الرئيسيةبحث

القانون في الطب - الكتاب الثالث - الجزء الأول

 الكتاب الثالث الأمراض الجزئية  الفن الأول أمراض الرأس والدماغ

يشتمل على خمس مقالات:

 المقالة الأولى أمراض الرأس والدماغ  فصل في معرفة الرأس وأجزائه

قال جالينوس: إن الغرض في خلقة الرأس ليس هو الدماغ ولا السمع ولا الشمّ ولا الذوق ولا اللمس فإن هذه الأعضاء والقوى موجودة في الحيوان العديم الرأس ولكن الغرض فيه هو حسن حال العين في تصرّفها الذي خلقت له. وليكون للعين مطلع ومشرف على الأعضاء كلّها في الجهات جميعها فإن قياس العين إلى البدن قريب من قياس الطليعة إلى العسكر. وأحسن المواضع للطلائع وأصلحها هو الموضع المشرف ثم أيضاً لا حاجة إلى خلق الرأس لكل عين على الإطلاق بل للحيوان اللين العين المحتاجة عينه إلى فضل حرز ووثاقة موضع فإن كثيراً من الحيوانات العديمة الأرؤس خلق له زائدتان مشرفتان من البدن وهندم عليهما عينان ليكون لكل منهما مطلع ومشرف لبصره ثم لم يحتج في تصرفات عينه إلى خلقة رأس لصلابة مقلته وإنما الحاجة إلى الرأس للحيوانات التي تحتاج أعينهم إلى كنّ وتحتاج إلى أن تأتيها أعصاب لحركات شتّى من حركات المقلة والأجفان لا يصلح لمثلها عضو واحد متباعد متضائل ونحن نستقصي ذلك في باب العين وأجزاء الرأس الذاتية وما يتبعها هي: الشعر ثم الجلد ثم اللحم ثم الغشاء ثم القحف ثم الغشاء الصلب ثم الغشاء الرقيق المشيمي ثم الدماغ جوهره وبطونه وما فيه ثم الغشاءان تحته ثم الشبكة ثم العظم الذي هو القاعدة للدماغ.

 فصل في تشريح الدماغ

فأما تشريح الدماغ فإن الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابيّ وإلى جوهر مخي وإلى تجاويف فيه مملوءة روحاً. وأما الأعصاب فهي كالفروع المنبعثة عنه لأعلى إنها أجزاء الخاص به. وجميع الدماغ منصّف في طوله تنصيفاً نافذاً في حجبه ومخّه وبطونه لما في التزويج من المنفعة المعلومة وإن كانت الزوجية في البطن المقدم وحده أظهر للحس وقد جوهر الدماغ بارداً رطباً. أما برده قليلاً فلشغله كثرة ما يتأذى إليه من قوى حركات الأعصاب وانفعالات الحواس وحركات الروح في الاستحالات التخيلية والفكرية والذكرية وليعتدل به الروح الحار جداً النافذ إليه من القلب في العرقين الصاعدين منه إليه وخلق رطباً لئلا تجففه الحركات وليحسن تشكّله وخلق ليّنماً دسماً. أما الدسومة فليكون ما ينبت منه من العصب علكاً. وأما اللين فقد قال جالينوس: إن السبب فيه ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات فإن اللين أسهل قبولاً للاستحالات. فهذا ما يقوله. وأقول: خلق ليناً ليكون دسماً وليحَسن غذاؤه للأعصاب الصلبة بالتدريج فإن الأعصاب قد تغتذي أيضاً من الدماغ والنخاع ثم الجوهر الصلب لا يمد الصلب بما يمدّه اللين وليكون مِا ينبت عنه لدنا إذا كان بعض النابت منه محتاجاً إلى أن يتصلّب عند أطرافه لما سنذكره من منافع العصب ولما كان هذا النابت محتاجاً إلى التصلب على التدريج وتكون صلابته صلابة لدنٍ وجب أن يكون منشؤه جوهراً لدناً دسماً والدسم اللزج لين لا محالة. وأيضاً ليكون الروح الذي يحويه الذي يفتقر إلى سرعة الحركة ممداً برطوبة وأيضاً ليخص بتخلخله فإن الصلب من الأعضاء أثقل من اللين الرطب المتخلخل. لكن جوهر الدماغ أيضاً متفاوت في اللين والصلابة وذلك لأن الجزء المقدم منه ألين والجزء المؤخر أصلب وفرق ما بين جزأين باندراج الحجاب الصلب الذي نذكره فيه إلى حد ما وإنما لين مقدم الدماغ لأن أكثر عصب الحسّ وخصوصاً الذي للبصر والشتم ينبت منه لأن الحس طليعة البدن وميل الطليعة إلى جهة المقدم أولى. وعصب الحركة أكثره ينبت من مؤخره وينبت منه النخاع الذي هو رسوله وخليفته في مجرى الصلب وحيث يحتاج إلى أن ينبت منه أعصاب قوية وعصب الحركة يحتاج إلى فضل صلابة لا يحتاج إليه عصب الحس بل اللين أوفق له فجعل منشؤه أصلب وإنما أدرج الحجاب فيه ليكون فضلاً وقيل ليكون اللين مبرأ عن مماسة الصلب لأن ما يغوص فيه صلب وليّن جداً. ولهذا الطي منافع أخرى فإن الأوردة النازلة إلى الدماغ المفترقة فيه تحتاج إلى مستندٍ وإلى شيء يشدها فجعل هذا الطي دعامة لها وتحت آخر هذا العطف وإلى خلفه المعصرة وهي مصبّ الماء إلى فضاء كالبُركة ومنها تتشعب جداول يفترق فيها الدم ويتشبه بجوهر الدماغ ثم تنسفها العروق من فوهاتها وتجمعها إلى عرقين كما سنذكره في تشريح ذلك. وهذا الطي ينتفع به في أن يكون مثبتاً لرباطات الحجاب اللصيق بالدماغ في موازاة الدروز من القحف الذي يليه. وفي مقدم الدماغ منبت الزائدتين الحلميتين اللتين بهما يكون الشم وقد فارقتا لين الدماغ قليلاً ولم تلحقهما صلابة العصب وقد جلل الدماغ كله بغشاءين أحدهما رقيق يليه والآخر صفيق يلي العظم وخلقا ليكونا حاجزين بين الدماغ وبين العظم. ولئلا يماس الدماغ جوهر العظم ولا يتأدى إليه الآفات من العظم وإنما تقع هذه المماسة في أحوال تزيد الدماغ في جوهره أو في حال الانبساط الذي يعرض له عقيب الانقباض وقد يرتفع الدماغ إلى القحف عند أحوال مثل الصياح الشديد. فلمثل هذا من المنفعة ما جعل بين الدماغ وعظم القحف حاجزان متوسطان بينهما في اللين والصلابة وجعلا اثنين لئلا يكون الشيء الذي تحسن ملاقاته للعظم بلا واسطة هو بعينه الشيء الذي تحسن ملاقاته الدماغ بلا واسطة بل فرق بينهما فكان القريب من الدماغ رقيقاً والقريب من العظم صفيقاً وهما معاً كوقاية واحدة وهذا الغشاء مع أنه وقاية للدماغ فهو رباط للعروق التي في الدماغ ساكنها وضاربها وهو كالمشيمة يحفظ ألم. ضاع العروق بانتساجها فيه. وكذلك ما يداخل أيضاً جوهر الدماغ في مواضع كبيرة مزردة. ويتأدى إلى بطونه وينتهي عند المؤخر منقطعاً لاستغنائه بصلابته عنه. والغشاء الثخين غير ملتصق بالدماغ ولا بالرقيق التصاقاً يتهندم عليه في كل موضع بل مستقل عنه إنما يصل بينهما العروق النافذة في الثخين إلى الرقيق والثخين مسمر إلى القحف بروابط غشائية تنبت من الثخين تشده إلى الدروز لئلا تثقل على الدماغ جداً. وهذه الرباطات تطلع من الشؤون إلى ظاهر القحف فتثبت هناك حتى ينتسج منها الغشاء المجلل للقحف.وبذلك ما وللدماغ في طوله ثلاثة بطون وإن كان كل بطن في عرضه ذا جزأين فالجزء المقدّم محسوس الانفصال إلى جزأين يمنة ويسرة وهذا الجزء يعين على الاستنشاق وعلى نفض الفضل بالعطاس وعلى توزيع أكثر الروح الحساس وعلى أفعال القوى المصورة من قوى الإدراك الباطن. وأما البطن المؤخر فهو أيضاً عظيم لأنه يملأ تجويف عضو عظيم ولأنه مبدأ شيء عظيم أعني النخاع ومنه يتوزعّ أكثر الروح المحرّك وهناك أفعال القوّة الحافظة لكنه أصغر من المقدم بل من كل واحد من بطني المقدم. ومع ذلك فإنه يتصاغر تصاغراً متدرجاً إلى النخاع ويتكاثف تكاثفاً إلى الصلابة وأما البطن الوسط فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهليز مضروب بينهما. وقد عظم لذلك وطول لأنه مؤدّ من عظيم إلى عظيم وبه يتّصل الروح المقدّم بالروح المؤخر وتتأدى أيضاً الأشباح المتذكّرة ويتسقف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كري الباطن كالازج ويسمى به ليكون منفذاً ومع ذلك مبعداً بتدويره من الآفات وقوياً على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج وهناك يجتمع بطنا الدماغ المقدمان اجتماعاً يتراءيان للمؤخر في هذا المنفذ وذلك الموضع يسمى مجمع البطنين وهذا المنفذ نفسه بطن.ولما كان منفذاً يؤدي عن التصور إلى الحفظ كان أحسن موضع للتفكّر والتخيل على ما علمت ويستدل على أن هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة يعرض لها من الآفات فيبطل مع آفة كل جزء فعله أو يدخله آفة والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشي بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق وأما ما وراء ذلك فصلابته تكيفه تغشية الحجاب إياه وأما التزريد الذي في بطون الدماغ فليكون للروح النفساني نفوذ في جوهر الدماغ كما في بطونه إذ ليس في كل وقت تكون البطون متّسعة منفتحة أو الروح قليلاً بحيث تسعه البطون فقط. ولأن الروح إنما تكمل استحالته عن المزاج الذي للقلب إلى المزاج الذي للدماغ بأن ينطبخ فيه انطباخاً يأخذ به من مزاجه فهو أول ما يتأدى إلى الدماغ يتأدّى إلى جوفه الأول فيطبخ فيه ثم ينفذ إلى البطن الأوسط فيزداد فيه انطباخاً ثم يتمّ انطباخه في البطن المؤخر والانطباخ الفاضل إنما يكون لمخالطة وممازجة ونفوذ في أجزاء المطبوخ من أجزاء الطابخ كحال الغذاء في الكبد على ما نصفه فيما يستقبل لكن زرد المقدّم أكثر إفراداً من زرد المؤخّر لأن نسبة الزرد إلى الزرد كنسبة العضو إلى العضو بالتقريب والسبب المصغر للمؤخر عن المقدم موجود في الزرد وبين هذا البطن وبين البطن المؤخر ومن تحتهما مكان هو متوزعّ العرقين العظيمين الصاعدين إلى الدماغ اللذين ذكرناهما إلى شعبهما التي تنتسج منها المشيمة من تحت الدماغ. وقد عمدت تلك الشعب بجرم من جنس الغد يملأ ما بينها ويدعمها كالحال في سائر المتوزعات العرقية فإن من شأن الخلاء الذي يقع بينها أن يملأ أيضاً بلحم غددي وهذه الغدة تتشكّل بشكل الشعب الموصوفة وعلى هيئة التوزعّ الموصوف. فكما أن التشعب والتوزعّ المذكور يبتدئ من مضيق ويتفرع إلى سعة يوجبها الانبساط كذلك صارت هذه الغدّة صنوبرية رأسها يلي مبدأ التوزعّ من فوق وتذهب متوجهة نحو غايتها إلى أن يتم تدلي الشعب ويكون هناك منتسج على مثال المنتسج في المشيمة فيستقر فيه. والجزء من الدماغ المشتمل على هذا البطن الأوسط خاصة أجزاؤه التي من فوق دودية الشكل مزردة من زرد موضوعة في طوله مربوط بعضها ببعض ليكون له أن يتمدد وأن يتقلّص كالدود وباطن فوقه مغشى بالغشاء الذي يستبطن الدماغ إلى حد المؤخر وهو مركب على زائدتين من الدماغ مستديرتين إحاطة الطول كالفخذين يقربان إلى التماس ويتباعدان إلى الانفراج تركيباً بأربطة تسقى وترات لئلا يزول عنها تكون الدودة إذا تمددت وضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فينسد المجرى وإذا تقلصت إلى القصر وازدادت عرضاً تباعدت إلى الافتراق فانفتح المجرى وما يلي منه مؤخر الدماغ أدقّ وإلى التحدّب ما هو فيتهندم في مؤخر الدماغ كالوالج منه في مولج ومقدمه أوسع من مؤخره على الهيئة التي يحتملها الدماغ. والزائدتان المذكورتان تسميان: العنبتين ولا تزريد فيهما البتة بل هما ملساوان ليكون سدهما وانطباقهما أشد ولتكون إجابتهما إلى التحريك بسبب حركة شيء آخر أشبه بإجابة الشيء الذي بعده والآخر في البطن الأوسط وليس للبطن المؤخر مجرى مفرد وذلك لأنه موضوع في الطرف وصغير أيضاً بالقياس إلى المقدم فلا يحتمل المجرى ويكفيه. وللأوسط مجرى مشترك لهما وخصوصاً وقد جعل مخرجاً للنخاع يتحلل بعض فضوله ويندفع من جهته وهذان المجريان إذا ابتدآ من البطنين ونفذا في الدماغ نفسه توربا نحو الالتقاء عند منفذ واحد عميق مبدؤه الحجاب الرقيق وآخره وهو أسفله عند الحجاب الصلب وهو مضيق فإنه كالقمع يبتدئ من سعة مستديرة إلى مضيق فلذلك يسقى قمعاً ويسمى أيضاً مستنقعاً فإذا نفذ في الغشاء الصلب لاقى هناك مجرى في غدة كأنها كرة مغموزة في جانبين متقابلين فوق وأسفل وهي بين الغشاء الصلب وبين مجرى الحنك ثم هناك المنافذ التي في مشاشية المصفى في أعلى الحنك.

 فصل في أمراض الرأس الفاعلة للأعراض

فيه يجب أن يعلم أن الأمراض المعدودة كلها الرأس ولكن غرضنا ههنا في قولنا الرأس هو الدماغ وحجبه ولسنا نتعرض لأمراض الشعر ههنا في هذا الموضع فنقول: إنه يعرض للدماغ أنواع سوء المزاجات الثمانية المفردة والكائنة مع مادة وهي: إما بخارية وإما ذات قوام. ويكثر فيه أمراض الرطوبة فإن كل دماغ فيه أول الخلقة رطوبة فضلية تحتاج إلى أن تتنقّى إما في الرجم وإما بعده. فإن لم تنق عظم منها الخطب وكلها إما في جره الدماغ وإما في عروقه وإما في حجبه. ويعرض له أمراض التركيب إما في المقدار مثل أن يكون أصغر من الواجب أو أعظم من الواجب أو في الشكل مثل أن يكون شكله متغيراً عن المجرى الطبيعي فيعرض من ذلك آفة في أفعاله. أو تكون مجاريه وأوعيته منسدة والسدد إما في البطن المقدم وإما في البطن المؤخر وإما في البطنين جميعاً ناقصة أو كاملة وإما في الأوردة وإما في الشرايين وإما في منابت الأعصاب وإما أن تنخلع رباطات حجبه أو يقع افتراق به بين جزأين. ويعرض له أمراض الاتصال لانحلال فرد فيه نفسه أو في شرايينه وأوردته أو القحف. ويعرض له الأورام إما في جوهر الدماغ نفسه أو في غشائه الرقيق أو الثخين أو الشبكة أو الغشاء الخارج وكله عن مادة من أحد الأخلاط الحارة أو الباردة أما من الباردة العفنة فيلحق بالأورام الحارة والباردة الساكنة تفعل أوراماً هي التي ينبغي أن تسمّى باردة وكأنك لا تجد من أمراض الدماغ شيئاً إلا راجعاً إلى هذه أو عارضاً من هذه. وأمراض الدماغ تكون خاصية وتكون بالمشاركة وربما عظم الخطب في أمراض المشاركة فيه حتى تصير أمراضاً خاصية قتّالة فإنه كثيراً ما يندفع إليه في أمراض ذات الجنب والخوانيق مواد فصل في الدلائل التي يجب أن يتعرّف منها أحوال الدماغ فنقول المبادي التي منها نصير إلى معرفة أحوال الدماغ هي من الأفعال الحسية والأفعال السياسية أعني التذكر والتفكر والتصوّر وقوّة الوهم والحدس والأفعال الحركية وهي أفعال القوّة المحركة للأعضاء بتوسّط العضل ومن كيفية ما يستفرغ منه من الفضول في قوامه ولونه وطعمه أعني حرافته وملوحته ومرارته أو تفهه. ومن كميته في قلّته وكثرته أو من احتباسه أصلاً ومن موافقة الأهوية والأطعمة إيّاه ومخالفتها وإضرارها به ومن عظم الرأس وصغره ومن جودة شكله المذكورة في باب العظام ورداءته ومن ثقل الرأس وخفّته ومن حال ملمس الرأس وحال لونه ولون عروقه وما يعرض من القروح والأورام في جلدته ومن حال لون العين وعروقها وسلامتها ومرضها وملمسها خاصة ومن حال النوم واليقظة ومن حال الشعر في كميته أعني قلّته وكثرته وغلظه ورقّته وكيفيته أعني شكله في جعودته وسبوطته ولونه في سواده وشقرته وصهوبته وسرعة قبوله الشيب وبطئه وفي ثباته على حال الصحة أو زواله عنها بتشقّقه أو انتثاره أو تمرّطه وسائر أحواله. ومن حال الرقبة في غلظها ودقّتها وسلامتها أو كثرة وقوع الأورام والخنازير فيها وقلتهما وكذلك حال اللهاة واللوزتين والأسنان. ومن حال القوى والأفعال في الأعضاء العصبانية والاستدلال على المشاركة يكون على وجهين: أحدهما من حال العضو المشارك للدماغ فيما يعرض للدماغ على ما عرض للدماغ والثاني من حال العضو الذي ألم الدماغ بمشاركته إياه أنه أي عضو هو وما الذي به وكيف يتأدى إلى الدماغ. وهذه الاستدلالات قد يستدل منها على ما هو حاضر من الأفعال والأحوال وعلى ما يكون ولم يحضر بعد مثل ما يستدلّ من طول الحزن والوحوش على المنالنخوليا المطلّ أو القطرب الواقع عن قرب ومن الغضب الذي لا معنى له على صرع أو مالنخوليا حاراً ومانيا ومن الضحك بلا سبب على حمق أو على رعونة.

 فصل في كيفية الاستدلال من هذه الدلائل على أحوال الدماغ

وتفصيل هذه الوجوه المعدودة حتى ينتهي إلى آخر تفصيل بحسب هذا البيان فصل في الاستدلال الكلي من أفعال الدماغ أما الدلالة المأخوذة من جنس الأفعال فإن الأفعال إذا كانت سليمة أعانت في الدلالة على سلامة الدماغ وإن كانت مؤفة دلت على آفة فيها وآفات الأفعال كما أوضحنا ثلاث هي: الضعف والتغير والتشوش ثم البطلان. والقول الكلي في الاستدلال من الأفعال أن نقصانها وبطلانها يكون للبرد ولغلظ الروح من الرطوبة والسدّة ولا يكون من الحر إلا أن يعظم فيبلغ أن فصل في الاستدلالات المأخوذة من الأفعال النفسانية الحسّية والسياسية والحركية والأحلام من جملة السياسية. فنقول هذه الأفعال قد تدخلها الآفة على ما عرف من بطلان أو ضعف أو تشوّش مثال ذلك: إما في الحواس فلنبدأ بالبصر: فإن البصر تدخله الآفة إما بأن يبطل وإما بأن يضعف وإما بأن يتشوّش فعله ويتغيّر عن مجراه الطبيعي فيتخيّل ما ليس له وجود من رج مثل الخيالات والبقّ والشعل والدخان. وغير ذلك فإن هذه الآفات إذا لم تكن خاصة بالعين استدل منها على آفة في الدماغ. وقد تدل الخيالات بألوانها ولقائل أن يقول إن الخيال الأبيض كيف يدلّ منها على البلغم الغالب وهو بارد وأنتم نسبتم التشوش إلى الحرّ فنقول ذلك بحسب المزاج لا بحسب اعتراض المواد للقوة الصحية الكاملة الحرارة الغريزية. وأما في السمع فمثل أن يضعف فلا يسمع إلا القريب الجهير أو يتشوّش فيسمع ما ليس له وجود من خارج مثل الدوي الشبيه بخرير الماء أو بضرب المطارق أو بصوت الطبول أو بكشكشة أوراق الشجر أو حفيف الرياح أو غير ذلك. فيستدلّ بذلك إمّا على مزاج يابس حاضر في ناحية الوسط من الدماغ أو على رياح وأبخرة محتبسة فيه أو صاعدة إليه وغير ذلك مما يدل عليه. وإما أن يبطل أصلاً والضعف والبطلان لكثرة البرد والذي يسمع كأنه يسمع من بعيد وأما في الشم فبأن يعدم أو يضعف أو يتشوش فيحس بروائح ليس لها وجود من خارج منتنة أو غير منتنة فيدلّ في الأكثر على خلط محتبس في مقدم الدماغ يفعله إن لم يكن شيئاً خاصاً بالخيشوم. وأما الذوق واللمس فقد يجريان هذا المجرى إلا أن تغيرهما عن المجرى الطبيعي في الأكثر يدل على فساد خاص في الإنهاء القريبة وفي الأقل على مشاركة من الدماغ خصوصاً مثل ما إذا كان عاماً كخدر جميع البدن وقد تشترك الحواس في نوع من الضعف والقوة يدل على حالة في الدماغ دائمة وهي الكدورة والصفاء. وليس مع كل ضعف كدورة فقد يكون ضعف مع الصفاء مثل أن يكن الإنسان يبصر الشيء القريب والقليل الشعاع إبصاراً جيّداً صافياً ويرى الأشياء الصغيرة منها ثم إذا بعدت أو كثر شعاعها عجز عن إدراكها فإذن الكدورة والصفاء قد يكونان معاً في الضعف والصفاء قد يكون لا محالة مع القوة لكن الكدورة دائماً تدل على مادة والصفاء على يبوسة.وهذه الكدورة ربما استحكمت بغتة فكان منها السَدر وهو يدلّ على مادة بخارية في عروق الدماغ والشبَكة والحكم في الاستدلالات عن هذه الآفات أن ما يجري مجرى التشوش فهو في أكثر الأمر تابع لمزاج حار يابس. وما يجري مجرى النقصان والضعف فهو في الأكثر تابع لبرد إلا أن يكون مع شدة ظهور فساد وسقوط قوّة فربما كان مع ذلك من الحرارة ولكن الحرارة ملائمة للقوى بالقياس إلى البرد. فما لم يعظم استضرار المزاج به وفساده لم يورد في القوى نقصاناً فيجب أن لا يعوّل حينئذ على هذا الدليل بل تتوقّع الدلائل الأخرى المذكورة لكل مزاج من المزاجين والبطلان قد يدل على تكّد أسباب النقصان إن كان لسبب دماغي ولم يكن لسبب آفات في الآلات من فساد وانقطاع وسدّة وبالجملة زوال عن صلوحها للأداء أو لسبب في العضو الحسّاس نفسه ومن الأعضاء الحساسة ما هو شديد القرب من الدماغ فيقلّ أن لا تكون الآفة فيهما مشتركة مثل السمع والشم فأكثر آفاته التي لا تزول بتنقية وتعديل مزاج يكون من الدماغ. ولذلك ما يكون سائر الحواس إذا تأذت بمحسوساتها دلّت على آفة فيها من حر أو يبس لم يبلغا أن يسقط القوة والسمع ثم الشمّ وفي الأكثر يدل على أن ذلك المزاج في الدماغ. وأما الأفعال السياسية: فإن قوة الوهم والحدس دالة على قوة مزاج الدماغ بأسره وضعفه دالّ على آفة فيه موقوفة إلى أن يتبين أيّ الأفعال الأخرى اختلّ فمنها فساد قوة الخيال والتصور وآفتها فإن هذه القوّة إذا كان قوية أعانت في الدلالة على صحة مقدم الدماغ وهذه القوة إنما تكون قوية إذا كان الإنسان قادراً على جودة تحفظ صور المحسوسات مثل الأشكال والنقوش والحلو والمذاقات والأصوات والنغم وغيرها فإن من الناس من يكون له في هذا الباب قوّة تامة حتى إن الفاضل من المهندسين ينظر في الشكل المخطوط نظرة واحدة فترتسم في نفسه صورته وحروفه ويقضي المسألة إلى آخرها مستغنياً عن معاودة النظر في الشكل. وكذلك حال قوم بالقياس إلى النغم وحال قوم بالقياس إلى المذاقات وغير ذلك وبهذا الباب تتعلّق جودة تعرف النبض فإنه يحتاج إلى خيال قويّ ترتسم به في النفس قوى الملموسات وهذه القوة إذا عرضت لها الآفة. أما بطلان الفعل فلا تقوى فيه صورة خيال محسوس بعد زواله عن النسبة التي تكون بينه وبين الحاسة حتى يحسّ بها وإما ضعف وإما نقصان وإما تغير عن المجرى الطبيعي بأن يتخيّل ما ليس موجوداً دل ضعفه وتعذره وبطلان فعله في الأكثر على إفراط برد أو يبس في مقدم الدماغ أو رطوبة. والبرد هو السبب بالذات والآخران سببان بالعرض لأنهما يجلبانه. ودل تغير فعله وتشوّشه على فضل حرارة وهذا كلّه بحسب أكثر الأمور وعلى نحو ما قيل في القوى الحساسة وقد يعرض هذا المرض لأصحاء العقل حتى تكون معرفتهم ميل والقبيح تامة وكلامهم مع الناس صحيحاً لكنهم يتخيّلون قوماً حضوراً ليسوا بموجودين خارجاً ويتخيّلون أصوات طبالين وغير ذلك كما حكى جالينوس أنه كان عرض لروطلس الطبيب ومنها فساد في قوة الفكر والتخيّل إما بطلان ويسمّى هذا: ذهاب العقل وإما ضعف ويسمى حمقاً ومبدؤهما برد مقدّم الدماغ أو يبوسته أو رطوبته وذلك في الأكثر على ما قيل وإما تغيّر وتشوّش حتى تكون فكرته في ما ليس. ويستصوب غير الصواب ويسمّى: اختلاط العقل فيدلّ: إما على صرم وإما على مادة صفراوية حارة يابسة وهو الجنون السبعي ويكون اختلاطه مع شرارة وإما على مادة سوداوية وهو المالنخوليا ويكون اختلاطه مع سوء ظن ومع فكر بلا تحصيل. والمائل من تلك الأخلاق إلى الجبن أدلّ على البردَ والمائل منها إلى الاجتراء والغضب أدلّ على الحر وبحسب الفروق التي بينها ونحن نوردها بعد وربما كان هذا بمشاركة عضو آخر. ويتعرف ذلك بالدلائل الجزئية التي نصفها بعد.وبالجملة إذا تحركت الأفكار حركات كثيرة وتشوشت وتفنّنت فهناك حرارة. وقد يقع أيضاً تشوّش الفكر في أمراض باردة المادة إذا لم تخل عن حرارة مثل اختلاط العقل في ليثرغس ومنها آفة في قوة الذكر إما بأن يضعف وإما بأن يبطل كما حكى جالينوس أن وباء حدث بناحية الحبشة كان عرض لهم بسبب جيف كثيرة بقيت بعد ملحمة بها شديدة فصار ذلك الوباء إلى بلاد يونان فعرض لهم أن وقع بسببه من النسيان ما نسي له الإنسان اسم نفسه وأبيه. وكثر ما يعرض من الضعف في الذكر يعرض لفساد في مؤخر الدماغ من برد أو رطوبة أو يبس ويتشوّش فيقع له أنه يذكر ما لم يكن له به عهد فيدلّ على مزاج حار مع مادة أو بلا مادة. والمادة اليابسة أولى بذلك. كل ذلك إذا لم يفرط المزاج فتسقط القوّة ونقول قولاً مجملاً أن بطلان هذه الأفاعيل ربما يكون لغلبة البرد إما على جرم الدماغ فيكون مما يستولي على الأيام أو على تجاويفه وقد يكون لبرد مع رطوبة وربما جلبه اليبس. وكذلك ضعفها وإما تغيرها فلورم أو مزاج صفراوي أو سوداوي أو جسم مجرد والاستدلال من أحوال الأحلام مما يليق أن يضاف إلى هذا الموضع فإن كثرة رؤية الأشياء الصفر والحارّة تدل على غلبة الصفراء وكذلك كثرة رؤية أشياء تناسب مزاجاً مزاجاً ولا يحتاج إلى تعديدها. والأحلام المتشوشة تدل على حرارة ويبوسة ولذلك تنذر بأمراض حارة دماغية وكذلك الأحلام المفزعة والتي لا تذكر تدل على برد ورطوبة في الأكثر ورؤية الأشياء كما هي تدل على ذلك.

 فصل في الاستدلال من الأفعال الحركية

وما يشبهها من النوم واليقظة وأما الدلائل المأخوذة من جنس الأفعال الحركية فأما بطلانها وضعفها فيدل على رطوبة فضلية في آلاتها رقيقة كثيرة ويدل في أي عضو كان على آفة قي الدماغ إلا أن الأخص به ما كان في جميع البدن كالسكتة أو في شق واحدٍ كالفالج واللقوة الرخوة. وربما اتفقا أعني البطلان والضعف من حرّ الدماغ أو يبسه في نفسه أو في شيء من الأعصاب النابتة عنه لكن ذلك يكون بعد أمراض كثيرة وقليلاً قليلاً وعلى الأيام والذي في عضو واحد كالاسترخاء ونحو ذلك. فربما كان لأمراض خاصة بذلك العضو وربما كان عن اندفاع فضل من الدماغ إليه وأما تغيرها فإن كان بغتة دلّ على رطوبة أيضاً وإن كان قليلاً قليلاً فعلى يبوسة أعني في الآلات والذي يخصّ الدماغ فمثل تغيّر حركات المصروع بالصرع الذي هو تشنّج عام ولا يكون إلا عن رطوبة لأنه كائن دفعة أو بمشاركة عضو آخر بحسب ما تبيّن ويدلّ على سدّة غير كاملة ومثل رعشة الرأس فإن جميع هذه يدلّ على مادة غليظة في ذلك الجانب من الدماغ أو ضعف أو يبوسة إن كان بعض أمراض سبقت وكان حدوثه قليلاً قليلاً. وأما ما كان في أعضاء أبعد من الدماغ فالقول فيه ما قلنا مراراً وهذه كلّها حركات خارجة عن المجرى الطبيعي ونقول أيضاً إن كان الإنسان نشيطاً للحركات فمزاج دماغه في الأصل حاراً ويابس وإن كان إلى الكسل والاسترخاء فمزاجه بارد أو رطب. وإذا كان به مرض وكانت حركاته إلى القلق هو حار. وإن كانت إلى الهدء ولم تكن القوّة شديدة السقوط فهو إلى البرد. ومما يناسب هذا الباب الاستدلال من حال النوم واليقظة: فاعلم أن النوم دائماً تابع لسوء مزاج رطب مرخٍ أو بارد مجمّد لحركة القوى الحسية أو لشدّة تحلّل من الروح النفساني لفرط الحركة أو لاندفاع من القوى إلى الباطن لهضم المادة ويندفع معها الروح النفساني بالاتباع كما يكون بعد الطعام. فما لم يجر من النوم على المجرى الطبيعي ولم يتبع تعباً وحركة فسببه رطوبة أو جمود فإن لم تقع الأسباب المجمّدة ولم تدلّ الدلائل على إفراط برد مما سنذكره فسببه الرطوبة ثم ليس كل رطوبة توجب نوماً. فإن المشايخ مع رطوبة أمزجتهم يطول سهرهم ويَرَى جالينوس أن سبب ذلك من كيفية رطوباتهم البورقية فإنها تسهر بأذاها للدماغ إلا أن اليبوسة على كل حال مسهّرة لا محالة.

 فصل في الدلائل المأخوذة عن الأفعال الطبيعية

مما ينتفض وما ينبت من الشعر وما يظهر من الأورام والقروح. وأما الدلائل المأخوذة من جنس أفعال الطبيعة فتظهر من مثل الفضول بانتفاضها في كميتها وكيفيتها أو بامتناعها وانتفاضها يكون من الحنك والأنف والأذن وبما يظهر على الرأس من القروح والبثور والأورام وبما ينبت من الشعر فإن الشعر ينبت من فضول الدماغ ويستدلّ من الشعر بسرعة نباته أو بطئه وسائر ما قد عدد من أحواله. فلنذكر طريق الاستدلال من انتفاضات الفضول عن المسالك المذكورة وهذه الفضول إذا كثرت دلت على المواد الكثيرة ودلّت على السبب الذي يكثر به في العضو الفضول كما قد علمته وعلى أن الدافعة ليست بضعيفة. وأما إذا امتنعت أو قلّت ووجد مع ذلك إما ثقل وإمّا وخز وإما لذع وإما تمدد وإما ضربان وإمّا دوار وطنين دل على سدد وضعف من القوّة الدافعة وامتلاء. ويستدلّ على جنسه بأن اللاذع الواخز المحرق القليل الثقل المصفر للون في الوجه والعين يدلّ على أن المادة صفراوية. والضرباني الثقيل المحمّر للّون في الوجه والعين والنافخ للعروق يدلّ على أنها دموية. والمكسِّل المبلد المصبِّر اللون معه إلى الرصاصيّة الجالب للنوم والنعاس يدل على أنها بلغمية. فإنَ كمد اللون في تلك الحال وفسد الذِّكر وكان الرأس أخف ثقلاً ولم يكن النوم بذلك المستولي ولم يكن سائر العلامات دل على أنها سوداوية. فإنّ كان شيء من هذه مع طنين ودوار وانتقال دل على أن المادة تولّد ريحاً ونفخاً وبخاراً وأن له حرارة فاعلة فيها وأما إن كان احتباس الفضول مع خفّة الرأس دل على اليبس على الإطلاق. وهذا الباب الذي أوردناه يختص بكميّة الانتفاض والامتناع وإما من كيفيته فمثل الضارب إلى الصفرة والرقّة والحرارة والمرارة واللذغ يدلّ علي أنها صفراوية وإلى الحمرة والحلاوة مع حمرة الوجه والعينين ودرور العَرَق والحرارة يدل على أنها دمويّة. والمالح أو الحلو مع عدم سائر العلامات أو البور في البارد المَلْمَس أو الحار الملمس يدلّ على بلغم فعلت فيه حرارة والتفه الغليظ البارد الملمس يدل على بلغم فجّ وهذه الاستدلالات من كيفية المنتفض في طعمه ولونه ولمسه وقوامه. وأما من الرائحة فعفن الرائحة وحدتها يدلّ على الحر وعدم الرائحة ربما دل على البرد ليس بدلالة الأوّل على الحر. وأما ما يتعلق بالأشياء التي تظهر على جلدة الرأس وما يليها من القروح والبثور والأورام فإنها تدلّ في الأكثر على مواد كانت فانتفضت ولا تدل على حال الدماغ في الوقت دلالة واضحة اللهم إلا أن يكون في التزيد ولأنك عارف بأسباب الأورام الحارة والباردة والصلبة منها والسرطانيّة والقروح الساعية والساكنة وغير ذلك فليس بصعب عليك الاستدلال منها على حال الرأس والشعر أيضاً فقد عرفت في الكتاب الأوّل أسباب حدوثه وعرفت السبب في جعودته وسبوطته ورقّته وغلظه وكثرته وقلته وسرعة شيبه وبطئه وستعلم سبب تشقّقه وتمرطه وانتثاره في أبواب مخصوصة فيعرف منها كيفية الاستدلال من الشعر ونحن نحيل بذلك على ذلك الموضع هرباً من التطويل والتكثير.

 فصل في الدلائل المأخوذة من الموافقة والمخالفة

وسرعة الانفعالات وبطئها أما العلامات المأخوذة من جنس الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعال وبطئه فإنّ الموافقات والمخالفات لا تخلو إمّا أن تعتبر في حال لا ينكر صاحبها من صحّته التي يحسبه شيئاً أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة فموافقه في حال صحّته التي يحسبه هو الشبيه لمزاجه فمزاجه. يعرف من ذلك ومخالفه في تلك الحالة ضدّ مزاجه. وأما في حال خروجه عن صحته وتغيّر مزاجه عنه فالحكم بالضدّ وقد قلنا فيما سلف من الأقاويل الكليّة أنّ الصحّة ليست في الأبدان كلها على مزاج واحد وأنه يمكن أن تكون صحة بدن عن مزاج يكون مثله مما يجلب مرضاً لبدن آخر لو كان له ذلك المزاج إلاّ أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضاً مقيساً بما يخالفه في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج. فإنّ الإفراطين معاً مخالفان مؤذيان لا محالة وإنما يوافق صحة ما من الخارج عن الاعتدال ما لم يفرط جداً والدماغ الذي به سوء مزاج حار ينتفع بالنسيم البارد والأطلية الباردة والروائح الباردة طيبة كانت كالكافوريّة أو الصندليّة والنيلوفريّة ونحوها أو منتنة كالحمئية والطحلبية. وينتفع بالدعة والسكون والذي به سوء مزاج بارد ينتفع بما يضاد ذلك فينتفع بالهواء الحار والروائح الحارة الطيبة والمنتنة أيضاً المحلِّلة المسخّنة وبالرياضات والحركات والذي به سوء مزاج يابس يتأذّى بما يستفرغ منه وينتفض عنه. والذي به سوء مزاج رطب ينتفع بما يستفرغ منه وينتفض عنه. وأما الاستدلال من سرعة انفعالاته مثل أن يسخن سريعاً أو يبرد سريعاً فالذي يسخن سريعاً يدل على حرارة مزاج على الشريطة المذكورة في الكتاب الكلّي وكذلك الذي يبرد سريعاً وكذلك الذي يجفّ سريعاً فقد يكون ذلك لقلّة رطوبته أو لحرارة مزاجه ولكنّ الفرقان بينهما أنّ الأوّل يوجد معه سائر علامات يبوسة الدماغ مثل السهر وغيره مما نذكره في باب علامات مزاج الدماغ. وهذا الثاني إما يعرض له اليبوسة في الأحايين عند حركة عنيفة أو حرارة شديدة أو ما يجري مجراه من أسباب اليبوسة ثم لا يكون له في سائر الأوقات دليل اليبوسة. والذي لحرارة مزاجه فيكون معه سائر علامات الحرارة في المزاج. والذي يرطب سريعاً فقد يكون لحرارة جوهره وقد يكون لبرد جوهره وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي رطب وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي يابس فإن كانت من حرارة كانت هناك علامات الحرارة ثم كان ذلك الترطيب ليس مما يكون دائماً ولكنه عقيب حرارة مفرطة وقعت في الدماغ فجذبت الرطوبات إليه فملأته ثم إن بقي المزاج الحار غالباً أعقبه اليبس النفض وإن غلبت الرطوبات عاد الدماغ فصار بارداً رطباً وإن استويا حدثت في أكثر الأمر العفونة والأمراض العفنة والأورام لأن هذه الرطوبة ليست بغريزيّة فتتصرف فيها الحرارة الغريزيّة تصرفاً طبيعيّاً بل إنما تتصرف فيها تصرفاً غريباً وهو العفونة. وأما إن كان لبرد المزاج لم يكن حدوث الرطوبة دفعةً بل على الأيام ثم يصير الترطّب ويكون بسرعة وتكون علامات برودة مزاج الدماغ موجودة وإن كان ذلك لرطوبة الدماغ نفسه فتكون السرعة في ذلك لأحد شيئين: إمّا لأن الرطوبة بفعل البرد ويفسد البرد القوة الهاضمة المغيرة لما يصل إلى الدماغ من الغذاء فيظهر ترطب فماذا حدث ذلك البرد دفعةً كان الترطب بسرعة بعده دفعة. وإذا حدث مع ذلك سدد في المجاري عرض أن تحبس الفضول ثم هذا يكون دائماً ولازماً ليس مما يكون نادراً وكائناً دفعةً دفعةً. وأمّا الكائن ليبوسة الدماغ فسببه النشف الذي يقع دفعة إذا وقعت يبوسة ويكون مع علامات اليبوسة المتقدمة ويكون شبيهاً بما يقع من الحرارة إلا فيما يختلفان فيه من علامات الحرارة وعلامات اليبوسة. فهذه الدلائل المأخوذة من سرعة الانفعال وليس يجب أن يعتبر سرعة الانفعال بحسب ضعف القوى الطبيعية لا سيّما في الترطب لأن ضعف القوى الطبيعية تابع لأحد هذه الأسباب وليس كل الموافقات والمخالفات مأخوذة من جهة الكيفيّات بل قد تؤخذ من جهة الهيئات والحركات كما يرى صاحب العلّة المعروفة بالبيضة يؤثر الاستلقاء على سائر أوضاع ضجعته.

 فصل في الاستدلال الكائن من جهة مقدار الرأس

وأمّا التعرُّف الكائن بحسب صغر الرأس وكبره فيجب أن تعلم أنّ صغر الرأس سببه في الخلقة قلّة المادة كما أنّ سبب كبره كثرة المادة أعني المادة النطفيّة المتوزعة في التوزيع الطبيعي للرأس ثم إن كان قلة المادة مع قوة من القوة المصورة الأولى كان حسن الشكل وكان أقل رداءة من الذي يجمع إلى صغر الرأس رداءة الشكل في الخلقة التي تدلّ على ضعف القوّة على أنه لا يخلو من ردِاءة في هيئة الدماغ وضعف من قواه وضيق لمجال القوى السياسية والطبيعية فيه. ولذلك ما بتّ أصحاب الفراسة القضية بأنّ هذا الإنسان يكون لجوجاً جباناً سريع الغضب متحيّراً في الأمور. وقال جالينوس: إنّ صغر الرأس لا يخلو البتة عن دلالة على رداءة هيئة الدماغ وإن كان كبر الرأس ليس دائم الدلالة على جودة حال الدماغ ما لم يقترن إليه جودة الشكل وغظ العنق وسعة الصدر فإنها تابعة لعظم الصلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوته التابعين لقوّة الدماغ فإنّ كثرة المادة إذا قارنها قوة من القوّة المصورة كان الرأس على هذه الهيئة. ومما يؤكد ذلك أن يكون هناك مناسبة لسائر الأعضاء فإن قارنه ضعف منها كان رديء الشكل ضعيف الرقبة صغير الصلب أو مؤفّ ما يحيط به. وينبت عنه على أنّه قد يعرض من زيادة الرأس في العظم ما ليس بطبيعي مثل الصبيان يعرض لهم انتفاخ الرأس وتعظمه ما ليس في الطبع بل على سبيل المرض ويكون السبب فيه كثرة مادة تغلي وكذلك يعرض أيضاً للكبار في أوجاع الرأس الصعبة وقد يعرض أن يصغر اليافوخ ويلطأ الصدغ عند استعلاء الحمرة على الدماغ فقد عرفت إذاً دلائل صغر الرأس وكبره. ومن علامات جودة الدماغ أن لا ينفعل من أبخرة الشراب وما سنصفه معها وينفعل من تلطيفه وحرارته فيزداد ذهنه.

 فصل في الاستدلال من شكل الرأس

أمّا دلائل شكله فقد عرفناك في باب عظم القحف أن الشكل الطبيعي للرأس ما هو والرديء منه ما هو وأن الرداءة للشكل إذا وقعت في جزء من أجزاء الرأس أضرت لا محالة بخواص أفعال ذلك الجزء من الدماغ كالذي قد قال جالينوس: إن المسفط والمربّع مذموم دائماً والناتئ الطرفين مذموم إلاّ أن يكون السبب فيه قوّة من القوة المصورة أي تكون أفرطت في فعلها ويدلّ على قوة هذه القوة شكل العنق ومقداره والصدر.

 فصل في الاستدلال ممّا يحسه الدماغ

بلمسه من ثقل الرأس وخفته وحرارته وبرودته وأوجاعه. وأما الدلائل المأخوذة من ثقل الرأس وخفته فإن ثقل الرأس دائماً يدلّ على مادة فيه لكن المادة الصفراوية تفعل ثقلاً أقل وإحراقاً أشد. والسوداوية ثقلاً أكثر من ذلك ووسوسة أكثر. والدموية ثقلاً أشد منهما وضرباناً ووجعاً في أصول العين لنفوذ الكيموس الحار وحمرة وانتفاخاً في العروق أشدَ. والبلغم ثقلاً أكثر من الجميع ووجعاً أقل من الدموي والصفراوي ونوماً أكثر من وأما الدلائل المأخوذة من الحرارة والبرودة أعني ما يلمسه الرأس منهما في نفسه وما يلمسه غيره من خارج فلا يخفى عليك: أما الحار فدليل على حرارة إن دام فمزاجيّة وإن حدث وآذى فعرضية. وكذلك حكم البارد على قياسه وكذلك حكم القشف اليابس وعلى قياسه إن لم يكن برد من خارج مخشّن مقشف وكذلك الرطب إنْ لم يكن حرّ من داخل معرق والأوجاع الأكالة التي تخيل أن في رأس الإنسان دبيباً يأكل واللذّاعة فإنها تدلّ على مادة حارة والضربانية على ورم حار. ويؤكد دلالتها لزوم الحمّى والثقيلة الضاغطة على مادة ثقيلة باردة والممددة على مادة ريحيّة. والانتقال يؤكد ذلك. والوجع الذي كأنه يطرق بمطرقة يدل على مثل البيضة والشقيقة المزمنة والوجع أيضاً يدل بجهته مثل أن الوجع الذي بمشاركة المعدة يكون على وجه والذي بمشاركة الكبد على هيئة أخرى كما سنذكره وقد يدل مع ذلك بدوامه فإنّ الوجع إذا دام في مقدم الرأس ومؤخّره أنذر بالعلّة المعروفة بقرانيطس.

 فصل في الاستدلالات المأخوذة من أحوال أعضاء

هي كالفروع للدماغ مثل العين واللسان والوجه ومجاري اللهاة واللوزتين والرقبة والأعصاب. أما الاستدلال من العين من جملتها فمن حال عروقها ومن حال ثقلها وخفتها من حال لونها في صفرته أو كمودته أو رصاصيته أو حمرته وحال ملمسها وجميع ذلك يقارب جداً في الدلالة لما يكون في الدماغ نفسه. وقد يستدل بما يسيل منها من الدمع وْالرمص وما يعرض لها من التغميض والتحديق وأحوال الطرف ومن الغور والجحوظ والعظم والصغر والآلام والأوجاع فإن جفاف العين قد يدلّ على يبس الدماغ وسيلان الرمص والدموع إذا لم يكن لعلة في العين نفسها يدلّ على رطوبة مقدم الدماغ وعظم عروق العين يدل على سخونة الدماغ في الجوهر وسيلان الدمع لغير سبب ظاهر يحلّ في الأمراض الحارة على اشتعال الدماغ وأورامها وخصوصاً إذا سالت من إحدى العينين وإذا أخذ يغشي الحدقة رمص كنسج العنكبوت ثم يجتمع فهو قريب وقت الموت. والعين التي تبقى مفتوحة لا تطرف كما قد يكون في قرانيطس وأحياناً في ليثرغس ويكون أيضاً في فرانيطس عند انحلال القوّة يدل على آفة عظيمة في الدماغ والكثيرة الطرف تدل على اشتعال وحرارة وجنون. واللازمة ينظرها موضعاً واحداً وهي المبرسمة تدل على وسواس ومالنخوليا وقد يستدل من حركاتها على أوهام الدماغ من اعتقادات الغضب والغم والخوف والعشق والجحوظ يدل على الأورام أو امتلاء أوعية الدماغ والصغر والغور يدل على التحلل الكثير مِن جوهر الدماغ كما يعرض في السهر والقطرب والعشق. وإن اختلفت هيئاتها في ذلك كما سنفصله في موضعه وكذلك قد يدل على حمرة الدماغ وقوبا فيه. وأما المأخوذة من حال اللسان فمثل أن اللسان كثيراً ما يدل بلونه على حال الدماغ كما يدلّ ببياضة على ليثرغس وبصفرته أولاً واسوداده ثانياً على فرانيطس وكما يدلّ بغلبة الصفرة عليه واخضرار العروق التي تحته على مصروعية صاحبه وليس الاستدلال بلون اللسان كالاستدلال بلون العين فإنّ ذلك شديد الاختصاص بالدمغ وأما لون اللسان فقد يستدل به على أحوال المعدة لكنه إذا علم أن في الدماغ آفة لم يبعد الاستدلال به. وأما المأخوذ من الوجه فإما من لونه فأنت تعلم دلالة الألوان على الأمزاجة وإما من سمنه وهزاله فإن سمنه وحمرته يدل على غلبة الدم وهزاله مع الصفرة يدلّ على غلبة الصفراء وهزاله مع الكمودة يدل على غلبة اليبس السوداويّ والتهيّج يدلّ على غلبة الدم والمائية بعد أن تكون هذه أحوالاً عارضة ليست أصليّة وبعد أن يعلم أن لا علّة في البدن تغير السحنة إلا في جانب من الدماغ وأما المأخوذة من حال الرقبة فإنها إن كانت قويه غليظة دلت على قوة من قوى الدماغ ووفوره وإن كانت قصيرة دقيقة فبالضد وإن كانت مهيأة لقبول خنازير وأورام فالسبب في ذلك ليس ضعفاً فيها ولا إذا خلت عن ذلك فالسبب فيه قوّة لها بل السبب في ذلك ضعف القوة الهاضمة التي في الدماغ لشيء من أنواع المزاج الذي نذكره وقوّة من القوة الدافعة فإنّ نواحي العنق قابلة لما يدفعه الدماغ باللحم الرخو الغددي الذي فيها. وكذلك حال الدلائل المأخوذة من حال اللهاة واللوزتين والأسنان أيضاً وأمّا المأخوذة من حال الأعضاء العصبانية الباطنة فذلك من طريق أحكام المشاركة فإنها من الواجب أن تشارك الدماغ والنخاع كما إذا دامت الآفات عليها جلبت إلى الدماغ النوع من المرض الذي بها أو ربما أحدث بها ذلك من الدماغ فالأعصاب إذاً قويت وغلظت وقويت مسالكها التي تتحقق عليها دلت على قوّة الدماغ ودل ضد ذلك على ضدها.

 فصل في الاستدلال من المشاركات لأعضاء يشاركها الدماغ

ويقرب منها. إذا كانت الأعضاء المشاركة للدماغ قوية فالدماغ قوي وإن كانت كثيرة الآفات لا لأسباب ظاهرة تصل إليها فإن الدماغ ضعيف أو مؤف وربما كانت تلك الآفات في الأعضاء الأخرى بمشاركة آفة الدماغ مثل ما يتّفق أن لا ينهض المريض لبول أو براز محتاج إليه لعدم الحس كما يتفق في ليثرغس وقد السبات السهري ونحوه أو أثقل الحركة عليه كما فيهما. وفي فرانيطس ومثل العجز عن الازدراد والغصص والشرق في هذه الأمراض ومثل دلائل النفس فإن النفس قد ينقطع ويبطل بسبب آفة في الدماغ متعدية إلى الحجاب وأعضاء النفس وكما أن كبر النفسِ وعظمه أدلّ على صبار أو ضيقه وصغره على السباب السهري والليثرغس وقد يستدل من طريق المشاركات في الأوجاع أيضاً على أحوال الدماغ وعلى النحو المذكور وقد يستدل من كيفية المشاركة مثل إنه إن بلغ الوجع أصول العينين في الصداع دلّ على أن السبب خارج القحف وقد يستدل أيضاً من امتلاء العروق وخلائها ومن لون الجلدة وغير ذلك مما سلف بعضه في خلل أبواب أخرى.

 فصل في الاستدلال على العضو الذي يألم الدماغ بمشاركته

إن أكثر الأعضاء إيذاء للدماغ بالمشاركة هي: المعدة فيجب أن يستدل على ذلك من حال الشهوة والهضم وحال الجشاء والقراقر وحال الفواق والغثيان وحال الخفقان المعدي. وينظر في كيفية الاستدلال من هذه على المعدة حيث تكلمنا في المعدة. ويستدل أيضاً من حال الخواء والامتلاء فإن مشاركات الدماغ للمعدة وهي ممتلئة أو ذات نفخة يظهر في حال امتلائها. وأما مشاركته إياها بسبب الحرارة والمرّة الصفراء وأوجاعها التي تكون من ذلك ومن شدّة الحس فيظهر في حال الخواء وكثيراً ما يكون الامتلاء سبباً لتعدل المزاج وساداً بين البخار الحار وبين الدماغ. وأخص ما يستدلّ به موضع الوجع في ابتدائه واستقراره فإن أمراض الدماغ بمشاركة المعدة قد يدلّ عليها الوجع إذا ابتدأ من اليافوخ ثم انصبّ إلى ما بين الكتفين ويشتدّ عند الهضم وقد يمرض الرأس بمشاركته الكبد فيكون الميل من الأوجاع إلى اليمين كما إذا كان بمشاركة الطحال كان الميل من الأوجاع إلى اليسار وقد تكثر مشاركة الدماغ للمراق وما يلي الشراسيف فيكون الوجع مائلاً إلى قدام جداً وقد يشارك الرحم فيكون مع أمراض الرحم. ودلائلها المذكورة في بابه ويقف الوجع حاق اليافوخ وأكثر مشاركات الدماغ للأعضاء يقع بأبخرة تصعد إليه وطريق صعودها إما ما يلي قدام الشراسيف فيحس أولاً بتمددها إلى فوق وتوتر وضربان في العرق الذي يليها ويحس ابتداء الألم من قدام. وأما ما يلي ناحية القفا فيحس ابتداء الألم من خلف وتوتر العروق والشرايين الموضوعة من خلف ويحس هناك بالضربان وإذا راعيت أعراض العضو المشارك فيجب أن لا يكون العرض عرض لذلك العضو في نفسه بل لسبب مشاركته للدماغ لا مشاركة الدماغ له. فإنك كما تستدلّ من الغثيان على أن العلة الدماغية بشركة المعدة فلا يبعد أن تغلط فتكون العلة في الدماغ أولاً وتكون خفيفة وإما يظهر الغثيان في المعدة لمشاركتها للدماغ في علة خفية به فيجب أن ترجع إلى الأصول التي أعطيناك في الكتاب الأول التي تميز بها الأمراض الأصلية من أمراض المشاركة.

 فصل في دلائل مزاج الدماغ المعتدل

فالدماغ المعتدل في مزاجه هو القوي في الأفاعيل الحساسية والسياسية والحركية المعتدل في انتفاض ما ينتفض منه واحتباسه القوي على مقاومة الأعراض المؤذية أشقر شعر الطفولة نارية أحمر شعر الترعرع وإلى السواد عند الاستكمال من الخلقة والنشو وسط في الجعودة والسبوطة ونباته ومدة شبابه كل في وقته وشبيه غير مستعجل ولا متأخر عن الوقت الطبيعي ولا يسرع إليه الصلع.

 فصل في دلائل الأمزجة الواقعة في الجبلة

يرى جالينوس أن الحرارة تولد اختلاط العقل والهذيان وليلحق بهذا الطيش وسرعة وقوع البداءات وافتتان العزائم وأن البرودة تولد البلادة وسكون الحركة وليلحق بهذا بطء الفهم وتعذر الفكر والكسل وأن اليبوسة تفعل السهر ويدل عليها السهر وليشرط في هذا ما لم يكن من الرطوبات البورقية ولم يكن مع ثقل في الدماغ ودوام استفراغ الفضول أو غير ذلك من دلائل الرطوبة فإن الرطوبة المالحة والبورقية بشهادة جالينوس نفسه تفعل أرقاً كما في المشايخ وأما الرطوبة فتفعل النوم المستغرق واشترط مع نفسك الشرط المذكور. ويرى جالينوس أن الدلالة على أن مزاجاً غالباً بلا مادة وهو عدم سيلان الفضول مع دلالة سوء المزاج والدلالة على أنه غالب بمادة سيلان الفضول ونحن نقول إن لم يكن سد أو ضعف من القوة الدافعة وعلامة ذلك ما ذكرناه فرغنا عنه فالدلائل حرارة المزاج للدماغ سرعة نبات الشعر في أول الولادة أو في البطن وسواده في الابتداء. أو تسوده بعد الشقرة سريعاً وجعودته وسرعة الصلع وسرعة امتلاء الرأس وثقله من الأسباب الواقعة مثل الروائح ونحوها وتأذيه بالروائح الحادة وقلة استعمال النوم مع خفته وظهور عروق العينين وذكاء ما سرعة التقلب في الآراء والعزائم كحال الصبيان ويدل عليه اللمس وحمرة اللون ونضج الفضول المنصبة المنتصبة والمنتفضة واعتدالها في القوام بالقياس إلى غيره. وإما دلائل المزاج البارد فزيادة نفض الفضول على ما ذكر من الشرط وسبولة الشعر وقلة سواده وسرعة الشيب وسرعة الانفعال من الآفات وكثرة النوازل وعروض الزكام لأدنى سبب وخفاء العروق في العينين وكثرة النوم وتكون صورته مثل صورة الناعس بطيء حركة الأجفان والثبات على العزائم كحال المشايخ. وأما دلائل المزاج اليابس فنقاء مجاري الفضول وصفاء الحواس والقوة على السهر وقوة الشعر وسرعة نباته لدخانية المزاج في السنّ الأوّل وسرعة الصلع وجعودة الشعر. وأما دلائل المزاج الرطب فسبوطة الشعر بوطء النبات منه وبطء الصلع وكدورة الحواس وكثرة الفضول والنوازل واستغراق النوم. وأما دلائل المزاج الحار اليابس فعدم الفضول وصفاء الحواس وقوة السهر وقلّة النوم وإسراع نبات الشعر في الأول وقوته وسواده وجعودته وسرعة الصلع جداً وحرارة ملمس الرأس وجفوفه مع حمرة بيّنة فيه وفي العين وتنقّل في العزائم وعجلة وأما دلائل المزاج الحار الرطب فإنه إن كان ذلك المزاج غير بعيد جداً من الاعتدال كان اللون حسناً والعروق واضحة والملمس حاراً ليّناً وكون الفضول أكثر وأنضج والشعر أسبط إلى الشقرة غير سريع الصلع ويكون التسخّن والترطب سريعين إليه. وأما إن كان بعيداً منه فيكون مسقاماً قبولاً للنكايات من الحر والبرد والأمراض العفنية في جوهره سريعاً وتكون حواس صاحبه ثقيلة كدرة وعيناه ضعيفتان ولا يصبر عن النوم ويرى أحلاماً مشوّشة. وأما دلائل المزاج البارد اليابس فأن يكون الرأس بارد الملمس حائل اللون خفي العروق فيه وفي العينين بطيء نبات الشعر أصهبه رقيقه بطيء الصلع خصوصاً إن لم يكن يبسه أغلب من برده ويكون متضرراً بالمبردات على الشرط المذكور وتكون الحواس صافية في الشيبة فإذا طعن في السن ضعف بسرعة وهرم وظهر التشنج والتعفن والتقبض في نواحي رأسه ويكون سريع الشيخوخة وتكون صحته مضطربة فتارة يكون خفيف الرأس منفتح المسالك وتارة يكون بالخلاف. وأما المزاج البارد الرطب فيكون الإنسان فيه كثير النوم مستغرقاً فيه رديء الحواس كسلان بليداً كثير استفراغ الفضول من الرأس ويدلّ عليه أيضاً بطء الصلع وسرعة وقوع النوازل وأما دلائل الأورام وغيرها فسنقوله في التفصيل.

 فصل في علامات أمراض الرأس مرضاً

هذا الباب والذي قبله كالنتيجة من الأصول التي أعطيناها في الاستدلال على أحوال الرأس ويجب أن تحفظ هذه الدلائل فلا يحتاج أن تعاد في كل باب من الأبواب التي نتكلم عليها في أمراض نواحي الرأس فإنَا إن أعدناها في باب ما فإنما نعيدها ليكون ذلك معيناً على معرفة كيفية الرجوع إلى هذه القوانين الكلية في أبواب أخرى قد اقتصرنا فيها على ما يكون أوردناه في ذلك الباب الواحد. وكذلك يجب أن توطن نفسك عليه من الرجوع إلى القوانين الكلية في المعالجات الجزئية للرأس اللهم إلا فيما لا يكون قد ذكر في الكلّيات ووجب تخصيص ذكره في الجزئيات.في علامة سوء المزاج الحار بلا مادة: يدل عليه التهاب مع عدم ثقل وسهر وقلق في الحركات وتشوّش في التخاييل وإسراع إلى الغضب وحمرة عين وانتفاع بالمبردات وتقدم المسخّنات. في علامة سوء المزاج البارد بلا مادة: برد يحس مع عدم ثقل وكسل وفتور وبياض لون الوجه والعين ونقصان في التخيلات وميل إلى الجبن وانتفاع بالمسخنات وتضرر بالمبرّدات. في علامة سوء المزاج اليابس بلا مادة: خفة وتقدم إستفراغات وجفاف الخيشوم وغلبة سهر. في علامة سوء المزاج الرطب بلا مادة: كسل وفتور مع قلة ثقل وقلة سيلان ما يسيل أو اعتداله وإفراط نسيان وغلبة نوم. في علامة الأمزجة المركبة التي تكون بلا مادة: امتزاج علامتي المزاجين واستدل على غلبة الحر مع اليبوسة بسهر واختلاط عقل وعلى غلبة البرد معه بحالة تشبه المرض المعروف بالجمود وربما تأدت إليه واستدلّ على غلبة الرطوبة مع الحرارة بغلبة نوم ليس شديد الإسبات وعلى غلبة البرودة مع الرطوبة بالنوم السباتي. وأضيف إلى ما أوردناه سائر الدلائل المركّبة من دلائل الأفراد في علامة غلبة المواد: أما الصفراوية فنقل ليس بالمفرط ولذع والتهاب وإحراق شديد ويبس في الخياشيم وعطش وسهر وصفرة لون الوجه والعين. في علامة غلبة المواد الدموية: يدلّ عليها زيادة ثقل وربما صحبه ضربان ويكون معه انتفاخ الوجه والعينين وحمرة اللون ودرور العروق وسبات. في علامات المواد الباردة البلغمية: برد محسوس وطول الأذى وأزماته وقلّة حمرة اللون والوجه والعين وقلة صفرته مع ثقل محسوس. لكن ذلك الثقل في المادة البلغمية أكثر ومع كسل وبلادة وسبات ونسيان ورصاصية اللون في الوجه والعين واللسان. في علامة المواد السوداوية: يكون الثقل أقلّ ويكون السهر أكثر ووساوس وفكر فاسدة وكمودة لون الوجه والعين وجميع الأعضاء. في علامة الأورام الحارة: فحمى لازمة وثقل وضربان ووجع يبلغ أصل العين وربما جحظت معه العينان واختلاط عقل وسرعة نبض فإن كان في نفس الدماغ كان النبض مائلاً إلى الموجبة وإن كان في الحجب كان الألم أشد وكان النبض مائلاً إلى المنشارية. وأما علامات الأورام البلغمية: فنسيان وسبات وكثرة الثقل ونبض موجي وترهل وتهيج. وأما علامات الأورام السوداوية: فسهر ووسواس مع ثقل مخصوص وصلابة نبض وقد تركنا ما يجب أن نذكر ههنا دلائل ضعف الدماغ وقوّته وعلامات الخلط الغالب عليه ودلائل أمراضه الخاصية والتي تكون بالمشاركة تعويلاً على ما أوردناه من ذلك في باب الصداع فليتأمل من هِناك فإنه مورد هذا الموضع ولينقل منه إلى الأبواب.

