس الذي وضعه هاهنا- أعني أنه ليس يلزم في كل مادة إذا كانت اَ مسلوبة عن كل ما هو بَ أن تكون بَ موجودة لكل ما ليس هو اَ، فإن الأبيض مسلوب عن كل ما هو أسود وليس الأسود موجودا لكل ما هو ليس أبيض. وإنما يلزم هذا العكس في الأشياء المتقابلة التي ليس يخلو من أحدهما موجود من الموجودات. لكن إنما استعمل هذا العكس هنا أرسطو وإن كان جزئيا، كما استعمل عكس الموجبة الكلية كلية، فلذلك لم يخرج في هذا المعنى عن أصله. وذلك أن عكس اللازم هو بقوة عكس المقدمة، فكأنه لم يخرج عما أخذ في بيان الدور من أنه يكون بالنتيجة وعكس إحدى المقدمتين لأن قوة عكس اللازم قوة عكس المقدمة.

فهكذا يكون البيان بالدور في الأصناف القياسية الكلية من الشكل الأول.

وأما القياسات الجزئية التي في هذا الشكل فإنه ليس يمكن فيها أن يبرهن على طريق الدور المقدمة الكلية من النتيجة والمقدمة الجزئية، لأن القضية الكلية إنما تبين بمقدمات كلية لا جزئية. وأيضا فإنه لا يكون قياس من جزئيتين إذ كان البرهان بالدور من النتيجة وعكس إحدى المقدمتين. وأما المقدمة الصغرى فقد يمكن أن تبرهن على طريق الدور. فلتكن اَ موجودة في كل بَ وبَ موجودة في بعض جَ والنتيجة اَ موجودة في بعض جَ. فإذا أردنا أن نبرهن وجود بَ في بعض جَ على طريق الدور فإنا نأخذ اَ موجودة في بعض جَ- وهي النتيجة- وعكس المقدمة الكبرى الكلية- وهو قولنا بَ في كل اَ- فينتج لنا في الشكل الأول أن بَ في بعض جَ ويكون الحد الأوسط فيه اَ. وكذلك إذا كان القياس الجزئي سالبا فليس يمكن أن تبرهن المقدمة الكلية للعلة التي قلنا. وأما الجزئية فقد يمكن أن تبرهن على طريق الدور إذا فعلنا في المقدمة السالبة الكلية ما فعلنا في القياس السالب الكلي- أعني أن نبين أنه يلزم عن قولنا اَ ولا شيء من بَ أن تكون بَ موجودة لكل ما يسلب عنه اَ- فإذا أضفنا إلى هذه المقدمة- وهي أن اَ مسلوبة عن بعض جَ- أنتج لنا أن بَ موجودة لذلك البعض.

فهذا هو وجه البيان المستعمل بالدور في الشكل الأول.

الشكل الثاني

وأما الشكل الثاني فليس يمكن أن تبرهن بجهة الدور فيه المقدمة الموجبة، لأنه لا ينتج إلا سالبا. وأما السالبة فيمكن أن تبرهن على هذه الجهة: فلتكن اَ موجودة في كل بَ واَ غير موجودة في شيء من جَ فالنتيجة في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ على أن الحد الأوسط هو اَ. فإن أضفت إلى هذا أن بَ موجودة في كل اَ- وهي عكس الكبرى- فإنه ينتج عن ذلك في الشكل الثاني أن اَ غير موجودة في شيء من جَ- وهي الصغرى في القياس الأول- والحد الأوسط في هذا القياس هو بَ وكان في الشكل الأول اَ. فإن أخذنا المقدمة الكلية الكبرى في الشكل الثاني سالبة فإنه يمكن بيانها بالدور لكن في الشكل الأول، لأنه إذا قلنا إن اَ غير موجودة في شيء من بَ واَ موجودة في كل جَ فبين أنه ينتج لنا في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ إذ كان اَ هو الحد الأوسط. فإذا أضفنا إلى قولنا بَ غير موجودة في شيء من جَ- وهي النتيجة- قولنا جَ موجودة في كل اَ- وهي عكس الصغرى- أنتج لنا في الشكل الأول أن بَ غير موجودة في شيء من اَ لأن جَ هي الحد الأوسط. فإذا عكسنا هذه النتيجة حصل لنا اَ ولا في شيء من بَ، وهي المقدمة الكبرى السالبة في الشكل الأول. ولذلك يخص البيان بالدور في هذا الصنف من الشكل أن لا يتحفظ فيه هذا الشكل بعينه، بل يعود إلى الشكل الأول. وقد يمكن أن تبين المقدمة الموجبة في هذا الشكل إذا كانت هي الصغرى بطريق الدور إذا استعملنا الأصل المتقدم- وهو عكس لازم السالبة- وأما إذا كانت كبرى فليس يمكن إلا بعكس النتيجة، وذلك خارج عن طريق البيان بالدور.

وأما المقاييس التي تنتج الجزئية في هذا الشكل فليس يمكن أن تبرهن فيها المقدمة الكلية على جهة الدور، إذ كانت إنما تنتج أبدا جزئية. وأما المقدمة الجزئية فيمكن أن تبرهن إذا كانت الكلية موجبة والجزئية هي السالبة. مثال ذلك أن نفرض أن اَ موجودة في كل بَ واَ غير موجودة في بعض جَ، فتكون النتيجة أن بَ غير موجودة في بعض جَ. فإذا أضفنا إلى ذلك عكس المقدمة الكبرى- وهو قولنا موجودة في كل اَ- حصل معنا بَ غير موجودة في بعض جَ وبَ موجودة في كل اَ، فينتج لنا أن اَ غير موجودة في بعض جَ، وذلك في هذا الشكل بعينه إذ كان بَ هو الحد الأوسط وهو محمول في هذا التأليف على الطرفين جميعا. فإن كانت المقدمة الكلية هي السالبة- وهي مقدمة اَ بَ- فإنه لا يمكن أن تبرهن الصغرى الموجبة- التي هي مقدمة اَ جَ- إذا انعكست مقدمة اَ بَ، لأنه لا ينتج نتيجة موجبة عن مقدمتين سالبتين أو إحداهما سالبة. ولكن قد يمكن إذا استعمل الأصل المتقدم أن تنتج الموجبة الجزئية، وذلك أنه إذا كان معنا أن بَ غير موجودة في بعض جَ- وهي النتيجة- وكان معنا اَ ولا في شيء من بَ، ثم عكسنا هذا فكان معنا بَ ولا في شيء من اَ، ثم أخذنا اللازم عن هذا- وهو أن كل ما فيه اَ فليس فيه بَ- ثم عكسنا هذا- وهو أن كل ما ليس فيه بَ فيه اَ- فيكون معنا اَ موجودة في كل ما ليس فيه بَ، فإذا أضفنا إلى هذا أن بَ غير موجودة في بعض جَ، أنتج لنا أن اَ موجودة في بعض جَ.

فهكذا يكون بيان الدور في الشكل الثاني.

الشكل الثالث

وأما بيان الدور في الشكل الثالث فإنه إذا كانت كلتا المقدمتين كليتين فليس يمكن أن يبرهن بنتيجة إحدى المقدمتين في هذا الشكل، لأن النتيجة تكون جزئية والمقدمة التي يقصد برهانها كلية. فإن كانت المقدمة الواحدة كلية والأخرى جزئية فأحيانا يمكن أن تبرهن الجزئية وأحيانا لا يمكن أن تبرهن، وذلك إذا كانت المقدمتان موجبتين وكانت الصغرى هي الكلية فإنه يمكن أن تبرهن على طريق الدور. وأما إذا كانت الكبرى هي الكلية فإنه لا يمكن أن تبرهن على طريق الدور. ومثال ذلك أن تكون اَ موجودة في كل جَ- التي هي الكبرى- وبَ في بعض جَ- التي هي الصغرى- فتكون النتيجة اَ في بعض بَ، فإذا أضيفت إليها عكس المقدمة الكبرى- وهي أن جَ موجودة في كل اَ- أنتج لنا من ذلك أن جَ موجودة في بعض بَ، وذلك لم يكن مطلوبنا وإنما كان مطلوبنا عكس هذا وهو بَ في بعض جَ، وهو شيء وإن كان لازما ضرورة- إذ قد تبين أن الجزئية الموجبة تنعكس- فليس هو الذي يتبين بطريق الدور بذاته، بل إن كان فبتوسط العكس إذ كان البيان بالدور- كما قيل- هو أن تبين المقدمة الواحدة بالنتيجة وعكس الثانية. فإن كانت الكلية هي الصغرى- مثل أن تكون بَ موجودة في كل جَ واَ في بعض جَ- فإنه يتبين أنه يمكن على طريق الدور أن يبين أن اَ موجودة في بعض جَ- وهي المقدمة الجزئية الكبرى. وذلك أن نتيجة هذا القياس هي اَ في بعض بَ، فإذا أضفنا إليها عكس الصغرى- وهي قولنا جَ في كل بَ- فإنه بين أنه يلزم أن تكون اَ في بعض جَ، إذ كانت بَ هي الحد الأوسط وهي موضوعة للطرفين جميعا.

وأما إذا كانت إحدى المقدمتين موجبة والأخرى سالبة وكانت الموجبة الكلية والسالبة جزئية، فإنه يتأتى لنا برهان الجزئية. ومثال ذلك أن تكون بَ موجودة في كل جَ واَ غير موجودة في بعض جَ، فإن النتيجة تكون اَ غير موجودة في بعض بَ. فإذا أضفنا إلى هذه النتيجة أن جَ موجودة في كل بَ، فإنه يلزم ضرورة أن تكون اَ غير موجودة في بعض جَ، على ما تبين في الشكل الثالث إذ كانت الباء هي الحد الأوسط. وأما إذا كانت السالبة هي الكلية فغن الجزئية الموجبة لا تتبرهن على طريق الدور، إلا إن استعمل ذلك الأصل الآخر. مثال ذلك أن تكون اَ غير موجودة في شيء من جَ، وبَ في بعض جَ وتكون النتيجة أن اَ غير موجودة في بعض بَ. فإذا أخذنا بدل قولنا اَ غير موجودة في شيء من جَ أن جَ موجودة في كل ما ليس فيه اَ وأضفنا إلى هذا أن اَ ليس في بعض بَ، فهو بين أن بَ يجب أن تكون في بعض جَ- وهي المقدمة الجزئية الموجبة.

فقد تبين أن البيان الذي يكون بالدور أما في الشكل الأول فيكون بالشكل الأول ويكون بشيء يشبه الشكل الثالث، وهو إذا استعملنا ذلك الأصل المتقدم- أعني أن نأخذ بدل قولنا اَ ولا على شيء من بَ أن البَ موجودة في كل ما ليس فيه اَ. ووجه شبهه بالشكل الثالث أن اَ وبَ محمولان على شيء واحد أحدهما بإيجاب والآخر بسلب، وهذا الوضع هو وضع الحد الأوسط في الشكل الثالث من الطرفين. فعلى هذه الجهة قال أرسطو في هذا: إنه شكل ثالث لا على إنه شكل ثالث في الحقيقة. وأما البيان بالدور في الشكل الثاني فيكون أيضا بالشكل الثاني نفسه ويكون بالأول ويكون بالبيان الذي يشبه الشكل الثالث. وكذلك البيان الذي بالدور في الشكل الثالث يكون بالأول والثالث والأصل الذي يشبه الثالث. وهو بين أن المقدمات التي قلنا إنها لا تبين على طريق الدور- وذلك في الشكل الثاني والثالث- أن قولنا ذلك فيها إما من قبل أنه لا يمكن في بعضها أن يبين على طريق الدور وإما من قبل أن فيها ما يمكن أن يبين بطريق الدور، لكن نوعا من طريق الدور ناقصا.

القول في القياس المنعكس والعكس يقال في هذه الصناعة على ضروب شتى. والذي يراد به هاهنا هو أن نبطل بمقابل النتيجة وإحدى المقدمتين المقدمة الأخرى من القياس. وكأنه ضد البيان بالدور. وذلك أنه يجب ضرورة إذا أخذ نقيض النتيجة وأضيف إلى إحدى مقدمتي القياس أن تبطل المقدمة الثانية ضرورة، لأنها إن لم تبطل فلم تبطل النتيجة لأن المقدمات إذا لم تبطل فلم تبطل النتيجة- على ما تبين- لكن النتيجة قد بطلت بوضع نقيضها، هذا خلف لا يمكن. والإبطال الذي يكون لإحدى المقدمتين بمقابل النتيجة يختلف إذا كان المقابل المأخوذ ضدا أو نقيضا على ما تبين بعد. والمتناقضات- كما قيل- هي كل ولا كل وبعض ولا واحد. والمتضادة هي قولنا كل ولا واحد وبعض ولا بعض.

القول في انعكاس الشكل الأول

فليكن معنا في الشكل الأول أن اَ على كل بَ وبَ على كل جَ، فالنتيجة أن اَ على كل جَ. فإن أخذنا المضاد لهذه النتيجة- وهو أن اَ ولا على شيء من جَ- وأضفنا إليها المقدمة الكبرى من القياس- وهي أن اَ على كل بَ- فهو بين أنه ينتج في الشكل الثاني أن بَ ولا في شيء من جَ- وهو ضد المقدمة الصغرى المأخوذة في القياس. وكذلك إن أضفنا إلى ضد هذه النتيجة بعينها المقدمة الصغرى فإنه ينتج نقيض المقدمة الكبرى. وذلك أنه يكون معنا اَ ولا في شيء من جَ- الذي هو ضد النتيجة- فإذا أضفنا إليها الصغرى- وهي قولنا بَ في كل جَ- فهو بين أنه ينتج في الشكل الثالث اَ ليست في بعض بَ- وهي نقيض المقدمة الكبرى لا ضدها. والشكل الثالث لا يمكن أن ينتج كلية والمقاومة بالضد هي كلية. فالمقدمة الكبرى في الصنف الأول من الشكل الأول إنما تقاوم مقاومة جزئية لا كلية بهذا الطريق- أعني بأخذ ضد النتيجة. وأما الصغرى فتقاوم مقاومة كلية. ومثل هذا بعينه يعرض في الصنف الثاني من الشكل الأول- وهو الذي ينتج سالبا كليا، أعني أنه إذا أخذ ضد النتيجة أمكن أن تقاوم الصغرى مقاومة كلية. وأما الكبرى فإنما يمكن أن تقاوم مقاومة جزئية، لأنه يأتلف القياس عند مقاومة هذه في الشكل الثالث.

وأما إذا أخذ نقيض النتيجة في هذين الصنفين من الشكل الأول فإنه لا يمكن أن تقاوم كل واحدة من مقدمتي القياس إلا مقاومة جزئية، لأن إحدى مقدمتي القياس المقاوم ة تكون جزئية إذ كان النقيض جزئيا. ولذلك يجب أن تكون النتيجة جزئية فتكون المقاومة جزئية. فلنعد ذلك الصنف الأول من القياس- وهو أن تكون اَ في كل بَ وبَ في كل جَ، فتكون النتيجة اَ في كل جَ. فإن أخذنا نقيض هذه النتيجة- وهو اَ غير موجودة في بعض جَ- وأضفنا إليها المقدمة والكبرى وهي أن اَ موجودة في كل بَ- فبين أنه ينتج عن ذلك في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في بعض جَ، وذلك نقيض المقدمة الصغرى لا ضدها. وكذلك إن أضفنا إلى قولنا اَ غير موجودة في بعض جَ المقدمة الصغرى- وهي أن بَ موجودة في كل جَ- فإنه ينتج عن ذلك أن اَ غير موجودة في بعض بَ- وهو نقيض الكبرى. فإذن متى أخذ النقيض لم تكن المقاومة كلية بل جزئية. ومثل هذا يعرض بعينه في الصنف السالب الكلي من هذا الشكل، لأنه إذا أخذنا نقيض نتيجته- وهو قولنا اَ موجودة في بعض جَ- وأضفنا إليها المقدمة السالبة الكلية- وهي أن اَ غير موجودة في شيء من بَ- فإنه ينتج لنا أن بَ غير موجودة في بعض جَ. وكذلك يعرض إن أضفنا إليها الموجبة- مثل أن تكون اَ في بعض جَ وبَ في كل جَ، فإنه يلزم عنه أن تكون اَ في بعض بَ، وذلك نقيض السالبة الكلية.

وأما في الصنفين الجزئيين من هذا الشكل فإنه إذا أخذ فيهما نقيض النتيجة أمكن أن تبطل المقدمتان فيهما جميعا. وأما إذا أخذ الضد فإنه ليس يمكن أن تبطل ولا واحدة منهما بهذا الطريق. فلتكن النتيجة أن اَ موجودة في بعض جَ بتوسط بَ، فإن أخذ نقيضها- وهو أن اَ غير موجودة في شيء من جَ- فإنه ينتج عن ذلك في الشكل الثالث أن اَ غير موجودة في بعض بَ- وهي نقيض الكبرى- وإن أضفنا إلى قولنا اَ غير موجودة في شيء من جَ المقدمة الكبرى- وهي أن اَ موجودة في كل بَ- فإنه ينتج لنا أن بَ غير موجودة في شيء من جَ، وذلك نقيض الصغرى. فإذن تلك المقدمتين تبطلان إذا عكستا إلى النقيض. وإن عكسناهما إلى الضد فإنه ليس يبطل ولا واحدة من المقدمتين، لأنه إن كان عكس النتيجة الموجبة الجزئية أن اَ غير موجودة في بعض جَ وأضفنا إليها الكبرى- وهي أن اَ موجودة في كل بَ- فإنه ينتج لنا من ذلك أن بَ غير موجودة في بعض جَ، لكن قولنا بَ موجودة في بعض جَ وغير موجودة في بعض جَ قد يمكن أن يصدقا معا، فلذلك ليس يبطل ولا بد بهذا الفعل المقدمة الصغرى. فإن أضفنا إلى هذا العكس- الذي هو قولنا اَ غير موجودة في بعض جَ- المقدمة الجزئية الصغرى- وهي قولنا بَ موجودة في بعض جَ- لم يكن عن ذلك قياس، لأنه يكون من جزئيتين، وذلك غير منتج في الأشكال الثلاثة ومثل هذا يعرض في الصنف الجزئي الذي ينتج السالب من هذا الشكل- أعني أنه إن عكست النتيجة إلى النقيض أمكن أن تبطل المقدمتان جميعا وأن عكست إلى الضد فإنه ليس تبطل واحدة منهما. وبيان ذلك هو البيان الذي تقدم في الجزئي الموجب.

