القصيدة الوضاحية
في مدح السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
لأبي عمران موسى بن محمد بن عبد الله الواعظ الأندلسي المعروف بابن بهيج (كان حيا سنة 496 هـ)
► | ☰ |
ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي
هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي
إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِها
ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي
يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ
فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ
بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي
وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّه
فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي
فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ
اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي
فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ
وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ
وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي
وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
واللهُ خَفَّرَنِي وعَظَّمَ حُرْمَتِي
وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي
بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي
إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ
ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ
وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ
فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي
ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ
وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ
وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي
حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ
وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نَصَرَ النَّبيَّ بمالِهِ وفَعالِهِ
وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
ثانيه في الغارِ الذي سَدَّ الكُوَى
بِردائهِ أكرِم بِهِ منْ ثانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلل بالعبا
زُهداُ وأذعنَ أيَّما إذعانِ
وتخللتْ مَعَهُ ملائكةُ السما
وأتتهُ بُشرى اللهِ بالرضوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومةَ لائمٍ
في قتلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهم
وأذل أهلَ الكُفر والطُّغيانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابةَ للهدى
هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيلِ فضيلةٍ
مَثلَ استباقِ الخيل يومَ رهانِ
إلا وطارَ أبي إلى عليائِها
فمكانُه منها أجلُّ مكانِ
ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ
بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبهِ
ويكون مِن أحبابه الحسنانِ
بينَ الصحابةِ والقرابةِ أُلْفَةٌ
لا تستحيلُ بنزغَةِ الشيطانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً
هل يستوي كَفٌ بغير بَنانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي
وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ من الأضغانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لم يختلِفْ
مِن مِلَّة الإسلامِ فيه اثنانِ
أكرم بأربعةٍ أئمةِ شرعنا
فهُمُ لبيتِ الدينِ كالأركانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمةٍ
فبناؤها من أثبتِ البُنيانِ
اللهُ ألفَ بين وُدِّ قلوبهم
ليغيظَ كُلَّ مُنافق طعانِ
رُحماء بينهمُ صفت أخلاقُهُمْ
وخلت قُلُوبهمُ من الشنآن
فدُخولهم بين الأحبة كُلفةٌ
وسبابهم سببٌ إلي الحرمان
جمع الإلهُ المسلمين على أبي
واستُبدلوا من خوفهم بأمان
وإذا أراد اللهُ نُصرة عبده
من ذا يُطيقُ لهُ على خذلانِ
من حبيني فليجتنب من سبني
إن كانَ صان محبتي ورعاني
وإذا محبي قد ألظَّ بمُبغضي
فكلاهما في البُغض مُستويانِ
إني لطيبةُ خُلقتُ لطيب
ونساءُ أحمدَ أطيبُ النِّسوان
إني لأمُ المؤمنين فمن أبى
حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران
اللهُ حببني لِقلبِ نبيه
وإلى الصراطِ المستقيمِ هداني
واللهُ يُكرمُ من أراد كرامتي
ويُهين ربي من أراد هواني
والله أسألُهُ زيادة فضله
وحَمِدْتُهُ شكراً لِما أولاني
يا من يلوذُ بأهل بيت مُحمد
يرجو بذلك رحمةَ الرحمان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُدْ
عنَّا فتُسلب حُلت الإيمان
إني لصادقة المقالِ كريمةٌ
أي والذي ذلتْ له الثقلانِ
خُذها إليكَ فإنما هي روضةٌ
محفوفة بالروح والريحان
صلَّى الإلهُ على النبي وآله
فبهمْ تُشمُّ أزاهرُ البُستانِ