 فصل في قوانين العلاج

إنا إذا أردنا أن نستفرغ مادة فإن دلت الدلالة على أن معها دماً وافراً وليس في الدم نقصان أي مادة كانت بدأنا بالفصد من القيفال ومن عروق الرأس المذكورة في باب الفصد مثل عروق الجبهة والأنف وعروق ناحية الأذن. ويجب أن يقع فصدها في خلاف جانب الوجع. فإن كان الأمر عظيماً والدم غالباً فصدنا الوداج وإنما يميل إلى الفصد وإن غلبت الأخلاط الأخرى أيضاً فنبدأ به لأن الفصد استفراغ مشترك للأخلاط فإن كانت المادة دماً فقط كفى الفصد التام وإن كانت أخلاطاً أخرى نظرنا فإن كان ذلك بشركة البدن كله استفراغنا البدن كله ثم فصدنا الرأس وحده واستعملنا الاستفراغات التي تخصه ولا نقدم عليها البتة إلا بعد استفراغ البدن كله إن كان في البدن خلط وذلك إن علمنا أن المادة فيه نضجية وذلك بمشاهدة ما ينجلب إليه وإن لم يكن رقيقاً جداً أو غليظاً جداً. وإن كان المرض قد وافى المنتهى وكنا قد تقدمنا بالإنضاج بالمروخات والنطولات والضمّادات المنضجة استفرغنا من الرأس خاصة بالغرغرة إن لم نخف آفة في الرئة ولم تكن النوازل المستنزلة بالغرغرة من جنس خلط جاد لاذع ولم يكن الإنسان قابلاً لأمراض الرئة وكان يمكنه الاحتراس عن نزول شيء رديء إلى الرئة وكان حال الرأس أشدّ اهتماماً له من حال الرئة. واستعملنا أيضاً المشمومات المفتحة المعطسة والسعوطات والنطولات لتجذب المواد من الرأس. وربما ضمدنا الرأس بعد الحلق بأدوية مسهلة لحبس الخلط الذي فيه إذا لم نخف من تلك الضمادات إفساد مزاج وكنا نثق أن المادة منضجة سهلة الاستفراغ ومع هذا كله فنتوقى في استفراغ الأخلاط الباردة أن لا نسهل منها الرقيقة ونحبس الغليظة وسبيل وصولنا إلى هذا الغرض أن نستفرغ بعد التليين بالملينات المنضجات. وكلما استعملنا استفراغاً أتبعناه تلييناً ونتوقى في إستفراغات الأخلاط الحادة التي يضطر فيها لا محالة إلى أدوية حارة في بعض الأوقات مثل الأيارج والسقمونيا والتربد مع الاسطوخودس أن يبقى بعدها سوء مزاج حار بل نجتهد في أن لا يبقى بعدها ذلك وذلك بأن نتدارك الإسهال الكائن بها والاستفراغ الواقع بالغرغرة وغير ذلك تداركاً بالضمادات المبردة وأن نتوقى استعمالها إلا بعد نقة مأخوذة من عادة المريض إنّ ما يشربه من ذلك يسهله ويستفرغه حتى لا يكون سقينا إياه سبباً لهلاك أو فساد فإن كانت الأخلاط غير نضيجة أنضجنا أولاً كلاً بواجبه كما نذكر وإن كانت الأخلاط متصعدة من جانب أو من البدن كله جذبنا إلى الخلاف مثلاً إن كان من أسافل أو من البدن كله استعملنا الحقن والحمولات وعصبنا الأطراف وخصوصاً الرجل واستفرغنا العضو مثلاً إن كانت المعدة فبأيارج فيقرا أو كان الطحال فيما يخصه وكذلك كل عضو ودبرنا كلاً بحسب تدبيره الذي يخصه فهذه قوانين كلية في أمر المواد وأي مادة استفرغت وحدث بسببها سوء مزاج عالجنا بالضد. ومما تشترك فيه المواد المختلفة في الرأس من الرطوبات على مذهب أصحاب الكي أن يكون حيث ينتهي إليه السبابة والخنصر ممسوحاً من طرف الأنف أو حيث ينتهي إليه نصف خيط طوله من الأذن إلى الأذن وليحلق أولاً الرأس ولنرجع الآن إلى التفصيل. أما الدم فإن كان في البدن كله وكان حصل في الرأس مادة وافرة فصدت القيفال وإن كان يعد لم يحصل وهو في الحصول فصحت الأكحل وإن خفت الحصول قبل أن يأخذ في الحصول مثل أن يقع سبب جذاب للأخلاط حول الرأس من حر خارجي أو ضربة أو غير ذلك فصدت الباسليق وإن شئت أن تجذب أكثر من ذلك فصدت الصافن وحجمت الساق فوق الكعب بشبر وفصدت عروق الرجل وإن كان بمشاركة عضو فصدت العرق المشترك لهما إن أردت أن تستفرغ منهما جميعاً وكانت المادقارة وإن أردت الجذب إلى ناحية مع استفراغ العضو المشارك فصحت عرقاً يشارك العضو المتقدم بالعلة ويقع في خلاف جهة الرأس ثم إذا توجهت نحو الرأس وحده أو كان الدم من أول الأمر وحده فيه فما كان واقعاً في الحجب الخارجة من القحف على ما سنذكره من الأمراض الجزئية أو كان الوجع محسوساً بقرب الشؤون وأردت علاجاً خفيفاً فالحجامة عند النقرة وكان غائراً وكان لا يرجى انجذابه إلى خارج القحف فصدت عرق الجبهة خاصة إن كان الوجع مؤخراً وبعد أخذ الدم يتناول المستفرغات المتخذة من الهليلج وعصارات الفواكه إن بقيت حاجة ويستعمل الحقن وإن كانت العلة صعبة مثل سكتة دموية مثلاً فصدت من الوداج.وأما المنضجات: فإن كانت المادة بلغمية فأمهات الأدوية التي تستعمل في إنضاجها هي ما فيه تلطيف وتقطيع وتحليل كالمرزنجوش وورق الغار والشيح والقيسوم والأذخر والبابونج وإكليل الملك والشبث والبسفانج والأفتيمون وهما: أخصّ بالسوداوية وحاشا وزوفا والفوذنج والسذاب والبرنجاسف وكل مما كتبناه في جداول التحليل والإنضاج من الأدوية والحارة وإن كان تحصيل التدبير في البلغمي والسوداوي مختلفاً بما سنذكره. وهذه الأدوية يجب أن يتصاعد في درجاتها بمقدار المادة فإن كانت كثيرة الكمية شديدة الكيفية جعلنا الأدوية الحارة قوية حتى في الدرجة الرابعة مثل العاقر قرحا والفربيون وغير ذلك اللهم إلا أن يخاف غليان المواد وذلك إن كانت كثيرة جداً وخفنا أنها إذا سخنت إزداد حجمها وأوجب تمدداً مؤلماً أو ورماً فهنالك يجب أن نبدأ فنستفرغ منها شيئاً ثم نأخذ في إنضاج الباقي والأصوب في إنضاج الأخلاط الليّنة الفجة أن يكون العلاج والتضميد بأدوية معتدلة التسخين وتستعمل الهدّ والتعصيب لينضج برفق وإن كانت قليلة الكمّية أو كانت ضعيفة الكيفية اقتصرنا من التي لا كثير تسخين فيها على اللطيفة في الدرجة الأولى وإن كانت متوسّطة فعلى المتوسّطة وإن كانت المادة سوداوية لم نقتصر على هذه الأدوية حتى لا يزيد في التخفيف. ولا سيما إن كان السوداء غير طبيعي بل حراقياً بل يحتاج في إنضاج المادة السوداوية إلى التليين والترطيب لا محالة ثم يعقب بالمنضجات المحللة اللطيفة التحليل التي في درجة الثانية والثالثة والأولى أن يجمع الملينة والمرطبة مع الحارة المقطّعة المحللة. وأما المادة الحارة فإنضاجها يجمع قوامها ويفتح مع ذلك ويقطع وهذه هي المبردات المرطبة التي فيها جلاء وغسل مثل ماء الشعير ولبن الماعز الحليب ويجتنب اللبن من كان به ضعف قوّة مع الصداع والمنضجات التي بهذا الشرط ويستعمل المياه التي طبخ فيها أوراق الخلاف والبنفسج والنيلوفر وعصا الراعي والبقول الباردة كلها المكتوبة في جداولها من الأدوية المفردة مخلوطة بشيء من الخلّ ليغوِّصها وينفذ قوّتها. فإن كان فيها أدنى غلظ زيد البابونج والخطمي وإن كان بصاحب العلة سهر وأراد أن لا يسهر جعل فيها قشور الخشخاش. وأقول أن الخلّ مشترك لجميع المواد فإن تبريده يمكن أن يكسر بأدنى شيء ثم يبقى غوصه بالأدوية وتقطيعه هذا إذا استعمل في المواد الباردة وأما في إنضاج المواد الحارة فلا إيثار عليه والأدهان الحارة كلّها المذكورة في القراباذين المتخذة من الرياحين والزهر والنبات داخلة في إنضاج الباردة. وإن كانت المواد شديدة البرد أو كثيرة الكمية أو عسرة الانحلال فالأدهان المتّخذة بالصموغ الحارة والأفاويه القوية ودهن البان والزنبق والنرجس والسوسن والأقحوان والغار والمرزنجوش والناردين أو زيت قد طبخ فيه سذاب رطب أو فوذنج رطب أو شبث رطب أو بابونج رطب وما أشبهه مما يذكر في القراباذين والنفط وأما دهن البلسان فللطفه يتحلّل بسرعة فلا ينتفع فيه في الأطلية والمروخات انتفاعا كثيراً يليق بقوّته ونحن نقابل المادة بالاستفراغ وبالجذب إلى خلاف وبهما جميعاً والجذب إلى الخلاف هو الجذب إلى اليد والرجل ويعين عليه دلكها بملح ودهن بنفسج أو دهن بابونج بحسب المزاج ومما يستعمل فيما نحن فيه الرياضة التي يحفظ فيها الرأس حتى لا يتحرّك مع البدن وإنما تحرّك الأسافل وحدها وهي رياضة يكون الإنسان فيها متعلقاً في حبل أو متدلياً من جدار يتماسك عليه أعالي بدنه ولا يزال يحرّك الرجل ويتعبها وهذا بعد الاستفراغ وذلك الأطراف وشدّها من فوق إلى أسفل من هذا القبيل وخصوصاً عند التغذية وقد يبقى الرأس وحده بالرياضة الخفيفة كالدلك والغمز حتى المشط واستعمال الأراجيح من المنقّيات الخاصة كما يفعل في آخر ليثرغس حسب ما تعلم. وأما الأمر الجامع للتدبيرين جميعاً فالحقن والحمولات والمُدرَات والمعرقات بحسب المادة والقوة وكلها معدَودة في القراباذين. وأما المسهّلات التي تستفرغ الرأس بشركة البدن فبحب الأيارج وحبّ القوقايا وحب أسطوخودوس وهذه هي أوفق للأخلاط المحترقة التي الغلبة عليها المرار وفيها مع ذلك غلط بل هي كالمشتركة للمرارية والبلغمية وأقوى من كله نقيع الصبر المتخذ بماء الهندبا وخصوصاً الذي هو أقوى منه وهو المكتوب في القراباذين أو نقيع الأيارج والقيء بالسكنجبين مع بزر وأما طبيخ الهليلج والإجاص والشاهترج وشراب الفواكه وشراب البنفسج وطبيخ الخيار شنبر وما أشبه هذه مقوّاة بالسقمونيا وغير مقواة بحسب حال البدن وخلوه عن الحمى أو كونه فيها.وبحسب السنّ والقوة وأمثال ذلك في موافقة للأخلاط المرارية الرقيقة وأما أيارج أركاغانيس وأيارج روفس وأيارج لوغاديا وأيارج جالينوس والحب المتخذ بحجر اللازورد والخربق على ما نذكره فموافقة للأخلاط الغليظة والسوداوية وكذلك كل ما وقع فيه أسطوخودوس ويصلح لها أيضاً القيء بشرب السكنجبين وبزر الفجل وشحم الِحنظل مع سائر الأدوية المخرجة للأخلاط الغليظة اللزجة مما حددنا وذكرنا وسائر المركبات المفصّلة في القراباذين على أن لها طبقات الأولى ما كان بأيارج وتربد وأفتيمون وغاريقون وجندباستر وما أشبهه ثم الحبوب الكبار ثم الأيارجات ثم الخربقان الأسود للسوداء والأبيض للبلغم مع حذر وتقية واللازورد والحجر الأرمني للسوداء بلا حذر ولا تقية ويجب أن يبتدأ من الأضعف ويتدرج حتى يعلم من حال العلة أنها قد انقطعت.وأما المسهلات الرقيقة لتنقية الرأس فهي: الشبيارات التي يتخذ منها حبّ كبار ليفعل الوزن القليل الفعل الكافي باللبث ولا يضرّ لقلّته تكريره وينام عليه لئلا يبطل الحركة واليقظة فعله وكان القانون والعمدة فيها الصبر والأيارج ثم تقع معها المصطكى لتقوية المعدة ويقع فيها الهليلج ليمنع البخار الحاد أن تولد منها في المعدة عن الرأس فإن أريد للأخلاط المرارية استعين فيها بالسقمونيا وما أشبهه وربما كان استعمال السقمونيا مع الصبريات المستعملة لسبب تنقية الرأس نفسه أو المعدة وإن كان مرض الدماغ بمشاركتها مانعاً لتسخينها المفرط لفضل مكثها وتهييجها المقصر عن تمام التنقية بما يعين على التنقية.وإن أريد المعين في إخراج الأخلاط البلغمية استعين بشحم الحنظل مع الزنجبيل والتربد والأسطوخودوس. وإن أريد للأخلاط السوداوية استعين بالخربق القليل أو الأفتيمون والبسفايج وما أشبهه وهي حبوب كثيرة بنسخ مختلفة تجدها في القراباذين ويعرف منافعها واختيارها هناك.وأما المنقّيات الخاصة بالرأس فمن ذلك الغرغرات وكان المرِّي مستعمل في جميعها فإن كانت الأخلاط مرارية صرفة لم تستعمل في تنقيتها الغرغرة خوفاً من نزولها إلى الصدر وقد اكتسبت فضل حدة من الأدوية المنقّية الحادة فإن المطلقة للصفراء برفق ولطف واعتدال مزاج لا تؤثر في الغرغرة أثراً كبيراً فإن كان شيء من ذلك نافعاً فالسكنجبين البزوري مع الهندبا وحده والسكنجبين العنصلي المتّخذ بالسقمونيا وماء اللبلاب وماء الإجاص وشراب البنفسج والتمر هندي مع قليل سقمونيا وما يجري هذا المجرى. وأما إن كانت الأخلاط مرارية مع غلظ: فالغرغرة تكون بالمرّي والصبر أو بالأيارج أو السكنجبين البزوري والعنصلي مع الأيارج ولك أن تقوِّي ذلك بالسقمونيا وقليل تربد ولا نزيد على هذا. وأما إن كانت الأخلاط الغليظة بلغمية فزد عليها شحم الحنظل والزنجبيل والأسطوخودوس والتربد وأيارج أركاغانيس ويوسطوس وربما احتجت إلى أن تستعمل معها الخردل والعاقر قرحا والفلفل مع المصطكى تزيد بذلك تقوية فعل الدواء إذا كانت الأخلاط شديدة القوة وكذلك ربما مضغت العاقر قرحا والفلفل والزنجبيل والوج حتى الميويزج وما أشبهها وقد يخلط بها الملطّفات مثل الزوفا والدار صيني والسليخة والصعتر وقشور أصل الكبر والفودنج وما يجري مجراها. وأما العطوسات فللأخلاط المرارية مثل بخار الخل المذاب فيه قليل سقمونيا وشمِّ الفقاع الحامض الحاد وللبلغمية الكندس والفلفل والبصل والثوم والحرف والخردل والبزور الحادة وما جرى مجراها وقد يتّخذ من هذه الأدوية ضمّادات ويتّخذ منها أطلية على الأصداغ. وأما السعوطات فمنها ما يراد به التبريد والترطيب ومنها ما يراد به التحليل ومنها ما يراد به التقوية وإذا استعملت السعوطات المحللة القوية فتدرج في استعمالها.واستعملها أول مرة بدهن الورد أو باللبن أو بما يجري مجراهما وفي المرة الثانية بعصارة السلق ونحوها وفي المرة الثالثة بماء المرزنجوش ونحوه فإن كان مبدأ المادة والبخارات إنما هو من المعدة فتأمل جوهر الخلط الحاصل في المعدة وتعرفه بما تعلم في باب أمراض المعدة واستفرغه. وأما إذا كانت المادة الرأسية بخارات ورياح محتقنة: فيجب أن تحتلها بماء طبخ فيه الشيح والأفتيمون والحاشا والأدوية المذكورة في أبوابه وتقطر أيضاً دهن الياسمين والمرزنجوش والغار في الأذن وأما إذا أردت أن تقوي جرم الدماغ وتمنع الأخلاط المرارية عن الصعود إليه من المعدة وما يليها فيجب أن تطعمه الفواكه الحامضة وخاصة الرمان الحامض والتفاح والكمثري والحصرم وخصوصاً بعد الطعام. وأما معالجتك السدد فبالنطولات المفتحة دائماً ويجب أن يكن سكبها وسكب كل نطول يستعمل في كل غرض سكباً من مكان علو ليكون غوص قوتها أكثر والرأس منتصب ليقع على اليافوخ فوق مؤخر الرأس والعظام الصلية ويكون أيضاً بالمضوغات وحبوب الشبيار والأدهان المحللة. وإن كان سبب الألم رياحاً في المعدة نقيت ثم أعطيت دهن اللوز الحلو والمر بماء طبيخ الأصول والحلبة والقردمانا وما أشبهه وأعطيت دهن الخروع مع نقيع الصبر. وأما معالجتك للأورام الحارة: فيجب أن يبتدأ فيها أولاً بما يدفع من المبردات المذكورة مخلوطة بالخل وماء الورد إلا أن يكون هناك وجع شديد وحينئذ فاجتنب الخلّ وينفع فيها استعمال دهن الورد مبرداً مقداراً صالحاً غير مفرط مضروباً بالخل الكثير أو القليل في الجبهة والرأس وماء عنب الثعلب والقرنفل والزعفران والصندل وشياف ماميثا والطين الأرمني والعدس المقشر ونحو ذلك ومياه قد طبخت فيها القوابض الباردة ومن الحارة القابضة القوية ما فيها تركيب أيضاً في مزاجها بالبرد كالأثل واجتنب الأدوية الشديدة البرد المتخذة من مثل الخشخاش والأفيون وغير ذلك إلا عند حاجة شديدة ووجع شديد والبابونج قد يكسر قوة المخدرات في الأنطلة والقيء مما لا ينتفع به في معالجات أمراض الرأس إلا أن يكون بمشاركة مادة في المعدة أصلح وجوه دفعها القيء قال جالينوس: ليس حال الصداع في شدة الحاجة إلى المخدرات حال القولنج فإن وجع القولنج قد يبلغ أن يقتل ولا كذلك الصداع في كثر الأمر فإن كانت المواد شديدة الحدة استعملت ماء الفواكه المذكورة ثم تشتغل بالمنضجات المذكورة للمواد الحادة ثم تستعمل ما فيه أدنى تحليل مثل مياه قد طبخ فيها الكشك وأصول الآس ومن الأدهاندهن البابونج الطري وحده أو مخلوطاً بدهن الورد بحسب حدة المرض وقوام المادة وقرب العهد من المبتدي وبعده ثم مياه قد طبخ فيها أصول الكِرَفس والرازيانج وبزورهما والنخالة والحلبة والخطمي وإكليل الملك والأقحوان الأبيض ومن الأدهان دهن الشبث ونحوه أيضاً حتى ينتهي فيحلل حينئذ. وأيضاً ضمادات متخذة من هذه وأما الاستفراغات الواجبة فتتقدم بها بحسب المادة ويستعمل في تغذية صاحب الورم الصفراوي خاصة الأغذية الخفيفة الرطبة. وأما الأورام الباردة فيبدأ فيها أولاً كما في غيرها بالاستفراغ ويستعمل فيها ما يقع فيه دهن الخروع ودهن اللوز المر والفيقرا ونحو ذلك من أصناف الأشربة المعروفة. بمياه الأصول ويقتصر من الرادعات في ابتدائه على دهن الورد ويخلط بها الملطفات كالحاشا والفودنج والجندبيدستر خاصة ثم يستحمل العنصل وخلّه ضماداً أو غرغرةً إن أمكن ذلك وربما سقوا من الجندبيدستر ثلثي مثقال وخصوصاً لأصحاب ليثرغس ثم يستعمل المنضجات التي فيها إرخاء وقليل تحليل مما ذكرناه ثم بعد ذلك وعند الانتهاء فيستعمل في جميع الباردة والحارة المرخيات ويكون المستعمل في الباردة المرخيات التامة والمحللات القوية من المياه والضمادات والأدهان. واعلم أن جميع من يشكو علة مادية في رأسه فإنه يتضرر بالخمر وبالإبطاء في الحمام وجميع من به مرض في حجب الدماغ فإنه يتضرر بالماء البارد جداً. وأما معالجات سوء المزاج الحار وحده: فما فيه تبريد من البقول والأدهان الباردة المبردة كدهن الورد والخلاف والنيلوفر والبنفسج وخير ذلك كه دهن الورد ودهن حب القرع ودهن بزر الخس ودهن بزر الخشخاش وربما استعملوا دهن بزر البنج عند شدة الوجع وخير هذه الأدهان ما أصله زيت معتصر من زيتون إلى الفجاجة غير مملح وقد أكثر ورق ما يربى فيه وكان طرياً. وأما البقول الباردة وما يجري مجراها فأنت تعرفها كلها وهي: مثل الخس والبقلة الحمقاء وجرادة القرع وما يشبه ذلك وأيضاً ورق الخلاف وورق النيلوفر وعنب الثعلب وعصا الراعي وحيّ العالم أو ماء الخيار والقرع وسويق الشعير مع الخلّ وماء الورد والكافور والصندل وأقاقيا واللخلخة بدهن الورد والخلّ ولا يتجاوز ذلك إلى ما فيه تخدير وإجماد للروح إلا لضرورة شديدة. وقالوا: ولا يجب أن يكون الخلّ شديد الحدّة والخمرية فإن فيه ضرراً ومن ذلك لعاب بزر القطونا بالخل وماء الكزبرة وأوراقه ويجب أن يجنب هذه الأضمدة والأطلية مؤخّر الدماغ الذي هو منشأ العصب فإن هذه الأشياء إنما تنفع الدماغ من طريق الشأن الذي في اليافوخ والشأن الأكليلي وأما من طريق الخلف فلا يصل إلى صميم الدماغ وتفسد منابت الأعصاب.أيضاً مما يعالجون به أن يتشمّموا الروائح الباردة ويسعطوا بمثل هذه الأدهان والعصارات ويجعل الأغذية من العدس والمحّ أعني الماش والكشك والأسفاناخ والقطف والطفشيل وما أشبه ذلك ويفرش هذه البقول والأوراق في مسكنه حتى يكون في بيت بارد مفروشاً فيه الأغصان المبرّدة وقد أمر أن يكون فيها ماء الشاهسفرم فاغية الحنّاء وأظن إن الأصوب أن يكون القرب منه من الشاهسفرم مرشوشاً بالماء البارد وكذلك ينفعه تقريب الفواكه الباردة والجمد أو المياه الغزيرة فإن لم يجد مع الحرارة يبوسة بل رطوبة بلا مادة وهذا قليل جداً في أمراض الدماغ فاجعل الأطلية من مياه الفواكه التي فيها قبض كما ذكرنا ولا سيما في ابتداء الأورام الحارة وجميع هؤلاء يجب أن يمنعوا الحركات النفسانية الباطنة وترديد الحدقة في الملامح ويجنبوا النظر في التباريق والتراويق وكذلك يخفّف على أسماعهم. وأما إن كان سوء المزاج بارداً فاستعمل الضمّادات والمياه المتخذة من الأدوية الحارة المذكورة والأدهان المذكورة خاصةً دهن السذاب المسخن وإن احتيج فيه إلى زيادة تقوية خلط به فربيون كذلك دهن الغار والمرزنجوش ونحوها وإن كان مع ذلك سوداوياً وكان سوداء طبيعياً أو بلغمياً فسخّنه مع ترطيب. وأما إن كان إحتراقياً فاجتنب كل ما يجفّف أو يسخن واقتصر على المرطبات من الألبان والأدهان والنطولات والأضمدة والأغذية. فإن كان مع البرد يبس جمعت أيضاً بين الترطيب والتسخين. وإن كان مع البرد رطوبة استعملتَ المفرغات المذكورة والأدوية التي فيها نشف مع الحرارة مما ذكر لك في الجداول. ويجب أن تعلم أن السيالات تستعمل على الرأس قطراً على ما ذكرنا وتستعمل حبساً في محبس من عجين أو صوف مبلول يكلّل به الرأس ويكون مصبّها مما يلي المقدم من اليافوخ وما كان منها ليّناً فيجب أن لا يترك عليه اللطخ منه بل يغسل ولا يحبس نفسه في المحبس الإكليلي مدّة كثيرة بل يجدد فإنه سريع التعفّن وأجود ذلك أن يستعمل بعد الحلق وكذلك جميع الضمّادات والمروخات وإذا غذوت أصحاب أمراض الرأس المادية فادلك الأطراف وجفف جانب الرأس وقوِّه بالرادعات ثم أغذه حسب ما ترى من كمية المادة وكيفيتها وقس على ذلك نظائره.

 المقالة الثانية أوجاع الرأس

وهو أصناف:

 الفصل الأوّل كلام كلي في الصداع

الصداع ألم في أعضاء الرأس وكل ألم فسببه تغيّر مزاج دفعة واختلافه أو تفرق اتصال أو اجتماعهما جميعاً وتغيّر المزاج هو أحد الستة عشر المعروفة وإن كان الرطب هو غير مؤثر ألماً إلا أن يكون مع مادة تتحرك فتفرق الاتصال وتفرُّق الاتصال معلوم وأصنافه بحسب أسبابه معلومة واجتماع سببي الألم معاً يكون في الأورام والأورام كما علمت معدودة الأصناف وأصنافها أربعة وجميع ذلك قد يكون في جوهر الدماغ نفسه وقد يكون في الحجاب المطيف به وقد يكون في الجانبين المطيفين به وقد يكون في العروق وقد يكون في الأغشية الخارجة عن القحف لما بينها من العلائق المعروفة في التشريح الموصوف وقد يكون السبب المؤذي لأي هذه الأعضاء كان ثابتاً في العضو نفسه وقد يكون بمشاركة غيره له: إما عضو يصل بينه وبين أعضاء الرأس واشجة العصب مثل المعدة والرحم والحجاب وأعضاء أخرى إن كانت أو عضو يصل بينه وبين الدماغ واشجة العروق من الأوردة والشرايين مثل القلب والكبد والطحال وإما عضو يجاوره مجاورة أخرى مثل الرئة الموضوعة تحته فيؤدي إليه آفته وإما عضو مشارك لعضو من جهة وللدماغ من جهة أخرى مثل مشاركته للكلية في أوجاعها. وإما بمشاركة البدن كله كما يكون في الحمّيات وما كان بمشاركة فقد يكون بأدوار ونوائب بحسب أدوار ونوائب السبب الذي في العضو المشارك مثل ما يكون بمشاركة المعدة إذا كان لانصباب المواد المرارية أو غيرها إليها أدوار ومثل ما يكون مع أدوار تزيد أصناف الحميات والصداع فقد ينقسم من جهة أخرى فإن منه ما سببه صنف من الأسباب البادية مثل صداع الخمار ما دام صداع خمار ولم يرسخ لرسوخ سبب أريد من ذلك متولّد من ذلك ومثل صداع كل شيء حار نحو الثوم وغيره ومنه ما سببه سابق قد وصل فهو لابث فيلبث هو لأجله وربما كان عرضاً ثم صار مرضاً وإذا بقي مرضاً بعد الحميات الحارة أنذر بعلل دماغية ودلّ على عجز الطبيعة عن دفع المادة بالكمال برعاف أو غيره من العلل التي ينذر بها سبات وسكات وجنون أو استرخاء أو صمم بحسب جوهر المادة وبحسب حركاتها. والصداع قد ينقسم من جهة مواضعه فإنه ربما كان في أحد شقي الرأس وما كان من ذلك معتاداً لازماً فإنه يسقى شقيقة وربما كان في مقدّم الرأس وربما كان في مؤخر الرأس وربما كان محيطاً بالرأس كله وما كان من ذلك معتاداً لازماً فإنما يسمّى: بية وخوذة تشبيهاً ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله. والصداع قد يختلف أيضاً بالشدة والتوسّط والضعف فمن الصداع ما هو شديد جداً حتى إنه إذا صادف يافوخ صبي لين العظام مرقه وصدع درزه ومنه ما هو ضعيف مثل أكثر ما يكون في ليثرغس ومن الضعيف ما هو لازم ومنه ما هو غير لازم وربما كان الصداع الذي سببه ضعيف يعرض لبعض دون بعض فيعرض لمن حسّ دماغه قوي ولا يعرض لمن حس دماغه ضعيف وبالجملة فإن من هو قوي حسّ الدماغ ممنوّ بالتصدع من كل سبب مصدع وإن وبالجملة فإن الدماغ يكون سريع القبول للمصدعات: إما لضعفه: وقد عرف في الكليات أن الضعف تابع لسوء مزاج. وإما لقوة حسه فيتأذى عن كل سبب وإن خفّ وأيضاً فإن من الصداع ما لا أعراض له ومنه ما يؤدي إلى أعراض تختفي بنواحي الرأس: مثل أن يحدث أعني الصداع لشدة الوجع أوراماً في نواحي الرأس ومنه ما يؤدي إلى أعراض تتعدى إلى أعضاء أخرى مثل أن يتأدى أفاه وأضراره أو إيلامه إلى أصول الأعصاب فيحدث التشنّج أو يتعدّى شيء من ذلك إلى المعدة فيحدث سقوط الشهوة والفواق والغثيان وضعف الهضم ونحو ذلك. واعلم أن الصداع المزمن إما أن يكون لبلغم أو لسوداء أو ضعف رأس أو ورم صلب مبتدا أو حار قد صلب وهو الكثير والصادع وجميع الأمراض قد تختلف فربما كان المرض مسلماً والمسلم هو الذي لا مانع من تدبيره بما يجب له في نفسه ومنه ما ليس بمسلم بل هو ذو قرينة وربما منعت عن تدبيره بالواجب مثل أن يكون صداع ونزلة فتعارض النزلة الصداع في واجبه من التدبير. والصداع أيضاً قد ينقسم باعتبار آخر فإن من الصداع ما يعرض. أحياناً للصحيح لا قلبة به ومنه ما إنما قد يعرض لذي أورام وأوصاب ومن الأبدان أبدان مستعدة للصداع وهي: الأبدان الضعيفة الرؤوس الضعيفة الأعضاء الهاضمة فتتولّد فيها بخارات وتنصب إلى معدهم أخلاط مرارية فتصدع. وأيضاً فإن من التناولات أشياء مصدّعة قد ذكرت في جداول الأدوية المفردة وجميع الأفاويه مصدّعة خصوصاً السليخة والقسط الزعفران والدارصيني والحماما. وجميع المبخرات مصدّعة حارة كانت أو باردة لكنها إذا تعاقبت تدافعت أعني إذا كان قد تقدّم ما آذى بحرارة بخاره وعقبه ما يبخر بخاراً بارداً أو بالعكس. وأما إذا كان الأذى ليس بالكيفية وحدها بل وبالكميّة فلا ينفع تعاقبها بل يضر وقد يكثر الصداع البارد للاحتقان في الشتاء وإذا كان الصيف شمالياً قليل المطر وكان الخريف جنوبياً مطيراً كثر الصداع في الشتاء وكثيراً ما يكون الصداع بسبب تأدية الريان البخارات الخبيثة إلى الرأس.  فصل في تفصيل أصناف الصداع الكائن من سوء المزاج: فلنأت بكلام يفصل كل واحد من هذه الجمل وهذا هو التفصيل الأول فنقول: أما الجملة المزاجية فإن المزاج الحار والمزاج البارد والمزاج اليابس والرطب قد يحدث عنها الآلام على نحو ما علمنا في الأصول الكلية وإن كان الحال في المزاج اليابس ما علمت من أنه قليل التأثير للألم والمزاج الرطب بما هو رطب فليس يؤلم إلا أن يكون هناك مادة رطبة مؤلمة من جهة تبخير أو إحداث ريح يفعل تفرّق الاتصال والحار اليابس والبارد اليابس يؤلمان بالكيفيتين وأما الحار الرطب والبارد الرطب فلا يؤلمان إلا من حيث هما حار وبارد لا من حيث هما رطبان إلا على الجهة المذكورة. والمزاج الحار إما أن يكون سببه مادة حارة دموية أو صفراوية أو مركبة محتدّة ملتهبة تفعل بكيفيتها التأثير وإما أن يكون سببه ريحاً وبخاراً حاراً وإما أن يكون سببه حركة مسخّنة بدنية أو نفسانية على ما علمت من أقسامها في الأصول الكلّية أو يكون سببه مثل ملاقاة نار. أو إحراق شمس أو تناول غذاء أو دواء مسخّن أو مجاورة أعضاء قد سخنت ومشاركتها وأسباب المزاج البارد المصدع مقابلات هذه مما إليك عدة. وأسباب اليابس إما مجفّفات منا خارج بالتحليل والإحراق وكالسمائم والأضمدة الحارة أو مجمّدات طبيعية أو عارضة بغتة وغير بغتة تمنع الغذاء من أن ينفذ إلى الرأس فتجف أعضاؤه لانقطاع الشرب وتحلل الرطوبة الأصلية أو مجفّفات من داخل بتحليلها أو باستفراغها أو بأن قوّتها مجفّفة أو أن الغذاء الكائن منها يابس أو قليل الرطوبة ومجاورة أعضاء قد يبست ومشاركتها والحركات النفسانية والبدنية المفرطة مجفّفات بطريق الاستفراغ والتحليل. وكذلك الجماع والإدرار والنزف والرياضة القوية. والاستفراغات منها إستفراغات في أعضاء غير أعضاء الرأس يشاركها الرأس مثل الاستفراغات الكلية من البدن كله أو الاستفراغات الجزئية من عضو دون عضو ومنها إستفراغات في أعضاء الرأس مثل الزكام والنزلة والرعاف وأصناف التحلب المكتسب بالسعوطات والعطِوسات والغراغر ومن أسباب اليبوسة انقطاع مواد الرطوبة وإن لم يكن باستفراغ مثل الصيام وترك الطعام أو فقدانه.

 فصل في تفصيل أصناف الصداع الكائن بسبب تفرّق الاتصال

تفرّق الاتصال قد يعرض في حجب الدماغ وقد يعرض في جوهره وقد يعرض في العروق فتفتق وربما كان كما تعلم من حركة البخارات والرياح ابتداء أو لسدّة وربما كان لخلط أكّال وربما كان من ضربة أو سقطة أو قطع من خارج والذي يكون من داخل فربما لم يلتحم وبقي قرحة تؤذي الرأس وتديم التصديع والضربة والسقطة ربما كانت خفيفة المؤنة فتعالج وربما بلغت أن يتقلقل لها الدماغ ويهلك وقد ذكر بعض أطباء الهند أنه ربما كان السبب في الصداع دوداً يتولد في نواحي الرأس فتؤذي بحركتها وتمزيقها وأكلها وقد استبعد هذا قوم وليس بالواجب أن يستبعد فإن الدود كثيراً ما يتولد فيما بين مقدم الرأس وأعلى الخياشيم فيجوز أن يتولد عن الحجب وإن كان الندرة.

 فصل في تفصيل أصناف الصداع الكائن عن الأورام

الورم الذي يحدث عنه الصداع ربما كان في حجب الدماغ وربما كان حاراً ويسمى: سرساماً حاراً وربما كان بارداً ويسمى: ليثرغس أي النسيان وربما كان مركباً ويسمى حال صاحبه السبات السهري وربما كان صلباً وقد يكون في نفس الدماغ وجوهره فيكون إما حاراً فلغمونياً أو حمرة وإما بارداً وتفصيل جميع ذلك مما يأتيك عن قريب وهذه كثيراً ما تنحل بأن يخرج من الرأس في الأذن وغيره قيح أو صديد أو مادة مائية.

 فصل في كيفية عروض الصداع من المواد

نقول: إن المواد تكون سبباً للصداع إما بالذات وإما بالعرض والذي بالذات فبأن تغير المزاج بالذات أو تفرق الاتصال بالذات. وإنما تغتر المزاج بالذات على وجهين إما بالمجاورة وإما بالتحليف. أما الذي بالمجاورة فبأن يكون الخلط مخالطاً حاراً أو بارداً فيسخن أو يبرد تسخيناً أو تبريداً إذا فارق الخلط مما خالطه ففنى وتلاشى ولم يلبث لبثاً يعتد به. وأما الذي بالتحليف فأن يكون الخلط قد أرسخ الأثر وثبته فلو فارق باستفراغ وتحلّل بقيت الكيفية راسخة. وأما كونها سبباً للصداع بالذات على سبيل تفرّق الاتصال فذلك بحركتها ونفوذها أو بلذعها وتأكّلها وأكثر ما يصدع بالتحريك أن يهيّج رياحاً وأكثر ما يفعل ذلك مواد باردة ضربتها حرارة طارئة أو أغذية ريحية مخالطة لحرارة وأما اللذّاعة الأكّالة فهي الأخلاط الحارة وأما الصداع الكائن عنها بالعرض فإذا حدثت سدة ورمية أو غير ورمية والسدة يتبعها تغيّر المزاج كما علمت ويتبعها تفرّق الاتصال وذلك لأن الموادّ التي تحركها الطبيعة في البدن إما على سبيل نفض أو على سبيل تمييزه وقسمته غذاء فإنما تحركه في منافذ طبيعية إذا سدت منعت وإذا منعت قاومت. والمقاومة توجب التمديد والتمديد يوجب تفرق الاتصال والسدد قد تعرض في جوهر الدماغ وقد تحدث في الأوردة التي فيه وقد تحدث في شرايينه وقد تحدث في ذينك من حجبه والسدة تعرض عن الأخلاط إما للزوجتها وإما لغلظها وإما لكثرتها واللزوجة لا قصاب إلا في البلغم والغلظ يصاب في البلغم والسوداء والبلغم يسد باللزوجة وبالغلظ وبالكثرة والسوداء بالغلظ أو الكثرة والصفراء تسد بالكثرة وكذلك الدم والصداع البحراني يكون من قبيل الصداع الذي سببه تحريك طبيعي على سبيل النفض والصداع الذي يكون بعقب انهضام الطعام يكون من قبيل الصداع الذي سببه تحريك طبيعي على سبيل التمييز. وأما حصول المادة المؤذية في العضو فيجب أن نذكره من الأصول الكلية بعد أن تعلم أنها إما أن تكون متقادمة الحصول والاحتباس وإما أن تكون غذائية أي تولدت في الوقت عن الغذاء تولد كيموس رديء في جوهره وكيفيته لفساد في نفس الغذاء أو ترتيبه أو قدره أو هضمه أو سائر وجوه فساده المذكورة في بابه ومن هذا القبيل صداع أكل الثوم والبصل والخردل وصداع الخمار وصداع من تناول الباردات وحركات المواد في الأعضاء يجب أن تتذكّرها من الأصول الكلية والريح من جملة المواد المصدعة ويصدع بالتحديد وذلك إذا ضاق عليه منفذ طبيعي قد خلق أضيق مما ينبغي له في وقته أو طلب أن يحدث منفذاً غير طبيعي. والبخار أيضاً من جملة ذلك ويفعل إما بكيفيته وإما لمزاحمة الأخلاط في الأمكنة فتحركها والرياح والبخارات قد تتولد في البدن وفي الدماغ نفسه وقد تستنشق من خارج أو تأتي من جهة المسام ثم تحتقن في الدماغ فيصدع. ومن هذا القبيل صداع النتن وصداع الطيب. واعلم أن الرياح البلغمية والبخارات البلغمية ثقيلة بطيئة الحركة محتبسة والسوداوية موحشة ثابتة أقل كماً أو أردأ كيفاً والأخلاط الحادة لا تهيج رياحاً بل أبخرة والأبخرة الدموية عذبة أقل من الأبخرة ضرراً بل أكثرها بكميتها والصفراوية حادة ملتهبة فاعلم جميع ما قلناه.

 فصل في أصناف الصُداع الكائن بالمشاركة

الصداع الكائن بالمشاركة منه ما هو بمشاركة مطلقة ومنه ما هو بمشاركة غير مطلقة والمشاركة المطلقة هو أن لا يتأدي إلى ناحية الدماغ من العضو المشارك شيء جسماني البتة إلا نفس الأذى وأما المشاركة الغير المطلقة فأن يتأدى إلى جوهر الدماغ من ذلك العضو مادة ومن القسم الأول: أصناف الصداع الكائن في التشنج والكزاز والتمدد ورياح الأفرسة وأوجاع المفاصل ومثل ما يكون في النقرس وعرق النسا القويين. وربما كان المتأدي من الكيفيات المشاركة كيفية ساذجة من اليكفيات الطبيعية أو كيفية غريبة رديئة لا تنسب إلى حر أو برد مثل الكيفيات السمية فربما يكون في بعض الأعضاء خلط سمي رديء الجوهر فتتأذى كيفيته وربما كان المتأدي من المواد مواد غير غريبة في طبائعها وإنما أدت باشتداد كيفياتها أو تزايد كمياتها وربما كان المتأدي مادة غريبة تولدت في بعض الأعضاء تولداً غريباً فاسداً كما يكون في احتقان الرحم أو يكون لمن طال عهده بالجماع أو حدث في مرات خلط رديء وفي شيء من أطرافه وربما صارت الكيفية المؤذية المتأدية سبباً لحصول مادة مؤذية أيضاً وذلك على وجهين. أحدهما: أن تفسد تلك الكيفية ما تجده في نواحي الدماغ من المواد الجيدة أو ما يتأدى إليها من الغذاء الجيد. والثاني: أن يجعل الدماغ قابلاً للمواد الرديئة وهذا القبول على وجهين أحدهما قبول عن جذب منه مثل أن يسخن منه الدماغ فيجذب إليه بالسخونة المواد. والثاني: قبول عن ضعف مقاومة قد علمت في الأصول أن العضو إذا ضعف قبل ما يصير إليه من المواد. والمشاركة التي تكون مع البدن كله فإما لمادة فاشية في البدن كله والصداع البحراني من قبيله وإما لكيفية فاشية في البدن كله كما تكون في الحميات. وإذا اشتد الصداع في الحتيات الحادة كان اشتداده علامة رديئة بل قاتلة إذا قارنه سائر العلامات الرديئة فإن انفرد دل على بحران برعاف. وربما محلى على بحران بقيء. والأعضاء المشاركة للرأس أولها وأولاها المعدة فإنه قد يفضل في المعدة أخلاط أو يتولد فيها أو ينصت إليها مرار على أدوار وغير أدوار وتكون حلقة المرار بحيث ينصب المرار من وعائها الغليظ دون الرقيق إلى المعدة على ما شرحناه في بابه أو يحتبس فيها رياح أو يتصعد منها أبخرة فيكون منه صداع والخمار يصدع ويسرع إليه البرد لتخلخل أطرافه والرحم مما يشاركه الدماغ مشاركة قوية والمراق أيضاً والكبد أيضاً والطحال والحجاب والكلية والأطراف كلها وناحية الظهر وأول ما يشارك الدماغ ما يطيف به من الغشاء المجلل للقحف وكثيراً ما يكون صدع المشاركة عند انتقال المادة من أورام الأعضاء الباطنة المشاركة إذا تحركت إلى فوق.

 فصل كلام كلي في العلامات الدالة على أصناف الصداع وأقسامه

أما الصداع الكائن عن الأسباب الكائنة من خارج مثل ضربة أو سقطة وملاقاة أشياء حارة أو باردة أو سمائم مجففة أو رياح ذفرة طيبة أو منتنة أو احتقان ريح في الأنف والأذن فالاستدلال عليها من وجودها فإن غفل عنها رجع إلى آثارها فاشتغل بالاستدلال منها على نحو ما نبين. والذي يكون عن ضعف الدماغ فيدل عليه هيجانه مع أدنى سبب ومع كدورة الحواس ووجود الآفة في الأفعال الدماغية والذي يكون عن قوة حس الدماغ فيدل عليه سرعة الانفعال أيضاً عن أدنى سب محسوس في الدماغ عن الأصوات والمشمومات وغيرها لكن الحس يكون ذكياً والمجِاري نقية وأفعال الدماغ غير مؤفة. وأما الكائن عن الأسباب المادية كلها فيشترك في الثقل الموجوَد ورطوبة المنخر وإذا كانت المادة حادة وكان مع النقل حمرة وحرارة وخصوصاً فيما هو من المواد أغلظ وربما صحبها ضربان وأما رطوبة المنخر فقد ثقل إذا كانت المواد غليظة ولا يكون يبس الخياشيم في مثلى ذلك الصداع دليلاً عدم المواد إذا صحبة ثقل والصفراوي يختصَ باللذع والحرقة الشديدة النخس ويكون ذلك فيه أشد مما في غيره مع يبس الخياشيم والعطش والسهر وصفرة اللون ويكون الثقل فيه أقلّ والبارد قد يدل عليه: البول والأزمان واللون وإن كان ذلك الامتلاء عن تخمة دل عليه ذهاب الشهوة والكسل والمواد الرطبة باردة كانت أو حارة فقد يدل عليها السبات والبلغمي والسوداوي لا يؤلمان جداً والمواد اليابسة يقلّ معها الثقل ويكثر السهر والباردة تخلو عن الالتهاب ويكثر معها الفكر الفاسد وتكمّد اللون وقد يستدل على كل خلط بلون الوجه والعين. وربما اختلف ذلك في القليل والسبب في ذلك إما اندفاع من الخلط الملتهب إلى العمق أو احتقان فيه وإما انجذاب من مواد حارة غير المواد الموجعة الباردة إلى ناحية العينين والوجه بسبب الوجع. فإن الوجع إذا حل في عضو جذب إليه وإلى ما يجاوره وأكثر ما ينجذب في مثل هذه الحال إلى العضو هو الدم وقد ينجذب غيره أحياناً وأما الكائن عن الرياح فيقل معه الثقل ويكثر معه التمدّد وربما كان معه نخس وربما كان كالتآكل. ولا يكون في الريحي ثقل وقد يدل على الريحي والبخاري الدويّ والطنين وربما ردت معه الأوداج كثيراً وقد يكثر معه الانتقال أعني انتقال الوجع من موضع إلى موضع. وإذا كثر البخار اشتدّ ضربان الشرايين وخيل تخييلات فاسدة وصحبه سدر ودوار وأما الكائن عن أمزجة ساذجة فعلاماته الإحساس بتلك الأمزجة مع عدم ثقل ومع يبس الخياشيم فإن يبس الخياشيم دليل مناسب لهذا وأما الحارة فيحس العليل نفسه ويحس لامس رأسه حرارة والتهاباً ويكون هناك حمرة عين وينتفع بالمبردات والبرد وأما البارد فيكون الأمر فيها بالضد ولا يكون في وجههم نحافة الهزال ولا حمرة اللون ولا يكون الوجع مفرطاً وإن كان وأما اليابسة فيدل عليها تقدّم إستفراغات أو رياضات أو شهر كثير أو جماع كثير أو غموم ويكون من شأنها أن تزداد مع تكرّر شيء من هذه. وأما الكائنة بالمشاركة فأن تحدث وتبطل وتشتد وتضعف بحسب ما. يحدث بالعضو المشارك من الألم أو يبطل ويشتد ويضعف وإن لم يكن بمشاركة كان في سائر أفعال الدماغ كظلمة في العين وسبات وثقل دائم مع صلاح حال سائر الأعضاء وإذا كانت الآفة في نفس حجب الدماغ وكانت قوية دل على ذلك تأدي الألم إلى أصول العينين وإن كانت الآفة في الغشاء الخارج أو في موضع آخر لم يتأد الألم إلى أصول العينين وأوجع مس جلدة الرأس والكائن بمشاركة المعدة فيدل عليه وجود كرب وغثي أو قلة شهوة أو بطلانها أو رداءة هضم أو قلته أو بطلانه بعد وجود الدليل السابق وإذَا كان بسبب انصباب مرار إليها اشتد على الخواء وعلى النوم ريقاً. وربما كان الصداع بسبب في الدماغ فأوجب في المعدة هذه الأحوال والآفات على سبيل مشاركة من المعدة للدماغ لا على سبيل ابتداء من المعدة ومشاركة من الدماغ فيجب أن تثبّت في مثل هذا وتتعرف حال كل واحد من العضوين في نفسه فتحدس السابق من المسبوق ومما يدلّ على ذلك في المعدة خاصة اختلاف الحال في الهضم وغير الهضم واختلاف الحال في الخواء والامتلاء. فمان ألم المعدة إن كان من صفراء هاج على الخواء وإن كان من خلط بارد كان في الخواء أقل ويسكّنه الجوع. وربما هيّج الجوع منه بخاراً فآذى لكنه مع ذلك لا يسكّنه الأكل تمام التسكين في أكثر الأمر وربما سكّنه في الندرة لكن الالتهاب والحرقة والجشاء يفرق بينهما وأنت ستعرف دلائل الجشاء في موضعه وكذلك يفرق بينهما سائر العلامات التي تذكر في باب المعدة وقد يدل على ذلك ما يخرج بالقيء ويدلّ عليه اختلاف الحال في الصداع بحسب اختلاف حال ما يرد على المعدة وكثير من الناس ينصبّ إلى معدتهم مرار بأدوار فإذا هاج الصداع وأكلوا شيئاً سكن فيكون ذلك دليلاً على أنه بمشاركة المعدة وكذلك يسكن أن قذفوا مراراً. ويدل ذلك الدليل وقد يستدلّ عليه من جهة الألم فإن الذي بمشاركة المعدة أكثره يبتدئ في الجزء المقدم من اليافوخ وربما كان مائلاً إلى وسط اليافوخ ثم قد ينزل والذي يكون من الكبد يكون مائلاً إلى الجانب الأيمن والذي يكون من الطحال يكون مائلاً إلى الجانب الأيسر والذي يكون بسبب المراق يكون مائلاً إلى قدام جداً والذي يكون بسبب الرحم يكون في حاق اليافوخ ويكون أكثره بعد ولادة أو إسقاط أو احتباس طمث أو قلّته. وأما علامة ما يدعى من صداع يتولّد من دود قال الهندي: وعلامة الصداع الكائن من الدود أن يكون أكّال شديد ونتن رائحة واشتداد الصداع مع الحركة وسكونه مع السكون والذي يكون من الكلية وأعضاء الصلب فيكون مائلاً إلى خلف جداً والذي يكون بمشاركة الأوجاع الحادثة في أعضاء أخرى فيكون مع هيجانها واشتدادها والذي يكون مع الحميات والبحرانات فيكون معها ويسكن ويضعف بسكونها وضعفها وقد يدلّ عليها ابيضاض البول مع شدة الحمى لميل الأخلاط المرارية إلى فوق وكثيراً ما تكون الأشياء الملطّفة سبباً للصداع بما يفتح من طريق الأبخرة إلى الدماغ وإن كانت غير حارة مثل السكنجبين. وكذلك حال الشقيقة والتدبير اللطيف ضار لمن صداعه يوجب العلاج بالتدبير الغليظ بسبب المرار وربما زاد الصداع في نفسه لشدة وجعه فتجلب شدّة وجعه مزيداً فيه فاعلم هذه الجمل

 فصل في العلامات المنذرة بالصداع في الأمراض

البول الشبيه بأبوال الحمير يحلّ على أن الصداع كان فانحل أو هو كائن ثابت أو سيكون وكذلك ابيضاض البول ورقته في الحميّات وأوقات البحران يدل على انتقال المواد إلى الرأس وذلك مما يصدع لا محالة.

 فصل في تدبير كلي للصداع

تعلم أن الصداع إسوة بغيره من العلل في وجوب قطع سببه ومقابلته بالضدّ. وبعد ذلك فإن من الأمور النافعة في إزالة الصداع قلة الأكل والشرب وخصوصاً من الشراب وكثرة النوم على أن الإفراط في قلّة الأكل ضار في الصداع الحار.مضرّة الزيادة فيه في الصداع المزمن ولا شيء للصداع كالتوديع وترك كل ما يحرّك من الجماع ومن الفكر وغير ذلك. ويجب أن يجتهد في علاج الماديات منه في جذب المواد إلى أسفل ولو بالحقن الحارة ويجب أن تقوى حتى يمكنها أن تستفرغ من نواحي الكبد والمعدة ومن الأشياء القوية في جنب مادة الصداع إلى أسفل والتسليم من الصداع دلك الرجلين فإن كثيراً ما ينام عليه المصدوع وقد يلحّ على الرجل في ذلك إلى أن ينحلّ الصداع. وإذا أردت أن تستعمل أطلية وضمّادات وكانت العلة قوية مزمنة حارة كانت أو باردة فيجب أن يحلق الرأس وذلك أعون على نفوذ قوة الدواء فيه ومما يعين عليه تكليل اليافوخ إما بعجين أو بصوف ليحبس ما يصبّ عليه من الأشياء الرقيقة عن السيلان فيستوفي الدماغ منه الانتشاق ولا يسلب قوتها الهواء بسرعة. قال فيلغريوس: إن فصد العرق من الجبهة وإلزام الرأس المحاجم إلى أسفل ودلك الأطراف ووضعها في الماء الحار والتمشّي القليل وترك الأغذية النافخة والمبخرة البطيئة الهضم نافعة جداً لمن يؤثر أن يزول صداعه ولا يعاوده. أقول: وربما صببنا الماء الحار على أطراف المصدوع ونديم ذلك فيحس بأن الصداع ينزل من رأسه إلى أطرافه نزولاً ينحلّ معه. واعلم أن الأغذية الحامضة لا تلائم المصدوعين إلا ما كان من الصداع بمشاركة المعدة وكان ذلك الغذاء من جنس ما يدبغ فم المعدة ويقويه ويمنع انصباب المرار إليه وإذا صحب الصداع المزمن من الآلام مؤذ فانح في تدبيرك نحوه فإنه ربما كان ذلك العارض سبباً للزيادة في الأصل الذي عرض له العارض مثل السهر فإنه إذا عرض بسبب الصداع ثم اشتدّ كان من أسباب زيادة الصداع فيحتاج أن ننطله مثلاً يحتاج فيما مثلنا به أن يستعمل مثل دهن القرع ودهن الخلاف ودهن النيلوفر ومثل الألبان معطرة بالكافور وغيره. وربما احتجت في مثالنا إلى أن يخدر قليلاً وينوّم. وكل صداع صحبته نزلة فلا تمل إلى تبريد الرأس وترطيبه بالأدهان ونحوها بل أفزع إلى الاستفراغ وشدّ الأطراف ودلكها ووضعها في ماء حار وإذا أردت أن تجعل على الرأس ما ينفذ قوته إلى باطن الرأس فلا حاجة بك - كما علمت - إلى غير ناحية مقدّم الدماغ حيث الدرز الإكليلي وغير اليافوخ فعندهما يتوقع نفوذ ما ينفذ وأما مؤخّر الدماغ فإن العظم الذي يحيط به أصل من ذلك فلا ينفذ ما يحتاج إلى نفوذه إلى الدماغ فإن شدد في ذلك لم ينتفع به منفعة تزيد على المنتفع بها لو اقتصر على ناحية المقدم وحاق اليافوخ. ومع ذلك فإن كان الدواء مبرّداً ضرّ مبادي العصب وأصل النخاع ضرراً عنه غني. والصداع الضرباني قد يصحب الحار والبارد من الأورام وهو الذي كأنه ينبض فإن كان السبب حاراً فاستعمل المبرّدات التي فيها لين واستعمل أيضاً حجامة النقرة وإرسال العلق على الصدغين وربط الأطراف. وإن كان بارد أفل إلى ما يفش واخلط معه أيضاً ما فيه تقوية وبرد ماء مثل أن يخلط بدهن الورد سذاباً أو نعناعاً وإذا اشتد مثل هذا الصداع حتى يبلغ بالصبيان إلى أن تنفتق دروزهم فقد حمد في علاجهم العروق المسحوقة ناعماً المخلوطة بدهن الورد والخل طلاء بعد أن يغسل الرأس بماء وملح وإذا استعملت السعوطات المحللة القوية فتمزج في استعمالها على ما قيل في القانون وعليك أن لا تميل نحو المخدرات ما أمكنك ولكنا سنذكر منها وجوهاً في باب مسكّنات الصداع بالتخدير. واعلم أن القيء ليس من معالجات الصداع وهو شديد الضرر بصاحب الصداع إلا أن يكون بسبب المعدة وبمشاركتها فينتفع بالقيء. والصداع الذي يكون في مؤخر الرأس فإنه إن لم يكن حمى كان علاجه بالاستفراغ بالمطبوخ أولاً بقدر القوة ثم الفصد. ومن وجد صداعاً ينتقل في رأسه ويسكنه البرد فلعل الفصد لا بد منه أو الحجامة لئلا تجذب مداومة الوجع فضولاً إلى الرأس.

 فصل في علاج الصداع الحار بغير مادة

مثل الاحتراق في الشمس وغيره وبمادة صفراوية أو دموية: الغرض في علاج هذا الصداع التبريد. والمتبدئ منه لا أنفع فيه من دهن الورد الخالص المبرد يصب على الرأس صباً وأفضل ذلك أن يحوّط حول اليافوخ الحائط المذكور ولا يجب كما علمت أن يستقل بمؤخر الدماغ. وإن لم ينفع دهن الورد وحده خلطت به عصارات البقول وأصناف النبات الباردة ومما يكاد أن لا يكون أنفع منه أن يسعط العليل باللبن ودهن البنفسج أو دهن الورد مبردين على الثلج ويصلح أن يخلط دهن الورد بالخل فإن الخل لا يعين على التنفيذ على الشرط المذكور في القانون. وربما نفع سقي الخل الممزوج بماء كثير منفعة شديدة. وأما الكائن من هذه الجملة عن إحراق الشمس فإن علاجه هذا العلاج أيضاً مع زيادة احتياط في تعديل الهواء وتبريده والإيواء إلى المساكن الباردة واستعمال الأضمدة والنطولات والمروخات من الأدهان كلها باردة بالطبع مبردة بالثلج وكذلك النشوقات والنطولات والشمومات. وقد عرفت ذلك ويجب أن تجتنب في ذلك وغيره كل ما يحرك بعنف من صياح وإكثار فكر وجماع وجوع. والذي من إحراق الشمس فإنه إذا تلون في ابتدائه سهل تغييره وإذا أهمل فلا يبعد أن يتعذر علاجه أو يتعسر أو يصير له فضل شأن. وكثيراً ما يعرض من الشمس صداع ليس من حيث يسخن فقط بل من حيث يثير أبخرة ويحرك أخلاطاً ساكنة. فمثل هذا لا يستغنى معه عن استفراغات على الوجوه المذكورة وربما احتيج أيضاً فيما لم يثر أبخرة ولم يحرك أخلاطاً إلى الاستفراغ وذلك عندما يحدث بامتلاء يُخْشى. وانجذاب المادة فيه إلى الموضع الألِم على ما علمته من الأصول فهناك إن أغفل أمر استفراغ الخلط الغالب لم يؤمن استعجال الآفة وإذا التهب الرأس جداً في أنواع الصداع الحار وسخن جداً مجاوز للحد أخذ سويق الشعير وبزر قطونا وعجنا بماء عصا الراعي وبرد وضُمد به الرأس. وأما الكائن عن مادة حارة دموية فيجب أن يبادر فيها إلى الفصد وإخراج الدم بحسب الحاجة واحتمال القوة وإن لم يكف الفصد من عروق الساعد ولم يبلغ به المراد وبقي الوجع بحاله وعرّت العروق على جملتها ورأيت في الرأس والوجه والعين امتلاء واضحاً فيجب أن تقصد فصد العروق التي يستفرغ فصدها من نفس الدماغ كفصد العروق التي في الأنف من كل جانب وفصد العروق التي في الجبهة فإنه عرق يستأصل فصده كثيراً من آلام الرأس. ويجب أن يراعى في ذلك جهة الوجع فإن كان من الجانب المؤخَّر فصد العروق التي تلي جهة القدام وإن كان في جانب آخر فصد العرق الذي يقابله في الجهة وإذا أعوز في الجهة المقابلة عرق اعتمدت الحجامة بدل الفصد. وقد قال الحكيم أركيغايس: إن ذلك إن لم يغن فالواجب أن يحجم على الكاهل ويسرح منه دم كثير ويمسح موضع الحجامة بملح مسحوق ويلزم الموضع صوفاً مغموساً في زيت ثم يوضع عليه من الغد دواء خراجي وليس ذلك في هذا بعينه بل في جميع أنواع الصداع المزمن من مادة خبيثة أية مادة كانت. وقد ينتفع كثيراً في هذا النوع من الصداع وما يجري مجراه بفصد الصافن وحجامة الساق فهذا تدبيرهم من جهة الفصد. وإذا أحس أن هناك شوباً من مادة صفراوية فلا بأس باستفراغها بما يلين الطبيعة ويزلق المادة مما يذكر في باب الصداع الصفراوي ويجب أن يدام تليين الطبيعة بالجملة بمثل المرقة النيشوقية والإجاصية ومرقة العدس والمج أعني الماش دون جرمهما وأن يغذي المشتكي بأغذية مبرّدة تولّد دماً بارداً إلى اليبس والغلظ ما هو يميل إلى القبض مثل السماقية والرمانية والعدسيّة بالخل والطِفشيل إلا أن يتوقى يبس الطبيعة وأنت في معالجة أمراض الرأس كثير الحاجة إلى اللين من الطبع وفي مثل هذه الحالة ذلك أن تعدل هذه القوابض بالترنجبين والشرخشك وجميع ما يحلي مع تليين ويجب أن تكون هذه الأغذية حسنة الكيموس ويقلل من مقدارها ولا يتملأ منها. وإذا استعملت النطولات والمروخات استعملت منها ما فيه تبريد وليس فيه ترطيب شديد بل فيه ردع ما وقبض ما مثل ماء الرمان والعصارات الباردة القابضة من الفواكه والأوراق والأصول ولعاب بزر قطونا بالخل وماء عصا الراعي. وأما علاج الكائن من مادة صفراوية فإن رأيت معه أدنى حركة للدم فالعلاج هو أن يستفرغ الدم قليلاً وإلا جعلت الابتداء من الاستفراغ بمثل الهليلج إن لم يكن حمى وإلا فبالمزلقة والتي ليس فيها خشونة وعصر شديد مثل الشرخشك وشراب الفواكه ومياه واللبلاب وقد يستفرغ بالشاهترج أيضاً والحقن الليّنة. وإن كانت المواد الصفراوية غليظة أو كانت متشرّبة في طبقات المعدة لا تنقذف بالقيء ولا تنزلق بالمسهّلات المزلقة احتجت أن تستفرغ بأيارج فيقرا مع سقمونيا على النسخ المذكورة أو تزيدها وتحملها على المزلقات أو تستفرغ بطبيخ الهليلج على ما تراه في القراباذين ثم تبدل المزاج بما فيه تبريد وترطيب. أما من البدن فبالأغذية والأشربة وأما من الرأس - إن كان السبب فيه وحده - فبالمعالجات المذكورة في القانون وبكل ما يعالج به سوء المزاج الحار اليابس وبحسب الأسباب العامية للحرّ والعامية لليبس. ومن اللطوخات النافعة من الصداع الحار أقراص الزعفران وينفع من السهر أيضاً. ونسخته يؤخذ من الزعفران سبعة مثاقيل ومن المر مثقالان ومن عصارة الحصرم والقلقديس والصمغ من كل واحد مثقال ونصف ومن الشبّ اليماني ثمانية مثاقيل ومن القلقطار خمسة مثاقيل تدق هذه الأدوية دقاً ناعماً وتُعجن بشراب عفص وتقرّص وإذا احتيج إليها ديف الواحد منها بخل ممزوج بماء الورد ويطلى على الصدغين. والصداع الحار في الحميات يكره استعمال الأدوية العاطفة للأبخرة عليه ويعافيه كثرة استنشاق الخل وماء الورد.

 فصل في علاج الصداع البارد بغير مادة

أو بمادة بلغمية أو سوداوية: ينفع من ذلك التكميد بما هو مسخن بِالفعل من الخرق المسخنة ومن الجاورس المسخن والملح المسخّن. والجاورس ألطف وأعدل وقد ينفع جماعتهم وخصوصاً المصرودين منهم إذا كانت أبدانهم نقية ولم يخش منهم حركة الأخلاط أن يحسروا عن رؤوسهم في الشمس مقيمين في شرقها إلى أن يعافوا وينحلّ صداعهم. والمصرود يجب أن يقلل غذاؤه وتسهل طبيعته ولو بالحقن ويحال بينه وبين الحركات البدنية والنفسانية والفكرية ويمنع الشراب البارد ويحرم عليه البروز للبرد. وينفع جميع من به صداع من البرد بعد التنقية - إن احتيج إليها - المروخات والسعوطات والنشوقات والشمومات والنطولات والأضمدة المسخنة المذكورة. ومما ينفعهم سقي الشراب الريحاني الرقيق القوي مع البزور أعني مثل بزر الكرفس وبزر الرازيانج وبزر الجزر والأنيسون والكمّون والدوقو وفطر اساليون وما جرى مجرى ذلك. وهذا عندما يؤمّن حصول أخلاط في المعدة مستعدة للثور وعندما لا يكون بالعليل حمى فيخاف أن تشتد. وينفعهم ضماد الخردل وجميع الأضمدة المحمّرة وخصوصاً إذا وقع فيها خردل وثافسيا وقد جرب الرماد بالخلّ طلاء وكذلك العروق بدهن اللوز المر مروخاً كل ذلك بعد الحلق. وكل الثوم أيضاً مما يقطع الصداع البارد. فأما علاج الصداع البارد مع مادة بلغمية فهو أن يستفرغ البدن إن كان الخلط مشتركاً فيه ثم يستعمل تقليل الغذاء أو تلطيفه ويستعمل الأبازير التي ليست مصدعة ويستعمل المنضجات المذكورة والاستفراغات المحدودة مبتدئاً من الأقل فالأقل ثم المعالجات الأخرى الموصوفة في القانون. ويستعمل أيضاً ما يسكّن أوجاعها وجميع ما يجب أن يستعمل في علاجي البارد والرطب. واستعمال الترياقات من المعاجين في الأسبوع مرة واحدة نافع. وأما علاج الصداع البارد مع مادة سوداوية فإن الواجب فيها أيضاً أن يعمل على حسب ما قيل في القانون من الفصد إن احتيج إليه لكون الدم غالباً أو فاسداً والاستفراغات بدرجاتها بعد الإنضاجات المفصّلة ثم تبديل المزاج بالطرق المذكورة واستعمال ما يولد دماً لطيفاً محموداً رطباً رقيقاً وقد وفى الكلام فيه. ومما ينفع منه جيّداً حب القرنفل ونذكر ههنا أيضاً ما ذكره أركاغانيس في باب فصد الكابل وقد أوردناه. صفة أطلية نافعة للصداع البارد: ينبغي أن يبدأ بحلق الرأس أوّلاً ثم يؤخذ مثقالان من أوفربيون ومثقال من بورق ومثقالان من السذاب البري ومثقال من بزر الحرمل ومثقالان من الخردل تدق وتعجن بماء المرزنجوش ويطلى به الرأس. أخرى: ومن الأطلية الجيدة النافعة أن يؤخذ فلفل مثقال ثقل دهن الزعفران مثقال وثلث أوفربيون حديث مثقال زبل الحمام مثقالان يجمع الجميع بعد السحق الشديد بالخل الثقيف ثم يطلى به موضع التحمير. وأيضاً طلاء من مرّ وأوفربيون وملح وبورق. وأيضاً فربيون ومرّ وصبر وصمغ عربي وجندبيدستر وزعفران وأفيون وأنزروت وقسط وكندر يتّخذ منه طلاء بماء السذاب. أخرى: ومن الأطلية الجيدة لكل من الخوذة والشقيقة الباردين أن يطلى بالحجر المصري فإنه شديد النفع جداً. أخرى: يؤخذ فلفل أبيض وزعفران من كل واحد درهمان فربيون درهم خرء الحمام البرّي وزن درهم ونصف يعجن بخلّ ويطلى به الجبهة. أخرى: يؤخذ صبر ومر وفربيون وجندبيدستر وأفيون وقسط وعاقر قرحا وفلفل يطلي بشراب عتيق. وأيضاً دواء زبل الحمام وهو قوي. أخرى: فلفل وخلط الزعفران أي قرص الزعفران المذكور من كل واحد مثقالان فربيون نصف مثقال زبل الحمام مثقال ونصف مداد مثقال ونصف الخلّ مقدار الحاجة وهذه الأدوية تارة تستعمل مكسورة بالدقيق أو بمزاج لين أو بياض بيض وتارة صفرة ودرجات ذلك مختلفة. صفة سعوطات نافعة للصداع البارد: منها سعوط الشونيز المذكور في المفردات ومنها المومياء مع الجندبيدستر والمسك. وزعم بعضهم أنه إذا سعط بسبع ورقات سعتر وسبع حبات خردل مسحوقة بدهن البنفسج كان نافعاً. ومما جرّب مسك وميعة وعنبر ويؤخذ عدسة منه ويسعط به كل وقت. ومما يسعط به لذلك فيسخّن ويستفرغ دهن شحم الحنظل أو دهن ديف فيه عصارة قثاء الحمار وما زعم قوم أنه شديد النفع من ذلك أن يؤخذ عصارة ورق الحاج معتصراً بلا ماء ويسعط منه في الأنف ثلاث قطرات على الريق ثم يتبع بدهن البنفسج بعد ساعة ويحسى إسفيدباجاً كثير الدسم. ومما يمدح لهذا الشأن أن يؤخذ من مرارة الثور الأشقر وزن ثلاثة دراهم ومن المومياء وزن درهمين ومن المسك درهم ومن الكافور وَزن نصف درهم ويسعط منه. أخرى: يؤخذ ثافسيا مثقال ونصف أصل السوسن مثقال فربيون مثقال ونصف عسل مصفى مثقال ونصف يجمع الجميع بعصارة أصل السلق ويسعط منه بحبة جاورس مقطراً من طرف الميل. أخرى: يؤخذ فربيون وثلثاه خضَض هندي ويعجن بعصارة السلق ويقطر في الأنف. أخرى: يؤخذ بخور مريم يابس ثمانية مثاقيل بورق وسماق من كل واحد أربعة مثاقيل ليسحق صحقاً ناعماً وينفخ في الأنف. بأنبوبة ويرفع العليل رأسه ويستنشقه بقوة. أخرى: يؤخذ شونيز أربعة مثاقيل عصارة قثاء الحمار مثقالان نوشادر مثقالان يعجن بدهن الحنا وبدهن قثاء الحمار يطلى به داخل الأنف ويستنشق العليل ريحه بقوة فإذا نزل من ساعته من رأسه شيء كثير فحينئذ يغسل الأنف بماء حار. صفة أدهان يمرخ بها رأس من به صداع بارد: وذلك أنه ينفع منه جميع الأدهان الحارة والأدهان التي قد طبخ فيها مثل الشبث والفودنج والمرزنجوش والشيح والنمام والسذاب وورق الغار وما قد ذكرناه في القانون. وأما دهن البلسان فحاله ما قد عرفته هناك وهذه أيضاً تصلح سعوطات وقطورات في الأذن. صفة نفوخ نافع من الصداع المزمن: وهو أن يؤخذ عصارة قثاء الحمار وشونيز وقليل ثافسيا ويسحق وينفخ في الأنف أو بخور مريم ونطرون وعصارة قثاء الحمار. في علاج الصداع اليابس: أما اليابس الذي يكون مع مادة صفراوية أو دموية فقد مضى الكلام فيه وإنما بقي الكلام في الصداع اليابس بلا مادة فأول علاجه تدبير العليل بالأغذية المرطبة الجيّدة الكيموس وخصوصاً الكثيرة الغذاء مثل محّ البيض ومثلا مرق الفراريج السمينة والقباج والطياهيج والأحساء الدسمة بالأدهان الرطبة ثم يمال من جهة الحار والبارد إلى ما هو أوفق. ومما ينتفع به استعمال السعوطات المرطبة بالأدهان المحمودة كدهن اللوز ودهن القرع وغير ذلك. وإن احتيج في شيء منها إلى تعديل مزاج بتبريد أو تسخين مزج به من الأدهان ما يعدّله وربما أوقع اليبس نقصاناً بيناً في جوهر الدماغ وهيأه للأوجاع. ويجب هنالك أن يستعملوا السعوطات بالأمخاخ المنقّاة من عظام سوق الغنم والعجاجيل وشحوم الدجاج والدراريج والطياهيج والتدارج والزبد زبد البقر والماعز. ومما ينفعهم تضميد الرأس بالفالوذج الرقيق المتّخذ من سميذ الحنطة الشعير بحسب الحاجة وبالسكر الأبيض ودهن اللوز أو القرع أو صبّ الرقيق منه على اليافوخ وقد طوق بإكليل من عجين يحبس ما يصبّ على الرأس. في علاج الصداع الورمي: وأما علاج أصناف الصداع الكائن عن الأورام فنذكر كل واحد في باب مفرد في المقالة التي بعد هذه. في علاج صداع السدّة: وأما صداع السدة فعلاجه بالإنضاج بما تعلم ثم الاستفراغ واستعمال الشبيارات ثم التحليل بالنطولات والأضمدة والشمومات والغرغرات ثم بالإنضاج ثم الاستفراغ ثم التحليل حتى يزول وقد علم كيفية ذلك في موضعه فإن كان المزاج في الرأس حاداً والسدّة غليظة صعب عليك العلاج فيجب أن يستعمل التفتيح ثم إذا هاج صداع أو تضرّر الرأس بالعلاج الحار تداركت ذلك بالمبرّدات التي معها إرخاء ولا قبض فيها ثم إذا سكن عاودت لا تزال تفعل ذلك حتى تفتح السدّة وقد فصلنا كل هذا.

 فصل في علاج الصداع الكائن من رياح وأبخرة

محتقنة في الرأس ليست من خارج أما الكائن عن رياح غليظة فيعالج أولاً باجتناب كل ما يبخر وينفخ مثل الجوز والتمر والخردل حاراً كان أو بارداً ويستعمل النطولات والضمّادات المذكورة والشمومات والسعوطات الموصوفة في القانون ويشم الجندبيدستر والمسك خاصة. ولدخول الحمام على الريق منفعة في هذا الباب وإن كان مبدؤها من المعدة استعملت في علاجها الاستفراغات المذكورة وخاصة النسخ التي يقع فيها دهن الخروع وبدله الزيت العتيق واستعملت الكموني وما يجري مجراه مما يذكر في علل المعدة وقويت الرأس بعد المعالجة بدهني الآس واللاذن ودهن السوسن وبعصارة السرو والأثل والسعد وما فيه تسخين وقبض ويستعمل أيضاً في الأطراف ليجذب إلى الخلاف. وأما الكائن عن الأبخرة فإن كان تولّدها في الرأس نفسه ولم يكن العليل يجد في المعدة نفخاً وقراقر ولا كان ذلك يزداد وينتقص بحسب الامتلاء والفراغ وبحسب الأغذية المبخرة وقليلة البخار فعلاجهم النطولات المفشّشة المعروفة وتقوية الرأس بالأضمدة المحلّلة وفيها قبض يسير والمشمومات الملطّفة وبها كفاية. وإن كان من المعدة فما ينفعها ما يقوّي المعدة كالمصطكي والجلنجبين ثم الكمّوني وما أشبهه. وإذا تناول الطعام وأخذ يبخر ويصدع فليتناول عليه لعاب بزر قطونا أو الكزبرة اليابسة مع السكر وإن خاف برد المعدة من لعاب بزر قطونا استعمل لعاب بزر كتّان مع الكزبرة اليابسة. وتقوّي الرأس بما عرفته بعد أن تعالجه فتسكنه بما يجب من النطولات والشمومات الموصوفة وخصوصاً المرزنجوش فربما كان هو وحده سبباً للخلاص التام ويستعمل الجذب إلى الخلاف. وإذا أحسست أن في المادة البخارية فضل حرارة بما تجد من علامات الحرارة اجتنب المحلّلات الكثيرة التسخين كالأوفربيون وغيره اجتنابا شديداً بل ابتدأت أولاً بالجذب إلى الخلاف والتنقية بالغراغر ثم استعملت النطولات المعتدلة في الحمام.

 فصل في علاج الصداع الحادث من ريح

نفذت إلى داخل الرأس عن خارج وأما الصداع الحادث من ريح نفذت إلى داخل الرأس من خارج فيتأمّل هل كانت الريح حارة صيفية أو باردة شتوية ثم يتأمل موضع دخولها فإن كانت حارة ومدخلها الأذن قطر فيها دهن البابونج مفتر أوَ دهن الخيري أو دهن الشبث مكسوراً بدهن الورد القليل وكذلك إن كان مدخلها الأنف قطر ذلك في الأنف واستعمل التنطيل بما يحلل برفق مما ذكرناه فإن تعقبه سوء مزاج حار عولج بالرفق وابتدئ بما هو أقلّ برداً فإن لم ينفع زيد. وأما إن كان بارداً جعلت الأدهان من أي الطريقين وجب استعمالها حارة وفيها جندبيدستر أو مسك ويقلل ويكثر بمقدار الحاجة ويستعمل النطولات والضمّادات المذكورة بحسب ذلك محلّلة حارة ويجتنب كل ما ينفخ ويليّن الطبيعة.

 فصل في علاج الصداع الحادث من أبخرة رديئة

أصابت الرأس من خارج وكذلك علاج البخارات الرديئة الواصلة من خارج وإنما تكون باردة في الأقل مثل بخارات المواضع المتكرجة الحمامية وأما في الأكثر فتكون حارة وتحللها بالنطولات المعتدلة إن احتبس منها شيء كثير وتخيل سدر ودوار ويتشمم الروائح الطيبة المعتدلة مثل ماء الورد ودهنه والنيلوفر والبنفسج وإن أحسّ بحرارة شديدة فالكافور والصندل. ويستعمل تحميم الرأس في الحمام بالماء الحار والخطمي. وأما الباردة فينفع منها شمّ المسك والجندبيدستر وذلك كاف فإن كانت الأبخرة دخانية احتاج إلى ترطيب شديد بالادهان المذكورة وبالمرطّبات المعدودة واحتيل في غسل الأنف بمثل هذه الأدهان يستنشق منها استشناقاً شديداً جاذباً إلى فوق حافظاً فيه ثم يخلى لينصب ثم يجدّد يعمل ذلك دائماً وكذلك بماء الورد وماء الخلاف وماء القرع وليكب على أبخرة هذه المياه إكباباً كثيراً فإن تولد منها آفة وسوء مزاج كما يكون عن دخان الكبريت ودخان الزرنيخ وما أشبهه استعمل الكافور في دهن القرع ليرطب أحمدهما ويبرد الآخر وكذلك يستعمل الكافور في دهن الخسّ ودهن البنفسج ويفرش الموضع بأوراق الخلاف والرياحين المرطّبة.

 فصل في علاج الصداع الحادث من الروائح الطيبة

أما الكائن عن الروائح الطيبة فإن كانت حارة وضرت بحرارتها لا باليبوسة وحدها عولج بالروائح الطيبة الباردة مثل ما أن الضرر اللاحق من شمّ المسك والزعفران يعالج بالكافور والصندل واللاحق من الكافور يعالج بالمسك والزعفران والزعفران وإن كانت إنما تضرّ مع ذلك بالتجفيف واليبس فالعلاج أن لا يقتصر في علاج ضرر المسك مثلاً بالكافور بل إن أمكن أن يتدارك بإسعاط الأدهان الرطبة مبردة فقد كفى وإلا فمع الكافور مدوفاً فيها وكذلك بالعكس.

 فصل في علاج الصداع الحادث من الروائح المنتنة

وأما الصداع الكائن عن الروائح المنتنة فعلاجه بالطيبة المضادة لها في المزاج فإن كان لتلك الروائح تجفيف احتيل أن تكون الروائح التي تقابل بها مرطبة مثل روائح النيلوفر والبنفسج الذكيين ولدهن الخلاف الذكي مزية على جميع الروائح لمقابلة الروائح الطيبة والمنتنة الضارة بالحر لتعلم ذلك.

 فصل في علاج الصداع الحادث من الخمار

وأما صداع الخمار فأوّل ما يجب فيه أن يستعمل تنقية المعدة إما بقيء بسكنجبين وبزر الفجل أو بالسكنجبين وعصارة الفجل أو بالسكنجبين بماء فاتر وبالمقيئات اللينة والمتوسطة مما تعلمه في الاقراباذين وإن لم يجب القيء أو أبقي استعماله أسهلت بأيارج مقوى بسقمونيا لئلا يطول لبثه وإن كان هناك مانع عن استعمال ما هو حار من مرض حاراً أطلقت بطبيخ الهليلج الكابلي أو شراب الفواكه المطلق وإن كرهت النفس أمثال هذه الأشياء أطلقت بماء الرمانين مع الشحم على ما نقوله في القراباذين مقوى بسقمونيا يسير. ولا تبال من حرارته فإن كان عن الاستفراغات بأي وجه كان حائل ألزمتهم النوم إلى أن يهضم ما في معدهم من الشراب ويظهر ذلك بتلون البول وانصباغه وتدلك منهم الرجل بالملح وثمن البنفسج وتصب على الأطراف منهم نطول البابونج ثم ليدخلوا الحمام وليغرقوا رؤوسهم بدهن الورد مبرّداً غير شديد التبريد ويغذوا بالعدس والحصرم وما أشبهه وبالكرنب لخاصية فيه يمنع بها البخار عن الرأس. قال جالينوس: فإن غذوته بفراخ الحمام لم تخط ويشبه أن يكون السبب رقة الدم المتولد منه وقوته على تحليل الأبخرة ويجب أن تعطيهم الفاكهة القابضة وليكن الشراب الماء لا غير اللهم إلا أن تكون المعدة ضعيفة ويخاف استرخاؤها فتمنعه الاستكثار من شرب الماء البارد وتسقيه ماء الرمان الحامض والريباس خاصة وربه وحماض الأترج وربه خاصة والسفرجل والتفاح وما أشبهه. واستفاف الكزبرة اليابسة مع السكر وزناً بوزن نافع له ثم تنوّمه وتسكنه فهو الأصل في علاجه وإن لم يسكن بذلك عاودته به من يومه ومن الغد وجعلت غذاءه ما يبرد ويرطب أو يلطف بمثل صفرة البيض وصببت عليه ماء حاراً كثيراً ليحلل واشتغل بتنويمه ما استطعت. ثم إذا زال الغثيان إن كان وبقي الصداع قطعت دواء الورد عنه فإنه ضار له بعد ذلك إذ كانت الحاجة إليه أولاً لتقوية الرأس ومنع البخار وقد زالت الآن. ويجب أن تستعمل الآن دهن البابونج مكانه غرقاً لتحلل فإن لم يزل بذلك فإن السوسن فإنه غاية ومجرب. ثم إذا جعل الخمار يخفّ وينحطّ مشيته يسيراً يسيراً ورجحته واغذه حينئذ أيضاً بالسمك الرضراضي وخصي الديوك والفراريج بالبقول الباردة وينبغي أن لا يمشي على الطعام بل بعد ثلاث ساعات. وبالجملة الأولى أن ينتظر الهضم بالنوم أو بالسكون الطويل حتى تجف معدته قليلاً ثم يستعمل السكنجبين السكري إن كان محروراً أو العسلي إن كان مرطوباً ويقبل على ذلك قدميه ثم يمشي مشياً غير متعب أو يحرك حركة أخرى غير متعبة وعلى أنه ينبغي أن يجتنب الخل الساذج والمري وإن لم يكن بد فليصطبغ بغير الحاذق منه وإذا مشيته قليلاً فاستعمل له الأبزن. والحمام أيضاً ثم يجب آخر الأمر أن تنطله بالنطولات المعتدلة التحليل وتغذوه بما يخف من اللحوم. صفة دواء جيد للخمار: الهندبا وبزر الكرنب والأمير باريس منقى من حبّه والسماق والعدس المقشر والورد والطباشير بالسوية يجمع الجميع ويشرب منه وزن ثلاثة دراهم مع قيراط كافور وأوقية ماء الرمان وأو ماء الريباس أو ماء حماض الأترج أو ربه.

 فصل في علاج الصداع الحادث من الجماع

هذا الصداع يحدث إما بسبب ما يورثه ذلك من اليبس وعلاجه ما ذكرناه في باب معالجة الصداع اليابس بعد أن يمال بالمرطبات. وأما بسبب امتلاء في البدن فطرأ عليه الحركة الجماعية المركبة من البدنية والنفسية فتثير الأبخرة الخبيثة فيجب لمن يعتريه ذلك عقيب الجماع وبه امتلاء أن يبدأ بالفصد ثم بالإسهال إن وجب كل واحد منهما أو أحدهما ثم يقوي الدماغ بالأدهان المقويّة مثل دهن الورد ودهن الآس وبالمياه المقوية المطبوخ فيها مثل الورد والآس ويتغذّى بما يسرع هضمه ويجود كيموسه ويهجر الجماع فإن لم يجد منه بداً فلا يجامعن على الخواء.

 فصل في علاج الصداع الكائن عن ضربة أو سقطة

وتدبير من يعرض له زعزعة الدماغ والشجة: يجب أن يكون قصاراك وغاية قصدك في معالجة من به صداع حادث عن ضربة أو سقطة أن تسكن الوجع ما أمكن وتبعد المادة عن موضع الألم إما باستفراغ وإمّا بجذب إلى الخلاف لئلا يرم وتعالج الجراحة إن حدثت لتندمل ولا يمكن أن تندمل وسوء المزاج ثابت بل يجب أن يعدل في إدمالها مزاج ناحيتها. واعلم أنه إذا ظهرت بصاحب هذه الآفة حمى واختلط العقل فقد أخذ في التورم فأول ما ينبغي أن يعمل في علاجه هو فصد القيفال أو الأكحل لتمنع التورّم وإن كان هناك امتلاء فيجب أن يستعمل الحقن الحارة ولو بشحم الحنظل إلا أن يكون به حمى فيعدل الحقن وإن لم يجب الحقن وجب أن يستفرغ بمثل حبّ القوقايا إن لم يكن حمّى وإن كان هناك حرارة ما دون الحمى لم تترك سقيه فلا بد من تعديل الموضع في مزاجه حتى يقبل العلاج وإن لم يكن ضمد الموضع بما يقوي مثل أضمدة مياه الآس والخلاف وأدهانهما وأدهان الآس والسوسن والورد وأخلاطها وما فيه قبض لطيف وتحليل يسير مثل الورد وإكليل الملك وقصب الذريرة والبابونج والطين الأرمني والشبّ اليماني بشراب ريحاني وربما اقتصر منها على الأدهان وقد يصيب من يستعملها مفترة وربما أوجب الوجع وخوف الورم أن يبرد سريعاً. ويجب أن يحذر الحمام والشراب والغضب والمبخرات والمسخّنات من الأغذية وإن ابتدأ الموضع يرم فلا بد حينئذ من استعمال القوابض القوية القبض والتبريد مثل قشر الرمان والجلنار والعدس والورد وينطل الرأس بمياهها ويضمد بأثقالها ثم بعد ذلك ينتقل إلى ما فيه مع ذلك تلطيف ما مثل السرو والطرفا والسفرجل والكندر وإذا كانت الضربة مزعزعة الرأس فينبغي أن تبادر إلى سقي الأسطوخودوس بماء أو شراب العسل فإنهم يتخلّصون به. واعلم أن الألم إذا وصل إلى حجب الدماغ كان فيه خطر وإذا خرج بسبب الضربة دم من الدماغ فيجب أن يسقى صاحبه أدمغة الدجاج ما أمكن ثم يسقى عليه ماء الرمان الحامض وإذا حللت الورم أكثر من سقي الأدمغة إلى بعد الثالث وبعد الفصد. علاجه تبديل سوء المزاج الذي به وتقويته بمقويات الرأس من الأدوية العطرية التي فيها تلطيف وقبض باجتماع الأسباب المحركة وكثيراً ما يكون السبب الفاعل المقارن للسبب المنفعل الضعفي اجتماع أخلاط رديئة حارة أو غير حارة في المعدة فيجب أن نستفرغ بما يليق بها وأن تورد غذاء يجمع إلى حمد ما يتولّد عنه قوة محللة وقبولاً للانهضام وإن لم يوجد الخلتان الأخيرتان فآثر الأولى عليهما. وأجود وقت يغذى فيه بعد دخول الحمام ويجب أن يخفف عشاؤهم وأن يختموا طعامهم بمثل القصب والزيتون مع الخبز ليقوي فم المعدة منهم. وبقراط يرخص لهم في شرب الشراب مطلقاً وجالينوس يؤثر أن يكون ممزوجاً أو رقيقاً ريحانياً أو جامعاً لذينك وليتناولوه بالخبز.