القول في انعكاس الشكل الثاني وأما في الشكل الثاني فإنه لا يمكن أن نبطل المقدمة الكبرى منه إبطالا كليا، لا بأخذ مضادة النتيجة ولا بأخذ نقيضها. أما بأخذ نقيضها فبين، وأما بأخذ الضد فإن القياس في الشكل الثالث فتكون النتيجة جزئية.

وأما المقدمة الصغرى فيمكن إبطالها على النحوين- أعني أنه إن عكست النتيجة إلى الضد وإن عكست إلى النقيض. وبيان ذلك أن تكون اَ موجودة في كل بَ وغير موجودة في شيء من جَ، فتكون النتيجة أن بَ غير موجودة في شيء من جَ. فإن أخذنا ضدها- وهو أن بَ موجودة في كل جَ- وأضيف إليها المقدمة الكبرى- وهي أن اَ في كل بَ- فهو بين أنه يلزم عن ذلك في الشكل الأول أن اَ موجودة في كل جَ، وذلك ضد المقدمة الصغرى. فإن استعملنا هذا العكس بعينه في إبطال المقدمة الكبرى بأن نأخذ أن بَ موجودة في كل جَ- وهو ضد النتيجة- ونضيف إليها اَ ولا في شيء من جَ- وهي الصغرى- فإن تأليف القول يأتي في الشكل الثالث وينتج أن اَ ليست موجودة في بعض اَ، وذلك نقيض المقدمة الكبرى لا ضدها فيكون الإبطال لها غير كلي. فإن عكست نتيجة بَ جَ إلى النقيض فإن المقدمات تبطل بالنقيض- أعني إبطالا جزئيا. وذلك أنه إن أخذنا نقيض نتيجة الصنف من القياس المتقدم- وهي قولنا بَ موجودة في بعض جَ- وأضفنا إليها المقدمة الصغرى- وهي أن اَ ليست في شيء من جَ- فبين أنه ينتج في الشكل الثالث أن اَ ليست بموجودة في بعض بَ، وذلك نقيض المقدمة الكبرى. وأيضا إن أخذنا هذا النقيض بعينه- وهو قولنا بَ موجودة في بعض جَ- وأضفنا إليها المقدمة الكبرى- وهي قولنا اَ في كل بَ- فهو بين أنه ينتج في الشكل الأول أن اَ في بعض جَ، وذلك نقيض الصغرى. فقد تبين بهذا القول أن المقاييس التي تستعمل في إبطال مقدمات هذا الصنف من الشكل الثاني هي كلها جزئية وإبطالها إبطال جزئي، ما عدا المقدمة الصغرى فإنه يمكن أن تبطل كليا وجزئيا. وبمثل هذا تبين ذلك في الصنف الكلي الآخر من الشكل الثاني- أعني الذي كبراه سالبة كلية وصغراه موجبة كلية.

وأما الصنفان الجزئيان من هذا الشكل فإنه إذا عكست النتيجة فيهما إلى الض لم يكن بذلك إبطال ولا واحدة من المقدمتين. والسبب في ذلك هو السبب بعينه الذي من أجل عرض ذلك في الشكل الأول. فإن عكست النتيجة إلى المناقض فإنه يتأتى بذلك إبطال كل واحدة من المقدمتين. وبيان ذلك أن نضع أن اَ ليست بموجودة في شيء من بَ وأن اَ أيضا موجودة في بعض جَ، فتكون النتيجة أن بَ ليست في بعض جَ. فإن وضع مضادها- وهو أن بَ في بعض جَ- وأضيف إلى ذلك المقدمة الكبرى- وهي اَ ولا في شيء من بَ- فإنه تكون النتيجة في الشكل الأول أن اَ ليست موجودة في بعض جَ، ولكن هذا ليس يناقض المقدمة الثانية- وهي أن اَ في بعض جَ- إذ قد يمكن أن تكون اَ موجودة في بعض جَ وغير موجودة في بعض آخر. وإن أضفنا إلى هذه المقدمة الجزئية فإنه لا يكون قياس، لأنه تكون المقدمتان كلتاهما جزئيتين. فمن هذا يتبين أنه متى عكست النتيجة إلى الضد فإنه لا يمكن إبطال واحدة من المقدمتين. فأما إذا عكست إلى النقيض فإنه قد تبطل كل واحدة من المقدمتين. فلنأخذ نقيض النتيجة- وهي أن بَ موجودة في كل جَ- فمتى أضفنا إليها اَ ليست في شيء من بَ، أنتج في الشكل الأول اَ ليست موجودة في شيء من جَ- وهي نقيض قولنا اَ موجودة في بعض جَ التي هي المقدمة الصغرى. وإن أضفنا إليها المقدمة الصغرى- وهي قولنا اَ موجودة في بعض جَ- كان معنا بَ موجودة في كل جَ واَ موجودة في بعض جَ، فأنتج لنا في الشكل الثالث أن اَ موجودة في بعض بَ، وهي نقيض قولنا اَ ولا في شيء من بَ التي هي المقدمة الكبرى. وبهذه بعينه تبين هذا في الصنف الذي كبراه كلية موجبة- أعني الصنف الجزئي الثاني من الشكل الثاني.

القول في انعكاس الشكل الثالث

وأما في الشكل الثالث فإنه إذا عكست نتيجة إلى الضد لم يمكن أن تبطل بذلك ولا واحدة من مقدمتيه، وذلك في جميع الأصناف التي في هذا الشكل. وأما إذا عكست إلى النقيض فإنه يمكن أن تبطل بذلك كل واحدة من مقدمتي القياس بإضافة جزئيتها إلى العكس، وذلك في جميع أصناف هذا الشكل. فلتكن أولا اَ موجودة في كل جَ، وبَ موجودة أيضا في كل جَ، فهو بين أنه ينتج عن ذلك أن اَ موجودة في بعض بَ، وذلك أن هذا هو الصنف الأول من الشكل الثالث. فإن أخذنا ضد هذه النتيجة- وهو قولنا اَ غير موجودة في بعض بَ- وأضفنا إليها المقدمة الصغرى- وهي قولنا بَ في كل جَ- فإن ذلك يكون غير منتج لأن الكبرى تكون جزئية في الشكل الأول، ولا أيضا إن أضفنا إليها المقدمة الكبرى- وهي قولنا اَ في كل جَ- لأنه يكون قياس في الشكل الثاني كبراه جزئية، وذلك أنه يكون معنا اَ غير موجودة في بعض بَ واَ موجودة في كل جَ. وبمثل هذا يبين إذا كانت إحدى المقدمتين الموجبتين جزئية- أعني أنه لا يمكن أن تبطل فيها واحدة من المقدمتين بعكس النتيجة إلى الضد- وذلك أنه إن ريم إبطال المقدمة الكلية كان القياس من جزئيتين وإن ريم إبطال الجزئية أتت الكبرى جزئية، وعلى هذا لا يكون قياس في الشكل الأول ولا الثاني وهما الشكلان اللذان بهما تبطل مقدمات هذا القياس. فقد تبين أنه متى عكست النتيجة إلى الضد في الأصناف الموجبة من هذا القياس أنه ليس يمكن أن تبطل بذلك ولا واحدة من المقدمتين. فأما إن عكست النتيجة إلى النقيض فإنه يمكن أن تبطل كل واحدة من المقدمتين بالمقدمة الثانية والعكس. وبيان ذلك أنا إذا عكسنا قولنا اَ موجودة في بعض بَ- وهي التي فرضناها نتيجة الصنف الأول من هذا الشكل، أعني الثالث- إلى نقيضها- وهي قولنا اَ ولا في شيء من بَ- فإنه متى أضفنا إليها قولنا بَ في كل جَ- وهي إحدى مقدمتي القياس- فإنه ينتج عن ذلك في الشكل الأول أن اَ غير موجودة في شيء من جَ، وذلك ضد قولنا اَ موجودة في كل جَ التي هي المقدمة الثانية من القياس المفروض. وكذلك إن أضفنا إلى قولنا اَ غير موجودة في شيء من بَ المقدمة الثانية- وهي قولنا اَ موجودة في كل جَ، فهو بين أنه ينتج في الشكل الثاني أن بَ ولا في شيء من جَ، وذلك ضد قولنا بَ في كل جَ التي هي المقدمة الصغرى. ومثل هذا يعرض إذا كانت إحدى المقدمتين الموجبتين جزئية، لأنه إن كانت اَ غير موجودة في شيء من بَ التي هي نقيض النتيجة- وأضفنا إليها بَ موجودة في بعض جَ التي هي المقدمة الجزئية- أنتج لنا في الشكل الأول أن اَ غير موجودة في بعض جَ. فإن أضفنا إلى هذه النتيجة المقدمة الكلية كان معنا اَ ولا في شيء من بَ، واَ موجودة في كل جَ، وذلك ينتج في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ، وذلك نقيض المقدمة الموضوعة الجزئية.

وكذلك يعرض في القياس الكلي السالب من هذا الشكل-أعني الذي يكون من مقدمتين كليتين إحداهما سالبة-وفي القياس الجزئي السالب- أعني القياس الذي إحدى مقدمتيه جزئية والثانية كلية وإحداهما سالبة- مثل ما عرض بعينه في الموجب الكلي والجزئي- أعني أنه متى عكست النتيجة فيها إلى الضد لم يمكن أن تبطل بذلك ولا واحدة من المقدمتين وإن عكست إلى النقيض أمكن أن تبطل بذلك كل واحدة من المقدمتين. والسبب في ذلك بعينه هو السبب في الصنف الموجب الكلي والجزئي، والبرهان على ذلك هو ذلك البرهان بعينه.

فقد تبين مما قيل كيف يكون القياس في كل شكل إذا عكست النتيجة إلى الضد وإلى النقيض، ومتى يكون إبطال ومتى لا يكون، وإذا كان فمتى يكون كليا ومتى يكون جزئيا، وأن المقاييس المبطلة لكل واحد من مقدمتي الشكل الأول إذا انعكست نتيجته فتكون في الشكل الثاني والثالث. أما الذي يبطل منه بالشكل الثاني فالمقدمة الصغرى، وأما الذي يبطل منه بالشكل الثالث فالمقدمة الكبرى. وكذلك تبين أن المقاييس التي تبطل كل واحدة من مقدمتي الشكل الثاني إذا انعكست نتيجته تكون في الشكل الأول والثالث، وأما إبطال الصغرى فبالشكل الأول وأما إبطال الكبرى فبالشكل الثالث، وأن المقاييس أيضا المبطلة لمقدمتي القياس التي في الشكل الثالث إذا عكست نتيجته تكون في الشكل الأول والثاني، أما الكبرى فتبطل بالشكل الأول وأما الصغرى فبالشكل الثاني.

القول في قياس الخلف وأما قياس الخلف فإنه يكون إذا وضعنا نقيض النتيجة المقصود بيانها وأضفنا إلى ذلك مقدمة أخرى معترفا بها فأنتج لنا أمرا مستحيلا. وهذا النوع من القياس قد تبين أنه مركب من شرطي وحملي، وهو السائق إلى المحال، وهذا القياس يقع في قياس الخلف في الأشكال الثلاثة كلها. وقياس الخلف شبيه بعكس القياس لأن كليهما يبطل به. وإنما الفرق بينهما أن القياس المنعكس تكون من أخذ النقيض فيه والمقدمة المضافة إليه بعد وجود القياس حتى يكون النقيض هو نقيض نتيجة ذلك القياس والمقدمة المضافة هي إحدى مقدمتي ذلك القياس، وأما القياس على طريق الخلف فإنما يأخذ نقيض المقصود بيانه لا نقيض نتيجة قياس ونضيف إليه مقدمة صادقة لا مقدمة قياس مفروض. وأيضا فإن عكس القياس إنما يتأتى به إبطال الشيء الكاذب بأن يتسلم نقيض المحال الذي هو الصادق. وفي قياس الخلف إنما يتبين النتيجة بوضع المحال نفسه. وكل ما تبين بقياس حملي- وهو الذي يسمى المستقيم- يمكن آن يبين بتلك المقدمات بعينها بقياس الخلف، وحينئذ يكون قياس الخلف أشبه شيء بالقياس المنعكس، وذلك أن صورته تكون تلك الصورة بعينها. وسبب ذلك أن القياس المستقيم إذا رد إلى الخلف تكون الحدود والمقدمات فيها واحدا بعينه. مثال ذلك أن نفرض أن اَ موجودة في كل بَ بقياس مستقيم بأن تكون بَ موجودة في كل جَ وجَ موجودة في كل بَ، فينتج لنا أن اَ موجودة في كل بَ. فإن أردنا بيان هذه النتيجة بالخلف قلنا أن اَ إن لم تكن في كل بَ فليكن عكسها إلى النقيض صادقا- وهو أن اَ ليست في بعض بَ- ولنضف إليها أن اَ موجودة في كل جَ، فيلزم عن ذلك ضرورة في الشكل الثاني أن تكون جَ غير موجودة في كل بَ، وذلك نقيض المقدمة الصغرى وهو محال، فإذن الموضوع- وهو نقيض النتيجة أو ضدها- محال، وإذا كذب النقيض الموضوع صدق نقيضه- وهي نتيجة. وهذا بعينه هو صنعة عكس القياس. وكذلك يعرض في سائر الأشكال، لأن كل قياس يقبل الانعكاس يقبل بيان نتيجته على طريق الخلف.

وجميع المطالب الأربعة تبين بالخلف في كل الأشكال ما خلا الموجبة الكلية، فإنها لا تبين بالشكل الأول، وتبين بالثاني والثالث. فأما أنه لا نبين الموجبة الكلية في قياس الخلف بالشكل الأول فذلك يظهر هكذا. للنزل أن المقدمة التي نريد بيانها هي أن اَ في كل بَ. فإذا رمنا بيان ذلك بطريق الخلف فإن ذلك يكون إن كان إما بان نأخذ نقيضها- وهو أن اَ غير موجودة في كل بَ- أو ضدها- وهو أن اَ غير موجودة في شيء من بَ. ثم إذا أضفنا إلى أحد هذين المتقابلين مقدمة أخرى يكون تأليفها مع مقابل النتيجة تأليف الشكل الأول، فإنه يجب أن تكون جَ إما محمولة على اَ وإما أن تكون موضوعة للبَ- مثل أن نقول جَ على كل اَ أو بَ على كل جَ. فإن كان المقابل الموضوع نقيضا- وهو أن اَ ليست في كل بَ- فهو بين أنه ليس يكون قياس في الشكل الأول إلى أي الطرفين وضعت المقدمة الأخرى، وذلك أنه إن كانت الصادقة أن جَ في كل اَ كان معنا جَ في كل اَ، واَ ليست في كل بَ، وذلك غير منتج في الشكل الأول لأن الصغرى سالبة. وإن وضعناها من ناحية بَ يكون معنا اَ ليست في كل بَ وبَ في كل جَ وهذا أيضا غير منتج في الشكل الأول لأن الكبرى فيه جزئية وقد قيل إن ذلك غير منتج. فإن أخذنا ضد الموجبة التي رمنا إثباتها وأضفنا إليها المقدمة المعروف صدقها من ناحية البَ- مثل أن نضع اَ ولا في شيء من بَ وبَ في كل جَ- فإنه ينتج في الشكل الأول أن اَ ولا في شيء من بَ- إلا أنه ليس يلزم متى كذب قولنا اَ ولا في شيء من بَ أن يصدق ضدها- وهو قولنا اَ في كل بَ الذي كان مطلوبنا، إذ كان المتضادان قد يكذبان معا كما سلف في الكتاب المتقدم. فإن أضيفت المقدمة الصادقة من ناحية اَ لم يحدث قياس، لأنه تكون الصغرى سالبة في الشكل الأول. فهو بين أن كل قياس على طريق الخلف فإنما يكون بأخذ الضد أو بأخذ النقيض وبإضافة مقدمة صادقة إلى إحداهما. وكان قد تبين أنه إذا أخذ نقيض الموجبة الكلية وأضيف إليها مقدمة كلية صادقة أنه لا يكون قياس، وأنه إذا أخذ الضد فإما أن لا يكون قياس وإما أن يكون قياس لكنه لا ينتج محالا يلزم عن كذبه صدق الموجبة الكلية المطلوب بيانها. فإذن ليس يمكن أن تبين الموجبة الكلية بقياس خلف يكون الحملي السائق فيه إلى المحال في الشكل الأول. وأما الجزئية الموجبة فإنه يمكن بيانها بالخلف في الشكل الأول إذا أخذنا المقابل لها السالبة الكلية الذي هو النقيض لا السالبة الجزئية التي هي ضدها، وذلك أيضا متى كانت المقدمة الصادقة من ناحية بَ لا من ناحية اَ. فلنضع أن اَ إم لم يكن صادقا وجوده في بعض بَ فلا شيء من اَ بَ، ثم نضيف إلى هذا أن كل بَ جَ فينتج أن اَ ولا في شيء من جَ، وذلك كذب. فإذن الذي لزم عنه الكاذب- وهو قولنا اَ ولا في شيء من بَ- وإذا كذب هذا صدق نقيضه- وهو قولنا اَ في بعض بَ- وذلك ما قصدنا بيانه. وأما متى أخذت المقدمة الصادقة من ناحية اَ فإنه تكون الصغرى سالبة في الشكل الأول، فلا يكون قياس. وكذلك إن أخذ الضد لا يكون قياس، لأنه إن وضعت المقدمة الصادقة الموجبة من ناحية اَ كانت الصغرى سالبة وإن وضعت من جهة بَ كانت الكبرى جزئية وكلاهما غير منتج في الشكل الأول.