 فصل في علاج الصداع الكائن من قوة حسّ الرأس

علاجه أن يبلد الحس يسيراً مما يغلظ غذاء الدماغ من الأغذية كالهرايس المتخذة من الحنطة والشعير ولحوم البقر إن كان الهضم قويّاً أو بالأغذية المتخذة بالخسّ والعرفج ولحم السمك وربما استعمل شيء من المخدّرات مثل شراب الخشخاش ومثل بزر الخس وقد يستعمل طلاء.

 فصل في علاج الصداع الكائن عرضاً للحميّات والأمراض الحادة

من هذا ما يعرض مع اشتداد المرض أو النوبة ثم يزول. ومنه ما يبقى بعد زوال المرض أو إقلاع النوبة والذي يعرض منه في الحميات فقد يقلق المريض حتى يزيد في سببه الذي هو الحمى وقد يدل عليه أيضاً إبيضاض البول دفعةً واستحالته إلى مشاكلة بول الحمير. لكن لمشابهته لبول الحمير ربما دلّ على كونه في الحال وربما دل على الانحلال فيجب أن يرجع إلى سائر الدلائل. وأما صواب علاجه فأن يغرق الرأس في زيت الأنفاق متخذاً منه دهن الورد المعتاد أو بدهن الورد مخلخلاً بالخل مفتّراً في الشتاء وفي لين الحمى مبرداً في الصيف وفي شدة الحمّى وينفع منه النطول من طبيخ الشعير والخشخاش والبنفسج والورد إن كانت الأبخرة توفي بحدّتها. وإن آذت بكثرتها فلا تفعل من ذلك شيئاً بل استفرغ واستعمل ما يحلل بالرفق مثل زيت قد طبخ فيه النمام وعصا الراعي ومرزنجوش مع عصا الراعي إن رأيت أن تحلل وحتى إن بعض القدماء رأى أن يُطلى ببابونج. وإن اضطررت لشدة الوجع إلى المخدرات والمنومات فعلت مع حذر وتقية وقد يمنع ارتفاع المواد فيه بالسويق وبزر القطونا في الابتداء ويسقيان أيضاً. وقد يمنع بالكزبرة ودهن الورد وقد يحتجم فيه. وأما ربط الأطراف ودلكها واستعمال تدبير المخمور فيه فصواب جداً وإذا استعملت ربط الأطراف فيجب أن تضعها عند الخل في ماء حار فإن لم يسكن بجميع ذلك حُلق الرأس وضُمِّد بالبابونج والخطمي والبنفسج والحسك مخيضة وذلك بعد حلق الرأس وربما احتجنا إلى الحجامة والعلق وربما بقي الصداع بعد الحمى وبعد الأمراض الحادة. وعلاجه تبريد الأغذية وترطيبها وتقوية الرأس بدهن الورد مع دهن البابونج وأن يصبّ على اليدين والرجلين ماء حار في اليوم مرتين غدوة وعشية ويمرخ بدهن البنفسج ثم يعان بالملطفات إذا ظهر الانحطاط البين حسب ما تعلم العلامات.

 فصل في علاج الصداع البحراني

أما الصداع البحراني فينظر هل يجد العليل غثياناً وتقلب نفس واختلاجاً في الشفة ودواراً وبالجملة علامات ميل الطبيعة بالمادة إلى فوق فيعان على القيء بالسكنجبين المسخن وبالمقيئات الباردة أو هل يجد قراقر ونفخاً في الجنبين وبالجملة علامات ميل الطبيعة بالمادة إلى تحت فيعان على تليين الطبيعة بالمزلقات الخفيفة مثل شراب الإجاص.والإجاص المنقع في الجلاب بعد غرغرة ليربو وشراب البنفسج وشراب التمر الهندي والشرخشت وزناً غير كثير بل مقدار خمسة دراهم وما جرى مجرى ذلك.أو هل يجد ثقلاً في نواحي الكلى وتحت أضلاع الخلف إلى خلف وبالجملة علامات ميل الحادة إلى طريق البول فيعالج بالإدرار بالسكنجبين ملقى عليه وزن درهمين بزر البطيخ وبزر الخيار مناصفة ويطعم السفرجل فإنه يمنع البخار ويدر. أو هل يجد شعاعاً وحمرة قدام العين وخيالات صفر أو تطاولاً ولا يرعف فيعطس بالخل وبخاره وينفخ في أنفه ويخلخل أنفه ببعض الخشونات أو يقابل بعينه شعاع الشمس إن أمكن مغافصة ويتأملها ثم يتركه. وإن وجد نبضاً مرخياً ووجد ليناً في الجلد استعمل المعرقات دلكاً وشرباً ونطلاً على الرأس ويجب أن تكون معتدلة وإن وجد شبه لذع ووجع اعتاد تحت أذنه أو في إبطه أو في أرنبته استعمل عليه الأضمدة الحارة الجاذبة كالنعناع والكرفس مع السمن العتيق وربما احتاج أن يضع المحاجم بلا شرط لتندفع المادة من الدماغ إلى ما مالت إليه و تو.

 فصل في علاج الصداع الذي يدعي أنه يكون بسبب الدود

يجب أن يبدأ بتنقية البدن والدماغ ثم يسعط بأيارج فيقرا قليل ويكرّر ذلك في الأسبوع مراراً ويستعمل جميع الأدوية التي تذكر في باب نتن الأنف وجميع ما يقتل الدود في البطن مثل عصارة ورق الخوخ وعصارة أصل التوت والصبر ويتبع بالسعوطات والعطوسات المنقية حسبما تعلم جميع ذلك.

 فصل في علاج الصداع الذي يهيج بعقب النوم والنعاس

يجب أن ينقّى معه البدن والرأس بما قد علمت وينفع منه أن يضمّ الصدغان والجبهة برماد وخل. وأفضل الرماد له رماد خشب التين.

 فصل في تدبير أصناف الصداع الكائن بالمشاركة

نبتدئ بكلام جامع فيها فنقول: يجب في جميع أصناف الصداع الكائن بمشاركة أعضاء أن يُعتنى يتلك الأعضاء وأن يستفرغها بما يخصّها وأن يبدل مزاجها ومع ذلك يقوي الرأس بالمقوّيات لئلا يقبل فإن كان في الابتداء فبالباردة كدهن الورد والخل. وأما يعد ذلك فإن كانت المادة حارة أو الكيفيّة حارة عملت ذلك العمل بعينه دائماً وإن كانت باردة انتقلت إلى دهن البابونج مع دهن الآس أو دهن ديف فيه صمغ السرو أو اتخذ بورق السرو وعصارته أو الأثل وإذا فرغت من العضو تأمّلت هل استحال العرض مرضاً بنفسه وهل صار سبب الصداع راسخاً في الرأس وتتعرف المادة والكيفية فتفعل ما علمته. والذي يكون بمشاركة الساق ويحسّ صاحبه كأن شيئاً يرتفع من ساقيه فجب إذا كان هناك امتلاء أن تفصد الصافن أو تحجم الساقين وتنقي بدنه بالأسطمخيقون وإن لم يكن هناك امتلاء ظاهر فشد الساقين إلى الأربية ودلك قدميه بملح ودهن خيري وإن عرف الموضع الذي منه كواه واستعمل عليه دواء مقرحاً ليقرح ويتقيح. وأما علاج الصنف الكائن بسبب أبخرة تتصاعد من أعضاء البدن فإن كان السبب بخارات تصعد فيتناول قبل الدور الفاكهة فإن لم تحضر فالماء البارد ولو على الريق وأكثر الفواكه موافقة هو السفرجل. والكزبرة مما ينتفع به وهو مما يمنع صعود البخارات وكذلك حال ما يكون بمشاركة الكبد وينفع من ذلك خاصة الإدرار وتضميد وأما علاج الصنف الكائن بمشاركة المعدة أمّا ما يكون منه بسبب ضعف المعدة وخصوصاً ضعف فمها حتى تقبل المواد وتفسد فيها الكيموسات وذلك إنما يهيج في الأكثر على الخواء فليلقم لقماً مغموسة في ماء الحصرم وماء الريباس وما أشبه ذلك أو في ربوب الفواكه القابضة الطيّبة الرائحة وليحسُ حساء من خبز أو دقيق الحنطة محمضاً بمثل حبّ الرمان ونحوه فإنّه إذا استكثر من هذا قوي فم معدته وإلى أن يعمل ذلك فإن وجد غثياناً تقيأ ليقذف الصفراء المنصب ويستريح. فإن كانت المعدة مع ذلك باردة استعملت هذه الأشياء مبزّرة بالأفاويه الطيّبة الرائحة الحارة أو اتخذ له جلاّب بالأفاويه وليغمس اللقم فيما يتّخذ له من ذلك. وإن كانت الحموضة واللذع لا تلائمها وتهيّج من أذاها اقتصر على لقم في الجلاّب إما ساذجاً وإما بأفاويه بحسب الحاجة. وهذا الإنسان ينتفع جداً بأن يبادر قبل الصداع فليلقم لقماً أو يتحسّى حسواً وإذا حسّ بانحدار طعامه وانهضامه تناول شيئاً مما فيه قبض كلقم خبز في ربّ فاكهة أو نفس الفاكهة أو خبز بقسب أو زيتون. وأما ما يكون بسبب أخلاط فيها فأوّل ما يجب أن يبادر إليه التنقية وبعد ذلك ومعه أن يغتذي بالأغذية اللطيفة المحمودة الخفيفة الهضم الجيدة الكيموس ثم يميل بالكيفية إلى الواجب فيكون مع ذلك فيه تحليل وهضم وإطلاق وإن لم يجد الحمد وتوليد الدم الجيّد مقارناً للجنسين الآخرين آثر الحمد وتوليد الدم الجيد عليهما. وأحمد ذلك أن يكون بعد دخول الحمام ويجب لهؤلاء أن يجفف بخارهم فإن كانت الأخلاط مرارية فعالج بما علمناك في القانون من المعالجات مع تقوية الدماغ بدهن الورد أو دهن الآس وإن كانت الأخلاط بلغمية باردة تهيج منها رياح شديدة فالمقيئات التي هي أقوى والملطفات فإن لم تزل فالأيارجات الكبار بطبيخ الأفتيمون وينفع في ذلك قطع شرياني الصدغ أو كيّتان خفيفتان على الصدغين بحيث لا يحرق الرأس ولكن يضيق على الشرايين. وكثيراً ما يسل الشريان أو يقطع أو يُكوى. وأصلح الكي أن يكشف عن الشريان ثم يُكوىالشريان نفسه حتى لا يقع أثر على الجلد والمكاوي مِسَلات محماة. وأما ما أمكن أن يدافع لا سيّما في الصيف دوفع ويجب أن يجعل غذاؤه أحساء ولا يمضغ شيئاً إلى عشرة أيام وتكون وقت تغذيته في الصيف وقت البرد. ويجّب أيضاً أن لا يكثر الكلام وكذلك أن يلصق القوابض على الشرايين ويخلط بها الأنزروت والزعفران ونحن نصفها في الأقرباذين وقد يوضع عليها الأسرب ويُشدّ بعصابة لئلا ينبض فيوجع وكذلك الخشب. وأما الكيّ القوي المذكور لهذا فثلاثة على أم الرأس واثنان على الصدغين وواحد فوق النقرة وعند مؤخر الرأس. ويجب أن يجتنب الخمر على كل حال وإن كان السبب أبخرة تصعد من المعدة فهو على جملة ما أمرنا به في علاج الصداع الكائن عن أبخرة تصعد إلى الدماغ من الأعضاء الأخرى ومن هذا القبيل علاج الصداع الذي يهيج مع شرب الماء فإنّ هذا أيضاً يكون لضعف المعدة. وأجود العلاج له أن يسقى صاحبه شراباً ريحانياً قليلاً يمزج أيضاً به ماؤه الذي يشربه لئلا ينكى في المعدة. وأما الكائن بمشاركة الكلية والمراق والرحم وغير ذلك فيكفي في تدبيره ما قدمناه في أول الباب وصداع الحمّيات قد قلنا فيه.

 فصل في علاج ثقل الرأس

ينفع منه الاستفراغ واستعمال الشبيار.وإن كان دموياً فعلاجه بالفصد ثم فصد عرق الجبهة خصوصاً إن كان الثقل إلى خلف وأيضاً فصد عرق الحشا والشريان الذي خلف الأذن وخصوصاً إذا كان الثقل إلى قدام.

 فصل في الصداع المعروف بالبيضة والخودة

هذا النوع من الصداع يسمّى بيضة وخودة لاشتماله على الرأس كله وهو صداع مشتمل لابث ثابت مزمن وتهيج صعوبته كل ساعة ولأدنى سبب من حركة أو شرب خمر أو تناول مبخر ويهيجه الصوت الشديد وربما هاجه الصوت المتوسط. حتى أن صاحبه يبغض الصوت والضوء والمخالطة مع الناس ويحب الوحدة والظلمة والراحة والاستلقاء. ويختلفون فيما يؤذيهم من الأسباب المذكورة فبعضهم يؤذيه شيء من ذلك وبعضهم شيء آخر ويحسّ كل ساعة كأنّ رأسه يطرق بمطرقة أو يجذب جذباً أو يشق شقاً ويتأدى وجعه إلى أصول العين. وجالينوس يجعل السبب الجالب لهذه العلّة ضعف الدماغ أو شدة حسه. والسبب المولّد لها خلط رديء أو ورم حار أو بارد. على أنه كثيراً ما يكون عن ورم سوداوي أو صلب وأكثر ما يكون في وسط الحجاب إما الخارج من القحف وإما الداخل وقد علمت أنه إذا كان السبب ورماً أو غيره إنما هو في الحجاب الداخل في القحف أحس الوجع ممتداً إلى العين لأن ذلك الغشاء يشتمل على العصمة المجوفة ويمتد جزء منه إلى الحدقة. وإذا كان في الحجاب الخارج أحس الوجع بمسّ اليد وكره صاحبه وقوع المسّ عليه بالعنف. وأكثر ما يحدث عن أمراض سبقت فضعف جوهر الدماغ وحجبه الداخلة والخارجة حتى صارت تتأذى بالحركات اليسيرة من حركات البدن الغذائية والبخارية والحركات الخارجة ويقبل الفضول المؤذية. ومن الأطباء من لا يرعى في البيضة هذه الشرائط بل يقول بيضة لكل وجع يشتمل على الرأس كله خارج القحف أو داخلاً كان سببه من بخارات في المعدة أو بخارات في الرأس أو مواد أو فلغموني في نفس الدماغ أو حجبه فيكون مع ثقل وضربان أو حمرة ويكون مع تلهب ولذع بلا كثير ثقل أو عن الأخلاط الأخرى إن لم تكن حمرة وكان ثقل وكان هناك علامات الأخلاط الباردة. ويعالج كلاً بحسبه إلا أن اسم البيضة في الحقيقة مستعمل عند المهرة من الأطباء على ما هو بالشرائط المذكورة. العلاج: إن علمت أن دماً كثيراً وأن سببه الأول أو سببه المحرّك هو الدم فصدت. وأما إن قامت الدلائل على أن الأخلاط باردة وكانت المدة طالت على العلة وكنت قد استعملت في الأول أيضاً ما يرح فاستعمل النطولات بمياه فيها محللات يسيرة مسخنة مع قمع يسير وقبض مثل فقاح الأذخر والبابونج والنعنع وسائر ما علمته في القانون وتدرج إلى القوية واستفرغ بما يليق به. واستعمال حب الصنوبر بالمصطكى مما هو نافع جداً فيه وتتعهده كل ثلاث ليال ويستعمل القوقايا في استفراغاته إن احتيج إليها وإلى القوي منها ثم يسقى طبيخ الخيار شنبر مع أربعة مثاقيل دهن الخروع. واعلم أنك إذا استفرغت فقد بقي لك أن تنقتي الدماغ وحجبه بالأشياء التي تقوّيه مما علمته ومن ذلك شمومات المسك والعنبر والكافور أيضاً يخلط بهما وربما خلطوا مع ذلك الصبر ليجمعوا مع التقوية التحليل وألزمه الضمادات الحارة والمخدرة التي علمتها فإذا انحط فاستعمل الحمام والأضمدة القوية وأما ما دام في الابتداء وعلمت أن المواد حارة فدبر بما بين لك وعلمته في قانون تدبير الدماغ وواتر سقيه لبّ الخيار شنبر مع دهن اللوز أياماً واعلم أن البيضة إذا طالت فقد استحالت إلى مزاج البرد وإن كان عن سبب حار. واعلم أن البيضة المزمنة لا يقلعها إلا ما هو قوي التحليل والإسخان وقد ينفعهم أن يسعطوا بأقراص الكوكب وشيليثا ودواء المسك وما يجري مجراها يداف أي ذلك كان في لبن مرضعة جارية وخصوصاً عند اشتداد الوجع وغلبة السهر. وأما الكي وفصد الشرايين وقطعها وعرق الجبهة في البيضة فعلى ما كان في الصداع العتيق. وأما الغذاء فما لا يخبر كما علمت حتى العدس بدهن اللوز للحار وكذلك مرق البقول ولا بأس أن تغذي المبرود منهم بمثل ذلك بسبب قلة بخاره. وأما الأطلية فيجب أن تمال تارة إلى ما يخدر مليلاً ويكون الغرض الأعظم التحليل ومن هذه الأطلية أفيون ودم الأخوين وزعفران وصمغ يطلى به من الصدغ إلى الصدغ عند الضرورة المحوجة إلى التخدير ومنها الزعفران والعفص وأقراص الكوكب فإن ذلك إذا طلي به جميع الجبهة كان نافعاً وارجع إلى الأقرباذين وإلى ألواح الأدوية المفردة.

 فصل في الشقيقة

فنقول هي وجع في أحد جانبي الرأس يهيج ويحدها جالينوس بأنها الساترة المتوسطة وربما كان سببه من داخل القحف وربما كان في الغشاء المجلِّل للقحف وأكثر ما يكون يكون في عضل الصدغ وما كان خارجاً فقد يبلغ إلى أن لا يحتمل المس وتكون المواد واصلة إلى موضعه إما من الأوردة والشرايين الخارجة وإما من الدماغ نفسه وحجبه فيصعد أكثر ذلك من طريق الدروز وقد يكون من بخارات تندفع من البدن كله أو عضو من ذلك الشق. وأكثر ما تكون الشقيقة تكون ذات أدوار وإنما تكون على الأغلب عن الأخلاط ولا تكون شقيقة لها قدر من سوء مزاج مفرد. والتي تكون من الأخلاط فقد تكون من أخلاط حارة ومن أخلاط باردة ومن رياح وبخارات. وقد علمت العلامات وتجد مع البارد سكوناً بالتسخين وتمدداً قريباً ومع الحار سخونة بالملمس وضرباناً في الأصداغ وراحة بالمبردات وأيضاً فإن البارد يحسّ معه ببرد والحار يحس معه بحر وذلك عند اشتداد الوجع. العلاج: علاجها الفصد على نحو ما علمت في البيضة وغيرها وخصوصاً عرق الجبهة والصدغ والإسهال والحقن والجذب كل بحسبه على ما حد لك في القانون. ومما ينفع الحارة نقيع الصبر في ماء الهندبا المذكور في الأقراباذين. والشربة منه ما بين أوقية إلى ست أواق وينفع فيها فصد الجبهة وفصد عرق الأنف جداً وإذا كان دوراً فيجب أن ينقّى البدن قبله ويبدل المزاج بعد التنقية فإن كانت المادة حارة جعلت المخدرات على الصدغين من الأفيون وقشور أصل اللفاح والشب والبنج والكافور وبردت الموضع بما تدري مما ذكر في القانون وقد ينتفعون بمداد الكتاب يطلى به الشق الذي فيه الشقيقة ومن أطلية جباه أصحاب الشقيقة الزعفران وينتفعون بضماد متّخذ من سذاب ونعنع بخبز ودهن ورد وكذلك الطلاء بأقراص بولس المذكورة في الأقراباذين وكذلك استعمال ضمّاد حب الغار وورق السذاب جزء جزء خردل نصف جزء يجمع بالماء ويستعمل. وأبلغ منه قيروطي متّخذ من الذراريح حتى ينفط الموضع أو من ثافثيا وهو مقرّح يحاكي منفعة الكيّ وإن كانت المادة الباردة شديدة البرد جدا ضمدت بفربيون وخردل وعاقر قرحا وما أشبه ذلك. وأما المزمن الذي طالبت مدته فهو بارد على كل حال ويحتاج إلى التحليل وإلى ما يسخّن بقوة. وقد ذكرنا أطلية ونطولات مشتركة وخاصة بالشقيقة في الأقراباذين فيستعمل ذلك لماذا استعملت الأطلية وكنت قد استفرغت البدن ونقيته فتقدّم بتمريخ عضل الصدغ في جهة الوجع بأصابعك وبمنديل خشن عند وقت الدور ثم اطلِ وإذا احتجت إلى التخدير واشتدّ الوجع الضرباني فقد ينفع أن يطلى على الشريان في الصدغ الذي يلي الموضع بأفيون مع الأنزروت والقوابض وأن يشدّ الآنك أو خشبة مهندمة عليه لتمنع من النبض القوي المحدث للوجع الضرباني كما قد بيناه فيما سلف من القانون في الكي. وقد ذكر بعض المتقدّمين علاجاً للشقيقة المزمنة مجرباً نافعاً مأخوذاً من امرأة وذلك أن يطبخ أصول قثاء الحمار وأفسنتين في ماء وزيت حتى يتهربا ثم تنطل شقّ الألم بالماء والزيت حارين وتضمّد بالثقل وكان كما استعمل هذا أبرأ الشقيقة كانت بحمّى أو بغير حمى وليس من الأضمدة كضمّاد الخردل وإذا طالت العلة ضمّدت بثافسيا وقشور أصل الكبر والعنصل والفربيون مسحوقة منخولة معجونة بشراب ريحاني فإنه علاج عظيم النفع منها. ومما ينتفعون به أن يتبدئوا فيدخلوا الحمام ويكثروا الإكباب على الماء الحار ثم يسعطوا بدهن الفستق فإن ذلك يخدر الوجع إلى الكتفين من ساعته والتقط النسخ المكتوبة في الأقراباذين والمفردات الموردة في ألواح الأدوية المفردة. المقالة الثالثة أورام الرأس وتفرق اتصالاته

 فصل في قرانيطس

وهو السرسام الحار: يقال قرانيطس للورم الحار في حجاب الدماغ الرقيق أو الغليظ دون جرمه وإن كان جرمه قد يعرض له ورم وليس كما ظنّ بعض المتطبّبين أن الدماغ لا يرم بنفسه محتجاً بأن ما كأن ليّناً كالدماغ أو طلباً كالعظام فإنه لا يتمدّد. وما لا يتمدّد فإنه لا يرم فإن هذا الكلام خطأ وذلك لأن اللين اللزج يتمدّد والعظام أيضاً ترم. وقد أقرّ به جالينوس وسنبيّن القول فيه في باب الأسنان بل نقول أن كل ما يتغذي فإنه يتمدد ويزداد بالغذاء وكذلك يجوز أن يتمدد ويزداد بالفضل وذلك هو الورم ولكنه وإن كان الدماغ قد يتورّم فإن قرانيطس والسرسام اسم مخصوص بورم حجاب الدماغ إذا كان حاراً وإن كان في بعض المواض قد أُطلق أيضاً على ورم جوهر الدماغ وهو الاستعمال الخاص لهذا الاسم إلا أنه منقول من اسم العرض الذي يلزمه وهو الهذيان واختلاط العقل مع حرارة محرقة فالاسم العاميّ واقع على هذا العرض والصناعيّ على هذا الورم. وهذا النقل شبيه بنقل اسم العرض وهو النسيان إلى مرض يوجبه ويقتضيه وهو السرسام البارد وإذا استعمل السرسام بالاستعمال العاميّ دخل فيه السرسام الدماغي وهو هذا. ومن الناس ممن لا يعرف اللغات يحسب أن البرسام اسم لهذا الورم وأن السرسام أخفّ منه وليس ذلك بشيء فإن البرسام هو فارسي والبرّ هو الصدر والسام هو الورم والسرسام أيضاً فارسي والسر هو الرأس والسام هو الورم والمرض والسرسام الكائن في الحميات والكائن لأخلاط في فِم المعدة محرقة والذي ربما كان لأورام في نواحي الرأس خارجة أو في الغشاء الخارج. والسرسام الكائن مع البرسام وهو الذي يكون بمشاركة الحجاب وأورامه وسائر عضلات الصدر والكائن في ورم المثانة والرحم والمعدة. والاشتراك الواقع في هذا الاسم تختلف أوصاف المصنفين له كما تختلف أوصاف المصنّفين لليثرغس الذي هو السرسام البارد الذي يسمى النسيان لكن السرسام الحقيقي بحسب الاستعمال الصناعي هو ما قلناه وربما ورم معه جوهر الدماغ أيضاً مشاركة أو انتقالاً وذلك شديد الرداءة يقتل في الرابع فإن جاوزه نجا وأكثر من يموت بالسرسام يموت لآفة في النفس. ولهذا الورم مواضع مختلفة بحسب أجزاء الدماغ المختلفة وربما اشترك فيه جزءان أو عمّ المواضع كلها. وأكثر ما يكون إنما يستقر عموده إلى ما يلي التجويف المقدم وإلى الأوسط ومبدأه دم أو صفراء صحيحة أو حمراء صحيحة أو محرقة ضاربة إلى السوداء وهو رديء جداً وكأنه ليس يكون في الأكثر إلا عن دم مراري دون الدم النقي أو عن صفراء وكأنه لا ينقضي إلا بعرق أو رعاف وكثيراً ما يرم الحجاب والعروق التي تخرج من الرأس حتى تكاد تتفتّح الشؤون معه. وما كان منه اختلاط عقل مركب من بكاء وضحك ساعة بعد أخرى فهو رديء وكذلك إذا كان انتقالاً من ذات الرئة لأنه يدلِّ على شدة حرارة الخلط وكذلك لو انتقل إلى غير الحقيقي وإذا كان عرض أن دام الثقل في نواحي الرأس والرئة ثم عرض تشنّج وقيء زنجاري مات العليل في ساعته وأطول مهلته يوم أو يومان إن كانت القوة قوية وأرجى أصناف قرانيطس أن يذكر العليل ما كان يهذي به بعد خفّ حمّاه وإذا عرض لهم هموريذوس كان دليلاً محموداً وإذا شخص المبرسم فتقيأ مراراً أحمر وهو ضعيف فإنه يموت في يومه أو قوي فبعد يومين. وما رؤي أحد به ورم في نواحي الدماغ يكون بوله مائياً فيخلص وكثيراً ما ينحل قرانيطس بالبواسير إذا سالت وقد يبرد وينتقل إلى ليثرغس وربما تخلّص عنه فأوقع في دق أو جنون وكثيراً ما ينتقل الغير الحقيقي إلى الحقيقي وقلما يتخلص المشايخ من علة قرانيطس. وقد زعم بعض المتطببين أنه ربما عرض مرض شبيه بقرانيطس من غير حمّى وكونه من غير حمّى دليل على خلوّه من الورم. قال: لكنه يكون شديد القلق والتوثّب لا يملك صاحبه قراراً ويكاد يتسلّق الحيطان ويشتد ضجره وغمه عطشه وضيق نفسه وإذا شرب الماء شرق به وقذفه قيل: وهو قاتل من يومه في الأكثر وربما امتدّ إلى أربعة أيام ولن ينجو منه أحد بل يعرض لهم أن يسوّد وجوههم وألسنتهم وتكون أعينهم جامدة وحالتهم كحالة الملهوفين ثم تلين حركاتهم ويسقط نبضهم ويموتون وأكثر موتهم بالاختناق وتراه يعدو ثم تراه إثر ذلك قد سقط ومات. أقول: لا يبعد أن يكون السبب في ذلك مشاركة من الدماغ لعضو آخر كريم مثل عضل النفس إذا عرض له تشنّج عظيم أو فساد آخر ينحو نحو الخناق ويتأدّى إلى الدماغ فيشوّشه ويفسده ويخلط العقل ويعطش بتجفيف نواحي الحلق والصدر. أما علاماته المشتركة لأصنافه الحقيقية فحمى لازمة يابسة تشتدّ في الظهائر على الأكثر وهذيان يفرط تارة وينقطع أخرى كراهة للكلام وكسلاً عنه ويختلط العقل وأكثره بقرب الرابع وعبث الأطراف ونفس مضطرب غير منتظم ولكنه عظيم وامتداد من الشراسيف إلى فوق كثيراً واختلاج أعضاء معه وقبله ينذر به وربما كان معه نوم مضطرب ينتبهون عنه فيصيحون وتارة ينامون وتارة يسهرون ويكون في الأكثر نومهم مضطرباً مشوّشاً مع خيالات وأحلام فاسدة هائلة وانتباه مشوّس مع صياح ويكون هناك وقاحة وجسارة وغضب فوق المعهود ويبغضون الشعاع ويعرضون عنه وتضطرب ألسنتهم اضطراباً شديداً وتخشن ويعضون عليها وربما ورمت. وكثيراً ما ينقطع صوتهم ويشتهون الماء فيشربون منه قليلاً لا يكثرون وليس أيضاً شهوتهم له كثيرة. وكثيراً ما تبرد أطرافهم من غير برد من خارج يوجبه. وأما أبوالهم فتكون مائلة إلى الرقّة واللطافة وأما نبضهم فيكون صلباً بسبب كون الورم في عضو عصبي صعب لصلابة العرق وضعف القوة مضغوطاً للمادة في نبضهم قوة ما إلا أن يقاربوا الخطر لأن اليبس يجمع ويشد. ويكون آخر الانقباض وأول الانبساط أسرع ولا تخلو منشاريته عن موجية ما لأن الدماغ جوهر رطب. وقد يعرض لنبضهم أن يعرض مراراً أو يعظم للحاجة وأن يتواتر وأن يختلف في أجزاء الوضع ويرتعش وذلك مما ينذر بغشي اللهم إلا أن يكون جنساً من الاختلاف والارتعاش والارتعاد توجبه صلابة العرق وقوة القوة فلا ينفر به. وقد يعرض للنبض منهم أن يكون تشنجياً فينذر بتشنّج. وإذا رأيت علامات أمراض حادة وحميات صعبة واعتقلت الطبيعة فإن ذلك ينذر بسرسام وكأنه من المنذرات القوية ويتقدّم قرانيطس نسيان للشيء القريب وحرن بلا علّة وأحلام رديئة وصداع كثير وثقل وامتلاء ويتقدمه في الأكثر صفار الوجه وسهر طويل ونوم مضطرب. وتشتدّ هذه الأعراض ما دامت المواد تتوجه إلى الدماغ وتدور في عروقه وتترقرق. وإذا قربوا منه وتشرب الدماغ المادة وجدوا ابتداء وجع من خلف الرأس عند القفا وخصوصاً في الصفراوي. وإذا وقعوا فيها وورم الدماغ تيبّست أولاً أعينهم يبساً شديداً ثم أخذت تدمع وخصوصاً من إحدى العينين ورمصت وكثيراً ما يعرض أن تحمر عروقها حمرة شديدة وربما عقبه قطرات دم من الأنف وكثيراً ما يدلكون أعينهم ومالوا إلى سكون وهدوّ في أكثر البدن إلا في اليدين فإنه ربما يعبث بهما ويلقط التبن والزئبر. وقد يكون ذلك في الأكثر مع تغميض وقد يكون مع تحديق وضجر وربما كسلوا عن الكلام الفصيح لا يزيدون على تحريك اللسان وربما حدث بهم تقطير بول بمعرفة منهم أو بغير معرفة. وهو في الحميات من الدلالات القوية على السرسام الحاضر ويغفلون عن الآلام إن كانت بهم في أعضائهم بل لو مس شيء من أعضائهم الألمة بعنف لم يشعروا به. ونزيد فنقول: إذا وقع الورم في الجانب المقدم أفسد التخيل فأخذوا يلقطون الزئبر من الثياب والتبن وما أشبهه من الحيطان وتخيلوا أشباحاً لا وجود لها. وإن كان إلى الوسط أفسد الفكر فخلط فيما يعلمه ويلفظ الهذيان الكثير وإذا وقع إلى ما يلي خلف نسي ما يراه ويفعله في الحال حتى أنه ربما دعا بالشيء فيقدم إليه فلا يذكر أنه طلبه وربما دعا بالطشت ليبول فيه فيقدّم إليه فينساه وإن اشتمل الورم على الجهات كلها ظهرت هذه العلامات كلها وإن تورّم معه الدماغ إحمرّ الوجه والعين وجحظت العينان جحوظاً شديداً أو احمرتا إن كانت المادة المورمة دماً واصفرتا إن كانت المادة المورمة صفراء صرفاً. وأما الكائن من الاختلاط بالمشاركة فيدلّ عليه وقوعها دفعة وتابعاً لسوء حال عضو آخر ونائباً مع نوائب اشتداد ينقص لنقصان في حال غيره وتزيد بزيادتها. والكائن عن السرسام الدماغي يحدث قليلاً قليلاً ويلزم. وعلامات السرسام الحقيقي تتقدّم ثم يعرض المرض وأما الغير الحقيقي فتتقدّمه أمراض أعضاء أخرى ثم تظهر علاماته. وأما الكائن من جهة الحجاب الحاجز وعضلات الصدر فتتقدّمه علامات السرسام وذات الجنب من وجع ناخس في الجنب عند التنفّس وضيق نفس ونبض منشاري وسعال يابس أولاً ثم يرطب في الأكثر وينفث ويكون مع حمّى لازمة أكثر حرارتها في نواحي الصدر وفي الحقيقي في نواحي الرأس ويكثر فيه تمدد الشراسيف إلى فوق ويختصّ به حسّ وجع فوق الجمجمة غير شامل ولا تكون العلامات المذكورة فيما سلف قوية كثيرة ونفسه يكون مختلفاً يضعف مرة فيتواتر ويعظم أخرى ويكون ميله إلى الصغر والضعف أكثر ويكون مرة كالزفرة. وأما في قرانيطس الحقّ فيكون النفس أعظم بل عظيماً ويشترك السرسامان في قوة الاختلاط ولكن يفارق السرسام التابع للسرسام الحقّ بأنها تتبع في قوتها قوة الحمى وتخفا معه خفة الحمى. وأما الكائن لخلط في فم المعدة فإنه يحسّ معه بلذع في فم المعدة وغثيان وعطش ومرارة فم. والكائن بسبب أورام أعضاء أخرى فيعلم ما يظهر من أحوالها فإنها ما لم تكن ظاهرة جلية لم تؤد إلى اختلاط العقل والسرسام البين ليعلم ذلك. فصل ولنذكر الآن علامات أصناف الحقيقي في السرسام: فنقول: أما الكائن عن الدم فأول علاماته أن عامة عوارضه المذكورة المشتركة تعرض مع الضحك وتعرض له قطرات رعاف ويعظم نفَسُهُ وتدمع عينه وترمص ولا يكون السهر الذي يعتريه بذلك وتكون خشونة اللسان فيه إلى حمرة مائلة إلى السواد ثم يسود ويكون اللسان فيه ثقيلاً وربما كسل عن الكلام لثقل اللسان وتكون خيالات التي تتشنج له حمراً وتكون عروق وجهه حمراً وعينه ممتلئة ويعرض له تواتر قعود وقيام من غير حاجة إليهما. وأما الكائن عن صفراء صحيحة فإنه يسهر كثيراً وتجف معه العينان شديداً جداً ويخشن اللسان شديداً ويصفر أولاً ثم يسود وتشتد الحمى ويكثر الولوع بمسح العينين ويتخيلون أشياء صفراً وتدخل في أخلاقهم سبعية وسوران وحرص على الخصام وكأنه في هيئة من يريد أن يقاتل وتدق أنوفهم خصوصاً في أطرافها ويعرض لجباههم انجذاب شديد إلى فوق. وأما الكائن من صفراء محترقة وهو الرديء المهلك فأول علاماته أن عامة عوارضه تعرض مع جنون وضجر ونفس عظيم وعبث وتكون أعينهم كدرة وتشبه صبار أو كأنه هو. وأما علامات انتقاله فإن كان ينتقل إلى ليثرغس - وذلك أجرى لهم - رأيت العين تغور والتغميض يدوم والريق يسيل والنبض يبطئ ويلين. وأما علامات انتقاله إلى سفاقلوس والورم الدماغي: أن تظهر علامة سفاقلوس ويغيب سواد العين ويظهر البياض في الأحيان ويأبى الاضطجاع إلا مستلقياً وينتفخ بطنه وتمتد شراسيفه ويكثر اختلاج أعضائه. وعلامة انتقاله إلى الدقّ غؤور العينين وهدو الحمى وقحل البدن وصغر النبض وصلابته. وأما علامات انتقاله إلى التشنّج فقد أوردناه في باب التشنج. أما المشترك لأصنافه الحقيقية فالفصد من القيفال وإخراج دم صالح بل كثير جداً وتبادر إلى ذلك كما تبتدئ الأخلاط إن لم يمنع من ذلك مانع قوي ويجب أن يكون فصده مع احتياط في تعرّف حاله من الغشي هل وقع فيه أو قرب منه ويحبس الدم عند القرب من الغشي ويحتال في معرفة ذلك فإنه لا يظهر فيهم حال الإفاقة من حال الغشي ظهوراً كثيراً ولكن النبض قد يدل عليه فإنه إذا ارتعش أو انخفض واختلف بلا نظام حتى تجد واحدة عظيمة وأخرى صغيرة دل على قرب الغشي. ويجب أن يحتاط في عصب العصابة عليه حتى يكون موثقاً لا تحله حركاته واضطراباته التي لا عقل له معها فربما حله وأرسله بنفسه بخيال فاسد يستدعيه إليه ثم بعد ذلك يفصد عرق الجبهة إن كانت القوة قوية وأوجبته الحال وقوة المرض وأما إن لم تساعد القوة والأحوال على فصده الكلي من يده أو لم يُمَكَنْكَ من يده وأحوجه ما يراود عليه من ذلك إلى قلق وضجر شديد فافصده من الجبهة واجعل على رأسه في الابتداء دهن الورد مع الخل مبرداً وسائر ما عددنا لك من العصارات المبرّدة وينتفع الصفراوي بتضميد رأسه بورق العلّيق جداً وأسكنه بيتاً معتدل الهواء ساذجاً لا تزاويق ولا تصاوير فيه فإن خيالاته تولع بها بتأملها وذلك مما يؤذي دماغه وحجب دماغه. ويجب أن يكون في مسكنه وبالقرب منه من المشمومات الباردة مثل النيلوفر والبنفسج والورد والكافور والتي عددناها لك في القانون. وأصْحِبْة أصدقاءه الظرفاء المَحبوبين إليه المشفقين عليه ومن يستحي منه فيكف بسببه عن تخليطه واضطرابه الضارين واجتهد في تنويمه ولو بتقريب شيء من الأفيون من جبينه وأنفه إن كانت القوة قوية وإلا فإياك وذلك فإنه مهلك بل استعمل مثل شراب الخشخاش وضمّد رأسه بالخس واسقه بزر الخشخاش في ماء الشعير. على أن الأصوب أن يدافع بالفصد إن احتمله الوقت ولم يكن في تأخيره خطر تفعل ذلك في الابتداء يومين أو ثلاثة ثم إذا افتصد لم يبالغ إن أمكن حتى يبقى في البدن دم تقوى به الطبيعة على مصارعة البحرانات وعلى فقد الغذاء إن أوجبه الوقت وبعد فصدك إياه فإن من الصواب أن تحقنه بحقنة ليّنة جداً مثل دهن ورد مع ماء شعير أو الماء والزيت وإن احتجت إلى ما هو أقوى من هذا بعد أن يكون في درجة اللّينة فعلت واجذب المواد إلى أسفل من كل وجه من دلك اليدين والرجلين وغمزهما وصبّ الماء الحار عليهما بل بالعَصْبِ والشدّ المذكورين بل بتعليق المحاجم عليهما وخصوصاً في حال هبوط الحمى وقبل اشتدادها إن كان لها ذلك. وربما وجب في ابتداء العلة أن تلزم المحجمة كاهله وخذه أولاً بغاية تلطيف الغذاء حتى يقتصر على السكنجبين السكري ثم بعد ذلك بيوم أو يومين فانقله إلى ماء الشعير الرقيق مع السكنجبين ثم الغليظ وراع في ذلك القوة والعلّة وكلما رأيت أعراض العلة أشدّ فحدّه بتلطيف الغذاء أكثر إلا أن يخاف سقوط القوة فيغذوا وجنّبهم الماء الشديد البرد خاصة إن كان في الحجاب الحاجز ورم أو في الأحشاء وكلما ترى العلّة تنحطّ فدرج في الغذاء وَزِدْ منه واجعله من القرع والبقول الباردة والماش والحبوب الباردة إمَّا إسفيذباجة وإما محمّضة بالفواكه الباردة وفي هذا الوقت ينتفعون بالخبز السميذ منقوعاً في ماء بارد جداً أو جلاب مبرّد بالثلج جداً. ويجب أن يستعمل في الابتداء الرادعات الصرفة إلاّ أن يكون من الجنس العظيم الذي ترم فيه العروق التي تخرج من الرأس مشاركة للحجاب فهناك يحتاج أن يبدأ بما فيه قليل إرخاء وتسكين وجع ثم القوابض وتلتجئ إلى الحقن التجاء شديداً ثم استعمل في الأكثر نطولات مبرّدة ليست بقابضة واجعل فيها قليل خشخاش لينوم وقليل بابونج أيضاً ليقاوم الخشخاش ويحلّل أدنى تحليل. وإذا انتقصت العلّة بهذه العلاجات وبقي الهذيان فاحلب على الرأس اللبن من الضرع والثدي أما إن كانت القوة قوية فلبن الماعز وإن كانت ضعيفة فلبن النساء وكل حلبة أتت عليها ساعة فاعقبها غسلة بالنطولات المعتدلة التي يقع فيها بنفسج وأصل السوسن وبابونج مع سائر المبردات كما قال بقراط في القراباذين. فإن طالت العلّة ولم تزل بهذه المعالجات أو كانت ثقيلة سباتية وجاوز حد الابتداء وكان السكون فيها أكثر من الحركية فجنبه المبرّدات الشديدة التبريد وخاصة الخشخاش وزد في النطولات حينئذ بعد السابع نماماً وفودنجاً وسذاب وعصارة النعناع وإكليل الملك واجعل على الرأس لعاب بزر الكتان بالزيت والماء وعرق البدن في أدهن مسخّن دائماً. وإذا أردت أن تحفظ القوة بعد طول العلة ومجاوزة السابع فما فوقه فلك أن تسقيه قليل شراب ممزوج. وكثيراً ما يعرض لهم القيء فينتفعون به وربما سقي بعضهم ماء ممزوجاً بدهن بارد رطب فيسهّل قذفهم ويرطبهم وإذا لم يبولوا لفقدان العقل وضعف الحسّ مرخت مثانتهم بدهن فاتر وأفضله الزيت أو نطلتها بماء حار أو بماء طبخ فيه البابونج ثم غمرت عليها حتى يحرّ البول واعتن بهذا منهم كل وقت واغمر مثانتهم في كل حين يتوقع فيه بوله فإن لم يجب بذلك استعمل النطولات على ما ذكر ويجب أن تشدهم رباطاً إن وجدتهم يكثرون التقلب في الاضطراب ويتضررون به تضرراً شديداً وخاصة إذا كنت فصدتهم ولم يلتحم الشقّ بعد ثم إذا أمعنوا في الانحطاط وخرجوا عن عمود العلة أكثر الخروج دبرتهم تدبير الناقهين وألزمتهم الأرجوحات وجنبتهم الأهوية والرياح الرديئة والحارة والسموم والشمس لئلا ينتكسوا وإن أردت تحمّمهم حممهم في مياه عذبة تحميمات خفيفة لتنوِّمَهُمْ ففي تنويمهم منافع كثيرة وأطعمهم اللحوم الكثيرة الخفيفة. فهذا هو القول الكلي في علاجهم. وأما الذي يختلف فيه الصفراوي والدموي فإن الصفراوي يحتاج في علاجه إلى إسهال الصفراء أكثر وفصد أقلّ ويكون إسهال الصفراء منه بما يسهِّل شرباً من المزلقات اللطيفة المذكورة والمنقِّيات للدم ولك أن تجعل فيها الشاهترج إن علمت أن الطبيعة تجيب على كل حال وربما جعلوا فيها سقمونيا إذا كانوا على ثقة من إجابة الطبيعة بحسب عادة العليل ولا يبلغ الصفراوي عند الفصد قرب الغشي بل يفصد فصداً صالحاً مع تحرز من ذلك ثم يستفرغ بالإسهال وأيضاً لتجعل أدويته باردة رطبة. وأما أغذية الدموي فباردة ويجوز أن تكون قابضة إذا وقع الفراغ من الإسهال والحقن مثل الحصرمية والرمانية والسفرجلية والتفاحية. وأما الصفراوي فلا تصلح له هذه بل مثل القرعية والكشكية أعني المتّخذ من الشعير المقشر والإسفيدباجية والقطفية والمُحِّية وما أشبه ذلك ويكون تحميضها بخل وسكر أو بالنيشوق أو بالإجاص وما أشبه ذلك. واعلم أن الصفراوي محتاج إلى تطفئة أكثر والدموي إلى تحليل أكثر ولا تحذر في الصفراوي من التبريد كل الحذر الذي تحذر في الدموي ولا تجنبه الماء البارد كل ذلك التجنب ويجب أن تعتني فيه بالتنويم أكثر وذلك بمثل النطولات المرطّبة وباستعمال أدهان الخسّ والقرع وما أشبههما سعوطات وما كان من الصفراوي صفراؤه محترقة أكثرت العناية بالترطيب واستعملت

 فصل في الفلغموني العارض لنفس جوهر الدماغ

أكثر ما يعرض هذا يعرض من دم عفن يورم الدماغ وربما فرق الشؤون وخلخل الشبكة ويكاد الرأس معه أن ينصاع وينشق ويشتدّ معه الوجع وتحمرّ العيان وتجحظان جداً وتحمرّ الوجنتان جداً وربما عرض معه قيء وغثيان بمشاركة المعدة ويميل إلى الاستلقاء جداً على خلاف المعتاد من الاستلقاء وعلى خلاف النظام وهو يقتل في الأكثر في الثالث فإن جاوزه رجي. وأعلم أن العلّة ليست بصعبة جداً وإلا لما احتملها عضو بهذا القوام وبهذا الشرف. وعلاجه علاج السرسام وأقوى وينفع منه فصد العرق الذي تحت اللسان منفعة شديدة وذلك بعد فصد العرق المشترك والعروق الأخرى.

 فصل في الحمرة في الدماغ والقوباء

ربما عرض أيضاً في الدماغ نفسه حمرة وقوباء ويكون الوجع شديداً والالتهاب شديداً لكن الوجه يعرض فيه برد لكمون الحرارة وصغره لذلك وخاصة في العين ثم يسخن دفعة ويحمر وأما في الأغلب فيكون إلى الصفرة والبرد ويكون اليبس شديداً في الفم ولا يكون معه من السّبات كما في الفلغموني ولكن الأعراض فيه أهول والحمّى أشدّ. وعلاجه علاج صباري وأكثره قاتل في الثالث فإن لم يقتل نجا. ويعرض للصبيان الحمرة في الدماغ فيغور معه اليافوخ والعينان وتصفرّ العين وييبس البدن كله فيعالجون بمخ البيض مع دهن الورد مبرّداً مبدّلاً كل ساعة وبالعصارات والبقول الرطبة الباردة على الرأس خاصة القرع وقشور البطيخ والقثاء وغير ذلك حسب ما تعلم.

 فصل في صباري

يقال صباري لجنون مفرط يعرض مع سرسام حار صفراوي حتى يكون الإنسان - مع أنه مسرسم - يهذي مجنوناً مضطرباً مشوّشاً والقرانيطس الساذج يكون بعد هذيان واختلاط عقل ولا يكون معه جنون فإن كان فهو صباري وأيضاً كأنه مانيا مركّب مع قرانيطس. كما أن قرانيطس كأنه مالنخوليا مركب مع ورم وحمى وكثيراً ما يتقدّم فيه الجنون ثم يعقبه الورم والحمى. وإنما يكون صباري إذا كان قرانيطس عن الحمراء الصرف والمحترقة فإنها إذا اندفعت إلى الدماغ وأحدثت جنوناً بأول وصولها وأحدثت معه أو بعده ورماً كانت سبب صباري. وفي قرانيطس يكون الجنون عارضاً عن الورم وفي صباري الجنون والورم حادثان معاً عن المادة ليس أحدهما سبباً للآخر منه وجد الآخر وإن كان ربما صار كل واحد منهما سبباً للزيادة في الآخر وِإذا جعل صباري يظهر كان سهر طويل ونوم مضطرب وفزع في النوم ووثب ونَفس كثير متواتر ونسيان وجواب غير شبيه بالسؤال واحمرار العينين واضطرابهما وثقل فيهما وكأنهما قذيتان وربما كان فيهما على نحو ما ذكرناه اصفرار ويكون هناك إحساس تمدد عند القفا ووجع لتصاعد البخار ويكون أيضاً فيهما سيل من الدمع بغير إرادة من عين واحدة ثم إذا استقرّ المرض صلبت الحمّى وخشن اللسان ويبس ثم في آخره تسكن حركات الجفون للضعف وتثقل الحركة حتى تحريك الجفون ويبقى من الجنون الهذيان المتقطّع مع عجز عن الكلام وقلّة منه ويقبل في الأكثر على التقاط الزيبر والتبن ويزداد النبض ضعفاً وصغراً وصلابة لليبس. وقد يقع منَ صباري ما ليس بمحض صرف فتختلف حالاته من الكلام والذكر والحركات فتكون تارة منتظمة وتارة غير منتظمة. وعلاجه بعينه علاج السرسام الصفراوي مع زيادة في الترطيب كثيرة ويجب أن يدام ربط أطرافه.

 فصل في ليثرغس

وهو السرسام البارد وترجمته النسيان: يقال ليثرغس للورم البلغمي الكائن داخل القحف وهو السرسام البلغمي وأكثره يكون في مجاري جوهر الدماغ دون الحجب والبطون وجرم الدماغ لأنّ البلغم قلّما يجتمع وينفذ في الأغشية لصلابتها ولا في جوهر الدماغ للزوجته كما أن ذات الجنب أيضاً في الأكثر صفراوية وفلما تكون بلغمية لقلة نفوذ البلغم في جوهر صفاقي عصبي صلب. على أنه يمكن أن يكون ذلك الأقل منهما جميعاً فيمكن أن يقع هذا الورم في جوهر الدماغ وفي حجبه. وهذه العفَة مسماة باسم عرضها لأن ترجمة ليثرغس هو النسيان وهذه العلة يلزمها النسيان. ومن اسمها أخطأ فيها كثير من الأطباء فلم يعرفوا أن الغرض فيها هو المرض الكائن من ورم بارد بل حسبوا أن هذه العلة هي نفس النسيان وعلى أن بعض الأطباء يسمي ليثرغس كل ورم بارد في الدماغ سوداوياً كان أو بلغمياً إلا أن كثر المتقدمين يخصّون بهذا الاسم البلغمي ولك أن تسقي به كليهما. ومادة هذه العلة قريبة من مادة السدر لكنها أشدّ استحكاماً وهذه العلة تتولد عن كل ما يولد خلطاً بلغمياً وفيه تبخير ولذلك كثيراً ما تتولد عن أكل البصل وتتولّد عن التخمة الكثيرة وكثرة الشرب وكثرة أكل الفواكه. العلامة: صداع خفيف وحمى لينة فإنه لا بد من الحمى في كل ورم عن خلط عفن وبذلك يفارق السُبات لكنها تكون لينة لأن المادة بلغمية وهذه الحمى ربما لم يحس بها ويكون معها سُبَات ثقيل كلما يفتح صاحبه العين يغمض ويكون معها نسيان ونَفَس متخلخل بطيء وجداً ضعيف وكله مع ضيق يسير وبزاق وكثرة تثاؤب وفتح فم وضمه وربما بقي فمه بعد التثاؤب ونحوه مفتوحاً لنسيانه أنه يجب أن يضم أو لكسله عنه وإن أراده ويكون به فواق لمشاركة المعدة وبياض في اللسان وكسل عن الجواب وعن حركة الأجفان واختلاط عقل ويكون البرازقي الأكثر رطباً وإن جف جف جفافاً معتدلاً والبول كبول الحمير. وربما عرض لهم الارتعاش وعرق الأطراف. وهم بخلاف أصحاب قرانيطس يتصدعون ويكون النبض عظيماً متفاوتاً بطيئاً زلزلياً متموجاً بنبض ذات الرئة أشبه لكنه أقلّ عرضاً وطولاً وأبطأ وأشدّ تفاوتاً وأقل اختلافاً لأن تأذي القلب به أقل ويقع في نبضه الواقع في الوسط أكثر لأن القوة الحيوانية فيه أسلم والحمى معه أقل لبعده من القلب وسباته أكثر لأن المادة ههنا في نفس الدماغ وفي ذات الرئة متصاعدة من ورم الرئة. وأما إن قيل للسوداوي أنه ليثرغس فعلامته أن الوجع يكون أشد ويكون معه ضجر وهذيان وتكون العين مفتوحة مبهوتة وإذا كان الليثرغس في جوهر الدماغ كان السبات أشد وَعسر الحركات أكثر وبياض اللسان فيه شديداً جداً والعين إلى الجحوظ وعسر الحركة والوجع إلى الرخاوة. وإن كان في الحجاب كان الوجع أشد والحركات أخف ويقع فيه كثيراً احتباس البول للنسيان ولضعف العضل المبولة. ومن علامات مصير الإنسان إلى ليثرغس كثرة اختلاج رأسه مع كسل وثقل وإذا اشتدت أعراض ليثرغس وكثر العرق جداً فهو قاتل لإسقاط العرق للقوّة وإذا اتسع النفس وجاد وانحطت الأعراض فهو إلى السلامة وخصوصاً إن ظهرت أورام خلف الأذن فإنَ كثيراً من بحراناته تكون بها. العلاج: إن لم يعق عائق فصدت أولاً ثم استعملت الحقن الحارة وجذبت المواد إلى أسفل وقيأته بريشة لطختها خردلاً وعسلاً وأسكنته بيتاً مضيئاً ومنعته الاستغراق في السبات ملحاً عليه بالانتباه ومنعت المادة في أول الأمر بدهن الورد والخل ثم بعد يومين من ابتدائه تخلط به جندبيدستر وتجعل الخلّ خل العنصل ولم تسقه الماء البارد إلا قليلاً وفي الابتداء خاصة وعند الانتهاء وخاصة في آخره تمنعه ذلك منعاً ثم يمرخ البدن بزيت ونطرون وبزر الأنجرة وبزر المازريون وفلفل وعاقر قرحا وما أشبهه وتستعمل النطولات القوية التحليل والشمومات والعطوسات وغراغر ملطفة فيها حاشا وزوفا وفودنج وصعتر وغراغر بعسل وعنصل وسائر ما علمته في القانون. وإذا استعملت العنصل على رأسه - خصوصاً الرطب - انتفع به جداً ويستعمل أيضاً سائر المحمرات على الرأس ولطوخ الخردل وتديم دلك أطرافه وتغمزها حتى تحمر وتتألم فإنه عظيم المنعة. وإذا غرقوا في السبات مددت شعور رؤوسهم وتنفف بعضها وتضع على أقفائهم عند النقرة محاجم كثيرة بنار من غير شرط وربما احتجت إلى شرط عندما كان محتاجاً إلى استفراغ دم وإذا غذوت أحداً منهم غفوته بمثل ماء الترمس وماء الحمص مع ماء الكشك وإذا غفوته فأقبل على غمز أطرافه ساعات لئلا ينجذب البخار إلى فوق فإن احتجت لطول العلة أن تسقيه مسهلاً - وخاصة إذا ظهر به ارتعاش - سقيته ثلثي مثقال جندبيدستر مع قليل سقمونيا أقل من دانق فإن خفت إفراطاً في الحمى اجتنب السقمونيا واقتصر على جندبيدستر وعلى تبديل المزاج دون الاستفراغ وأولى الاستفراغات به ما يكون بالحقن فإن اضطررت إلى غيرها سقيت أيارج فيقرا وزن درهم مع ربع درهم شحم الحنظل وثلث درهم هليلج ودانق مصطكي إن لم تكن الحمى شديدة الحرارة وكنت على ثقة من أنه يسهل فإن لم تثق بذلك فحمله حمولاً أو شيافة ليتعاون السببان على ذلك ثم نبّهه وكلفه أن يتكلف البراز وإذا عرض له نسيان البراز والبول نطلت الحالبين والبطن بالمياه المطبوخ فيها بابونج وإكليل الملك وبنفسج وأصول السوسن وغمزت المثانة ليبول ثم إذا انتبهت العلة استعملت الأراجيح والحمل ثم الرياضة اليسيرة وتدبير الناقهين حسب ما أنت تعلم ذلك.

 فصل في الماء داخل القحف

إنه قد تجتمع رطوبات مائية داخل القحف وخارجه فإن كان خارج القحف دلّ عليه ما سنذكره عن قريب وان كان داخل القحف - وموضعه فوق الغشاء الصلب - أحس بثقل داخل وعسر معه تغميض العين فلا يمكن وترطبت العين جداً ودمعت دائماً وشخصت ولا حيلة في مثله.

 فصل في الأورام الخارجة من القحف

قد يعرض في الحجب التي من خارج الرأس أورام حارة وباردة وقد يعرض - وخصوصاً للصبيان - علّة هي اجتماع الماء في الرأس وقد يعرض للكبار أيضاً هذه العلة وهذه العلّة هي رطوبات تحتبس بين القحف وبين الجلد أو بين الحجابين الخارجين مائية فيعرض انخفاض في ذلك الموضع من الرأس وبكاء وسهر.أما الصبيان فيعرض لهم ذلك في أكثر الأمر إذا أخطأت القابلة فغمزت الرأس ففرقته وفتحت أفواه العروق وسال إلى ما تحت الجلد دم مائي وقد يكون أخلاط أخرى غير الرطوبات المائية فإن كان لون الجلد بحاله وكان متعالياً متغمزاً مندفعاً فهو الماء في الرأس وإن كان اللون متغيراً واللمس مخالفاً وثم قوّة وامتناع على الدفع أو يحسّ بلذع ووجع فهو ورم من خارج القحف وأما في الصبيان وغيرهم إذا كان في رؤسهم ماء وأكثر ما يكون هذا للصبيان فيجب أن يتعرف هل هو كثير وهل هو مندفع من خارج إلى داخل إذا قهر فإن كان كذلك فلا يعالج وإن كان قليلاً ومستمسكاً بين الجلد والقحف فاستعمل إما شقاً واحداً في العرض وإما إن كان كثيراً شقّين متقاطعين أو ثلاثة شقوق متقاطعة إن كان أكثر وتفرغ ما فيه ثم تشد وتربط وتجعل عليه الشراب والزيت إلى ثلاثة أيام ثم تحلّ الرباط وتعالج بالمراهم والفتل إن احتجت إليها أو بالخيط والدرزان كفى ذلك ولم تحتج إلى مراهم وإن أبطأ نبات اللحم فقد أمروا بأن يُجرد العظم جرداً خفيفاً لينبت اللحم وإن كان الماء قليلاً جداً كفاك أن تحل الخلط المانع بالأضمدة. وأما الأورام الحارة فأنت تعرف حارها وباردها باللمس واللون وبموافقة ما يصل إليه وتحسّ في كلها بألم ضاغط للقحف فإذا لمست أصبت الألم وتعالجه بأخفّ من علاج السرسام على أنك في استعمال القوي فيه آمن والحجامة تنفع فيه أكثر من الفصد قطعاً وأما عطاس الصبيان فينبغي أن تسقي المرضع ماء الشعير أو ماء سويقه إن كان بالصبي إسهال وتسقي حينئذ شيئاً من الطباشير المقلو وبزر البقلة مقلواً فإن الأسهال في هذه العلة رديء ولتجتنب المرضع التحميم ويجعل على يافوخه بنفسج مبرد.

 فصل في السبات السهري

قد يسقيه بعض الأطباء الشخوص وليس به بل الشخوص نوع من الجمود فنقول: هذه علة سرسامية مركبة من السرسام البارد والحار لأن الورم كائن من الخلطين معاً أعني من البلغم والصفراء وسببه امتلاء ولده النهم وإكثار الأكل والشرب والسكر وقد يعتدل الخلطان وقد يغلب أحدهما فتغلب علاماته فإن غلب البلغمي سقي سباتاً سهرياً وإن غلب الصفراوي سمي سهراً سباتياً وقد يتفق في مرض واحد بالعدد أن يكون لكل واحد منهما كرة على الآخر فتارة يغلب البلغم فيفعل فيه البلغم سباتاً وثقلاً وكسلاً وتغميضاً ويشق عليه الجواب عما يخاطب به فيكون جوابه جواب متمهل متفكر. وتارة تغلب فيه الصفراء فتفعل فيه أرقاً وهذياناً وتحديقاً متصلاً ولا تدعه يستغرق في السبات بل يكون سباته سباتاً ينبه عنه إذا نبه. وعندما يغلب عليه البلغم يثقل السبات ويتغمّض الجفن إذا فتحه وعندما تغلب الصفراء يتنبه بسرعة إذا نبه ويهذي ويقصد الحركة ويفتح العين بلا طرف ولا تغميض بل ينجذب طرفه الأعلى كما يعرض لأصحاب السرسام ويشتهي أن يكون مستلقياً ويكون استلقاؤه غير طبيعي ويتهيّج وجهه ويميل إلى الخضرة والحمرة وعلى أنه في أغلب حالاته ينجذب جفنه إلى فوق ويغط فإذا فتح عينه فتح فتحاً كفتح أصحاب الشخوص والجمود بلا طرف وإذا نطق لم يكن لكلامه نظام ويشرق بالماء حتى إنه ربما رجع الماء من منخره وكذلك يشرق بالإحساء وهذه علامة رداءته. وكثيراً ما يعرض فيه احتباس البول والبراز معاً أو قلتهما ويعرض له ضيق نفس وقد يشبه في كثير من أحوال اختناق الرحم ولكن الوجه يكون في اختناق الرحم بحاله ويكون سائر علامات اختناق الرحم المذكور في بابه وههنا يمكن أن يجبر فيه العليل على الكلام بشيء ما وأن يكلّف التفهم. والمختنق رحمها لا يمكن ذلك فيها ما دامت في الاختناق وهذه العلّة تشبه ليثرغس أيضاً ولكن تفارقه بأن الوجه فيها لا يكون بحاله كما في أصحاب ليثرغس وأيضاً يعرض لهم سهر وتفتيح عين غير طارف والحمّى فيه أشدّ وتشبه قرانيطس ولكن يفارقه بأن السبات فيه أكثر والهذيان أقلّ وأما بالنبض فنبضه سريع متواتر بسبب الورم والاختلاط الحموي فيخالف نبض ليثرغس وعريض وقصير بسبب البلغم وورمه فيخالف قرانيطس وقصره لعرضه ثم هو أقوى من نبض ليثرغس وأضعف من نبض قرانيطس ويكون النبض غير متمدّد متشنّج متفاوت كما في اختناق الرحم ولا تكون القوة فيه باقية ولا خارجة عن النظم كل ذلك الخروج كما تكون في اختناق الرحم بل تكون القوّة ساقطة والنبض متواتر. العلاج: أما العلاج المشترك فالفصد كما علمت ثم الحقن تزيد في حدّتها ولينها بقدر ما تجد عليه المادة بالعلامات المذكورة حين يتعرف هل الغالب مرة أو بلغم ويمنع الغذاء أيضاً على ما في قرانيطس وخاصة إن كان سببه إكثار الطعام وإن كان سببه إكثار الطعام قيأت المريض ونقّيت منه المعدة وإن كان سببه السكر لم يعالج البتة حتى ينقطع السكر ثم يقتصر على مرطبات رأسه ثم يعالج أخيراً بما يعالج به آخر الخمار. وتشترك أصنافه في النطولات والضمّادات والعطوسات المذكورة والاستفراغات اللطيفة بما يشرب ويحقن مما علمت وتكون هذه الأدوية فيه لا في حدّ ما يؤمر به في قرانيطس من البرد ولا في حدّ ما يؤمر به في ليثرغس من السخونة بل تكون مركبة منهما ويغلب فيهما ما يجب بحسب ما يظهر من أن أيّ الخلطين أغلب. وقد سبق لك في القانون جميع ما يجب أن تعمله في مثل هذا ويجب أن تجعل في نطولاته إن كانت المرّة غالبة أوراق الخلاف والبنفسج وأصول السوسن والشعير مع بابونج وإكليل الملك وشبث وربما سقيته شراب الخشخاش إن لم تخف عليه من غلبة البلغم. والغرض في سقيه إياه هو التنويم فإن كانت المادتان متساويتين زيد فيه الشيح والمرزنجوش وإن كان البلغم غالباً زيد فيه ورق الغار والسذاب والفودنج والزوفا والجندبادستر والصعتر وكذلك الحال في الأضمدة والحقن على حسب هذا القانون ويمكنك التقاطها له من القراباذين. وأما في آخر المرض وبعد أن تنحطّ العلّة فجنبه النطولات الباردة واقتصر على الملطّفات التي علمتها ثم حمّمه ودبره تدبير الناقهين.

 فصل في الشجّة وقطع جلد الرأس وما يجري مجراه

التفرّق الواقع في الرأس أما في الجلد واللحم وأما في العظم موضحة أو هاشمة أو مثقلة أو سمحاقاً. ومن السمحاق الفطرة وهو أن يبرز الحجاب إلى خارج ويرم ويسمن ويصبر كفطرة ومنها الآمة والجائفة وفيها خطر. ويحدث في الجراحات الواصلة إلى غشاء الدماغ استرخاء في جانب الجراحة وتشتج في مقابله وإذا لم يصل القطع إلى البطون بل إلى حدّ الحجاب الرقيق كان أسلم وإذا وصل القطع إلى الدماغ ظهر حمّى وقيء مراري وليس مما يفلح إلا القليل. وأقربه إلى السلامة ما يقع من القطع في البطنين المقدّمين إذا تدورك بسرعة فيضم. واللذان في البطنين المؤخرين أصعب والذي في الأوسط أصعب من الذي في المؤخر وأبعد أن يرجع إلى الحالة الطبيعية إلا أن يكون قليلاً يسيراً وتقع المبادرة إلى ضمّه وإصلاحه سريعاً. وأما العلاج فالمبادرة إلى منع الورم بما يحتمل. فأما تفصيله فقد ذكرنا علاج الجراحة الشجيّة التي في الجلد واللحم حيث ذكرنا القروح في الكتاب الرابع وذكرنا علاج الكسِر منها في باب الكسر والجبر. وللأطباء في كسر القحف المنقلع الذي هو المنقلة مذهبان مذهب من يميل إلى الأدوية الهادئة الساكنة الشديدة التسكين للألم ومذهب من يرى استعمال الأدوية الشديدة التجفيف ويستعملون نبعد قطع المنكسر وقلع المنقلع وجذب انكساره بالأدوية الجذابة من المراهم وغيرهما على الموضع من فوقه من خارج لطخاً من خلّ وعسل وكانت السلامة على أيدي هؤلاء المتأخرين منها أكثر منها على أيدي الأوّلين المقالة الرابعة أمراض الرأس وأكثر مضرتها في أفعال الحس والسياسة

 فصل في السبات والنوم

يقال سبات للنوم المفرط الثقيل لا لكل مفرط ثقيل ولكن لما كان ثقله في المدّة والكيفية معاً حتى تكون مدّته أطول وهيئته أقوى فيصعب الانتباه عنه وإن نبّه فالنوم منه طبيعي في مقداره وكيفيته ومنه ثقيل ومنه سبات مستغرق. والنوم على الجملة رجوع الروح النفساني عن آلات الحسّ والحركة إلى مبدأ تتعطل معه آلاتها عن الرجوع بالفعل فيها إلا ما لا بدّ منه في بقاء الحياة وذلك في مثل آلات النفس. والنوم الطبيعي على الإطلاق ما كان رجوعه مع غور الروح الحيواني إلى باطن لإنضاج الغذاء فيتبعه الروح النفساني كما يقع في حركات الأجسام اللطيفة الممازجة لضرورة الخلاء وما كان أيضاً للراحة وليجتمع الروح إلى نفسه ريثما يغتذي وينمى ويزداد جوهره وينال عوض ما تحلّل في اليقظة منه وقريب من هذا ما يعرض لمن شارف الإقبال من مرضه فإنه يعرض له نوم غرق فيدل على سكون مرضه لكنه لا يدِلّ في الأصحّاء على خير. وقد يعرض أيضاً من هذا القبيل لمن استفرغ كثيراً بالدواء وذلك النوم نافع له رادّ لقوّته وقد يعرض نوم ليس طبيعياً على الإطلاق وذلك إذا كان الرجوع إلى المبدأ لفرط تحلّل من الروح لا يحتمل جوهره الانبساط لفقد زيادته على ما يكفي الأصول بسبب التحلّل الواقع من الحركة فيغور كما يكون حال التعب والرياضة القوية وذلك لإستفراغ مفرط يعرض للروح النفساني فتحرص الطبيعة على إمساك ما في جوهرها إلى أن يلحقها من الغذاء مدد. والفرق بين هذا وبين الذي قبله كالفرق بين طلب البدن الصحيح للغذاء ليقوم بدل التحلّل الطبيعي منه وطلب البدن المدنف بالإسهال والنزف للغذاء فإن الأوّل من النومين يطلب بدل تحليل اليقظة وهو أمر طبيعي والثاني يطلب بدل تحليل التعب وهو غير طبيعي. وقد يعرض نوم غير طبيعي على الإطلاق أيضاً وهو أن يكون رجوع الروح النفساني عن الآلات بسبب مبرّد مضادّ لجوهر الروح إما من خارج وإما من الأدوية المبرّدة فتكتسب الآلات برداً منافياً لنفوذ الروح الحيواني فيها على وجهه أو مخدراً للتصبّب الحاصل فيها من الروح النفساني يفسد المزاج الذي به يقبل القوة النفسانية عن المبدأ فيعود الباقي غائراً من الضدّ ويتبلّد عن الانبساط لبرد المزاج وهذا هو الخدر. وقد يعرض أيضاً بسبب مرطّب للآلات مكدر لجوهر الروح سادّ لمسالكه مُرَخ لجواهر العصب والعضل إرخاء يتبعه سدد وانطباق فيكون مانعاً لنفوذ الروح لأن جوهر الروح نفسه قد غلظ وتكدر لأن الآلات قد فسدت بالرطوبة ولاسترخائها جميعاً وهذا نوم السكر. وقريب من هذا ما يعرض بسبب التخمة وطول لبث الطعام في المعدة وهؤلاء يزول سباتهم بالقيء. وهذان السببان هما بعينهما سبباً أكثر ما يعرض من السبات إذا استحكما وقد يجتمع البرد والرطوبة معاً في أسباب النوم إلا أن السبب المقدّم منهما حينئذ يكون هو البرد وتعينه الرطوبة كما يجتمع في السهر الحر واليبوسة ويكون السبب الحقيقي هو الحَر وتعينه اليبوسة. وللسبات أسباب أخر من ذلك اشتداد نوائب الحمّى وإقبال الطبيعة بكنهها على العلة وانضغاطها تحت المادة فيتبعها الروح النفساني كما قيل وخصوصاً إن كانت مادة الحمّى بلغمية باردة وإنما سخنت بالعفونة. وقد يكون لرداءة الأخلاط والبخارات المتصعّدة إلى مقدّم الدماغ من المعدة والرئة في عللهما وسائر الأعضاء. وقد يكون من كثرة الديدان وحبّ القرع وقد يكون من انضغاط الدماغ نفسه تحت عظم القحف أو صفحه أو قشره إذا أصاب الدماغ ضربة. وأشد البطون إسباتاً عند القطع هو أشدّها منه إسباتاً عند الضغط وقد يكون لوجع شديد من ضربة تصيب عضلات الصدغ أو على مشاركته لأذى في فم المعدة أو في الرحم فينقبض منه الدماغ وتنسدّ مسالك الروح الحساس انسداداً تعسر معه حركة الروح إلى بارز وقد يكون لشدّة ضعف الروح وتحلله فيعسر انبساطه. ولأنّ أول الحواس التي تتعطل في النوم والسبات هو البصر والسمع فيجب أن تكون الآفة في السبات في مقدم الدماغ وبمشاركة فساد التحليل فإنه لو كان قد سلم مقدم الدماغ وإنما عرض الفساد لمؤخره لم يجب أن يصيب البصر والسمع تعطل ولم يكن نوم بل كان بطلان حركة أو لمس وحده ولكانت الحواس الأخرى بحالها كما يقع ذلك في أمراض الجمود والشخوص ولم يكن ضرر السبات بالحسّ فوق ضرره بالحركة فإنه يبطل الحس أصلاً ولا يبطل الحركة أصلاً فإنها تبقى في التنفس سليمة. ويجب أن تكون السدة الواقعة في السبات ليست بتامّة ولا بكثيفة جداً وإلا لأضرت بالتنفس. وكل سبات يتعلق بمزاج فهو للبرد أولاً وللرطوبة ثانياً وقد ينتقل إلى السبات من مثل ذات الجنب وذات الرئة ونحو ذلك. ومن الناس من تكون أخلاطه ما دام جالساً منكسرة غير مؤذية فيغلبه النعاس فإذا طرح نفسه غارت الحرارة الغريزية فتثوّرت وهاجت أبخرة إلى الدماغ فلم يغشه النوم لا سيما في يابس المزاج. وإذا كثر غشيان النوم أنفر بمرض وقيل: ماء الرمان مما يبطئ في المعدة ويحبس البخارات ويخلص من السهر. وقد ذكرنا كيف ينبغي أن تكون هيئات المضطجع على الغذاء. ونقول الآن: إن استعمال الاستلقاء للغذاء كثيراً يوهن الظهر ويرخيه وعلاجه استعمال الانتصاب الكثير. والنوم في الشمس وفي القمر على الرأس مخوف منه مورث لتنخّع الدم لما يحرك من الأخلاط والخرخرة سببها انطباق فم القصبة فلا يخرج النفس إلا بضرب رطوبة. علامات أصناف السبات: أما إذا كان السبات من برد ساذج من خارج فعلامته أن يكون بعقب برد شديد يصيب الرأس من خارج أو لبرد في داخل البدن والدماغ ولا يجد في الوجه تهيجاً ولا في الأجفان ويكون اللون إلى الخضرة والنبض متمدد إلى الصلابة مع تفاوت شديد وإن كان السبات من برد شيء مشروب من الأدوية المخدرة وهو الأفيون والبنج وأصل اليبروح وبزر اللفاح وجوز ماثل والفطر واللبن المتجبن في المعدة والكزبرة الرطبة وبزر قطونا الكثير ويستدلّ عليه بالعلامات التي نذكرها لكل واحد منها في باب السموم وبأن يكون السبات مع أعراض أخرى من اختناق وخضرة أطراف وبردها وورم لسان وتغير رائحة ويكون النبض ساقطاً نملياً ضعيفاً ليس بمتفاوت بل متواتر تواتر الدودي والنملي. وإن كان متفاوتاً لم يكن له نظام ولا ثبات بل يعود من تفاوت إلى تواتر ومن تواتر إلى تفاوت ومن الناس من قال: إن سبات البرد الساذج أخفّ من سبات المادة الرطبة وليس ذلك بالقول السديد الصحة بل ربما كان قوياً جداً وجميع أصناف السبات الكائن عن برد الدماغ في جوهره أو لدواء مشروب فإنه يتبعه فساد في الذكر والفكر. وأما إن كان السبات من رطوبة ساذجة فعلامته أن لا يرى علامات الدم ولا ثقل البلغم. وأما الكائن من البلغم فيعلم ذلك من تقدم امتلاء وتخمة وكثرة شرب ولين نبض وموجية مع عرض ويعلم باستغراق السبات وثقله وبياض اللون في الوجه والعين واللسان وثقل الرأس ومن التهتج في الأجفان وبرد اللمس والتدبير المتقدم والسن والبلد وغير ذلك. وأما الكائن عن الدم فيعلم ذلك من انتفاخ الأوداج وحمرة العينين والوجنتين وحمرة اللسان وحس الحرارة في الرأس وما أشبه ذلك مما علمت. وإن كان الدم أو البلغم مع ذلك مجتمعاً اجتماع الأورام رأيت علامات قرانيطس أو ليثرغس أو السبات السهري. وإن كان السبب فيه بخارات تجتمع وترتفع من البدن في حمّيات وخاصة عند وجع الرئة والورم فيها المسمى ذات الرئة والبخارات من المعدة علمت كلاً بعلاماته فإنه إن كان من المعدة تقدّمه سدر ودوار ودوي وطنين وخيالات وكان يخفّ مع الجوع ويزيد مع الامتلاء وإن كان من ناحية الرئة والصدر تقدّمه الوجع الثقيل أو الوجع في نواحي الصدر وضيق النفس والسعال وأعراض ذات الجنب وذات الرئة. وكذلك إن كان من الكبد تقدّمه دلائل مرض في الكبد وإن كان من الرحم تقدمه علل الرحم وامتلاؤها. والذي يكون من ضربة على الهامة أو على الصدغ فيعرف بدليله. والفرق بين السبات وبين السكتة أن المسبوت يمكن أن يفهم وينبه وتكون حركاته أسلس من إحساسه والمسكوت معطل الحسّ والحركة. وجملة الفرق بين المسبوت وبين المغشي عليه لضعف القلب أن نبض المسبوت أقوى وأشبه بنبض الأصحاء ونبض المغشي عليه أضعف وأصلب والغشي يقع يسيراً يسيراً مع تغير اللون إلى الصفرة وإلى مشاكلة لون الموتى وتبرد الأطراف. وأما السبات فلا يتغير فيه لون الوجه إلا إلى ما هو أحسن ولا ينحف رقعة الوجه والأنف ولا يتغير عن سحنة النوام إلا بأدنى تهيج وانتفاخ. والفرق بين المسبوت وبين المختنقة الرحم أن المسبوت يمكن أن يفهم ويتكلم بالتكلف والمختنقة الرحم تفهم بعسر ولا تتكلم البتة وتكون الحركة - خاصة حركت العنق والرأس والرجل - أسهل على المسبوت والحس وفتح الأجفان أسهل على المختنق رحمها ويكون اختناق الرحم سبباً يقع دفعة ويقضي سلطانه وينقضي أو يقتل. والسبات قد يمتد ويكون الدخول في الاستغراق فيه متدرجاً ويبتدئ بنوم ثقيل إلا أن يكون سببه برداً يصيب دفعة أو دواء يشرب فيعلم علاج السبات والنوم الثقيل الكائن في الحميات: أما السبات الذي هو عرض مرض في بعض الأعضاء فطريق علاجه فصد ذلك العضو بالتدبير ليتنقى ويزول ما به ويقويه الدماغ حتى لا يقبل المادة وذلك بمثل دهن الورد والخل الكثير لئلا ينوم الدهن إذا انفرد وحده وبعصارات الفواكه المقوية وبعد ذلك النطولات المبردة ثم ينتقل إلى المحللة إن كان احتبس في الدماغ شيء وقد عرفت جميع ذلك في القانون الذي يكون في الحميات وفي ابتداء الأدوار فيجب أن يبادر إلى ربط الأطراف وتحريك العطاس دائماً وتشميم الخل وبخاره وتعريق الرأس بدهن الورد والخل الكثير أو ماء الحصرم والرمان والقوابض التي تكون لشرب المخدرات فيعالج بحسب ذلك المخدر وسقي ترياقه كما نقول في الكتاب الخامس. وأما السبات الكائن من برد يصل من خارج فعلاجه سقي الترياق والمثروديطوس ودواء السمك وتنطيل الرأس بالمياه المطبوخ فيها سذاب وجندبيدستر وعاقر قرحا وتمريخ الرأس بدهن البان ودهن الناردين مع جندبيدستر ودهن المسك ودهن القسط مع جندبيدستر وكذلك الضمّاد المتخذ من جندبيدستر والعنصل والمسك من جندبيدستر جزءان ومن العنصل جزء ومن المسك قدر قليل ويشمم المسك دائماً ويستعمل ما قيل في تسخين مزاج وأما الكائن لغلبة الدم فيجب أن يبادر إلى الفصد من القيفال وحجامة الساق أو فصد الصافن ويستعمل الحقنة المعتدلة ويلطف الغذاء ويستعمل ماء حمص وأما الكائن لغلبة الرطوبة الساذجة التي ليست مع مادة فيجب أن يعالج بالضمادات المتخذة من جندبيدستر وفقاح الأذخر والقسط وجوز السرو والأبهل والفربيون والعاقر قرحا ويخفف الغذاء ويجتنب الأدهان والنطولات إلا بالاحتياط فإن الترطيب الذي في الأذهان ربما غلب قوة الأدوية إلا أن يكون قوياً جداً ويجب أن يستعمل تمريخ الرأس وتخميره وتشميم المسك وإن كانت الرطوبة مع مادة بلغم فيجب أن يستفرغ بالحقن القوية أولاً ويحتال له ليتقيأ وأكثر ما يكون عن بلغم في المعدة أيضاً فيجب أن تنقيه بما ينفع البلغم مما نذكره في موضعه ويستعمل النطولات المنضجة القوية والسعوطات والعطوسات والغرغرات وسائر ما علمت في القانون كما مضى لك. ومن معالجاته أنه يسمع صاحبه ويرى ما يغمّه فإن الغمّ في أمثال هذه الأمراض التي يضعف فيها الفكر ويجمد فهو مما يحرك النفس ويرده إلى الصلاح. ومن الأدوية المشهورة طلي المنخر بالقلقند ومسح الوجه بالخلّ وشد الأعضاء السافلة واستعمال المعطسات.