فإن أردنا أن نبين بقياس الخلف السالبة الكلية فإن موضوعنا المقابل لها ينبغي أن تكون الموجبة الجزئية- وهي النقيض وهو قولنا اَ في بعض بَ- فإذا أضفنا إليها أن جَ في كل اَ، أنتج المحال- وهو أن جَ في بعض بَ. فإذن قولنا اَ في بعض بَ كاذب، وإذا كذب هذا صدق اَ ولا في شيء من بَ، وهو المطلوب. وكذلك يعرض إن كانت المقدمة الصادقة الكلية سالبة. فإن وضعنا المقدمة الصادقة من جهة بَ لم يحدث قياس، لأن الكبرى تكون جزئية في الشكل الأول. وإن أخذنا مكان النقيض الضد حدث قياس ينتج المحال إلى أي ناحية وضعنا المقدمة الصادقة من طرفي النقيض، إلا أنه لا ينتج محالا يلزم عن كذبه صدق مقابله الذي هو المطلوب. فإذن في قياس الخلف متى أردنا أن ننتج محالا يلزم عن كذبه صدق مقابله الذي هو المطلوب، فينبغي أن نأخذ النقيض لا الضد، وذلك عام في جميع أشكال الخلف من أي شكل من الأشكال الحملية تركب.

فإذا أردنا أن نبين السالبة الجزئية بطريق الخلف في هذا الشكل فإنه ينبغي أن يكون موضوعنا المقابل الموجبة الكلية، لأنه إذا كان موضوعنا المقابل أن اَ في كل بَ وأضفنا إليها أن جَ موجودة في كل اَ على أنها الصادقة فإنه ينتج محالا أن جَ في كل بَ. فإذن قولنا اَ في كل بَ محال، وإذا كذب هذا صدق قولنا اَ ليست في كل بَ، وذلك هو المطلوب. وكذلك يعرض إن كانت هذه سالبة. وكذلك إن أضفنا إليها بَ في كل جَ أو بَ في بعض جَ، فإنه ينتج المحال في الشكل الأول. وأما إن أضفنا إليها أن جَ في بعض اَ فإنه لا يكون قياس، لأن الكبرى تكون جزئية في الشكل الأول. وكذلك إن كانت هذه سالبة.

فقد تبين أن جميع المطالب تبين بالخلف في الشكل الأول ما عدا الموجب الكلي، وأن الذي ينتفع به في كل مادة في قياس الخلف هو أخذ نقيض ما يرام بيانه لا أخذ ضده لأنه إذا كذب أحد الضدين- على ما تبين في الكتاب المتقدم- لم يلزم أن يصدق الضد الآخر ولا هو أيضا من المشهور أن الضد إذا كذب صدق ضده.

فأما الموجبة الكلية فتبين في الشكل الثاني والثالث. وبيان ذلك أنه إذا أردنا أن نبين أن اَ موجودة في كل بَ في الشكل الثاني، فلنأخذ نقيضها- وهي أن اَ ليست في كل بَ- فإذا أضفنا إلى هذا النقيض أن اَ موجودة في كل جَ، فإنه يجب عن ذلك في الشكل الثاني أن تكون جَ غير موجودة في كل بَ. فإذا كان هذا محالا وكانت المقدمة المقرونة بالنقيض صادقة، فواجب أن يكون الكذب عرض عن النقيض- وهو قولنا اَ ليست في كل بَ- وإذا كذب هذا صدق نقيضه- وهو أن اَ في كل بَ- وإن أخذ بدل النقيض الضد لم ينتفع به في كل مادة.

وإذا أردنا أن نبين في هذا الشكل الموجبة الجزئية- وهي قولنا اَ موجودة في بعض بَ- فإنه ينبغي أن نأخذ نقيضها- وهو اَ ولا في شيء من بَ- ثم نضيف إليه اَ موجودة في كل جَ- فينتج لنا أن جَ ولا في شيء من بَ، وذلك محال لازم عن وضعنا اَ ولا في شيء من بَ، فنقيضه إذن صادق- وهو قولنا اَ في بعض بَ. فإن أخذنا بدل النقيض الضد عرض من ذلك ما عرض في الشكل الأول- أعني أن ينتج المحال- لكن لا يبين بذلك صدق المقابل الموضوع في كل مادة.

فإن أردنا أن نبين السالبة الكلية بهذا الشكل فإنا نأخذ نقيضها- وهي أن اَ موجودة في بعض بَ- ونضيف إليها ما لا يشك في صدقه- وهو أن اَ غير موجودة في جَ- فيلزم ضرورة أن تكون جَ غير موجودة في بعض بَ في الشكل الثاني. فإن أردنا أن نبين السالبة الجزئية فإنا نأخذ نقيضها- وهو اَ في كل بَ- ونضيف إليها اَ غير موجودة في شيء من جَ، فيلزم المحال- وهو أن جَ غير موجودة في شيء من بَ- فنقيض ما لزم عنه المحال صادق، وهو قولنا اَ ليست في بعض اَ الذي قصدنا بيانه.

فقد تبين من هذا أن جميع المطالب تبين بالخلف الشكل الثاني.

وكذلك يعرض أن تبين جميعها بالشكل الثالث. وبيان ذلك أنا إذا أردنا بيان الموجبة الكلية أخذنا نقيضها- وهو قولنا اَ غير موجودة في بعض بَ- وأضفنا إليها جَ موجودة في كل بَ، فينتج في الشكل الثالث أن اَ غير موجودة في بعض جَ، لأن الحد الأوسط- الذي هو بَ- هو موضوع للطرفين. وإذا كانت النتيجة محالا فنقيض ما لزم عنه المحال صادق، وهو قولنا اَ في كل بَ المقصود إنتاجه. فإن وضعنا الضد عوض النقيض أنتج محالا، لكن لا يلزم عنه ضرورة صدق المطلوب مثل ما عرض في سائر الأشكال.

فإن أردنا أن نبين أن اَ موجودة في بعض بَ- وهي الموجبة الجزئية- فإنا نضع أن اَ ولا في شيء من بَ- وهي نقيضها- ونضيف إليها جَ موجودة في بعض بَ، فينتج في هذا الشكل أن اَ غير موجودة في بعض جَ. فإن كان ذلك كاذبا فما لزم عنه الكذب- وهو قولنا اَ ولا في شيء من بَ- كاذب، وإذا كذب هذا صدق نقيضه، وهو المطلوب الذي هو اَ في بعض بَ.

فإذا أردنا أن نبين السالبة الكلية- مثل أن نريد أن نبين أن اَ ولا في شيء من بَ- فإنا نأخذ نقيض ذلك- وهو قولنا اَ في بعض بَ- وأضيف إليها جَ موجودة في كل بَ، فإذن يلزم في هذا الشكل أن تكون جَ موجودة في بعض اَ. فإذا كان ذلك كذبا فالكذب إنما لزم عن النقيض الموضوع إذ كانت مقدمة بَ جَ لا يشك في صدقها. فإذا كذب النقيض- الذي هو الموجبة الجزئية- صدقت المطالبة الكلية، وهي قولنا اَ ولا في شيء من بَ. فإن أخذ الضد عرض في ذلك ما يعرض في سائر الأشكال.

فإن أردنا أن نبين السالبة الجزئية فإنا نضع نقيضها الذي هو الموجبة الكلية- مثل أن نضع اَ في كل بَ- ونضيف إليها أن جَ موجودة في كل بَ- وهي التي لا يشك في صدقها- فينتج لنا أن جَ موجودة في بعض اَ. فإن كان ذلك كذبا فالنقيض- الذي هو الموجبة الكلية المشكوك فيه- كذب، وإذا كذبت الموجبة الكلية صدقت السالبة الجزئية.

فقد تبين من قياس الخلف هاهنا أمران غير الذي سلف. أحدهما أنه إنما يكون دائما منتفعا به في كل مادة بأخذ النقيض لا بأخذ الضد. وأن جميع المطالب تتأتى به في الشكل الثاني والثالث، وأن الشكل الأول لا يتأتى فيه الموجب الكلي فقط وتتأتى فيه باقي المطالب الثلاثة.

الفصل الرابع

قال: والفرق بين القياس المستقيم وقياس الخلف إذا أنتجا مطلوبا واحدا بعينه من مقدمات واحدة بعينها أن القياس الذي بالخلف نضع أولا ما نريد بطلانه- وهو نقيض ما نروم بيانه- ليسوق القول إلى كذب معترف به أنه كذب، وأما القياس المستقيم فإنه يبتدئ من مقدمات معترف بها. وكلا القياسين يكون من مقدمات معترف بها، إلا أن القياس المستقيم يكون من المقدمتين اللتين يكون عنهما القياس وأما الذي بالخلف فإحدى مقدمتيه فقط هي من مقدمتي القياس المستقيم والثانية نقيض النتيجة المشكوك فيها. وفي المستقيم ليس يجب ضرورة أن تكون النتيجة معروفة قبل كون القياس، وأما في الذي بالخلف فقد يجب أن تكون معروفة لنضع نقيضها. ولا فرق في ذلك بين أن تكون النتيجة موجبة أو سالبة.

وكل مطلوب يبين بقياس مستقيم فقد يمكن أن يبين بتلك المقدمات بأعيانها بقياس الخلف، وكل ما تبين بقياس الخلف فقد يمكن أن يبين بتلك الحدود والمقدمات بقياس مستقيم. وإذا كان القياس الحملي الذي في الخلف في الشكل الأول، فإن القياس المستقيم الذي يكون على ذلك المطلوب وبتلك المقدمات بأعيانها يكون في الشكل الثاني والثالث: أما السالب الكلي ففي الشكل الثاني، وأما الموجب الجزئي ففي الشكل الثالث، والسالب الجزئي في الشكلين معا إذا كانت الصادقة موجبة، وأما إذا كانت سالبة ففي الثاني. فإذا كان القياس الحملي الذي بالخلف في الشكل الثاني، فإن القياس المستقيم يكون في الشكل الأول، وذلك في جميع المطالب. وإذا كان القياس الذي بالخلف في الشكل الثالث، فإن قياسه المستقيم يكون في الشكل الأول والثاني: أما الموجبات ففي الشكل الأول، وأما السالب ففي الثاني.

القول في الشكل الأول

وبيان ذلك انه إذا بينا بقياس الخلف في الشكل الأول أن اَ ليست بموجودة في شيء من بَ بوضعنا نقيض ذلك- وهو أن اَ موجودة في بعض بَ- وإضافتنا إلى هذا النقيض مقدمة صادقة، ينتج في الشكل الأول نتيجة كاذبة. وإذا كان الأمر كذلك فبين أن المقدمة الصادقة إنما نضيفها من جهة اَ لا من جهة بَ حتى تكون الصادقة هي الكبرى، إذ ليس يمكن أن تكون الجزئية كبرى في هذا الشكل. فلتكن المقدمة الصادقة أن جَ موجودة في كل اَ فيكون معنا جَ في كل اَ واَ في بعض بَ، ينتج لنا في الشكل الأول أن جَ في بعض بَ، وهو الكاذب. ولأن رد قياس الخلف إلى المستقيم يكون بان نأخذ نقيض النتيجة الكاذبة ونضيف إليها المقدمة الصادقة التي كانت في قياس الخلف، فبين أن المقدمة الصادقة- التي في جَ في كل اَ- ونقيض النتيجة الكاذبة- التي هي جَ ولا في شيء من بَ- أنهما إنما يشتركان في جَ الذي هو الطرف الأكبر من النتيجة التي كانت في الشكل الأول الذي أنتج المحال في قياس الخلف. وكل مقدمتين اشتركتا في الطرف الأكبر من المطلوب فتأليفهما في الشكل الثاني. فيأتي القياس المستقيم هكذا: جَ في كل اَ وجَ ولا في شيء من بَ، ينتج اَ ولا في شيء من بَ- وهو المنتج بقياس الخلف.

وكذلك يعرض إن بينا بطريق الخلف في الشكل الأول أن اَ غير موجودة في كل بَ- أعني السالبة الجزئية- بوضعنا نقيضها- وهو أن اَ موجودة في كل بَ- وإضافتنا إليها مقدمة صادقة كلية من جهة اَ- وهو أن جَ موجودة في كل اَ. فإذا أنتج أن جَ موجودة في كل بَ- وهي الكاذبة- أخذنا نقيضها- وهو أن جَ ليست في بعض بَ- وأضفنا إليها المقدمة الكبرى الصادقة، فإنه يأتلف القياس المستقيم على الأمر المبين بقياس الخلف هكذا: جَ موجودة في كل اَ وجَ ليست في كل بَ، فاَ ليست في كل بَ، وهي نتيجة قياس الخلف. وقد يتأتى هذا في الشكل الثالث إذا وضعنا المقدمة الصادقة المضافة إلى النقيض صغرى في الشكل الأول. فإن النقيض لما كان هاهنا موجبا كليا أمكن أن تكون مقدمة صغرى في الشكل الأول، فتكون النتيجة الكاذبة اَ في كل جَ. فإذا أخذنا نقيضها- وهو أن اَ ليست في بعض جَ- وأضفنا إليها المقدمة الصادقة- وهي أن بَ في كل جَ- فبين أن المقدمتين إنما يشتركان في الطرف الأصغر من نتيجة الشكل الأول فيكون القياس في الشكل الثالث وينتج أن اَ ليست في بعض بَ، وذلك هو الشيء المبين بطريق الخلف في الشكل الأول. ويعرض إن أخذت المقدمة الصادقة من جهة اَ سالبة أن يكون قياسه المستقيم في الشكل الثاني فقط. وذلك أنه إذا أخذنا نقيض المطلوب بطريق الخلف- وهو أن اَ في كل بَ- وأضفنا إليه المقدمة الصادقة من جهة اَ- وهي جَ ليست موجودة في شيء من اَ- ينتج في الشكل الأول أن جَ ليست موجودة في شيء من بَ- وهي كاذبة- فإذا أخذنا نقيض هذا- وهو أن جَ موجودة في بعض بَ- وأضفنا إليه المقدمة الصادقة- التي هي جَ ليست موجودة في شيء من اَ- ينتج في الشكل الثاني أن اَ ليس في بعض بَ، وهو المطلوب بطريق الخلف.

وأما الموجب الجزئي فتبين في الشكل الثالث وليكن منتجا لنا في الشكل الأول بقياس الخلف أن اَ موجودة في بعض بَ بوضعنا أن اَ غير موجودة في شيء من بَ- الذي هو النقيض- وإضافتنا إلى ذلك أن بَ في كل جَ- وهي الصادقة، لأنه ليس يمكن أن نضيفها من جهة اَ لأن الصغرى لا تكون سالبة في الشكل الأول- فينتج لنا أن اَ غير موجودة في شيء من جَ، وهو المحال. فإذا أخذنا نقيض هذا المحال- وهو أن اَ في بعض جَ- فبين أنه ينتج لنا في الشكل الثالث أن اَ في بعض بَ، لأن جَ هو الحد المشترك لنقيض المحال والمقدمة الصادقة وهو موضوع للطرفين. وكذلك يعرض إذا كانت المقدمة الصادقة المضافة الى النقيض جزئية- أعني مقدمة بَ جَ.

فهذه حال جميع ما تبين بالخلف من المطالب في الشكل الأول، فإنه قد تبين فيه الموجب الكلي.

القول في الشكل الثاني

وأما الشكل الثاني فلننزل أنه يتبين فيه بالخلف موجبة كلية- وهو أن اَ موجودة في كل بَ بوضعنا نقيضها- وهو أن اَ ليست في كل بَ- وإضافتنا إليها مقدمة صادقة تأتلف معها في الشكل الثاني- وهي أن اَ في كل جَ- فينتج لنا الكذب عن ذلك، وهو أن جَ ليست في كل بَ. فنقول: إن قياس هذا المطلوب يكون في الشكل الأول، وذلك أنه إذا أخذنا نقيض النتيجة الكاذبة- وهو أن جَ في كل بَ- وأضفنا إليها قولنا اَ في كل جَ- وهي الصادقة- فبين أنه ينتج لنا في الشكل الأول فقط اَ في كل بَ، وهي موجبة كلية. وذلك أن هاتين المقدمتين الصادقتين اللتين إحداهما نقيض الكاذبة والأخرى الصادقة الموضوعة في قياس الخلف لم يشتركا لا في المحمول فيكون في الشكل الثاني ولا في الموضوع فيكون في الثالث، بل الذي اشتركت فيه هو موضوع للطرف الأكبر في المطلوب ومحمول على الأصغر، وذلك هو تركيب الشكل الأول.

وليكن مبرهنا عندنا في الشكل الثاني بالخلف موجبة جزئية- وهو أن اَ في بعض بَ- بوضعنا أن اَ في بعض بَ- بوضعنا أن اَ ولا شيء من بَ- الذي هو المقابل- وإضافتنا إلى ذلك أن اَ موجودة في كل جَ حتى يلزم من ذلك أن جَ ليست في شيء من بَ، الذي هو الكاذب. فأقول: إن قياسه المستقيم يكون في الشكل الأول، وذلك أنه إذا أخذنا اَ موجودة في كل جَ- وهي الصادقة الموضوعة في قياس الخلف- وجَ في بعض الباء- وهي نقيض النتيجة الكاذبة- فبين أنه ينتج في الشكل الأول أن اَ في بعض بَ.

فإن كان الذي بين بالخلف سالبا كليا في الشكل الثاني بوضعنا نقيضه- وهو أن اَ موجودة في بعض بَ- وإضافتنا إلى ذلك أن اَ غير موجودة في شيء من جَ حتى تكون النتيجة الكاذبة أن اَ ليست في بعض بَ، فإن قياسه المستقيم يكون في الشكل الأول، وذلك أنا إذا أخذنا نقيض النتيجة الكاذب- وهو قولنا إن جَ في كل بَ- وأضفنا إليها اَ ولا في شيء من جَ- وهي الصادقة- فإنه ينتج لنا في الشكل الأول أن اَ ولا في شيء من بَ.

وكذلك إن برهنا بالشكل الثاني في قياس الخلف سالبة جزئية- وهو أن اَ غير موجودة في بعض بَ- بوضعنا نقيضها- وهو أن اَ موجودة في كل بَ- وإضافتنا الى ذلك أن اَ غير موجودة في شيء من جَ، فيلزم عن ذلك أن جَ غير موجودة في شيء من بَ، وهي الكاذبة. فإن قياسه المستقيم يكون بأن نأخذ جَ في بعض بَ- وهو نقيض النتيجة الكاذبة- ونضيف إليها المقدمة الصادقة- وهو قولنا اَ ولا في شيء من جَ- فيلزم عنه اَ ليست في بعض بَ.

فقد تبين من هذا أن ما تبين بالخلف في الشكل الثاني، فإن قياسه يكون في الشكل الأول، وذلك في جميع المطالب.

القول في الشكل الثالث وأيضا ليبين في الشكل الثالث بطريق الخلف موجبة كلية- وهو قولنا اَ موجودة في كل بَ- بوضعنا نقيضها- وهو أن اَ ليست في بعض بَ- وإضافتنا الى ذلك أن جَ في كل بَ حتى يكون الكاذب اللازم أن اَ في بعض جَ، فأقول إن قياسه المستقيم يكون في الشكل الأول. وذلك أنه إذا أخذنا نقيض المنتج الكاذب- وهو قولنا اَ في كل جَ- وأضفنا إلى ذلك جَ في كل بَ، أنتج لنا في الشكل الأول أن اَ في كل بَ، وهو الذي تبين بالخلف لأن اَ وبَ لا يمكن فيهما أن يشتركا إلا بشيء ثالث يكون موضوعا للألف ومحمولا على بَ اللذان هما طرفا المطلوب.

وكذلك إن برهنا بالخلف موجبة جزئية في الشكل الثالث- وهو قولنا اَ في بعض بَ- بوضعنا نقيضها- وهو قولنا اَ ولا في شيء من بَ- وإضافتنا إلى ذلك أن جَ في بعض بَ حتى يكون الكاذب المنتج أن اَ ليست في بعض جَ، فإن قياسه المستقيم يكون في الشكل الأول، وذلك إذا أخذنا نقيض الكاذب- أعني النتيجة وهو قولنا اَ في كل جَ- وأضفنا إلى ذلك جَ في بعض بَ- أعني مقدمة القياس الصادقة- فينتج لنا أن اَ في بعض بَ.

وكذلك إن بينا بالخلف سالبة كلية في الشكل الثالث بوضعنا نقيضها- وهو قولنا اَ في بعض بَ- وإضافتنا إلى ذلك جَ في كل بَ حتى ينتج لنا من ذلك جَ في بعض اَ- الذي هو الكاذب- فأقول إن قياسه المستقيم يكون في الشكل الثاني. وذلك أنا نأخذ نقيض النتيجة الكاذبة والمقدمة الصادقة التي استعملت في بيان الخلف فيكون معنا جَ ولا في شيء من اَ، وجَ في كل بَ، ينتج لنا اَ ولا في شيء من بَ، وهو الشيء المبين بطريق الخلف. وكذلك يعرض إن بينا بطريق الخلف السالب الجزئي أن نأخذ نقيضه- وهو الموجب الكلي مثل أن نأخذ اَ في كل بَ- ونضيف إليه جَ في بعض بَ، فينتج لنا أن جَ في بعض اَ- وهو المحال- فأقول إن قياسه أيضا المستقيم يكون في الشكل الثاني، وذلك أنا نأخذ نقيض النتيجة والمقدمة الصادقة على العادة فيكون معنا جَ ولا في شيء من اَ وجَ في بعض بَ، ينتج لنا اَ ليست في كل بَ أو ليست في بعض بَ.

فقد تبين أن جميع المسائل التي تتبين بقياس الخلف في جميع العلوم يمكن أن تبرهن بقياسات مستقيمة وأن ترد إليها بتلك المقدمات بأعيانها وبتلك الحدود أيضا بأعيانها، وأن رد القياس المستقيم إلى الخلف هو بعينه القياس الذي يسمى المنعكس. وكذلك تبين مما تقدم أنه إذا ردت المقاييس المستقيمة إلى الخلف لأي قياسات ترجع في الخلف وكذلك إذا ردت قياسات الخلف إلى المستقيمات لأي قياسات ترجع. وتبين أن كل مطلوب يمكن أن يبين بالخلف وعلى الاستقامة.

القول في القياسات المركبة من المتقابلات قال: وأما في أي شكل يمكن أن يأتلف القياس من مقدمتين متقابلتين وفي أي شكل لا يمكن، فذلك يبين مما نضعه. أما أولا فقد قيل إن المتقابلات بالحقيقة على جهة السلب والإيجاب هي اثنان: المتناقضان والمتضادان.

وإذا تقرر هذا فأقول: إنه ليس يمكن أن يأتلف قياس في الشكل الأول لا من متضادات ولا من متناقضات لا قياس ينتج موجبا ولا قياس ينتج سالبا. أما موجبا فمن قبل أنه ينبغي أن يكون القياس المنتج للموجب من مقدمتين موجبتين، والقياس الذي يأتلف من المتقابلات على طريق التناقض أو التضاد إحدى مقدمتيه سالبة والأخرى موجبة. وأما سالبا فإنه أيضا ليس يمكن ذلك من قبل أن المحمول والموضوع في الموجبة والسالبة هو واحد بعينه على ما تبين في الكتاب المتقدم. والقياس الذي يكون في الشكل الأول مقدمتاه ليس المحمول فيهما واحدا ولا الموضوع واحدا، إذ كان الحد الأوسط فيه هو موضوع في إحدى المقدمتين محمول في الأخرى.

وأما الشكل الثاني فإنه يمكن أن يكون فيه قياس من مقدمتين متقابلتين إما على طريق التضاد وإما على طريق التناقض. ومثال ذلك قولنا كل علم فاضل ولا واحد من العلوم فاضل ينتج لنا ولا واحد من العلوم هو علم، وذلك غاية الشناعة. وكذلك يعرض إن وضعنا كل علم فاضلا والطب ليس بفاضل، وذلك أن سلب الفضل عن الطب هو سلب له عن بعض العلوم، فكأنا وضعنا كل علم فاضلا، بعض العلوم ليس بفاضل، فينتج لنا بعض العلوم ليس بعلم. والسبب في إمكان هذا في الشكل الثاني أن المحمول في المقدمتين فيه هو واحد بعينه. وهكذا الأمر في المتقابلات، وسواء فرضنا الموجبة هي الكبرى والسالبة هي الصغرى أو كان الأمر بالعكس الأمر في ذلك واحد بعينه. وليس يمكن أن تنتج المتقابلات بالحقيقة في هذا إلا بأن تؤخذ الموجبة والسالبة بعينها- مثل أن نقول كل علم فاضل، ليس كل علم فاضلا- أو نأخذ ما هو جزء لإحدى المقدمتين المتقابلتين ومنطو تحتها بدل المقدمة نفسها الموجبة أو السالبة- مثل أن نأخذ بدل كل علم ليس بفاضل الطب ليس بفاضل، أو بدل قولنا كل علم فاضل قولنا الطب فاضل- ثم نقرن به ولا علم واحد فاضل، فإنه لا فرق بين أن نقرنه بالمقدمة المقابلة نفسها أو بما هو منطو تحتها. ومتى لم تؤخذ المقدمتان بإحدى هاتين الجهتين لم تكن متقابلة ولا كانت قوتهما قوة المتقابلة لا في التي تتقابل على طريق التضاد ولا في التي تتقابل على طريق التناقض.

أما في الشكل الثالث فإنه لا يمكن في الأصناف الموجبة منه أن يكون القياس يأتلف من المتقابلات لأن المتقابلتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة، وتلك هي العلة بعينها التي عرضت في الشكل الأول. وأما إذا كان القياس سالبا فإنه قد يمكن أن يأتلف فيه قياس من مقدمات متقابلة إذا كانت المقدمات كلية أو جزئية. مثال ذلك قولنا كل طب علم ولا شيء من الطب علم، فإنه يجب من هذا أن يكون بعض العلم ليس بعلم. وكذلك يعرض إن أخذت إحدى المقدمتين جزئية- مثل أن نقول بعض الطب علم ولا شيء من الطب علم، فإنه يلزم عنه أن يكون بعض العلم ليس بعلم. وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذين القياسين جزئية والأخرى كلية فإن القياس يأتلف من المتناقضة لا من المتضادة إذ كان المتضادين كليين. وينبغي ن تعلم أن المقاييس التي تأتلف في هذين الشكلين من الموجبة والسالبة ائتلافا أوليا- أعني التي سائر ما يأتلف مما بعد في هذا الباب هي تابعة لها- هي اثنا عشر قياسا، ستة في كل شكل. وذلك أنه لما كانت المتقابلات ثلاثة أزواج، أحدها قولنا كل ولا واحد- وهي المتقابلات على طريق التضاد- والاثنان متقابلان على طريق التناقض إحداهما أن تكون الموجبة هي الكلية والسالبة الجزئية والثانية عكس هذا، فبين أنه يأتلف منها في كل واحد من الشكلين ثلاثة أقيسة. ولأن المقدمتين المتقابلتين لهما وضعان في الشكل الواحد- أحدهما أن تكون الموجبة هي الصغرى والسالبة الكبرى- والوضع الآخر عكس هذا، لزم عن ذلك أن تكون أصناف المقاييس ستة في كل شكل منها. ولا يبالى في هذا الوضع كانت الصغرى في الشكل الثالث سالبة أو موجبة لأنه إنما منع أن تكون سالبة فيما سلف بالإضافة إلى مطلوب محدود، والغرض هاهنا بهذه المقاييس المركبة إنما هو التغليط وإنتاج المحال سواء كان المحال هو النتيجة أو عكسها. فقد تبين من هذا القول في أي الأشكال يمكن أن تأتلف المقاييس التي من مقدمات متقابلة وكم عدد الأوائل التي تجرى منها مجرى الأسطقسات.

وهو بين أنه قد يمكن أن ينتج من المقاييس التي فيها مقدمات كاذبة نتيجة صادقة ما عدا هذا الصنف من المقاييس، لأن النتيجة فيها أبدا تكون مقابلة للشيء المفروض وهو أن الشيء الموجود غير موجود- مثل أن الحي ليس بحي وما يوصف بكذا فليس بكذا- وسواء كان ذلك الموصوف موجودا خارج الذهن أو غير موجود- مثل أن ينتج ما هو عنز أيل فليس بعنز أيل من مقدمتين متقابلتين مثل قولنا الإنسان عنز أيل الإنسان ليس بعنز أيل، فإنه يلزم عنه أن عنز أيل ليس بعنز أيل، وذلك قول متناقض في نفسه وإن لم يكن عنز أيل موجودا. فإن صدق إيجابنا الشيء بعينه وسلبه معا مستحيل سواء كان الشيء موجود أو غير موجود، وإنما لزم هذا في هذه المقاييس من قبل أن المقدمتين متناقضتان، إما بأن المحمول والموضوع فيهما واحد بعينه، وإما بأن أحدهما جزء للآخر. وهو ظاهر من هذا أن المقاييس الفاسدة التي في الصنائع من قبل فساد مقدماتها قد يمكن أن تنطوي في المقاييس الصحيحة التي في تلك الصناعة نقائض المقدمات الفاسدة من غير أن يشعر بذلك الذي اعتقد في تلك المقاييس الفاسدة أنها صحيحة- وذلك إما انطواء جزئيا أو لازما- فيلزم صاحب الصناعة التبكيت من نفس ما يضعه في تلك الصناعة ويسلمه- مثل أن يضع واضع أن الجرم السماوي غير متناه ويضع مع ذلك أنه كري الشكل، فإنه يلزم عنه أن يكون المتناهي غير متناه. وكثيرا ما ينتفع بهذا في مقاومة الأقاويل الفاسدة في الصنائع. وينبغي أن تعلم أنه لا يمكن الإنسان أن يغلط فيضع مقدمتين متقابلتين في قياس واحد بسيط بعينه. وكذلك لا يمكن السائل أن يغلط المجيب حتى يسلم له مقدمتين معا متناقضتين في قياس واحد بسيط ولا أن يسلمها إذا سئل عنها بجهة واحدة- مثل أن يسلم أن هذا الشيء خير وأنه ليس بخير. وإنما يمكن ذلك إذا سئل عنها بجهة واحدة ووضعت بجهة أخرى أو وضعت جزءا من مقاييس مركبة. أما وضعها بجهة والسؤال عنها بجهة فمثل أن يسأل أليس الحي الأبيض ليس بأبيض، فإنه يمكن أن يسلم لنا هذا لأن الأبيض هو مجموع شيئين وليس هو أبيض وحده فقط. فعلى هذا المفهوم يمكن المجيب أن يسلم لنا هذه المقدمة عند سؤالنا إياه عنها. فإذا سألناه بعد أليس الإنسان حي أبيض، أمكن أيضا أن يسلم لنا هذه الأخرى فينتج عليه المحال، وهو أن بعض ما هو أبيض ليس بأبيض. وكذلك يمكن أيضا أن يسلم لنا المتقابلتين إذا وضعنا إحداهما جزءا من قياس بسيط نحو نتيجة محدودة ووضعنا الأخرى أيضا جزءا من قياس آخر بسيط نحو أيضا نتيجة أخرى. وبهذا بعينه يمكن الإنسان أن يغلط فيضع في المقاييس المركبة مقدمات متناقضة- مثل أن يسلم لنا أن كل طب علم وكل علم ظن من غير أن يصرح باللازم عن ذلك، وهو قولنا كل طب ظن، ثم يسلم لنا مقدمة ثانية، وهي قولنا ولا شيء من الطب ظن، فيكون قد سلم لنا في هذه المقدمات الثلاث مقدمتين متقابلتين، وهو أن كل طب ظن ولا شيء من الطب ظن، فيلزم عنه أنه ولا شيء من الطب طب. وأكثر ما يعرض هذا متى سألنا عن لازم والمقابل لا عن المقابل نفسه، فإنه يخفى ويسلم لنا وبخاصة متى كان اللازم بعيدا- مثل أن نسأل عن إيجاب محمول لموضوع فيسلم لنا، ثم عن سلب ذلك المحمول عن جنس ذلك الموضوع أو عن نوعه أو شخصه فيسلم لنا، فيلزم عنه سلب ذلك المحمول بعينه عن جميع ذلك الموضوع الذي أوجب له.

القول في وضع المطلوب الأول نفسه في القياس وهو الذي يسمى مصادرة

قال: ووضع المطلوب الأول- أعني الذي يقصد بيانه لنفسه لا من أجل غيره- جزءا من القياس المنتج له هو من جنس الأقاويل التي لا يمكن أن يبرهن منها الشيء الذي قصد برهانه. والمطلوب يعرض له أن لا يتبرهن من القول الذي قصد به برهانه على جهات أربع. أحدها أن يكون ذلك القول لا يلزم عنه النتيجة التي قصد به أن تلزم عنه، إما لأنه غير منتج أصلا لشيء من الأشياء وأما لأنه غير منتج للشيء الذي قصد إنتاجه. والجهة الثانية أن تكون المقدمات أخفى من النتيجة، فإن من شرط المقدمات أن تكون أعرف من النتيجة. والجهة الثالثة أن تكون المقدمات والنتيجة في مرتبة واحدة من الخفاء. والجهة الرابعة أن تكون النتيجة هي السبب في معرفة المقدمات، فإن من شرط المقدمات أن تكون أعرف من النتيجة وأن تكون هي السبب في معرفتها. وبهذا ينفصل هذا القسم من القسم الثاني. وإذا تقرر هذا فليس وضع المطلوب الأول جزء قياسه- وهو الذي يسمى المصادرة- هو القول الذي لا يبرهن به المطلوب، إذ كان هذا يقال على جهات، بل القول الذي لا يتبرهن به المطلوب أحرى أن يجري منه مجرى الجنس. وهذا النوع من القول الذي مصادرة هو أن يروم إنسان أن يبين شيئا مجهولا بذلك الشيء نفسه- وأعني بالشيء المجهول ما لا يمكن أن يبين إلا بغيره. فإن الأشياء المعلومة صنفان، إما معلومة بأنفسها- وهي المقدمات الأول- وإما معلومة بغيرها- وهي التي تعلم بالمقدمات الأول. فمتى رام إنسان أن يبين شيئا مما يعلم بغيره بنفسه فهو الذي يسمى في هذه الصناعة مصادرة- وهو وضع المطلوب الأول. وهذا الفعل من الغالط أو المغالط يقع على وجهين. أحدهما أن يضع المطلوب نفسه مقدمة في بيان نفسه، وذلك يعرض إذا كان المحمول والموضوع في المطلوب اسمين مترادفين على ما سيأتي بعد. والوجه الثاني أن يبين نتيجة ما بمقاييس كثيرة مركبة من مقدمات كثيرة سبيل إحدى تلك المقدمات أن لا يتبين إلا إذا استعملت تلك النتيجة مقدمة في القياس المنتج لها- مثل أن يبين إنسان أن اَ موجودة في هَ بأن يأخذ أن اَ موجودة في بَ وبَ في هَ، ثم يبين وجود بَ في هَ بوجود بَ في جَ وجَ في هَ، ثم يبين وجود اَ في بَ بوجود اَ في هَ- التي هي النتيجة- ووجود هَ في بَ. فإنه لا فرق بين هذا الصنف والصنف الأول إلا أن الصنف الأول أنتج فيه الشيء المقصود إنتاجه من الشيء نفسه وهذا الصنف أنتج فيه الشيء المقصود إنتاجه بأكثر من واسطة واحدة. والغلط في هذا الصنف الثاني يقع كثيرا لموقع النسيان- مثل ما يعرض لمن يبرهن أنه إذا وقع خط مستقيم على خطين مستقيمين فصير الزاويتين اللتين في جهة واحدة مساويتين لقائمتين أن الخطين متوازيان، فإنهما إن لم يكونا متوازيين فإنهما إذا أخرجا على استقامة التقيا في إحدى الجهتين فيكون هنالك مثلث تكون زواياه أكبر من قائمتين، وذلك خلف لا يمكن فإن كون المثلث ذا زاويتين قائمتين إنما يبين بالخطوط المتوازية. وبالجملة يعرض لمن يستعمل هذا النوع من البيان من الشناعة ما يلحق من يقيس فيقول إن كان هذا الشيء موجودا فهذا الشيء موجود. وعلى هذه الجهة تكون الأشياء كلها معلومة بأنفسها وغنية عن أن تعلم بغيرها.