 فصل في اليقظة والسهر

أما اليقظة فحال للحيوان عند انتصاب روحه النفساني إلى آلات الحسّ والحركة يستعملها وأما السهر فإفراط في اليقظة وخروج عن الأمر الطبيعي وسببه المزاجي وهو الحر واليبس لأجل نارية الروح فيتحرّك دائماً إلى خارج والحرّ أشدّ إيجاباً للسهر وأقدم إيجاباً وقد يكون السهر من بورقية الرطوبة المكتنة في الدماغ أو للوجع أو للفكر العامة. ومن السهر ما يكون بسبب الضوء واستنارة الموضع إذا وقع مثله للمستعد للسهر ومن السهر ما يكون بسبب سوء الهضم وكثرة الامتلاء ومن السهر ما يكون بسبب ما ينفخ ويشوش الأخلاط والأحلام ويفزع في النوم مثل الباقلا ونحوه ومن السهر ما يكون في الحمّيات لتصعّد بخارات يابسة لاذعة إلى الدماغ والوجع الذي يعرض للمشايخ من السهر فهو لبورقية أخلاطهم وملوحتهما ويبس جوهر دماغهم ومن السهر مما يكون بسبب ورم سوداوي أو سرطان في ناحية الدماغ. وقد قيل: إن من اشتد به السهر ثم عرض له سعال مات وقد ذكرنا في باب النوم ما يجب أن يتذكر. العلامات: أما علامة ما يكن من يبس ساذج بلا مادة ولا مقارنة حرّ فهي خفة الحواس والرأس وجفاف العين واللسان والمنخر وأن لا يحسّ في الرأس بحر ولا برد وأما ما يكون من حرارة مع يبوسة فعلامته وجود علامة اليبس مع التهاب وحرقة وربما كان مع عطش واحتراق في أصل العين وما كان من بورقية الأخلاط فعلامته وجود بلة في المنخر ورمص في العين وإحساس ثقل يسير وسرعة انتباه عن النوم ووثوب ويستدلّ عليه بالتدبير الماضي والسنّ. وما كان من استضاءة الموضع أو من الغذاء فعلامته أيضاً سببه وأما كان من ورم سوداوي فعلاماته العلامات المذكورة مراراً وأما ما كان من وجع أو أفكار عامة أو حمّيات حادّة فعلامته سببه. المعالجات: أما ما كان سببه اليبس فينبغي أن يستعمل صاحبه الغذاء المرطّب والاستحمامات المعتدلة خاصة فإن لم ينوّمه الحمام فهو غير معتدل البدن ولا جيّد المزاج وإن هو إلا في سلطان اليبس أو في سلطان أخلاط رديئه يثيرها الحمام ويجب أن يهجر الفكر والجماع والتعب ويستعمل السكون والراحة وإدامة تعريق الرأس بالأدهان المذكورة وحلب اللبن على الرأس والنطولات المرطبة المذكورة واستنشاق الأدهان واستسعاطها وتقطيرها في الأذن وخصوصاً دهن النيلوفر لا سيما سعوطاً وذلك أسفل القدم. وأما ما كان من حر مع ذلك فتدبيره الزيادة في تدبير هذه الأدوية واستعمالها مثل جرادة القرع والبقلة الحمقاء ولعاب بزر قطونا وعصا الراعي وحي العالم وما أشبه ذلك. ومن المنوّمات الغناء اللذيذ الرقيق الذي لا إزعاج فيه وإيقاعه ثقيل أو هزج متساو ولأجل ذلك ما صار خرير الماء وحفيف الشجر منوماً. وأما ما كان من وجع فتدبيره تسكين الوجع وعلاجه بما يخصّ كل وجع في بابه. وأما ما كان في الحميات فكثيراً ما يسقى صاحبه الديافود الساذج فينوم ويجب أن يستعمل صاحبه غسل الوجه والنطولات وتفريق الصدغ والجبهة بدهن الخشخاش والخس وأن تجعل في أحشائه بزر الخشخاش الأبيض وربما بخر بالمخدرات التي نسختها في الأقراباذين وأقراص الزعفران المذكورة في باب الصداع الحار إذا ديفت في عصارة الخشخاش أو ماء ورد طبخ فيه الخشخاش أو ماء خس وطلي على الجبهة كان نافعاً. ومما جرِّب في ذلك أن يؤخذ السليخة والأفيون والزعفران فيداف بدهن الورد ويمسح به الأنف وكذلك الطلاء المتّخذ من قشور الخشخاش وأعمل اليبروح على الصدغين والاشتمام منه أيضاً. ومن أخذ من هؤلاء قدر حبّة كرسنّة نام نوماً معتدلاً وإن كان الخلط المتصاعد إليه غليظ أضمدّت الجبهة بإكليل الملك مع بابونج وميبختج. ومما ينوم أصحاب الحميات وغيرهم أن يربط أطراف الساهر منهم ربطاً موجعاً ويوضع بين يديه سراج ويؤمر الحضور بالإفاضة في الحديث والكلام ثم يحل الرباط بغتة ويرفع السراج ويؤمر القوم بالسكوت بغتة فينام. وأما الكائن من رطوبة بورقية مالحة فيجب أن يجتنب تناول كل حريف ومالح ويغتذي بالسمك الرضراضي واللحوم اللطيفة شورباجة قليلة الملح ويستفرغ بحب الشبيار ويديم تفريق الرأس بالأدهان العذبة المفتّرة. وإذا عرض هذا النوع من السهر في سن الشيخوخة كان علاجه صعباً ولكن ينبغي أن يستعمل صاحبه التنطيل بماء طبخ فيه الصعتر والبابونج والأقحوان لا غير كل ليلة فإنه ينوّم تنويماً حسناً وكذلك ينشق من دهن الأقحوان أو دهن الإيرسا أو دهن الزعفران وربما اضطررنا إلى أن نسقي صاحب السهر المفرط الذي يخاف انحلال قوته قيراطاً ونحوه من الأفيون لينوّمه. ومن ليس سهره بذلك المفرط فربما كفاه أن يتعب ويرتاض ويستحم ثم يشرب قبل الطعام بعض ما يسدد ويأكل الطعام فإنه ينام في الوقت نوماً معتدلاً.

 فصل في آفات الذهن

إن أصناف الضرر الواقعة في الأفعال الدماغية هي لسببين وتتعرف من وجوه ثلاثة فإنه إذا كان الحق من الإنسان سليماً وكان يتخيل أشباح الأشياء في اليقظة والنوم سليماً ثم كانت الأشياء والأحوال التي رآها في يقظته أو نومه مما يمكن أن يعبر عنها وقد زالت عنه وإذا سمعها أو شاهدها لم يبق عنده فذاك آفة في الذكر وفي مؤخر الدماغ. فإن لم يكن في هذا آفة ولكن كان يقول ما لا ينبغي أن يقال ويستحسن ما لا ينبغي أن يُستحسَن ويرجو ما لا يجب أن يرجى ويَطلب ما لا يجب أن يُطلب ويصنع ما لا يجب أن يُصنع ويحذر ما لا ينبغي أن يُحذر وكان لا يستطيع أن يروي فيما يروي فيه من الأشياء فالآفة في الفكرة وفي الجزء الأوسط من الدماغ. فإن كان ذكره وكلامه كما كان ولم يكن يحدث فيما يفعله ويقوله شيئاً خلاف السديد وكان يتخيل له أشياء محسوسة ويلتقط الزئبر ويرى أشخاصاً كاذبة ونيراناً ومياهاً أو غير ذلك كاذبة أو كان ضعيف التخيل لأشباح الأشياء في النوم واليقظة فالآفة في الخيال وفي البطن المقدم من الدماغ. لأن اجتمع اثنان من ذلك أو ثلاثة فالآفة في البطنين أو الثلاثة ولأن يمرض الفكر ويقع فيه تقصير بمشاركة آفة في الذكر سبقت أولاً اسهل من أن يمرض الفكر فيتبعه مرض الذكر. وما كان من هذا يميل إلى النقصان فهو من البرد وما كان يميل إلى التشوش والاضطراب فهو من الحر. وزعم بعضهم أنه قد يميل إلى النقصان لنقصان جوهر الدماغ وليس هذا ببعيد وجميع ذلك فأما أن يكون سببه بدياً في الدماغ نفسه وإما من عضو آخر وقد يكون من خارج كضربة أو سقطة. فأما المعالجات فيجب أن يعول فيها على الأصول التي ذكرت في القانون وتلتقط من ألواح أمراض أعضاء الرأس. وفي الكتاب الثاني أدوية نافعة من جميع ذلك لتستعملها عليه وتتأمل منها ومن الأغذية ما يضرها فيجتنبها فيه. أما اختلاط الذهن والهذيان من بين ذلك فالكائن بسبب الدماغ نفسه فهو إما مرة سوداء وإما دم حار ملتهب وإما مرة صفراء وإما مرّة حمراء إما حرّ ساذج وإما بخار حار وذلك مما تخفّ المؤنة في مثله وإما يبس لتقدم سهر أو فكر أو غير ذلك مما يجفف فيعدم الدماغ مادة روح غريزية بمثلها يمكن أن يحفظ طريقة العقل. والكائن بسبب عضو آخر أو البدن فذلك العضو هو كالمعدة أو فمها أو المراق أو الرحم أو البدن كله كما في الحميات. وكل ذلك إمّا لكيفية ساذجة تتأدّى إليه كما يرتفع عن الإصبع من الرجل ومن اليد إذا ورمت ومن الأعضاء الفاسدة المزاج المتورِّمة وإما من بخار حار من مرّة أو بلغم قد عفن واحتدّ. وأسلم اختلاط العقل ما كان مع ضحك وما كان مع سكون وأردؤه ما كان مع اضطراب وضجر وإقدام. العلامات: اعلم إن كل من به وجع شديد ولا يشكوه ولا يحسّ به فيه اختلاط. والبول الذهبي قد يدلّ في الحميات على اختلاط العقل. أما الكائن من السوداء فيكون مع غموم وظن شيء ومع علامات المالنخوليا التي نذكرها في بابه وإن كانت السوداء صفراوية كان معه سبعية وإقدام وإن كان السوداء دموية كان هناك طرب وضحك مع درور العروق. وأمّا الكائن عن الصفراء فيكون مع التهاب وحرارة وضجر وسوء خلق واضطراب شديد وتخيّل نار وشرار وحرقة آماق وصفرة لون والتهاب رأس وامتداد جلد الجبهة وغؤور العينين ووثب إلى المقابلة. والذي من الحمراء فتكون هذه الأعراض فيه أشدّ وأصعب. ومن هذا القبيل اختلاط العقل الذي في الحميات وأكثرِ ما يكون في الوبائيات. وأما الكائن من حرّ ويبس ساذج فلا يكون معه ثقل ولا علامات المواد المذكورة في القوانين وفي الأبواب المقدمة. والكائن من بلغم قد عفن واحتد فيعرض لأصحابه أن يكون بهم مع الاختلاط رزانة وأن يشيلوا حواجبهم بأيديهم كل وقت وأن تثقل رؤوسهم ويسبتوا لجوهر البرد كما تختلط عقولهم لعارض الحرارة وهؤلاء لا يفارقون ما يمسكونه وربما عرض لهم أن يتوهموا أنفسهم دواب وطيور. أو بالجملة فإن اختلاط العقل إذا عرض عن حرارة يابسة فإنه يدل عليه السهر أو عن حرارة رطبة من دم أو بلغم عفن فإنه يدل عليه السبات. وأما الذي سببه بخار متصاعد من عضو فيعرف من حال ذلك العضو الألم إن كان عضواً أو البدن كله إن كان شاملاً كما في الحمّيات المشتملة ويعرف هل هو ساذج أو مع مادة أو بخار فعلامات جميع ذلك مذكورة في باب الصداع. العلاجات: أما علاج المالنخوليا فسنذكره في باب المالنخوليا وأمّا علاج الاختلاط الكائن من وأما الكائن من الصفراء والحمراء فعلاجه أن يبادر ويستفرغ ويبدّل المزاج إما من البدن كله وإما من الرأس خاصة ويستعمل التدبيرات والترطيبات المذكورة في القانون ويستعمل أضمدته بعد حلق الرأس وإن اشتدّ وقوي دبّر تدبير مانيا ومما يصلح لاختلاط الذهن الحار قيروطي مبرد من دهن الورد والخلّ على اليافوخ أو دهن البنفسج واللبن إن لم يكن حمى أو دهن الورد والخشخاش مع محاذرة انعطاف البخَارات. وإذا كان سهر فجميع الأطلية غير نافعة وربما أورثته حقن حادة فلا يستعطن فيزيد في الجذب بل اتّبع حقناً ليّنة. وأما الكائن بسبب شركة عضو فليستعمل فيه تقوية الرأس وتبريده والجذب إلى الّخلاف وقد علم كل هذا في القوانين الماضية الكلّية والجزئية وإذا لم يكن مع الاختلاط ضعف وعلامات أورام فيجب أن يلطم صاحبه لطماً شديداً وربما وجب ضربه ليثوب إليه عقله وربما احتيج إلى أن يكوى رأسه كياً صليبياً إن لم ينفع شيء. ومن الأشياء النافعة له أن يصبّ على الرأس منه طبيخ الأكارع والرؤوس وكثيراً ما يعافيهم الفاشرا إذا سقوا منه أياماً كما هو أو في شيء آخر من الثمار والحلاوة مما يخفيه يستسره فيه فإنه نافع.

 فصل في الرعونة والحمق

الفرق بين اختلاط الذهن وبين الرعونة والحمق وإن كانا آفتي العقل وكان السبب المحدث لهما جميعاً قد يكون واقعاً في البطن الأوسط من الدماغ إن اختلاط الذهن آفة في الأفعال الفكرية بحسب التغير والرعونة والحمق آفة بحسب النقصان أو البطلان وحاله شبيهة بالخرفية والصبوبة وقد عرفت أن أصناف آفات الأفعال ثلاثة. وأما أسباب هذا المرض فإما برودة ساذجة وإما مع يبس مشتمل على جوهر البطن الأوسط من الدماغ في طول الأيام والمدد وإما برودة مع بلغمية في تجاويف أوعيته. وإنما كان سبب هذا الضرب من البرودة ولم يكن من الحرارة لأن هذا ضرر بطلان ونقصان لأن الحرارة فعالة للفكرة التي هي حركة ما من حركات الروح فيحرك بها مقدم الدماغ إلى مؤخره وبالعكس والحرارة تثير الحركة وتعينها والجمود يمنعها ولذلك جعل مزاج هذا الجزء من الدماغ مائلاً إلى الحرارة وجعل في الوسط ليكون له الرجوع من التخيل إلى التذكر وقد عرفت التخيل والتذكر في موضعه. وهذه العلة تعالج بتسخين الدماغ وترطيبه إن كان مع يبوسة أو بتحليل ما فيه الاستفراغات بالأدوية الكبار والقيء بالسكنجبين العنصلي وبزر الفجل إن كان عن مادة ومع ذلك فيجب أن يقبل على تنبيه القلب بالأدوية الخاصية به مثل دواء المسك والمثروديطوس والمفرح وما أشبه ذلك. ولا يجب أن نطول القول في هذا الباب فقد عرف وجه مثل هذا التدبير في القوانين فيما سلف. ويجب أن يكون مسكنه بيتاً مضيئاً وبالجملة فإن اليقظة والسهر وتلطيف الغذاء وتقليله والميل إلى مزاج أيبس وإلى تلطيف الدم وتعديله وتقليله وتسخينه بحيث لا يكون شديد الغليان والتبخير بل حاراً لطيفاً غير غالٍ هو مما يذكي الذهن ويصفيه ولا أعدى للذهن من الامتلاء عن أغذية الرطوبات واليبس يضر بالذهن لا من حيث النقصان ولكن من حيث الإفراط في سرعة الحركة أو من حيث قلة الروح جداً وانحلاله مع أدنى حركه.

 فصل في فساد الذكر

هو نظير الرعونة إلا أنه في مؤخر الدماغ لأنه نقصان في فعل من أفاعيل مؤخر الدماغ أو بطلان في جميعه وسببه الأول عند جالينوس هو البرد إما ساذجاً وإما مع يبوسة فلا ينطبع فيه المثل وإما مع رطوبة فلا يحفظ ما ينطبع فيه. فإن كان مع يبوسة دل عليه السهر وأنه يحفظ الأمور الماضية ولا يقدر على حفظ الأمور الحالية والوقتية. وإن كان مع رطوبة دل عليه السبات وأنه لا يحفظ الماضية البتة ولعله يحفظ الوقتية الحالية مدّة أكثر من الماضية فإن كان هناك برد ساذج كان خَدر وسَدر. وربما كان من يبس مع حر ويكون معه اختلاط الذهن وذلك إما في ذلك الجزء من الدماغ نفسه أو في بطن منه أو في وعائه. وقد يكون لاختلاط أو سوء مزاج في الصدغين يتادى إلى الدماغ. فقد ذكر هذا بعض المتقدّمين وهو مما جُرِّب وشوهد. وأكثر ما يعرض النسيان وفساد الذكر إنما يعرض عن برد ورطوبة وقد يكون عن أورام الدماغ وخصوصاً الباردة. واعلم أن النسيان إما عرض مع صحة أنذر بأمراض الدماغ القوية مثل الصرع والسكتة وليثرغس. علامات أسبابه وأصنافه: ينبغي أن يتعرّف ذلك من القوانين المذكورة ولا نكررها في كل علّة. المعالجات: أما المقارن للحرّ واليبس فهو أسهل علاجاً ومعالجته هو بما قيل مراراً. وأما الكائن عن يبس مجرد فيجب فيه أن يغذّى العليل بالأغذية المرطبة المعتدلة وأن يستعمل رياضة ناحية الرأس بالدلك والغمز بالخرقة الخشنة وتحريك اليدين والرجلين. وبالجملة الرياضة التي ليست بقوية بل بمقدار ما يجيع ويقتضي الزيادة في الغذاء والدعة والنوم والحمّام ويسخن بالضمّادات المسخنة المعروفة التي لا نكرر ذكرها وبالمحاجم على الرأس بلا شرط وبالأدوية المحمّرة وربما احتيج إلى أن يكوى كيتين خلف القفا ويستعمل مياهاً طبخ فيها بابونج وإكليل الملك وكرعان الماعز ومن الأدهان دهن السوسن والنرجس والخيري وأمّا ما كان من مادة ذات برد ورطوبة فاستفرغه بعد الإنضاج بما تدري وليسكن بيتاً كثير الضوء وليبتدئ أولاً من الاستفراغات التي هي أخف مثل أيارج وشحم الحنظل وجندبيدستر ثم تدرج إلى الأيارجات الكبار ثم استعمل - إن أمنت سوء المزاج الحار - معجون البلاذر فإنه أقوى شيء في تقوية الذهن وإفادة الحفظ واستعمل أيضاً سائر المسخّنات من المحمرات والغراغر والشمومات التي تدري ولا تستعجل في تجفيفه بل تدرّج واحذر أن يبلغ تجفيفك إفناء الرطوبات الأصلية فيتبعها برد المزاج وذلك مما يزيد في النسيان ويجب أن يجتنبوا السكر ومهاب الرياح والامتلاء ويجتنبوا الاغتسال بالماء أصلاً أما الحار فلما فيه من الإرخاء وأما البارد فبما يخدر ويضر بالروح الحاس فإن عرض لهم امتلاء لطفوا التدبير بعده ويجب أن يجتنبوا الأغذية المسكتة المنقلة والمخدرة والمبخّرة وأما الشراب فإن الامتلاء منه ضار جداً وأما القليل فإنه ينشط النفس ويقوّي الروح ويذكّيها ويغني عن الاستكثار من الماء. والاستكثار منه أضرّ شيء لهم والقيلولة الكثيرة وبالجملة النوم الكثير ضار لهم وخصوصاً على امتلاء كثير والإفراط من السهر أيضاً يضعف الروح ويحلّه ومع ذلك فيملأ الدماغ أبخرة وقد جرب لهم الوجّ المربّى والدار فلفل المربّى ووجدا يزيدان في الحفظ زيادة بيّنة وقد جرب هذا الدواء. وصفته: يؤخذ كندر وسعد وفلفل أبيض وزعفران ومرّ أجزاء سواء تعجن بعسل وتتناول كل يوم وزن درهم واحد. وجرّب أيضاً هذا ونسخته: يؤخذ فلفل كمون جزءان سكر طبرزد ثلاثة أجزاء وجرّب أيضاً كل يوم على الريق يسقى مثقال فيه من الكندر ثلاثة أرباع ومن الفلفل ربع. وأيضاً كمون خمسة فلفل واحد وجّ اثنين سعد اثنين إهليلج أسود اثنين عسل البلافر واحد العسل ضعف الجميع ويجب أن يرجع إلى الأدوية المفردة المكتوبة في الكتاب الثاني وموضعها في ألواح علل الرأس ويجب أن يكون مسكن مثله بيتاً فيه الضوء. وأما الكائن عن أورام الدماغ فيعالج بما قيل في قرانيطس وليثرغس والسبات السهري.

 فصل في فساد التخيل:

هو بعينه من الأسباب والعلامات الموصوفة في الأبواب الأخر إلا أنه في مقدم الدماغ وفساده إما بأن يتخيل ما ليس موجوداً ويرى أموراً لا وجود لها وذلك لغلبة مرار على مقدم الدماغ أو لغلبة سوء مزاج حار بلا مادة وإما أن ينقص التخيّل ويضعف عن تخيّل الأمور التخيّلية ولا يرى الرؤيا والأحلام إلا قليلاً وينساه وينسى صور المحسوسات كيف كانت ولا يتخيّلها ويكون سببه بعينه سبب نقصان الذكر إلا أن فساد الذكر إنما يكون أكثره عن البرد والرطوبة وأقله عن اليبوسة. والأمر ههنا بالعكس ولأن هذه الآلة خلقت ليّنة ليسرع انطباعها بما تتخيّله وتلك صلة ليعسر تخليتها عما انطبع فيها فالأمور تقع فيها بالضد وفساد الذكر يقع في معاني المحسوسات وبسبب تركيبها وفساد التخيّل يقع في مثل المحسوسات وأشباحها. وهذا يعلم من صناعة أخرى وأدل ما يدل على أن العلة من رطوبة أو يوبسة حال النوم والسهر وحال جفاف العين والأنف ورطوبته وحال لون اللسان ورطوبته أو جفافه وإذا كانت العلة فساد التخيل لا نقصانه فأنت يمكن أن تتعرّف أيضاً أنه عن سوداء أو صفراء أو مزاج حار مفرد بما قيل وعرف وأن المعالجات فبحسب المعالجات في العلل الماضية إلا أنَّ العلاج يجب أن يكون في ناحية مبادي الحسّ وإن احتيج إلى دلوك أو وضع حجامة إلى مقدم الدما فاعمل حسب ما تعلم.

 فصل في المانيا وداء الكَلْب

تفسير المانيا هو الجنون السبعي وأما داء الكَلْب فإنه نوع منه يكون مع غضب مختلط بلعب وعبث وإيذاء مختلط باستعطاف كما هو من طبع الكلاب واعلم أن المادة الفاعلة للجنون السبعي هو من جوهر المادة الفاعلة للمالنخوليا لأن كليهما سوداويان إلا أن الفاعل للجنون السبعي سوداء محترق عن صفراء أو عن سوداء وهو أردأ. والفاعل للمالنخوليا سوداء طبيعية كثيرة أو احتراقية ولكن عن بلغم أو عن دم عذب وقليلاً ما يكون عن بلغم محترق وجنون وإن كان يكون عنه المالنخوليا. وأكثر ما يكون المالنخوليا إنما يكون بحصول المادة السوداوية في الأوعية وأكثر ما يكون المانيا إنما يكون بحصولها في مقدم الدماغ وجوهره لأنّ وصوله إلى الدماغ كوصول مادة قرانيطس ويكون المالنخوليا مع سوء ظن وفكر فاسد وخوف وسكون ولا يكون فيه اضطراب شديد. وإما المانيا فكله اضطراب وتوثّب وعبث وسبعية ونظر لا يشبه نظر الناس بل أشبه شيء به نظر السباع ويفارق صنفاً من قرانيطس يشبهه في جنون صاحبه بأنّ هذه العلة لا يكون معها حمى في أكثر الأمر وفرانيطس لا يخلو عنها وداء الكلب هو نوع من مانيا فيه معاسرة شديدة ومصاعبة مع مساعدة وموافقة معاً وليس فيه من الاعتقاد السوء كل ما في المانيا وكأنه إلى الدموية أقرب. وأكثر ما تعرض هذه العلة في الخريف لرداءة الأخلاط وقد تكثر في الربيع والصيف ويكون له عند هبوب الشمال هيجان لتجفيف الشمال وهذه العلة كثيراً ما يحلها البواسير والدوالي وإذا عرض عقيبها الاستسقاء حقها برطوبته خصوصاً إن كان سببها حر الكبد ويبوستها وكثيراً ما تحدث هذه العلة بمشاركة المعدة فيشفيه القذف. العلامات: للمانيا جملة علامات ولأصنافه علامات فعلامات جملته أن تتغير الأفعال السياسية والحركية التغير المذكور والعلامات المنذرة به فمثل الكابوس مع حرارة الدماغ ومثل أن يمتلئ القدمان دماً ويحمران وينعقد الدم في ثدي المرأة فيدل على حركات مفسدة للدم والأول قد يدل على ذلك وقد يدل على أنه سيصير سبباً لفساد الدم في عضو لا حار غريزي قوي فيه فيدبر الدم تدبيراً جيداً بل يفسد فيه الدم نوعاً من الفساد يوفي الدماغ. وإذا عرضت العلامة الأولى في آخر المانيا فربما دلّ على انحلاله دلالة الدوالي وكثيراً ما يعرض المانيا في الأمراض الحادة دليلاً للبُحران فإن شهدت الدلائل الأخرى شهادة جودة دل على بُحران سيكون حينئذ وربما كان اشتدا المانيا دليلاً على بُحران مانيا نفسه. أما علامة الكائن من سوداء محترقة فاعلم أنّ جنونه وسبعيته يكون مع فكر وسكون يمتد مدة ثم إذا تحرك وتكلّم ابتدأ يتعاقل متفكراً ثم إذا كرر عليه لم يمكن الخلاص منه ولا إسكاته وتكون نحافة البدن فيه أشدّ واللون إلى السواد أميل والأحلام أردأ وربما تقيأ شيئاً حامضاً تغلي منه الأرض. وأما الذي عن السوداء الصفراوي فيكون الانبعاث إلى الشرّ أسرع والسكون عنه أسرع ولا يذكر من الشر والحقد ما يذكره الأول ويقلّ سكونه وتكثر حركته وضجره واضطرابه. المعالجات: إن رأيت امتلاء من الأخلاط فافصد وان رأيت غلبة مرار في البدن بالبول وسائر العلامات فاستفرغ بطبيخ الأفتيمون أو بطبيخ الهليلج إن كان صفراء سوداوية وإن كان سوداء صرفة فربما احتجت أن تستفرغ بالأفتيمون الساذج وزن ثمانية دراهم مع السكنجبين وبحجر اللازورد ثم أقبل على الرأس واستفرغ إن كان به امتلاء دموي أو سوداوي من العرق الذي تحت اللسان وأدم استفراغه بهذا الحب. وصفته: يؤخذ أيارج وأفتيمون وأسطوخولحس من كل واحد جزء وسْقَمُّونيا نصف جزء هليلج جزء يتّخذ منه حب كبار ويشرب بعد الاستفراغ الكلي في ليال متفرقة كل ليلة وزن درهمين. ومما ينفع منه حب بهذه الصفة ونسخته: يؤخذ أفتيمون وبسفايج من كل واحد وزن خمسة دراهم حجر أرمني درهم هليلج كابلي درهم أسطوخدس عشرة دراهم ملح هندي شحم الحنظل أربعة بليلج أملج حاشا خربق أسود من كل واحد ثلاثة دراهم تربد عشرون درهماً يعجن بكسنجبين عسلي ويستعمل ويُغرغر بالسكنجبين السقمونيا ولا يفرط في استعمال حبّ الشبيار بل استعمله مدة ما دمت تجد به خِفة فإذا أحسست سوء مزاج حار فاقطع وبعد الاستفراغ فأقبل على التبريد والترطيب بالنطولات وغيرها وربما احتيج إلى أن ينطلوا في اليوم خمس مرات ويطلى رؤوسهم بطبيخ الأكارع والرؤوس وبحليب اللبن ويوضع عليها الزبد وليكن قصدك الترطيب أكثر من قصدك التبريد إلا أنك لا تجد أدوية شديدة الترطيب إلا باردة فاجعل معها البابونج. وربما احتجت في تنويمه إلى سقيه دياقوذا فاسقه ماء الرمان الحلو ليرطب أو مع شراب الأجاص ليلين أو مع ماء الشعير وينطله أيضاً بماء طبخ فيه الخشخاش للتنويم ولكنّ الأصوب أن تجعل فيه قليل بابونج وتحلب اللبن على رأسه. والأدهان نافعة في ذلك جداً. وإذا استعملت النطولات والسعوطات المرطبة والأدهان فاحتل أن ينام بعدها على حال بما ينوّم من النطولات والأدهان المسبتة خاصة دهن الخس واسقه من الأشربة ما يرطب كماء الشعير ولا تسقه ما يجري مجرى السكنجبين وما فيه تلطيف وتجفيف وتقطيع. وكلما رأيت الطبيعة صلبة فاحقن لئلا ترتفع إلى الرأس بخارات مؤذية من النقل ويجب أن يسقوا في مياههم أصول الرازيانج البرّي وبزره وأصل الكرمة البيضاء وهو الفاشرا فإنها نافعة. والشربة منه كل يوم مثقال فإن لم يشربوا دُسّ ذلك في طعامهم ويجلس بين يدي العليل من يستحي منه ويهابه ويشدّ فخذاه وساقاه دائماً ليجذب البخار إلى أسفل وإن خيف أن يَجْنوا على أنفسهم ربطوا ربطاً شديداً وأدخلوا في قفص وعلقوا في معلاق مرتفع كالأرجوحة ويجب أن تكون أغذيتهم رطبة على كل حال إلا أنها مع رطوبتها يجب أن لا تكون مما يحدث السدد مثل النشاء وما أشبهه فإن ذلك ضار لهم جداً ولا يعطون ما يدرّ البول كثيراً فإن ذلك يضرّهم. وسائر علاجاتهم فيما يجب أن يتوقّوه ويحذروه هو علاج المالنخوليا ونذكره في بابه وإذا انحطوا فلا بأس بأن يسقوا شراباً كثير المزاج فإن ذلك يرطبهم وينومهم وعليك أن تجتنب من الأشياء الحارة المسخّنة.

 فصل في المالنخوليا

يقال مالنخوليا لتغيّر الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي إلى الفساد وإلى الخوف والرداءة لمزاج سوداوي يوحش روح الدماغ من داخل ويفزعه بظلمته كما توحش وتفزع الظلمة الخارجة على أنّ مزاج البرد واليبس منافٍ للروح مضعف كما أن مزاج الحرّ والرطوبة كمزاج الشراب ملائم للروح مقوّ. وإذا تركت مالنخوليا مع ضجر وتوثّب وشرارة انتقل فسمّي مانيا وإنما يقال مالنخوليا لما كان حدوثه عن سوداء محترقة وسبب مالنخوليا إما أن يكون في الدماغ نفسه وإما من خارج الدماغ. والذي في الدماغ نفسه فإنه إمّا أن يكون من سوء مزاج بارد يابس بلا مادة تنقل جوهر الدماغ ومزاج الروح النيّر إلى الظلمة وإمّا أن يكون مع مادة. والذي يكون مع مادة فإما أن تكون المادة في العروق صائرة إليها من موضع آخر أو مستحيلة فيها إلى السواد باحتراق ما فيها أو تعكّره وهو الأكثر أو تكون المادة متشرّبة في جرم الدماغ أو تكون مؤذية للدماغ بكيفيتها وجوهرها فتنصبّ في البطون وكثيراً ما يكون انتقالاً من الصرع. والذي يكون سببه بخار مظلم فإما أن يكون ذلك الشيء في البدن كله إذا استولى عليه مزاج سوداوي أو الطحال إذا احتبس فيه السوداء ولم يقدر على تنقيتها أو عجز ولم يقدر على جذب السوداء من الدم وإما لأنه قد حدث به ورم أو لم يحدث بل آفة أخرى أو لسبب شدة حرارة الكبد وإما أن يكون ذلك الشيء هو المراق إذا تراكمت فيه فضول من الغذاء ومن بخار الأمعاء واحترقت أخلاطه واستحالت إلى جنس سوداوي أحدثت ورماً أو لم تحدث فيرتفع منها بخار مظلم إلى الرأس ويسمى هذا نفخة مراقية ومالنخوليا نافخاً ومالنخوليا مراقياً وهو كثيراً ما يقع عن ورم أبواب الكبد فيحرق دم المراق وهو الذي يجعله جالينوس السبب في المالنخوليا المراقي. وروفس جعل سببه شدة حرارة الكبد والمعي. وقوم آخرون يجعلون سببه السدة الواقعة في العروق المعروف بالماساريقا مع ورم. وآخرون يجعلون السبب فيه اسدد الواقعة في الماساريقا وإن لم يكن ورم. واستدلّ من جعل السبب في ذلك السدد الواقعة في الماساريقا بأن غذاء هؤلاء لا ينفذ إلى العروق فيعرض له فساد. واستدلّ من قال أن ذلك من ورم بطول احتباس الطعام فيهم نيئاً بحاله في الأكثر فلا يكون هذا الورم حاراً لأنه لا يكون هناك حمّى وعطش وقيء مرار. وربما كَان سبب تولده هو من خارج الدماغ ومبدأ تولده هو في الدماغ كما إذا كان في المعدة ورم حار فأحرق بخاره رطوبات الدماغ أو كان في الرحم أو سائر الأعضاء المشاركة للرأس. والذي يكون عن برد ويبس بلا مادة فسببه سوء مزاج في القلب سوداوي بمادة أو بلا مادة يشركه فيه الدماغ لأن الروح النفساني متصل بالروح الحيواني ومن جوهره فيفسد مزاجه الفاسد السوداوي مزاج الدماغ ويستحيل إلى السوداوية وقد يكون لأسباب أخرى مبردة ميبّسة لا من القلب وحده على أنه لا يمكن أن يكون بلا شركة من القلب بك عسى أن يكون معظم السبب فيه من القلب ولذلك لا بد من أن يكون علاج القلب مع علاج الدماغ في هذا المرض. واعلم أن دم القلب إذا كان صقيلاً رقيقاً صافياً مفرحاً قاوم فساد الدماغ وأصلحه. ولا عجب أن يكون مبدأ ذلك في أكثر الأمر من القلب وإن كان إنما تستحكم هذه العلل في الدماغ لأنه ليس ببعيد أن يكون مزاج القلب قد فسد أولاً فيتبعه الدماغ أو يكون الدماغ قد فسد مزاجه فيتبعه القلب ففسد مزاج الروح في القلب واستوحش ففسد ما ينفذ منه إلى الدماغ وأعان الدماغ على إفساده وقد يعرض في آخر الأمراض المادية خصوصاً الحادة مالنخوليا فيكون علامة موت. وحينيذٍ يعرض لذلك الإنسان أن يذكر الموت والموتى كثيراً وبالجملة فإن السوداء تكثر فتتولد تارةً بسبب العضو الفاعل للغذاء وهو الكبد إذا أحرق الدم أو ضعف عن دفع الفضل السوداوي وهو الأقل وتارة بسبب العضو الذي هو مفرغة للسوداء وهو الطحال إذا ضعف عن أمرين: أحدهما: جذب ثقل الدم ورماده عن الكبد والآخر: دفع فضل ما ينجذب إليه منه إلى المدفع الذي له وقد يتولد السوداء في عضو آخر إما بسبب شدة إحراقه لغذائه أو بسبب عجزه عن دفع فضل عذائه فيتحلل لطيفه ويتعكر كثيفه سوداء أو بسبب شديد تبريده وتجفيفه لما يصل إليه وقد يكون السبب في تولده أيضاً الأغذية المولدة للسوداء. وقد رأى بعض الأطباء أن المالنخوليا قد يقع عن الجن ونحن لا نبالي من حيث نتعلم الطب أن ذلك يقع عن الجن أو لا يقع بعد أن نقول: إنه إن كان يقع من الجن فيقع بأن يحيل المزاج إلى السوداء فيكون سببه القريب السوداء ثم ليكن سبب تلك السوداء جنّاً أو غير جن ومن الأسباب القوية في توليد المالنخوليا فراط الغم أو الخوف. ويجب أن تعلم أن السوداء الفاعل للمالنخوليا قد تكون إما السوداء الطبيعية وإما البلغم إذا استحال سوداء بتكاثف أو أدنى احتراق وإن كان هذا يقل ويندر. وأما الدم إذا استحال بانطباخ أو بتكاثف دون احتراق شديد. وأما الخلط الصفراوي فإنه إذا بلغ فيه الاحتراق الغاية فعل مانيا ولم يقتصر على المالنخوليا. فكل واحد من أصناف السوداء إذا وقع من الدماغ الموقع المذكور فعل المالنخوليا لكن بعضه يفعل معه المانيا. وأمسلم المالنخوليا ما كان عن عكر الدم وما كان معه فرح وكثيراً ما ينحل المالنخوليا بالبواسير والدوالي وقد يقل تولد هذه العلة في البيض السمان ويكثر في الأدم الزب القضاف ويكثر تولدها فيمن كان قلبه حاراً جداً ودماغه رطباً فتكون حرارة قلبه مولّدة للسوداء فيه ورطوبة دماغه قابلة لتأثير ما يتولد في قلبه ومن المستعدين له اللثغ الأحذاء الخفاف الألسنة والطرف الأشد حمرة الوجه والأدم الزب وخصوصاً في صدورهم السود الشعور الغلاظها الواسعو العروق الغلاظ الشفاه لأن بعض هذه دلائل حرارة القلب وبعضها دلائل رطوبة الدماغ وكثيراً ما يكونون في الظاهر بلغميين وهذه العلة تعرض للرجال أكثر وللنساء أفحش. وتكثر في الكهول والشيوخ وتقلّ في الشتاء وتكثر في الصيف والخريف وقد تهيج في الربيع كثيراً أيضاً لأن الربيع يثير الأخلاط خالطاً إياها بالدم وربما كان هيجانه بأدوار فيها تهيج السوداء وتثور. والمستعد للمالنخوليا يصير إليها بسرعة إذا أصابه خوف أو غم أو سهر أو احتبس منه عادة سيلان الدم أو قيء سوداوي أو غير ذلك. العلامات: علامة ابتداء المالنخوليا ظن رديء وخوف بلا سبب وسرعة غضب وحُب التخلي واختلاج ودوار ودوي وخصوصاً في المراق فإذا استحكم فالتفزغ وسوء الظن والغم والوحشة والكرب وهذيان كلام وشبق لكثرة الريح وأصناف من الخوف مما لا يكون أو يكون وأكثر خوفه مما لا يخاف في العادة وتكون هذه الأصناف غير محدودة. وبعضهم يخاف سقوط السماء عليه وبعضهم يخاف ابتلاع الأرض إياه وبعضهم يخاف الجن وبعضهم يخاف السلطان وبعضهم يخاف اللصوص وبعضهم يتقي أن لا يدخل عليه سبع. وقد يكون للأمور الماضية في ذلك تأثير ومع ذلك فقد يتخيلون أموراً بين أعينهم ليست وربما تخيلوا أنفسهم أنهم صاروا ملوكاً أو سباعاً أو شياطين أو طيوراً أو آلات صناعية. ثم منهم من يضحك خاصة الذي مالنخولياه دموي لأنه يتخيل ما يلذه ويسره. ومنهم من يبكي خاصة الذي مالنخولياه سوداوي محض ومنهم من يحب الموت ومنهم من يبغضه. وعلامة ما كان خاصاً بالدماغ إفراط في الفكرة ودوام الوسواس ونظر دائم إلى الشيء الواحد وإلى الأرض. ويدل عليه لون الرأس والوجه والعين وسواد شعر الرأس وكثافته وتقدم سهر وفكر وتعرض للشمس وما أشبهه وأمراض دماغية سبقت وأن لا تكون العلامات التي نذكرها للأعضاء الأخرى المشاركة للدماغ خاصة وأن لا يظهر النفع إذا عولج ذلك العضو ونقي وأن تكون الأعراض عظيمة جداً. وأما الكائن بمشاركة البدن كله فسواد البدن وهلاسه واحتباس ما كان يستفرغ من الطحال والمعدة وما كان يستفرغ بالإدرار أو من المقعدة أو من الطمث وكثرة شعر البدن وشدّة سواده وتقدم استعمال أغذية رديئة سوداوية مما عرفته في الكتاب الثاني. والأمراض المعقبة للمالنخوليا هي مثل الحمّيات المزمنة والمختلطة. وعلامة ما كان من الطحال كثرة الشهوة لانصباب السوداء إلى المعدة مع قلة الهضم لبرد المزاج وكثرة القراقر ذات اليسار وانتفاخ الطحال وذلك مما لا يفارقهم وشبق شديد للنفخة وربما كان معه حمّى ربع وربما كانت الطبيعة لينة وربما أوجب للذع السوداء ألماً. وما كان من المعدة فعلامته وجود علامات ورم المعدة المذكورة في باب أمراض المعدة وزيادة العلّة مع التخمة والامتلاء وفي وقت الهضم وكثيراً ما قد يهيج به عند الأكل إلى أن يستمرأ أوجاع ثم يسكن عند الاستمراء فإن كان حاراً دل عليه الالتهاب في المراق وقيء المرار وعطش. وأكثر من به مالنخوليا فإنه مطحول وعلامة المراقي ثقل في المراق واجتذاب إلى فوق وتهوّع لازم وخبث نفس وفساد هضم وجشاء حامض وبزاق رطب وقرقرة وخروج ريح وتلهّب وأن يجد وجعاً في المعدة أو وجعاً بين الكتفين وخصوصاً بعد الطعام إلى أن يستمرأ بالتمام وربما قذف البلغم المراري وربما قذف الحامض المضرس وعرض له هذه الأعراض مع التناول للطعام بل بعده بساعات فيكون برازه بلغمياً مرارياً ويخف بجودة الهضم ويزيد بنقصانه وربما تقدمه ورم في المراق أو كان معه ويجد اختلاجاً في المراق في أوقات وتزداد العلّة مع التخمة وسرعة الهضم. ونقول: إن السوداء الفاعل للمالنخوليا إن كان دموياً كان مع فرح وضحك ولم يلزم عليه الغمّ الشديد وإن كان من بلغم كان مع كسل وقلّة حركة وسكون وإن كان من صفراء كان مع اضطراب وأدنى جنون وكان مثل مانيا وإن كان سوداء صرفاً كان الفكر فيه كثيراً والعادية أقلّ إلا أن يحرك فيضجر ويحقد حقداً لا ينسى. المعالجات: يجب أن يبادر بعلاجه قبل أنيستحكم فإنه سهل في الابتداء صعب عند الاستحكام ويجب على كل حال أن يفرح صاحبه ويطرب ويجلس في المواضع المعتدلة ويرطّب هواء مسكنه ويطيّب بفرش الرياحين فيه وبالجملة يجب أن يشمم دائماً الروائح الطيبة والأدهان الطيّبة ويناول الأغذية الفاضلة الكيموس المرطّبة جداً ويدبّر في تخصيب بدنه بالأغذية الموافقة وبالحمّام قبل الغذاء ويُصبّ على رأسه ماء فاتر ليس بشديد الحرارة وإذا خرج من الحمّام - وبه قليل عطش - فلا بأس أن يسقى قليل ماء ويستعمل الدلك المخصب المذكور في باب حفظ الصحة واعتن بترطيبه فوق اعتنائك بتسخينه ما أمكن وليجتنب الجماع والتعرّق الشديد ويجتنب الباقلاء والقديد والعدس والكرنب والشراب الغليظ والحديث وكل مملّح ومالح وحريف وكل شديد الحموضة بل يجب أن يتناول الدسم والحلو وإذا أريد تنويمهم فلك أن تنطل رؤوسهم بماء الخشخاش والبابونج والأقحوان فإن النوم من أوفق علاجاتهم ويتدارك بما يفيده من الصلاح ما يورثه الخشخاش من المضرّة فإما إن كان المالنخوليا من سوء مزاج مفرط برد ويبس فينبغي أن يشتغل بتسخين القلب وبالمفرّحات وأدوية المسك والترياق والمثروديطوس وما أشبه ذلك ويعالج الرأس بما مرّ وذكر في باب الرعونة. والقويّ منه يعرض عقيب مرض آخر حار فيسهل علاجه حتى إنه يزول بالتنطيلات. وأما إن كان من مادة سوداوية متمكنة في الدماغ فملاك علاجه ثلاثة أشياء. أولها: استفراغ المادة وربما كان بالحقن وبالقيء إلا من كانت معدته ضعيفة فلا تقيّئه في هذه العلة البتّة حتى ولا في المراقي أيضاً. والثاني: أن يستعمل مع الاستفراغ الترطيب دائماً بالنطولات والأدهان الحارّة ويجعل فيها من الأدوية مثل البابونج والشبث وإكليل الملك وأصل السوسن لئلا يغلظ الخلط بتحليل ساذج لا تليين فيه ولا يغلظ بما يرطب ولا تحليل فيه وإن كان السوداء بعيداً من الحرارة فلك أن تزيد الشيخ وورق الغار والفوتنج مع الترطيب ولا تبالي وتستعمل الأغذية المولدة للدم المحمودة مثل السمك الرضراضي واللحوم الخفيفة المذكورة وفي الأوقات بالشراب الأبيض الممزوج دون العتيق القوي. والثالث: أن تستعمل تقوية القلب إن أحسّ بمزاج بارد فبالمفرّحات الحارّة وإن أحسّ بمزاج يميل إلى الحرارة فبالمفرحات المعتدلة وإن كانت الحرارة شديدة جداً استعمل المفرحات الباردة الغير المفرطة البرد ويتعرّف ذلك من النبض ولنشرع في تفصيل هذا التدبير فنقول: أما الاستفراغ فإن رأيت أن العروق ممتلئة كيف كان وأن السوداءَ دموي فافصد من الأكحل بل يجب على كل حال أن تبتدي بالفصد إلا أن تخاف ضعفاً شديداً أو تعلم أن المواد قليلة وهي في الدماغ فقط وأن اليبس مستول على المزاج ثم إن فصدت ووجدت دماً رقيقاً فلا تحبس الدم لذلك فإنه كثيراً ما يتقدم فيه الرقيق ولذلك يجب أن يوسّع الفصد لئلا يتروق الرقيق ويحتبس الغليظ فيزيد شراً وانظر أي الجانبين من الرأس أثقل فافصد الباسليق الذي يليه وربما احتجت أن تفصد من الباسلقين إذا وجدت العلامة عامة وقبل فصد عروق الجبهة تحرك أكثر ثم إن وجدت الخلط سوداوياً بالحقيقة وإلى البرد فاستفرغ بالحبوب المتخذة من الأفتيمون والصبر والخربق وابتدئ بالإنضاج ثم استفرغ في أول الأمر بأدوية خفيفة يقع فيها أفتيمون وشحم الحنظل وسقمونيا يسير ثم بطبيخ الأفتيمون والغاريقون ثم إن لم ينجع استعملت الأيارجات الكبار ثم لم احتجت بعد ذلك إلى استفراغ استعملت الخربق مع خوف وحذر وحجر اللاؤورد والحجر الأرمني والحب المتخذ منهما بلا خوف ولا حذر. وكثيراً ما ينفعهم استعمال هذه الأدوية المذكورة في ماء الجبن على المداومة وتقليل المبلغ من الدواء فإن لم ينجع عاودت من رأس ويكون في كل أسبوع يستفرغ مرة بحب لطيف وسط وتستعمل فيما بين ذلك الإطريفل الأفتيموني وقد جرب سقيهم الأطريفل بالأفتيمون على هذه الصفة وهو أن يؤخذ من الإطريفل ثلاثة دراهم ومن الأفتيمون درهم ومن الأيارج نصف درهم وفي كل شهر يستفرغ بالقوي من الأيرجات الكبار والحبوب الكبار إلى أن تجد العلة قد زالت. ويستعمل أيضاً القيء خصوصاً إن رأيت في المعدة شيئاً يزيد في العلة ولم تكن المعدة بشديدة الضعف ويجب أيضاً أن يكون القيء بمياه قد طبخ فيها فوذنج وكركند وبزر الفجل ويتناول عصارة فجل غرز فيه الخربق وترك أياماً حتى جرت فيه قوته مع سكنجبين أو يتناول هذا الفجل نفسه منقعاً في السكنجبين وليكن مقدار السكنجبين ثلاثة أساتير ومقدار عصارته أستار ويزيد ذلك وينقصه بقدر القوة وأما إن خِفْت ضعف القوة فاجتنب الخربق وإذا نقيت فاقصد القلب بما ذكرناه مراراً وهذا الإطريفل الأفتيموني مجرّب النفع في هذا الباب. وإذا أزمنت العلّة استعملت القيء بالخربق واستعملت المضوغات والغرغرات المعروفة واستعملت الشمومات الطيبة والمسك والعنبر والأفاويه والعود فإن كانت المادة إلى المرار الصفراوي فاستفرغ بطبيخ الأفتيمون وحب الأصطمحيقون المعتدل وبما نستفرغ الصفراء المحرقة وما يقال في بابه وزد في الترطيب وقلل من التسخين على أنه لا بد لك من البابونج وما هو في وقته إذا استعملت النطولات ولا سبيل لك إلى استعمال المبرِّدات الصرفة على الرأس وقد حمد بعض القدماء في مثل هذا الموضع أن يأخذ من الصبر كل يوم شيئاً قليلاً أو ينجرع كل يوم ماء طبخ فيه أفسنتين ثلاث أوق أو عشرة قراريط من عصارة الأفسنتين مدوفاً في الماء وقد حمد أن يتجرع كل ليلة خلاً ثقيفاً سيما خلّ العنصل. وأما أنا فأخاف غائلة الخلّ في هذه العلة إلا أن يكون على ثقة أن المادة متولدة عن صفراء محترقة وأنها حارة فيكون الخل أنفع الأشياء له وخصوصاً العنصلي والسكنجبين المتخذ بخل العنصل وكذلك الخل الذي جعل فيه جعدة أو زراوند. وقد ينفع الخل أيضاً إذا كان المرض بمشاركة الطحال والمادة فيه ويجب أن تطيب مشمه من التركيبات المعتدلة التي يقع فيها كافور ومِسك مع دهن بنفسج كثير غالب برائحته يبوسة الكافور والمسك وسائر الروائح الباردة الطيبة خصوصاً النيلوفر. وأما إن كان سبب المالنخوليا ورماً في المعدة والأحشاء أو مزاجاً حاراً فيها محرقاً تداركت ذلك وبردت الرأس ورطبته وقويته لئلا يقبل ما يتأدّى إليه من غيره وإن كان السبب في المراق ووجدت رياحاً وقراقر فإن كان في المراق ورم حار عالجته وحلّلته بما يجب مما يقال في باب الأورام وقويت الرأس وعرّقته في أدهان مقوّية ومرطبات واستعملت المحاجم بشرط ليستفرغ الدم ولا تسخن في مثل هذه الحال الكبد بل عليك أن تبرّده إذا وجدته حاراً محرقاً للدم بحرارته وقو الطحال وضع على المراق المحاجم ودواء الخردل ونحوه وذلك لئلا يرسل الطحال المادة إلى الدماغ. وإن كان المراق بارد المزاج نافخه ولم يكن ثَمَّ ورم ولا لهيب سقيته ماء طبيخ الأفسنتين وعصارته على ما ذكر وتنطل معدته بالنطولات الحارة المذكورة وتضمدها بتلك الضمّادات واستعمل فيها بزر الفنجنكشت وبزر السذاب وأصل السوسن وشجرة مريم وتمسك الأضمدة عليها مدة طويلة ثم إذا نزعتها وضعت على الموضع قطناً مغموساً في ماء حار أو صوفاً منفوشاً أو إسفنجة. وينفع استعمال ضماد الخردل على ما بين الكتفين وضمادات ذروروتيس أيضاً المذكورة في القراباذين فينفع أن يستعمل عليه المحاجم بغير شرط إلا أن يكون هناك ورم أو وجع فيمنع ذلك. وكثيراً ما ينتفع أصحاب المالنخوليا المراقي بالأشياء المبرِّدة من حيث أن تكون مرطبة مضادة ليبس السوداء ولأنها تكون مانعة من تولد الريح والبخار اللذين يؤذيان بتصعّدهما إلى الرأس وإن كان الانتفاء بالبارد ليس انتفاعاً خفيفاً قاطعاً للمرض: ولكن البارد إذا كان رطباً لم يتولد منه السوداء وانحسمت مادته ولم يبخر أيضاً المادة الحاصلة ورجي أن يستولي عليها الطبيعة فيصلحها. واعلم أن التدبير الغليظ المولد للبلغم وربما قاوم السوداء والتدبير الملطّف لما يفعل من الاحتراق بسهولة ربما أعانه ولا يغرنّك انتفاع بعضهم ببلغم يستفرغه قذفاً أو برازاً فإن ذلك ليس لأن استفراغ البلغم ينفعه بل لأن الكثرة وانضغاط الأخلاط بعضها ببعض يزول عنهم. وأما النافع بالذات فاستفراغ السوداء وقانون علاج المالنخوليا أن يبالغ في الترطيب ومع ذلك أن لا يقصر في استفراغ السوداء وكلما فسد الطعام في بطون أصحاب المالنخوليا فاحملهم على قذفه وخصوصاً حين يحسّون بحموضة في الفم فيجب أن تقيئهم لا محالة حينئذ ويحرم عليهم أن يأكلوا عليه طعاماً آخر ويستعمل الجوارشنات المقوّية لفم المعدة وليحذروا إدخال طعام على طعام قد فسد ويجب أن يشغل. صاحب المالنخوليا بشيء كيف كان وأن يحضره من يحتشمه ومن يستطيبه والشرب المعتدل للشراب الأبيض الممزوج قليلاً ويشغل أيضاً بالسماع والمطربات ولا أضر له من الفراغ والخلوة وكثيراً ما يغتمُّون بعوارض تقع لهم أو يخافون أمراً فيشتغلون به عن الفكرة ويعاقون فإن نفس أعراضهم عن الفكرة علاج لهم أصيل فإن كان السبب دروراً احتبس من طمث أو مقعدة أو غير ذلك فادرأ فإن حدث سقوط الشهوة فالعلة ومن كانت السوداء في بدنه منهم متحرّكة فهو أقبل للعلاج ممن لم تكن سوداؤه كذلك والذي تكون فيه السوداء متحركة فهو الذي يظهر سوداؤه في القيء وفي البراز والبول وفي لون الجلد والبهق والكلف والقروح والجرب والدوالي وداء الفيل والسيلان من المقعدة ونحو ذلك فإن ذلك كله يدل على أنه قاتل للتمييز عن الدم. وإذا ظهر بهم شيء من هذا فهو علامة خير وإذا عرض لبعضهم تشنّج بعد الإسهال والاستفراغ فإنهم أولى بذلك من غيرهم ليبسهم فيجب أن يقعدوا في ماء فاتر ويطعمون خبزاً منقوعاً في جلاَّب وقليل شراب ويسقوا ماء ممزوجاً ثم ينومون ويحمّمون بعده ثم يغذون كما يخرجون.

 فصل في القطرب

هو نوع من المالنخوليا أكثر ما يعرض في شهر شباط ويجعل الإنسان فرَّاراً من الناس الأحياء محبّاً لمجاورة الموتى والمقابر مع سوء قصد لمن يغافصه ويكون بروز صاحبه ليلاً واختفاؤه وتواريه نهاراً كل ذلك حباً للخلوة وبعداً عن الناس ومع ذلك فلا يسكن في موضع واحد أكثر من ساعة واحدة بل لا يزال يتردّد ويمشي مشياً مختلفاً لا يدري أين يتوجه مع حذر من الناس وربما لم يحذر بعضهم غفلة منه وقلة تفطن لما يرى ويشاهد. ومع ذلك فإنّه يكون على غاية السكون والعبوس والتأسف والتحزّن أصفر اللون جاف اللسان عطشان وعلى ساقه قروح لا تندمل وسببها فساد مادته السوداوية وكثرة حركة رجله وتنزل المواد إليها ولا سيما هو كل وقت يعثر ويساك رجله شيء أو يعضّه كلب فيكون ذلك سبباً لكثرة انصباب المواد إلى ساقيه فيكون فيها القروح ولبقائها على حالها وحال أسبابها لا تندمل ويكون يابس البصر لا يدمع بصره ويكون بصره ضعيفاً وغائراً كل ذلك ليبس مزاج عينه. وإنما سمي هذا قطرباً لهرب صاحبه هرباً لا نظام له ولأجل مشيه المختلف فلا يعلم وجهه وكما يهرب من شخص يظهر له فإنه لقلة تحفظه وغور صواب رأيه يأخذ في وجهه فيلقى شخصاً آخر فيهرب من الرأس إلى جهة أخرى والقطرب دويبة تكون على: وجه الماء تتحرك عليه حركات مختلفة بلا نظام وكل ساعة تغوص وتهرب ثم تظهر وقيل دويبة أخرى لا تستريح وقيل: الذكر من السعالي وقيل: الأمعط. والأشبه لموضعنا القولان الأولان وسبب هذه العلة السوداء والصفراء المحترقة. المعالجات: علاجه علاج المالنخوليا بعينه إذا كان من صفراء أو سوداء محترقة ويجب أن تبالغ في فصده حتى يخرج منه دم كثير ويقارب الغشي ويدبّر بالأغذية المحمودة والحمامات الرطبة ويسقى ماء الجبن ثلاثة أيام ثم بعد ذلك يستفرغ بأيارج أركاغانيس ثم يُحتال في تنويمه ثم يقوى قلبه بعد الاستفراغ بالترياق وما يجري مجراه ومع ذلك يرطب جداً وينطل بالمنومات لئلا يجتمع تسخين تلك الأدوية التي لا بدّ منها مع حركات رياضية بل يحتاج أن يسخن قلبه بما يقويه ويرطّب بدنه وينوّم ليعتدل مزاجه. وتمام علاجه التنويم الكثير وأن يسقى الأفتيمون أحياناً لتهدأ طبيعته ويقطع فكره وإذا لم ينجع فيه الدواء والعلاج أُدِّب وأُوجِعَ وضُرِبَ رأسه ووجهه وكوِيَ يافوخه فإنه يفيق فإن عاد أعيد.

 فصل في العشق

هذا مرض وسواسي شبيه بالمالنخوليا يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي له ثم أعانته على ذلك شهوته أو لم تعن وعلامته غؤر العين ويبسها وعدم الدمع إلا عند البكاء وحركة متّصلة للجفن ضحاكة كأنه ينظر إلى شيء لذيذ أو يسمع خبراً ساراً أو يمزح ويكون نفَسه كثير الانقطاع والاسترداد فيكون كثير الصعداء ويتغيّر حاله إلى فرح وضحك أو إلى غم وبكاء عند سماع الغزل ولا سيما عند ذكر الهجر والنوى وتكون جميع أعضائه ذابلة خلا العين فإنها تكون مع غور مقلتها كبيرة الجفن سُمّيته لسهره وتزفره المنجز إلى رأسه ولا يكون لشمائله نظام ويكون نبضه نبضاً مختلفاً بلا ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصةً وعند لقائه بغتة ويمكن من ذلك أن يستدلّ على المعشوق أنه من هو إذا لم يتعرّف به فإن معرفة معشوقه أحد سبل علاجه. والحيلة في ذلك أن يذكر أسماء كثيرة تعاد مراراً ويكون اليد على نبضه فإذا اختلف بذلك اختلافاً عظيماً وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرّبت ذلك مراراً علمت أنه اسم المعشوق ثم يذكر كذلك السكك والمساكن والحرف والصناعات والنسب والبلدان وتضيف كلاً منها إلى اسم المعشوق ويحفظ النبض حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مراراً جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحلية والحرفة وعرفته فإنا قد جربنا هذا واستخرجنا به ما كان في الوقوف عليه منفعة ثم إن لم تجد علاجاً إلا تدبير الجمع بينهما على وجه يحلّه الدين والشريعة فعلت وقد رأينا من عاودته السلامة والقوة وعاد إلى لحمه وكان قد بلغ الذبول وجاوزه وقاسى الأمراض الصعبة المزمنة والحميات الطويلة بسبب ضعف القوة لشدّة العشق لما أحس بوصل من معشوقه بعد مطل معاودة في أقصر مدة قضينا به العجب واستدللنا على طاعة الطبيعة للأوهام النفسانية. المعالجات: تتأمل هل أدّت حاله إلى احتراق خلط بالعلامات التي تعرفها فتستفرغ ثم تشتغل بترطيبهم وتنويمهم وتغذيبتهم بالمحمودات وتحميهم على شرط الترطيب المعلوم وإيقاعهم في خصومات وإشغال ومنازعات وبالجملة أمور شاغلة فإن ذلك ربما أنساهم ما أدنفهم أو يحتال في تعشيقهم غير المعشوق ممّن تحله الشريعة ثم ينقطع فكرهم عن الثاني قبل أن تستحكم وبعد أن يتناسوا الأول وإن كان العاشق من العقلاء فإن النصيحة والعظة له والاستهزاء به وتعنيفه والتصوير لديه أن ما به إنما هو وسوسة وضرب من الجنون مما ينفع نفعاً فإن الكلام ناجع في مثل هذا الباب وأيضاً تسليط العجائز عليه ليبغضن المعشوق إليه ويذكرن منه أحوالاً قذرة ويحكين له منه أموراً منفراً منها ويحكين له منه الجفا الكثير فإن هذا مما يسكّن كثيراً وإن كان قد يغري آخرين.ومما ينفع في ذلك أن تحاكي هؤلاء العجائز صورة المعشوق بتشبيهات قبيحة ويمثلن أعضاء وجهه بمحاكيات مبغضة ويُدِمنَ ذلك ويُسهبن فيه فإنّ هذا عملهن وهنّ أحذق فيه من الرجال إلا المخنثين فإن المخنثين لهم أيضاً فيه صنعة لا تقصر عن صنعة العجائز. وكذلك يمكنهن أن يجتهدن في أن ينقلن هوى العاشق إلى غير ذلك المعشوق بتدريج ثم يقطعن صنيعهن قبل تمكن الهوى الثاني. ومن الشواغل المذكورة اشتراء الجواري والإكثار من مجامعتهن والاستجداد منهن والطرب معهن. ومن الناس من يسلّيه إمّا الطرب والسماع ومنهم من يزيد ذلك في غرامه ويمكن أن وأما الصعيد وأنوع اللعب والكرامات المتجدّدة من السلاطين وكذلك تنوعّ الغموم العظيمة وكلها مسلّ وربما احتيج أن يدبّر هؤلاء تدبير أصحاب المالنخوليا وَالمانيا والقطرب وأن يستفرغوا بالأيارجات الكبار ويرطّبوا بما ذكر من المرطبات وذلك إذا انتقلوا بشمائلهم وسحنة أبدانهم إلى مضاهاة أولئك وعليك أن تشتغل بترطيب أبدانهم.  المقالة الخامسة أمراض دماغية آفاتها في أفعال الحركة الإرادية قوية

 فصل في الدُّوَار

الدوار هو أن يتخيل لصاحبه أن الأشياء تدور عليه وأن دماغه وبدنه يدور فلا يملك أن يثبت بل يسقط وكثيراً ما يكره الأصوات ويعرض له من تلقاء نفسه مثل ما يعرض لمن دار على نفسه كثيراً بالسرعة فلم يملك أن يثبت قائماً أو قاعداً وأن يفتح بصره وذلك لما يعرض للروح الذي في بطون دماغه وفي أوردته وشرايينه من تلقاء نفسه ما يعرض له عندما يدور دوراناً متصلاً. والفرق بين الصرع والحوار أن الدوار قد يثبت مدة والصرع يكون بغتة ويسقط صاحبه ساكناً ويفيق وأما السَدَر فهو أن يكون الإنسان إذا قام أظلمت عينه وتهيأ للسقوط. والشديد منه يشبه الصرع إلا أنه لا يكون مع تشنّج كما يكون الصرع. وهذا الدوار قد يقع بالإنسان بسبب أنه دار على نفسه فدارت البخارات والأرواح فيه كما يدور الفنجان المشتمل على ماء مدة ويسكن فيبقى ما فيه دائراً مدة وإذا دار الروح تخيل للإنسان أنّ الأشياء تدور لأنه سواء اختلف نسبة أجزاء الروح إلى أجزاء العالم المحيط به من جهة الروح أو اختلف ذلك من جهة العالم إذا كان الإحساس بها وهي دائرة يكون بحسب المقابلة فإذا تحرّك الحاس استبدل المقابلات كما إذا تحرك المحسوس. وقد يكون هذا الدوار من النظر أيضاً إلى الأشياء التي تدور حتى ترسخ تلك الهيئة المحسوسة في النفس ولهذا قيل: إن الأفاعيل الحسية كلها متعلقة بآلات جسدانية منفعلة أولها وأولاها الروح الحساس وتبقى فيه عن كل محسوس مئة بعد مفارقته إذا كان المحسوس قوياً فإن كل محسوس إنما يفعل في الآلة الحاسة هيئة هي مثاله ثم تثبت تلك الهيئة وتبطل بمقدار قبول الآلة وقوة المحسوس وشرح هذا في العلم الطبيعي. وكلما كان البدن أضعف كان هذا الانفعال فيه أشدّ كما في المرضى فإنه قد يبلغ المريض في ذلك مبلغاً بعيداً حتى إنه ليدار به بأدنى حركة منهم لأنهم يحتاجون في الحركة إلى تكلف وقد يكون اِلدوار إما من أسباب بدنية حاضرة في جوهر الدماغ حاصلة فيه من بخارات حائلة في العروق التي فيه وفي العصب. وإما من أخلاط محتقنة فيه من كل جنس فيتبخر بأدنى حركة أو حرارة فإذا تحركت تلك الأبخرة حركت بحركتها الروح النفساني الذي إنما ينضج ويتقوّم في تلك العروق ثم يستقرّ في جوهر الدماغ ثم يتفرّق في العصب إلى البدن. وإما بسبب كثرة بخارات قد احتقنت فيه متصعدة إليه من مواضع أخرى ثم مستقرة فيه باقية عن مرض حاد متقدم أو مرض بارد فتكون رياح فجّة تحركها القوة المنضجة والمحللة. وقد يكون لا لحركة بخارات في الدماغ ولكن لسوء مزاج مختلف بغتة يلزم منه هيجان حركة مضطربة في الروح لا لمحرّك جرماني يخالطه من بخار أو غيره كما يعرض ذلك من الحركة المختلفة الحادثة من الماء والنار إذا اجتمعا وقد يكون من محرّك للروح من خارج مثل ضارب للرأس أو كاسر للقحف حتى يضغط الدماغ والروح الساكن فيتبعه حركات مختلفة دائرة متموّجة كما يحدث في الماء من وقوع ثقل عليه أو وقوع ضرب عنيف على متنه فيستدير موجه ووقوع مثل ذلك في الهواء والجرم الهوائي أولى لكنه لا يحس. وقد يكون من بخارات متصاعدة إلى الدماغ حال تصاعدها وإن لم تكن متولدة في جوهره ولا محتقنة فيه قديماً فإذا تصاعدت حركت ويكون تصاعدها إليه إما في منافذ العصب فيكون من المعدة والمرارة بتوسط المعدة والمثانة والرحم والحجاب إذا أصابها أمراض أو تحرّكت الأخلاط التي فيها. وأكثر ذلك من المعدة وبعده من الرحم القابلة للفضول وإما في الأوردة والشرايين.أما الغائرة وأما الظاهرة. ومادة البخار قد تكون صفراء وقد تكون بلغماً. والدوار البلغمي شبيه بصرع وكثيراً ما تكون المشاركة المسمرة والمديرة لا لأجل مادة تصل بل لأجل تأذّ بكيفية تتصل بالدماغ فتورث السدر والدوار مثل الذي يعرض عند الخوى والجوع لبعض الناس وخصوصاً لمن لا يحتمل الجوع لأن فم المعدة منه يتأذى فيشاركه الدماغ وقد يكون الدوار والسدر على طريق البخران والدوار المتواتر خصوصاً في المشايخ ينذر بسكتة وكذلك الدوار الحادث عقب خمر لازم لعضو وقد يحلّ الدوار صداع عارض وقد يحل الصداع دوار عارض. علامات أصنافه: أما الكائن من دوران الإنسان على نفسه أو من نظره إلى الأشياء الدائرة أو المستضيئة أو المرتفعة فمعلوم بنفسه وكذلك ما كان عن ضربة أو سقطة.وأما الذي يكون لاحتقان بخارات قديمة في الدماغ أو متولّدة في نفس الدماغ فتكون العلة دائمة غير تابعة لمرض في بعض الأعضاء ولا هائجة مع الامتلاء ساكنة مع الخوى ويكون قد تقدمه أوجاع الرأس والدويّ والطنين والثقل في الرأس ويجد ظلمة بصره ثابتة ويجد في الحواس تقصيراً حتى في الذرق والشم ويحس في الشريانات المتقدمة ضرباناً شديداً ويصيب ثقلاً في الشم فإن كان الخلط الذي في الدماغ أو في غيره الذي منه تهيج البخارات بلغماً كان ثقل وجبن وكثرة نوم وعسر حركة وعلامات البلغم المذكورة في القانون. وإن كان صفراء كان سهر والتهاب يحس بلا كثير ثقل وخيالات صفر ذهبية. وإن كان دماً كانت العروق منتفخة والوجه والرأس والعين حمراً حارة وكان ثقل وإعياء ونوم وضربان. وإن كان عن سوداء كان ثقل بقدر وسهر وتخيل شعر وصفائح سود ودخان وفكر فاسد وسائر العلامات المذكورة.وأما إن كان سببه من المعدة كان مع بطلان من الشهوة أو آفة فيها وفساد في الهضم وخفقان وفتور من النفس وتقلب من المعدة وميل من الأذى إلى مقدم الرأس ووسطه ولا يبعد أن يتأدى إلى مؤخّره واختلاف حال الوجع فتارة يسكن وتارة يزيد بحسب الامتلاء والخوى ويكون لحمى قد سلفت.ويجد أيضاً وجعاً في المعدة ونفخاً في الأحايين ويكون طريق مشاركته. العصب ويجد قبله وعند اشتداده في آخره وجعاً خلف اليافوخ عند منبت الزوج السادس وفي نواحي القفا. وإن كان من الرحم تقدمه اختناق الرحم واحتباس المني أو الطمث أو أورام فيه وكذلك إن كان من المثانة وإن كان المبدأ من الأعضاء كلها أو من ينبوع الغذاء وهو الكبد أو ينبوع الروح وهو القلب كان نفوذه في العروق والشرايين النابتين منهما. أما الذي خلف الأذن أو الذي في القفا وعلامة ذلك أن يكون مع ضربان شديد وتوتّر من العروق التي في الرقبة وإن لا يجد وجعاً يعتريه في الرقبة وأعصابها ولا في سائر العصب وإذا رأيت الشرايين الخارجة متمدّدة عند القفا وكان إذا منعت النبض بيدك أو بالرباط الأعجمي أو بالأسرب أو طليت عليه القوابض المذكورة قبل فإن علمت أن المسالك فيها وإلا ففي الآخر ولذلك جرّب في الآخر فإن لم يجد فهي في الغائرة. وأما الذي يكون عن سوء مزاج مختلف فيعرف بخفة الدماغ وعدم الأسباب المذكورة ووقوع برد أو حرّ معافص من خارج أو من المتناولات المبردة والمسخنة دفعة فيتبعه الدوار وصاحب السدر لا ينتفع بالشراب انتفاعه بشرب الماء واعلم أن السدر والدوار إذا طال فالعلة باردة وعلامة البحراني ظاهرة. المعالجات: أما الكائن بسبب في دوران الإنسان على نفسه ونظره إلى الدورات أو نظره من مكان عالٍ فيعالج بالسكون والقرار والنوم إن لم يسكن سريعاً ويتناول القوابض الحارة ويكسر لقماً فيها ويتناولها. وأما الكائن عن دم وأخلاط محتقنة في البدن فيعالج بالفصد من القيفال ثم من العرق الساكن الذي خلف الأذن فإنه أفضل علاج لجميع أصناف الدوار المادي. وربما كُوي كياً وخاصة فيما كان سببه صعود أبخرة من البدن في أي الطريق صعدت وتنفع الحجامة على النقرة وعلى الرأس أيضاً. وإن كان مِع الدم أخلاط مختلفة أو كان سببه الأخلاط دون الدم فليبادر بالاستفراغ بحب الأيارج أو نقيع الصبر إن كانت الأخلاط حارة أو طبيخ الهليلج أو طبيخ الأفتيمون وحب الإصطمحيقون إن كانت مختلفة. وبعد الاستفراغ يستعمل حقنة بماء القنطريون والحنظل ثم يحتجم على الرأس والنقرة ثم يقبل على الغرغرات والعطوسات والشمومات التي فيها مسك جوجِندبادستر وشونيز ومرزنجوش وإذا هاجت النوبة فليستعن بالدلك للأسافل وإن كان السبب في ذلك من المعدة وأخلاط فيها فليستعمل القيء بما طبخ فيه شبث وفجل وجعل فيه عسل وملح وسائر المقيئات المعتدلة ثم يستفرغ بالقوقايا إن كانت القوة قوية أو حب الأيارج ونقيع الصبر إن كانت القوة دون القوية. وإذا علم أن الأخلاط مرة ساذجة فبطبيخ الهليلج مع الشاهترج ويعلم ذلك بالدلائل المذكورة في هذا الباب وفي باب المعدة. وإن كان السبب في عضو آخر عالجت كلاً بما وجب وقويت الرأس في ابتدائه بدهن الورد مع قليل دهن بابونج وبعد الاستحمام بدهن البابونج المفرد. وإذا علم أن المادة في الرأس وحدها احتجم على الرأس والنقرة وفصد العرق الذي خلف الأذن واستعمل الشبيارات والغرغرات والنطولات والشمومات والعطوسات والسعوطات المذكورة وما أشبهها بحسب المواد على ما علمت في القانون. وإن رأى أن السبب سوء مزاج مختلف فيجب أن تعرف سببه وعلامته بما علم وتعالج بالضد ليستوي مزاجاً طبيعياً. وإن كان السبب ضربة أو سقطة عالجتها أولاً بما قيل في بابه فان برأت وبقي الدوار عالجت الدوار بما بين ويجب أن يجتنب صاحب الدوار النظر إلى كل شيء دائر بالعجلة ويجتنب الإشراف من المغارات ومن القلل والآكام والسطوح العالية. وأما السدر والدوار الكائن بسبب خوى المعدة فيسكّنه تناول لقم مغموسة في رب الفواكه القابضة ومياهها وخصوصاً الحصرم.

 فصل في اللِّوى

ويعرض للبدن من جهة تواتر الامتلاء ونحوه في العضل والعروق حاله كالإعياء تتمدد له العروق ويكثر التثاؤب والتمطي لكثرة الريح والبخار ويحمر معه الوجه والعين ويستدعي التَلَوي والتمدد وإذا كثر بالإنسان ذلك دَل على امتلاء فيجب أن يستفرغ الخلط الدموي والصفراوي ويستعمل الماء البارد فإن ذلك ربما سكنه في الحال بما يفشّ الغليان وللوج خاصية في إزالته إذا مضغ واستف وشرب ولعله بما يجلّل الريح المغلية وكذلك الكزبرة بالسكر والحماميون يشقون صاحبه بشد اليد على العرق السباتي حتى يصيب الإنسان كالغشي ولعله بما يزعج من الروح المتصعد إلى الدماغ بحملة عنيفة مستولية على المواد بالتحليل وفيه خطر ويجب أن لا يحبس اليد على العرق بقدر ما لا يطيق الإنسان أن يمسك معه نفسه.  فصل في الكابوس ويسمى الخانق وقد يسمى بالعربية الجاثوم والنيدلان. الكابوس مرض يحسّ فيه الإنسان عند دخوله في النوم خيالاً ثقيلاً يقع عليه ويعصره ويضيق نفسه فينقطع صوته وحركته ويكاد يختنق لانسداد المسام وإذا تقضى عنه انتبه دفعة وهو مقدمة لإحدى العلل الثلاث إما الصرع وإما السكتة وإما المانيا وذلك إذا كان من مواد مزدحمة ولم يكن من أسباب أخرى غير مادية ولكن سببه في الأكثر بخار مواد غليظة دموية أو بلغمية أو سوداوية ترتفع إلى الدماغ دفعة في حال سكون حركة اليقظة المحلّلة للبخار ويتخيل كل خلط بلونه. وعلامة كل خلط ظاهرة بالقوانين المتقدمة. وقد يكون من برد شديد يصيب الرأس دفعة عند النوم فيعصره ويكثفه ويقبضه ويختل منه تلك الخيالات بعينها ولا يكون ذلك إلا لضعف أيضاً من الدماغ لحرارته أو سوء مزاج به. المعالجات: علاجه الفصد والإسهال بما يخرج كل خلط وإن كانت الأخلاط غليظة كثيرة ينتفع بهذا المسهل ونسخته: يؤخذ من الخربق مقدار درهم مع ثلث درهم سقمونيا وربع درهم شحم حنظل ودانقين أنيسون إن كانت القوة قوية وإلا حب اللازورد أو حب الأصطمحيقون الأفتيموني أو الأيارجات الكبار: أيارج قثاء الحمار وأيارج روفس خاصة ثم يقوي الرأس بما تعلمه من القانون الكلي. ومما ينفع منه سقي حب الفاواينا على الاتصال وإن كان السبب فيه برداً يصيب الدماغ فيؤثر فيه هذا الخيال فيجب أن يستعمل الأدهان الحارة المسخنة القابضة والضمادات المحمرة وغير ذلك ويجب أن لا يطول الكلام فيه فقد تقدم منا ما يغني.

 فصل في الصَرَع

الصرع علة تمنع الأعضاء النفسية عن أفعال الحسّ والحركة والانتصاب منعاً غير تام وذلك لسدة تقع وكثره لتشتج كلي يعرض من آفة تصيب البطن المقدم من الدماغ فتحدث سمة غير كاملة فيمنع نفوذ قوة الحس والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذاً تاماً من غير انقطاع بالكلية ويمنع عن التمكّن من القيام ولا يمكن الإنسان أن يبقى معه منتصب القامة لأن كلّ تشنّج كما نبينه فإما عن امتلاء وإما عن يبس وإما عن قبض بسبب مؤذٍ وكذلك الصرع لكنه لا يكون عن اليبوسة لأن الصرع يكون دفعة والتشنج اليابس لا يكون دفعة ولأن الدماغ لا يبلغ الأمر من يبسه أن يتشنّج له أو يعطب البدن قبله فيبقى أن سببه إما بقبض الدماغ لدفع شيء مؤذٍ هو إما بخار وإما كيفية لاذعة أو رطوبة رديئة الجوهر وإما خلط يحدث سدة غير كاملة في بطن الدماغ أو أصول منابت العصب. وقد يكون ذلك من الخلط لحركة موجية تقع في الخلط أو لغليان من حرارة مفرطة فيما يقع من السدة لا تنفذ قوة الحس والحركة نفوذه الطبيعي وبما لا تتم ينفذ منه شيء بمقدار ما فلا يعدم الأعضاء قوة الحسّ وقوة الحركة بالتمام وإما لريح غليظة تحتبس في منافذ الروح على ما يراه الفيلسوف الأكبر أرسطاطاليس ويراه أحد أسباب الصرع وإذا كان هناك خلط ساد فإن الدماغ مع ذلك أيضاً ينقبض لدفع المؤذي مثل ما يعرض للمعدة من الفواق والتهوع ومثل ما يعرض من الاختلاج إذ كان التقبّض والانعصار أصلاً في دفع الأعضاء ما تدفعه وإذا تقبض الدماغ اختلفت حركاته وتبعه تقبض العصب في الوجه وغيره واختلاف حركاته. وأما الإفاقة فإما أن تقع لاندفاع الخلط أو لتحلل الريح أو لاندفاع المؤذي وأما التشنج النازل إلى الأعضاء الذي يصحب الصرع فسببه أن المادة التي تغشي الدماغ أو الأذى الذي يلحقه يلحق العصب أيضاً فتكون حالها حاله وذلك لعلل ثلاث اتباعها لجوهر الدماغ وتأذّيها بما يتأذى به وامتلأوها من الخلط المندفع إليها في مباديها ليزداد عرضُها وينقص طولُها وإنما كان الصرع يجري مجرى التشنّج ليس مجرى الاسترخاء فيفعل انقباضاً من الدماغ ويقصلها ولا يفعل استرخاء وانبساطاً لأن الدماغ يحاول في ذلك دفع شيء عن نفسه. والدفع إنما يتأتى بالانقباض والانعصار وكل تشنج مادي فإنه ينتفع بالحمى والصرع تشنج مادي فهو ينتفع بالحمى والأورام إذا ظهرت به فربما حلّته ونقصت مادته. وكثيراً ما ينتقل المالنخوليا إلى الصرع وكثيراً ما ينتقل الصرع إلى المالنخوليا.وقد ظن بعض الناس أنه قد يكون من الصرع ما ليس عن مادة فإن عنى بهذا أن السبب فيه بخاراً وكيفية تضرّ بالدماغ فيفعل فيه التقلص المذكور فلقوله معنى وإن عنى أن سبب ذلك هو نفس المزاج الساذج إذا كان في الدماغ فيفعل الصرع فذلك ما لا وجه له لأن تلك الكيفية إذا كانت قد تكيف بها الدماغ وجب أن يكون الصرع ملازماً إياها ولا يكون مما يزول في الحال بل سبب الصرع هو مما يكون دفعة ويزول في الحال أو يغلب فيقتل. ومثل ذلك لا يكون كيفية حاصلة في نفس الدماغ بل مادة وكيفية تتأدّى إليه وتنقطع وذلك من عضو آخر لا محالة والذي يعرض في الصرع لاضطراب حركة النفس لاختناقه وذلك الاضطراب لاضطراب التشنج ويعرض في السكتة للاختناق ولاستكراء التنفس فكان الصرع تشنج يخص أولاً الدماغ والتشنّج صرع يخص أولاً عضواً ما وكأن حركة العطاس حركة صَرَع خفيف وكأن الصرع عطاس كبير قوي إلا أن أكثر دافع العطاس إلى جهة المقدّم لقوّة القوّة وضعف المادة ودفع الصرع إلى أي وجه كان أمكن وأسهل. ويجب أن يحصل مما قيل: إن الصرع إذا كان في الدماغ نفسه فالسبب فيه مادة لا محالة تفعل ريحاً محتبسة في مجاري الحس والحركة أو تملأ البطنين المقدّمين بعض الملء وهذه المادة إما دم غالب وكثير وإما بلغم وإما سوداء وإما صفراء وهو قليل جداً وبعده في القلّة الدم الساذج. وأما الدم الذي يضرب مزاج السوداء والبلغم فقد يكثر كونه سبباً لكن السبب الأكثر هو الرطوبة مجردة أو إلى السوداء فإن أغلب ما يعرض الصرع يغلب عن بلغم وقد قال بقراط: إن أكثر الغنم التي تصرع إذا شرح عن أدمغتها وجد فيها رطوبة رديئة منتنة وكل سبب للصرع دماغي فإنه يستند إلى ضعف الهضم فيه فلا يخلو إما أن يكون في جوهر الدماغ ومخّيته وهو أردأ وإما أن يكون في أغشيته وهو أخف. والصرع السوداوي القوي أردأ وإن كان البلغمي أكثر فإن السوداوي أسد لمنافذ الروح والمخصوص عند بعضهم باسم أم الصبيان قاتل جداً وإذا اتصلت نوائب الصرع قَتلَ. وأما الصرع الذي يكون سببه في عضو آخر فذلك إما بأن يرتفع منه إلى الدماغ بخارات ورياح مؤذية بالكمّية حتى يجتمع منها على سبيل التصعيد ثم يتكاثف بعده مادة ذات قوام تفعل بقوامها أو بما يتكون منها من ريح وإما أن يرتفع إليه بخار أو ريح مؤذ لا لكمية بل بالكيفية إما بالإجماد وإمّا بالإحراق وإما بالسمية ورداءة الجوهر وإما أن ترتفع إليه كيفية ساذجة فقط وإمّا أن يرتفع إليه ما يؤذي من الوجهين. وأما العضو الذي يرتفع منه إلى الدماغ بخارات تصرع بكثرتها فهو إما جميع البدن وإما المعدة وإما الطحال وإما المراق. ويقع ذلك أيضاً في سائر الأعضاء. وأما المؤذي ببخار رديء الجوهر والكيفية فهو في جميع البدن أيضاً حتى إصبع الرجل واليد ويكون سبب ذلك احتباس دم أو خلط في منفذ قد عرضت له سدة فتنقطع عنه الحرارة الغريزية فيموت فيه ويعفن ويستحيل إلى كيفية رديئة وينبعث منه على الأدوار أولاً على الأدوار مادة بخارية أو كيفية سمّية أو يكون وقع عليها بعض السموم فأثرت في العصب كما يؤثّر لسع العقرب على العصب فتندفع سميته بوساطة العصب إلى الدماغ فيؤذّيه فينقبض منه ويتشنّج وتضطرب حركاته كما يصيب المعدة عند تناول ما له لذع على الخلاء مثل الفواق وعند كون فم المعدة قوي الحس. والفواق نوع من التشنّج وإذا عرض للدماغ من مثل هذا السبب تشنج وانقباض فإنه حينئذ يتبعه انقباض جميع العصب وتشنجه. وحكى جالينوس عن نفسه أنه كان يصيبه الفواق عند تناوله الفلافلي ثم الشرب للشراب بعلى لتأذّي فم المعدة بالحدّة. وقد شاهدنا قريباً من ذلك لغيره وقد حكى جالينوس وغيره وشاهدنا نحن أيضاً بعده أنّ كثيراً ما كان يحس المصروع بشيء يرتفع من إبهام رجله لريح باردة ويأخذ نحو دماغه فإذا وصل إلى قلبه ودماغه صرع. قال جالينوس: وكان إذا ربط ساقه برباط قوي قبل النوبة امتنع ذلك أو خف. وقد شاهدنا نحن من هذا الباب أموراً عجيبة وقد كُوي بعضهم على إبهامه وبعضهم على إصبع آخر كان البخار من جهته فبرأ. ومن هذا الباب الصرع الذي يعرض بسبب الديدان أو حب القرع وضرب من الصرع مركّب بالغشي يكاد الأطباء يخرجونه من باب الصرع وهو فيه وضرب منه ومن قبيله يسمى اختناق الرحم وهو أن المرأة إذا عرض لها أن احتبس طمثها لا في وقته فاحتقن أو احتبس منيها لترك الجماع استحال ذلك في رحمها إلى كيفية سمّية وكان له حركات وتبخيرات إما بأدوار وإما لا بأدوار فيعرض أن يرتفع بخارها إلى القلب والدماغ فتصرع المرأة وكذلك قد يتفق للرجل أن يجتمع في أوعية المنيّ منه كثير ويتراكم ويبرد ويستحيل إلى كيفية سمية فيصيبه مثل ذلك. كذلك يتفق للمرأة صرع في الحمل فإذا وضعت واستفرغت المادة الرديئة الطمثية زال ذلك.وقد حكى لنا صرع يبتدئ من الفقار وصرع يبتدئ من الكتف وغير ذلك وأما أن يكون من المعدة ومن المراق وبسبب تخم تورث سدداً في العروق فلا تقبل الغذاء المحمود ويفسد فيها الخلط أو يبقى فيها الغذاء المحمود مختنقاً للسدد فيفسد وكثيراً ما يتراجع إلى المعدة فاسداً فيفسد الغذاء الجديد المحمود الكيموس وكثيراً ما يعرض بسبب ذلك القيء للطعام غير منهضم وعلى كل حال كان الصرع بشركة أو بغير شركة فإنّ مبدأ الصرع القريب هو الدماغ أو البطن المقدّم منه والبطون الأُخر معه لأن أول آفة يعتد بها تقع في حسّ البصر والسمع وفي حركات عضل الوجه والجفن وإن كان سائر الحواس والأعضاء المتحركة تشترك في الآفة ولولا المشاركة في الآفة لسائر البطون لما بطل الفهم ولما تضرروا في التنفس. والصرع في أكثر الأمر يتقدمه التشنج ثم يكون من بعده الصرع وذلك لأنه إذا استحكم التشنّج كان الصرع فإذا اندفع السبب المؤذي أو تحلل الريح عادت الأفعال الحسّية والحركيّة وربما ظهر الخلط المندفع معاينة في المنخر وفي الحلق. وكثيراً ما يكون الصرع بلا تشنّج محسوس وذلك لأنّ المادة الفاعلة له تكون والصرع يصيب الصبيان كثيراً بسبب رطوباتهم فربما ظهر بهم أول ما يولدون وقد يكون بعد الترعرع فإن أصيب في تدبيرهم زال وإلا بقي ويجب أن يجتهد أن يزال عنهم ذلك قبل الإنبات. وأبعد الصبيان من ذلك من يعرض له في ناحية رأسه قروح وأورام ويكون سائل المنخرين. وللدماغ رطوبة في أصل الخلقة من حقها أن تنبثق فربما تنبثق في الرحم وربما انبثقت بعد الولادة فإن لم تنبثق لم يكن بد من صرع. وأكثر الصرع الذي يصيب الصبيان فإنه قد يخفّ علاجه ويزول بالبلوغ إذا لم يعنه سوء التدبير وترك العلاج. والصرع قد يصيب الشبان فإنّ كثر بعد خمس وعشرين سنة لعلّة في الدماغ وخاصة في جوهره كان لازماً ولا يفارق ويكون غاية فعل العلاج فيهم تخفيف من عاديته وأبطأ بنوائبه. وقد قال بقراط: إن الصرع يبقى بهم إلى أن يموتوا وأما المشايخ فقلما يصيبهم الصرع السددي وقد يعين الأسباب المحركة للصرع أسباب من خارج مثل التغذي في المطعم والمشرب والتخم ومثل التعرّض الكثير لشمس مما يجذب من المواد إلى الرأس وذلك لما يمنع من انتشار المواد في جهتي البدن فيحركها إلى فوق. والجماع الكثير من أسبابه ومن أسبابه التنغم والسكون وقلة الرياضة ومن أسبابه الرياضة على الامتلاء كما تتحرك لها الأخلاط إلى تحلّل غير تام وتملأ التجاويف ومن أسبابه ما يضعف القلب من خوف أو وقع هدة وصيحة بغتة. ومن أسبابه الصوم لصاحب المعدة الضعيفة وشرب الشراب الصرف أيضاً لما يؤذي المعدة وهذه أسباب بعيدة توجب الأسباب القريبة. ونحن نجعل لهذه الأسباب باباً مفرداً وقيل: إن المصروع إذا لبس مسلاخ عنز كما سلخ وشرع في الماء صرع وكذلك إذا دخن بقرن الماعز والمر والحاشا وكثيراً ما ينحل الصرع بحميات يقاسيها صاحبه وخصوصاً ما طال والربع خاصة لشدة طوله ولإنضاجه المادة السوداوية حتى ينحلّ والنافض القوي فإن النفض يزعج ما تلحج بالدماغ من الفضول والعرق الذي يتبع النافض ينفضه. وكما أن السكتة تنحلّ إلى فالج فكذلك كثير من الصرع ينحل إلى فالج وقد زعم بعضهم أن البلغمي يصحبه ارتعاش واضطراب لأن البلغم لا يبلغ من كثافته أن يسد المجاري سداً تاماً وأما السوداوي فقد يسد سداً تاماً فيعرض منه قلة الاضطراب وزعم بعضهم أن الذي يكثر معه الاضطراب فبالحري أن يكون سببه الخلط الأقل مقداراً والأقل نفاذاً في المجاري فجعل الأمر بالعكس ولا شيء من القولين بمقطوع به. قال روفس: إذا ظهر البرص بنواحي الرأس من المصروع دلّ على انحلال مادة الصرع وعلى البرء وكثيراً ما ينحل الصرع إلى فالج ومالنخوليا. المهيئون للصرع: يعرض الصرع للمرطوبين بأسنانهم كالصبيان والأطفال والمرطوبين بتدبيرهم كأصحاب التخم والذين يسكنون بلاداً جنوبية الريح لأنها تملأ الرأس رطوبة. والصرع للنساء والصبيان وكل من هو قليل الدم ضيق العروق أقلّ. العلامات: يقولون: إن العلامات المشتركة لأكثر أصناف المصروعين ضفرة ألسنتهم وخضرة العروق التي تحتها وكثيراً ما يتقدمه تغيّر من البدن عن مزاجه وثقل في الرأس خصوصاً إذا غضب أو حدث به نفخ في البطن ويتقدّمه ضعف في حركة اللسان وأحلام رديئة ونسيان أو فزع وخوف وجبن وحديث النفس وضيق الصدر وغضب وحدة وليس كل صنف منه يقبل العلاج والمؤذي منه هو الذي يتقدّمه هزّ شديد واضطراب كثير قوي ثم يتبع سكون شديد مديد وازدياد وضرر في التنفس فيدلّ على كثرة مادة وضعف قوة فإذا أردت أن تعلم أن العلة في الرأس أو في الأعضاء الأخرى فتأمل هل يجد دائماً ثقلاً في الرأس ودواراً وظلمة في العين وثقلاً في اللسان والحواس واضطراباً في حركاته وصفرة في الوجه. فإذا وجدت ذلك مع اختلاط في العقل ونسيان دائم أو بلادة أو رعونة ولم يكن يقل وينقص على الخلاء وربما يحدث من لين الطبيعة بالمستفرغات فاحكم أن العلة من الدماغ وحده ثم إن لم تجد في الأعضاء العصبية وفي الطحال والكبد ولا في شيء من الأطراف والمفاصل آفة ولا أحس العليل بشيء يصعد إلى رأسه ودماغه من موضع صح عندك أن الآفة في الدماغ. وعلامة الصرع السهل أن تكون الأعراض أسلم وأن يكون صاحبه يثوب إليه العقل بسرعة فيخجل كما يفيق وأن تسرع إليه إفاقته بالعطوسات والشمومات وبما يحرك القيء مما يدخل في الحلق قاء به أو لم يقئ. وعلامة الصعب منه عسر النفس وطول الاضطراب ثم طول الخمود بعده وقلّة إفاقة بالتشميم والتعطيس ودون هذا ما يطول فيه الاضطراب ولا يطول الخمود أو يطول فيه الخمود ويقل الاضطراب. فعلامة ما كان سببه من ريح غليظة تتولّد فيه أن لا يجد معه وقريباً منه ثقلاً بل يجد دويّاً وتمدداً ولا يكون تشنّجه شديداً. وعلامة ما كان منه سببه البلغم فأن يكون الريق حاراً زبدياً غليظاً كثيراً ويكون في البول شيء كالزجاج الذائب ويكثر فيه الجبن والفزع والكسل والثقل والنسيان. وقد يتعرف من القيء أيضاً ومن لون الزبد وأيضاً من لون الدم. وقد يتعرف من السن والبلد والأسباب الماضية من الأغذية والتدابير وبما يدل عليه السكون والدعة ولون الوجه والعين وسائر ما علمته في القانون فإن كان البلغم مع ذلك فخاً بارداً كان النسيان والبلادة وثقل الرأس والبدن والسبات أكثر ويكون الصرع أشد إرخاء وإضعافاً. وهذا النوع رديء جداً. وأما الكائن عن البلغم المالح فيكون السبات فيه أقل وبرد الدماغ أخف والحركات أسلم. وأما علامة ما كان سببه السوداء فقيء السوداء أما الشبيه بالدم الأسود وأما الجريف المحترق وأما الحامض الذي تغلي منه الأرض ويكون طباع صاحبه مائلاً إلى الاختلاط في ذهنه وإلى حالة المالنخوليا ولا يصفو عقله عند الأفواق. ويستدلّ على السوداء أيضاً من لون الوجه والعين ومن جفاف المنخر واللسان والتدابير المولّدة للسوداء فإن كان السوداء عكر دم طبيعي كان الصرع مع استرخاء وقلّة كلام ومع سكون ويكون صاحبه صاحب أفكار ساكنة هادئة. فإن كان السوداء من جنس الصفراء المحترق وهو الحريف فإن اختلاطه يكون جنونياً ومع كثرة كلام وصياح ويكون صرعه مضطرباً وخفيف الزوال وربما كان مع حمى ولا سيما إذا كان سوداؤه رقيقاً. وإن كان عن دم سوداء دموي كان أحواله مع ضحك وأنت تقدر على أن تتعرف جوهر السوداء من القيء هل هو شبيه بثقل الدم فهو سوداء طبيعي أو شبيه بثقل النبيذ فهو سوداء محترق أو خشن فهو عفص يخشن الحلق ويدل على غاية برده ويبسه أو حامض رقيق مع رغوة فهو يغلي على الأرض أو غليظ لا رغوة له. وأما علامة مما يكون سببه الدم فإنا فقول: أن الدم إن فعل الصرع بالغليان والحركة دون الكمية لم يظهر له كثير فعل في اللون والأوداج ولا حال كالاختناق في أوقات قبل الصرع ولكن يظهر منه ثقل وبلادة واسترخاء وكثرة ريق ومخاط كما يظهر من البلغم ولكن مع حرارة وحمرة في العين وبخار على الرأس دموي فإن فعل بالكمية كان مع العلامات درور في الأوداج وتقدم حال كالاختناق. وعلامة ما كان من الصرع بسبب مادة صفراوية وذلك في الأقل هو أن يكون التأذي والكرب عنه أشد والتشنّج معه أقل ومدته أقصر ولكن الحركات تكون فيه أشد اضطراباً ويدل عليه القيء والالتهاب وشدة اختلاط العقل وصفرة اللون والعين. وأما ما كان سببه من المعدة فعلامته اختلاج في فم المعدة لاسيما عند تأخر الغذاء ورعدة وارتعاش واهتزاز عند الصرع وصياح وخصوصاً في ابتداء الأخذ ويكون معه انطلاق وبراز ودرور بول وإمذاء وإمناء وخفقان وصداع شديد. وخفة الصرع أو زواله باستعمال القيء وأحوال تدل على فساد المعدة وزيادة من الصرع ونقصان بحسب تلطخ المعدة ونقائها وربما يقتل هذا بتواتر الأدوار فمن ذلك أن يفعل الخلط الذي فيها بكثرته وكثرة بخاراته. وهذا هو الخلط البلغمي في الأكثر وربما خالطه غيره فعلاماته أن يعرض الصرع في أوقات الامتلاء والتخمة ويخف عند الخواء وعند قوة استطلاق الطبيعة بالطعام ويكون على ترادف من التخم فإن كان مع ذلك مخالط المادة صفراوية وجد عطشاً ولهيباً ولذعاً واحتراقاً. وإن كان بعد ذلك سوداء كثرت شهوته في أكثر الأحوال وأحس بطعم حامض وتولد منه الفكر والوسواس على أن الدلائل البلغمية تكون أغلب ومن ذلك أن يفعل الخلط الذي فيه براءته لا بكثرته فعلامته أن يعرض الصرع في أوقات الخواء ومصادفة المادة فم المعدة خالياً وانقطاع الصرع مع الغذاء الموافق والمحمود فإن كان الخلط حاداً من جنس الصفراء عرفته بالدلائل التي ذكرناها. وإن كان من المراق فعلامته جشاء حامض نفخ وقراقر موجعة بطيئة السكون والتهاب في المراق وربما هاج معه وجع بين الكتفين بعد تناول الطعام بيسير لا يسكن إلا عند هضمه ثم يعود بعد تناول الطعام. وإذا عرض على الخلاء فإنما يعرض مع صلابة ويبطل تلين الطبيعة وخاصة إن كان يجد تمدداً في المراق إلى فوق ورعدة ويعرض لهؤلاء في الطعام الغير المنهضم لما بيناه من تراجع غذائهم لفساد وانسداج مسالكه فمن ذلك ما يكون بخار المراق الفاعل للصرع صفراوياً يعرف ذلك بالالتهاب الحادث ومن اللون واختلاط العقل المائل إلى الضجر وإلى التعنت ومن ذلك ما يكون بخاره سوداوياً يحدث معه شعبة من المالنخوليا وجبن وحديث نفس وخوف لظلمة المادة ويعرض منه حب الموت أو بغض له وخوف سائر ما قبل في المالنخوليا. وأما ما كان سببه ومبؤه من الكبد أو من جميع البدن فيدل على اللون والشعر يبوسة الجلد وقحله أو رهله وسمنه وهزاله وكثرة تنديه ببخار الدم ويدل على النبض والبول وحال الأغذية المتقدمة والتدبير السالف ويدل عليه على احتباس ما كان يستفرغ من المقعدة والرحم والعرق وغير ذلك فإن كان دموياً إلى الاحتراق رأيت حمرة لون وموجية عرق وضحكاً عند الوقوع وإن كان صفراوياً أو بلغمياً وسوداوياً عرفته بعلاماته المذكورة وأما ما كان سببه الرحم فيكون لا محالة مع احتباس طمث أو مني أو رطوبات تنصب إلى الرحم ويتقدمه وجع في العانة والاربتين ونواحي الظهر وثقل في الرحم. وأما ما كان سببه الطحال فيعرف ذلك بأن العلة سوداوية ويحس الوجع في جانب الطحال ويكون مع نفخة الطحال أو صلابته ومع قراقر في جانبه ومع مشاركة البدن له في أكثر الأمر. وأما ما كان من مادة سمية تطلع من بعض الأعضاء بواسطة العصب فإما أن يكون مبدؤه من خارج وعلامة ذلك ظاهرة مثل لسع عقرب أو رتيلاء أو زنبور إذا وقع شيء من هذا اللسع على العصب وإما أن يكون من داخل فيحس بارتفاع بخار منه إلى الرأس يظلم له البصر فيسقط وذلك العضو وإما الرجل وإما اليد وإما الظهر وإما العانة وإما شيء من الأحشاء كالمعدة أو الرحم. وأما علامة ما يكون من الديدان فسيلان اللعاب وسقوط الديدان وحب القرع. في الأسباب المحركة للصرع: من الأسباب المحركة للصرع الانتقال إلى هواء معين للصرع كما أن من الأسباب المزيلة له الانتقال إلى هواء معين عليه وكل حر مفرط شمسي أو ناري وكل برد والجماع الكثير. والصرع قد يثيره كثرة الأمطار وريحا الشمال والجنوب معاً. أما الشمال والبلاد الشمالية فلحقنه المواد ومنعه التحلل. وأما الجنوب والبلاد الجنوبية فلتحريكه الأخلاط وملئه الدماغ وترقيقه إياها وتثويره لها ويهيج في الشتاء كثيراً كما يهيج في الشمال وفي الخريف لفساد الأخلاط ويقل في البلاد الشمالية لكنه يكون قاتلاً لأنه لولا سبب قوي لم يعرض. والروائح الطيبة وغير الطيبة ربما حركته والحركة ومطالعة الحركات السريعة والدائرة والاطلاع من الاشراف وطول اللبث في الحمام والحمام قبل الهضم وصب الماء الحار على الرأس وتناول ما يولد دماً بخارياً عكراً أو مظلماً مثل الشراب العكر. والعتيق أيضاً يضره والذي لم يصفّ من الحديث ولم يتروق والصرف الناكي في الدماغ والكرفس خاصة بخاصية فيه والعدس لتوليده دماً سوداوياً اللهم إلا أنه يخلط بكشك الشعير والباقلا أيضاً والثوم لملئه الرأس بخاراً والبصل كذلك ولأن جوهره يستحيل رطوبة رديئة واللبن أيضاً والحلاوى وكثرة الدسم في الطعام كل غليظ ونفّاخ وقباض وبارد وكل حادّ حريف والهيضة أيضاً مما يحرّك الصرع لتثويرها الأخلاط وتحريكه إياها والتخمة وسوء الهضم والسهر والآلام النفسانية القوية من الغمّ والغضب والخوف والانفعالات الحسية القوية من سماع أصوات عظيمة مثل الرعد وضرب الطبول وزئير الأسد والأصوات الصلاّلة مثل صوت الجلاجل والصرّارة مثل صريف الناب الحاد وكذلك من إبصار أنوار باهرة مثل البرق الخاطف للبصر ونور عين الشمس ومن ملامسة حركات قوية كحركات الرياح العاصفة. وقد يهيج الصرع من الرياضة على الامتلاء أريد بها التحليل أو لم يرد. في الأدوية الصارعة: وقد ذكرنا الأدوية التي تصرع وتكشف عن المصروع في جداول أمراض الرأس بعلامة مثل التبخير بالقنّة والمر وقرون الماعز وأكل كبد التيس وشمّ رائحته وكذلك إذا جعل المرّ في أنفه. المعالجات: أما صرع الصبيان فيجب أن يعالج بأن يصلح غذاء المرضعة ويجعل مائلاً إلى حرارة لطيفة مع جودة كيموس وتجتنب المرضعة كل ما يولِّد لبناً مائياً أو فاسداً أو غليظاً وتمنع الجماع والحبل ويجب أن يجنب هذا الصبي كل شيء فيه مغافصة ذعر أو إزعاج مثل الأصوات العظيمة والجشّ كصوت الطبل والبوق والرعد والجلاجل وصياح الصائحين وأن يجنب السهر والغضب والخوف والبرد الشديد والحرّ الشديد وسوء الهضم وأن يكلّف الرياضة قبل الطعام برفق ويحرم عليه الحركة بعد الطعام فإن احتمل استفراغاً بالأدوية المستفرغة للبلغم رقيقاً فعل ذلك. وينفعهم أن يقيئوا أحياناً بماء العسل وأن يسقوا الجلنجبين السكري والعسلي ويشمموا السذاب وسائر الملطّفات فإن التشميم بالشمومات التي نذكرها ربما كفى الخطاب فيهم ثم يعم المصروعينكلهم أن يستعملوا الأغذية المحمودة التي لها ترطيب محمود غير مفرط وليحترزوا من الامتلاء وليحذروا سوء الهضم وذلك بأن يكفوا ولا يبلغوا تمام الشبع ومن لم تجر عادته بالوجبة قسّم غذاءه الذي هو دون شبعه ثلاثة أقسام فيتناول ثلثة غداء وثلثيه عشاء بعد رياضة لطيفة ولا يستكثروا من الخمر فإنها شديدة الملء للدماغ ثم إن لم يكن بدّ من أن يستعملوا من الشراب شيئاً فقليل عتيق مروّق إلى العفوصة. وأضرّ الأشياء بهم الشرب عقيب الاستحمام وأيضاً البرد المغافص بل يجب أن يوقوا الرأس ملاقاة كل حرّ مفرط أو برد مفرط ولا يبطئوا في الحمّام وعلى المصروع أن يجتنب اللحوم الغليظة كلها والقوية الغذاء والسمك كله بل لحوم جميع ذوات الأربع الكبار ويقتصر على الفراريج والدراريج والطياهيج والعصافير الأهلية والجبلية والقنابر والشفانين والجداء والغزلان والأرانب. وقد قيل أن لحم الخنزير البري شديد النفع له وقد يمدح لهم لحوم الماعز لما فيها من التجفيف وقلة الترطيب كما تكره لهم الحلاوات والدسومات ونحوها ويجتنب البقول كلها وخصوصاً الكرفس فإن له خاصية في تحريك الصرع فإن كان ولا بدّ فليستعمل الشاهترج والهندبا وقد رخص لهم في الخس وأنا لا أحمده لهم كثير حمد وكذلك رخص لهم في الكزبرة لمنعها البخار من الرأس وأنا أكرهها واستكثارها لهم إلا في الدموي والصفراوي. وأما السلق المسلوق في الماء ثم المصلح بالزيت والمري وما يجري مجراه فإن قدم تناوله على الغذاء لتليين الطبيعة جاز والسذاب من جملة البقول نافع برائحته شممّاً وإذا وقع الشبث والسذاب في طعامهم كان نافعاً. ويجب أن يجتنبوا الفواكه الرطبة كلها وجميع الفواكه الغليظة إلا بعض القوابض على الطعام بقدر خفيف يسير جداً ليشدّ فم المعدة ويحدر الغذاء ويلين الطبيعة ويمنع البخار. ويجب أن يجتنب جميع الأغذية الثقيلة الجارية مجرى اللفت والفجل والكرنب والجزر. ويجب أيضاً أن يجتنبوا كل حريف مبخر. والخردل من جملة ما يؤذيهم بتبخيره وإرساله الفضول إليه وتوجيهه إياها نحوه وبقرعه الدماغ لحرافته ويجتنبوا السكر ومهاب الرياح والامتلاء ويجتنبوا الاغتسال بالماء أصلاً. أما الحار فلما فيه من الإرخاء وأما البارد فبما يخدّر فيضرّ بالروح الحاس فإن عرض للمصروع امتلاء من طعام قذفه ولطف التدبير بعده. ويجب أن يجتنب الأغذية الميبّسة المنقلة والمخدرة والمبخّرة. وأما الشراب فإن الامتلاء منه ضار جداً وأما القليل فإنه ينشط النفس ويقوي الروح ويذكّيها ويغني عن الاستكثار من الماء فالاستكثار منه أضر شيء والقيلولة الكبيرة وبالجملة النوم الكثير ضار وخصوصاً على امتلاء كثير. والإفراط من السهر أيضاً يضعف الروح ويحله ومع ذلك فيملأ الدماغ أبخرة. وأول تدبير الصراع اجتناب الأسباب المحركة للصرع التي ذكرناها. والسكون والهدوء أولى به. فإن احتيج إلى رياضة بعد الاستفراغ وتنقية البدن اللذين نذكرهما فيجب أن يستعمل لا على الملء رياضة لا تبلغ الإعياء ثم يراح بعدها ويجتهد في أن يكون رأسه منتصباً ولا يدلينه ما أمكن ولا يحرّكنه كثيراً فيجذب إليه المواد. ويجب أن يحرك الأسافل في تحريكه الأعالي ومما يجذب المادة إلى أسفل دلك البدن متحرجاً من فوق إلى أسفل يبتدئ من الصدر وما يليه فيدلكه بخرق خشنة حتى يحمر ثم ينزل بالتدريج إلى الساق ويكون كل ثان أشدّ من الأول ويكون الرأس في الحالات منتصباً وبعد ذلك يكلّفه المشي ويجب أن يريحه في موضع الرياضة ليعود إليه نفسه ويهدأ اضطرابه وإنما يفارق موضعَه بعد ذلك فإذا جذب المواد كلها إلى أسفل جاز له حينئذ أن يدلك الرأس ويمشطه ليسخنه بذلك ويغير مزاجه. ومما ينفعه المحاجم على الرأس والكي عليه تسخيناً للدماغ وبعد التنقية والإسهال والإراحة أياماً لا بأس أن يدخلوا الحمّام وأن يضع المحاجم على ما تحت الشراسيف منهم وتسخن رؤوسهم بما علمت وقد يلقم في وقت النوبة كرة تقع بين أسنانه وخصوصاً من الشعر لينة ليبقى فمه مفتوحاً. ويجب أن يبدءوا بالاستفراغ للمادة بحبسها ثم يقصد تنقية الرأس بالغراغر الجاذبة وإن كان يعتريه ذلك بأدوار أو يكثر مع كثرة الأخلاط فيستفرغ مع الربيع للاستظهار وليخرج الخلط الذي يغلب عليه على ما سنذكره وإن كان لا مانع له من الفصد افتصد فإن افتصاده في الربيع - وخصوصاً من الرجلين - مما ينفعه إذا لم يبلغ به تبريد دماغه وعلى ما سنذكره. وإذا حان وقت النوبة وتمكنت من تقيئته بريشة مدهونة بدهن السوسن يدخلها فمه وخصوصاً إن كان للمعدة في ذلك مدخل ليقذفوا رطوبة انتفعوا بها في الحال. وإن كان استعمال القيء الكثير ضاراً بالصرع الدماغي ومن الوجورات في حال الصرع وغيره حلتيت وجندبيدستر في سكنجبين عسلي ومن النفوخات للصرع شحم الحنظل وقثاء الحمار وعصارته والنوشادر والشونير ونحوه والكندس والخربق الأبيض والفلفل والزنجبيل والمرّ والفربيون والجندبيدستر والاسطوخودس تفاريق ومركّبة والحلتيت والزفت والقطران ومن البخورات الفاواينا ومن المشمومات السذاب في الصرع وفي وقت الراحة. ومما اختاره حنين ثافسيا يعجن بدقيق شعير وخل خمر ويتخذ منه نفّاخات ويدام شمّها. ومن الأشربة السكنجبين العنصلي خاصة يسقاه كل يوم وكذلك شراب الأفسنتين وطبيخ الزوفا بالصعتر أو السكنجبين الذي يتّخذ منهما والسكنجبين العنصلي أيضاً يسقى بماء حار في الشتاء وفي الصيف بماء بارد. ومن المروخات الجيّدة لهم مما قد قيل منح ساق الجمل بدهن الورد على الأصداغ والشؤون والفقار والصدر. وأما تعليق الفاواينا فقد جرب الأوائل منعه للصرع ويشبه أن يكون ذلك بالرومي الرطب أخصّ. ومن الأدوية التي يجب أن تسقى أبداً الغاريقون وأصل الزراوند المدحرج والسيساليوس وسفرديون والفاواينا يسقون منه في كل وقت بالماء. وقد استوفق أن يشرب كل يوم نبقة من التيادريطوس مرتين غدواً وعند النوم فإنه مما برأ به عالم واستجب له بعضهم أن يسقوا من زبد البحر كل يوم مرتين ومن الجعدة لخاصية في الجعدة والحساء أيضاً ومما ينفعهم دواء الإشقيل بهذه الصفة ونسخته: يؤخذ الإشقيل ويجعل في برنية قد كان فيها خلّ ويشدّ رأسها بصمام قوي ثم يعلى بجلد ثخين ويترك فيه أربعين يوماً أولها قيل طلوع الشعرى بعشرين يوماً وينصب البرنية في الشمس معترضة للجنوب ولتقلب كل حين قليل ليكون ما يصل إلى أجزائه من الحر متشابه الوصول ثم تفتح البرنية فتجد الأشقيل كالمطبوخ المتهرّي فتعصره وتأخذ عصارته وتخلطة بعسل وتسقى منه كل يوم قدر ملعقة وإن أعجل الوقت طبخ الاشقيل في ماء وخلّ واتخذ منه سكنجبين عسلي. ومن الأدوية الجيدة لهم أن يؤخذ من السيسالوس ثلاثة مثاقيل ومن حبّ الغار ثلاثة مثاقيل ومن الزروند المدحرج مثقالان ومن أصل الفاواينا مثقالان ومن الجندبيدستر وأقراص الاشقيل من كل واحد مثقال يعجن بعسل منزوع الرغوة ويستعمل كل يوم مع السكنجبين. ومما ينفعهم الانتقال فإن الانتقال إلى البلدان حتى يصادف هواء ملائماً ملطفاً مجففاً كالانتقال في الأسنان من الصبا إلى الشباب في المنفعة من المصروعين وإذا عرض للمصروعين التواء عضو وتشنّجه سوي بالدلك بالدهن والماء الفاتر والغز القوي. وإذا كان الصرع دماغياً فالأولى به الاستفراغ بالخربق وما يجري مجراه وشحم الحنظل وسقمونيا وأيارج وطبيخ الغاريقون إسهالاً بعد إسهال في السنة وإذا وجب الفصد من أي خلط كان فيجب أن لا يقصر بل يفصد ولو من القيفالين معاً ويتّسع بفصد العروق التي تحت اللسان. وقد يحجم على القفا لجنب المادة في الأسبوع عن الدماغ إن لم يكن هناك من مزاج الدماغ وضعفه ما يمنعه وربما احتجت أن تكثر الفصد فإذا فعلت ذلك فالواجب أن تريح أسبوعاً ثم تسهل بمشروبات وبحقن قوية من قنطريون وشحم الحنظل والخروع وغير ذلك ثم تريح ثم يحجم عند الكاهل والرأس ونقرة القفا وعلى الساق ثم تريح ثم تسهل ولا تزال تستمر على إراحات وتعاود إلى أن يتنقى. ويستعمل بعد ذلك الغراغر والعطوسات وما ينقي الرأس وحده مما علمته وإذا سعطوا بالشليثا ثم بالشابانك وبماء المرزنجوش كان نافعاً. ويجب أن تتلقى التوبة بنقاء المعدة وإن أمكن له أن يتقيأ قبل الطعام وخصوصاً عن مثل السمك المليح وغيره كان موافقاً. وبعد ذلك فيدل على مزاج الدماغ بالمقويات المسخنة من الأضمدة بالخردل وما يجري مجراه مما عرفته وأشممه السذاب ويجب أن لا تحمل عليه بالمسخّنات ومبدلات المزاج دفعة بل بتدريج في ذلك فإن عرض من ذلك ضرر في أفعاله فأرح وما كان منه سببه البلغم فأفضل ما يستفرغون به أيارج شحم الحنظل وأيارج هرمس وإن استعملوا من أيارج هرمس كل يوم وزن نصف درهم بكرة ونصف درهم عشية عظم لهم فيه النفع وإن كان مع البلغم امتلاء كلّي فالفصد على ما وصفناه نافع لهم وكذلك الاستفراغ بالتربد والغاريقون والاسطوخودوس وأيارج روفس خاصة. وأما السوداوي فيسهل بمثل طبيخ الأفتيمون والخربق وحجر اللازورد والحجر الأرمني والاسطوخودوس والبسفايج والهليلج. ومن المروخات مخّ ساق الجمل بدهن الورد على الفقار والأصداغ والصدر. والصرع الصفراوي فيجب أن يعتنى فيه بالتبريد والترطيب وخصوصاً بالحقن. وإن كان محترقاً فهو في حكم السوداوي أو بين الصفراوي والسوداوي. والمسمّى بأم الصبيان عسى أن يكون من قبيل الصفراوي عند بعضهم ولذلك نأمر في علاجه بالأبزن والسعوطات الباردة الرطبة وحلب اللبن على الرأس واستعمال الترطيب القوي للبدن. وإن كان صبياً فإننا نأمر أن تسقى مرضعته ما يبرّد لبنها ونأمر أن تسكن موضعاً بارداً سردابياً ويشبه أن يكون هذا عنده صرع صباري أو مانيا وليس استعمال هذا الاسم مشهوراً عند محقّقي الأطباء وإذا عرض لبعض أعضاء المصروع التواء وتشنّج فإنه ينفعه الدلك بالدهن والماء الفاتر وأن يحمل عليها بالغمز. وأما إذا كان الصرع معدياً فأرفق ما يستفرغون به شحم الحنظل والأسطوخودوس ويستعمل ذلك في السنة مراراً ويجب بعد التنقية للمعدة أن يتعهدها بالتقوية ولا يورد عليها إلا أغذية سريعة الهضم جيدة الكيموس ونوردها على ما نصف في موضعه ويجتهد في تحصيل جودة الهضم ويجب أن يتركوا المعدة خالية زماناً طويلاً وما كان يهيج من ذلك على الجوع فلتيدارك وأما الذي يكون مع تصعد شيء من عضو فيجب أن يبطّ فوق العضو عند النوبة فربما منع النوبة ويستفرغ الخلط الذي في العضو إما بالاستفراغات المعروفة - إن كان قد يصل إليه قوة الاستفراغ - أو بالتقريح والتصديد في وقت السكون بالأدوية التي تقرح وتسيل القيح وبإحراق المادة بمثل طلاء ثافسيا وفربيون وغير ذلك. وهذه الأدوية تعرفها من ألواح الكتاب الثاني ورجا وجب أن يستعمل فيها درجة استعمال الذراريح والكيبكج وخرء البازي والبلاذر وغير ذلك. وإن احتجت إلى شرط البدن فاشرطه. وأما الذي يصعد عن البدن كله فقال بعضهم: لولا الخطر في فصد شرياني السبات وإن كان يمكن حبس الدم ولكن بما يحدث من تبريد الدماغ وانقطاع الروح ويتبعه من السكتة لكان فيه برء تام لمن به صرع بمشاركة البدن كله وربما يتصعّد إلى الدماغ منه. ونقول: إن كان ليس يمكن هذا فما كان من الشرايين الصاعدة ليس في قطعه هذا الخطر فلا يبعد أن يعظم ببتره النفع فاعلم جميع ما قلنا.

 فصل في السكتة

السكتة تعطّل الأعضاء عن الحس والحركة لانسداد واقع في بطون الدماغ وفي مجاري الروح الحساس والمتحرك فإن تعطّلت معه آلات الحركة والتنفس أو ضعفت فلم تسهل النفس كان هناك زبد وكان ذا فترات كالاختناق أو كالغطيط فهو أصعب يدل على عجز القوة المحرّكة لأعضاء النفس. وأصعبه أن لا يظهر النفس ولا الزبد ولا الغطيط وإن لم تعظم الآفة في التنفس ونفذ في حلقه ما يوجر ولم يخرج من الأنف فهو وإن كان أرجى من الآخر فليس يخلو من خطر عظيم. وقد قال بقراط: إن السكتة إذا كانت قوية لم يبرأ صاحبها وإن كانت ضعيفة لم يسهل برؤه وهذا الانسداد يكون إما لانطباق وإما لامتلاء. والانطباق هو أن يصل إلى الدماغ ما يؤلمه أو يؤذيه فيتحرّك حركة الانقباض عنه أو تكون الكيفية الواصلة إليه قابضة مكثفة لطباعها كالبرد الشديد. وأما الامتلاء فأما أن يكون امتلاء مورماً أو يكون غير مورم. والامتلاء المورم هو أن يحصل هناك مادة فتسدّ من جهة الامتلاء وتسدّ من جهة التمديد وهذا من أنواع السكتة الصعبة وسواء كانت المادة حارة أو كانت باردة. والذي يكون بغير ورم - وهو الذي يكون في الأكثر - فإما أن يكون في نفس الدماغ وبقربه في مجاري الروح من الدماغ وإما أن يكون في مجاري الروح إلى الدماغ. والذي يكون في مجاري الروح من الدماغ وفي الدماغ فإما خلط دموي ينصبّ إلى بطون الدماغ دفعة وإما خلط بلغمي - وهو الغالب الأكثري - وأما الذي يكون في مجاري الروح إلى الدماغ فذلك عندما يسدّ الشريانات والعروق من شدة الامتلاء وكثرة الدم فلا يكون للروح منفذ فلا يلبث أن يختنق ويعرض من ذلك ما يعرض عند الشدّ على العرقين السباتيين من سقوط الحس والحركة فإن مثل ذلك إذا وقع من سبب بدني فعل ذلك الفعل. فهذه أنواع السكتة وأسبابها وربما قالوا سكتة وعنوا بها الفالج العام للشقّين جميعاً وإن كانت أعضاء البدن سليمة وربما قالوا الاسترخاء شق سكتة ذلك الشق قد جاء ذلك في كلام بقراط وقد يعرض أن يسكت الإنسان فلا يفرّق بينه وبين الميت ولا يظهر منه تنفس ولا شيء ثم أنه يعيش ويسلم وقد رأينا منهم خلقاً كثيراً كانت هذه حالهم وأولئك فإن النفس لا يظهر فيهم والنبض يسقط تمام السقوط منهم ويشبه أن يكون الحار الغريزي فيهم ليس بشديد الافتقار إلى الترويح ويفضي البخار الدخاني عنه إلى نفس كثير لما عرض له من البرد ولذلك استحبّ أن يؤخر دفن المشكل من الموتى إلى أن تستبين حاله ولا أقل من اثنتين وسبعين ساعة. والسكتة تنحل في أكثر الأمر إلى فالج وذلك لأن الطبيعة إذا عجزت عن دفع المادة من الشقين جميعاً دفعتها إلى أقبل الشقين الموصب وأضعفهما ونفذتها في خلل المجاري مبعدة إياها عن الدماغ وبطونه. وقد يدل على أن السدة في السكتة مشتملة على البطون إنها لو كانت في البطن المؤخّر وحده لما كان يجب أن يتعطل الحسّ في مقدّم الرأس والوجه وقد قال بقراط: من عرض له - وهو صحيح - وجع بغتة في رأسه ثم أسكت فإنه يهلك قبل السابع إلا أن يعرض به حمى فيرجى أي الحمى يرجى معها أن تنحلّ الفضلة. واعلم أن أكثر ما تعرض السكتة تعرض لذوي الأسنان والأبدان والتدابير الرطبة وخصوصاً إذا كان هناك مع الرطوبة برد فإن عرض لحار المزاج ويابسه فالأمر صعب فإن المرض المضاد للمزاج لن يعرض إلا لعظم السبب. وقد يكون المزاج بعيداً منه غير محتمل له وقلما تعرض سكتة عن حرارة وإذا انبسطت مادة الفالج في الجانبين أحدثت سكتة كما إذا انقبضت مادة السكتة إلى جانب أحدثت فالجاً. وكثر سبب السكتة في البطنين المؤخرين وإذا كان مع السكتة حمّى فهناك ورم في الأكثر والذي يحوجون إلى فصد كثير لسوداوية مائهم فينتفعون بكثرة الفصد يخسرون في العقبى فيقعون في السكتة ونحوها. الاستعداد للسكتة الدائرة: تناول الأدوية الحادة معجل لاستعجال الأخلاط المتوانية وقد ذكرنا إنذار الدوائر بالسكتة فلتقرأ من هناك. العلامات: الفرق بين السكتة والسبات أنّ المسكوت يغطّ وتدخل نفسه آفة والمسبوت ليس كذلك والمسبوت يتدرّج من النوم الثقيل إلى السبات والمسبوت يعرض ذلك له دفعةً. والسكتة يتقدمها في أكثر الأوقات صُداع وانتفاخ الأوداج ودُوار وسَدر وظلمةُ البَصر واختلاج في البدن كله وتريف الأسنان في النوم وكسل وثقل وكثيراً ما يكون بوله زنجارياً وأسود وفيه رسوب نشاري ونخالي. أما ما كان عن أذى وضربة وسقطة ومشاركة عضو فتعرفه من الأصول التي تكرّرت عليك. وأما ما كان من ورم فلا يخلوَ من حمى ما. ومن تقدم العلامات التي ذكرناها للأورام وما كان من الدم. فيدل عليه علامات الدم المذكورة مراراً كثيرة ويكون الوجه محمراً والعينان محمرّتين جداً وتكون الأوداج وعروق الرقبة متمدّدة ويكون العهد بالفصد بعيداً وتناول ما يولد السوداء سابقاً وأما ما كان من بلغم فيدل عليه السحنة ولون العين وبلّة الخياشيم وغير ذلك مما قيل إذا حدث بالتشنّج دوار لازم أو متكرّر فذلك ينذر بسكتة. المعالجات: أما العلاج الكائن من أذى من خارج فهو تدبير ذلك السبب البادي والذي من مشاركة فهو تدبير العضو الذي يشاركه بما مر لك في القانون ومرّ لك في أبواب أخرى. والذي يكون من الدم فتدبَيره الفصد في الوقت وإرسال دم كثير يفيق في الحال وبعد الفصد فيحقن بما عرفت من الحقن لينزل المادة عن الرأس ويلطف تدبيره ويقتصر به على الجلاّب وماء الشعير الرقيق وماء الجبن ويشمم ما يقوي الدماغ ولا يسخن مما قد عرفت. وأما الكائن من البلغم فإن وجد معه علامات الدم فصد أيضاً ثم حُقن بحقن قوية وحمل شيافات قوية يقع فيها الصموغ ومرارة البقر ثم جرع بما يسهل أن تقذفه ومن الحبوب المعتمدة في سقيهم حب الفربيون وأكب بعد ذلك على رأسه وأعضائه بالكمادات المسخنة وبالنطولات المتخذة من مياه طُبخ فيها الحشائش المسخّنة مثل الشبث والشيح والمرزنجوش وورق الأترج والمفوتنج والحاشا والزوفا وأكليل الملك والصعتر والقيسوم وبأدهان فيها قوة هذه الحشائش ودهن السذاب قد فتق فيه عاقر قرحا وجندبيدستر وجاوشير وقنة وادهن بدنه كله بزيت فيه كبريت وإن كانت الكمّادات من القرنفل والهال والبسباسة وجوزبَوا والوجّ كان صواباً وتدلك رجله بالدهن الحار المسخن والماء الحار والملح وتمرّخ الخرز بالميعة والزئبق ويجعل على أصل النخاع الخردل والسكبينج والجندبيدستر والفربيون. ومن الأدهان الجيدة لهم دهن قثاء الحمار ودهن السذاب ودهن الاشقيل المتخذ بالزيت العتيق إما إنقاعاً للرطب فيه أربعين يوماً أو طبخاً إياه فيه بأن يؤخذ من الزيت العتيق قسط ومن الاشقيل أوقيتان يطبخ فيه حتى ينهرس وكذلك دهن العاقر قرحا على الوجهين المذكورين. وأي دهن استعمل عليهم فأصلح ذلك بأن يخثر بالشمع حتى يقف ولا يزلق وينبغي أن يبتدأ بالأضعف من المروخات فإنّ أنجح وإلاّ زيد وانتقل الأقوى ولا بأس بعد استفراغه بالحقن وغيره من أن يقرب إلى أنفه وخصوصاً الكندس والسعوطات القوية وبالأدهان القويّة وأن تحمي الحديد وتحاذيه رؤوسهم وأن يضمّد رأسه بالضمادات المحللة التي عرفتها. وأما إن أمكن تقيئته بريشة تدخل في حلقه ملطخة بدهن السوسن أو الزيت وخصوصاً إذا حدس أن في معدته امتلاء ويقون قد تقدمه تخمة انتفع به نفعاً شديداً. وفي القيء فائدة أخرى فإن التهوّع وتكلف القيء يسخّن مزاج رؤوس من سكتته باردة رطبة ويجب أن تسهل رياحهم بما يخرجها فيجدون به خفاً. وقد يبادر إلى إلقامهم ما تقدم ذكره قبل لئلا تفسد أسنانهم بعضها ببعض ويجب إذا بقوا يسيراً أن يسقوا دهن الخروع المطبوخ بماء السذاب كلّ يوم درهمين مع ماء الأصول ويدرج حتى يسقى كل يوم خمسة دراهم وإن أمكن بعد الاستفراغ أن يوجروا قدر بندقة من الترياق والمثروديطوس ومن الشليثا والأنقرديا والشجرنيا وما أشبه ذلك ومن البسيط: جندبيدستر مثقال بماء العسل والسكنجبين العسلي فعل. وأيضاً إذا شرب منه باقلاة وشرابهم ماء العسل الساذج أو بالأفاويه بحسب الحاجة وإذا رأيت خفّاً غرغرت وعطست ووضعت المحاجم على القفا والنقرة بشرط أو بغير شرط على حسب المادة ورجحتهم في أرجوحة ثم تحمّمهم بعد ثلاثة أسابيع وتمرخهم يوم الحمّام بأدهان مسخّنة. ومن الغراغر النافعة لهم بعد تنقية الكلية طبيخ الحاشاء والفوتنج والسعتر والزوفا ونحو ذلك في الخلّ يخلط به عسل وأيضاً ماء سلق طبخ فيه العاقر قرحا الميويزج والحاشا والسمّاق. وأقوى من ذلك أن يؤخذ الفلافل والدارفلفل الزنجبيل والميويزج والبورق والورد والسمّاق فيُدقّ ويُعجن بميبختج ويتخذ منه شيافات ثم تستعمل مضوغاً أو غرغرة في طبيخ الزوفا بالمصطكي. ومما يقرب منه إذا فعل ذلك الفلفل والدارفلفل والخردل والفوتنج ومن المضوغات الفوتنج والميويزج والفلفل والمرزنجوش والخردل إفراداً ومجموعة ويخلط بها مثل الورد والسمّاق لا بدّ منه. والوجّ مما ينفع في هذا الباب ويقوي تأثيره وينفعهم التدهين بالأدهان الحارة المقويّة للروح الذي في الأعصاب ولجوهر الأعصاب المحلّلة للفضول في التي لا عنف فيها مثل دهن السوسن وبعده دهن المرزنجوش ودهن البابونج والشبث ودهن الأذخر وخصوصاً على الرأس فإنه الذي يجب أن يعتمد عليه في أمر الرأس خصوصاً وقد أخذ قوّة من الزوفا والسعتر والفوتنج والحاشا ونحو ذلك. وتغذية أصحاب السكتة ألطف من تغذية أصحاب والأصوب أن يقتصر بهم في الغدوات على الخبز وحده. والخبز بالتين اليابس جيد لهم الشرب على الطعام من أضرّ الأشياء لهم وإذا أرادوا أن يتعشوا فلا بأس أن يقوموا قبله رياضة خفيفة وحرّكوا الأعضاء المسترخية تحريكاً. وإذا تناولوه لم يناموا عليه بسرعة بل يصبرون ريث ما ينزل وينهضم انهضاماً ولا يسهرون أيضاً كثيراً فإن ذلك يُعي الدماغ ويُحلّل من الأغذية بخارات غير منهضمة لمنعه الهضم. وقوم يستحبون لهم الشعير بالعدس والزبيب واللوز والتين من الأنقال الموافقة لهم. والشراب الحديث لا يوافقهم لما فيه من الفضول والعتيق لما فيه من سرعة النفوذ إلى الدماغ وملئه بل أوفق الشراب لهم ما بين بين وإذا حُمَّ المسكوت فتوقف في أمره حتى ينكشف فربما كان بُحراناً. والمهلة إلى اثنين وسبعين ساعة فإن كان ليس كذلك بل الحمّى لورم وعفونة فهو مهلك. واعلم أن السكتة والفالج تضيق المجاري إليهما فلا تكاد الأدوية المستفرغة تستفرغ من المادة الفاعلة لها خاصة فاعلم جميع ذلك.

 الفن الثاني أمراض العصب

يشتمل على مقالة واحدة:

 فصل في أمراض العصب

أمّا نفس العصب فقد عرفت منشأة وتوزّعه وشكله وطبعه وتشريحه. وأما أمراضه فاعلم أنه قد تعرض له أصناف الأمراض الثلاثة أعني المزاجية والآلية وانحلال الفرد المشترك وتظهر الآفة في أفعاله الطبيعية والحاسّة والمحرّكة. والحركات العنيفة في إحداث علل العصب مدخل عظيم فوق ما في غيرها فإنها آلات الحركات. والحركات العنيفة هي مثل التمديد بالحبل ورفع الشيء الثقيل وكل ما فيه تمديد قوي أو عصر وتقبيض ومأخذ الاستدلال في أحواله من أفعال الحسّ والحركة ومن الملمس في اللين والصلابة ومن مشاركة الدماغ والفقار إياه ومن الأوجاع والمواد التي تختصّ بالعصب وأكثر العلامات التي يتوصل منها إلى معرفة أحوال الدماغ من ضرّ الأفعال ومن الملمس وإذ أشكل في مرض من أمراض العصب أنه رطب أو يابس تؤمل كيفية عروضه فإنه إن كان قد عرض دفعةً لم يشك أنه رطب. وأيضاً يعتبر انتشاف العضو للدهن فإنه إن نشفه بسرعة لم يشك أنه يابس بعد أن لا يكون العضو قد سخن سخونة غريبة. والرياضة بعد التنقية أفضل مبدّل لمزاجه ولكل عضو بحسبه ويجب أن يبدأ بالأرفق ويتدرّج إلى ما فيه قوّة معتدلة. وأما وجه العلاج في تنقية الأعصاب وتبديل أمزجتها فإن أكثر ما يحتاج أن يستفرغ عنه بالكلية إنما هو من المواد الباردة. ومستفرغاتها هي الأدوية القوية مثل شحم الحنظل والخربق وخصوصاً الأبيض إذا قيء به والفربيون والأشج والسكبينج وسائر الصموغ القوية والأيارجات الكبار القوية. ومن استفراغاتها اللطيفة الحمام اليابس والرياضة المعتدلة. وأما مبدّلات أمزجتها فهي المذكورة في باب الدماغ وخصوصاً ما كان فيه دهنية أو كان دهناً وإذا استعملت شحوم السباع وإعكار الأدهان الحارة مثل عكر الزيت وعكر دهن الكتّان كان موافقاً لأمراض العصب الباردة وملائماً لصلابته. ودهن القسط ودهن الحندقوقي شديد الاختصاص بالأعصاب ثم الأنطلة والعصارات بحسب الأمزجة ولكنها تحتاج أن تكون أقوى جداً وأن تبالغ في التدبير في تنفيذها بتحليل البدن وتفتيح المسام مبالغة أشدّ.