فمتى كان عندنا شيء مجهول الوجود لشيئين مختلفين وكان وجود أحد ذينك الشيئين للآخر معلوما بنفسه ورمنا أن نبين وجود ذلك الشيء المجهول لأحد ذينك الشيئين بوجوده للشيء الآخر، فقد بينا المجهول بمجهول. لكن ليس يلزم أن يكون مثل هذا البيان هو البيان الذي يعرف بالمصادرة- مثل أن يكون عندنا مجهولا وجود اَ في بَ وفي جَ ووجود بَ في جَ بينا بنفسه فنريد أن نبين وجود اَ في جَ بوجوده في بَ. وإنما يجب أن يكون مثل هذا البيان مصادرة، أما في الحقيقة فمتى كان الشيئان شيء واحد بعينه بالحقيقة- أعني جَ وبَ- وإنما يختلفان بالأسماء وذلك إذا كان لهما اسمان مترادفان، وأما في الظن المحمود فإذا ظن ببَ وجَ أنهما شيء واحد من غير أن يكونا في الحقيقة شيئا واحدا بالعدد وذلك يعرض إذا كان كل واحد منهما منعكسا على صاحبه- مثل أن يكون أحدهما خاصة للآخر أو حدا أو رسما- أو كان أحدهم يلزم الآخر وإن لم يكن منعكسا- مثل لزوم الحيوان عن وجود الإنسان- لكن هذه هي مصادرة في المشهور لا في الحقيقة. وأما إذا كانا مختلفين بالاسم فقط فهي مصادرة حقيقية- مثل أن يبين إنسان في هذا الشيء المشار إليه أنه بعير لأنه جمل. وكذلك متى كان عندنا شيئان مجهولا الوجود لشيء آخر وكلاهما معلوم الوجود للآخر وأردنا أن نبين وجود أحدهما لذلك المجهول بوجود الآخر له، فإنه ليس يكون هذا مصادرة على المطلوب ما لم يكن ذانك الشيئان المعلوم وجود أحدهما للآخر هما في الحقيقة شيء واحد أو يظن بهما أنهما شيء واحد إما لمكان أن كل واحد منهما منعكس على صاحبه وإما لأنه يلزمه- مثل أن يكون عندنا اَ وبَ مجهولي الوجود في جَ ويكون وجود اَ لبَ معلوما، فإنه ليس يكون ذلك مصادرة على المطلوب ما لم يظن أن اَ وبَ شيء واحد بعينه أو يكونا شيئا واحدا بعينه. والفرق بين المصادرة والبيان الدائر أن الحدود الثلاثة يجب في البيان الدائر أن تكون منعكسة بعضها على بعض على ما تبين- أعني اَ وبَ وجَ- وأما هاهنا فليس يشترط العكس إلا في بَ وجَ- أعني في حدين من حدود القياس. وإذا كان البيان المسمى مصادرة ووضع المطلوب إنما هو أن يبين الشيء المجهول الوجود بنفيه من جهة ما يعرض للشيء الواحد أن يظن به شيئان، وذلك إما محمول المطلوب والحد الأوسط وإما موضوعه والحد الأوسط، فبين أن قياس المصادرة يأتلف من مقدمتين إحداهما معلومة، وهي وجود أحد ذينك الشيئين للآخر- أعني اللذين هما في الحقيقة واحد أو في المشهور- والثانية مجهولة، وهي وجود الطرف المجهول من المطلوب لأحدهما، إما الأكبر للأوسط إن كانت المعلومة هي الصغرى وإما وجود الأوسط للأصغر إن كانت المعلومة هي الكبرى- مثل أن يكون بَ وجَ اسمين مترادفين ونريد أن نبين وجود اَ في جَ بتوسط بَ، أعني بأن نأخذ اَ في بَ وبَ في جَ، فإن وجود اَ في بَ يكون المقدمة المجهولة ووجود بَ في جَ يكون المقدمة المعلومة، إذ كانا اسمين مترادفين أو ما يظن بهما أنهما كذلك. وكذلك يعرض إن كان اَ وبَ هما الاسمان المترادفان- أعني أن يكون وجود اَ في بَ هو المعلوم ويكون وجود بَ في جَ هو المجهول.

وإذا كان هذا هكذا فهو ظاهر أن أصناف الأقاويل المركبة هذا التركيب المسمى مصادرة يكون في كل شكل من الأشكال الثلاثة وأنه إذا كان القياس من مقدمتين موجبتين فإنه تكون الأصناف المؤتلفة من هذا الجنس في الشكل الثالث والأول ضعف الأصناف المنتجة في واحد واحد منها. أما كونها في كل شكل فلأن جدودها منعكسة بعضها على بعض- أعني المقدمة المعلومة. وأما كونها ضعف المنتجة في الموجبات فلأن كل صنف منها ينقسم إلى قسمين، أحدهما أن تكون الصغرى هي المجهولة والكبرى هي المعلومة، والصنف الثاني عكس هذا- وهو أن تكون الصغرى هي المعلومة والكبرى هي المجهولة. وأما إذا كان القياس سالبا- أعني من مقدمتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة- فليس يتفق أن تتضاعف هذه الأصناف، لأن المجهولة إنما تكون أبدا السالبة إذ لا يصح أن تكون المقدمة المعلومة سالبة لأنها أبدا إما شيء هو في الحقيقة واحد وإما ما يظن به أنه واحد. وإذا كان البيان على جهة المصادرة صنفين، إما مصادرة حقيقية- وهي التي تكون المقدمة المنعكسة فيها اسمين مترادفين- وإما مصادرة بسبب الظن الجميل المشهور- وهي المقدمة التي يظن بها من قبل انعكاسها على نفسها أنها واحدة أو من قبل انطواء أحد الحدين تحت الآخر أنها واحدة- فبين أن صناعة البرهان إنما ترفض المعنى الحقيقي منها وأن صناعة الجدل ترفض منها الصنفين جميعا- أعني منها ما هو مصادرة حقيقية وما هو مصادرة بحسب المشهور. وأما صناعة السوفسطائية فهذا البيان خاص بها. وكذلك يشبه أن تكون الخطابة لا ترفض واحدا من صنفي هذا البيان.

فقد تبين من هذا ما هو البيان المسمى مصادرة وكم أصنافه.

القول في أخذ ما ليس بسبب للنتيجة الكاذبة على أنه سبب قال: وأما إذا أنتج السائل على المجيب الكذب من وضعه- وهو الموضع الذي يراجعه المجيب فيه بأن يقول له أن الكذب لم يعرض من قبل الأمر الذي وضعته أيها السائل وإنما عرض عن أمر آخر في هذا القول الذي رمت به أن تبين أن الكذب عرض عن الوضع الذي تضمنت أنا حفظه أو سلمته- فإن ذلك إنما يعرض في القياس الذي بالخلف إذا عرض أن يكون الكذب فيه لازما من غير أن يكون في ذلك تأثير للأصل الموضوع. وذلك إنما يعرض في قياس الخلف متى كانت إحدى مقدمتيه صادقة والتي لزم عنها الكذب مشكوكا فيها وأضيف إليها الوضع على أنه أمر زائد على المقدمتين. فإنه متى كانت مقدمتا القياس الذي بالخلف مشكوكا فيها فأنتج منها السائل الكذب بعد أن أدخل في جملتها الوضع ليوهم أن الكذب إنما لزم عن الوضع، فقد يكتفي المجيب هاهنا أن يقول أن الكذب إنما لزم عن الكذب الذي في القياس دون أن يحتاج أن يقول إنه ليس من قبل الموضع عرض الكذب، لأنه إنما يحتاج إلى هذا القول إذا كانت إحدى مقدمتي قياس الخلف صادقة والأخرى مشكوكا فيها. وكذلك أيضا يظهر أنه ليس يكون هذا القول من المجيب إذا كاب الإبطال الذي وجهه السائل عليه مؤلفا من قياس مستقيم، وذلك أن القياس المستقيم ليس يضع أحد فيه ما يروم إبطاله وإنما يعرض ذلك في قياس الخلف.

وإذا كان بينا أن هذا القول العادي من المجيب إنما يكون عندما يأتي السائل بقياس الخلف لا بالقياس المستقيم، فهو بين أنه إنما يعرض في قياس الخلف إذا كان المحال لازما- وجد الموضوع الذي يفرضه المجيب أو ارتفع- لأنه حينئذ يسوغ للمجيب أن يقول للسائل إنه ليس من قبل الوضع الذي فرضته أنا أو سلمته لزم المحال في هذا القياس الذي زعمت أن من قبله لزم المحال. وهذا يعرض على ضربين في قياس الخلف. أبينهما- وهو الذي ليس يخفي على أحد ولا يمكن أن يغالط به أو يغلط فيه إلا قليل من الناس- فهو أن لا يكون الوضوع مشاركا ولا بواحد من جزئيه- أعني المحمول والموضوع- لحدود المقدمات التي لزم عنها المحال. مثال ذلك أن يكون الأصل الذي نروم إبطاله اَ في كل بَ، فنقول إن كان اَ في كل بَ وكان جَ في كل دَ ودَ في كل هَ فإنه يلزم أن تكون جَ في كل هَ، وذلك محال. فالمحال إنما لزم عن وضعنا اَ في كل بَ، فإذن اَ في كل بَ محال. فإنه ظاهر أنه ليس لكون اَ في بَ في هذا القول تأثير في وجود جَ في هَ، الذي هو المحال. ومثال هذا- كما يقوله أرسطو- من المواد من قال إن القطر لا يشارك الضلع، لأنه إن شاركه وكان المتحرك إنما يقطع المسافة المتناهية بعد أن يقطع نصفها ولا يقطع نصفها إلا بعد أن يقطع نصف ذلك النصف، وكان يوجد في العظم أنصاف لا نهاية لها، فواجب إن كانت الحركة موجودة أن يكون المتحرك قد قطع مسافة غير متناهية في زمان متناه، وذلك محال. والمحال إنما لزم عن قولنا إن القطر مشارك للضلع، فإنه بين أن هذا القول الذي لزم عنه المحال- الذي هو شك زينن في الحركة- ليس بمتصل بجزء من أجزاء الموضوع الذي ريم بهذا القول إبطاله. ولذلك قل ما يستعمل هذا. والنحو الثاني- الذي هو أخفى من الأول- أن يكون الوضع الذي ريم إبطاله بأحد جزءيه، إما للمقدمات التي أنتجت الكذب دون النتيجة، وإما للنتيجة الكاذبة. والذي تكون مشاركته للنتيجة هو أخفى وهو الذي ذكره أرسطو. وإذا كان مشاركا للنتيجة فإما أن يكون مشاركا بالمحمول أو بالموضوع. ثم إذا كان مشاركا بواحد من هذين فإما أن يشاركها على أن يكون محمولا- أعني في النتيجة- وأما أن يشاركها على أنه موضوع فيأتلف من ذلك أربعة أضرب. وذلك أنه إذا شارك النتيجة شارك المقدمات. وإذا شارك المقدمات في الشكل الأول فإما أن يشاركها من فوق، وذلك بأن يكون أحد طرفي الموضوع محمولا على الطرف المحمول الأول في المقدمات إما المحمول منه وإما الموضوع فيكون أحد طرفي الموضوع محمولا في النتيجة الكاذبة. مثال ذلك أن يكون الموضوع الذي نريد أن يلزم أن الكذب لزم عنه أن اَ في كل بَ وتكون المقدمات المرتبة في الشكل الأول الذي بوساطتها أنتج الكذب جَ على دَ ودَ على كل هَ. فإذا أخذنا مثلا اَ على بَ وبَ على كل جَ وجَ على كل دَ ودَ على كل هَ، ثم أنتجنا عن ذلك محالا- وهو أن بَ مقولة على كل هَ- فهو بين أن هذا المحال لازم دون مقدمة اَ بَ الذي هو الأصل الموضوع وأن هذه المشاركة هي لموضوع الأصل المقصود إبطاله فقط على أن موضوع الأصل هو محمول في النتيجة الكاذبة. وإن وضعنا القياس هكذا فقلنا: اَ في كل بَ واَ في كل جَ وجَ في كل دَ ودَ في كل هَ، ثم أنتجنا عن ذلك محالا- وهو أن اَ في كل هَ- فهو بين أن هذا المحال إنما شارك الأصل الموضوع الذي قصد إبطاله في المحمول فقط- الذي هو اَ- على أنه محمول في النتيجة، وأنه إذا رفعت مقدمة اَ بَ- التي هي الأصل الموضوع- بقي المحال كما كان. وكذلك إن وضع الأصل الموضوع مشاركا لهذه المقدمات بأحد طرفيه من جهة أسفل- أعني بأن يوضع موضوعا لموضوع المقدمة الأخيرة من المقدمات التي أنتجت الكذب. مثال ذلك أن نضع جَ على كل دَ ودَ على كل هَ وهَ على كل اَ واَ على كل بَ- الذي هو الموضوع- ويكون المحال اللازم جَ على كل اَ، فهو بين أن الموضوع يشارك النتيجة الكاذبة بجزء المحمول على أنه موضوع لها. وكذلك إن وضعنا جَ على كل دَ ودَ على كل هَ وهَ على كل بَ واَ على كل بَ، وكان المحال أن جَ على كل بَ، فهو بين أيضا أن النتيجة الكاذبة شاركت الأصل الموضوع بموضوعه على أنه موضوع فيها. فهذه كما ترى أربعة أصناف تحدث عن مشاركة المقدمات في الشكل الأول لأحد طرفي الأصل الموضوع. وكلها يسوغ الجواب فيها بأن يقال إنه ليس من قبل الأصل الموضوع لزم الكذب، لأن الأصل الموضوع- الذي هو مقدمة اَ بَ- يرتفع في جميعها ويبقى المحال بعينه. وكذلك يعرض مثل هذا في جميع ضروب الشكل الأول وفي الشكل الثاني والثالث، والوقوف على ذلك قريب. فقد تبين من هذا أنه قد يكون الموضوع متصلا بالمقدمات الوسط التي أنتجت النتيجة الكاذبة ولا يكون الكذب لازما عن الموضوع وعلى كم جهة يعرض ذلك. ولذلك ليس يكتفي في كون المحال لازما عن الأصل الموضوع بأن يكون مشاركا للمقدمات التي أنتجت المحال، بل وأن يكون مع هذا إذا رفع ارتفع الكذب، فإنه إذا اجتمع هذان الأمران للموضوع، علم أن الكذب لازم عنه- أعني أن يكون مشاركا للنتيجة الكاذبة وأن يكون إذا ارتفع ولم تخلفه مقدمة ثانية مشاركة له ارتفع الكذب- لأنه قد يمكن إذا ارتفع الأصل الموضوع وخلفته مقدمة ثانية مشاركة له أن ينتج ذلك الكذب بعينه، فإنه قد يمكن أن ينتج شيء واحد بأوساط مختلفة. وأما أن ينتج نتيجة واحدة بمقاييس مختلفة الحدود بأسرها فليس يمكن إلا أن يكون الاختلاف في الحدود الوسط فقط دون الأطراف. ولذلك ليس يمكن أن نقول إنه إذا ارتفع الأصل الموضوع وبقي المحال أن ذلك المحال قد يمكن أن يلزم عن ذلك الأصل الموضوع بمقاييس مباينة بجميع حدودها للقياس الذي أنتج المحال دون الموضوع. وإذا رفعنا الموضوع المشارك وبقي المحال فبين أنه يجب أن يكون في المقدمات الوسط بين المحال والموضوع مقدمة كاذبة، فإن النتيجة الكاذبة لا يمكن وجودها عن مقدمات صادقة على ما تبين. فإن كان القياس الذي أضيف الوضع إليه ورام السائل أن يبطل به الوضع قياسا بسيطا- أعني من مقدمتين فقط- فإن كون المحال لازما مع رفع الوضع يكون بينا بنفسه أو كونه لازما عن الأصل الموضوع. وأما إن كانت المقاييس التي تصل بين المحال أكثر من قياس واحد، فإن ذلك يكون غير بين لكن يعلم أنه قد انطوى في القياس كذب. فإذا حللت تلك المقاييس كلها إلى القياس الأول الذي تربت عنه وبينت نتيجته فإنه يظهر هنالك هل يوجد الكذب مع ارتفاع الوضع أو لا يوجد. والمقاييس التي بهذه الصفة- أعني المركبة- هي التي تؤلف أولا عن مقدمتين إحداهما صادقة والأخرى مشكوك فيها، ولكن تكون النتيجة غير بين فيها أنها كذب. فإذا أضيفت إليها مقدمة صادقة ربما كانت النتيجة الحاصلة أيضا مجهول من أمرها أنها كاذبة أيضا فيضاف إليها أيضا مقدمة صادقة وتعتبر نتيجتها إلى أن تنتهي إلى نتيجة بين من أمرها أنها كذب فيعلم حينئذ أن تلك النتائج كلها كاذبة. فإذا حلت إلى القياس الأول وأعتبر القياس الأول مع الأصل الموضوع، عرف بهذا القانون هل المحال لازم عنه أم لا.

الفصل الخامس

قال: وقد ينبغي للمجيب في صناعة الجدل إذا تضمن حفظ وضع ما والسائل يقصد إبطاله بالمقدمات التي يتسلمها منه أن يتحفظ أن لا يسلم له حدا واحدا في المقدمات التي يسأل عنها مرتين فأكثر. وذلك إذا كان السؤال بالمقدمات فقط دون النتيجة، فإنه إذا لم يسلم حدا واحدا مرتين في المقدمات لم يكن هنالك حد أوسط. وإذا لم يكن في المقدمات التي يسلمها حد تشترك فيه، فليس يتأتى منها قياس فضلا عن أن يتأتى له منها قياس يبطل الوضع. وإن سلم له حدا واحدا مرتين في المقدمات فقد يتأتى له أن يمانعه عن تلك النتيجة التي هي نقيض وضعه من جهة كيفية ترتيب الحد الأوسط عند نوع نوع من أنواع النتائج الأربعة التي قيلت- أعني إذا لم يرتبه الترتيب الذي ينبغي. وهذه القوة تكون للمجيب بمعرفة أي نتيجة تنتج في أي شكل من الأشكال الثلاثة- أعني ما كان منها خاصا بشكل واحد أو مشتركا لأثنين منها أو للثلاثة بأسرها، وذلك الشيء قد تقدم. قال: والذي نأمر متقلد الجواب بأن لا يذهب عليه من أن يسلم ما يعود بإبطال وضعه هو الذي نأمر السائل بأن يستعمله على أخفى ما يكون حتى يذهب ذلك على المجيب. وذكر في ذلك وصايا ثلاثة خاصة بهذا الكتاب. إحداها أن لا يسأل عن المقدمات مع النتائج، بل تحذف النتائج سواء كانت المقدمات قريبة أو بعيدة. وذلك يعرف في القياس المركب إذا كانت المقدمتان اللتان تنتج النقيض إحداهما نتيجة والثانية مأخوذة بالسؤال وتكون أيضا تلك النتيجة تلزم عن مقدمتين كلاهما مأخوذة بالسؤال، فهاهنا يجب أن يسأل عن ثلاث مقدمات ويترك المقدمة الرابعة التي هي نتيجة. والوصية الثانية أن يسأل عن المقدمات البعيدة ويترك السؤال عن القريبة. وذلك يتفق أيضا في القياس المركب إذا كانت المقدمتان المنتجة للنقيض نتيجتين عن قياسين كل واحد من ذينك القياسين يأتلف عن مقدمتين، فيكون هاهنا ست مقدمات أربعة بعيدة- وهي المقدمات التي ليست نتائج- واثنتان قريبة- وهي النتائج- فيسأل عن الأربعة ويترك الاثنتين. والفرق بين هذه الوصية والأولى وإن كان كلا الموضعين حذفت منه النتائج أن هنالك حذفت النتائج بما هي نتائج وهنا بما هي قريبة. والوصية الثالثة أن يغير ترتيب المقدمات في السؤال فيسأل عنها على غير النظام الذي تأتلف عليه في القول. مثال ذلك إذا رام أن ينتج عليه أن اَ موجود في زَ بتوسط جود اَ في بَ وبَ في دَ ودَ في هَ وهَ في زَ، فليس ينبغي أن يسأل هل اَ موجودة في بَ ثم هل بَ موجودة في دَ، ولكن ينبغي أن يسأل أولا هل هَ موجودة في زَ ثم بعد ذلك هل هَ موجودة في دَ، وعلى هذا النحو يفعل في السؤال عن الباقية من عدم الترتيب الموجود لها عند الإنتاج، فإن بذلك يخفى الأمر على المجيب. فهذا ما يجب أن يفعله السائل من الإخفاء في القياس المركب. وأما في القياس البسيط الذي يكون من مقدمتين فقط وبحد أوسط واحد، فإنه ينبغي أن يبتدئ بالسؤال أولا عن المقدمة الكبرى ثم حينئذ يسأل عن الصغرى، نه علة هذه الجهة يخفي النتيجة جدا على المجيب، وذلك أنه يتشكل في ذهنه خلاف التشكيل المنتج.

ولأن السائل العارف بما في هذا الكتاب وهو الذي تتوجه إليه هذه الوصايا خاصة قد عرف متى يكون قياس منتج في القول ومتى لا يكون وكيف يكون، فهو بين أنه لا يخفى عليه متى اجتمع له من المقدمات التي يتسلمها من المجيب تبكيت له ومتى لا يجتمع ذلك، لأنه قد علمنا أنه متى أقر المجيب بمقدمات موجبة أو كان فيها الموجب والسالب أنه قد يمكن أن يكون تبكيت، لأنه قد تبين أنه لا يكون قياس إلا بأن تكون مقدمتاه معا موجبتين أو تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة. فإن اجتمع مع هذا أن تكون النتيجة نقيض الوضع الذي تضمن المجيب حفظه فقد كان تبكيت بالضرورة، لأن التبكيت هو قياس منتج لنقيض الوضع الذي تضمن حفظه. فأما متى لم يقر المجيب بمقدمة موجبة فإنه من المحال أن يكون تبكيت، لأنه قد تبين أنه لا يكون قياس من مقدمات سالبة. وإذا لم يكن قياس لم يكن تبكيت. وأما إذا كان تبكيت فقد يجب أن يكون قياس. وأما إذا كان قياس فليس يجب أن يكون تبكيت، وذلك أن هذه هي حال الأخص مع الأعم- مثل حال الحيوان مع الإنسان وحال القياس المطلق مع القياس المبكت. وكذلك بين أيضا أنه لا يكون قياس إذا لم يقر بمقدمة كلية، لأن القياس المنتج قد تبين أن من شرطه أن تكون إحدى مقدمتيه كلية والثانية موجبة.

الفصل السادس

قال: وكما يعرض الغلط والانخداع في المقدمات حتى يعرض فيما هو معلوم لنا بعلم أول أنه كذا أن يظن به أنه ليس بكذا، كذلك يعرض لنا هذا بعينه في النتائج- أعني أن يظن بما هو معلوم عندنا أنه كذا أنه ليس بكذا أو بالعكس. وقد يظن أن هذا غير ممكن أن يعرض لنا في النتائج- أعني أن نعلمها بعلم يقين وأن نظن بها خلاف ما علمنا، مثل أن يكون شيء واحد نعلم وجوده في شيئين بلا توسط ويكون ذلك الشيئان يعلم وجودهما أيضا في شيء آخر بلا توسط، مثل أن تكون اَ موجودة في بَ وجَ، وبَ وجَ موجودتان في دَ بلا توسط فإنه من علم أن اَ موجودة في كل بَ وبَ في كل دَ، وعلم أيضا أن جَ موجودة في كل دَ فإنه ليس يمكن أن يظن ولا أن يتوهم أن اَ غير موجودة في شيء من دَ لأنه يعرض من ذلك أن يعلم الشيء بعينه ويجهله من جهة واحدة، وذلك أنه إنما يقع للإنسان بالشيء ظن من جهة الجهل المتقدم له في ذلك الشيء، فإن كان عنده في ذلك الشيء عدم عرض أن يعلم الشيء ويجهله معا وذلك مستحيل. وكما يظن أن هذا ممتنع في المقاييس المختلفة الحدود الوسط- مثل هذين القياسين اللذين تمثلنا بهما- كذلك يظن أيضا أنه ممتنع في المقاييس التي تحمل حدودها الوسطى بعضها على بعض- مثل أنه إن علم أحد أن اَ موجودة في كل بَ وبَ في جَ وجَ في دَ فإنه ليس يمكن أن يتوهم ولا أن يظن أن اَ موجودة في بَ وبَ في جَ وجَ في دَ وأن اَ غير موجودة في شيء من دَ، لأنه يكون عنده علم بالشيء الواحد بعينه وجهل معا، وذلك محال.

إلا أن هذا إذا تؤمل ظهر أن الوجه الأول- وهو الذي لا يقال فيه الحدود المتوسطة بعضها على بعض- ليس يمكن أن يعرض لنا في المقدمة الكبرى من أحد القياسين ظن كاذب مع العلم بالمقدمة الكبرى من القياس الآخر والمقدمتين الصغريين من القياسين كليهما. ومثال ذلك أنه متى كان عندنا أن اَ في كل بَ وبَ في كل دَ وجَ في كل دَ فإنه ليس يمكن أن يغلط فيظن أن اَ ليست في شيء من جَ، لأنه يعرض من ذلك أن تكون مقدمتا القياسين الكبريان منها متضادتين في الاعتقاد أو قوتهما قوة المتضادة في الاعتقاد، وذلك شيء لا يمكن- أعني أن تحصل لنا معرفة متضادة في الشيء الواحد بعينه. وإنما يلزم ذلك لأنه إذا علم الإنسان بعلم يقين أن اَ موجودة في كل ما توجد فيه بَ وعلم أن بَ في دَ فإنه يعلم أن اَ في دَ، فإن توهم أن اَ غير موجودة في شيء مما توجد فيه جَ مع علمه أن جَ في كل دَ، فقد توهم أن اَ غير موجودة في بعض ما فيه بَ مع توهمه أن اَ موجودة في كل ما توجد فيه بَ، لأن دَ جزء من بَ، أو قد توهم أن اَ موجودة في دَ مع توهمه أن اَ غير موجودة في دَ، وكلا الوجهين محال، لأنه يكون إما توهما متضادا وإما توهما قوته قوة التوهم المتضاد، وذلك مستحيل- أعني أن يكون الإنسان يظن الإيجاب والسلب في شيء واحد بعينه من جهة واحدة.

وأما أن يغلط الإنسان في إحدى هاتين المقدمتين الكبريين إذا لم يكن عنده علم بالمقدمة الأخرى فذلك ممكن. فهذه هي حال الظن والعلم في القياسات التي الحدود الوسط فيها مختلفة. وأما القياس الواحد أو القياسات المحمولة حدودها الوسط بعضها على بعض فقد يمكن أن يكون عند الإنسان علم وظن في النتيجة، لكن لا من جهة واحدة بل من جهتين مختلفتين. مثال ذلك أنه يمكن أن يكون معلوم عندنا أن اَ في كل بَ وبَ في كل جَ وتكون النتيجة مجهولة عندنا- وهي أن اَ في كل جَ- فنخدع فنظن أن اَ ولا في شيء من جَ لأنه ليس من علم المقدمتين. فقد علم النتيجة إذ كانت النتيجة معلومة بالقوة في المقدمتين لا بالفعل على جهة ما يعرض للجزئي أن لا يكون معروفا عند من عرف الكلي. مثال ذلك أنه من علم أن اَ موجودة في كل بَ- أي في كل ما توجد فيه بَ- وكانت بَ موجودة في كل جَ فقد علم أن اَ موجودة في كل جَ، إلا أنه علم ذلك من قبل العلم الكلي وجهلها من قبل الجزئي. ولذلك ليس يمتنع من جهة الجهل أن يعرض له فيها ظن من قياس آخر فاسد مضاد لعلمه. ومثال ذلك من المواد أنه من علم أن كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين. فقد علم المثلث المشار المحسوس أنه بهذه الحال بالقوة لا بالفعل، لذلك قد يمكن أن يغلط فيه فيظن به أنه ليس بمثلث ولا زواياه مساوية لقائمتين. وذلك أنه عرفه من جهة الأمر الكلي وجهله من جهة الأمر الجزئي الخاص به. وبهذه الجهة يجب أن يحل شك مانن الذي قيل فيه إن المتعلم إن كان يجهل المطلوب فمن أين يعلم أنه قد علم إذا علم أو كيف يعلم المجهول من المعلوم، وإن كان يعلم قبل أن يتعلم فالتعلم فضل. وذلك أن الجواب في هذا أن يقال أن المطلوب هو مجهول من جهة أنه خاص ومعلوم من جهة ما هو عام، لا ما جاوب به أفلاطون من أن يسلم أن التعلم تذكر، لأنه إذا كان عندنا أن كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين وكنا نجهل هذا المثلث المخفي المشار إليه أنه مثلث فعندما ظهر لنا بالحس أنه مثلث علمنا أن زواياه مساوية لقائمتين. فليس يمكنهم أن يقولوا إن ما حصل من العلم عند ظهور المثلث بأن زواياه مساوية لقائمتين هو تذكر، فإنهم يسلمون أن ما حصل عن الحس ليس تذكرا.

وكما أن الجهل الذي يكون لنا بالجزئي ليس يضاد العلم الذي لنا بالكلي كذلك العلم بالمقدمتين ليس يضاد الجهل بالنتيجة، لأن المقدمتين معلومة بالفعل والنتيجة بالقوة. وذلك أن المعرفة تقال على أربعة ضروب، إما معرفة عامة وإما خاصة وإما بالقوة وإما بالفعل. وعلى هذه الجهات الأربع ليس يمتنع أن يوجد لنا في الشيء الواحد جهل وعلم معا، فيعرض لنا فيه ظن وعلم- أي من جهتين مختلفتين. وذلك شيء موجود بالحس. فإنا نجد كثيرا من الناس تكون عنده مقدمتان معلومتان فينخدع في النتيجة- كما يكون عنده العلم الكلي فينخدع في الجزئي. ومثال ذلك أنه قد يكون عند إنسان ما أن كل بغلة عاقر وأن هذه المشار إليها بغلة ويظن بها أنها حاملة لمكان انتفاخ يراه في جوفها، فيكون عنده ظن وعلم بالشيء الواحد بعينه، أما علم فمن قبل مقدمتيه الصادقتين اللتين عنده، وأما ظن فمن قبل قياس فاسد حدث له في ذلك الشيء. وذلك أن من شأن الذي يحدث لنا في أمثال هذه المواضع في مقابلة العلم أن ينشأ عن قياس فاسد. فمتى علم المقدمتين وجهل النتيجة، فقد علم شيئا واحدا وجهله، لكن علمه من جهة القوة وجهله من جهة الفعل. ومتى علم المقدمة الكبرى من القياس فقط فقد جهل الصغرى من جهة وعلمها من جهة، لكن علمها من جهة الأمر الكلي وجهلها من جهة الخاص الجزئي. ومتى علم الصغرى فقد علم الكبرى من جهة وجهلها من جهة، لكن علمها من جهة الجزئي وجهلها من جهة العلم الكلي.

فقد تبين من هذا على أي جهة يمكن أن يحصل لنا في النتائج علم وظن معا- أعني لإنسان واحد- وعلى أي جهة لا يمكن ذلك، وأن الجهة التي لا يمكن في إنسان واحد هي ممكنة في إنسانين.

في أشياء من الاستدلالات قوتها قوة المقاييس

قال: ويعرض للذين يتوهمون أن الأضداد شيء واحد- مثل الذين يتوهمون أن الخير والشر شيء واحد- أنه يلزمهم عن هذا التوهم أن يكون الشر يحمل على الخير والخير يحمل على الشر حتى يعرض عن ذلك أن يحمل الشيء على نفسه. وذلك أنهم سيقرون أن الخير هو شر وأن الشر هو خير، فيأتلف هذا القول على مثال ائتلاف الشكل الأول، ويلزمهم أن يكون الخير خيرا كمثل ما يأتلف القول لو كانت هذه المقدمات صادقة. وكذلك يلزم من يقول إن جميع الموجودات واحدة- أعني أن يكون الشيء يحمل على نفسه- لأنه إن كانت جَ وبَ شيئا واحدا وبَ واَ شيئا واحدا، لزمهم أن يعترفوا أن جَ هو بَ وأن بَ هو اَ وأن جَ هو اَ مع أنها شيء واحد. فالنتيجة تكون لازمة ضرورة في أمثال هذه الأقاويل، لكن نتيجة كاذبة عن مقدمات كاذبة. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون خير شرا إلا بالعرض، فأما بالذات فلا. وتوهم الأضداد أنها واحدة بهذا السبب يكون، وضروب كثيرة من التوهمات كما عرض ذلك للقدماء. وأنواع هذه التبكيتات التي تستعمل مع أمثال أصحاب هذه الآراء إذا استقصى أمرها وجدت معادة لأنواع المتقابلات ولأنواع الأشياء التي يقال عليها اسم الواحد والكثرة. قال: وإذا كان معنا حدود ثلاثة مرتبة ترتيب الشكل الأول- مثل أن تكون اَ موجودة في كل بَ، وبَ موجودة في كل جَ- فإنه متى انعكست النتيجة فإن المقدمتين منعكستان. وذلك أنه إن صدق أن جَ موجودة في كل اَ فواجب أن تكون جَ موجودة في كل بَ وبض في كل اَ، لأنه إن أخذنا أن جَ في كل اَ وأضفنا إليها المقدمة الكبرى- وهو أن اَ في كل بَ- أنتج عكس الصغرى- وهي أن جَ في كل بَ. وكذلك أيضا متى أخذنا عكس النتيجة- وهي قولنا جَ في كل اَ- وأضفنا إليها المقدمة الصغرى أنتج عكس الكبرى وذلك أنه يكون معنا بَ في كل جَ- وهي الصغرى- وجَ في كل اَ- وهي عكس النتيجة ينتج لنا بَ في كل اَ- وهي عكس المقدمة الكبرى.

وأما القياس السالب الكلي من هذا الشكل فإنه يعرض له إذا انعكست المقدمة الكبرى منه أن النتيجة أيضا تنعكس. ومثال ذلك أنا إذا فرضنا اَ ولا في شيء من بَ وبَ في كل جض، أنتج لنا اَ ولا في شيء من جَ. فإن عكسنا الكبرى فانعكست النتيجة، وذلك أنه يكون معنا بَ ولا في شيء من اَ وبَ في كل جَ، فينتج لنا في الشكل الثاني جَ ولا في شيء من اَ- وهو عكس النتيجة، هذا إن كان عكس السالبة الكلية عندنا غير معلوم أو على أنه أمر لم يتبين لنا بعد فنستعمله في هذا الموضع. وكذلك متى عكسنا منه الصغرى الموجبة انعكست النتيجة أيضا، لأنه يكون معنا كل جَ هو بَ ولا شيء من اَ بَ، فينتج لنا في الشكل الثاني أن جَ ولا في شيء من اَ. وإذا انعكست النتيجة في هذا الصنف وانعكست الصغرى انعكست الكبرى، لأنه يكون معنا جَ ولا في شيء من اَ وجَ في كل بَ ينتج في الشكل الثاني بَ ولا في شيء من اَ. وبهذه الجهة فقط يمكن أن تنعكس المقدمة بعكس النتيجة، كما أمكن ذلك في الصنف الموجب، وإن كان لا بد هاهنا من عكس المقدمة الصغرى مع عكس النتيجة، وحينئذ يبين انعكاس الكبرى. وأما انعكاس النتيجة عن انعكاس إحدى المقدمتين فليس يمكن في الصنف الموجب كما أمكن ذلك هاهنا لأنه لا ينتج من موجبتين في الشكل الثاني.