 فصل في إصلاح مزاج العصب

وأكثر ما يحتاجون إليه من المبدّلات ما يسخن مثل ضمّاد الخردل والثافيسا وضمّاد الزيت واستعمال الزيت المطبوخ فيه الثعالب الذي نصفه في باب أوجاع المفاصل وكذلك المطبوخ فيه الضباع وينتفعون بالصمغ الصنوبري جداً. واعلم أن أكثر أمراض العصب يقصد في علاجها فصد مؤخر الدماغ إلا ما كان في الوجه ثم بعد ذلك مبدأ العصب الذي يحرك ذلك العضو المريض عصبه. والعصب قد يضرّ بأشياء وينتفع بأشياء قد ذكرنا كثيراً منها في ألواح الأدوية المفردة وإنما يعتبر ذلك في أحواله وأمراضه التي هي أخص به. فالأشياء المقويّة للأعصاب من المشروبات الوج المربّى وجندبادستر ولب حب الصنوبر ودماغ الأرنب البري المشوي والاسطوخودوس خاصة. والشربة منه كل يوم وزن درهم محبباً أو بشراب العسل. وأوفق المياه لهم ماء المطر وتنفعهم الرياضة المعتدلة والأدهان الحارة. والأشياء الضارة بالأعصاب الجماع الكثير المفرط والنوم على الامتلاء وشرب الماء البارد المثلوج والكثير السكر والشرب الكثير لشدة لذع الشراب ولاستحالته إلى الخلية فيبرد مع ذلك ويضرهم كل حامض نافخ ومبرّد بقوة. والفصد الكثير يضرهم ونحن نريد أن نذكر في هذه المقالة ما كان من أمراض العصب مزاجياً أو سددياً. وأما أورامها وقروحها فنحن نؤخّرها إلى الكتاب الرابع الذي يتلو هذا الكتاب. واعلم أن الماء البارد يضرّ بالعصب لما يعجز عن هضم الرطوبات فيه فينقلب

 فصل في الفالج والاسترخاء

الفالج قد يقال قولاً مطلقاً وقد يقال قولاً مخصوصاً محقّقاً فأما لفظة الفالج على المذهب المطلق فقد تدلّ على ما يدل عليه الاسترخاء في أي عضو كان وأما الفالج المخصوص فهو ما كان من الاسترخاء عاماً لأحد شقّي البدن طولاً فمنه ما يكون في الشق المبتدأ من الرقبة ويكون الوجه والرأس معه صحيحاً ومنه ما يسري في جميع الشق من الرأس إلى القدم. ولغة العرب تدل بالفالج على هذا المعنى فإن الفلج قد يشير في لغتهم إلى شق وتنصيف وإذا أخذ الفالج بمعنى الاسترخاء مطلقاً فقد يكون منه ما يعم الشقين جميعاً سوى الأعضاء الرأس التي لو عمها كان سكتة كما يكون منه ما يختص بإصبع واحد. ومعلوم أن بطلان الحس والحركة يكون لأن الروح الحساس أو المتحرك إما محتبس عن النفوذ إلى الأعضاء وإما نافذ ولكن الأعضاء لا تتأثر منه لفساد مزاج. والمزاج الفاسد إما حار وإما بادر وإما رطب وإما يابس ويشبه أن يكون الحال لا يمنع تأثير الحس فيها ما لم يبلغ الغاية كما ترى في أصحاب الذبول والمدقوقين فإنهم مع حرارتهم لا تبطل حركتهم وحسهم. واليابس أيضاً قريب الحكم منه بل المزاج الذي يمنع على الحس والحركة في الأكثر هو البرد والرطوبة وليس ذلك ببعيد فإن البرد ضد الروح وهو يخدره والرطوبة لا يبعد أن تجعل العضو مهيأ ولكن مثل ما يسهل تلافيه بالتسخين وكأنه لا يكون مما يعم أكثر البدن أو شقاً واحداً منه دون شق بل إن كان ولا بد فيعرض لعضو واحد فيشبه أن يكون الفالج والاسترخاء الأكثري ما يكون بسبب احتباس الروح وسبب الاحتباس الانسداد أو افتراق المسام والمنافذ المؤدية إلى الأعضاء بالقطع والانسداد إما على سبيل انقباض المسام وإما على سبيل امتناع من خلط ساد وإما على سبيل أمر جامع للأمرين وهو الورم فيكون سبب الاسترخاء والفالج الفاعل لانقطاع الروح عن الأعضاء انقباضاً من المسام أو امتلاء أو ورماً أو انحلال فرد فالانقباض من المسام قد يعرض لربط من خارج بما يمكن أن يزال فيكون ذلك الاسترخاء وذلك البطلان من الحس والحركة أمراً عرضياً يزول بحل الرباط وقد يكون من انضغاط شديد كما يعرض عند ضربة أو سقطة وكما يعرض إذا مالت الفقرات وانكسرت إلى أحد جانبي يمنة ويسرة فتضغط العصب الخارج منها في تلك الجهة أو إلى قدام وخلف فيعرض منه أكثر الأمر تمديد لا ضغط لأن التقاء الفقرات في جانبي قدام وخلف ليس على مخارج العصب لأن مخارج العصب على ما علمت ليست من جهتي قدام وخلف. وقد تنقبض المسام بسبب غلظ جوهر العضو. وأما الامتلاء الساد فيكون من المواد الرطبة السيالة التي ينتفع بها العضو فتجري في خلل الأعصاب كلها أو تقف في مبادي الأعصاب أو شغب الأعصاب وتسد طريق الروح وأما الورم فذلك أن يعرض أيضاً في منابت الأعصاب وشعبها ورم فيه المنافذ وأما القطع الذي يعرض للعصب فما كان طولاً فلا يضر الحس والحركة وما كان عرضاً فيمنع الحس والحركة من الأعضاء التي كانت تستقي من المجاري التي كانت متصلة بينه وبين الليف المقطوع الآن واعلم أن النخاع مثل الدماغ في انقسامه إلى قسمين وإن كان الحس لا يميزه وكيف لا يكون كذلك وهو ينبت أيضاً عن قسمي الدماغ فلا يستبعد أن تحفظ الطبيعة إحدى شقيه وتدفع المادة إلى الشق الذي هو أضعف أو الذي هو أقبل للمادة أولاً أو الذي عرضت له الضربة والصدمة أو الذي اندفع إليه فضل من الشق الذي يليه من الدماغ ولا ينبغي أن يتعجب من اختصاص العلة بشق دون شق فإن الطبيعة بإذن خالقها تعالى قد تميز ما هو أدق من هذا وتذكر هذا من أصول أعطيناك في الكتاب الأول. واعلم أنه كثيراً ما تندفع المادة الرطبة إلى أطراف العلية حر على البدن أو لحركة مغافصة من خوف أو جزع أو غضب أو كدر أو غم. واعلم أنه إذا كانت الآفة والمادة التي تفعل الفالج في شق من بطون الدماغ عم شق البدن كله وشق الوجه معه أو مجاريه كانت سكتة فإن كانت عند منبع النخاع كان البدن كله مفلوجاً دون أعضاء الوجه وربما وقع في ذلك خدر في جلدة الرأس إن امتنع نفوذ الحس لأن جلدة الرأس يأتيها العصب الحاس من العنق كما بينا وإن كان في شق من منبت النخاع عم الشق كله دون الوجه وإن كان نازلاً عن المنبت مستغرقاً أو في شق من استرخى وفلج ما يليه العصب منه عن الأعضاء وإن لم يكن من النخاع بل من العصب استرخى ما يخص ذلك العصب إن كان في جل العصب أو في نصفه أو بعض منه استرخى ما يتحرك بما يأتيه من ذلك المؤف بسبب مادة أو انحلال فرد أو ورم. ومن الفالج ما يكون بحراناً للقولنج وكثيراً ما يبقى معه الحس لأن المادة تكون معه في أعصاب الحركة دون الحس. وذكر بعض الأولين أن القولنج عم بعض السنين فقتل الأكثر ومن نجا نجا بفالج مزمن أصابه كأن الطبيعة نفضت تلك المادة التي كانت تأتي الأمعاء وردّتها إلى خارج وكانت أغلظ من أن تنفذ بالعرق فلحجت في الأعصاب وفعلت الفالج. وأكثر ما يقع من هذا يكون مع ثبات الحسّ بحاله. ومن الفالج ما يكون بُحراناً في الأمراض الحادّة ستنتقل به المادة إلى الأعصاب وذلك إذا لم تقو الطبيعة للسن أو الضعف على تمام استفراغ فبقيت بواق من المادة في نواحي الدماغ فبقي بعد المنتهى صداع وثقل رأس ثم دفعته الطبيعة دفع ثقل لا دفع استفراغ تام فأحدثت فالجاً ونحوه. وأكثر ما يعرض الفالج يعرض في شدّة برد الشتاء وقد يعرض في الربيع لحركة الامتلاء وقد يعرض في البلاد الجنوبية لمن بلغ خمسين سنة ونحوه على سبيل نوازل مندفعة من رؤسهم لكثرة ما يملأ المزاج الجنوبي الرأس. ونبض المفلوج ضعيف بطيء متفاوت وإذا أنهكت العلّة القوة ضعف النبض وتواتر ووقعت له نترات بلا نظام. والبول قد يكون فيه على الأكثر أبيض وربما أحمر جداً لضعف الكبد عن تمييز الدم عن المائية أو ضعف العروق عن جذب الدم أو لوجع ربما كان معه أو لمرض آخر يقارنه وقد يعرض أن يكون الشقّ السليم من الفالج مشتعلاً كله في نار والآخر المفلوج بارداً كأنه ثلج ويكون نبض الشقين مختلفاً فيكون نبض الشق البارد ساقطاً إلى ما توجبه أحكام البرد وربما تأذى إلى أن تصغر العين من ذلك الشقّ وما كان من الأعضاء المسترخية والمفلوجة على لون سائر البدن ليس يصغر ولا يضمر فهو أرجى مما يخالفه وقد ينتقل إلى الفالج من السكتة ومن الصرع ومنَ القولنج ومن اختناق الأرحام ومن الحميات المزمنة على سبيل البحران أيضاً. والفالج الحادث عن زوال الفقار قابل في الأكثر والذي عن صدمة لم يدقّ العصب دقاً شديداً فقد يبرأ فإن أفرط لم يرج أن يبرأ والذي يرجى منه يجب أن يبدأ فيه بالفصد. وقد ذكرنا كيف تنبسط مادة الفالج إلى السكتة وبالعكس. العلامات: أما إن كان عن التواء أو سقطة أو ضربة أو قطع فالسبب يدلّ عليه وربما خفي لسبب في القطع إذا كان العصب غائراً فيدل عليه أنه يقع دفعه ولا ينفعه تدبير. وأما الذي يقبل العلاج فهو ما ليس عن قطع بل مع ورم ونحوه وإن كان عن ورم حار فالتمدد والوجع والحمّى يدلّ عليه وإن كان عن ورم صلب فيدل عليه اللمس وتعقد محسوس في العصب ووجع متقدم فإنه في الأكثر بعد ضربة أو التواء أو ورم حار. وأما إن كان عن ورم رخو فالاستدلال عليه شاق إلا أنه على الأحوال لا يخلو عن وجع يسير وخدر وعن حمّى لينة وعن زيادة الوجع ونقصانه بحسب الحركات والأغذية ولا يكون حدوثه دفعة. ومن جميع هذا فإن العليل يحسّ عند إرادة الحركة كأنَّ مانعاً له في ذلك الموضع بعينه. وأما الفالج الكائن عن الرطوبة الفاشية فيحسّ صاحبه بسبب فاش في جميع العضو المفلوج. وأما الكائن عن غلظ العصب فيدل عليه عسر ارتداد العضو عن قبض يتكلّفه العليل إن أمكنه أو يفعله غير إلى الانبساط والاسترخاء ولا تكون الأعضاء لينة كما في الفالج المطلق وإن كانت المادة مع دم دلّت عليه الأوداج والعروق والعين وامتلاء النبض والدلائل المتكررة مراراً وإن كان من رطوبة مجرّدة دلّ عليه البياض والترهّل وإن كان عقيب قولنج أو حميّات حادة دل عليه القولنج والحمّيات الحادة. وأما إن كان سببه سوء مزاج مفرد بارد أو رطب فأن لا يقع دفعة ولا يكون هناك علامات أخرى ويحكم عليه باللمس والأسباب المؤثرة في العضو. قيل: إذا رأيت بول الصبي أخضر فانذر منه بفالج أو تشنج. يجب أن يكون فصدك في أمراض العصب الخمسة أعني الخَدَر والتشنّج والرعشة والفالج والاختلاج قصد مؤخر الدماغ ولا تعجّل باستعمال الأدوية القوية في أول الأمر بل أخّر إلى الرابع أو السابع فإن كانت العلة قوية فإلى الرابع عشر وفي هذا الوقت فلتقتصر على أشياء لطيفة مما يليّن وينضج ويسهّل. والحقن لا بأس بها في هذا الوقت ثم بعد ذلك فاستفرغ بالمستفرغات القوية. وأما تدبير غذائهم فإنه يجب أن تقتصر بالمفلوج في أول ما يظهر على مثل ماء الشعير وماء العسل يومين أو ثلاثة فإن احتملت القوة فإلى الرابع عشر فإن لم تحتمل غذّيته بلحوم الطير الخفيفة واجتهد في تجويعه وإطعامه الأغذية اليابسة عليه ثم تعطّشه تعطيشاً طويلاً وينفعهم الانتقال بلبّ حب الصنوبر الكبار لخاصية فيه. واعلم أن الماء خير لهم من الشراب فإن الشراب ينفذ المواد إلى الأعصاب والكثير منه ربما حمض في أبدانهم فصار خلاً والخلّ أضرّ الأشياء بالعصب. وأما ما كان عن التواء أو انضغاط فتعالج بما حددناه في باب الالتواء والانضغاط من بعد وإن كان عن سقطة أو ضربة فعلاجه صعب على أنه على كل حال يعالج بأن ينظر هل أحدث ذلك الالتواء ورماً أو جذب مادة فتعالج كلاً بواجبه ويجب أن توضع الأدوية في علاج ذلك في أي عرض كان على مواضع الضربة وعلى المبدأ الذي يخرج منه العصب المتجه إلى العضو المفلوج وأما وضع الأدوية على العضو المفلوج نفسه فمما لا ينفع نفعاً يُعتد به وعليك بمنابت الأعصاب سواء كان الدواء مقصوداً به منع الورم أو كان مقصوداً به الإرخاء أو كان مقصوداً به التسخين وتبديل المزاج. وربما احتيج أن يوضع بقرب العضو المضروب والمتورّم الآخذ في الانحلال محاجم تجنب الدم عنه إلى جهة أو إلى ظاهر البدن. وأما إن كانت العلة هي الفالج الحقيقي الكائن لاسترخاء العصب فالذي يجب بعد التدبير المشترك هو استفراغ مادته بما ذكرناه ورسمناه وحمدناه في استفراغ المواد الرقيقة بعينه بلا زيادة ولا نقصان. وأنفع ما يستفرغون به حبّ الفربيون والحبّ البيمارستاني وحبّ الشيطرج وحب المنتن وأيارج هرمس والتنقية بالخربق الأبيض بحاله أو بعصارة فجل فيه قوّته وكذلك سائر المقيّئات نافعة له وربما درج عليه في ذلك فيسقى الترياق من دانق دانق ثم يزيد يسيراً يسيراً ولا يزاد على الدرهم وقد يخلط بسمسم مقشّر وسكر وقد يتناول السكنجبين بحاله والجاوشير بحاله والجندبادستر بحاله بشراب العسل. والشربة مقدار باقلاة وهي نافعة لهم جداً. ويجب أن يحقنوا بالحقن القويّة ويحملوا الشيافات القوية وتمال موادهم إلى أسفل وتمرخ فقارهم بالأدهان القويّة وينفعهم المروخات الحارة من الأدهان والضمادات المحمرة التي تكرر ذكرها مراراً خصوصاً إذا بطل الحسّ. وأصل السوسن من الأدوية الجيدة التحمير يحكّ تحكيكاً مروخياً وينفعهم وضع المحاجم على رؤوس العضل من غير شرط ولكن بعد الاستفراغ وإنما ينفعهم من جهة ما يسخن العضل وربما احتيج إلى شرط ما ويجب أن تكون المحاجم ضيقة الرؤوس وتلصق بنار كثيرة ومصّ شديد عنيف وتقلع بسرعة وإذا استعملت المحاجم فيجب أن تستعمل متفرقة على مواضع كثيرة إن كان الاسترخاء كثيراً متفرقاً وإن كان غير كثير فتوضع مجتمعة ويستعمل عليها بعد ذلك الزفت وصمغ الصنوبر وتستعمل عليها الضمّادات الحارة المحمرة مثل ضمّاد دقيق الشيلم والسوسن بعسل. وضمّاد الخردل أيضاً مما ينفعهم ويبدل كلما ضعف إلى أن يحمّر العضو وإلى أن يتنفّط. وضماد الشيطرج عظيم النفع من الفالج وهو عند كثير منهم مغن عن الثافسيا والخردل. وضماد الزفت أيضاً نافع وخصوصاً بالنطرون والكبريت والدلك بالزيت والنطرون والمياه الكبريتية وماء البحر والنطولات الملطّفة. وإذا كان الحس ضعيفاً فربما نكأ الضمّاد القوي ولم يحس به وتأدّى ذلك إلى آفة وتقريح شديدين فيجب أن يتحرّز من ذلك وأن يتأمل حال أثر الضماد فإن حمّر ونفخ تحميراً ونفخاً لا يتعدّى الجلد ويتعرّف بغمز الإصبع غمزاً لطيفاً ويبيضّ مكانه فالأثر لم يجاوز الجلد وإن كان التحمير أثبت والحرارة أظهر فامسك. ووجه تعرّف هذا أن تزيد الضمّاد كل وقت وتطالع الحال فإن أوجبت الإمساك أمسكت وإن أوجبت الإعادة أعدت. واعلم أن نفخ الكندس في اَنافهم نافع جداً وكذلك ما يجري مجراه لأنه ينقّي الدماغ ويصرف المواد الفاعلة للعلة عن جهة العلة والشراب القليل العتيق نافع جداً من أمراض العصب كلها والكثير منه أضرّ الأشياء بالعصب واستعمال الوجّ المربى مما ينفعهم وكذلك تدريجهم في سقي الأيارجات ومخلوط بمثله جندبيدستر حتى يبلغوا أن يسقى منه وزن ستة دراهم وكذلك سقي دهن الخروع بماء الأصول نافع جداً. ومن الناس من عالج الفالج بأن سقى كل يوم مثقال أيارج بمثقال فلفل فشفي. ويجب إذا سقوا شيئاً من هذا أن لا يسقوا ماء ليطول بقاؤه في المعدة وربما مكث يوماً أجمع ثم عمل وربما سقوهم ليلاً مثِقالاً من فلفل مع مثقال جندبيدستر ولا شيء لهم كالترياق والمثريديطوس والشليثا والأنقرديا خاصة. والحلتيت أيضاً شديد النفع شرباً وطلاء وخصوصاً إذا أخذ في اليوم مرتين والمرقة عجيبة أيضاً وإذا أقبل العضو فيجب أن تروّضه بعد ذلك وتقبضه وتبسطه لتعود إليه تمام العافية وقد ينتفعون بالحمّى وينتفعون بالصياح والقراءة الجهيرة وبعد الاستفراغات والانتفاع بها يستعملون الحمام الطويل اليابس أو ماء الحمّامات وفي آخر الأمر وبعد الاستفراغات وحيث يجب أن يحلّل ينبغي أن لا تكون التحليلات بالمليّنة الساذجة ولكن مع أدنى قبض ولذلك يجب أن يكون التحليل بماء الأنيسون والميعة والأذخر والجندبيدستر وما أشبهه من الحارة القابضة. وأما الكائن بعد القولنج فينفعهم الدواء المتخذ بالجوز الرومي المكتوب في القراباذين وينفعهم الأدهان التي ليست بشديدة القوة وكثرة التركيب ولكن مثل دهن السوسن ودهن الناردين ودهن الخروع ودهن النرجس ودهن الزنبق وجرب دهن الجوز الرومي ودهن النرجس المتخذ بصمغ البلاذر فوجد جميعه نافعاً لخاصيته. وقد انتفع منهم خلق كثير بما يقوّي ويبرد ويمنع المادة وكان إذا عولج بالحرارة زادت العلة وذلك لأن المادة الرقيقة كان ينبسط بها أكثر وكان إذا برد العضو يقوى العضو بالبرد ويصغر حجم المادة وصار إلى التلاشي ولا يجب أن يبالغ في تسخينهم ولكن يحتاج أن تكون الأدوية مقوّاة بمثل البابونج وإكليل الملك والمرزنجوش والنعناع والفوتنج ويخلط بها غيرها أيضاً مما له أدنى تبريد مثل رب السوس وبزر الهندبا وغيره فهذه الأشياء إذا استعملت نفعت جداً. وأما الكَائن عن القطع فلا علاج له البتة وأما الكائن عن مزاج بارد فبالمسخّنات المعروفة ومن كان سبب مزاجه ذلك شرب الماء الكثير فليستعمل الحمّام اليابس. واعلم أنه إذا اجتمع الفالج

 فصل في التشنّج

التشنج علة عصبية تتحرّك لها العضل إلى مباديها فتعصى في الانبسَاط فمنها ما تبقى على حالها فلا تنبسط ومنها ما يسهل عوده إلى البساط كالتثاؤب والفواق. والسبب فيه إما مادة وإما سبب غير المادة مثل حر أو يبس. ومادة التشنّج في الأكثر تكون بلغمية وربما كانت سوداوية وربما كانت دموية وذلك في أورام العضل إذا تحللت المادة المورمة قرح ليف العصب فزادت في عرضه ونقصت من طوله.وكل تشنّج مادي فإما أن تكون المادة الفاعلة له مشتملة على العضل كله وذلك إذا كان تشنجاً بلا ورم وإما أن تكون حاصلة في موضع واحد ويتبعها سائر الأجزاء كما تكون عن التشنج الكائن للورم عن مادة منصبة لضربة أو لقطع أو لسبب آخر من أسباب الورم ولا يبعد أن يكون من التشنج ما يحدث من ريح نافخة كثيفة. وأرى أنه مما يعرض كثيراً ويزول في الوقت. والتشنج المادي قد يعرض كثيراً على سبيل انتقال من المادة كما يعرض عقيب الخوانيق وعقيب ذات الجنب وعقيب السرسام. وأما الذي يكون من التشنج لفقدان المادة والرطوبة وغلبة ليبس فيعرض من ذلك أن ينتقص طولاً وعرضاً وينشوي فيجتمع إلى نفسه كحال السير المقدّم إلى النار وأنت تعلم حال الأوتار أنها تقصر في الشتاء للترطب وتقصر في الصيف للتجفف وكذلك حال العصب وقد يكون من التشنّج الذي لا ينسب إلى مادة ما تقع بسبب شيء مؤذٍ ينفر عنه العصب ويجتمع لدفعه. وذلك السبب إما وجع من سبب موجع وكثيراً ما يكون من خلط حار لاذع وإما كيفية سمية تتأدى إلى الدماغ والعصب كما تعرض لمن لسعته العقرب على عصبه وإما كيفية غير سمية مثل ما يعرض التشنّج من برد شديد يجمع العصب والعضل ويكتفه فيتقلص إلى رأسه وكما أن الاسترخاء قد كان يختلف في الأعضاء بحسب مبادي أعضائه فكذلك التشنّج. والقياس فيهما واحد فيما يكون دون الرقبة وفي قدام وخلف في جهة وما يكون فوق الرقبة. والتشنّج الامتلائي الرطب سببه الذاتي أما الرطوبة والبرد يعينه على إجماده وتغليظه فلا ينبسط وأما اليبوسة والحرّ يعين على مبالغته بتحليل الرطوبة. والمادة الفاعلة للتشنج إنما تشنج ولا ترخي لغلظها ولأنها غير مداخلة لجوهر الليف مداخلة سارية منتفعة فيها ولكنها مزاحمة في الفرج وكأن التشنج صرع عضو كما أن الصرع تشنج البدن كله.والفرق بينهم العموم والخصوص وأن أكثر الصرع ينحلّ بسرعة وقد يكون بأدوار وغير ذلك من فروق تعلمها. ومن التشنج الرطب ما يعرض للمرضعات بمجاورة الثدي وترطيب اللبنية للأوتار وجمود اللبن فيها ومنه ما يعرض للسكارى ومنه ما يعرض للصبيان لرطوبتهم وكثيراً ما يعرض لهم في حميّاتهم الحادة وعند اعتقال بطونهم وفي سهرهم وكثرة بكائهم يتشنّجون أيضاً في حمّياتهم وإن كانت حمياتهم خفيفة. وبالجملة فإن الصبيان يسهل وقوعهم في التشنج لضعف قوى أدمغتهم وأعصابهم وضعف عضلهم ويسهل خروجهم عنه لقوة قوى أكبادهم وقلوبهم ولأن أخلاطهم ليست بعاصية شديدة الغلظ ولذلك يعافون عن التشنج اليابس بسرعة لرطوبة مزاجهم ورطوبة غذائهم. وأما البالغون فلا يسهل أحد الأمرين فيهم. على أنه قد يعرض للصبيان تشنج رديء عقيب الحميات الحادة وتكون معه العلامات التي تذكر فقلما يتخلصون منها. وأما من جاوز سبع سنين فلا يتشنج إلا لحمى صعبة جداً ومن التشنّج ما يعرض للخوف والسبب فيه أن الروح الباسط يغور دفعة ويستتبع العضل متحركة إلى المبادي ثم تجمد على هيئتها. ومن التشنج ما يقع بسبب الاعتماد على بعض الأعضاء وهو منقبض فتنصب إليه مادة وتحتبس فيه وفي هيئته وعلى هندام انقباضه وربما كان عن ضربة فعلت ذلك أو حمل حمل ثقيل أو نوم على مهاد صلب وهذا مما يزول بنفسه وربما كان هذا الخدر يصيب العضو لامتلاء من ماد منصبة تزاحم الروح المحرّك وتمنع نفوذه فلا يمكن أن يحرك إلى الانبساط وإذا عادت القوة وفرّقت المادة انبسط. وقد يكون من الامتداد مثله وهذا كثيراً ما يكون بعد النوم عند الانتباه إذا بقيت الأعضاء المقبوضة لا تتمدد لأن الروح أيضاً في النوم أكسل فلا يلج في وأما التشنج اليابس فمنه ما يكون عقيب الدواء المسهل وهو رديء جداً وكذلك عقيب كل استفراغ ومنه ما يكون أيضاً عقيب الحميات المحرقة أو خصوصاً في حمّيات السرسام وعقيب الحركات العنيفة البدنية والنفسانية كالسهر والغم والخوف وذلك مما يضل التخلص عنه وقد يكون من التشنج ما يعرض في الحمّيات مع ذلك وليس برديء جداً وهو الذي يكون من تسييلها المواد في العصب والعضل وخصوصاً إذا كان البدر ممتلئاً وربما عرض ذلك فيها بمشاركة فم المعدة ويزيله القيء. ومثل هذا التشنّج من الحميات ليس بذلك الصعب الرديء إنما الصعب الرديء ما كان في الحميات المحرقة والسرسام الذي يجفف العصب والعضل ويشوي الدماغ وما كان في الحمّيات المزمنة الذي يجفف العصب والعضل بل الدماغ ويفني الرطوبة الغريزية فيشنّج وقد يكون من هذا اليابس ما يكون ويبطل سريعاً والسبب فيه يبوسة الدماغ للضعف فيتبعه يبوسة الأعصاب فإنه إذا أصاب الدماغ أدنى سبب مجفف استرجع الرطوبة من الأعصاب والنخاع فانقبضت الأعصاب ثم إذا عنيت الطبيعة بإفادة الدماغ رطوبة كافية عادت الأعضاء مطيعة للانبساط بتكلف وكما يقع من شدة برد فإنه كثيراً ما ينفع التشنج لبرودة الدماغ ومشاركة العضل له. والتشنّج المؤذي هو الكائن عن اليبوسة ومن التشنج الكائن باليبوسة ما يكون بنوع جمود الرطوبة فيقل حجمها ويتكاثف جماً فيشنج العضو كما يقع من شدة البرد وكما يقع لمن شرب الأدوية المخدرة كالأفيون. وأما التشنج الكائن بسبب الأذى فكتشنج شارب الخربق فإنه يشنج بعد الإسهال باليبوسة ويشنج أيضاً قبله لمضادته وسميته فيؤذي العصب أذى شديداً ينقبض معه. ومن هذا القبيل تشنج من قاء خلطاً زنجارياً نكأ في فم المعدة والتشنّج الكائن بسبب قوة حس فم المعدة إذا اندفع إليه مرار والتشنج الكائن بمشاركة الدماغ للرحم في أمراضها والمثانة وغير ذلك والتشنج الكائن عن لسعة العقرب والرتيلاء والحية على العصبة أو قطع يصيب العصب أو كله والكائن لعلة في المعدة والرحم والأعضاء العصبية. وقريب من هذا التشنج العارض بسبب الديدان. ومن التشنج الرديء ما كان خاصاً في الشفة والجفن واللسان فيعلم أن سببه من الدماغ نفسه وإذا مال البدن في تشنجه إلى قدام فالتشنج في العضلات المتقدمة أو إلى خلف فالتشنج في عضلات الخلف أو مال إليهما جميعاً فالعلة فيهما جميعاً مثل ما كان في الفالج. وربما اشتد التشنج حتى يلتوي العنق وتصطك الأسنان وكل من مات من التشنج مات وبدنه بعد حار وذلك مما يقتل بالخنق وإنما يقتل بالخنق لأن عضل التنفس تتشنّج وتبطل حركتها وكل تشنج يتبع جراحة فهو قتال وهو من علامات الموت في أكثر الأمر. العلامات: نبض المتشنّجين متمدد مختلف في الموضع يصعد وينزل كسهام تنقلب من قوس رام وتختلف حركات نقراته في السرعة والبطء ويكون العرق حاراً أسخن من سائر الأعضاء ويكون جرم العرق مجتمعاً كاجتماع العرق في النافض لا كالمنضغط وكما يكون عند صلابة العرق لطول المرض أو الكائن مع وجع الأحشاء ولكن كاجتماع أجزاء مصران متمدد من طرفيه.وسنذكر أمارات الوجع في التشنج من بعد قليل أما التشنج الكائن عن الامتلاء فعلامته أن يحدث دفعة ولا يتشرب سريعاً ما يجعل عليه من دهن إلا أن يكون أصابته حرارة قريبة العهد. وأما الكائن عن اليبوسة فيكون قليلاً قليلاً وعقيب أمراض استفراغية أي جنس كان أو استفراغ بأدوية أو هيضة واستفراغ من ذاته. وأما الكائن عن الأذى فتعرفه بالسبب الخارج والمشروبات مثل الأفيون والخربق وغيره ومثل أنه إذا كان الأذى من المعدة فيشاركها الدماغ ثم العصب أحس قبل ذلك بغشي وكرب وانعصار المعدة وربما كان يجد ذلك مدة التشنج وربما كان ذلك التشنج عقيب قيء كراثي أو زنجاري وكذلك الذي يكون لِقُوة حسّ فم المعدة فكلما انصب إليه مادة تشنج صاحبها ولكن يتقدمه أذى في فم المعدة ولذع. وقد يقع مثل ذلك في أمراض الرحم والمثانة وغيرهما إذا قويت ويكون مع ألم ووجع شديد وآفة في ذلك العضو ويتقدم التشنج. وأما سائر التشنج فإما أن لا يكون معه ألم أو يكون الألم حادثاً ومن الدلائل الدالة على حدوث التشنّج صغر النبض وتفاوته أولاً ثم انتقاله إلى ما قيل وكثيراً ما يحمر الوجه ويظهر بالعينين حول وميلان وفي التنفس انقطاع وانبهار وربما عرض ضحك لا على أصل وتعتقل الطبيعة وتجفّ. والبول أيضاً كثيراً ما يحتبس وكثيراً لا يحتبس ويخرج كمائية الدم ويكون ذا نفاخات ويعرض لهم فواق وسهر وصداع ورعشة ووجع تحت مفصل العنق بين الكتفين وعند مفصل القطن والعصعص ودون ذلك ويدلّ على أن التشنج الواقع بسبب الحمى وينذر به في الحميات عوج في العين وحمرة في الطرف وحول وتصريف الأسنان وسواد اللسان وامتداد جلدة الرأس واحمرار البول أولاً ثم ابيضاضه لصعود المادة إلى الرأس وضربان الأصداغ وعروق الرأس وربما جف به البطن أو تشنج. وقد قال بقراط: لأن تعرض الحمى بعد التشنج خير من أن يعرض التشنج بعد الحمى معناه أن الحمّى إذا طرأت على التشنج الرطب حللته وأما التشنج الذي يحدث من الحمى فهو اليابس الذي قلما يقبل العلاج ويعرض قبله تفزع في النوم وتحول من اللون إلى حمرة وخضرة وكمودة واعتقال من الطبيعة. والبول القيحي في الحمّى والقشعريرة إذا صحبه عرق في الرأس وظلمة في العين دلّ على تشنّج سببه دبيلة في الأحشاء فإن كان التشنّج مع الحمى ولم يكن من قوة تلك الحمّى وطول مدتها أن تحرق الرطوبات أو تفشيها فذلك من الجنس الذي ليس به ذلك اليابس كله ومن العلامات الرديئة في التشنّج الرطب أن في الريح في الأعضاء وخصوصاً إذا انتفخ معه البطن وخصوصاً إذا كان في ابتدائه. والبول الحار في التشنّج وفي التمدّد رديء يدل على أن السبب حرارة ساذجة وإذا كان مع التشنّج ضربان في الأحشاء أو اختلاج فذلك دليل رديء فإن الضربان يدل على أحد أمرين إما ورم في الأحشاء معظم للضربان أو نحافة فيها فيظهر النبض العظيم الذي للضارب الكثير والخوانيق إذا مالت موادها إلى العصب منتقلة إليه لتحدث التشنّج دلّ عليه ظهور التشنّج في النبض. وذات الجنب إذا مالت مادتها إلى ذلك دل عليه شدّة ضيق النفس وأن لا تكون الحمى شديدة جداً وإذا انتقل مادة السرسام إلى ذلك ابتدأ بكثرة طرف وتصريف أسنان ثم احولت العين واعوجّ العنق ثم فشا التشنّج. المعالجات: أما الكائن عن ضربة فيجب أن تستعمل فيه النَطُولات المرخيّة المتخذة بكشك الشعير والبابونج والخطمي ودقيق الحلبة وما أشبه ذلك. وقد بينا في القانون موضع استعماله. وأما الكائن من الأذى فإن كان لشرب شيء فيعالج بما تعرفه في أبواب السموم وإن كان لحمّى فيعالج بالترطيب الشديد للدماغ والعصب والعضلات بالمروخات الشديدة الترطيب مما قد عرف ويلزم البيت البارد وإن كان لوجع فيسكن الوجع بعد أن ينظر ما هو ويقطع سببه وإن كان من لسعة فيعالج بما نقوله في أبواب اللسوع وإن كان عن ورم فيعالج بما نقوله في علاج أورام العصب وإن كان عن يبس فعلاجه يصعب. وأوفق علاجه الآبزن والتمريخ بالدهن المرطب بعده وتكريره مراراً وذلك إن لم يكن حمى بحيث لا تفتر البتة وتتعهد للمفاصل كلها بذلك وإن أمكن أن يجعل الآبزن من لبن فعل وإلا فمن مياه طبخ فيها ورق الخلاف والكشك والبنفسج والنيلوفر والقرع والخيار ويتخذ له آبزن كله من عصارة القرع أو عصارة القثاء أو يكون كل ذلك من ماء الورد الذي طبخ فيه شيء من هذه أو ماء بطيخ هندي أو ما أشبه ذلك. وإذا اتخذ لهم حقن من هذه العصارات والأدهان والسلاقات المرطبة الدسمة كان شديد النفع ويستعمل على المفاصل وعلى منابع العضلات الأدهان تعرق تعريقاً بعد تعريق مع عناية بالدماغ جداً وترطيب ما علمناكه في ترطيب الدماغ ويسقى العليل اللبن الحليب شيئاً صالحاً إن لم يكن حمى وماء الشعير وماء القرع وماء البطيخ الهندي والجلاب كان حمى أو لم يكن فإن مزج بشيء من هذه قليل شراب أبيض رقيق لينفذ كان صالحاً وكذلك يجعل ماؤه ممزوجاً بشيء من شراب ويجب أن يدام عليه هذا العلاج من غير أن يحرّك أو يلزم رياضة وإن أمكن أن يغمس بكلية بدنه في دهن مفتر فعل وليسعط بالمرطبات من الأدهان والعصارات وليرطّب رأسه بما قد عرفته من المرطبات ويجب أن يبيتوا على بزر قطونا ودهن الورد. ومما وصاحب التشنج الرطب إن كان ضعيف القوة لم يقطع عنه اللحوم ولكن يجب أن يجعل لحمه من اللحوم اليابسة مثل لحوم العصافير والقباج والقنابر والطياهيج وإن لم تكن القوة ضعيفة جعل غذاؤه الخبز بالعسل وماء الحمص بالشبث وبالخردل وأيضاً المري بالزيت وليجعل فيما يتناوله الفلفل. وأما غذاء أصحاب التشنّج اليابس فكل ما يرطب ويلين وجميع الأحساء الدسمة اللينة المتخذة من ماء الشعير ودهن الوز والسكر الفائق وماء اللحم المتخذ من لحوم الخرفان والجديان وقد جعل فيه من البقول المرطّبة ما يكسر أذى اللحم إن كان هناك حرارة وإن مزج الشراب القليل بذلك لينفذه لم يكن بعيداً من الصواب خصوصاً إذا لم تكن حرارة مفرطة وكذلك إن مزج الشراب بما يسقونه من الماء جاز. وأما العلاج فإن الرطب يجب أن يعالج بالاستفراغات والتنقيات القوية المذكورة عند ذكرنا استفراغ الخلط الغليظ من العصب بالمسهّلات والحقن الحادة وإن رأيت علامات غلبة الدم واضحة جداً فافصد أولاً وخصوصاً إن كان سبب الامتلاء شرب الشراب الكثير ولا تخرج جميع ما يحتاج إليه من الدم كان إخراجه بسبب التشنج أو بسبب علة أخرى يقتضي إخراجه بل آبق منه شيئاً ليقاوم التشنّج ويتحلل بتحليل حركات التشنج.ومن علاجاته الانغماس في مياه الحمّامات والجلوس في زيت الثعالب والضباع الذي نذكره في باب أوجاع المفاصل فإنه نافع. وكذلك التمريخ بشحم الضباع وبدهن السوسن إن لم يكن حمى. وكذلك طبيخ جراء الكلاب والجلوس في مياه طبخ فيها العقاقير الملطّفة مثل القيصوم وورق السعد وقصب الفريرة وورق الغار واللطوخ المتخذة من أصل الشوكة اليهودية وبزر الشوكة البيضاء وبزر الشوكة المصرية وعصارة القنطوريون الدقيق مفردة ومركبة.واعلم أن طول مدة المقام في الآبزن زيتاً كان أو غيره مما يضره بسبب إرخاء القوة فيجعل كثرة العدد بدل طول المدة فأجلسه في اليوم مرتين ومما ينفع من به التشنج العامي المسمى طاطالس والتمدد الكائنين عن مادة أن ينضغط دفعة في الماء البارد على ما ذكره بقراط فإن الظاهر من البدن يتكاثف به وينحصر الحار الغريزي في الباطن ويقوي ويحلل المادة وليس كل بدن يحتمل هذا سالماً عن الخطر بل البدن القوي الشباب اللحيم الذي لا قروح به وفي الصيف. وقد عوفي بهذا قوم واستعمل المحاجم على المواضع التي يمتد إليها آخر الوتر بلا شرط إن كان الأمر خفيفاً وإن لم يكن كذلك احتجت إلى شرط فإنك إن لم تشرط حينئذ ربما أضررت بجذب المادة ومواضع المحاجم في الرقبة وفقار الظهر من الجانبين والأجزاء العضلية من الصدر. وأما قدام المثانة وعلى موضع الكلية فإنما نفعل به ذلك عند خوفنا وإشفاقنا أن يكون خروج دم وينبغي أن لا تستعمل المحاجم كثيرة ولا دفعة معاً وتراعي موضع المحاجم فتحفظ أن لا يبرد فيبرد البدن. ومن علاجه أيضاً أن يسوى ما تشنج بالرفق. ومن علاجه الواقع بالطبع عروض الحمّى الحادة ولذلك قال بقراط: لأن تعرض الحمى بعد التشنج خير من أن يعرض التشنّج بعد الحمّى والربع تنفع في ذلك لزعزعة نافضها ولكثرة تعريقها. ومن يعتريه الربع فقلما يعتريه التشنج فإنه أمان منه. ومن المعالجات العجيبة المجرّبة للتشنّج أن يلصق على العضو المتشنج الألية وتترك عليه حتى تنتن ثم تبدل بغيرها. والتشنج الذي يعم البدن قد ينفع فيه فصد الدماغ أيضاً بالتنقية بالعطوسات منفعة عظيمة. وقد جرب عليهم أن يقلدوا قلادة من صوف كثير رخو ويرشّ عليها كل وقت دهن حار. والحمّام اليابس ينفعهم منفعة عظيمة وأن يكبّوا على حجارة محماة يرش عليها الشراب وأن يعرقوا أيضاً بالتزميل.ومن أضمدتهم الجيدة مرهم يتّخذ من الميعة السائلة والفربيون والجندبيدستر والشمع الأصفر ودهن السوسن ومراهم ذكرت في القراباذين والشحوم وغيرها والتمريخ بعكر دهن السمسم ودهن بزر الكتان ولعاب الحلبة. ومن كماداتهم الجيدة المخ المسخن على مخارج العصب ومما يسقونه مما يجلب الحمّى جندبادستر وحلتيت معجونين بعسل قدر جوزة فإنه يجلب الحمّى ويحلّل التشنج على المكان وكذلك دهن الخروع وماء العسل بالحلتيت وطبيخ حب البلسان. ومما ينفعهم جداً سقي الترياق والمعاجين الكبار وقد ينتفع بتناول المدرات وقد جرب هذا الدواء وهو أن يسقى من أصل الفطر عشرون درهماً يطبخ برطلين من ماء حتى يبقى الثلث ويشرب منه أربعة أواق فاتراً بدرهمين دهن اللوز وذلك نافع خصوصاً للتشنج إلى خلف. وقد يطبخ بدل أصل الفطر حبّ البلسان عشرة دراهم والشربة ثلاث أواق وكذلك الفوتنج البرّي. ومما هو شديد النفع سقي الجاوشير يسقى منه القوي مثقالاً واحداً والوسط درهماً واحداً والضعيف ما يلي ربع درهم وليراع حينئذ المعدة فإنها تضعف به شديداً والحلتيت أيضاً قدر حبة كرسنة في قدر أربع أواق ونصف عسل وكذلك الأشق وقد يسقى ذلك كله وطبيخ الزوفا وطبيخ الانجدان. وأما الجندبادستر فهو أكثر نفعاً وأقل ضرراً ويشرب به منه قدر ملعقتين إلى ثلاث يسقى في مرار كثيرة يكون مبلغ المشروب منها القدر المذكور وأقلّ ما يضر فيه أن يكون بعد الطعام كيف كان فلا خطر فيه. ومن معالجاته أن يمرخ بالأدهان القوية التحليل المذكورة كدهن قثاء الحمار ودهن الخروع ودهن السذاب ودهن القسط مع جندبادستر وعاقر قرحا فإنه نافع جداً والألية المذابة ودهن النرجس ودهن هذه صفته: وهو أن يؤخذ من دهن الناردين قسط واحد ومن دهن الحضض قسط ومن الشمع أوقيتان ومن الجعدة والحماما والميعة والمصطكي من كل واحد أوقية ومن الفلفل والفربيون من كل واحد أربعة مثاقيل ومن السنبل أوقية ومن دهن البلسان أوقية ويجمع ومما ينفع أن يستعمل عليها ضماد الفربيون فإنه نافع جداً. وأما العارض من التشنج للمرضعات فيكفيهن أن يضمد مفاصلهن بعسل عجن به زعفران وأصل السوسن وأنيسون على أن يكون أصل السوسن أكثرها ثم الأنيسون ويكون من الزعفران شيء يسير ويدام وضع أعضائهن في مياه طبخ فيها بابونج وإكليل الملك وحلبة وربما نفع دهن البابونج وحده. والشراب القليل نافع لأصحاب التشنج الرطب يحلله كما يحلل الحمى وأما الكثير فهو أضر أسبابه ويجب أن يسقى القليل العتيق وعلى غذاء قليل. واعلم أن التشنج إذا كان عاماً للبدن دون أعضاء الوجه فإن الأطباء يفصدون بالأضمدة والمروخات فقار العنق وإن كان في أعضاء الوجه أيضاً فصدوا الدماغ مع ذلك وإذا كان التشنج من مشاركة المعدة ورأيت العلامة المذكورة فبادر إلى تنقية ذلك الإنسان فإنه ربما قاء مرة واحدة حادة أو خلطاً عفناً ويبرأ في الوقت. التمدد مرض آلي يمنع القوة المحركة عن قبض الأعضاء التي من شأنها أن تنقبض لآفة في العضل والعصب وأما لفظ الكزاز فقد يستعملونه على معان مختلفة فتارة يقولون كزاز ويعنون به ما كان بمتدئاً من عضلات الترقوة فيمددها إلى قدام وإلى خلف وإما في الجهتين جميعاً. وربما قالوا كزازاً لكل تمدد وربما قالوا كزازاً للتشنج نفسه وربما قالوه لتشنج العنق خاصة وربما عنوا به التمدد الذي يكون من تسخين أو تمددين من قدام ومن خلف وربما خصوا باسم الكزاز ما كان من التمدد بسبب برد مجمد. والتمدد بالحقيقة هو ضد التشنج وداخل في جنس التشنّج دخول الأضداد في جنس واحد واعتراؤهما إلى سبب واحد يقع وقوعاً متضاداً إلا أن التشنج يكون إلى جهة واحدة فإذا اجتمع تشنجان في جهتين متضادتين صاراً تمدداً يعرض له التشنج من قدام وخلف جميعاً فيعرض له من الحركتين المتضادتين في أعضاء بدنه أن يتمدد ولما كان هذا التمدد تشنجاً مضاعفاً وجب أن يكون أحد من التشنج البسيط فيكون بحرانه أسرع. وقد يكون هذا المضاعف ليس من تسخين بل من تمددين ولا يخلو التشنج في أكثر الأمر من وجع شديد. وأسباب الكزاز شبيهة بأسباب التشنّج من وجه مخالفة لها من وجه. أما مشابهتها لها فلأن الكزاز قد يكون من امتلاء وقد يكون من يبوسة وقد يكون لأذى يلحق الأعضاء العصبية وقد يكون من أورام. وأما مخالفته له فلأن التشنج في النادر يكون من الريح والكزاز كثيراً ما يكون عن ريح ممددة بل الكزاز الذي هو مركب من تشنجين قد يكون كثيراً من الريح إذا استولى على البدن ويكون مع ذلك علة صعبة وإن كان التشنج المفرد العارض في عضو واحد من الريح فلا يكون صعباً وذلك لأن هذا يكون لاستيلاء الريح على البدن كله وقد كان التشنج المفرد إذا غلب معه الريح كان هناك خطر وعلامة موت فكيف المضاعف. ويخالف من وجه آخر وهو أن السبب في التشنج المادي كان يقع في موضع من العصب وقوعاً على هيئة تمنع الانبساط لأنه يمدد الليف عرضاً أو يقبضه إلى أصله فيشنج. وأما السبب في الكزاز المادي فإن وقوعه في الخلاف فإنه إما أن تكون الرطربة الكازة جرت خلال الليف ثم جمدت وبقيت على الصلابة فيعسر رجوعها إلى الانقباض أو تكون وقعت دفعة فملأت الليف من غير أن تختلف نسبتها من نسبة الليف بل وقعت على امتداد الليف فعرضت من غير أن نقصت من الطول نقصاناً لكنها تحفظ الطول بميلها للفرج. وأما التشنج فإن المادة الفاعلة له مختلفة الوضع في خلل العصب غير نافذة فيها نفوذاً متشابهاً ولا نفاذاً كثيراً ويشبه أن يكون نفوذ مادة الكزاز الذي على هذه الصفة يشبه نفوذ مادة الاسترخاء إلا أن تلك المادة رقيقة مرخية وهذه جامدة صلبة لا تدع العضو أن ينعطف وإما أن تكون المادة في الكزاز لم تقع في واسطة العضلة أو الوتر أو العصبة ولكن في مبدئه فحفرت العصب أو الوتر طولاً فهو لا يقدر على أن ينقبض. وإما أن يكون هناك ورم وإما أن تكون المادة وقعت خلال الليف وقوعاً إذا قبضت احتاجت إلى أن يتضاغط لها الليف ويتأذى ويوجع. وإما أن يكون السبب الموجع والمؤذي مادّة أو غير مادة وقعت في مبادي العضل أو الأوتار فهي تهرب عنها طولاً كما يقع عن نوع من الكزاز عقيب القيء العنيف والاستفراغ الكثير للأذى لأن الأوتار والعصب تتأذّى عن المعدة. هذا وإن كان السبب في الكزاز اليبوسة فيكون لأن العضل لما انتقص عرضاً بانحلال الرطوبات ازداد طولاً وتقبّضت منه المنافذ فتعسّر نفوذ القوة المحرّكة فيها فضعفت عن نقل الأعضاء إلى التقبّض وخصوصاً إذا أعان التصلّب الحادث عن الجفاف على العصبات وأما مثله من التشنّج اليابس فقد ينقص من الطول والعرض جميعاً على سبيل الاستواء فلذلك كان التشنّج اليابس أردأ من الكزاز اليابس وكما أن الاسترخاء ربما وقع للقطع فكذلك التمدّد قد يقع للجراحة إذا عرضت فتأذّت العضل عن الانقباض. والكزاز قد يقع منه شيء عظيم بسبب قوي ومادة قوية كثيرة وقد يقع على نحو وقوع التشنج لخدر امتلائي يسدّ مسالك الروح فتبقى الأعضاء الممدودة لا تنقبض كما تبقى الأعضاء المقبوضة لا تمتد إلى أن تجد الروح سبيلاً ومنفذاً فهو كثيراً ما يكون بعد النوم لأن الروح منه أذهب إلى الباطن ولما قلنا في التشنّج وقد يقع لأجل هيئة غير طبيعية شاقة تعرض للعضل فتقلّ قوتها أو تصير وجعة غير محتملة لتحريك فتبقى على ذلك الشكل كمن مدد بحبل أو رفع شيئاً ثقيلاً أو حمل على ظهره حملاً ثقيلاً أو نام على الأرض فآذت الأرض عضلاته ورضّتها أو أصابته سقطة أو ضربة راضة للعضل أو قطع أو حرق نار توجعت لها فهي عاجزة عن الانقباض وربما كان مع ذلك مادة منصبّة إليها أو ريح. غليظة متولّدة فيها أو صائرة إليها تمددها. وكما أن التشنّج الخاص بأعضاء الوجه كذلك التمدد إذا لحق الجفن أو اللسان أو الشفة وحدها وقد يقع من الكزاز نوع رديء يبوسي تتقدمه حميّات لازمة مع قلق وبكاء وهذيان ويصفر لها اللون وييبس الفم والشفة ويسودّ اللسان وتعتقل الطبيعة ويستحصف الجلد ويتمدد وهو رديء. وكل كزاز عن ضربة يصحبه فواق ومغص واختلاط وذهاب عقل فهو قتال يصحب تجفيف العضل وغليان رطوبتها حتى يمددها طولاً ثم يحفظ ذلك عليه بالجفاف البالغ الحافظ للهيئات. والكزاز يعرض كثيراً للصبيان ويسهل عليهم كلما كانوا أصغر على ما قيل في التشنج وقد يتقدم الكزاز كثيراً اختلاج البدن وثقله وثقل الكلام. وصلابة في العضلات وفي ناحية القفا إلى العصعص وعسر البلع واحتكاك إذا حكوه لم يلتذوا به. وإذا كان في البول كالمدة والقيح وكان قشعريرة وغشاوة في البصر وعرق في الرأس والرقبة دل على امتداد في الجانبين سيكون لأن مثل هذه المادة يكثر فيها أن لا تستنقي من أسفل بالتمام بل يصعد منها شيء فيما بين ذلك إلى الدماغ ويؤذيه ويكسر البدن وإذا بدأ الكزاز العام انطبق الفم واحمرّ الوجه واشتد الوجع وصار لا يسيغ ما تجرعه ويكثر الطرف وتدمع العين. وقد رأينا نحن إذ بدأ الكزاز العام بامرأة انطبق فمها واصفر وجهها وظهر لها اصطكاك أسنانها ثم بعد زمان مديد اخضرّ وجهها وكانت لا تقدر أن تفتح فاها حتى بقيت زماناً طويلاً ممتدة مستلقية بحيث لا يمكن لها أن تنقلب ثم بعد ذلك انحلّ عنها الكزاز وانقلبت إلى الجانبين وتكلمت ونامت إلى الغد فهذا ما شاهدنا من حالها وعالجناها كل مرة وكل مدة.ثم الفرق بين التشنج والتمدد أن التشنّج يبتدئ في العضلة بحركة والتمدّد يكون ابتداؤه في العضلة بسكون وقد يقع الانتقال إلى التمدد من الخوانيق وذات الجنب والسرسام على نحو ما كان في التشنج. وقد يكثر في البلاد الجنوبية للامتلاء وحركة الأخلاط. وخصوصاً في البلغميين وقد يعرض في البلاد الشمالية لاحتقان الفضول وخصوصاً للنساء فإنهن أضعف عصباً. أما علامات التمدّد مطلقاً فأن لا يجيب العضو إلى الانقباض. وأما علامات الكزاز إن كان إلى قدام فأن يكون الشخص كالمخنوق مختنق الوجه والعين وربما خيل أنه يضحك لتمدد عضل الوجه منه ويكون رأسه منجذباً إلى قدام بارزاً مع امتلاء العنق لا يستطيع الالتفات وربما لم يقدر أن ببول لتمددِ عضل البطن وضعف الدافعة. وربما بال بلا إرادة لأن عضلة المثانة منه تكون متمددة غير منقبضة وربما بال الدم لأنفجار العروق لشدة الانضغاط وربما عرض له الفواق.وإن كان الكزاز إلى خلف وجدت الرأس والكتفين والعضلة منجذبة إلى خلف ويعرض ذلك لامتداد عضل البطن إلى خلف بالمشاركة وامتداد عضلة المقعدة ولا يقدر أن يحبس ما في المعي المستقيم ولا يقدر أن يستنزل ما في المعي الدقاق ويشتركان في الاختناق والسهر والوجع ومائية البول وكثرة نفاخات فيه للريح وفي السقوط عن الأسرّة. وأما علامة الرطب واليابس والورمي والكائن عن الأذى فعلى ما قيل في التشنّج. وكثيراً ما يصيبهم القولنج للبرد إن كانت العلة باردة. المعالجات: علاجه بعينه علاج التشنّج ويستعمل ههنا من المحاجم على الأعضاء أكثر مما يستعمل في التشنج وذلك لتسترجع الحرارة وأن يكون بشرط خاصة على عضل العنق والفقارات والشراسيف ومما يجب أن يراعى في المكزوز أنه إذا عرق بدنة بشدة الوجع أو من العلاج لم يترك أن يبرد عليه فإنه يؤذيه ولكن يجب أن ينشّف بصوفة مبلولة وربما أجلس في زيت مسخن فإنه قوي التحليل ويسقى الجاوشير إلى درهم بحسب القوة ومن الحلتيت أيضاً. والكزاز أولى بأن يبادر إلى علاجه من التشنج لأن الكزاز مؤذ خانق قاتل. ومما ذكر أنه نافع جداً في علاج الكزاز والتشنج أن تغلي سلاقة الشبث ويطرح فيه جرو ضبع أو جرو كلب أو جرو ثعلب ويطبخ حتى يتهرى ثم يستنقع العليل فيه مرتين وكذلك ينفعهم التمريخ شحم الحمام الوحشي وشحم الأيل وبشحم الأسد والدب والضبع مفردة أو مع الأدوية. وينفعهم الحقنة بدهن السذاب مع جندبادستر وقنطوريون وكل الحمولات اللاذعة الحادة التي فيها بورق وشحم الحنظل وما أشبهه فإن أحرقت بإفراط حقن بعدها بلبن الأتن أو السمن أو دهن الألية مفردة أو مع شحم من المذكورة. وأنفع الأشياء للتمدد البارد والرطب جندبادستر فإنه يجب أن يتعاهد وإذا غذي أصحاب الكزاز فيجب أن لا يلقموا من الطعام إلا لقماً صغاراً ضعافاً جداً وأن يزجوا بالحسو الرقيق لأن البلع يصعب عليهم فيزيد في مناخرهم ويضطربون فيزيد ذلك في علتهم وقد ذكرنا أدوية يسقونها ويمسح بها أعضاؤهم ومقاعدهم في القراباذين وكذلك المروخات النافعة لهم مثل دهن الخيار وغير ذلك مما قيل وكذلك السعوطات والعطوسات. وخير العطوسات لهم ميعة الموميا ببعض الأدهان.والحمّى التي تقع بالطبع خير علاج لما كان منه رطوبياً.

 فصل في اللقوة

هي علة آلية في الوجه ينجذب لها شق من الوجه إلى جهة غير طبيعية فتتغير هيئته الطبيعية وتزول جودة التقاء الشفتين والجفنين من شق. وسببه إما استرخاء وإما تشنج لعضل الأجفان والوجه.وقد عرفتهما وعرفت منابتهما. وأما الكائن عن الاسترخاء فإنه إذا مال شق جذب معه الشقّ الثاني فأرخاه وغيّره عن هيئته إن كان قوياً وإن كان ضعيفاً استرخى وحده. وعند بعضهم أن الاسترخاء في الجانب السليم وهو جذب الأعوج وليس بمعتمد ومنهم فولس وهذا الكائن عن الاسترخاء يكون لأسباب الاسترخاء المعدودة التي قد فرغنا من بيانها ولا حاجة بنا أن نكرّرها. وأما الكائن عن التشنّج وهو الأكثري فلأنه إذا تشنّج شق جذب الشق الثاني إليه والسبب فيه هو السبب في التشنّج وما قيل في باب التشنّج اليابس مثل الكائن في حميات حادة واستفراغات من اختلاف وقيء ورعاف وغير ذلك فإنه قاتل رديء وقد قال بعضهم: إن الجانب المريض في اللقوة هو الجانب الذي يرى سليماً وأن السبب فيه والجانب الصحيح يحاول جذبه للتسوية وهذا غير سديد في أكثر الأمر. والتشريح وما علمته من حال عضل الوجه يعرفك فساد وقوع هذا عاماً ولأن الحس يبطل معه لمن بطل فيه منهم من جانب اللقوة. وكثير من الناس ما يعرض له ورم في عضل الرقبة فيكون من جملة الخوانيق فيصيبه من ذلك لقوة ويصيبهم أيضاً فالج يمتدّ إلى اليدين لأن العصب الذي يسقى منه عضل اليدين القوة المحرّكة منبته أيضاً من فقار الرقبة وكل لقوة امتدت ستة أشهر فبالحري أن لا يرجى صلاحها. واعلم أن اللقوة قد تنذر بفالج بل كثيراً ما تنذر بسكتة فتأمل هل تصحبها مقدمات الصرع والسكتة فحينئذ بادر باستفراغ قوي. وقد زعم بعضهم أن الملقو يخاف عليه الفجأة إلى أربعة أيام فإن جاوز نجا ويشبه أن يكون ذلك بسبب سكتة قوية كانت اللقوة تنذر بها.العلامات: هي أن تقع النفخة والبزقة من جانب ولا يستمسك الريح ولا يستمسك الريق من شق وكثيراً ما يلحق معها صداع وخاصة في التشنجية منها ومعرفة الشق المؤف من الشقين أنه هو الذي إذا مد وأصلح باليد سهل رجوع الآخر بالطبع إلى شكله.وأما علامات اللقوة الاسترخائية فأن تكون الحركة تضعف والحواس تكدر ويحسّ في الجلد لين وفي العضل أيضاً ولا يحس تمدّد ويكون الجفن الأسفل منحدراً وترى نصف الغشاء الذي على الحنك المحاذي لتلك العين مسترخياً أيضاً رطباً رهلاً ويظهر ذلك بأن يغمز اللسان إلى أسفل ويتأمل. والسبب في ذلك اتصال هذا الصفاق بالصفاق الخارج من طريق اللسان القاطع للحنك طولاً فهو يشركه ويكون الجلد مائلاً عن نواحي الرقبة يتباعد عنها ويعسر ردة إليها. وأما علامات التشنجي فأن لا تكون الحواس كدرة في أكثر وتكون جلدة الجبهة متمددة تمدداً تبطل معه الغضون وعضل الوجه صلبة ويكون تمدد هذا الشقّ إلى الرقبة ويقلّ الريق والبزاق في أكثر وميل الجلد إلى نواحي الرقبة أكثر قطعاً وردها عنها أعسر. وأما علامة الرطب واليابس من التشنجي فيما تعرف. ومن علامات حدوث اللقوة أن يجد الإنسان وجعاً في عظام وجهه وخدراً في جلدته وكثرة من اختلاجه. المعالجات: الحزم هو أن لا يحرك الملقوّ إلى السابع وقال قوم إلى الرابع ويغذّى أيضاً بما يلطف تلطيف ماء الحمص بزيت ولا يجفف تجفيف العسل والفراخ وإن كانت الطبيعة يابسة فحرك في اليوم الثاني بحقنة شديدة اللين كان موافقاً. والمبادرة إلى الغراغر في الابتداء ضارة وربما جذبت القريب ولم تحلل الفج القريب. والتشنجي أولى بقويّ فلا يستفرغ بضعيف غير كاف إلى أن ينضج مرة. والاستعجال إلى الدواء الحاد من أضر الأشياء. وأردأ المعالجة أن تجفف المادة وتغلظها وييبس العصب فيصعب تأثير المواء فيه بل الصبر أولى ويجب أن يعالج بعلاج الفالج أو التشنج كما تعرف بحسب ما يناسب. وأنت تعلم جميع ذلك وقد جرب أن الملقوّ إذا سقي كل يوم وزن درهمين من أيارج هرمس شهراً متصلاً أثر أثراً قوياً. ومما جرب أن يسقى كل يوم زنجبيلاً ووجّاً معجونين بالعسل بكرة وعشية قدر جوزة ويجب أن لا يقطع عنهم ماء العسل. وقد ذكر بعض أطباء الهند أن من أبلغ ما يعالج به اللقوة أن يخبص العضو الألم والرأس بلحم الوحش مطبوخاً ويشبه أن يكون أولى الوحش بهذا الأرنب والضبع والثعلب والأوعال والأيل والحمر الوحشية دون الظباء وما يجري مجراها مما لا تسخين للحمه ويجب إن كان المريض رطباً أن يربط الشقّ بالذي فيه مبدأ العلة على الهيئة الطبيعية فإن كان تشنّجاً بدأت بتليينه أولاً ثم بتحليله. وعليك أن تعرق مؤخّر رأسه بالأدهان اللينة الرطبة كدهن البنفسج ودهن اللوز والقرع ولا بأس بدهن البابونج ويستنشق بهذه الأدهان في يومه وليلته مرة بعد مرة ويشرب الشراب الممزوج دون السكر. وإن وجدت علامات الدم فصدت العرق الذي تحت اللسان وحجمت على الفقرة الأولى بلا شرط ولا شك أن المادة الفاعلة للقوة مستكنة في عبادي العصب وعضل الوجه ولذلك يستحبّ أن تستعمل الأدوية المحمّرة على فقرات العنق وعلى الفك أيضاً إذا كان الليف الكثير يأتي منها إلى العضل التي في الوجه هذا إذا كان استرخائياً وأما إن كان تشنّجياً يابساً فإياك والأشياء الحارة من الطلاء والتكميد والأدهان والمتناولات. وقد شاهدنا نحن من كان به لقوة تشنجية يابسة فعالجه بعض الأطباء بالتكميد والمتناولات المحارة فصار شق وجهه أردأ مما كان وثقل لسانه عند المكالمة وقد طال عليه زمان فلما داويته أنا بضد ذلك برئ من ذلك بعد مقاساة في المعالجة. وأما عضل الجفن فليست من تلك الجملة وتدبيرها تنقية الجزء المقدم من الدماغ وكذلك التكميد اليابس علىِ هذه الفقرات واللحى ودلكها ودلك الرأس أيضاً وخصوصاً على جوع شديد. ومما ينفع الملقو أيضاً إدامة غسل وجهه بالخل ولطخ المواضع المذكورة بالخلّ وخصوصاً إذا طبخ فيه الملطفات. أو كان خلاً سحق فيه خردل فهو عجيب حيث يكون الاسترخاء بخلاف التشنّجي وأن يكب على طبيخ الشيح والقيصوم والحرمل والغار والبابونج ونحوه ويوقد تحته بمثل الطرفاء والأثل وإذا لم ينفعه الأدوية كوي العرق الذي خلف أذنه ويجتنب الحمام إذا كان استرخائياً ويواظب عليه كل يوم مراراً في التشنّجي ويجب أن يكلف الغرغرة أكثر من غيرها بما أنت تعلم ذلك وتستعمل المضوغات وخاصة الوفي وجوزبوا وعاقر قرحا. ومن مضوغاتهم الهليلج الأسود ويجب أن يمسك المضوغ في الشق الألم ويكون في بيت مظلم. وقيل من يمشي في حوائجه فلا بأس بذلك ويسعط بمرارة الكركي أو باشق أو ذئب أو شبوط أو عصارة الشهدانج أو الموزنجوش أو السلق أو ماء السكبينج بدهن السوسن أو فربيون مقدار عدسة بلبن امرأة ويعالج الرأس بما ينقيه مما ذكرنا في قانون أمراض الرأس من كل وجه. ومن العطوسات المجربة لهم الرتة وهو الفندق الهندي وخاصة قشره الأعلى وآذان الفار وعصارة قثاء الحمار والعرطنيثا وقد يخلط ذلك بما يسخن مع التعطيس مثل الجندبادستر والشونيز وغيره وأفضل ما يسعط به ماء آذان الفار وهو المسمى أباغلس وإذا سعط بوزن درهمين من مائه مع دانق سكبينج ونصف درهم زيت نفع بل أبرأ في خمسة أيام وقد يؤمرون بالنظر في المرأة الصينية ليتكلفوا دائماً تسوية الوجه. وأوفقها المرآة المشوشة في إبراء الوجه وهي الضيقة والصبيان إذا ضربتهم اللقوة في آخر الربيع شفاهم الاطريفل الأصفر أياماً إلى سبعة والغذاء ماء حمص.

 فصل في الرعشة وعلامات أصنافها وعلاجاتها

هي علّة آلية تحدث لعجز القوة المحركة عن تحريك العضل على الاتصال مقاومة للنقل المعاوق المداخل بتحريكه لتحريك الإرادة فتختلط حركات إرادية بحركات غير إرادية أو ثبات إرادي بتحريكات غير إرادية وهي آفة في القوة المحركة كما أن الخمر آفة في الحساسة. وهذا السبب إما في القوة وإما في الآلة وإما فيهما جميعاً فإن القوة إذا ضعفت لاعتراض الخوف أو لوصول شيء مفظع هائل كالنظر من موضع عال أو المشي على حائط أو مخاطبة محتشم مهيب أو غير ذلك مما يقبض القوى النفسانية أو غم أو حزن أو فرح مشوش لنظام حركات القوة عرضت الرعشة. والغضب قد يفعل ذلك لأنه يحدث اختلافاً في حركة الروح. ومن أسبابها على سبيل إيهان القوة كثرة الجماع على الامتلاء والشبع. وأما الكائن عن الآلة فقد يكون بأن يسترخي العصب بعض الاسترخاء ولا يبلغ به الفالج فلا يتماسك عند التحريك كما يعرض عند الشرب الكثير والسكر المتواتر وكثرة شرب الماء البارد أو شربه في غير وقته أو بأن يقع في الأعصاب سدد لامتلاء كثير حادث عن الأسباب المعلومة من التخمة وترك الرياضة فلا تنفذ لأجلها القوة تمام النفوذ. والمادة السادة إما منفعلة عن المجاري متحركة فيها تارة تطرق النفوذ وتارة تمنع وإما غير منفعلة البتة وقد يكون من أن تجف الآلة جفوفاً فلا تطاوع للعطف مطاوعة مسترسلة. وأما المشتركة فأن يصيب الآلة ضرر يتأذى إلى الإضرار بالقوة كما يصيبها برد شديد من خارج أو من لسع حيوان أو من خلط أو من حر شديد كما يعترض عند الاحتراق وغيره فيصيب معها القوة آفة أو يصيب القوة على حدتها آفتها التي تخصها ويصيب العضو على حدته آفة تخصه ويتوافى الضرران معاً. والرعشة ربما كانت في جميع الأعضاء وربما كانت في اليدين وربما كانت في الرأس وحده بحسب وصول الآفة إلى عضل دون عضل وقد تكون الرعشة في اليدين دون الرجلين إما لأن السبب ليس في أصل النخاع بل في الشعب النافذة إلى اليدين من العصب وإما لأن السبب في أصل النخاع لكنه ينفضه إلى أقرب المواضع وأقرب الجوانب. والطبيعة تحوط النخاع من أن ينفذ ذلك السبب فيه فيبلغ أقصاه وإما لأن الروح المحرك في أصافل البدن أقوى وأشد لحاجة تلك الأعضاء إلى مثله فلا ينفعل عن الأسباب التي ليست بقوية جداً انفعالا شديداً وإن انفعلت الآلة قوي على قهرها واليد ليست كذلك. والسبب الغالب في إحداث الرعشة الثانية برد يضعف العصب والروح معاً أو رطوبة بآلة مرخية دون إرخاء الرطوبة الفاعلة للفالج. وقد قال بقراط: من عرضت له في الحمى المحرقة رعشة فإن اختلاط الذهن يحلها ولم يض جالينوس هذا الفصل وليس مما لا وجه له. واعلم أن أصعب الرعشة ما يبتدئ من اليسار. والرعشة في المشايخ لا تزول بعلاج. العلامات: هي الأسباب المذكورة وهي الظاهرة. يعمل ما قيل في سائر الأبواب من تفتيح السدد وإبطاء الاسترخاء والاستفراغ وتقوية العصب والترطيب إن احتيج إليه والإنعاش إن كان لضعف عن مرض والتسخين إن وقع لبرد مغافص أو مشروب والغمز والدلك والنفض إن وجب وعلى ما بين في القانون والاستحمام بمياه الحمآت مثل الماء النطروني أو الزرنيخي أو القفري أو الكبريتي وماء البحر نافع أيضاً. وإن كان سببه الماء البارد كمد بالنطرون والخردل ومرخ بدهن القسط وإن كان سببه شرب الخمر الكثير استفرغ واستعمل دهن قثاء الحمار وما يجري مجراه وأديم التمريخ بدهن القت. ولدهن الحندقوقي خاصية عجيبة في ذلك وكذلك إن ضمد بالرطبة وحدها وإن كان من أخلاط متشربة أو غليظة أو رسخت العلة فليستعمل وضع المحجمة على الفقرة الأولى وليجلس في أبزن دهن مسخن وفي مرق الحيوان المذكور في باب الفالج والتشنج والكزاز وآخر الأمر يسقى جندبيدستر في شراب العسل أو بالايارجات الكبار ويسقى الحب المتخذ بالسذاب وسقولوقندريون وينتفعون بدماغ الأرنب جداً فليكلوا منه مشوياً. ومما ينفع المرعش أن يسقى ضراب العسل بماء طبخ فيه حب الخطمي وورق دامامون نصف أوقية وكذلك يسقون عصارة الغافت مع الماء ويستعملون علاج الاسترخاء بعينه فإن كانت الرعشة خاصت في الرأس فقد جرب لهم استعمال الاسطوخودوس وزن درهم أو درهمين وحده ومع أيارج فيقرا إما محبباً وإما في شراب العسل وجرب لهم شرب حب القوقاي من درهم إلى درهم ونصف كل عشرة أيام مرة ويجب أن يكون الغذاء ما يسرع هضمه والشراب يضرهم وكذلك الماء البارد. وأسلم المياه لهم وأقلها ضرراً ماء المطر وكذلك لكل مرض عصبي ويتضررون بكثرة الغذاء الغليظ والرطب والفصد.

 فصل في الخَدر

لفظة الخَدر تستعمل في الكتب استعمالاً مختلفاً فربما جعل لفظة الخدر مرادفة للفظة الرعشة وأما نحن وكثير من الناس فنستعمله على هذا الوجه. الخدر علة آلية تحدث للحس اللمسي آفة إما بطلاناً وإما نقصاناً مع رعشة إن كان ضعيفاً أو استرخاء إن استحكم لأن القوة الحسية لا تمتنع عن النفوذ إلا والحركية تمتنع كما أوضحنا مراراً وإن كان في الأحايين قد يوجد خَدر بلا عسر حركة لاختلاف عصب الحركة والحس. وسبب الخَدر إما من جهة القوة فأن يضعف كما في الحميات القوية والحادة المؤدية إلى الخدر وكما في الذي يريد أن يغشي عليه وعند القرب من الموت وإما من جهة الآلة فأن يفسد مزاجها ببرد شديد من شرب دواء أو لسع حيوان كالعقرب المائي أو مس الرعادة المسمى نارقا أو شرب دواء كالأفيون فيحدث ذلك غلظاً في الروح التي هي آلة القوة وضعفاً أو يفسد مزاجها بحر شديد كمن لسعته الحية أو بقي في حمام شديد الحر أو في الحميات المحرقة أو لغلظ جوهر العصب فلا ينفذ فيه الروح نفوذاً حسناً ولذلك ما تجد في لمس الرجل بالقياس إلى لمس اليد كالخدر أو يكون لسدد من أخلاط غليظة إما لحم وإما بلغم وإما سوداء وقد يمكن أن يكون من الصفراء أو لسدد من ضغط ورم أو خراج أو ضغط شد ورباط أو ضغط وضع يلوي العصب أو معصره شديداً أو لأجل وضع ينصت إلى العضو معه دم أو خلط غيره كثير فيسد المسالك. وهذا أكثره عن الدم ولذلك إذا بدل وضعه فزال ورجع عنه ما انصب إليه عاد لحس وربما عرض ذلك من اليبس والِجفاف فتنسد المسالك لاجتماع الليف وانطباقه وهذا رديء. وقد تعرض السدة للاسترخاء الكائن عن رطوبة مزاجية دون مادة يتبع ذلك لاسترخاء انطباق المجاري. وأسباب الخَدر قد تكون في الدماغ نفسه فإن كان كَلّياً يعمّ البدن كله فهو قاتل من يومه وربما كانت في النخاع وربما كان ابتداؤها من فقرة واحدة وربما كان في شعبه عصب فإن أَزْمَنَ الخدر البارد وطال أدّى إلى الاسترخاء. والخدر الغالب ينذر بسكتة أو صرع أو تشنّج أو كزاز أو فالج عام وخدر كل عضو إذا دام واشتدّ ينذر بفالج أو تشنّج يصيبه. وخدر الوجه ينذر باللّقوة وكثيراً ما يعقب ذات الرئة وذات الجنب والسرسام البارد خدر. واعلم أن الخدر إذا دام في عضو ولم نر له الاستفراغ ثم العلامات: العلامات بعينها هي الأسباب وكما قيل في الرعشة ويدلّ على ذلك منها وزيادة الخدر بزيادته ونقصانه بنقصانه والعلاج على ما قيل في الرعشة بعينه إلا أنه إن كان عن دم غالب وقامت دلالة من امتلاء العروق وانتفاخ الأوداج وثقل البدن ونوم وحمرة وجه وعين وغير ذلك فينبغي أن يفصد فصداً بالغاً فإنه في أكثر يزيل الخدر وحده ومع إصلاح التدبير وتجفيف الغذاء وإذا ظهر الخدر بعضو من الأعضاء بسبب سابق أو باد مثل برد أو غير ذلك نال مبدأ العصب فيجب أن لا يقتصر على معالجة الموضع بل يكوى وكذلك علاج مبدأ العصب السالك إليه. ومن المعالجات النافعة للخدر رياضة ذلك العضو ودوام تحريكه. واعلم أن القرطم الواقع في الحقن مسخن للعصب.

 فصل في الاختلاج

الاختلاج حركة عضلانية وقد يتحرك معها ما يلتصق بها من الجلد وهي من ريح غليظة نفّاخة أما الدليل على أنها من ريح فسرعة الانحلال وأنه لا يكون إلا في الأبدان الباردة َ والأسنان الباردة وشرب الأشياء الباردة ويسكنها المسخنات والنفوذ. وأما الدليل على أنها غليظة فهو أنها لا تنحل إلا بتحريك العضو والدليل على أنها عضلانية لحمية عصبية أن ما لانَ جداً مثل الدماغ فإن الريح لا تحتقن فيه وكذلك ما صلب مثل العظم بل يعرض في الأكثر لما توسّط في الصلابة واللين. وأسباب الاختلاج قوة مبرّدة ومادة رطبة وقد يعرض الاختلاج من الأعراض النفسانية كثيراً خصوصاً من الفرح وكذلك يعرض من الغم والغضب وغير ذلك لأن الحركة من الروح قد تحلّل المواد رياحاً.واعلم أن الاختلاج إذا عمّ البدن أنذر بسكتة أو كزاز. وإذا دام بالمراق أنذر بالمالنخوليا والصرع وإذا دام بالوجه أنذر باللقوة واختلاج ما دون الشراسيف ربما دلّ على ورم في الحجاب فإنه من توابعه. علاج الاختلاج المتواتر: يكمد بالكمادات المسخنة فإن زال وإلا استعملت الأدهان المحللة مبتدئاً من الأضعف إلى الأقوى فإن زال وإلا سقي المسهل ويدام بعد ذلك تمريخ العضو بالأدوية المسخّنة. وللجندبيدستر مع الزنبق خاصية في هذا الباب ولا يتناول ماء الجمد ولا الخدر الكثير وما له نفخ وتبريد ويقرب علاجه من علاج أخواته فلنختم الكلام في أمراض العصب ههنا ولنقتصر على الحسيّة والحركية والِوضعية منها. وأما الأورام وتفرقات الاتصال وغير ذلك فلتأخر إلى الكتاب الرابع إن شاء الله.

 الفن الثالث تشريح العين وأحوالها وأمراضها

وهو أربعة مقالات

 المقالة الأولى أحوال العين والرمد  فصل في تشريح العين

فنقول: قوّة الإبصار ومادة الروح الباصر تنفذ إلى العين من طريق العصبتين المجوّفتين اللتين عرفتهما في التشريح وإذا انحدرت العصبة والأغشية التي تصحبها إلى الحجاج اتّسع طرف كل واحد منهما وامتلأ وانبسط اتساعاً يحيط بالرطوبات التي في الدقّة التي أوسطها الجليدية وهي رطوبة صافية كالبرد والجليد مستديرة ينقص تفرطحها من قدّامها استدارتها وقد فرطحت ليكون المتشنج فيها أوفر مقداراً ويكون للصغار من المرئيات قسم بالغ تتشنّج فيه ولذلك فإن مؤخرها يستدقّ يسيراً ليحسن انطباقها في الأجسام الملتقمة لها المستعرضة المستوسعة عن دقة ليحسن التقامها إياها وجعلت هذه الرطوبة في الوسط لأنه أولى الأماكن بالحرز وجعل وراءها رطوبة أخرى تأتيها من الدماغ لتغذوها فإن بينها وبين الدم الصرف تدريجاً. وهذه الرطوبة تشبه الزجاج الذائب ولون الزجاج الذائب صفاء يضرب إلى قليل حمرة. أما الصفاء فلأنها تغذو الصافي وأما قليل حمرة فلأنها من جوهر الدم ولم يستحل إلى مشابهة ما يغتذي به تمام الاستحالة وإنما أخرت هذه الرطوبة عنها لأنها من بعث الدماغ إليها يتوسط الشبكي فيجب أن تلي جهته وهذه الرطوبة تعلو النصف المؤخر من الجليدية إلى أعظم دائرة فيها وقدامها رطوبة أخرى تشبه بياض البيض وتسمى بيضية وهي كالفضل عن جوهر الجليدية وفضل الصافي صافٍ ورضعت من قدام لسبب متقدم ولسبب كالتمام. والسبب المتقدم هو أن جهة الفضل مقابلة لجهة الغذاء والسبب التمامي هو أن يدرج حمل الضوء على الجليدية ويكون كالجنة لها ثم أن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية والجليدية إلى الحد الذي بين الجليدية والبيضية والحد الذي ينتهي عنده الزجاجية عند الإكليل احتواء الشبكة على الصيد فلذلك تسمى شبكتة وينبت من طرفها نسج عنكبوتي يتولد منه صفاق لطيف تنفذ معه خياطات من الجزء المسمى الذي سنذكره وذلك الصفاق حاجز بين الجليدية وبين البيضية ليكون بين اللطيف والكثيف حاجز ما وليأتيه غذاء من أمامه نافذ إليه من الشبكي والمشيمي وإنما كان رقيقاً كنسج العنكبوت لأنه لو كان كثيفاً قائماً في وجه الجليدية لم يبعد أن يعرض منه لاستحالته أن يحجب الضوء عن الجليدية من طريق البيضيّة وأما طرف الغشاء الرقيق فإنه يمتلئ وينتسج عروقاً كالمشيمة لأنه منفذ الغذاء بالحقيقة وليس يحتاج إلى أن يكون جميع أجزائه مهيأة للمنفعة الغذائية بل الجزء المؤخر ويسمى مشيمياً. وأما ما جاوز ذلك الحدّ إلى قدام فيثخن صفاقاً إلى الغلظ ما هو ذا لون أسمانجوني بين البياض والسواد ليجمع البصر وليعدل الضوء فعل إطباقنا البصر عند الكلال التجاء إلى الظلمة أو إلى التركيب من الظلمة والضوء وليحول بين الرطوبات وبين القرني الشديد الصلابة ويقف كالمتوسط العدل وليغذو القرنية بما يتأذى إليه من المشيمية ولا يتم إحاطته من قدامه لئلا يمنع تأدي الأشباح بل يخلي قدامه فرجة وثقبة كما يبقى من العنب عند نزع ثفروقه عنه وفي تلك الثقبة تقع التأدية إذا انسدت منع الإبصار وفي باطن هذه الطبقة العنبية خمل حيث يلاقي الجليدية ليكون أشبه بالمتخلخل اللين وليقل أذى مماسِّتِهِ. وأصلب أجزائه مقدمه حيث تلاقي الطبقة القرنية الصلبة وحيث يتثقب ليكون ما يحيط بالثقبة أصلب والثقبة مملوءة رطوبة للمنفعة المذكورة وروحاً يدل عليه ضمور ما يوازي الثقبة عند قرب الموت. أما الحجاب الثاني فإنه صفيق جداً ليحسن الضبط ويسمى مؤخره طبقة صلبة وصفيقة ومقدّمه يحيط بجميع الحدقة وتشف لئلا تمنع الإبصار فيكون ذلك في لون القرن المرقق بالنحت والجرد ويسمى لذلك قرنية. وأضعف أجزائه ما يلي قدّام وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربعة كالقشور المتراكبة إن انقشرت منها واحدة لم تعم الآفة. وقول قوم: إنها ثلاث طبقات ومنها ما يحاذي الثقبة لأن ذلك الموضع إلى الستر والوقاية أحوج وأما الثالث فيختلط بعضل حركة الحدقة ويمتلئ كله لحماً أبيض دسماً ليليّن العين والجفن ويمنعها أن تجف وتسمى جملته الملتحم فأما العضل المحركة للمقلة فقد ذكرناها في التشريح وأما الهدب فقد خلق لدفع ما يطير إلى العين وينحدر إليها من الرأس ولتعديل الضوء بسواده إذ السواد يجمع نور البصر وجعل مغرسه غشاء يشبه الغضروف ليحسن انتصابها عليه فلا يضطجع لضعف المغرس وليكونا للعضلة الفاتحة للعين مستنداً كالعظم يحسن تحريكه. وأجزاء الجفن جلد ثم أحد طاقي العشاء ثم شحمه ثم عضله ثم الطاق الآخر وهذا هو الأعلى. وأما الأسفل فينعقد من الأجزاء العضلية والموضع الذي في شقه خطر هو ما يلي موقه عند مبدأ العضلة.