الفصل الثامن

قال: وإذا كان حدان ينعكس كل واحد منهما على صاحبه- مثل أن يكون كل اَ هو بَ، وكل بَ هو اَ- وكان أيضا حدان آخران ينعكس كل واحد منهما على صاحبه- مثل أن يكون كل جَ هو دَ وكل دَ هو جَ- وكان اَ وجَ متقابلين وبَ ودَ أيضا متقابلين، فإنه إن كان الزوجان متقابلان لا يخلو من أحدهما موضوع ما فإن الزوج الثاني من المتقابلين الآخرين لا يخلو ذلك الموضوع منهما. مثال ذلك أنه إن كان اَ وجَ لا يخلو من أحدهما كَ فإن بَ ودَ لا يخلو من أحدهما كَ، لأنه إن كان كل ما توجد فيه اَ فبَ توجد فيه وكل ما توجد فيه جَ فتوجد فيه دَ وكان كَ إما أن توجد فيه اَ وإما جَ فظاهر أن كَ إما أن توجد فيه بَ وإما دَ، لأنه يأتلف القياس المركب كَ إما أن توجد فيه اَ وإما جَ وكل ما يوجد فيه اَ ففيه بَ وكل ما يوجد فيه جَ ففيه دَ، فكَ إما أن توجد فيه بَ ضرورة وإما دَ. وكذلك يبين عكس هذا- أعني إن فرضنا أن كَ لا تخلو من دَ أو بَ فإنه يلزم أن لا تخلو إما من اَ وإما من جَ. ومثال ذلك من المواد إذا أخذنا بدل اَ مكونا وبدل بَ فاسدا وبدل جَ غير مكون وبدل دَ غير فاسد، وكان كل مكون فاسدا وكل فاسد مكونا وكذلك كل غير مكون غير فاسد وكل غير فاسد غير مكون، فأقول إنه إن كان كل شيء إما مكونا وإما غير مكون فواجب أن يكون كل شيء إما فاسدا وإما غير فاسد، لأنه إن كان كل ما هو مكون فاسدا وما هو غير مكون غير فاسد وكان كل شيء لا يخلو من أن يكون إما كائنا وإما غير كائن فبين أن كل شيء لا يخلو أن يكون إما فاسدا وإما غير فاسد. وأقول أيضا أنه إذا وضعنا أن الموضوع الواحد بعينه لا يخلو من أن يوجد فيه أحد الزوجين المتقابلين وفرضنا أن أحد جزءى المتقابلين ينعكس على الجزء الآخر من المقابل الآخر، فأقول إن الجزء الباقي من أحد الزوجين المتقابلين ينعكس على الجزء الآخر من المقابل الآخر. مثال ذلك أنه إذا كان كل شيء إما مكونا وإما غير مكون وإما فاسدا وإما غير فاسد وكان كل مكون فاسدا وكل فاسد مكون، فأقول إن كل غير مكون غير فاسد وكل غير فاسد غير مكون. برهان ذلك إن لم يكن غير المكون غير فاسد فليكن فاسدا، ولأن كل شيء قد وضع أنه إما فاسد وإما غير فاسد، فإن كان غير المكون فاسدا وكان قد وضع أن الفاسد ينعكس على المكون- أي أن كل فاسد مكون- فنه يلزم عن ذلك أن يكون غير المكون مكونا، وذلك خلف لا يمكن لأنه يأتلف القياس هكذا: غير المكون فاسد وكل فاسد مكون، النتيجة فكل غير مكون مكون. وبمثل هذا يبين أن غير الفاسد ينعكس على غير المكون.

الفصل التاسع

وأيضا إذا ائتلفت موجبتان كليتان في الشكل الثاني وكان الحد الأوسط لا يوجد في غير الطرفين وكان الطرف الأعظم يوجد في كل الأصغر، فإنه يجب أن يوجد الأعظم في كل الأوسط- أعني أن ينعكس عليه، مثل أن تكون اَ موجودة في كل بَ وفي كل جَ لا في غيرهما وتكون بَ موجودة في كل جَ. فأقول: إنه يجب أن تكون بَ موجودة في كل اَ، وذلك أنه إذا كانت بَ توجد في كل جَ وفي جميع جزئياتها وكانت اَ لا توجد إلا في كل جزئيات جَ وفي كل بَ فظاهر أن كل ما يوجد في اَ فإن بَ توجد في، فإذن كل ما هو اَ فهو بَ.

وأيضا إذا ائتلفت موجبتان في الشكل الثالث وكان الحد الأوسط ينعكس على الطرف الأصغر فإنه يجب أن يكون الطرف الأكبر في كل الأصغر- أعني أن ينتج موجبة كلية. مثال ذلك أن تكون اَ وبَ تقال على كل جَ وجَ مقولة على كل بَ، فأقول أنه يجب ضرورة أن تكون اَ مقولة على كل بَ لأنه تكون اَ مقولة على كل جَ وجَ مقولة على كل بَ فتكون اَ ضرورة في كل بَ لأنه يرجع التأليف إلى الشكل الأول.

الفصل العاشر

وإذا كان شيئان متقابلين مثل اَ وبَ، وكانت اَ أمرا مؤثرا عندنا وبَ متجنبا، وكان أيضا شيئان آخران متقابلين مثل جَ ودَ، وكانت جَ أيضا متجنبا ودَ مؤثرا ومطلوبا، فإنه إن كان كلا اَ وجَ أفضل من كلى بَ دَ فإن اَ أفضل من دَ وآثر لأنه لما كان اَ وبَ متقابلين وكانت اَ مطلوبة وبَ متجنبة كان اَ مطلوبا مثلما بَ متجنبة. وذلك أن كل متقابلين فهما في غاية واحدة من التقابل. وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول إن اَ تكون ضرورة أفضل وآثر من دَ، لأنها إن لم تكن آثر فهي إما مساوية لها وإما أن تكون دَ آثر منها. فإن كانت اَ ودَ بالسوية مطلوبين فهو بين أن جَ وبَ بالسوية مهروب منهما، لأن بَ مساوية في الهرب منها للألف في الطلب، وجَ في الهرب منها لدَ في الطلب لها. وإذا كان ذلك كذلك فإن كلي اَ جَ مساويان في الطلب لكلى بَ دَ وقد كنا فرضنا أن اَ وجَ آثر، هذا خلف لا يمكن. وإن فرضنا دَ آثر من اَ لزم أن تكون بَ أقل في باب الهرب من جَ. وذلك أن ما هو أقل هربا هو المقابل لما هو أقل طلبا، والأكثر هربا هو المقبل لما هو أكثر طلبا. وإذا كان دَ أكثر طلبا من اَ فجَ أكثر هربا من بَ فتكون دَ وبَ أكثر طلبا وأقل هربا من اَ وجَ، والأكثر طلبا والأقل هربا هو آثر، فدَ وبَ مجموعين آثر من اَ وجَ مجموعين وذلك نقيض ما وضعنا، هذا خلف لا يمكن فواجب متى فرضنا اَ وجَ آثر من بَ ودَ أن تكون اَ آثر من دَ. ومثال ذلك من المواد أن تبين لمن ابتلي بمحبة أن الأفضل له أن يختار أن لا يواتيه محبوبه من أن يواتيه. وذلك أنه لما كان من الظاهر أن الأفضل له أن يختار أن يواتيه مع أن لا يواتيه من أن يواتيه مع أن لا يختار أن يواتيه، فيجب بحسب ما قدمنا أن يختار أن لا يواتيه أفضل من أن يواتيه.

وبهذا بين أفلاطون أن الأفضل للمحب أن لا يجامع لأن الجماع مواتاة يرتفع معها اختيار أن يواتيه. وإذا لم يجامع اختار أن يواتيه. فالمحبة إذن كما يقول أرسطو إما أن لا يكون من فعلها الجماع وإما أن يكون الجماع إنما هو شهوة مقترنة بالمحبة. والمنزل الطبيعي أولا إنما يلتئم من المحبة أو هذه الشهوة، فحينئذ يكمل فعله فإن كثيرا من الشهوات إذا اقترنت بالصنائع والأخلاق تممت أفعال تلك الصناعة أو تلك الخلق إذا استعملها الإنسان مقدرة بحسب تلك الصناعة، وذلك مثل الشجاعة الطبيعية إذا اقترنت بالفروسية فحينئذ يكون فعل الفروسية على التمام.

فقد تبين من هذا كيف حال الحدود المنعكسة بعضها على بعض وكيف يقايس بين الآثر والأفضل بهذا النوع من الاستدلال. ويشبه أن يكون أرسطو إنما خص هذا الموضوع بالذكر هاهنا دون سائر مواضع الآثر والأفضل لقرب هذا من طبيعة القياس- أعني في عمومه.

في أن الاستقراء والضمير وسائر المقاييس المستعملة قوتها قوة ما تقدم

قال: وينبغي أن يبين الآن أن سائر المقاييس التي تستعمل في الخطابة والفقه والمشورة راجعة إلى المقاييس التي سلفت. وبذلك يصح لنا أن نقول إن جميع المقاييس تكون بالأشكال التي سلفت، ليس البرهانية فقط ولا الجدلية بل وجميع المقاييس الفكرية وبالجملة كل تصديق يقع في كل صناعة، وذلك بين من أن كل تصديق إما أن يكون بالقياس وما يجانس القياس- وهو المسمى ضميرا- وإما بالاستقراء وما يجانس الاستقراء- وهو المسمى تمثيلا. فأما الاستقراء فإنه إنما يبين فيه أبدا وجود ما شأنه أن يكون طرفا أكبر في القياس فيما شأنه أن يكون حدا أوسط في القياس بما شأنه أن يكون فيه طرفا أصغر، وبهذه الجهة يكون اللازم عنه واجبا ضرورة. مثال ذلك أن يكون الحد المتوسط بين اَ وجَ من جهة ما الحمل فيها على المجرى الطبيعي حرف بَ ويكون اَ هو الحد الأكبر بالطبع وبَ الأوسط بالطبع وجَ الأصغر. فيتبين بحرف جَ وجود اَ في بَ لا وجود اَ في جَ بحرف بَ على جهة ما يكون عليه البيان في القياس. ومثال ذلك من المواد أن نأخذ بدل اَ الحيوان الطويل العمر وعوض بَ الحيوان الصغير المرارة وعوض جَ البغل والفرس والإنسان، فيبين أن كل حيوان صغير المرارة فهو طويل العمر بأن نستقرىء جميع أصناف الحيوانات الصغيرة المرارة الطويلة العمر- مثل البغل والحمار والفرس- فيبين منها أن كل حيوان صغير المرارة فهو طويل العمر. وإذا كان الاستقراء هو هذا فهو بين أن الطويل العمر هو الحد الأكبر هاهنا بالطبع والأوسط الصغير المرارة، والأصغر الجزئيات. ونحن إنما بينا وجود الأكبر في الأوسط بوجوده في الأصغر. وإنما يكون هذا البيان لازما عن الاستقراء لزوما صحيحا- أعني مناسبا للزوم النتيجة عن القياس الصحيح الشكل- متى اسقرينا جميع الأصناف الصغيرة المرارة فوجدنا جميعها طويل العمر، لأنه حينئذ يجب إذا كان اَ وبَ موجودتين في كل جَ- أي الطويل العمر والصغير المرارة في البغل والفرس والحمار والإنسان- أن تكون اَ موجودة في كل بَ كما تبين قبل هذا. وذلك أنه إذا استقرينا جميع الحيوانات الجزئية التي أخذنا عوضها حرف جَ انعكس حرف بَ على حرف جَ في الحمل، فلزم عن ذلك أن تكون اَ في كل بَ على ما تبين قبل هذا. فلهذا ما يجب أن يكون اللازم عن الاستقراء لازما صحيحا إذا استوفيت فيه جميع الجزئيات، لأنه يأتلف القياس هكذا: كل صغير المرارة فهو إما بغل وإما فرس وإما حمار وإما إنسان وكل واحد من هذه طويل العمر، فكل قليل المرارة طويل العمر ضرورة. وأما إذا لم تستوف فيه جميع الجزئيات فليس يلزم عنه شيء بالضرورة.

وليس اشتراط هذا في الاستقراء مما ينقله من الاستقراء المستعمل في الجدل إلى الاستقراء المستعمل في البرهان كما ظن قوم. فإن الاستقراء المستعمل في البرهان التصديق به إنما يكون من خارج وبحصول شيء لنا لا يفيده الاستقراء بالذات وإن استوفيت فيه جميع الجزئيات- وهو كون المحمول ذاتيا للموضوع. فبهذا ينفصل هذا الاستقراء من الاستقراء البرهاني. وأما أن هذا الاستقراء يجب أن يكون خاصا بالجدل أو بالجملة جدليا، فذلك يظهر من أن شرط صناعة الجدل أن يكون القياس فيها صحيح الشكل. وإذا كان ذلك كذلك فواجب أن يكون الاستقراء مستعملا فيها بجهة يلزم عنها الشيء الذي يقصد بيانه به ضرورة. ثم ينفصل من الاستقراء المستعمل في البرهان إما بالذي قلناه من الحمل الذاتي وإما بأن يكون الاستقراء المستعمل في الجدل استوفيت فيه جميع الجزئيات التي هي جميع في المشهور لا التي هي جميع في الحقيقة. فعلى هذا ينبغي أن يفهم الأمر عن أرسطو هاهنا، وبه تنحل جميع الشكوك التي يتردد فيها أبو نصر. فأما هل تستعمل صناعة الجدل النوع من الاستقراء الذي لا يستوفى فيه جميع الجزئيات بل أكثرها وهل هو استقراء أو قوته قوة مثال، فذلك شيء يفحص عنه في كتاب الجدل.

قال: والاستقراء إنما تبين به أبدا ما ليس شأنه أن يبين بحد أوسط ولا هو أيضا ظاهر بنفسه، لأن ما شأنه أن يبين بحد أوسط فليس يمكن أن يبين إلا به وما هو ظاهر بنفسه فاستعمال الاستقراء فيه فضل. وهذا أحد ما يخلف به الاستقراء القياس والاستقراء- كما قلنا- يشارك القياس في أنه يكون بثلاثة حدود، ويخالفه أيضا في أن القياس يبين به وجود الطرف الأكبر للأصغر بالحد الأوسط، وأما الاستقراء فيبين فيه وجود الطرف الأكبر في الحد الأوسط بوجوده في الطرف الأصغر- أعني فيما شأنه أن يكون في القياس طرفا أكبر وحدا أوسط وطرفا أصغر، لا أن الذي يبين في الاستقراء هو فيه حد أصغر ولا أن الذي به يبين وجود المطلوب فيه هو فيه حد أوسط. ويخالفه أيضا القياس في أنه أقدم بالطبع والاستقراء أقدم في المعرفة. فهذه الثلاثة الأشياء هي التي بها يخالف القياس الاستقراء التام لا غير ذلك.

القول في المثال قال: وأما المثال فهو أن يبين وجود الطرف الأكبر في الأصغر بأن يبين وجود الأكبر في الأوسط بوجود الأكبر في الشبيه بالأصغر إذا كان وجود الأوسط في الأصغر والأكبر في الشبيه بالطرف الأصغر أبين من الذي نريد أن نبينه- وهو وجود الأكبر في الأصغر. ومثال ذلك أن يكون الطرف الأكبر اَ والأصغر جَ والأوسط بَ والشبيه بجَ هَ، ويكون وجود بَ في جَ واَ في هَ أعرف من وجود اَ في جَ. ومثال ذلك من المواد أن نأخذ بدل اَ جور وبدل جَ قتل عثمان، وبدل بَ قتل الخلفاء وبدل هَ قتل عمر رضي الله عنه. فإذا أردنا أن نبين أن قتل عثمان جور فإنما نقدم لذلك أن قتل الخلفاء جور، ونبين ذلك بأن قتل عمر رضي الله عنه جور، فإذا تبين لنا قلنا قتل عثمان هو قتل الخلفاء وقتل الخلفاء جور فقتل عثمان جور. هو بين أن نكون عثمان خليفة وأن قتل عمر جور أعرف عندنا من أن قتل عثمان رضي الله عنه جور. وهو بين أنا إنما بينا أن الطرف الأكبر موجود في الأوسط- وهو قولنا قتل الخلفاء جور- بوجوده في الشبيه بالطرف الأصغر- الذي هو قتل عمر الشبيه بعثمان في الخلافة والصحبة. وكذلك يعرض إن كان يبين وجود الطرف الأكبر في الواسطة بوجوده في أشياء كثيرة ما لم تستوفي فيه جميع الجزئيات فيكون الاستقراء المتقدم.

وتبين من هذا أن المثال هو البيان الذي يكون المصير فيه من جزئي أعرف إلى جزئي أخفى لأن المتشابهين ليس أحدهما تحت الآخر، وأن الاستقراء هو مصير من جزئيات أعرف إلى كلى أخفى، والقياس من كل أعرف إلى جزئي أخفى- وهي النتيجة الداخلة تحت المقدمة الكبرى. والفرق بين المثال والاستقراء المذكور هاهنا أن الاستقراء من جميع الجزئيات الداخلة تحت الحد الأوسط يبين أن الحد الأكبر موجود للأوسط، وأما المثال فليس من جميع الجزئيات يبين وجود الطرف الأكبر في الواسطة.