 فصل في تعرّف أحوال العين

وأمزجتها والقول الكلي في أمراضها يتعرف ذلك من ملمسها ومن حركتها وعن عروقها ومن لونها ومن شكلها ومن قدرها ومن فعلها الخاص وحال ما يسيل منها وحال انفعالاتها. فأما تعرف ذلك من ملمسها فأن يصيبها اللمس حارة أو باردة أو صلبة يابسة أو لينة رطبة. وأما تعرف ذلك من حركتها فأن تتأمل هل حركتها خفيفة فتمد على حرارة أو على يبوسة كما يفصل ذلك ملمسها أم ثقيلة فتدل على برد ورطوبة. وأما تعرف ذلك من عروقها فأن تتعرف هل هي غليظة واسعة فيدل ذلك على حرارتها أم دقيقة خفية فيدل ذلك على برودتها وأن تتعرف هل هي خالية فيدل ذلك على يبوستها أم ممتلئة فيمل ذلك على كثرة المادة فيها. وأما تعرف ذلك من لونها فإن كل لون يحل على الخلط الغالب المناسب أعني الأحمر والأصفر والرصاصي والكمد. وأما تعرف ذلك من شكلها فإن حسن شكلها يدل على قوتها في الخلقة وسوء شكلها على ضد ذلك. وأما حال عظمها وصغرها فعلى حسب ما قيل في الرأس وأما تعرّف ذلك من فعلها الخاص فإنها إن كانت تبصر الخفي من بعيد ومن قريب معاً ولا تتأذى بما يرد عليها من المبصرات القوية فهي قوية المزاج معتدلة وإن كانت ضعيفة الإبصار وعلى خلاف ذلك ففي مزاجها أو خلقتها فساد وإن كانت لا تقصر في إدراك القريب وإن دق وتقصر في إدراك البعيد فروحها صافٍ صحيح قليل تدعي الأطباء أنه لا يفي للانتشار خارجاً لرقته ويعنون بذلك الشعاع الذي يعتقدون أنه من جملة الروح وأنه يخرج فيلاقي المبصر وإن كانت لا تقصر في إدراك البعيد فإن أدنى منها الدقيق لم تبصر وإن نحي عنها إلى قدر من البعد أبصرته فروحها كبير كدر غير صاف لطيف بل رطب ومزاجها رطب تدّعي الأطباء أنه لا يرقّ ولا يصفو إلا بالحركة المتباعدة. وإذا أمعن الشعاع في الحركة رق ولطف وإن كانت تضعف في الحالين فروحها قليل كدر وأما تعرف ذلك من حال ما يسيل منها فإنها إن كانت جافة لا ترمص البتة فهي يابسة وإن كانت ترمص بإفراط فهي رطبة جداً. وأما من حال انفعالاتها فإنها إن كانت تتأذى من الحر وتتشفى بالبرد فبها سوء مزاج حار وإن كانت بالضد فبالضد. واعلم أن الوسط في كل واحد من هذه الأنواع معتدل إلا المفرط في جودة الإبصار فهو المعتدل. والعين يعرض لها جميع أنواع الأمراض المادية والساذجة والتركيبية الآلية والمشتركة. وللعين في أحوالها التي تعرض لها من هيئة الطرف والتغميض والتفتيح واللون والدمعة أحكام متعلقة بالأمراض الحادّة يجب أن تطلب منها. وأمراض العينين قد تكون خاصة وقد تكون بالمشاركة. وأقرب ما تشاركه الدماغ والرأس والحجب الخارجة والداخلة ثم المعدة. وكل مرض يعرض للعين بمشاركة الحجاب الخارج فهو أسلم مما كان بخلافه. علامات كون مرض العين بشركة الدماغ أن يكون في الدماغ بعض دلائل آفاته المذكورة فإن كان الواسطة الحجب الباطنة ترى الوجع والألم يبتدئ من غور العين وإن كانت المادة حارة وجدت عطاساً وحكةً في الأنف وإن كانت باردة أحسست بسيلان بارد. وقلما تكون هذه المشاركة بسوء مزاج مفرد وإن كانت المشاركة مع الحجب الخارجة وكانت المادة تتوجّه منها أحس بتمدد يبتدئ في الجبهة والعروق الخارجة. وتظهر المضرة فيما يلي الجفن أكثر وإن كانت بمشاركة المعدة كانت العلامات المذكورة في باب مشاركة الدماغ للمعدة وإن كان هناك خيالات بسبب المعدة قلت في الخواء وكثرت في الامتلاء. وأما علامات المرض المادي من حيث هو في نفس العين فان الدموي يدل عليه الثقل والحمرة والدمع والانتفاخ ودرور العروق وضربان الصدغين والالتزاق والرمص وحرارة الملمس وخصوصاً إذا اقترن به علامات دموية الرأس. وأما البلغمي فيدل عليه ثقل شديد وحمرة خفية مع رصاصية ما والتصاق ورمص وتهتج وقلة دموع. وأما الصفراوي فيدل عليه النخس والالتهاب مع حمرة إلى صفرة ليست كحمرة الدموي ورقة دمع حاد وقلة الالتصاق. وأما المزاجات الساذجة فيمل عليها الثقل مع الجفاف ومع وجود دلائل ذكرناها في باب التعرف. وأما الأمراض الآلية والمشتركة فيأتي لكل

 فصل قي قوانين كلية في معالجات العين

معالجات العين مقابلة لأمراض العين ولما كانت الأمراض إما مزاجية مادية وإما مزاجية ساذجة وإما تركيبية وإما تفرق اتصال فعلاج العين إما استفراغ ويدخل فيه تدبير الأورام وإما تبديل مزاج وإما إصلاح هيئة كما في الجحوظ وإما إدمال وإلحام والعين تستفرغ المواد عنها إما على سبيل الصرف عنها وإما على سبيل التحليب منها. والصرف عنها هو أولاً من البدن إن كان ممتلئاً ثم من الدماغ بما عرفت من منقيات الدماغ ثم النقل عنها من طريق الأنف ومن العروق القريبة من العين مثل عرقي المأقين. وأما التحليب منها فيكون بالأدوية المدمعة.وأما تبديل المزاج فيقع بأدوية خاصية أيضاً. وأما تفرق الاتصال الواقع فيها فيعالج بالأدوية التي لها تجفيف غير كثير وبعيد من اللذع وأنت ستطلع على هذه الأدوية من كلامنا في الرمد وسائر علل العين. ويجب أن تعلم أن الأمراض المادية في العين يجب أن يستعمل فيها تقليل الغذاء وتناول ما يولد الخلط المحمود واجتناب كل مبخر وكل ما يسوء هضمه وإذا كانت المادة منبعثة من عضو قصدت فصد ذلك العضو وإذا كانت المادة تتوجه من الحجاب الخارج استعملت الحجامة واستعملت الرواح على الجبهة ومن جملتها قشر البطيخ للحارة والقلقديس للباردة والعروق التي تفصد للعين هي مثل القيفال ثم العروق التي في نواحي الرأس فما كان من قدّام كان أنفع في النقل من الموضع وما كان من خلف كان أنفع في الجذب. واعلم أن ما يحدث في العين من المواد ويحتاج إلى نقله عنها إلى عضو آخر فأصوب ما ينقل إليه هو المنخران وذلك إذا لم تكن في فريق الانصباب إلى العين. وهذا النقل إنما هو بالعطوسات والنشوقات المذكورة في مواضع أخر حيث ذكرنا تدبير أوجاع الرأس. وأدوية العين منها مبدلات للمزاج إما مبردة مثل عصارات عنب الثعلب وعصا الراعي وهو البطباط وماء الهندبا وماء الخس وماء الورد وعصارته ولعاب بزر قطونا ومنها مسخنات مثل المسك والفلفل والوج والماميران ونحوها ومنها مجففات مثل التوتيا والأثمد والإقليميا ومن جملتها مقبضات مثل شياف ماميثا والصبر والفيلزهرج والزعفران والورد ومنها ملينات مثل اللبن وحكاك اللوز وبياض البيض واللعاب ومنها منضجّات مثل العروق وماء الخلبة والزعفران والميبختج وخصوصاً منقوعاً فيه الخبز ومنها محلّلات مثل الأنزروت وماء الرازيانج ومنها مخدرات مثل عصارة اللفّاح والخشخاش والأفيون. واعلم أنه إذا كان مع علل العين صُداع فابدأ في العلاج بالصداع ولا تعالج العين قبل أن تزيله وإذا لم يغن الاستفراغ والتنقية والتدبير الصائب فاعلم أن في العين مزاجاً بارداً أو مادة خبيثة لحجة في الطبقات تفسد الغذاء النافذ إليها أو هناك

 فصل في حفظ صحة العين وذكر ما يضرّها

يجب على من يعتني بحفظ صحة العين أن يوقيها الغبار والدخان والأهوية الخارجة عن الاعتدال في الحر والبرد والرياح المفججة والباردة والسمومية ولا يديم التحديق إلى الشيء الواحد لا يعدوه. ومما يجب أن يتقيه حقّ الاتقاء كثرة البكاء ويجب أن يقل النظر في الدقيق إلا أحياناً على سبيل الرياضة ولا يطيل نومه على القفا وليعلم أن الاستكثار من الجماع أضرّ شيء بالعين وكذلك الاستكثار من السكر والتملؤ من الطعام والنوم على الامتلاء وجميع الأغذية والأشربة الغليظة وجميع المبخّرات إلى الرأس ومن جملتها كل ما له حرافة مثل الكرّاث والحندقوقي وجميع ما يجفّف بإفراط ومن جملته الملح الكثير وجميع ما يتولد منه بخار كثير مثل الكرنب والعدس وجميع ما ذكر في ألواح الأدوية المفردة ونسب إلى أنه ضارّ بالعين. وليعلم أن كل واحد من كثرة النوم والسهر شديد المضرّة بالعين وأوفقه المعتدل من كل واحد منهما. وأما الأشياء التي ينفع استعمالها العين ويحفظ قوتها فالأشياء المتخذة من الإثمد والتوبا مثل أصناف التوتيا المرباة بماء المرزنجوش وماء الرازيانج. والاكتحال كل وقت بماء الرازيانج عجيب عظيم النفع وبرود الرمان الحلو عجيب نفعه أيضاً وأيضاً البرود المتخذ من ماء الرمانين معتصراً بشحمهما منضجين في التنور مع العسل كما ستقف عليه في موضعه. وأما الأمور الضارة بالبصر فمنها أفعال وحركات ومنها أغذية ومنها حال التصرّف في الأغذية فأما الأفعال والحركات فمثل جميع ما يجفف مثل الجماع الكثير وطول النظر إلى المضيئات وقراءة الدقيق قراءة بإفراط فإن التوسّط فيها نافع وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء في العشاء بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصبر حتى ينهضم ثم ينام وكل امتلاء يضره وكل ما يجفف الطبيعة يضرُّه وكل ما يعكر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه والسكر يضره وأما القيء فينفعه من حيث ينقي المعدة ويضرّه من حيث يحرك مواد الدماغ فيدفعها إليه وإن كان لا بد فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق والاستحمام ضار والنوم المفرط ضار والبكاء الكثير وكثرة الفصد وخصوصاً الحجامة المتوالية ضارة. وأما الأغذية فالمالحة والحريفة والمبخرة وما يؤذي فم المعدة والكراث والبصل والثوم والبافرو أكلاً والزيتون النضيج والشبث والكرنب والعدس. وأما التصرّف في الأغذية فأن يتناولها بحيث يفسد هضمها ويكثر بخارها جمل ما بين في موضعه وقد وقفت عليه وتقف عليه في مقالات هذا الكتاب الثالث.

 فصل في الرمد والتكدر

الرمد منه شيء حقيقي ومنه شيء يشبهه ويسمى التكدر والتخثر. والخثر وهو يسخن ويرطب يعرض من أسباب خارجة تثيرها وتحمّرها مثل الشمس والصداع الإحتراقي وحُمى يوم الاحتراقية. والغبار والدخان والبرد في الأحيان لتقبيضه والضربة لتهييجهما والريح العاصفة بصفقها.وكلّ ذلك إثارة خفيفة تصحب السبب ولا ترتث بعده ريثاً يعتدّ به ولو أنه لم يعالج لزال مع زوال السبب في آخر الأمر ويسمى باليونانية طارطسيس فإن عاونه سبب بدني أو بادئ معاضد للبادئ الأول أمكن حينئذ أن يستفحل وينتقل ورماً ظاهراً حقيقياً انتقال حمّيات اليوم إلى حميات أخرى وإذا انتقل فهو في بدء ما ينتقل يسمى باليونانية لقويكما.ومن أصناف الرمد ما يتبع الجرب في العين ويكون السبب فيه خدشة للعين وهو يجري في أول الأمر مجرى التكدر وإنما يتأتى علاجه بعد حكّ الجرب. وأما الرمد بالجملة فهو ورم في الملتحمة فمنه ما هو ورم بسيط غير مجاوز للحد في درور العروق والسيلان والوجع ومنه ما هو عظيم مجاوز للحد في العظم يربو فيه البياض على الحدقة فيغطيها ويمنع التغميض ويسمى كيموسيس ويعرف عندنا بالوردينج. وكثيراً ما يعرض للصبيان بسبب كثرة موادهم وضعف أعينهم وليس يكون عن مادة حارة فقط بل وعن البلغمية والسوداوية ولما كان الرمد الحقيقي ورماً في الحدقة بل الملتحمة وكل ورم إما أن يكون عن دم أو صفراء أو بلغم أو سوداء أو ريح فكذلك الرمد لا يخلو سببه عن أحد هذه الأسباب وربما كان الخلط الموزم متولّداً فيها وربما كان صائراً إليها من الدماغ على سبيل النزلة من طريق الحجاب الخارج المجلّل للرأس أو من طريق الحجاب الداخل وبالجملة من الدماغ ونواحيه فإنه إذا اجتمع في الدماغ مواد كثيرة وامتلاء فأقمن بالعين أن ترمد إلا أن تكون قوية جداً وربما كانت الشرايين هي التي تصمت إليها فضولها إذا كانت الفضول تكثر فيها سواء كانت الشرايين من الداخلة أو الخارجة. وربما لم تكن المادة صائرة إليها من ناحية الدماغ والرأس بل تكون صائرة إليها من الأعضاء الأخرى وخصوصاً إذا كانت العين قد لحقها سوء مزاج وأضعفها وجعلها قابلة للآفات وهي التي تصب إليها تلك الفضول. ومن أصناف الرمد ما له دور ونوائب بحسب دور انصباب المادة ولولدها واشتداد الوجع في الرمد إما لخلط لذّاع يأكل الطبقات وإما لخلط كثير ممدّد وإما لبخار غليظ وبحسب التفاوت في ذلك يكن التفاوت في الألم. ومواد ذلك كما علمت إما من التمدد وإما من الرأس نفسه وإما من العروق التي تؤدي إلى العين مادة رديئة حارة أو باردة وربما كان من العين نفسها وذلك أن يعرض لطبقات العين فساد مزاج لخلط محتبس فيها أو رمد طال عليها فتحيل جميع ما يأتيها من الغذاء إلى الفساد ومن كانت عينه جاحظة فهو أقبل لعظم الرمد ونتوئه لرطوبة عينه واتساع مسامها. وقد تكثر الدموع الباردة في أصناف من الرمد لعدم الهضم وكثيراً ما ينحلّ الرمد بالاختلاف الطبيعي. واعلم أن رداءة الرمد بحسب كيفية المادة وعظمه بحسب كمية المادة. واعلم أن البلاد الجنوبية يكثر فيها الرمد ويزول بسرعة أما حدوثه فيهم كثيراً فلسيلان موادهم وكثرة بخاراتهم وأما برؤه فيهم سريعاً فلتخلخل مسام أعضائهم وانطلاق طبائعهم فإن فاجأهم برد صعب ومدهم لاتفاق طرو مانع قابض على حركة سيالة من خلط ثائر. وأما البلاد الباردة والأزمنة الباردة فإن الرمد يقل فيها ولكنه يصعب أما قلته فيها فلسكون الأخلاط فيها وجمودها وأما صعوبتها فلأنها إذا حصلت في عضو لم يتحلل بسرعة لاستحصاف المجاري فمددت تمديداً عظيماً حتى يعرض أن يتقطر منها الصفاق وإذا سبق شتاء شمالي وتلاه ربيع جنوبي مطير وصيف ومد كَثُر الرمد وكذلك إذا كان الشتاء دقياً جنوبياً يملأ البدن الأخلاط ثم تلاه ربيع شمالي يحقنه. والصيف الشمالي كثير الرمد خصوصاً بعد شتاء جنوبي وقد يكثر أيضاً في صيف كان جنوبي الربيع جاف الشتاء شمالية وقس الأبدان الصلبة على البلاد الشمالية والأبدان اللينة المتخلخلة على البلاد الجنوبية وكما أن البلاد الحارة ترمد فكذلك الحمام الحار جدا إذا دخله الإنسان أوشك أن يرمد. واعلم أنه إذا كان الرمد وتغير حال العين يلزم مع العلاج الصواب والتنقية البالغة فالسبب فيه مادة رديئة محتقنة في العين يفسد الغذاء أو نوازل من الدماغ والرأس على نحو ما بيناه فيما سلف. العلامات: اعلم أنّ الأوجاع التي تحدث في العين منها لذّاعة أكّالة ومنها متمدّدة: واللذّاعة تدلّ على فساد كيفية المادة وحدّتها والممددة تدل على كثرتها أو على الريح. وأسرع الرمد منها أسيله دمعاً وأحدّه لذعاً. وأبطؤه أيبسه. والرمص دلالة على النضج أو على غلظ المادة والذي يسرع من الرمص مع خفة الأعراض الأثقل فهو يدل على غلظ المادة. والذي يصحب النضج وتخفّ معه العين في الأول قليلاً وينحلّ سريعاً فهو المحمود. والذي حده صغار أقل دلالة على الخير فإن صغر الحبّ يدل على بطء النضج وإذا أخذت الأجفان تلتصق فقد حان النضج كما أنه ما دام سيلان مائي فهو ابتداء بعد. وبعد هذا فنقول: أما التكدّر فيعرف لخفته وسببه وفقدان الورم البادي وما كان من الرمد بمشاركة الرأس دل عليه الصُداع وثقل الرأس فإن كان الطريق للنزلة من الدماغ إلى العين وإنما هو من الحجاب الخارج المحلّل للرأس كانت الجبهة متمدّدة والعروق الخارجة دارَّة وكان الانتفاخ يبادر إلى الجفن ويكون في الجبهة حمرة وضران فإن كان من الحجاب الداخل لم يظهر ذلك وظهر عطاس وحكّة في الفم والأنف وإن كان بمشاركة المعدة رافقه تهوعّ وكرب. وعلامة ذلك الخلط في المعدة. وأما الرمد الدموي فيدلّ عليه لون العين ودرور العرق وضربان الصدغين وسائر علامات الدم في نواحي الدماغ ولا يدمع كثيراً بل يرمص ويلتزق عند النوم. وأما الصفراوي فيدلّ عليه نخس أشدّ ووجع محرق ملتهب أشد وحمرة أقل ودمعة رقيقة حارة ربما قرحت وربما خلت عن الدمع خلو الدموي ولا يلتزق عند النوم وقد يكون من هذا الجنس ما هو حمرة تضرب العين وهي من جملة الأمزجة الخبيثة وربما كوت العين وقرّحتها قراحة ذبابة ساعية. ومن الرمد الصفراوي جنس حكّاك حاف مع قلة حمرة وقلّة رمص ولا يظهر الورم منه حجم يعتد به ولا سيلان وهو من مادة قليلة حادة. وأما البلغمي فيدل عليه ثقل شديد وحرارة قليلة وحمرة خفيفة بل السلطان يكون فيه للبياض ويكون رمص والتصاق عند النوم ويكون مع تهيّج ويشاركه الوجه واللون وإن كان مبدؤه المعدة صاحَبَه تهوع وقد يبلغ البلغمي أن تنتأ فيه الملتحمة على السواد غطاً من الورم إلا أنه لا يكون بين الحمرة شديدها ولا يكون معه دموع بل رمص. وأما السوداوي فيدل عليه ثقل مع كمودة وجفاف وإدمان وقلة التصاق. وأما لريحي فيكون معه تمدّد فقط بلا ثقل ولا معالجات التكدر: التكدر وما يجري مجراه من الرمد الخفيف فربما كفى فيه قطع السبب فإن كان السبب معيناً من امتلاء من دم أو غيره استفرغ وربما كفى تسكين حركتها وتقطير لبن وبياض بيض وغير ذلك فيها فإن كان التكَثر من ضربة قطر في العين دم حار من ريش حمام وغيره أو من دم نفسه وربما كفى تكميد بإسفنجة أو صوفة مغموسة بمطبوخ أو دهن ورد وطبيخ العدس أو يقطر فيها لبن النساء من الثدي حاراً فإن لم ينجع ذلك فطبيخ الحلبة والشياف الأبيض. والذي يعرض من برد فينفعه الحمّام إن لم يكن صار رمداً وورماً ولم يكن الرأس والبدن ممتلئين وينفع منه التكميد بطبيخ البابونج والشراب اللطيف بعد ثلاث ساعات من الطعام. والنوم الطويل على الشراب من علاجاته النافعة كان من الشمس أو من البرد أو غيره. وما كان من الرمد سببه الجرب ثم كان خفيفاً فليحك الجرب أولاً ثم يعالج الرمد وربما زال بعد حكّ الجرب من تلقاء نفسه فإن كان عظيماً لا يحتمل مقارنة تدبير الحك استعمل الرفق والتليين والتنقية حتى ينقاد ويحتمل المقارنة بينه وبين تدبير الحك.

 فصل في العلاج المشترك في أصناف الرمد

وانصباب النوازل إلى العين القانون المشترك في تدبير الرمد المادي وسائر أمراض العين المادية تقليل الغذاء وتخفيفه واختيار ما يولّد خلطاً محموداً واجتناب كل مبخّر واجتناب كل سوء هضم واجتناب الجماع والحركة وتدهين الرأس والشراب واجتناب الحامض والمالح والحريف وإدامة لين الطبيعة والفصد من القيفال فإنه يوافق جميع أنواعه. ويجب أن لا يقع بصر الرمد على البياض وعلى الشعاع بل يكون ما يفوش له ويطيف به أسود وأخضر ويعلق على وجهه خرقة سوداء تلوح لعينه. والأسود في حال المرض والأسمانجوني في حال الصحة. ويجب أن يكون البيت الذي يسكنه إلى الظلمة ويجب أن يجلب إليه النوم فإنه علاج جيد ويجب أن لا يترك الشعر يطول فإنه ضار بالرمد جداً إلا أن يكون الشعر مرسلاً في الأصل فإنه يقع من حيث يجفف الرطوبات جذباً إلى غذائها وإذا كان البدن نقياً والخلط الفاعل للرمد ناشئاً في العروق ومن جنس الدم الغليظ وخصوصاً في تخر الرمد فإن الاستحمام ليرقق المادة وشرب الشراب الصرف ليزعجها ويخرجها نافعان والحمام بعد الاستفراغ أفضل علاج للرمد وخصوصاً إذا كان التكميد يسكن الوجع ومما يجب أن يدبر في الرمد وسائر أمراض العين المادية هو إعلاء الوسادة والحذر من طأطأته ويجب أن يبعد الدهن من رأس الأرمد فإنه شديد المضرة له وأما تقطير الدهن ولو كان دهن الورد في وإن كانت المادة منبعثة من عضو فينبغي أن يستفرغ من ذلك العضو ويجذب إلى ضد الجهة بأي شيء كان بفصد وحقنة وغير ذلك وربما لم يغن الفصد من القيقال واحتيج إلى فصد شريان الصدغ أو الأذن لينقطع الطريق الذي منه تأتي المادة وذلك إذا كانت المادة تأتي العين من الشرايين الخارجة وإذا أريد سل هذه الشراييون فيجب أن يحلق الرأس ويتأمل أي تلك الصغار أعظم وأنبض وأسخن فيقطع ويبالغ في استئصاله إن كان مما يسل وهي الصغار دون الكبار وربما سل الذي على الصدغ. ويجب أن يخزم أولاً ثم يقطع بعد أن يختار ما سلف ذكره من أن يكون ما يُبتَر أو يقطع أعظم الصغار وأسخنها. ويجب قبل البتر أن يشد ما دونه بخيط إبريسم شداً شديداً طويلاً ويترك الشد عليه ثم يقطع ما وراءه فإذا عفن جاز أن يبان الشد وهذا يحتاج إليه فيما هو أعظم وأما الصغار فيكفي أن يشرط شرطاً عنيفاً ليسيل ما فيها من الدم وقد يقارب ذلك النفع حجامة النقرة وإرسال العلق على الجبهة وإذا لم يغن ما عمل فصد من المأق ومن عروق الجبهة. على أن حجامة النقرة بالغة النفع. وإذا تطاولت العلة استعملت الشياف الذي يقع فيه نحاس محرق وزاج محرق وربما كفى الاكتحال بالصبر وحده. وإذا طال الرمد ولم ينتفع بشيء فاعلم أن في طبقات العين مادة رديئة تفسد الغذاء الوارد عليها فافزع إلى مثل التوتياء المغسول مخلوطاً بالملينات مثل الاسفيذاج وإقليميا الذهب المغسول والنشا وقليل صمغ وربما اضطر إلى الكي على اليافوخ لتحتبس النزلة فإنه ربما كان دوامه لدوام نزلة فإذا كان المبدأ من الحجب الباطنة كان العلاج صعباً إلا أن مداره على الاستفراغات القوية مع استعمال ما يقوي الرأس من الضمادات المعروفة لهذا الشأن مثل الضماد المتخذ من السنبل والورد والأقاقيا بماء الكزبرة الرطبة والكزبرة الرطبة نفسها واليابسة مع قليل زعفران يترك على الموضع ساعة أو ساعتين ثم يبان وقد تستعمل فيها المغريات ومعدلات المواد الحادة والألبان من جملتها. ولا يصلح أن يترك القطور منها في العين زماناً طويلاً بل يجب أن يراق ويجمد كل وقت ومنها بياض البيض وليس من الواجب فيه أن يجمد بل أن يترك ساعة لم تضر وهو أحمد من اللبن وإن كان اللّبن أحلى. وبياض البيض يجمع مع تليينه وتمليسه أن لا يلحج ولا يسد المسام. وطبيخ الحلبة يجمع مع تحليله وإنضاجه أن يملس ويسكّن الوجع. ودهن الورد من هذا القبيل. وبالجملة يجب أن يكون الدواء المستعمل في العين خصوصاً في الرمد لا خشونة فيه ولا كيفية طعم كمر أو حامض أو حريف. ويجب أن يسحق جيداً ليذهب الخشونة وما أمكنك أن تجتزئ بالمسخنة العديدة الطعم فذلك خير. وقد تستعمل فيه السعوطات السلقية وما يجري مجراها مما يخرج من الأنف بعض المادة وذلك عندما لا يخاف جذبها إلى العين مادة أخرى وقد تستعمل ومن المعالجات النافعة التكميد بالمياه الفاترة بإسفنجة أو صوفة وربما أغنى استعماله مرة أو مرتين غنى كثيراً وربما احتاج إلى تكرير كثير بحسب قوة الرمد وضعفه وإذا كان الماء المكمد به طبيخ إكليل الملك والحلبة كان أبلغ في النفع وقد يطلى على الجبهة الروادع خصوصاً إذا كان الطريق لانصباب المادة هو الحجاب الخارج وهنه الروادع مثل قشر البطيخ خاصة ومثل شياف ماميثا ومثل الفيلزهرج والصبر وبزر الورد والزعفران والأنزروت والمياه مثل: ماء عنب الثعلب وماء عصا الراعي وكذلك العوسج وسويق الشعير وعنب الثعلب والسفرجل. وإن كانت الفضلة شديدة الحدة والرقة استعملت اللطوخات الشديدة القبض كالعفص والجلنار الحسك. والتضميد به لمجاري النوازل تأثير عظيم هذا إن كانت المادة حارة وإن كانت باردة فيما يجفف ويقبض ويقوي العضو مع تسخين مثل اللطخ بالزئبق والكبريت والبورق. ويجب أن يدام تنقية العين من الرمص بلبن يقطر فيه فيغسلها أو ببياض البيض فإن احتيج إلى مسّ فيجب أن يكون برفق. ويجب إن كان الرمد شديداً أن يفصد إلى أن يخاف الغشي فإن إرسال الدم الكثير مبرئ في الوقت ويجب ما أمكن أن يؤخر استعمال الشيافات إلى ثلاثة أيام وليقتصر على التدبير المذكور من الاستفراغات وجذب المواد إلى الأطراف ولزوم ما ذكرناه من الأماكن والأحوال. ثم إن استعمل شيء بعد ذلك فلا بأس به وكثيراً ما يبرأ الرمد بهذه الأشياء من غير علاج آخر. وإما لين الطبيعة فأمر لا بد من الإسهال للخلط المستولي على الحم بعد الفصد ولا خير في التكميد قبل التنقية ولا في الحمام أيضاً فربما صار ذلك سبباً لجذب مادة كثيرة بقطر طبقات العين. ويجب أن لا يستعمل في الابتداء المكثفات القوية والقابضة الشديدة فتكثف الطبقة وتمنع التحليل ويعظم الوجع خصوصاً إذا كان الوجع شديداً. والضعيفة القبض أيضاً في الابتداء لا تغني في منع المادة وتضر بتكثيف الطبقة الظاهرة وتحقن فيها المادة فإن اتفق شيء من هذا تدورك بالتكميد بالماء الحار دائماً والاقتصار على الشياف الأبيض محلولاً في ماء إكليل الملك صواب فإن الأقوى من ذلك مع امتلاء الرأس ربما أضر. وأما المحللة فاجتنبها في أول الأمر اجتناباً شديداً وربما احتيج بعد استعمال هذه القابضات وخصوصاً إذا خالطتها المخدرات إلى تقطير ماء السكر وماء العسل في العين فإن حدث من هذا هيجان للعلة برّدته بما لا تكثيف فيه لتتداركه به. ويجب أن يعني كما قلنا قبل هذا بتنقية الرمص برفق لا يؤذي العين فإن في تنقية الرمص خفيفاً للوجع وجلاء للعين وتمكيناً للأدوية من العين وربما أحوج اشتداد الوجع إلى استعمال المخدرات مثل عصارة اللفاح. والخس والخشخاش وشيء من السمّاق فدافع بذلك ما أمكنك فإن استعملت شيئاً من ذلك للضرورة فاستعمله على حذر وإما أمكنك أن تقتصر على بياض بيض مضروب بماء قد طبخ فيه الخشخاش فافعل وربما وجب أن تجعل معه حلبة لتعين في تسكين الوجع من جهة التحليل وتحلّل أيضاً وتزيل آفة المخدر. فأما إن كانت المادة رقيقة أكالة فلا بأس عندي باستعمال الأفيون والمخدرات فإنه شفاء ولا يعقب وجعاً وإن كان يجب أن يعتقد أنه من حيث يضر بالبصر مكروه ولكن الأفيون فيما حدث من الأوجاع عن مادة أكّالة ليست ممددة شفاء عاجل. وعلاج اللذع التغرية والتبريد والتلطيف وعلاج التمديد إرخاء العين والتحليل بما نذكر كلاّ في مكانه وتقل المادة. وإذا أزمنت العلة ففصد المأقين وفصد الشريان الذي خلف الأذن. ويجب أن يجتنب أصحاب الرمد وأصحاب النوازل إلى العين - كما. قلنا مراراً - تدهين الرأس وتقطير الدهن في الأذن. وجملة العلاج للرمد كعلاج سائر الأورام من الردع أولاً والتحليل ثانياً إلا أنه يستدعي لأجل العضو نفسه فضل ترفق وهو أن يكون ما يقمع ويردع أو يلطف ويحلّل ويجلو ليس بعنيف الممر مؤلم للحس محدث للخشونة وذلك لا يتم إلا بأن يكون قبض ما يردع معتدلاً ولذع ما يحلل خفياً بل الأولى أن يكون في ذلك تجفيف بلا لذع وأن يكون مكسور العنف بما يخلط من مثل بياض البيض ولبن المرأة محلوباً على محك الشيافِ الذي وإذا كانت المادة قد استفرغت ولم تسكّن الأوجاع في غاية العنف فاستعمل الشياف المعروف باليومي مخلوطاً بمثل صفرة البيض فلا يبعد أن يبرأ العليل من يومه ويدخل الحمام من مسائه ويكون الذي بقي تحليل لبقية مادة بمثل الشياف السنبلي وربما أوجب الوقت أن يشمّمه من شياف الأصطفطيقان في اليوم الأول شيئاً يسيراً ويزيده في اليوم الثاني منه فيكون معه البرء. فإذا استعصت المادة في الرمد المتقادم على التحليل فربما احتجت إلى مثل عصارة قثّاء الحمار وغير ذلك مما أنت تعلم. معالجات الرمد الصفراوي والدموي والحمرة: التدبير المشترك لما كان من الرمد ما سببه مادة صفراوية أو دموية الفصد والاستفراغ فإن كان الدم دماً حاراً صفراوياً أو كان السبب صفراء وحدها نفع مع الفصد الاستفراغ بطبيخ الهليلج وربما جعل فيه تربد وإن كان فيه أدنى غلظ وعلمت أن المادة متشربة في حجب الدماغ قوّيته بأيارج فيقرا وربما اقتصر في مثله على نقيع الصبر. وإن كان هناك حرارة كان الماء الذي ينقع فيه ماء الهندبا أو ماء المطر وجميع ذلك يجب أن تبتدئ فيه بتضميد العين بالمبرّدات من انعصارات مثل عصارة لسان الحمل وعصارة ورق الخلاف واللعابات وتقطيرها فيها ثم بياض البيض بلبن الأتن ومفرداً ثم الشياف الأبيض وسائر الشيافات التي نذكرها في الروادع ولا يبلغ بها مبلغاً تتكثِّف له الطبقات وتحتقن المواد ويشتدّ الوجع. فإذا ارتدعت المادة بالاستفراغ والجذب والرواح فتمرّج المنضجات ولتكن أولاً مخلوطة بالرواح ثم تصرف ولتكن أولاً مرفقة مخلوطة بمثل ماء الورد. والألبان فيها قوة انضاج وفي لعاب بزر قطونا مع الردع انضاج مّا ولعاب حبّ السفرجل أشدّ إنضاجاً منه وماء الحلبة جيد الإنضاج مسكّن للوجع وهو أول يبدأ به من المنضجات وليس فيه جذب وإن احتيج إلى تغليظ شيء من ذلك فبالعابات أو إلى تبريده فبالعصارات. وقد جربت عصارة شجرة تسمى باليونانية أطاطا وبالفارسية أشك وفي ابتداء الرمد الحار وانتهائه فكان ملائماً بالخاصية القوية. وقد تعقد هذه العصارات وتحفظ ثم يتخطّى أمثال ذلك إلى طبيخ إكليل الملك مدوفاً فيه الأنزروت الأبيض خصوصاً المربّى بألبان النساء والأتن وإذ أخذ ينحطّ زدت في استعمال المحلّلات مما هو أقوى كالأنزروت في ماء الحلبة والرازيانج والتكميد بماء طبخ فيه الزعفران والمرّ واستعملت الحمّام إن علمت أن الدماغ نقي وسقيته بعد الطعام القليل بساعات شيئاً من الشراب انصرف القويّ العتيق قليل المقدار. فإن استحم بعده بماء حار أو كمد كان ذلك أنفع. واستعمل أيضاً الشيفات المذكورة الموصوفة في القراباذين لانحطاط الرمد وآخره فإن كانت المادة دموية حجمت بعد الفصد وأدمت دلك الأطراف وشدها أكثر مما في غيرها واستعملت في أول الأمر العصارات المذكورة ثم خلطت بها ألباب الخبز ثم نقعت ذلك الخبز في الميبختج وخلطته به وربما وجب أن يخلط بذلك قليل أفيون إذا اشتدّ الوجع فإن كانت المادة الصفراوي استفرغت بعد الفصد بما يخرج الصفراء واستعملت الاستحمام بالماء العذب وربما وافق صبّ البارد منه على الرأس والعين وربما غسل الوجه بماء بارد مع مزج قليل مع الخلّ فنفع. ويجب أن يكون في الصفراوي اجتراء على استعمال القابضات في الأول بلا إفراط أيضاً ويستعمل الشيافات القابضة محلولة في العصارات وأما الحمرة من جملة ذلك فيجب أن يستعمل عليها بعد الاستفراغ بالمسهّلات والحقن الضمّاد المتخذ من قشور الرمان مطبوخة على الجمر ومسحوقة بميبختج أو عسل ويدام تكميدها بإسفنج حار. والتضميد بدقيق الكرسنّة والحنطة مطبوخاً بشراب العسل أو بأصل السوسن المدقوق ينفعه. ويجب أن يدام غسل العين باللبن ويدام تبريدها وترطيبها لكن الاقتصار على التبريدات مما يبطئ ويبلّد وإذا تحلّلت العلّة وبقيت الحمرة ضمدت بصفرة البيض المشوية مسحوقة بزعفران وعسل وسائر ما كتب للحمرة في القراباذين. معالجات الرمد البارد: وأما الرمد الكائن من الأسباب الباردة فيجب أن يستفرغ الخلط البارد وربما احتيج إلى التكرير مشروباً كان أو محتقناً أو غرغرة وأن يكون أول العلاج بالرادعات التي ليست بالباردة جداً ولكن التي فيها تلطيف ما مثل المر والأنزروت. وإن استعملت شياف السنبل مع بعض المياه المعتدلة كان صالحاً وإن لم يكن في طبقات الحدقة آفة إكتحلت بماء أغلي فيه الزعفران وقلقليس وعسل. ويجب أن تلطخ الجبهة في الابتداء بقلقديس وخصوصاً إذا كان طريق المادة من الحجاب الخارج وكذلك لا بأس بغسل الوجه بماء أديف فيه القلقديس. وإن لطخت الأجفان في الابتداء بالترياق وبالكبريت والزرنيخ كان جيد. وشرب الترياق أيضاً نافع وقد جرّب في ذلك ورق الخروع مدقوقاً مخلوطاً بشب وورق الخطمي مطبوخاً في شراب ونحن نذكر في القراباذين أقراصاً صالحة لأن تلطخ الأجفان بها وماء الحلبة ولعاب بزر الكتان مما ينفع تقطيره في عين الرمد البارد وبعد ذلك الشياف الأحمر اللين والشياف الأحمر الآخر الأكبر وشياف لافرة حيانا والأنزروت مدوفاً في عصارة أوراق الكبر والتضميد بأوراق الكبر وحدها. وينفع هؤلاء كلهم التدبير اللطيف واستعمال الحمّام والشراب الصرف الأبيض. معالجات الوردينج: وما كان من الرمد صار وردينجاً فعلاجه الاستفراغ والفصد والحجامة وربما احتجت إلى سل الشريان فإن كان من ورم حار واستفرغت من جميع الوجوه ومن عروق الرأس وحجمت فيجب أن يستعمل مثل الشياف الأبيض من الرادعات ومن العصارات اللينة الباردة وأما الأضمدة من خارج فمثل الزعفران وورق الكزبرة وإكليل الملك بصفرة البيض والخبز المنقوع في ربّ العنب وربما احتيج أن يخلط به من المخدرات شيء والأطلية أيضاً من مثل ذلك ومن الماميثا والحضض والصبر. ومما جرّب له صفرة البيض مع شحم الدب يجعل منهما كالمرهم ويجعلان على خرقة توضع على العين. وكذلك الورد ينفع في عقيد العنب ثم يسخن مع صفرة البيض ويوضع على العين وإذا اشتدّ الوجع ينفع زعفران مسحوق بلبن وعصارة الكزبرة تقطر في العين ويستحب في الوردينج أن يشغل بالعلاجات الخارجة ويقتصر على تقطير اللبن في العين ثلاثة أيام إن احتمل الحال والوقت. وقد جرّب الكحالون في الوردينج لوجع المتقرّح أن يكحل بالأنزروت والزعفران وشياف ماميثا والأفيون فإن كان الوردينج بعد الرمد الغليظ البارد استفرغت بالايارجات ضرره واستعملت اللعابات اللينة المأخوذة بعصارة الكرنب أو سلافته وربما احتجت أن تمزجها بماء عنب الثعلب وربما احتجت أن تخرجها بمرّ وزعفران. معالجات الرمد الريحي: فأما الرمد الريحي فيعالج بالأطلية والتكميدات والحمّامات. والتكميد بالجاورس أنفع التكميدات له وربما أقدم المخاطرون على استعمال المخدرات عند شلة الوجع وذلك وإن سكّن في الوقت فإنه يهيجه بعد ساعة تهييجاً أشد مما كان لمنعه الريح من التحلل فعليك بالمحلّلات اللطيفة.

 فصل كلام قليل في أدوية الرمد المستعملة

أما الشياف الأبيض فإنه مغر مبرّد مسكّن للوجع مصلح للخلط اللذاع وقد يخلط به الأفيون فيكون أشدّ إسكاناً للوجع لكنه ربما أضر بالبصر وطول بالعلة للتخدير والتفجيج. ومما يجري مجراه القرص الوردي فإنه عظيم المنعفة في الالتهاب والوجع وهو كبير وصغير. وتجد في القراباذين أقراصاً وشيافات من هذا القبيل وتجد في جدول العين من الأدوية المفردة الرادعة مثل المرداسنج والكثيراء والحضض والورد والاثمد الأصفهاني وأقاقيا وماميثا وصندل وعفص وطين مختوم وسائر العصارات والصمغ وغير ذلك من المفردات التي تخصّ بالمواد الغليظة مثل المرّ والزعفران والكندر والسنبل وجندبيدستر وقليل من النحاس الأحمر والصبر خاصةً وحماما وقرن أيل محرق وأقراص. وأما التقدير والخلط بما هو أبرد وبما هو أسخن فذلك إلى الحس الصناعي في الجزئيات. وأما سائر المختلطات المجربة فنذكر هذا في القراباذين. ومن الرّادعات المجربة لشدة الوجع والمادة الغليظة شداد الأساكفة بعسل خالص وماء الحلبة يجعل في المأقين بميل وأما من المركبات فمثل شياف أصطفطيقان والأحمر اللين وشياف الشاذنج الأكبر وأقراص الورد من جملتها جيد بالغ النفع جداً.

 المقالة الثانية أمراض المقلة

وأكثره في العلل التركيبية والاتصالية

 فصل في النفاخات

قد يحدث في العين نفاخات مائية في بعض قشور القرنية التي هي أربع طباق عند قوم وعند الباقين ثلاث طباق فتحتقن هذه المائية بين قشرين من هذه الطبقات الأربع أو الثلاث وتختلف لا محالة مواضعها. وأغورها أردؤها وقد تختلف بحسب زيادتها ونقصانها في المقدار وقد تختلف من قبل كيفها وقد تختلف من قبل لونها وقوامها وقد تختلف من قبل عذوبتها وحدّتها وأكالها. وما كان منها إلى القشرة الأولى رديء أسود لأن ذلك لا يعوق البصر عن إدراك العنبية. والغائر يمنع عن إدراكه لأنه أبعد من تشفيق الشعاع إياه فيرى أبيض والكثير الحاد المائية رديء لأنه يؤلم بتمديده وبتأكيله جميعاً وكلما كان أغور كان كثر تمديداً وكثر انتشاراً تأكل وما يحاذي البقية منه يضر بالإبصار خصوصاً إذا أكل وقرح. المعالجات: علاجها ما دامت صغيرة بالأدوية المجففة بمثل دواء طين شاموس أي طين الكوكب وهو أن يؤخذ طين شاموس مقلياً ثلاث أواق وتوتيا أوقية واحدة وإقليميا مغسول وكحل مغسول من كل واحد أوقيتان توبال النحاس المغسول في نسخة أربع أواق وفي بعض النسخ أوقية واحدة أفيون ثلاث أواق صمغ أربع أواق يسحق بماء المطر ويعمل منه شيات يستعمل بماء الحلبة. وإذا كبرت فيعالج بالحديد أي بالشقّ بالمبضع وقد عالجت أنا بالمبضع من به هذه العلة فخرجت المائية المجتمعة تحت القرنية واستوى سطح القرنية وعالجت بعد ذلك باللبن وشياف الأيارج فبرئ.

 فصل في قروح العين وخروق القرنية

قروح العين تتولد في الأكثر عن أخلاط حادة محرقة وهي سبعة أنواع أربعة في سطح القرنية يسميها جالينوس قروحاً وبعض من قبله خشونة أولها قرح شبيه بدخان على سواد العين منتشر فيه يأخذ موضعاً كثيراً ويسمى الخفي وربما سمي قتاماً ثم صنف آخر وهو أعمق وأشد بياضاً وأصغر حجماً ويسمى السحاب وربما سمي أيضاً قتاماً والثالث الإكليلي ويكون على الإكليل أي إكليل السواد وربما أخذ من بياض الملتحمة شيئاً فيرى على الحدقة أبيض وما على الملتحمة أحمر والرابعة يسمى الاحتراقي ويسمى أيضاً الصوفي ويكون في ظاهر الحدقة كأنه صوفة صغيرة عليه وثلاثة غائرة إحداها يسمى لوبويون أي العميق الغور وهي قرحة عميقة ضيقة نقية والثانية تسمى لوبوما أي الحافر وهو أقلّ عمقاً وأوسع أخذاً والثالثة أوقوما أي الاحتراقي أيضاً وهي وسخة ذات خشكريشة في تنقيتها مخاطرة فإن الرطوبة تسيل لتأكّل الأغشية وتفسد معها العين. والقروح تحدث في العين إما عقيب الرمد وإما عقيب بثور وإما بسبب ضربة وكثيراً ما يكون مبدأ القرحة من داخل فينفجر إلى خارج وربما كان بالعكس. العلامات: علامة القروح في المقلة نقطة بيضاء إن كانت على القرنية وحمراء إن كانت على الملتحمة أو على الإكليل ويكون معها وجع شديد وضربان وإذا كانت المدة التي توجد بالرفادة بيضاء دلّت على وجع ضعيف وضربان قوي وإن كانت صفراء أو كمدة أو رقيقة كانت في ذلك أخف. وأما إذا كانت حمراء فالوجع أخف جداً وإذا كانت كبراء فالوجع المعالجات: متى كانت القرحة في العين اليمنى نام على اليسرى أو في اليسرى نام على اليمنى. ويجب أن يلطّف تدبيره أولاً فإذا انفجرت القرحة يقل التدبير إلى الأطراف وإلى الفراريج لئلا تضعف قوته فلا تندمل قرحته ويكثر فضول بدنه. ويجب أن لا يمتلئ ولا يصيح ولا يعطس ما أمكن ولا يدخل الحمام إلا بعد نضج العلة فإن دخل لم يجب له أن يطيل المكث. والعمدة تنقية الرأس بالاستفراغات الجاذبة إلى أسفل وكذلك ينفع فيه الاحتجام على الساق كثيراً وفصد الصافن وإدامة الإسهال كل أربعة أيام بما يخرج الفصل الحار الرقيق من الأطبخة والنقوعات وإن كان هناك رمد عولج أوّلاً بالاستفراغ المذكور في بابه بأدوية تجمع بين تسكين الوجع وإدمال القرح مثل شياف النشاستجي والكندري والاسفيذاج وتقطير لبن النساء في العين وإن كان هناك سيلان خلط بذلك ما له قوة مانعة. وبالجملة فإن قانون اختيار الأدوية فيه أن يختار كل ما يجفف بلا لذع إذا اشتدت الحرارة واستعملت شياف الشادنج اللين والشياف الكندري كان نافعاً جداً. ومن الشيافات النافعة شياف سفانيون وقويبس وإن كان سيلان فشياف مادرفوس وأما لروسرس وإن كان السيلان مع حدة فشياف ساير بابون وإن كان بلا حدة فالشياف الذي يقع فيه مر وناردين. وإن كان في القروح وسخ نفي بشراب العسل أو بماء الحلبة مع شيء من هذه الشيافات المذكورة أو بلعاب بزر الكتان أو بألبان النساء. وإن كان تأكل شديد اضطربت إلى استعمال طرحاطيقون وإذا تنقّت القرحة فاقبل على المجففات بلا لذع مثل شياف الكندر ومثل الكندر نفسه والنشاستج والاسفيداج والرصاص المحرق المغسول والشياف الأبيض وشياف الآبار خاصة وكذلك رماد الصدف المغسول ببياض البيض أو رماد الصدف الكبير المغسول بمثله شاذنج. وهنا صفة شياف لونابيس وهو قوي. نسخته: يؤخذ إقليمياً ستة عشر مثقالاً إسفيذاج مغسول أوقية نشا وأفيون وكثيراء من كل واحد مثقالان يدقّ ويلت بماء المطر يعجن ببياض البيض. أخرى: باسمه وأقوى منه يؤخذ إقليمياً بحرق مغسول وإسفيذاج مغسول ثمانية ثمانية مر ستة كحل محرق مغسول واحد نشا ستة رصاص محرق مغسول طلق من كل واحد أربعة كثيراء ثمانية يسحق بالماء ويعجن ببياض البيض ويستعمل فإنه نافع جداً.

 فصل في خروق القرنية

قد تكون عن قرحة نفذت وقد تكون عن سبب من خارج مثل ضربة أو صدمة خارقة وحينئذ تظهر العنبية. فإن كان ما يظهر منها شيئاً يسيراً سقي النملي والمورشارج والذبابي وذلك بحسب العظم والصغر وإن كان أزيد من ذلك حتى تظهر حبة العنبية سمي العنبي وما هو أعظم سمّي النفاخي. فإن خرجت العنبية جداً حتى حالت بين الجفنين والانطباق سمّي المسماري وإن ابيضت العنبية فلا برء له.واعلم أن القرنية إذا انخرقت طولاً لم ير بياض ولكن يرى صدع وكأن الناظر قد طال وقد يمكن أن يبين هذا بوجه أوضح فيقال أن الخرق قد يكون في جميع أجزاء القرنية وقشورها فيكون النتوء من جوهر العنبية وقد يكون في بعض أجزاء القرنية ويكون الناتئ منها نفسها ويكون عند تأكل بعض قشورها ويشبه النفّاخة. ويفارق النفاخات والنفّاطات بأن النفاخات والنفاطات يكون منها في بياض العين حمرة معها ودمعة وضربان وتنكبس تحت الميل وليس كذلك هذا وإذا كان النتؤ من جهة القرنية أي من نفسها تكون صلبة جاسية ولا تنكبس تحت الميل. وأما النتوء الذي يكون سببه انخراق القرنية في جميع قشورها وبروز العنبية كلها أو بعضها فأصنافه أربعة الصغير الذبابي والنملي وقد يشبه إذا صغر النفاخة والنفّاطة ويفارقها بأنها تكون على لون العنبية في السواد والزرقة والشهلة فإن فارق لونها لون الطبقة العنبية فهي نفّاخة وقد يحقق بالحدس في أمرها أن يرى مطيفاً في أصلها شيء أبيض كالطراز وإنما ذلك يكون حافة خرق القرنية وقد ابيضت عند اندمالها والثاني الذي ذكرناه وسميناه العنبي والثالث أكبر من ذلك ويمنع الانطباق ويقال له النفّاخي والمسماري والرابع كأنه من جنس النفاخي إلا أنه مزمن ملتحم بما خرج منه من القرنية بارز عنه ويقال له الفلكي وهو الشبيه بفلكة المغزل الملتحمة بالغزل. المعالجات: ما دام في طريق التكوّن فعلاجه علاج القروح والبثور على ما قلناه من أنه يحتاج إلى تنقية البدن كيف كانت العلة استفراغاً بالفصد والإسهال وبعد الاستفراغ يستعمل الاستحمام بالماء العذب وخصوصاً إذا كان في المزاج حدة من غير أن يلبث في هواء الحمام إلا قليلاً ولا أيضاً أن يكثر غمس رأسه في ماء الإبزن حاراً كان أو بارداً ولا يستعمل الأدهان على الرأس فإن بعض ذلك يرسل المادة إلى العين بتحليل المادة الموجودة في الدماغ ويجذب ما ليس فيه إليه وبعضه بتكثيف مسام التحلل فإذا لم يجد تحللاً سالت إلى أطراف الدماغ. ويجب أن تكون الأغذية جيدة الكيموس معتدلة باردة رطبة وسائر البدن كذلك وما دام بثراً أنضج وعولج علاج القروح فإذا تقرح استعمل عليه أولاً الأضمدة القابضة مع الجالبة مثل السفرجل والعدس مطبوخين بعسل ومثل مز الرمّان وعصارة ورق الزيتون ومحّ البيض والزعفران أو رمان مزّ مطبوخ مع يسير من الخل أو ماء الحصرم مهري ثم يتخذ ضمّاداً فإن وأما النملي فيعالج بالمائعات القابضة والتكميد بالخلّ والماء والخمر العفص أو بماء أغلي فيه ورد ويكحل بالشيافات القابضة. ومن النوافع فيه عصارة ورق الزيتون وعصارة عصا الراعي. ومن الأدوية المفردة القابضة السنبل والورد والرصاص المحرق والقيموليا والطين المختوم والاسفيذاج ومن الأكحال عفص جزءين كحل عشرة أجزاء ومن الشيافات شياف حنون وأغردينون وباروطيون وديالناس والشياف العربي. ولما هو أقوى شياف بريطوسلس إذا قطر منه شياف عصب ونام مستلقياً. نسخة شياف قوي لذلك: يؤخذ رماد المسك الذي يخلص فيه النحاس والزعفران والنشا والكثيراء يعجن ببياض بيض دجاج باض من يومه وربما جعل فيها الحجر اليماني. شياف جيد: وهو شياف باردبيون ينفع من جميع أنواع البثر وصفته: يؤخذ كحل محرق مغسول أربعة مثاقيل إسفيذاج محرق مغسول ستة مثاقيل حُضَض هندي ستة عشر مثقالاً سنبل ثمانية مثاقيل جعدة مثقالين إقليميا محرق مغسول ثمانية مثاقيل أقاقيا أصفر عشرون مثقالاً جندبيدستر ستة مثاقيل صبر مثله صمغ عشرون مثقالاً يسحق بماء المطر وينشّف. واعلم أن الواجب عليك إذا أخذت القرحة في النتوء أن يلزم للعين الرفادة والاستلقاء. وأما المسماري فلا علاج له. وقوم لأجل الحسن يقطعون النواتئ من المورشارحات. والأصوب أن

 فصل في البثور في العين

ما كان على القرنيّة يكون إلى البياض وما كان على الملتحمة يكون إلى الحمرة. علاجه: الفصد وتقطير الدم في العين على ما نذكر في باب الطَرفة وتضميد العين بصوفة مغموسة في بياض البيض مضروباً بالخمر ودهن الورد وتقطير لبن يقع فيه بزر المرو وشياف الآبار وشياف خنافيون.

 فصل في المدة تحت الصفاق

هذه مدة تحتبس تحت القرنية إما في العمق وإما في القرب فيشبه موضع القرنية الظفرة وإذا تأكلت معه شظية سمي قلقطانا. المعالجات: قال بولس: يعالج بمثل شراب العسل وعصارة الحلبة إذا أزمن وغلظ وشياف الكندر بالزعفران وبالآبار أو يفتح بإكليل الملك ولعاب بزر الكتان والفجل الرطب المطبوخ إن لم يمنع رمد وينقى بمثل شياف المرّ والشتاهترج.وإن لم يكن قرحة استعملت هذا الشياف. ونسخته: يؤخذ قلقديس وزعفران من كل واحد أوقية مرّ درهم ونصف عسل رطل ويشيف حسبما تدري وأيضاً دواء المغناطيس المتخذ للظفرة وأيضاً دواء طين ساموس المذكور في باب النفّاخات. أكثره يعرض في الصفاق القرني. العلامات: وجع شديد وتمدد في عروق العين ونخس قوي يتأذى إلى الأصداع وخصوصاً كما يتحرّك صاحبه وحمرة في صفاقات العين وصداع وسقوط شهوة الطعام والتألّم بكل ما فيه حرارة وهو مما لا يطمع في برئه وإن طمع في تسكينه. وليس يوجع السرطان في عضو من الأعضاء كإيجاعه إذا عرض في العين. واستعمال الأدوية الحادة مما يؤذي صاحبه ويثير وجعاً لا يطاق. المعالجات: إن لم يكن بدّ من علاجه فليكن الغرض تسكين الوجع وأن ينقّى البدن وناحية الرأس من الخلط العكر ويغتذي بالأغذية الجيدة الكيموس الحنطية التي لا تسخين فيها. وشرب اللبن نافع منه ويجب أن يستعمل فيه بياض البيض مع إكليل الملك وشيء من زعفران والشياف الأبيض وكل شياف يتخذ مثل النشا والاسفيذاج والصمغ والأفيون وجميع اللواتي تقع فيها سائر المليّنات والمخدرات وشياف سمرديون وشياف مامون والقيروطي المتخذ من مح البيض ودهن الورد.

 فصل في الغَرب وورم الموق

إنه قد يخرج في موق العين خرّاج فربما كان صلباً يتحرك بالمسّ ولا ينفجر ويكون من جنس الغدد وأكثر عادته أن يرى نتوءاً في الموق ويصاب بالغمز ويوجع غمزه ويكثر معه الرمد وربما كان خراجاً بثرياً يجتمع وينفجر فإذا انفجر فعل ناصوراً في أكثر الأمر ويشتركان في أن كل واحد منهما يتزعزع تحت المس ويغيب بالغمز وينتأ بالترك وربما كان جوهر هذا البثر ونتوءه في الغور فلا يظهر نتوءه من خارج ولكن تدل عليه الحكة وربما أصابته اليد عند الغمز البالغ.والغَرب ناصور يحدث في موق العين الأنسي وأكثره عقيب خراج وبثر يظهر بالموضع ثم ينفجر فيصير ناصوراً وذلك الخراج قبل أن ينفجر يسمى أخيلوس ولأن ذلك العضو رقيق الجوهر يؤدي من باطنه إلى ظاهره كالجوبة يجدها من جانب عظم الأنف ومن جانب المقلة وإذا انفجر ترك بعد أو عسر التئامه لأن العضو رطب ومع رطوبته متحرّك دائم الحركة ولذلك ما يصير ناصوراً. وربما كان انفجاره إلى خارج وربما كان انفجاره إلى داخل يمنة أو يسرة وربما كان انفجاره إلى الجانبين جميعاً وكثيراً ما يطرق انفجاره إلى الأنف فيسيل إليه وقد يبلغ خبث صريده العظما فيفسده ويسوده ثم يأكله ويفسد غضاريف الجفن ويملأ العين مدة تخرج بالغمز. المعالجات: الغرب ورم مزمن وأخفه الحديث فأما الحديث منه فيعالج بأدوية مسهلة نذكرها وأما الزمن فإن علاجه الحقيقي هو الكي الذي نَصِفُه أو ما يقوم مقامه مثل الديك برديك يبدأ فيُحَكّ الناصور بخرقة ثم يتخذ فتيلة بديك برديك وتحشى. وقد زعم بعضهم أنه نقي وأخذ عنه اللحم الميت وغمست قطنة في ماء الخرنوب النبطي وجعلت فيه نفعت منه نفعاً شديداً. وإن أريد استعمال دواء غير الكي فأفضله أن يعصر حتى يخرج ما فيه ثم يغسل بشراب قابض يقطر فيه وإن كان قليلاً لا يخرج ترك يومين وثلاثة معصوباً حتى يجمع شيئاً له قدر ثم يغسل ثم يقطر فيه شياف الغرب الذي نسبه محمد بن زكريا إلى نفسه وخصوصاً المدوف منه في ماء العفص. وأفضل التقطير أن يقطره قطرة بعد قطرة بين كل قطرتين ساعة ومن أفضل تدبيره على الميل قطنة تغمس في الأدوية وتجعل فيه سواء كان الدواء سيالاً أو ذروراً. ويجب إذا استعمل الدواء أن يشد بعصابة ويلزم السكون. ومن الشيافات المجربة أن يؤخذ زرنيخ أحمر وذرايج وكلس ونوشادر وشب أجزاء سواء يجمع سحقاً ببول صبي وييبس ويستعمل يابساً. وقد ينفع في ابتدائه وقبل الانفجار أن يجعل عليه الزاج ويجعل عليه أشق وميوزج وكذلك الجوز الزنخ وكل ما هو قليل التحليل وإذا سحق ورق السذاب البستاني بماء الرماد وجعل أخيلوس قبل بلوغه العظم وبعده يدمله ويصلح اللحم لكنه يلذغ في أول وضع ثم لا يلذغ وإذا صار غرباً فاعلم أن القانون فيه أن ينقى أولاً ثم يعالج. وينقيه أن يؤخذ غرقئ القصب الموجود في باطنه وخصوصاً القريب من أصله الذي له غلظ ما ويغمس في العسل ويلزم الغرب القصب يابساً وحده بلا دواء آخر يجفف فيكفي. ومن المجريات للغرب شياف مامثيا ومر وزعفران بماء الطلحشقوق ولا يزال يبدل. ومنها أن يسحق الحلزون بخرقة ويختلط من مر وصبر ويستعمل وهو مما ينتفع به في العلة وهي بعد بثرة ولم يجمع. وقد ينتفع به فيه وهو قرحة. ومنها ودع محرق وزعفران وطلحشقوق يابس بماء السماق الشمس. ومن العجيب فيه ورق السذاب بماء الرمان يجعل عليه ومن خصوصيته أن يمنع أن يبقى أثر فاحش ويجب أن لا يبالي بلذعه. ومما يفجر الخراج الخارج ضماد من خبز مع بزر مرو أو كندر بلبن امرأة أو زعفران بماء الجرجير أو مر بثلثه صمغ إعرابي يعجن بمرارة البقر ويلزق عليه ولا يحرك حتى يبرئه. ومن أدوية الغرب أن يتخذ فتيلة من زنجار معقود بالكور والأشق وزعمت الهند أن الماش الممضوغ يبرئه وزعم بعضهم أن المر وحده يبرئه إذا وضع عليه. ومن الذرور المجرب فيه يؤخذ من العروق جزء ومن النانخواه ثلث جزء يسحقان أجزاء سواء ويجعل في المأق والصبر وحده مع قشار الكندر أيضاً وتتأمل الأدوية المذكورة في وإذا بلغ العظم ولم ينتفع بالأدوية فلا بد من شقه والكشف عن باطنه وأخذ اللحم الميت إن كان حتى يبلغ العظم ثم تدبيره بعد ذلك على ثلاثة أوجه: إن كان العظم صحيحاً حك سوادان ظهر به وملئ دواء من الأدوية المدملة وشد وترك مدة وإن كان الأمر أعظم من هذا فلا بد من كي وربما احتيج إلى أن يثقب اللحم الفاسد ثقباً نافذاً ويقصد بذلك إلى أن يكون أمر الكي أغور ما يكون في أسفل الجوبة لا يميل إلى الأنف ولا يميل إلى العين فيسيل الملتحمة بل إلى جانب الأنف في الغور حتى إذا ثقب الموضع ثقباً واحداً أو ثقوباً صغاراً ثلاثة ونفذ وسال إلى الدم ناحية الفم والأنف يكوى حينئذ كية بالغة مع تقية أن يصيب ناحية المقلة بل يجب أن يضغط المقلة ضبطاً بالغاً ثم يكوى ويذر فيه الأدوية ويعصب وربما أغنى الكي عن الثقب وليقصر عليه ما أمكن. والدواء الرأسي من الأدوية الجيدة في ذلك ويجب إذا كوي وذر فيه الدواء أن يوضع على نفس العين إسفنج مبلول بماء مبرد أو عجين دقيق مبرد بالثلج إثر عجين مبرد بالثلج كما كاد الدواء أن يسخن بدلته.

 فصل في زيادة لحم الموق ونقصانه

قد تعظم هذه اللحمة حتى تمنع البصر وقد تنقص جداً حتى تخفى حتى لا تمنع الدمعة وأكثر عند خطأ الطبيب في قطع الظفرة. أما الزيادة فيعالج بأدوية الظفرة ولا يستأصل فيحدث الدمعة وأما النقصان الحادث عن القطع فلا علاج له وإن كان من جهة أخرى فربما أمكن أن يعالج بالأدوية المنبتة للحم التي فيها قبض وتخفيف كالأدوية المتخذة من الماميثا والزعفران والصبر بالشراب والأدوية المتخذة بالصبر والبنج بالشراب والحب وحده إذا ذر على الموق نفع والشراب نفسه نافع خصوصاً إذا طبخ فيه ما له قوة نابضة.

 فصل في البياض في العين

اعلم أن البياض في العين منه رقيق حادث في السطح الخارج يسمى الغمام ومنه غليظ يسمى البياض مطلقاً كلاهما يحدثان عن اندمال القرحة أو البثرة إذا انفجرت واندملت. المعالجات: أما الرقيق منه والحادث في الأبدان الناعمة فيجب أن يدام تبخيره بالمياه الحارة والاستحمام بالماء الحار ثم يستعمل اللحس دائماً وقد ينفعه عصارة شقائق النعمان وعصارة قنطوريون الرقيق وأيضاً عروق جزء ونانخواه ثلثا جزء يتخذ منه ذروراً. وأقوى منه أنزروت سكر طبرزد زبد البحر زراوند بورق يكتحل به بعد السحق. ومما ينفع منه كحل أسطريماخون وكحل الآبار القوي وأصطفطيقان وطرخماطيقون. وأما المزمن الغليظ والكائن في أبدان غليظة فيجب أن يستعمل تليين البياض بالتبخرات والاستحمامات المذكورة وتكون الشيافات المذكورة التي يكتحل بها مدفونة في ماء الوج أو ماء الملح الأندراني المحلول ومكتحلاً بها في الحمام. وإن لم ينجع الحمامات استعمل الاكتحال بالقطران مع النحاس المحرق يتخذ منه كالشياف وأيضاً شياف قرن الأيل وأيضاً الاكتحال ببعر الضب وحده أو مع مسحقونيا أو نحاس محرق أو مع الملح الدرداني مقلواً. وأقوى من هذا خرء الخطاطيف بشهد أو عسل وزبل سام أبرص يكتحل به بكرة وعشية. ومما هو معتدل شيح محرق مع سرطان بحري وقليميا الذهب وإذا كان للبياض تقعره استعمل ماميران وأشق ومر وبعر الضب سواء أو دواء مغناطيس المذكور في باب الظفرة. وقد يستعمل أصباغ يصبغ البياض منها أن يؤخذ المتساقط من ورد الرمان الصغار وقاقيا وقلقديس وصمغ من كل واحد أوقية إثمد وعفص من كل واحد ثلاثة دراهم يذاب بالماء وإن لم يوجد ورد الرمان فقشره أو أقماعه أو الغشاء الشحمي الذي بين حبه وأيضاً عفص وقاقيا من كل واحد درهمان قلقديس درهم واحد يتخذ منه صبغ. ومن الأصباغ كحل بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ رصاص محرق مغسول وزعفران وصمغ من كل واحد مثقالان رماد بيوت سبك النحاس مغسولاً بماء المطر مثقالان توبال النحاس مغسولاً نصف مثقال. ويستعمل منه كحل آخر جيد في الغاية نسخته: يؤخذ قلقطار عفص أخضر من كل واحد أربعة مثاقيل يحل بالماء ويستعمل دفعات كثيرة: آخر: عفص أقاقيا من كل واحد جزء نصف جزء يسحق بماء شقائق النعمان وكذلك الاكتحال بخرء الحمام والعصافير.

 فصل في السبل

السبل غشاوة تعرض للعين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة والقرنية وانتساخ شيء فيما بينها كالدخان وسبه امتلاء تلك العروق إما عن مواد تسيل إليها من طريق الغشاء الظاهر أو من طريق الغشاء الباطن لامتلاء الرأس وضعف العين وقد يعرض من السب حكة ودمعة وغشاوة وتأذ من ضوء الشمس وضوء السراج فيضعف البصر فيهما لأنه متأذ قلق فيؤذيه ما يحمل عليه وقد يعرض للعين السبلة أن تصير أصغر وينقص جرم الحدقة منها والسبل من الأمراض التي تتوارث وتعدي. العلامات: علامة السبل الذي مبدؤه الحجاب الخارج ما ذكرناه مراراً من درور العروق الخارجة وحمرة الوجه وضربان شديد في الصدغين أو درور في عروق الرقبة. وعلامات المعالجات: يجب أن يهجر معه جميع ما يهجره صاحب النوازل إلى العين مما ذكرناه ولا نعيده الآن وأن يستعمل من الإستفراغات والمنقّيات ما ذكرناه وأن يتجنب الأدهان والأضمدة على الرأس والسعوط فقد كُره فيه أيضاً وأنا لا أرى بأساً باستعماله إذا كان الرأس نقياً. وقد رخص جالينوس في سقيه شراباً وتنويمه عقيبه إذا كان نقيّاً ولا مادة في بدنه ورأسه ويشبه أن يكون هذا موافقاً في السبل الخفيف. والقوي منه لا يستغنى فيه عن اللقط. وأحسن اللقط أن ينفذ خيوط كثيرة تحت العروق فإذا استوفيت جذبت إلى فوق لتشيل السبل ثم يلقط بمقراض حاد الرأس لقطاً لا يبقي شيئاً إذ لو أبقى شيئاً لرجع إلى ما كان بل أردأ ثم يستعمل بتدبير منع الالتزاق المذكور في باب الظفرة وإذا وجعت العين من تأثير اللقط لم يقطع عنها صفرة البيض وذلك شفعاؤه وبعد ذلك يستعمل الشياف الأحمر والأخضر ليحلّل بقايا السبل وينقي العين. وأجود الأوقات للّقط الربيع والخريف ولكن بعد التنقية والاستفراغ وإلا أمال الوجع الفضول إلى العين. وأما الأدوية النافعة من السبل فإنما تنفع الحديث في الأكثر فمما جُرِّب قشر البيض الطري كما يسقط من الدجاجة يغمس في الخلّ عشرة أيام ثم يصفى ويجفف في كن ويسحق ويكتحل ومما جرّب كحل العين ببول ترك فيه برادة النحاس القبرسي يوماً. ومن المركّبات شياف أصطفطيقان والأحمر الليّن والأحمر الحاد والأخضر وطرخاطيقون وشياف روسختج ودواء مغناطيس المذكور جميع ذلك في الأقراباذين وشياف الجلنار والشبث. وإذا قارن السبل جَرب فقد جُرّب له شياف السماق وهو شياف يتخذ من السماق وحده وربما جعل فيه قليل صمغ وأنزروت ويكتحل به فإنه يقطع السبل ويزيل الرمد.

 فصل في الظفرة

فنقول هي زيادة من الملتحمة أو من الحجاب المحيط بالعين يبتدئ في أكثر الأمر من الموق ويجري دائماً على الملتحمة وربما غشت القرنية ونفذت عليها حتى تغطي الثقبة ومنها ما هو أصلب ومنها ما هو ألين وقد يكون أصفر اللون وقد يكون أحمر اللون وقد يكون كمد اللون. ومن الظفرة ما مجاورته للملتحمة مجاورة ملتزق وهو ينكشط بسرعة وبأدنى تعليق ومنه ما مجاورته مجاورة اتحاد ويحتاج إلى سلخ حسبما أنت تعلم ذلك.المعالجات: أفضل علاجه الكشط بالحديد وخصوصاً لما لان منه وأما الصلب فإن كاشطه إذا لم يرفق أدى إلى ضرر ويجب أن يشال بالصنارات فإن تعلق سهل قرضه وإن امتنع سلخ بشعرة أو إبريسم ينفذ تحته بإبرة أو بأصل ريشة لطيفة وإنما يحتاج إلى ذلك في موضع أو موضعين فإن لم يغن احتيج إلى سلخ لطيف بحديد غير حاد ويجبَ أن تستأصل ما أمكن من غير تعرض للحمة الموق فيعرض الدمعة واللون يفرق بينهما. وإذا قطعت الظفرة قطر في العين كمون ممضوغ بملح ثم يتلافى لذعه بصفرة البيض ودهن الورد والبنفسج وإذا لم يستعمل تقطير الكمون الممضوغ بالملح التزقت الملتحمة بالجفن ولذلك يجب أيضاً أن يقلب المريض العين كلّ وقت ثم بعد ثلاثة أيام يستعمل الشيافات الحادة ليستأصل البقية وأما استعمال الأدوية عليه فأمر لا كبير غناء له فيما غلظ من الظفرة ومع ذلك فإنها لا تخلو من نكاية بالحدقة لحدتها فإنها لا بد من أن تكون شديدة الجلاء مخلوطة بالمعفنة. ومن الأكحال المجربة له شياف طرخماطيقون وقلطارين وشياف قيصر وباسليقون الحاد وروشناي ودينارحون وهذه كلها مكتوبة في الأقراباذين. وقد جرب له أن يؤخذ من النحاس المحرق ومن القلقديس ومرارة التيس أجزاء سواء ويتخذ منه شياف أو أن يؤخذ قلقديس وملح أندراني من كل واحد جزء صمغ نصف جزء ويستفّ بالخمر أو نحاس محرق وقلقند وقشور أصل الكبر ونوشادر ومرارة التيس أو البقر مع عسل أو عسل وحده مع مرارة المعز أو مغناطيس وزنجار ومغرة وأشق من كل واحد جزءان زعفران جزء للأوقية من ذلك قوطولي عسل وأيضاً قلقند ونوشادر يتخذ منه كحل فانه عجيب للظفرة وهو يقرب من تأثير الكشط أن يؤخذ خزف الغضائر الصيني ويحكّ عنه التغضير ويسحق سحقاً ناعماً وبعد ذلك فيخلط بدهن حبّ القطن أو يسحقان معاً ثم يدخل ميل في جلد ويؤخذ به من الدواء ويحك به الظفرة دائماً كل يوم مراراً فإنه يرقّقها ويذهب بها. ويجب أن يكبّ قبل استعمال الأدوية على بخار ماء حار حتى يسخّن العين ويحمر الوجه أو يدخل الحمام وعندي أن يكبّ على بخار شراب مغلي أو يشرب قليل من الشراب الممزوج ثم يحك به الظفرة. وقد ينفع في الظفرة الخفيفة والغليظة أن يسحق الكندر وينقع في ماء حار حتى يأتي عليه ساعة ويصفى ويكتحل به. وقد جرّبت أنا من كان به ظفرة غليظة حمراء متقادم سحق الكندر القديم سحقاً ناعماً وصببت الماء الحار في الغاية على رأسه في الهاون ثم خلطت بدستج الهاون معاً خلطاً بالغاً حتى صار لون ذلك إلى الإخضرار واستعملت فوجدت نافعاً في الغاية.

 فصل في الطرفة

فنقول هي نقطة من دم طري أحمر أو عتيق مائت أكهب أسود قد سال عن بعض العروق المنفجرة في العين بضربة مثلاً أو لسبب آخر مفجر للعروق من امتلاء أو ورم حتى يعتق فيه ومن جملته الصحيحة والحركة العنيفة وربما كان عن غليان الدم في العروق وربما حدث عن الطرفة الضربية خرق لطيف في الحدقة والذي في الملتحمة من الخرق أسلم. المعالجات: يقطر عليه دم الحمام أو الشفانين أو الفواخت والوراشين وخاصة من تحت الريش وإن كان في الابتداء خلط به شيء من الرادعات مثل الطين المعروف بقيموليا والطين الأرمني.وأما في آخره فيخلط بالمحللات حتى الزرنيج مع الطين المختوم وقد يعالج بلبن امرأة مع كندر والماء المالح وخصوصاً والمدوف فيه ملح أندراني أو نوشادر وخصوصاً إذا جعل فيه مع ذلك الكندر وقطر على العين منه. وأيضاً شياف دينار دون نافع منه جداً. ودواء متخذ من حجر الفلفل والأنزروت أجزاء سواء زرنيخ مثل الجميع وقد يخلط بذلك ملح اندراني فيتخذ منه شياف وقد يضمد به من خارج بقلي محرق بالخمر أو بالخل وكذلك فرق الحمام بالخل أو الحمر أو زبيب منزوع العجم ضماداً وحده أو بخل أو بسائر ما قيل وخصوصاً إذا كان ورم. وكذلك الجبن الحديث والقليل الملح والجبن الحديث وقشر الفجل وإكليل الملك مع دم الأخوين وأصل السوسن وزعفران أو عدس بدهن الورد وصفرة البيض والأكباب على ماء حار طبخ فيه زوفا وسعتر أو التكميد به أو خل طبخ فيه رماد أو نقيع اللبان مع الصبر أو ماء عصفر بري أو نقيع الزعفران أو ماء طبخ فيه بابونج وإكليل الملك أو عصارتهما أو سلاقة ورق الكرنب أو التضميد بورق الكرنب مطبوخاً مدقوقاً. وللقوي المزمن خردل مدقوق مخلوط بضعفه شحم التيس ضماداً أو زرنيخ محلول بلبن أو رمان مطبوخ في شراب يضمد به أو نانخواة وزوفا بلبن البقر فإن حدث مع الطرفة خرق في الملتحمة مضغت الكمون والملح وقطرت الريق فيه. وورق الخلاف نافع منه جداً إذا ضمد به.