وأما البيان الذي يكون بالاستقراء فإنما ينتفع به في أن يأخذ جزء قياس إذا جعلت المقدمة التي تبين بالاستقراء مقدمة صغرى في القياس من الشكل الأول وكانت الكبرى بينة بنفسها، وذلك أيضا إذا كان وجود الحد الأوسط أقل خفاء من النتيجة أو مساويا لها في الخفاء. أما كونه مقدمة صغرى فلأنه إذا استعمل في بيان المقدمة الكبرى واستوفيت جميع الجزئيات على الشرط المذكور فيه فقد تبينت النتيجة بنفس الاستقراء، فلم يكن ما نبين به ينتفع به في أن يحصل جزء قياس بل يكون ذلك بينا بالاستقراء وحده من غير أن يضاف إلى الاستقراء قياس. وأما كونها أقل خفاء من النتيجة أو مساوية لها في الخلفاء، فلأنه إذا كانت هي أخفى من النتيجة لم يمكن أن تبين إلا بحد أوسط باستقراء، وذلك أن خفاء ما يبين بالاستقراء واجب أن يكون دون خفاء ما يبين بالقياس وإلا كانت قوة القياس والاستقراء واحدة.

وإنما يعرض أن يكون خفاء المقدمة التي تبين بالاستقراء مساوية للتي تبين بالقياس- أعني النتيجة- إذا كانت النتيجة إنما يجهل منها المعنى الذي يجهل من المقدمة الصغرى- وهو كونها كلية. مثال ذلك أن يكون المطلوب هل كل فضيلة متعلمة فيروم بيان ذلك بمقدمتين، إحداهما أن كل فضيلة علم والثانية أن كل علم متعلم، فتكون الكبرى معلومة بنفسها- وهي قولنا أن كل علم متعلم- وتكون الصغرى مجهولة الكلية مثل جهل النتيجة لأن من المعلوم لنا أن بعض الفضائل- وهي الحكمة- علم ومتعلمة، وإنما المطلوب هل كل فضيلة علم ومتعلمة. فإذا صح لنا بالاستقراء أن جميع الفضائل علم فيكون قد صح لنا المقدمة الصغرى- وهي أن كل فضيلة علم- بعد أن كان جهلنا بهما على وتيرة- أعني بالمقدمة الصغرى وبالنتيجة- وذلك من جهة أن الوجود فيهما كان معلوما وإنما كان المجهول الكلية. وأما إذا كانت النتيجة مجهولة الوجود بالجزء والكل- أي على الإطلاق- وكانت الكبرى معلومة بنفسها والصغرى مما شأنها أن تبين بالاستقراء، فإنه يجب ضرورة أن تكون المعرفة بها أكثر من المعرفة بالنتيجة. وذلك يعرض إذا كانت الجزئيات المستعملة في الاستقراء محدودة العدد، مثل ما كان عرض للمهندس القديم حين أراد أن يبين أن الدائرة يوجد لها شكل مربع يساويها بأن وضع مقدمة كبرى- وهو أن كل شكل مستقيم الخطوط فيوجد له مربع يساويه، وذلك معروف عند المهندسين- ثم رام أن يبين أن كل دائرة فإنها مساوية لشكل مستقيم الخطوط بأن قسم الدائرة إلى أشكال يسيرة العدد مساوية للأشكال المستقيمة الخطوط- وهي الأشكال الهلالية- فإنه لو كانت الدائرة تنقسم كلها إلى الأشكال الهلالية حتى يفنيها لقد كان ما عمل من الاستقراء في هذا الموضع يجري مجرى ما كانت المقدمة الصغرى فيه أقل خفاء من النتيجة.

وأما متى لم تكن الأوساط محدودة فإن أمثال هذه المقدمات ليس يبين بالاستقراء وإنما يبين بالقياس. ولذلك يقول أرسطو في أمثال هذه: إنه ليس يسمى البيان المستعمل فيها استقراء، لأن البيان الواقع في مثل هذه المقدمة إما أن يكون بقياس وإما بمثال وإما باستقراء لم تستوف فيه جميع الجزئيات. وقد صرح هو في هذا الموضع أن هذا النوع من الاستقراء هو مثال. وكما أنه إذا كانت وسائط المقدمة الصغرى معلومة بنفسها. فالمقدمة التي تبين بالاستقراء من خاصتها أن تكون صغرى وتكون أقل خفاء من النتيجة أو مساوية وأن تكون غير معلومة بنفسها.

القول في المعاندة قال: وأما المعاندة فهو الإتيان بمقدمة تضاد المقدمة التي يقصد إبطالها بالعناد. والفرق بين المقدمتين أن المقدمة التي يقصد إبطالها تكون أبدا كلية، لأنها هي التي بإبطالها تبطل النتيجة في القياس الذي إحدى مقدمتيه جزئية والثانية كلية. وأما المقدمة المضادة بالقوة لهذه المقدمة فقد تكون كلية إذا كانت أعم من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد إبطالها وقد تكون جزئية إذا كانت أخص من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد إبطالها. والمعاندة تكون بالطبع وأولا في شكلين، الشكل الأول والشكل الثالث، وذلك أن النتيجة التي يقصد بها إبطال المقدمة الكلية من القياس إما أن تكون كلية- إذا قصد الإبطال الكلي- وأما جزئية- إذا قصد الإبطال الجزئي والجزئية إنما يتأتى إنتاجها عند المقاومة إنتاجا أوليا في الشكل الثالث والكلية في الشكل الأول، وسواء كانت المقدمة المقصود إبطالها سالبة كلية أو موجبة كلية، لأنه إذا كانت كلية موجبة نوقضت أما بسالبة كلية وأما بسالبة جزئية وإن كانت سالبة كلية نوقضت إما بموجبة كلية وإما بجزئية.

وتبين أن المقاومة للمقدمات الكبر تكون إذا كانت كلية في الشكل الأول وإذا كانت جزئية في الشكل الثالث من المواد أنفسها. مثال ذلك أنه إذا وضع واضع أن اَ موجودة في كل بَ وأردنا أن نقاوم هذه الكلية بنتيجة كلية سالبة فإنا نضع أن اَ مسلوبة عن كل ما يحيط ببَ ويحمل على بَ- وليكن مثلا جَ- فتكون بَ موضوعة بالطبع لجيم وجَ موضوعة للألف وذلك هو تأليف الشكل الأول ضرورة. وإن قاومناها مقاومة جزئية أخذا أن اَ مسلوبة عن بعض بَ- وليكن ذلك البعض دَ- فيأتي دَ موضوعة بالطبع للطرفين، وذلك هو تأليف الشكل الثالث. وتكون كلتا المقدمتين الموضوعتين للمناقضة مقابلة بالقوة للمقدمة التي يقصد إبطالها إما من جهة أنها أعم وإما من جهة أنه أخص. وكذلك يفعل إذا كانت المقدمة التي يرام إبطالها كلية سالبة. ومثال ذلك من المواد أن يقصد إلى مقاومة قول القائل كل زوج من الأضداد علمها واحد. فإذا أردنا أن نقاومها بمقدمة كلية سالبة أخذنا سالبة يحيط بها- وهي قولنا ولا زوج واحد من المتقابلات علمها واحد. ولكون الأضداد- التي هي موضوع المقدمة التي قصد لإبطالها- داخلة تحت المتقابلات فيأتلف القياس في الشكل الأول- وهو أن الأضداد متقابلات ولا زوج من النتقابلات علمها واحد فولا واحد من الأضداد علمها واحد وإن قاومنا هذه المقدمة الكلية بمقدمة جزئية، أخذنا المحمول فيها مسلوبا عن بعض الأضداد- وليكن مثلا أن المجهول والمعلوم ليس علمها واحدا- فيأتي الحد الأوسط موضوع للطرفين ويأتلف القياس هكذا: المجهول والمعلوم ليس علمها واحدا والمجهول والمعلوم أضداد فإذن بعض الأضداد ليس علمها واحدا. وكذلك يعرض ذا كانت المقدمة التي يقصد مقاومتها سالبة كلية- أعني أن المقاومة لها إن كانت كلية كانت في الشكل الأول وإن كانت جزئية كانت في الثالث.

ولما كان بينا أنه يجب أن يؤلف القياس تأليفا يكون مطابقا للموجود- أعني أن تكون فيه المحمولات في الذهن على ما هي عليه بالطبع خارج الذهن، وهو الذي يعرف بالحمل على المجرى الطبيعي- فبين أن المقاومة إنما تأتلف في الشكل الأول والثالث لأن مادة المقدمة التي نأخذها مناقضة بالقوة تقتضي هذا لأنها إن كانت كلية- كما قلنا- كان الشكل الأول وإن كانت جزئية كان الشكل الثالث. فأما المقاومة بالشكل الثاني فإنه إنما يتأتى ذلك لا بأن نضع المقدمة التي هي بالقوة مناقضة للمقدمة المقصود إبطالها من أول الأمر على أنها بينة بنفسها، بل بأن نضع عكسها أولا على أنه بين بنفسه ثم نضع أنها منعكسة. ولذلك يحتاج المناقض- كما يقول أرسطو- بالشكل الثاني إلى عمل كثير. ومثال ذلك أنه إذا أراد أن يناقض قولنا اَ في كل بَ مناقضة كلية في الشكل الثاني فإنه يضع أولا على أنه بين بنفسه أن جَ المحيطة ببَ ليست في شيء من اَ ثم يضع أن هذا ينعكس حتى يعود اَ ولا في شيء من جَ، وهذا كله تكلف خارج عن الطبع مع أنه يكون حملا على غير المجرى الطبيعي. وكذلك الحال في المقاومة الجزئية التي تكون في الشكل الأول.

فهذه هي أصناف المقاومات التي تكون بالأشكال الحملية. وهنا أيضا مقاومات مأخوذة من الضد ومن الشبيه ومن الرأي المقبول عن واحد مرتضي أو نفر مرتضين. والمقاومة من الضد ومن الشبيه تكون في المقاييس الشرطية. مثال المقاومة من الضد أن يضع واضع أن الخير هو الذي يحسن إلى جميع إخوانه فيقاومه بأن يقول لو كان الخير هو الذي يحسن إلى جميع إخوانه لكان الشرير يسيء إلى جميع إخوانه. ومثال المقاومة بالشبيه أن يضع واضع أن الإبصار يكون بأن يخرج من البصر شيء إلى المبصر، فيقول له لو كان ذلك لوجب أن يكون السمع بشيء يخرج من السمع إلى المسموع. ومثال المقاومة التي تكون من الرأي المقبول قول القائل ليس ينبغي أن يعزر السكارى في ما جنوا لأن مالكا كان لا يعزرهم وكان يلزمهم الجنايات.

القول في العلامة والضمير

قال: وأما الضمير والعلامة فليس هما شيئا واحدا لأن الضمير يكون من المقدمات المحمودة، وهي التي تكون من الممكنة على الأكثر- أعني الأمر الذي يكون أو لا يكون على الأكثر ويوجد أو لا يوجد- وذلك مثل قول القائل إن الحساد يبغضون وإن المحبين يحبون. وأما العلامة فتكون من المقدمات التي هي دلائل على وجود الشيء وكونه، وهذه الدلائل إما أن تكون اضطرارية وإما مشهورة الصدق. والعلامة التي تدل على وجود الشيء تحمل على ثلاث جهات على مثال ما تحمل الحدود الوسط في الأشكال الثلاثة- أعني إما أن تكون محمولة على الأصغر موضوعة للأكبر فتأتلف العلامة في الشكل الأول، وإما أن تكون محمولة عليهما فتأتلف في الشكل الثاني، وإما أن تكون موضوعة للطرفين فتأتلف في الشكل الثالث. مثال ذلك في الشكل الأول قول القائل هذه المرأة قد ولدت لأنها ذات لبن، لأنه يأتلف القياس هكذا: هذه المرأة ذات لبن وكل ذات لبن والدة فهذه المرأة والدة، وهي النتيجة. ومثال ائتلافه في الشكل الثالث قول القائل الحكماء فضلاء لأن سقراط فاضل، فيأتلف القياس: سقراط حكيم وسقراط فاضل فالحكيم إذن فاضل. ومثال ائتلاف العلامة في الشكل الثاني قول القائل هذه المرأة ولدت لأنها مصفرة، فيأتلف القياس هكذا: هذه المرأة مصفرة والوالدة مصفرة فينتج في بادئ الرأي أن هذه المرأة والدة.

فإذا صرح في جميع هذه الأصناف الثلاثة بالمقدمتين جميعا سميت أقيسة، وإذا أضمرت إحدى المقدمتين إما لبيانها أو لكذبها سميت علامة. والعلامة التي تكون في الشكل الأول لا تنقض من قبل صحة لزوم النتيجة عنها وأما التي في الشكل الثالث فتنتقض من قبل أن النتيجة تؤخذ كلية وهي في الحقيقة جزئية. وأما التي في الشكل الثاني فتنتقض من قبل أن الشكل نفسه لا يكون فيه قياس من مقدمتين موجبتين لأنهه ليس إذا كانت المرأة الوالدة في وقت ما تلد صفراء وكانت هذه المرأة صفراء يجب أن تكون والدة. فيعم جميع هذه العلامات الثلاث أن مقدماتها تكون صادقة وينفصل بعضها عن بعض بالأشكال التي تأتلف فيها. فالمسمى من هذه علامة بالحقيقة هو ما ائتلف في الشكل الثاني والثالث، وهو ما كانت العلامة فيه أخص من الطرفين أو أعم من الطرفين- أعني طرفي المطلوب. فإذا كانتا أعم ائتلف في الشكل الثاني وإذا كانتا أخص ائتلف في الثالث. وأما العلامة التي تأتلف في الشكل الأول فهي أصدق العلامات وأحمدها، وهي التي تخص باسم الدليل.

القول في قياس الفراسة

قال: وأما قياس الفراسة فإنما يكون وجوده ممكنا عند من يسلم أن عوارض النفس الطبيعية- مثل الغضب والشجاعة- تتأثر عنها النفس والبدن في أصل الخلقة، لأنه معلوم أن العوارض الغير طبيعية لا يتأثر عنها البدن وإن تأثرت النفس- مثل أنه من تعلم صناعة الموسيقى فقد تأثرت نفسه لكنه لم يتأثر عن ذلك بدنه. وأما من خلق شجاعا من الحيوانات بالطبع أو جبانا بالطبع فإن لقائل أن يقول إنه توجد أبدان هذه الأنواع من الحيوانات متأثرة عن هذه العوارض الطبيعية الموجودة في نفوسها. فإذا سلم هذا وسلم أنه يوجد لنوع نوع من أنواع الحيوانات عارض عارض من العوارض النفسانية الطبيعية، لزم أن يوجد لواحد واحد منها علامة وأعراض خاصة لعارض عارض من عوارض أنفسها الطبيعية. وإذا كان الأمر كذلك أمكن أن يوجد قياس الفراسة. مثال ذلك أنه لما كانت قد توجد الشجاعة للأسد فقد يجب أن يكون في خلقته علامة تدل على الشجاعة، لأنه قد وضعنا أن النفس والبدن يتأثران عن العوارض النفسانية الطبيعية. فلتكن تلك العلامة مثلا عظم الأطراف العلية فيكون واجبا أن يوجد عظم الأطراف في كل نوع من أنواع الحيوان الذي يكون شجاعا، لأنه يجب أن تكون هذه العلامة هي خاصة بالشجاعة إذ قد وضعنا أن لكل عارض من عوارض النفس علامة خاصية والشجاعة قد توجد في غير الأسد، وذلك أن الإنسان وغيره شجاع. فيجب متى حصلنا العلامات الدالة في نوع نوع من أنواع الحيوانات على العوارض النفسانية التي يختص بها نوع واحد أو أكثر من نوع واحد- كان ذلك الذي يوجد في ذلك الحيوان الواحد منها هو عارض واحد أو أكثر من عارض واحد، مثل أن يكون في الأسد الشجاعة والسخاء، ولكل واحد من هذه علامة قد عرفناها- أن نستعمل الفراسة فنحكم على ما يوجد له من الأشخاص تلك العلامة أنه يوجد له ذلك العارض من عوارض النفس. وقياس الفراسة يكون إذا انعكس الحد الأوسط على الطرف الأكبر ولم ينعكس عليه الطرف الأصغر، لأنه متى كان الحد الأوسط غير منعكس على الأكبر لم تكن العلامة خاصة بذلك الأثر فلم تدل عليه. مثال ذلك أنه إن لم يكن صادقا قولنا إن كل عظيم الأطراف شجاع، لم ينتفع بذلك في بيان أن هذا الإنسان شجاع لأنه عظيم الأطراف. وذلك أنه إنما كان معنا أن الشجاع عظيم الأطراف وعظيم الأطراف هو الحد الأوسط والشجاع هو الطرف الأكبر، فمتى لم يصح عكس الطرف الأوسط- وهو العظيم الأطراف- على الأكبر- وهو الشجاع- لم يكن أن يبين منه أن زيدا هذا شجاع لأنه عظيم الأطراف، لأن هذا يبين بمقدمتين إحداهما أن زيدا هذا عظيم الأطراف وكل عظيم الأطراف شجاع فزيد هذا شجاع. وإنما كان من شرطه أن لا ينعكس الطرف الأصغر على الأوسط لأنه لو انعكس لكان كل عظيم الأطراف أسدا. وذلك أن هاهنا ثلاثة حدود الأسد والشجاع والعظيم الأطراف، والعظيم الأطراف هو الأوسط والأسد الأصغر والشجاع الأكبر. فلو صدق انعكاس الطرف الأصغر على الأوسط- وهو أن كل عظيم الأطراف أسد- لم يكن أن يوجد عظم الأطراف لغير الأسد، فلم يكن يمكن أن يبين بذلك في غير الأسد أنه شجاع كما أنه لو لم ينعكس الأوسط على الأكبر لم تكن عظم الأطراف علامة خاصية بالشجاعة.

وهنا انقضى تلخيص المعاني التي تضمنها هذا الكتاب.