 فصل في الدمعة

هذه العلة هي أن تكون العين دائماً رطبة برطوبة مائية فربما سالت دمعة ومنه مولود ومنه عارض. ومن العارض لازم في الصحة ومنه تابع لمرض إن زال زال كما يكون في الحميات. والسبب في العارض ضعف الماسكة أو الهاضمة المنضجة أو نقصان من الموق في الطبع أو بسبب استعمال دواء حاد أو عقيب قاطع الظفرة. ومبدأ تلك الرطوبات الدماغ ويسيل منه إلى العين في أحد الطريقين المتكرر ذكرهما مراراً وما كان مولوداً أو مع استئصال قطع الموق فلا يبرأ وسيلان الدمع الذي يكون في الحميات والأمراض الحادة ويكون بلا علة فيكون لآفة دماغية وأورام دماغية وقد يعرض في الحميات السهرية من حميات اليوم. وأما في الحميات العفنية المطوية فيكثر وقد يكثر سيلان الدمع في التمدد وهذا كله من جنس ما هو عارض سريع الزوال تابع لمرض إن زال زال معه. المعالجات: القانون في علاجها استعمال الأدوية المعتدلة للقبض فأما الكائن عقيب قطع الظفرة أو تأكيلها بدواء فيعالج بالذرور الأصفر وأقراص الزعفران وشياف الصبر وشياف الزعفران بالبنج وإن تكحل على الماق نفسه بالكُندر أو بِدخانه خاصةً وبالصبر والماميثا والزعفران وإن كانت قد فنيت واستؤصلت فلا تنبت البتة والكائن لا عن قطع الظفرة فالتوتياء والأكحال التوتيائية خاصة الكحل التوتيائي المذكور في باب البياض وجميع الشيافات اللزجة والشياف الأبيض والأنزروتي وشياف أصطفطيقان وسائر ما ذكرنا في القراباذين. ومما حرب فيه الدواء المتخذ من ماء الرمان الحامض بالأدوية وصفة ذلك أن يطبخ الرطل منه على النصف ثم يلقى فيه من الصبر الأسقوطري ومن الحضض ومن الفيلزهرج ومن الزعفران ومن شياف ماميثا من كل واحد مثقال ومن المسك دنقان ويشمس أربعين يوماً في زجاج مغطى. ومما جرب فيه دخول الحمام على الريق والمقام فيه وتقطير الخلّ والماء في العين كثيراً. وأما المولود منه فعسر ما يقبل العلاج البتة. قد يكون الحول لاسترخاء بعض العضل المحركة للمقلة فتميل عن تلك الجهة إلى الجهة المضادة لها وقد يكون من تشنج بعضها فتميل المقلة إلى جهتها. وكيف كان فقد يكون عن رطربة وقد يعرض عن يبوسة كما يعرض في الأمراض الحادة. وما يكون السبب فيه تشنج العضل فإنما يكون عن تشنج العضل المحركة فإن تشنجها هو الذي يحدث في العين حولاً. وإما لتشنج العضل الماسكة في الأصل فلا يظهر آفة بل ينفع جداً. وكثيراً ما يعرض الحول بعد علل دماغية مثل الصرع وقرانيطس والسَدر ونحوه للاحتراق واليبس أو الامتلاء أيضاً. واعلم أن زوال العين إلى فوق وأسفل هو الذي يُرِي الشيء شيئين وأما إلى الجانبين فلا يضر البصر ضرراً يعتد به. المعالجات: أما المولود به فلا يبر اللهم إلا في حال الطفولية الرطبة جداً فربما رجي أن يبرأ خصوصاً إذا كان حادثاً فينبغي في مثله أن يسوّى المهد ويوضع السراج في الجهة المتقابلة لجهة الحول ليتكلف دائماً الالتفات نحوه وكذلك ينبغي أن يربط خيط بشيء أحمر يقابل ناحية الحول أو يلصق شيء أحمر عند الصدغ المقابل أو الأذن وكل ذلك بحيث يلحقه في تأمله وتبصّره أدنى كلفة فربما نجع ذلك التكليف في تسوية العين وإرسال الدم مما يجعل النظر مستقيماً. وأما الذين يعرض لهم ذلك بعد الكبر والمشايخ ويكون سببه استرخاء أو تشنجاً رطباً فيجب أن يستعملوا تنقية الدماغ بالاستفراغات التي ذكرنا بالأيارجات الكبار ونحوها ويلطفوا التدبير ويستعملوا الحمام المحلّل. ومن الأدوية النافعة في الحول أن يسعطوا بعصارة ورق الزيتون فإن كان عروضه عن تشنّج من يبس فيجب أن يستعملوا النطولات المرطبة وإذا لم يكن حمى سقوا ألبان الأتن مع الأدهان المرطبة جداً. وبالجملة يجب أن يرطب تدبيرهم وأن يقطَر في العين دماء الشفانين وأن يضمدوا ببياض البيض ودهن الورد وقليل شراب ويربط يفعل ذلك أياماً.


فصل في الجحوظ

قد يقع الجحوظ إما لشقة انتفاخ المقلة لثقل بها وامتلائها وإما لشدة إنضغاطها إلى خارج وإما لشدة استرخاء علاقتها والعضلات الجاحظة لعلاقتها المذكورة والواقع لشدة انتفاخ المقلة لثقلها وامتلائها فإما أن تكون المادة في نفس العين ريحية أو خليطية رطبة وربما كان الامتلاء خاصاً بها وربما كان بمشاركة الدماغ أو البدن مثل ما يعرض عند احتباس الطمث للنساء.

والذي يكون لشدة انضغاطها إلى خارج فكما يكون عند الخنق وكما يكون عند الصُداع الشديد وكما يكون بعد القيء والصياح وللنساء بعد الطلق الشديد للتزحير وربما كان مع ذلك من مادة مالت إلى العين أيضاً إذا لم يكن النفاس نقتاً وربما كان من فساد مزاج الأجنة أو موتها وتعفنها.

وأما الكائن لاسترخاء العضلة فلأن العضلة المحيطة بالعصبة المجوّفة إذا استرخت لم تثقل المقلة ومالت إلى خارج.

والجحوظ قد يكون من استرخاء العضلة فقط فلا يبطل البصر وقد يكون مع انتهاكها فيبطل البصر.

وقد يجحظ العينان في مثل الخوانيق وأورام حجب الدماغ وفي ذات الرئة ويكون السبب في ذلك إنضغاطاً وقد يكون السبب في ذلك امتلاء أيضاً.

وكثر ما يكون مع دسومة ترى وتورم في القرنية.

العلامات: ما كان من مادة كثيرة مجتمعة في الحدقة فيكون هناك مع الجحوظ عظم وما كان من انضغاط فربما كان هناك عظم إن أعانته مادة وربما لم يكن عظم وفي الحالين يحس بتمدد دافع من خلف ويعرف من سببه.

وما كان الاسترخاء العضلة فإن الحدقة لا تعظم معها ولا يحس بتمدد شديد من الباطن وتكون الحدقة مع ذلك قلقة.

المعالجات: أما الخفيف من الجحوظ فيكفيه عصب دافع إلى باطن ونوم على استلَقاء وتخفيف غذاء وقلة حركة وإدامة تغميض فإن احتيج إلى معونة من الأدوية فشياف السماق.

وأما القوي منه فإن كان هناك مادة احتيج إلى تنقيتها من البدن والرأس بما تمري من المسهّلات والفصد والحجامة في الأخدعين والحقن الحارة.

وبالجملة فإن الإسهال من أنفع الأشياء لأصنافه وكذلك وضع المحاجم على القفا.

ويجب أن يدام التضميد في الابتداء بصوف مغموس في خلّ وتنطيل الوجه بماء بارد أو ماء ملح بارد وخصوصاً مطبوخاً فيه القابضات مثل قشور الرمان والعلّيق ومثل الخشخاش والهندبا وعصا الراعي فإن لم يكن عن امتلاء انتفع الجميع بهذا التدبير في كل وقت إن كان هناك امتلاء فيجب بعد الابتداء أن تحلل المادة وإن كان عن استرخاء فيجب أن يستعمل الأيارجات الكبار والغراغر والشمومات والبخورات المعروفة وبعد ذلك يستعمل القابضات المشددة.

وأما الذي عند الطلق فإن كان عن قلة سيلان دم النفاس أو فساد الجنين فإدرار الطمث وإخراج الجنين وإن كان عن الانضغاط فقط فالقوابض.

ومن الأدوية النافعة في النتوءوالجحوظ دقيق الباقلا بالورد والكندر وبياض البيض يضمد به وأيضاً نوى التمر المحرق مع السنبل جيّد للنتوء والجحوظ.

فصل في غؤر العين وصغرها

قد يكون ذلك في الحميّات وخصوصاً في السهرية وعقيب الاستفراغات والأرق والغم والهم.

والأرقية منها تكون العين فيها نعاسية ثقيلة عسرة الحركة في الجفن دون الحدقة وفي الغمّ ساكنة الحدقة.

وقد حكي أنه عرض لبعض الناس اختلاف الشقين في برد شديد وحر شديد فعرض للعين التي في الشقّ البارد غؤر وصغر فاعلم ذلك بجملته.

فصل في الزرقة

اعلم أن الزرقة تعرض إما بسبب في الطبقات وإما بسبب في الرطوبات.

والسبب في الرطوبات أنها إن كانت الجليدية منها كثيرة المقدار والبيضية صافية وقريبة الوضع إلى خارج ومعتدلة المقدار أو قليلته كانت العين زرقاء بسببها إن لم يكن من الطبقة منازعة وإن كانت الرطوبات كَدِرة أو الجليدية قليلة والِبيضية كثيرة أظلم إظلام الماء الغمر أو كانت الجليدية غائرة كانت العين كحلاء.

والسبب في الطبقات هو في العتبيّة فإنها إن كانت سوداء كانت العين بسببها كحلاء وإن كانت زرقاء صيرت العين زرقاء.

والعنبيّة تصير زرقاء إما لعدم النضج مثل النبات فإنه أول ما ينبت لا يكون ظاهر الصبغ بل يكون إلى البيض ثم أنها مع النضج تخضر ولهذا السبب تكون عيون الأطفال زرقاً وشهلاً وهذه زرقة تكون عن رطوبة بالغة.

وإما لتحلّل الرطوبة التي يتبعها الصبغ إذا كانت نضيجة جداً مثل النبات عندما تتحلّل رطوبته يأخذ يبيضّ وهذه والمرضى تشهل أعينهم والمشايخ لهذا السبب لأن المشايخ تكثر فيهم الرطوبة الغريبة وتتحلّل الغريزية وإما أن يكون ذلك لون وقع في الخلقة ليس لأن العنبية صار إليها بعد ما لم يكن وقد يكون لصفاء الرطوبة التي منها خلقت وقد يكون لإحدى الآفتين إذا عرضت في أول الخلقة ويعرف ذلك بجودة البصر ورداءته.

فالزرقة منها طبيعية ومنها عارضة والشهلة تحدث من اجتماع أسباب الكحل وأسباب الزرقة.

فيتركب فنها شيء بين الكحل والزرقة وهو الشهلة وإن كانت الشهلة للنارية على ما ظنه أمبادقلس لكانت العين الزرقاء مضروُرة لفقدانها النارية التي هي آلة البصر وبعض الكحل يقصر عن الزرق في الإبصار إذا لم يكن الزرق لا آفة.

والسبب فيه أن الكحل الذي يكون بسبب البيضية يمنع نفوذ أشباح الألوان بالبياض لمضادته للأشفاق ومثل الذي يكون لكدورة الرطوبة وكذلك إن كان السبب كثرة الرطوبة فإنها إذا كانت كثيرة أيضاً لم تجب إلى حركة التحديق والخروج إلى قدام إجابة يُعْتَدُّ بها.

وإذا كانت العين زرقاء بسبب قلّة الرطوبة البيضية كانت أبصر بالليل وفي الظلمة منها بالنهار لما يعرض من تحريك الضوء للمادة القليلة فتشغلها عن التبيّن فإن مثل هذه الحركة يعجز عن تبيُّن الأشياء كما يعجز عن تبيُّن ما في الظلمة بعد الضوء.

وأما الكحلاء بسبب الرطوبة فيكون بصرها بالليل أقلّ بسبب أن ذلك يحتاج إلى تحديق وتحريك للمادة إلى خارج والمادة الكثيرة تكون أعصى من المعالجات: قد جرب الاكتحال ببنج مجفف يطبخ في الماء حتى يصير كالعسل ويكتحل به أو يؤخذ إثمد أصفهاني وزن ثلاثة دراهم لؤلؤ دراهم مسك وكافور من كل واحد وزن دانق دخان سراج الزيت أو الزنبق وزن درهمين زعفران درهم يجمع الجميع بالسحق ويستعمل.

والزعفران نفسه ودهنه مما يسوّد الحدقة وكذلك عصارة عنب الثعلب أو يؤخذ من عصارد الحسك وزن درهمين ومن العفص المسحوق وزن درهم نوى الزيتون المسودّ على الشجر ودهن السمسم غير مقشّر من كل واحد وزن درهم يطبخ بنار لينة ويكتحل به.

ومما جرّب أن يحرق البندق ويخلط بزيت ويمرخ به يافوخ الصبي الأزرق العين وأيضاً يدخل الميل في حنظلة رطبة ويكتحل به حتى قيل أن ذلك يسوّد حدقة السنور جداً وكذلك قشور الجلّوز مسحوقة منخولة ويؤخذ أقاقيا جزءاً مع سدس جزء من عفص يجمع ذلك بماء شقائق النعمان وعصارته ويتخذ منه قطور كذلك عصارة البنج وعصارة قشور الرمان وكذلك الظئر إذا كانت زنجية أو حبشية وترضع الصبي فتزول الزرقة.

المقالة الثالثة

فصل في القمل في الأجفان

مادة القمل رطوبة عفنة دفعتها الطبيعة إلى ناحية الجلد والقوة المهيئة لتولّدها حرارة غير طبيعية وأكثر من يعرض له ذلك من كان كثير التفنُّن في الأطعمة قليل الرياضة غير متنظف ولا يستعمل الحمّام.

المعالجات: تبدأ بتنقية البدن والرأس ناحية العين بما علمت وخصوصاً بغراغر متخذة من الخل والخردل ثم تستعمل غسل العين ونطلها بماء البحر المالحة والكبريتية ويلطّخ شفر الجفن بدواء متخذ من الشبّ ونصفه ميويزج وربما زيد عليه من الصبر والبورق من كل واحد نصف جزء والأحسن أن يكون ما يعجنه به خل العنصل وأما الميويزج مع البورق فدواء جيد له.

فصل في السلاق

وهو باليونانية أنيوسيما: السلاق غلظ في الأجفان عن مادة غليظة رديئة أكالة بورقيّة تحمرّ لها الأجفان وينتثر الهدب ويؤدي إلى تقرّح أشفار الجفن ويتبعه فساد العين وكثيراً ما يحدث عقيب الرمد ومنه حديث ومنه عتيق رديء.

المعالجات: أما الحديث فينتفع بضمّاد من عدس مطبوخ بماء بارد أو بضمّاد من البقلة الحمقاء والهندبا مع دهن الورد وبياض البيض يستعمل ذلك ليلاً ويدخل الحمام بعده أو يؤخذ عدس مقشّر وسقاق وشحم الرمان وورد يعجن ذلك بميبختج ويستعمل ليلاً ويُستحم بكرةً.

وإدمان الحمام من أنفع المعالجات له.

وأما العتيق المزمن فيجب فيه أن يحجم الساق ويفصد عرق الجبهة ويدام استعمال الحمام.

وأما الأدوية الموضعية فمنها أن يؤخذ نحاس محرق نصف درهم زاج ثلاثة دراهم زعفران فلفل درهماً درهماً يسحق بشراب عفص حتى يصير كالعسل الرقيق ويستعمل خارج الجفن.

وأما الكائن عقيب الرمد فقد جرب له شياف على هذه الصفة ونسخته: زاج الحبر المحرق زعفران سنبل من كل واحد جزء ساذنج عشرة أجزاء يشتف ويحك به الجفن.

فصل في جسا الأجفان

هو أن يعرض للأجفان عسر حركة إلى التغميض عن انفتاحه وإلى الانفتاح عن تغميضه مع وجع وحمرة بلا رطوبة في الأكثر ويلزمه كثيراً أن لا يجيب إلى الانفتاح مع الانتباه عن النوم.

وكثره لا يخلو عن تفاريق رمص يابس صلب ولا يكون معه سيلان إلا بالعرض لأنه عن يبس أو خلط لزج مائل إلى اليبوسة جداً ولكن قد يكون وجع وحمرة.

وأما إذا كانت حكة بلا مادة تنصت إليها فتسمى يبوسة العين وكثيراً ما يكون هناك مزاج حار ومادة كثيرة غليظة تحتاج أن تُستفرغ.المعالجات: يجب أن يُدام تكميد العين بإسفنج مغموسة في ماء فاتر ويدمن الاستحمام بالماء العذب المعتدل ويوضع على العين عند النوم بياض البيض مضروباً بدهن الورد ويدام تغريق الرأس بالمرطبات والأدهان والنطولات والسعوطات المرطبة بدهن البنفسج والنيلوفر وغيره.

وإن دلت الأحوال على أن مع اليبس مادة صفراوية بدهن البنفسج استسهل باللبلاب فإن فيه خاصية وإن ظن أن هناك مادة غليظة مجففة تحتاج إلى تحليل حلّلت بلعاب الحلبة ولعاب بزر الكتان المأخوذين باللبن فإن هذين إذا جعلا في العين أزالا الجسا واستفرغا الخلط الرديء.

ومما جرب له شحم الدجاج ولعاب بزر قطونا وشمع ودهن الورد يجعل عليه دائماً وفي الأحيان يستعمل ما يجلب الدموع مثل شياف أراسياطراطس فانه قد ينتفع به في المأدى المزمن منه باستعمال الأكحال المدمعة فإنها تحلّل المادة الغليظة وتسيّلها وتجلب من الرطوبات الرقيقة ما يليّنها ويحللها بتحللها.

فصل في غلظ الأجفان

هو مرض يتبع الجرب وربما أورثه الأطلية الباردة على الجفن وعلاجه: الاكتحال المتخذ من اللازورد ومن الحجر الأرمني ومن نوى التمر محرقاً ومن الناردين واستعمال الحمام دائماً واجتناب النبيذ وقد يحد كثيراً بالميل وبالشياف الأحمر الليّن وأما الحك بالسكر فربما هاج أو جَرُبَ به.

فصل في تهيّج الأجفان

يقع لموادّ رقيقة وبخارات ولضعف الهضم وسوئه كما يكون في السهر والحميات السهرية وقد يكون في أوائل الاستسقاء وسوء القنية ولأورام رطبة مثل ذات الرئة ومثل ليثرغس وإذا حدث بالناقهين أنذر كثيراً بالنكس وخصوصاً إذا أطاف بها من سائر الأعضاء ضمور وبقيت هي متهيجة منتفخة والمعلاج قطع السبب والتكميد.

فصل في ثقل الأجفان

قد يكون للتهتج وأسبابه وقد يكون لضعف القوة وسقوطها كما في الدق وقد يكون للغلظ والشرناق ونحوه وقد يعرض ثقل واسترخاء في ابتداء نوائب الحميات.

فصل في التصاق الجفنين عند الموق وغيره

قد يعرض للجفن أن يلتصق بالمقلة إما بالملتحمة وإما بالقرنية وإما بكليهما وقد يكون في أحد جانبي الموق وقد يكون إلى الوسط كما قد يكون شاملاً.والسبب فيه إما قروح حديثة وإما خرق الكحال إذا لقط من المقلة سبلاً أو كشط ظفرة أو حك من الجفن جرباً ثم لم يكوه بالكمّون والملح ونحوه كما ذكرنا كياً بالغاً ولم يراع كل وقت ما يجب أن يراعى فيه حتى التصق وانحس الأمر.

فصل في السدية

هو لحيمة بثرية تزيد في المقلة فإن كان عند الموق فالأصوب أن ينكأ ثم يعالج بعلاج الغرب أو يكحل بباسليقون وبالدواء البنفسجي وأدوية الظفرة وخصوصاً الشياف الزرنيخي.

وإن كان مع البياض والسواد فعلاجه علاج الظفرة حسب ما بيناه.

فصل في انقلاب الجفن وهو الشترة

أصنافه ثلاثة: أحدها أن يتقلص الجفن ولا يغطي البياض وذلك إما خلقة وإما لقطع أصاب الجفن وتسمى عين مثله العين الأرنبية.

والثاني: الصنف الأوسط وهو أن لا يغطي بعض البياض ويسمى قصر الجفن وسببه سبب الأول إلا أنه أقل من ذلك.

والثالث: هو أن لا ينطبق الجفن الأعلى على الأسفل وذلك يكون إما من غدة وإما من نبات لحم زائد كان ابتداء أو من تشنج عرض للجفن من قرحة اندملت عليه لا تدع الجفن الأعلى أن ينطبق على فصل في العلاج: أما الذي عن قصر الجفن فعلاجه أن يشق ولا يخاط ويندمل بعد نشء لحم جلدي وهذا للصنف الأول والثاني بالأكثر والأقل وأما الذي عن غدة ولحم زائد فيأخذهما بالحديد وكذلك الذي عن أثر قرحة اندملت مقصرة للجفن علاجه بالحديد يفتق ويدمل والذي من تشنج علاجه علاج التشنج بنوعيه.

فصل في البَرَدة

هي رطوبة تغلظ وتتحجر في باطن الجفن وتكون إلى البياض تشبه البَرَد.

العلاج: يستعمل عليها لطوخ من وسخ الكوائر وغيرها وربما زيد عليه دهن الورد وصمغ البطم وأنزروت أو يطلى بأشق مسحوق بخل وبارزذ أو حلتيت أو طلاء أو ربياسيوس المذكور في باب الشعيرة.

فصل في الشعيرة

الشعيرة ورم مستطيل يظهر على حرف الجفن يشبه الشعير في شكله ومادته في الأكثر دم غالب.

العلاج: تعالج بالفصد والاستفراغ بالأيارج على ما تدري ثم يؤخذ شيء من سكبينج ويحل بالماء ويلطخ به الموضع فإنه جيد جداً.

وينفعه الكماد بالشحم المذاب أو دقيق الشعير وقنّة أو خبز مسخّن يرقد عليه والكماد بذنب الذباب والذباب المقطوف الرأس أو بماء أغلي فيه الشعير أو دم الحمام أو دم الوراشين والشفانين أو يؤخذ بورق قليل وقنّة كثيرة فيُجمعان ويوضعان على الشعيرة.

وطلاء أوربياسيوس وهو أن يؤخذ من الكندر والمر من كل واحد جزء لاذن ربع جزء شمع شب بورق أرمني من كل واحد نصف جزء ويُجمع بعكر دهن السوسن ويُطلى.

فصل في الشرناق

الشرناق زيادة عن مادة شحمية تحدث في الجفن الأعلى فتثقل الجفن عن الانفتاح وتجعله كالمسترخي ويكون ملتحجاً ليس متحركاً تحرك السلعة وأكثر ما يعرض يعرض للصبيان والمرطوبين والذين تكثر بهم الدمعة والرمد.

ومن علاماته أنك إذا كبست الانتفاخ بإصبعين ثم فرقتهما نتأ في وسطهما.

المعالجات: علاج اليد وصفته أن يجلس العليل ويمسك رأسه جذباً إلى خلف ويمدّ منه جلد الجبهة عند العين فيرتفع الجفن ويأخذه المعالج بين سبابته ووسطاه ويغمز قليلاً فتجتمع المادة منضغطة إلى ما بين الأصبعين ويجذب ممسكاً لرأس الجلدة من وسط الحاجب فإذا ظهر النتؤ قطع الجلدة عنه قطعاً شأفاً رقيقاً غير غائر فإن الاحتياط في ذلك.

ولأن يشرح تشريحاً بعد تشريح أحوط من أن يغوص دفعةً واحدةً فإذا ظهر بالتشريحة الأولى فبها ونعمت وإلا زاد في التشريح حتى يظهر فإن وجده مبرأ لف على يديه خرقة كتان وأخذ الشرناق مخلصاً إياه يمنة ويسرة وإن بقيت بقية لا تجيب ذر عليها شيئاً من الملح ليأكلها وإن كانت في كلاف وشديدة الالتصاق أخذ المتبري منه وترك الآخر لا يتعرّض له ويفوّض أمره إلى تحليل الملح الذي يُذرّه عليه ثم يضع عليه خرقة مبلولة بخلّ.

وإذا أصبح من اليوم الثاني وأمنت الرمد فعالجه بالأدوية الملزقة ويكون فيها حُضَض وشياف ماميثا وزعفران وربما تعرّض للمتحد الذي لا تبرأ فيه بكشطه وسلخه بشعرات تنفذ بالصنانير تحته ويحرّك يمنةً ويسرةً حتى يتبرأ أو يفعل ذلك بأسفل ريشة ويحتاج أن يحتاط في البطّ حتى لا يأخذ في الغور فإن الباطّ إن مدد الجفن بشدة وأمعن في البطّ حتى قطع الجلدة والغشاء الذي تحته بضربة واحدة طلع الشحم من موضع القطع إذا ضغطه بالأصابع التي أدارها حول الجلدة الممتدة فيحدث وجع شديد وورم حاد وتبقى بقية صلبة معوقة هي شرّ من الشرناق وربما انقطع من العضلة الرافعة للجفن شيء صالح فيضعف الجفن عن الانفتاح.

وأما الحديث الضعيف منه فكثيراً ما تشفى منه الأدوية المحللة دون عمل اليد.

هي لحم رخو يحدث في باطن الجفن فلا يزال يسيل منه دم أحمر وأسود وأخضر.

وعلاجها التنقية بالمجففات الأكَالة والشيافات الحارة فإذا أكلت التوتة استعمل حينئذ الذرورات والشيافات التي تنبت اللحم فيما يقال في قروح الأجفان.

وبالجملة علاجات الحكّة والجرب القرنيين.

فصل في التحجّر

التحجّر ورم صغير يدمى ويتحجر وقد يخلص عنه عمل اليد ثم استعمال أدوية القروح للأجفان.

فصل في قروح الجفن وانخراقه

يستعل عليها ضماد من عدس مقشر وقشور الرمان مطبوخة بالخل فإذا سقطت الخشكريشة وبطل التأكّل استعمل عليها صفرة البيض مع الزعفران فإنه يدمل وإن شئت استعملت عليها شياف الكندر وشياف الأبار مع شياف الاصطفطيقان والأحمر اللين وأما انخراق الجفن فيقبل الالتحام ويعالج بعلاج انخراق الجلود المذكور في بابه.

فصل في الجرب والحكّة في الأجفان

سببه مادة مالحة بورقية من دم حاد أو خلط آخر حاد يحدث حكاً ثم يجرّب.

وأكثره عقيب قروح العين ويبتدئ العلة أولاً حكة يسيرة ثم تصير خشونة فيحمرّ الجفن ثم يصير تبنياً متقرّحاً ثم يحدث المحبب الصلب عند اشتداد الشقاق في الحكة و التورّم.

المعالجات: إذا قارن الجرب رمد فعالج الرمد أولاً ثم أقبل على الجرب بعد أن لا تهمل أمر الجرب وكذلك الحال والحكم إن كان هناك مرض آخر فالواجب أن يراعي أشدّهما اهتماماً وإذا رأيت تقرّحاً وورماً فإياك أن تستعمل الأدوية الحادة ونحوها إلا بعد التوصل بالرفق إلى إمكان الحك فإنك لجلب بالأدوية ألماً شديداً.

فأما الثاني والثالث من الأنواع المذكورة فلا بد من الحك إما بالحديد وإما بأدوية تتخذ محاك مثل زبد البحر وخصوصاً الجنس المعروف منه بقيشورا وبورق التين أو يتخذ محك من ساذنج وزعفران ومارقشيثا يتخذ منه شياف ويحك به.

وأما الذي يقبل العلاج بالأدوية وهو ما لم يبلغ درجة الثاني والثالث فأول علاجه إدامة الاستفراغ والفصد ولو في الشهر مرتين وفصد المأقين بعد الفصد الكلّي ومداومة الاستحمام واجتناب الغبار والدخان والصياح والتحرّز من شدة زَرِّ الأزرار وضيق قوارة الجيب والغضب والحرد وكثرة الكلام ولط المخدة وطول السجود وكل ما يصمد المواد إلى فوق ويجذبها إلى الوجه.

وينفع في ابتدائه الشياف الأحمر الليّن وبعده الشياف الأخضر الليّن.

فإن كان أقوى من ذلك فالحاد من كل واحد منهما وطرخماطيقون وكحل أرسطراطس وشياف الزعفران.

وقد يعالج بمرارة العنز ومرارة الخنزير وبالنوشادر والنحاس المحرق والقلقديس مجموعة وأفراداً والباسليقون.

والشياف الرمادي جيد جداً وأيضاً دواء أراسسطس جيد جداً.

ومن الأدوية النافعة دواء بهذه الصفة ونسخته: كهربا جزء قشور النحاس جزءان يعجن بعسل ويستعمل أو صبر جزء نوشادر نصف جزء يعجن بعسل ويستعمل.

أخرى: يؤخذ من النحاس المحرق ستة عشر مثقالاً ومن الفلفل ثمانية مثاقيل ومن القليميا أربعة مثاقيل ومن المر مثقالان ومن الزعفران مثقالان ومن الزنجار خمسة مثاقيل ومن الصمغ عشرون مثقالاً يجمع ويحقّ بماء تودري أو بماء المطر.

فصل في الانتفاخ

الانتفاخ ورم بارد مع حكة وقد يكون الغالب عليه الريح وقد يكون فضلة بلغمية رقيقة وقد يكون فضلة مائية وقد يكون فضلة سوداوية.

العلامات: الريحي يعرض بغتة ويمتدّ إلى ناحية المأق فيكون كمن عضه ذباب في ذلك الموضع ويعرض في الصيف وللمشايخ ولا يكون ثقل.

والبلغمي يكون أبرد وأثقل ويحفظ أثر الغمز ساعة والمائي لا يبقى أثر الغمز فيه ولا وجع معه.

والسوداوي في الأكثر يعم الجفن والعين ويكون مع صلابة وتمدد يبلغ الحاجبين والوجنتين ولا يكون معه وجع شديد يعتدّ به ويكون لونه كمداً وأكثره يعرض بعد الرمد وبعد الجدري قطعاً.

المعالجات: يجب أن يبدأ أولاً فيستفرغ البدن وينقى الرأس منه فما كان منه إلى البلغم أميل استعمل التضميد بالخطمي.

وأقوى منه ورق الخِروَع مدقوقاً مخلوطاً بالشبّ والتكميد بإسفنجة مبلولة بخلّ وماء حار وأيضاً يتخذ لطوخ من صبر وفيلزهرج وشياف ماميثا وفوفل وزعفران بماء عنب الثعلب فإنه نافع.

فصل في كثرة الطرف

كثرة الطرف تكون من قذى في العين خفيف وتكون من بثر وقد تكثر في أصحاب التمدد والمتهيئين له وتندر في الأمراض الحادة بتمدد وتشنّج.

فصل في انتثار الشعر

ينتثر شعر العين إما بسبب المادة وإما بسبب الموضع.

وسبب المادة إما أن تقل مثل ما يكون في آخر الأمراض الحادة الصعبة وإما أن تفسد بسبب ما يخالطها عند المنبت مثل ما يقع في داء الثعلب وهو أن يكون في باطن الجفن رطوبة حادة أو مالحة أو بورقية لا تظهر في الجفن آفة محسوسة ولكنها تضر بالشعر.

وأما الذي بسبب الموضع فأن يكون هناك آفة ظاهرة إما صلابة وغلظ فلا يجد البخار المتولد عنه الشعر منفذاً وإما ورم وإما تأكل ويدلّ عليه حمرة ولذع شديد.

المعالجات: ما كان من ذلك بسبب الموضع فتعالج الآفة التي بالموضع على حسب ما ذكر علاج كل باب منه في موضعه وما كان سببه عدم المادة فيعالج البدن بالإنعاش والتغذية.

وتستعمل الأدوية الجاذبة لمادة الشعر إلى الأجفان مما نذكره ومما هو مذكور في القراباذين وفي ألواح الأدوية المفردة.

وما كان بسبب رطوبة فاسدة استعملت فيه تنقية الرأس وتنقية العضو ثم عالجت علاج الشعر.

وأما الأكحال النافعة من ذلك فالحجر الأرمنيَ و اللازورد.

ومن المركبات كحل نوى التمر باللاذن المذكور في القراباذين أو يؤخذ نوى البسر محرقاً وزن ثلاثة دراهم ومرت الناردين درهماً يتخذ منهما كحل.

ومما جرب أن يسحق السنبل الأسود كالكحل ويستعص بالميل وأيضاً يكتحل بخرء الفار محرقاً وغير محرق بعسل وخصوصاً للسلاقي أو يؤخذ تراب الأرض التي ينبت فيها الكرم مع الزعفران والسنبل الرومي وهو الاقليطي أجزاء سواء ويستعمل منه كحل.

ومما جرب وجرّب لما كان من ذلك مع حكّة وحمرة وتكحل أن يطبخ رمانة بكليتها وأجزائها في الخل إلى أن تتهرى وتلصق على الموضع وجميع اللازوقات نافعة.

وأيضاً لذلك بعينه قليميا قلقطار زاج أجزاء سواء يسحق ويستعمل.

ومما جرب أيضاً أن يؤخذ خرء أرنب محرقاً وزن ثمانية دراهم وبعر التيس ثلاثة دراهم ويكتحل بهما أو يكتحل بذباب منزوعة الرؤوس مجفّفة أو يحرق البندق ويسحق ويعجن بشحم العنز أو شحم الدب ويطلى به الموضع فإنه يُنبت الشعر إنباتاً ومع ذلك يسوده.

وأيضاً يؤخذ من الكحل المشوي جزء ومن الفلفل جزء ومن الرصاص المحرق المغسول أربعة أجزاء ومن الزعفران أربعة ومن الناردين ثلاثة ومن نوى التمر المحرق اثنان ويتخذ كحلاً.

فصل في الشعر المنقلب والزائد

بالجملة فإنّ علاج هذا الشعر أحد وجوه خمسة الإلزاق والكي والنظم بالإبرة وتقصير الجفن بالقطع والنتف المانع.

فأما الإلصاق فأن يشال ويسوّى بالمصطكي والراتينج والصمغ والدبق والأشق والغراء الذي يخرج من بطون الصدف وبالصبر والأنزروت والكثيراء والكندر المحلول ببياض البيض ومن الألزاق الجيد أن يلزق بالدهن الصيني.

وأجود منه بغراء الجبن وقد ذكرناه في القراباذين.

وأما علاج الإبرة فأن تنفذ إبرة من باطن الجفن إلى خارجه بجنب الشعر في سمها ويخرج إلى الجانب الآخر ويشد.

وإن عسر إدخال الشعر في سم الإبرة جعل في سمّ الإبرة شعر امرأة وأخرجت من الإبرة طرفاً من ذلك الجانب بالشعر حتى يبقى مثل العروة من الجانب الباطن فيجعل فيها الشعر ويخرج فإن اضطررت إلى إعادة الإبرة فاطلب موضعاً آخر فإن تثنية الغرز توسع الثقبة فلا يضبط الشعر.

وأما القطع فأن يقطع منبته من الجفن وقد أمر بعضهم أن يشق الموضع المعروف بالإجانة وهو عند حرف الجفن ثم يدمل فينبت عليه لا محالة لحم زائد فيسوى الشعر ولا يدعه ينقلب.

وأما الكي فأحسنه أن يكون بإبرة معقفة الرأس تحمي رأسها فيمد الجفن ويكوى بها موضع منبت الشعر فلا يعود وربما احتيج إلى معاودات مرتين أو ثلاثة فلا يعود بعد ذلك إليه البتة.

وأما النتف المانع فأن ينتف ثم يجعل على الموضع الأدوية المانعة لنبات الشعر وخصوصاً على الجفن مما قيل في ألواح الأدوية المفردة ونقوله في باب الشعر الزائد.

فصل في الشعر الزائد

المعالجات: علاجه تنقية البدن والرأس والعين بما علمت ثم استعمال الأكحال الحادة المنقّية للجفن مثل الياسليقون والروشناي الأحمر الحاد والأخضر الحاد والشياف الهليلجي وخصوصاً إن كانت هناك دمعة أو عارض من أعراض الأخلاط فإن لم يغن عولج بالنتف ينتف ويطلى على منبته دم قنفذ ومرارته ومرارة خمالاون ومرارة النسر ومرارة الماعز وربما خلطت هذه المرارات والدماء بجندبيدستر واتخذ منها شياف كفلوس السمك.

وتستعمل عند الحاجة محلولة بريق الإنسان ويصبر المستعمل عليه نصف ساعة.

ومن المعالجات الجيدة أن يؤخذ مرارة القنفذ ومرارة خمالاون وجندبيدستر بالسوية يجمع بدم الحمام ويقرص.

ومما وصف دم القراد وخصوصاً قرادة الكلب ودم الضفدع ولكن التجربة لم تحقَقه.

ومن الصواب فيما زعموا أن يخلط بالقطران.

ومما وصف أيضاً أن تستعمل مرارة النسر بالرماد أو بالنوشادر أو بعصير الكراث وخصوصاً إذا جعلا على مقلى فوق نار حتى يمتزجا وينشى وإن كان رماد صدف فهو أفضل وسحالة الحديد المصدأ برِيق الإنسان غاية وإن أوجع.

ومما جُرب الأرضة بالنوشادر وصوصاً مع حافر حمار محرق بخل ثقيف وكذلك زبد البحر بماء الاسفيوش فإنه إذا خدر وبرد الموضع لم ينبت شعراً.

يكون ذلك في الأكثر بعد الرمد فيجب أن يستعمل أنزروت وسكر طبرزذ أجزاء سواء زبد البحر ربع جزء ويسحق الجميع سحقاً ناعماً ويذر على موضع الأشفار فإنه نافع.

المقالة الرابعة أحوال القوّة الباصرة وأفعالها

فصل في ضعف البصر

ضعف البصر وآفته إما أن يوجبه مزاج عام في البدن من يبوسة غالبة أو رطوبة غالبة خلطية أو مزاجية بغير مادة أو بخارية ترتفع من البدن والمعدة خاصة أو برد في مادة أو غير ذي مَادة أو لغلبة حرارة مادّية أو غير مادية.

وإما أن يكون تابعاً لسبب في الدماغ نفسه من الأمراض الدماغية المعروفة كانت في جوهر الدماغ أو كانت في البطن المقدم كله مثل ضربة ضاغطة تعرض له فلا يبصر العين أو في الجزء المقدّم منه.

وأكثر ذلك رطوبة غالبة أو يبوسة تعقب الأمراض والحركات المفرطة البدنية والنفسانية والاستفراغات المفرطة تسقط لها القوة وتجف المادة.

وإما أن يكون لأمر يختصّ بالروح الباصر نفسه ما يليه من الأعضاء مثل العصبة المجوفة ومثل الرطوبات والطبقات والروح الباصر وقد يعرض أن يرق ويعرض له أن يكثف ويعرض له أن يغلظ ويعرض له أن يقل.

وأما الكثرة فأفضل شيء وأنفعه وأكثر ما يحدث الرقة تكون من يبوسة وقد تكون من شدة تفريق يعرض عند النظر إلى الشمس ونحوها من المشرقات وربما أدى الاجتماع المفرط جداً إلى احتقان محلل فيكثف فيه أولاً ثم يرق جداً ثانياً وهذا كما يعرض عند طول المقام في الظلمة والغلظ يكون لرطوبة ويكون من اجتماع شديد ليس بحيث يؤدي إلى استعمال مزاج مرقق وقد يكون السبب فيهما واقعاً في أصل الخلقة.

والقلة قد تكون في أصل الخلقة وقد تكون لشدة اليبس وكثرة الاستفراغات أو لضعف المقدّم من الدماغ جداً وصعوبة الأمراض ويقرب الموت إذا تحللت الروح.

وأما الضعف والآفة التي تكون بسبب طبقات وأكثرها بسبب الطبقات الخارجة دون والذي يكون بسبب الطبقة نفسها فيكون لمزاج رديء وأكثره احتباس بخار فيها أو فضل رطوبة تخالطها أو جفاف ويبس وتقشف وتحشف يعرض لها وخصوصاً للعنبيّة والقرنية أو فساد سطحها بآثار قروح ظاهرة أو خفية أو مقاساة رمد كثير يذهب إشفافها أو لون غريب يداخلها كما يصيب القرنيّة في اليرقان من صفرة أو آفة من حمرة أو انسلاخ لون طبيعي مثل ما يعرض للعنبيّة فيزداد إشفافاً وتمكيناً لسطوة الضوء من البصر ومن تفرقه للروح الباصرة وربما أحدث تجفيفاً وتسخيناً لتمكن الهواء والضياء من الرطوبات أو يرقق منها بسبب تأكّل عرض فلا يتدرّج الضوء في النفوذ فيها بل ينفذ دفعة نفوذاً حاملاً على الجليدية أو لنبات غشاء عليها كما في الظفرة أو انتفاخ وغلظ من عروقها كما في السبل.

وأما العارض للثقبة والمنفذ: فإما أن يضيق فوق الطبيعي لما نذكره من الأسباب في بابه وإما أن يتسع وإما يفسد سدّة كاملة أو غير كاملة كما عند نزول الماء أو عند القرحة الوسخة العارضة للقرنية حيث تمتلئ ثقب العنبية من الوسخ ونحن نذكر هذه الأبواب كلها باباً باباً.

وأما الكائن بسبب الرطوبات: فأمّا الجليدية منها فبأن تتغير عن قوامها المعتدل فتغلظ أو تشتد دفعة أو تزول عن مكانها الطبيعي فتصير متأذّية عن حمل الضوء والألوان الباهرة لها وأما البيضية فأن تكثر جداً أو تغلظ ويكون غلظها إما في الوسط بحذاء النقب وإما حول الوسط وإما في جميع أجزائها فيكون ذلك سبباً لقلة إشفافها أو لرطوبات وأبخرة تخالطها وتغير إشفافها فإن الأبخرة والأدخنة الغريبة الخارجة تؤذيها فكيف الداخلة.

وجميع الحبوب النفّاخة المبخرة مثقلة للبصر وأما الزجاجية فمضرّتها بالإبصار غير أولية بل إنما تضرّ بالإبصار من حيث تضرّ بالجليدية فتحيل قوامها عن الاعتدال لما تورده عليها من غذاء غير معتدل.

وأما الطبقة الشبكية فمضرتها بالإبصار تفرق اتصالها إما في بعضها فيقل البصر وإما في كلها فيعدم البصر.

وأما الآفة التي تكون بسبب العصبة فأن يعرض لها سدّة أو يعرض لها ورم أو اتساع بها أو انهتاك.

العلامات: أما الذي يكون بشركة من البدن فالعلامات فيه ما أعطيناه من العلامات التي تدل على مزاج كلية البدن والذي يكون بشركة الدماغ فأن يكون هناك علامة من العلامات الدالة على آفة في الدماغ مع أن تكون سائر الحواس مؤفة مع ذلك فإن ذلك يفيد الثقة بمشاركة الدماغ وربما اختص بالبصر أكثر اختصاصه وبالشم دون السمع مثل الضربة الضاغطة إذا وقعت بالجزء المقدم من الدماغ جداً فربما السمع بحاله وتبقى العين مفتوحة لا يمكن تغميض الجفن عليها ولكن لا يبصر.

وعلامة ما يخصّ الروح نفسه إنه إن كان الروح رقيقاً وكان قليلاً رأى الشيء من القرب بالاستقصاء ولم ير من البعد من الاستقصاء وإن كان رقيقاً كثيراً كان شديد الاستقصاء للقريب وللبعيد لكن رقته إذا كانت مفرطة لم يثبت الشيء المنير جداً بل يبهره الضوء الساطع ويفرّقه وإن كان غليظاً كثيراً لم يعجزه استقصاء تأمل البعيد ولم يستقص رؤية القريب والسبب فيه عند أصحاب القول بالشعاع وإن الإبصار إنما يكون بخروج الشعاع وملاقاته المبصر إن الحركة المتّجهة إلى مكان بعيد يلطف غلظها ويعدل قوامها كما أن مثل تلك الحركة يحلل الروح الرقيقة فلا يكاد يعمل شيئاً.

وعند القائلين بتأدية المشف شجّ المرئي غير ذلك وهو أن الجليدية تشتدّ حركتها عند تبصّر ما بعد وذلك مما يرقّق الروح الغليظ المستكنّ فيها ويحلل الروح الرقيق خصوصاً القليل.

وتحقيق الصواب من القولين إلى الحكماء دون الأطباء.

وأما تعرّف ذلك من حال الطبقات والرطوبات الغائرة فمما يصعب إذا لم يكن شيء آخر غيرها ولكن قد يفزع إلى حال لون الطبقات وحال انتفاخها وتمددها أو تحشّفها وذبولها وحال صغر العين لصغرها وحال ما يترقرق عليها من رطوبة ويتخيل من شبه قوس قزح أو يرى فيها من يبوسة.

والكدورة التي تشاهد من خارج ويكاد لا بصر معها إنسان العين وهو صورة الناظر فيها ربما دلّت على حال القرنية وربما دلّت على حال البيضية.

وصاحبها يرى دائماً بين عينيه كالضباب فإن رؤيت الكدورة بحذاء الثقبة فقط ولم يكن سائر أجزاء القرنية كدراً دل على أن الكدورة في البيضية وأنها غير صافية.

وإن عمت الكدورة أجزاء القرنية لم يشك أنها في القرنية وبقي الشك أنها هل هي كذلك في البيضية أم لا.

وقد يعرض للبيضة يبس وربما عرض من ذلك اليبس أن اجتمع بعض أجزائه فلم يشفّ فرأى حذاءه كوة أو كوى وربما كان ذلك لآثار بثور في القرنية خفيّة تختل خيالات فربما غلظ فيها ويظن أنها خيالات الماء ولا يكون وأما الضيق والسعة والماء وأحوال العصبة فلنؤخر الكلام فيها.

وَأما علامة تفرق اتصال الشبكية إذا كانت في جملتها فيعدم البصر بغتة واعلم أن كل فساد يكون عن اليبس فإنه يشتد عند الجوع وعند الرياضة المحللة وعند الاستفراغات وفي وقت الهاجرة والرطب بالضد.

المعالجات: إن كان سبب الضعف يبوسة انتفع بماء الجبن والمرطبات وحلب اللبن وشربه وجعل الأدهان مرطبة على الرأس وخصوصاً إن كان ذلك في الناقهين وينفعه النوم والراحة والسعوطات المرطبة وخصوصاً دهن النيلوفر وما كان من ذلك في الطبقة فيصعب علاجه.

وأما إن كانت عن رطوبة فاستعمال ما يحلل بعد الاستفراغات.

وأما القيء فالرقيق منه مما ينفع وخصوصاً للمشايخ والعتيق يضرّ جداً والغراغر والمخوطات والعطوسات نافعة.

ومن الإستفراغات النافعة في ذلك شرب دهن الخروع بنقيع الصبر واستعمال ما يمنع البخار من الرأس كالإطريفل وخصوصاً عند النوم نافع أيضاً.

وينتفع برياضات الأطراف وخصوصاً الأطراف السفلى وكذلك يجب أن يستعمل دلكها فإن كان السبب غلظاً فيعالج بما يجلو من الأدوية المذكورة في لوح العين ويجب إذا استعملت الأدوية الحادّة أن تستعمل معها أيضاً الأدوية القابضة.

وعن الأشياء النافعة في ذلك التوتيا المغسول المربى بماء المرزنجوش أو ماء الرازيانج أو ماء الباذروخ وعصارة فراسيون.

وإدامة الاكتحال بالحضض تنفع العين جداً وتحفظ قوتها إلى مدة طويلة والاكتحال بحكّاكة الهليلج بماء الورد وينفع جداً إذا كانت الرطوبة رقيقة مع حرارة وحكة.

ومن الأكحال النافعة في مثل ذلك المرارات كانت مفردة مثل مرارة القبّج ومرارة الرق والشبّوط والرخمة والثور والدب والأرنب والتيس والكركي والخطّاف والعصافير والثعلب والذئب والسنّور والكلب السلوقي والكبش الجبلي.

ولمرارة الحبارى خاصةً خاصية عجيبة جداً أو مركّبة.

ومن الأدهان النافعة دهن الخروع والنرجس ودهن حبّ الغار ودهن الفجل ودهن الحلبة ودهن السوسن ودهن المرزنجوش ودهن البابونج ودهن الأقحوان والاكتحال بماء الباذروج نافع.

ومن الأدوية الجيدة المعتدلة أن يحرق جوزتان وثلاثون نواة من نوى الهليلج الأصفر ويسحق ويلقى عليه مثقال فلفل غير محرق ويكتحل به.

ومن الأدوية النافعة أن يؤخذ عصارة الرمان المزّ وكذلك إن أخذ ماء الرمانين وشُمس شهرين في القيظ وصُفِّي وجعل فيه دار فلفل وصبر ونوشادر وقد يكون بلا نوشادر ينعّم سحق الجميع ويلقى على الرطل منه ثلاثة دراهم ويحفظ وكلما عتق كان أجود ومن النوافع مع ذلك الوفي مع ماميران إذا سحقا كالاكتحال.

والاكتحال بماء البصل مع العسل نافع وشياف المرارات قوي والمرارات القوية هي مثل مرارة البازي والنسر أو يؤخذ صلابة وفهر كل من النحاس يقطر عليها قطرات في خل وقطرة من لبن وقطرة عن عسل ثم يسحق حتى يسود ذلك ويكتحل به.

واعلم أن تناول الشلجم دائماً مشوياً ومطبوخاً مما يقوي البصر جداً حتى أنه يزيل الضعف المتقادم ومن قَدرَ على تناول لحوم الأفاعي مطبوخة على الوجه الذي يطبخ في الترياق وعلى ما فصل في باب الجذام حفظ صحة العين حفظاً بالغاً.

ومن الأدوية الجيدة للمشايخ ولمن ضعف بصره من الجماع ونحو ذلك.

ونسخته: يؤخذ توتيا مغسول ستّة وشراب بقدر الحاجة دهن البلسان أكثر من التوتيا بقدر ما يتفق يسحق التوتيا ثم يلقى عليه دهن البلسان ثم الشراب ويسحق سحقاً بالغاً كما ينبغي ويرفع ويستعمل.

وأيضاً دواء عظيم النفع حتى أنه يجعل العين بحيث لا يضرّها النظر في جرم الشمس.

ونسخته: يؤخذ حجر باسفيس وحجر مغناطيس وحجر أحاطيس وهو الشبّ الأبيض والشادنج والبابونج وعصارة الكندس من كل واحد جزء ومن مرارة النسر ومرارة الأفعى من كل واحد جزء يتخذ منه كحل.

واستعمال المشط على الرأس نافع وخصوصاً للمشايخ فيجب أن يستعمل كل يوم مرات لأنه يجذب البخار إلى فوق ويحركه عن جهة العين والشروع في الماء الصافي والانغطاط فيه وفتح العينين قدر ما يمكن وذلك مما يحفظ صحة العين ويقويها وخصوصاً في الشبان.

ويحب خصوصاً لمن يشكو بخارات المعدة ومضرّة الرطوبة أن يستعمل قبل الطعام طبيخ الأفسنتين وسكنجبين العنصل وكل ما يلين ويقطع الفضول التي في المعدة.

فصل في الأمور الضارّة بالبصر

وأما الأمور الضارة بالبصر فمنها أفعال وحركات ومنها أغذية ومنها حال التصرّف في الأغذية فأما الأفعال والحركات فجميع ما يجفف مثل الجماع الكثير وطول النظر إلى المشرفات وقراءة الدقيق بإفراط فإن التوسّط فيه نافع.

وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء والعشاء بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصير حتى ينهضم وكل امتلاء يضره وكل ما يجفف الطبيعة يضره وكل ما يعكّر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه والسكر يضرّه وأما القيء فينفعه من حيث ينقي المعدة ويضره من حيث يحرك مواد الدماغ فيدفعه إليه وإن كان لا بد فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق.

والاستحمام ضار والنوم المفرط ضار والبكاء الشديد وكثرة الفصد وخاصة الحجامة المتوالية.

وأما الأغذية فالمالحة والحريفة والمفجّرة وما يؤذي فم المعدة والشراب الغليظ الكدر والكزاث والبصل والبافروج أكلاً والزيتون النضيج والشبث والكرنب والعدس.

فصل في العشاء

هو أن يتعطل البصر ليلاً ويبصر نهاراً ويضعف في آخره.

وسببه كثرة رطوبات العين وغلظها أو رطوبة الروح الباصر وغلظه.

وأكثر ما يعرض للكحل دون الزرق ولصغار الحدق ولمن تكثر الألوان والتعاريج في عينه فإن هذه تدل على قلة الروح الباصر في خلقته وقد تكون هذه العلة لمرض في العين نفسها وقد تكون بمشاركة المعدة والدماغ وتعرف ذلك بالعلامات التي عرفتها.

المعالجات: إن كان هناك كثرة فليفصد القيفال والمأقين ويستعمل سائر المستفرغات المعروفة ويكرر وربما استفرغ بسقمونيا وجندبيدستر فانتفع به ويسقون قبل الطعاه شراب زوفا أو زوفا وسذاب يابس سفوفاً ويسقون بعد الهضم التام قليلاً من الشراب العتيق.

ومن الأدوية المُجَرية سيالة كبد المعزى المغزوز بالسكين المكببة على الجمر فإذا سالت أخذ مما يسيل وذر عليه ملح هندي ودار فلفل واكتحل به وربما ذر عليه الأدوية عند التكبيب.

والانكباب على بخاره والأكل من لحمه المشوي كل ذلك نافع جداً وربما قطع قطعاً عريضةً وجعل منها شياف ومن دار فلفل شياف وجعل الشياف الأسفل والأعلى من الكبد ويشوى في التنور ولا يبالغ ثم يؤخذ وتصفى عنه المائية ويكتحل بها وكذلك كبد الأرنب وكذلك الشياف المتخذ من دار فلفل والذي على هذه النسخة وصفته: يؤخذ فلفل ودار فلفل وقنبيل أجزاء سواء يكتحل به.

والمرارات أيضاً نافعة وخاصة مرارات التيوس والكباش الجبلية وكذلك الاكتحال بدهن البلسان مكسوراً بقليل أفيون والاكتحال بالفلافل الثلاثة مسحوقة كالغبار نافع جداً.

وكذلك بالشب المصري والاكتحال بالعسل وماء الرازيانج يغمّض عليها العين مدة طويلة نافع جداً وأقوى منه العسل إذا كان فيه قوة من الشب والنوشادر ودماء الحيوان الحارة المزاج ينفع الاكتحال بها.

وينفع الاكتحال بعصارة قثاء الحمار مكسورة ببزر البقلة الحمقاء وشياف القلي وشياف الزنجار.

وينفع منه خرء الورل والاصقنقور أو يؤخذ منه مرارة الحدأة جزء وفلفل جزآن أشجّ ثلاثة أجزاء يعجن بعسل ويستعمل وينفع منه فصد عرق الماقين إن لم يكن مانع حسب ما تعلم ذلك.

فصل في الجهر

وهو أن لا يرى نهاراً: فنقول: سبب الجهر وهو أن لا يبصر بالنهار رقة الروح وقلته جداً فيتحلل مع ضوء الشمس ويجتمع في الظلمة وربما كان سبب الجهر قليلاً فيرى في الظلمة والظل ليلاً ونهاراً ويضعف في الضوء وعلاجه من الزيادة في الترطيب وتغليظ الدم ما تعلم.

فصل في الخيالات

الخيالات هي ألوان يحس أمام البصر كأنها مبثوثة في الجو والسبب فيها وقوف شيء غير شفّاف ما بين الجليدية وبين المبصرات.

وذاك الشيء إما أن يكون مما لا يحرك مثله في العادة أصلاً وإنما يدركه القوي البصر الخارج عن العادة إدراكاً وإما أن يكون مما تدركه الأبصار إذا توسطت وإن لم تكن في غاية الذكاء بل كانت على مجرى العادة.

ومعنى الأول أن البصر إذا كان قوياً أدرك الضعيف الخفي من الأمور التي تطير في الهواء قرب البصر من الهباءات التي لا يخلو منها الجر وغيره فتلوح له ولقربها أو لضوئها لا يحققها.

وكذلك إذا كانت في الباطن من آثار الأبخرة القليلة التي لا يخلو عنها مزاج وطبع البتة إلا أن هذين يخفيان على الأبصار ليست التي في غاية الذكاء وإنما يتخيلان لمن هو شديد حدة البصر جداً وهذا مما لا ينسب إلى مضرة.

وأما القسم الآخر: فإما أن يكون في الطبقات وإما أن يكون في الرطوبات.

والذي يكون في الطبقات فهو أن يكون على الطبقة القرنية آثار خفية جداً بقيت عن الجدري أو عن رمد وبثور أو غير ذلك فلا يظهر للعين من خارج ويظهر للعين من باطن من حيث لا يشف المكان الذي هو فيه فيخفى تحته من المحسوس ومن الهواء الشاف أجزاء ترى كثيرة بمقدار ما لو كانت بالحقيقة موجودة من خارج لكان ذلك الجزء الصغير قدر شجها من الثقبة العنبية.

وأما التي تكون في الرطوبات فهي على قسمين لأنها إما أن تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه أو تكون قد وردت على جوهر الرطوبة مما هو خارج عنها.

والتي تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه فإما أن يعرض لجزء منها سوء مزاج يغير لونها ويزيل شفيفها فلا يشفّ ذلك القدر منها لبرد أو لرطوبة أو لحرارة يغلى ذلك القدر ويثير فيه هوائية ومن شأن الهوائية إذا خالطت الرقيقة الشفافة أن تجعلها كثيفة اللون زبدية غير شافة أو ليبوسة مكثفة جماعة جداً.

والذي يكون الوارد عليها منه هو من غيره فلا يخلو إما أن يكون عرضياً غير متمكن وهو من جنس البخارات التي تتصعد من البدن كله أو من المعدة أو من الدماغ إذا كانت لطيفة تحصل وتتحلل وكما يكون في البُحرانات وبعد القيء وبعد الغضب وإما أن يتمكن فيها وينذر بالماء.

وتختلف هذه الخيالات في مقاديرها فتكون صغيرة وكبيرة وقد تختلف في قوامها فتكون كثيفة ورقيقة خفية وقد تختلف في أوضاعه فتكون متخلخلة وقد تكون متكاثفة ضبابية وقد تختلف في أشكالها فتكون حبيبية وتكون بقية وذبابية وقد تكون خيطية وشعرية بالطول.

العلامات: علامة ما يكون من ذكاء الحس أن يكون خفيفاً ليس على نهج واحد وشكل واحد ويصحب الإنسان مدة صحة بصره من غير خلل يتبعه.

والذي يكون بسبب القرنية تحل عليه أسبابه المذكورة وأن يثبت مدة لا يتزايد ولا يؤدي إلى ضرر في البصر غيره.

والذي يكون من سبب في البيضية فأن تكون مدته طويلة ولم يؤد إلى آفة عظيمة ويكون إما عقيب رمد حار وإما عقيب سبب مبرد أو مسخن وهو مما يعلم بالحدس وخصوصاً إذا وجدت القرنية صقيلة صافية لا خشونة فيها بوجه ثم كان شيء ثابت لا يزيد ولا يؤدي إلى ضرر عظيم.

وأما الذي يكون سببه بخارات معدية وبدنية فيعرف بسبب أنها تهيج مع المبخرات وعند الامتلاء والهضم وعند الحركات والدوار والسدر ولا يثبت على حالة واحدة بل يزيد وينقص ولا يختص بعين واحدة بل يكون في العينين وإذا كان معه الغثيان صحت دلالته وإذا كان القيء والاستفراغ بالأيارج وتلطيف الغذاء والعناية بالهضم يزيده أو ينقصه.

وقد علمت في باب ضعف البصر علامات ما سببه يبس البيضية أو غيره وإذا استمرت صحة العين والسلامة بصاحب الخيالات ستة أشهر فهو على الأكثر في أمن والذي هو من الخيالات مقدمة للماء فإنه لا يزال يتدرج في تكدير البصر إلى أن ينزل الماء أو ينزل يعده الماء دفعةً وقلما يجاوز ستة أشهر فإذا رأيت الخيالات تزول وتعود وتزيد وتنقص فاعلم أنها ليست مائية.

وإذا رأيت الثانية تطول مدتها ولا تستمر في إضعاف البصر فاعلم أنها ليست مائية.

المعالجات لابتداء الماء والخيالات: أولى الخيالات بأن يقبل على علاجه ما كان منذراً بالماء وأما سائر ذلك فما كان منه من يبوسة فربما نفع منه المرطبات المعلومة.

وإن كان عن رطوبة وغير ذلك مما ليس عن يبوسة تقع منه كل ما يجلو من الأكحال.

وأما المنذر بالماء فيجب أن يبدأ فينقي البدن وخصوصاً المعدة ثم تقبل على تنقية الرأس بالغرغرات والسعوطات والمضوغات.

وأما العطوصات فمن جهة ما ترخي وتنقي يرجى منها التنقية وتنقي من جهة عنف تحريكها فيخاف منها تحريك الماء وخصوصاً إن كان واقعاً دون العصبة وبقربها.

واعلم أن أيارج فيقرا جليل النفع فيه.

وكذلك حب الذهب وما يقع فيه من أدوية القنطوريون والقثاء المر وقد علمت في أبواب علاج الرأس وتنقيته ما ينبغي أن تعتمده ويجب أن تكون التنقية بأيارج فيقرا وحب الذهب على سبيل الشبيار متواترة جداً ولا يستعمل لأدوية الملطفة والجلاءة أكحالاً إلا بعد التنقية.

وينفع في ابتداء الماء فصد شريان خلف الأذن وينبغي أن يبتدأ بالأدوية اللينة مثل ماء الرازيانج بعسل وزيت وبمثل ما قيل من أن شم المرزنجوش نافع لمن يخاف نزول الماء إلى عينه وكذلك ينشف دهنه وقد قيل أن إرسال الحرق على الصدغين ينفع في ابتدائه وقد مُدح الاكتحال ببزر الكَتَم وذكر أنه يزيل الماء ويحلله وأنه غاية ثم يتدرّج إلى الأدوية المركَّبة من السكبينج وأمثاله من ذلك: السكبينج ثلاثة الحلتيت والخربق الأبيض من كل واحد عشرة العسل ثمانية قوطوليات.

وعما هو مجرّب جداً رأس الخطّاف بعسل يكتحل به وشياف أصطفطيقان وجميع المرارات المذكورة في باب ضعف البصر.

وأقوى منه شياف المرارة المارستاني وأيضاً كحل أوميلاوس والكحل المذكور في الكتاب الخامس وهو القراباذين بمرارة السلحفاة أو دواء اتعاسيوس بماء الرازيانج أو شياف المرزنجوش والساروس والمرحومون.

ودهن البلسان نافع فيه.

ومما ينفع في ابتداء الماء أن يؤخذ مرارة ثور شاب صحيح البدن فتجعل في إناء نحاس وتترك قريباً من عشرة أيام إلى أسبوعين ثم يؤخذ من المرّ والزعفران المسحوقين ومن مرارة السلحفاة البرية ومن دهن البلسان من كل واحد وزن درهمين ويخلط الجميع ويجمع جمعاً بالغاً ويُكْتَحَل به.

وأيضاً يؤخذ من الخربق جزء ومن الحلتيت جزء ومن السكبينج خمس وعشر جزء وهو ثلاثة أعشار جزء ويُتَّخذ شياف ويُكتحل به.

وأيضاً من الخربق الأبيض والفلفل جزء ومن الأشق ثلاثة أجزاء ويتخذ منه شياف بعصارة الفجل ويستعمل ويجتنب السمك والمغلظات من الأغذية والمبخرات والشرب الكثير من الماء والشراب أيضاً ومتواترة الفصد والحجامة بل يؤخر ذلك ما أمكن إلا أن يشتد مساس الحاجة إلى ذلك والثقة بأن الدم حار وكثير.

فصل في الانتشار

الانتشار هو أن تصير الثقبة العَنبية أوسع مما هي بالطبع وقد يكون ذلك عقيب صداع أو سبب باد من ضربة أو صدمة وقد يكون لأسباب في نفس الحدقة وذلك إما في البيضية وإما في العنبيّة فإن البيضية إن رطبت وكثرت زحمت العنبية وحركتها إلى الاتساع.

وأما يبوسة البيضية فلا يوجب الاتساع بالذات بل بالعرض من حيث يتبعها يبوسة العنبية.

والعنبية نفسها إن يبست وتمددت إلى أطرافها تمدد الجلود المثقبة عند اليبس عرض لها أن تتسع كما يتسع ثقب تلك الجلود وخصوصاً إذا زوحمت من الرطوبات وقد يعرض لها ذلك من رطوبة تداخل جوهرها وتزيد في ثخنها وتمددها إلى الغلظ فيعرض للثقبة أن تتسع وقد يعرض ذلك لورم ممدد يحدث فيها وقد تكون سعة العين طبيعية ويضر ذلك بالبصر فإنه يرى الأشياء أصغر مما يجب أن ترى وقد يكون عارضاً فيكون كذلك وربما بالغ إلى أن لا يرى شيئاً فإنه كثيراً ما تتسع العين حتى تبلغ السعَة الإكليل ولا يبقى من البصر ما يُعتدّ به.

وما كان من ضربة أو صدمة فلا علاج له وقد سمعت من ثقة أنه عالج الاتساع الذي حصل من ضربة بأن فصد المريض في الحال وأعطاه حب الصبر فبرئ بعد أيام قلائل.

وإذا كان الاتساع من تفرق اتصال الطبقة الشبكية فلا علاج له بتة من كل وجه وما كان من اتساع العصب المجوّف فبرؤه عسير.

العلامات: قد ذكرناها في باب ضعف العين.

المعالجات: ما كان من ذلك طبيعياً فلا علاج له وما كان من يبوسة فينفع منه ترطيب العين بالمرطبات المذكورة وما كان من رطوبة فينفع منه الفصد إن كان في البدن كثرة وأيضاً فصد عررق المأقين يستفرغ من الموضع وينفع منها وكذلك فصد عروق الصاع وسلها والاستفراغات التي علمتها وصب الماء الملح والمملح على الرأس خصوصاً ممزوجاً بالخلِّ ولا ينبغي أن يكثر الاستفراغات بالمسهّلات فيضعف القوة ولا يستفرغ المطلوب بل ربما كفاه الاستفراغ كل عشرة أيام بدرهم أو درهم ونصف من حب القوقايا.

والغذاء ماء حمص بشيرج ويكحل العين الأخرى بالتوتيا لئلا تنتشر كالأولى ويجب أن يستعمل الأكحال المذكورة في باب الخيالات والماء.

وينفع منه الحجامة على القفا لما فيه من الجذب إلى خلف.

وأما الكائن عقيب ضربة فمما يتكلف في علاجه أن يفصد ثم يحمم الرأس ثم يستعمل المبردات ويُضمد بدقيق الباقلا من غير قشره أو دقيق الشعير مبلولاً بماء ورق الخلاف أو بماء الهندبا وبصوفة مبلولة بمحّ بيض مضروب بدهن الورد وقليل شراب ويقطر في العين دم الشفانين والفراخ وفي اليوم الثالث يقطر فيها اللبن والأكحال التي هي أقوى.

وبالجملة فإن أكثر علاج هذا من جنس علاج الورم الحار وبعد ذلك فيستعمل شيافاً متخذاً من كندر وزعفران ومرّ من كل واحد جزء ومن الزرنيخ نصف جزء.

وهذا الدواء نافع من أمور ياسفيس وهو الإتساع.

ونسخته: يؤخذ مرارة الجدي ومرارة الكركي مثقالان مثقالان زعفران درهم فلفل مائة وسبعين عمداً رب السوس خمسة مثاقيل وثلثين أشجّ مثقالان عسل مقدار الحاجة ويستعمل منه كحل يسحق بماء الرازيانج ويخلط بالعسل.

وللكائن من ضربة نصف مثقال يسحق بعصارة الفجل إلى أن يجف ويستعمل يابساً وأيضاً مرارة التيس مثقال واحد بعر الضب أو الورل يابساً مثقال ونصف نطرون مثقال فلفل مرارة الكركي من كل واحد مثقالان زعفران مثقال أشج نصف مثقال خربق أبيض مثقال يسحق أيضاً بماء الرازيانج ويخلط بالعسل وما كان من الاتساع من انحراف الطبقة الشبكية أو اتساع العصبتين المجوّفتين فلا علاج له اللهم إلا أن اتساع العصبتين المجوفتين عسر العلاج ومع ذلك يرجى.

فصل في الضيق

الضيق هو أن تكون الثقبة العنبية أضيق من المعتاد فإن كان ذلك طبيعياً فهو محمود وإن كان مرضياً فهو رديء أردأ من الانتشار.وربما أدى إلى الانسداد.وأسبابه: إما يبس من القرنية محشف يجمعه فتنقبض الثقبة ويحدث الضيق أو السدة وإما رطوبة ممددة للقرنية من الجوانب إلى الوسط فتتضايق الثقبة مثل ما يعرض للمناخل إذا بقت واسترخت وتمددت في الجهات وإما يبس شديد من البيضية فتقل وتساعدها الطبقة إلى الضمور والاجتماع المخالف لحال الجحوظ.

وكثر ما يعرض هذا يعرض من اليبوسة وقد يمكن أن يكون ضيق الثقب من ضيق العصب المجوف حسب ما يكون اتساع الحدقة من اتساع العلامات: قد ذكرناها في باب ضعف العين.

المعالجات: أما اليابس منه فعلاجه بالمرطّبات من القطورات والسعوطات والنطولات من العصارات الرطبة وغيرها كما تعلم والأغذية اللينة والدسمة.

وفي الأحيان لا تَجد بُداً من استعمال شيء فيه حرارة ما ليجذب المادة الرطبة إلى العين ويجب أن يستعمل دَلْك الرأس والوجه والعين دلكاً متتابعاً قصير الزمان وذلك كله ليجذب فإن استعمال المرطبات الصرفة قد يضر أيضاً وإذا استعملت أكحالاً جاذبة فعاود المرطّبات.

وأما الرطب منه فالأكحال المعروفة المذكورة في باب ضعف البصر والماء والخيالات ومنها شياف بهذه النسخة.

ونسخته: يؤخذ زنجار أشق من كل واحد جزء زعفران جزء وثلث صبر خمسة أجزاء مسك نصف جزء يتخذ منه شياف.

وأيضاً أشق مثقالان زنجار أربعة مثاقيل زبل الورل ثلاثة مثاقيل زعفران مثقالان صمغ مثقال واحد يعجن بعسل ويستعمل.

وأيضاً فلفل وأشج من كل واحد جزءان دهن البلسان تسع جزء زعفران جزء يُحلىّ الأشج في ماء الرازيانج ويلقى عليه دهن البلسان ويُستعمل بعد أن يعجن بعسل فإن هذا جيد جداً.

وقد عالجت أنا من كان به ضيق قد حصل بعد اندمال القرحة القرنية وكانت القرحة غير غائرة فعالجت بالمجلّيات المحلول بلبن النساء تارة وبعصارة شقائق النعمان تارةً وبعصارة الرازيانج الرطب الذي يعقد بالعسل تارةً فبرأ وكالة يرى الأشياء مثل ما كان يرى قبل ذلك.

فصل في نزول الماء

اعلم أن نزول الماء مرض سدي وهو رطوبة غريبة تقف في العقبة العنبية بين اِلرطوبة البيضيّة والصفاق القرني فتمنع نفوذ الأشباح إلى البصر وقد تختلف في الكمّ وتختلف في الكيف.واختلافها في الكم أنه ربما كان كثيراً بالقياس إلى الثقبة يسد جميع الثقبة فلا ترى الحين شيئاً وربما كان قليلاً بالقياس إليها فتسد جهة وتخلي جهة مكشوفة فما كان من المرئيات بحذاء الجهة المسدودة لم يحركه البصر وما كان بحذاء الجهة المكشوفة أدركه وربما أدرك البصر من شيء من الأشياء نصفه أو بعضه ولم يحرك الباقي إلا بنقل الحدقة وربما أدركه بتمامه تارة ولم يدركه بتمامه أخرى وذلك بحسب موضعه.

فإنه إذا حصل بتمامه بإزاء السدة لم يدرك منه شيئاً وإذا حصل بتمامه لإزاء الكشف أدرك جميعه.

وهذه السدة الناقصة قد تقع إلى فوق ففوق أو إلى فوق وأسفل وقد يتفق أن يكون ذلك في حاق واسطة الثقبة وما يطيف بها مكشوفاً وحينئذ إنما يرى من كل شيء جوانبه ولا يرى وأما اختلافه في الكيف فتارة في القوام فإن بعضه رقيق صاف لا يستر الضوء والشمس وبعضه غليظ جداً.

وفي اللون فإن بعضه هوائي اللون وبعضه أبيض جصي اللون وبعضه أبيض لؤلؤي اللون وبعضه أبيض إلى الزرقة أو الفيروزجية والذهبية وبعضه أصفر وبعضه أسود وبعضه أغبر.

وأقبله للعلاج من جهة اللون الهوائي والأبيض اللؤلؤي والذي إلى الزرقة قليلاً وإلى الفيروزجيّة.

وأما الجبسي الجصي والأخضر والكدر والشديد السواد والأصفر فلا يقبل القدح.

ومن أصناف الغليظ صنف ربما صار صلباً جداً حتى يخرج أن يكون ماء ولا علاج له.

وأقبله للعلاج من جهة القوام هو الرقيق الذي إذا تأملته في الفيء النير فغمزت عليه إصبعك وجدته يتفرق بسرعة ثم يعود فيجتمع فهذا يرجى زواله بالقدح على أن مداومة هذا الامتحان مما يشوش الماء ويعشر القدح وربما جربوا ذلك بوجه آخر.

وهو أن يوضع على العين قطنة ويُنفخ فيها نفخ شديد ثم ينحى وينظر بسرعة هل يرى في الماء حركة فإن رأى فهو منقدح وكذلك إن كان التغميض لعين يوجب اتساع الأخرى.

وما كان بعد سقطة أو مرض دماغي فحدث بعده عسر برؤه.

العلامات: العلامة المنذرة بالماء الخيالات المذكورة التي ليست عن أسباب أخرى وقد شرحنا أمرها في باب الخيالات وأن يحدث معها كدورة محسوسة خصوصاً إذا كان في إحدى العينين وأن تتخيل له الأشياء المضيئة كالأسرجة مضاعفة وقد يفرق بين الماء والسدة الباطنة بأن إحدى العينين إذا غمضت اتسعت الأخرى في الماء ولم تتسع في السدة وذلك لأن سبب ذلك الاتساع إندافع الروح الذي كان في العين المغمضة إلى الأخرى بقوة فإذا أصابت سدة من وراء لم تنفذ وهذا في أكثر الأمر وفي أكثر الأمر تتسع الأخرى إلا أنا يكون الماء شديد الغلظ وإن لم تكن سدة وفي الانتشار لا يكون شيء من هذا.

المعالجات: إني قد رأيت رجلاً ممن كان يرجع إلى تحصيل وعقل قد كان حدث به الماء فعالج نفسه بالاستفراغات والحمية وتقليل الغذاء واجتناب الأمراق والمرطبات والاقتصار على المشويات والقلايا واستعمال الأكحال المحتلة الملطفة فعاد إليه بصره عوداً صالحاً وبالحقيقة أنه إذا تدورك الماء في أوله نفع فيه التدبير وأما إذا استحكم فليس إلا القدح فيجب أن يهجر صاحبه الامتلاء والشرب والجماع ويقتصر على الوجبة نصف النهار ويهجر السمك والفواكه واللحوم الغليظة خاصة.

فأما القيء فإنه وإن نفع من جهة تنقية المعدة فهو ضار في خصوصية الماء وقد عرفنا قانون علاجه الدوائي في باب الخيالات.

ولنذكر أشياء مجربة: وصفتها: يؤخذ حب الغار المقشر عشرة أجزاء والصمغ جزء واحد يسحقان ببول صبي غير مراهق للماء ولضعف البصر بالماء الساذج ويستعمل.

وكذلك أطيوس الأمدي يعجن بمرارة الأفعى بالعسل ويكتحل به جيد جداً.

أقول قد جرب ناس محصلون مرارة الأفعى فلم يفعل فعل السموم البتة وهذه التجربة مما ينقص وجوب الاحتراز منها وأيضاً هذا الدواء مجرب جيد.

ونسخته: يؤخذ عصارة الحب المنسوب إلى جزيرة فنقدس وكمادريوس ويسد من كل واحد مثقال يعجن بماء الرازيانج.

وأما التدبير بالقدح فيجب أن يتقدم قبله بتنقية البدن والرأس خاصة ويفصد إن كان يحتاج إليه ثم يراعى أن لا يكونا المقدوح مصدوعاً فيخاف أن يحدث في الطبقات ورم أو مبتلى بسعال أو شديد الضجر سريع الغضب فإن الضجر والغضب كلها مما يحرك إلى العود ويجب أن يهجر الشراب والجماع والحمام ومع هذا فلا يجب أن يستعمل القدح إلا بعد أن يقف الماء وينزل ما يريد أن ينزل منه ويغلظ قوامه قليلاً ومن هذا يسمى الاستكمال وبعد المنفذ أسبه.

والفصد ضار له وغناؤه ماء الحمص ليلزم المرضع الذي تحركه إليه المقدحة من أسفل العين ولذلك قد يؤخر ذلك من المبدأ وإذا أرادت أن تقدح تقدم إلى صاحب الماء بأن يغتذي بالسمك الطري والأغذية المرطبة المثقلة للماء ويستعمل شيئاً مما هو مقوّ لمضرة الماء ثم يقدح.

وبالجملة فإن الماء إن كان رقيقاً جداً أو غليظاً جداً لم يطع القدح فإذا أردت أن تقدح ألزم العليل النظر إلى الموق الإنسي وإلى الأنف ويحفظ على ذلك الشكل فلا يكون بحذاء الكوة ولا في موضع شديد الضَوء جداً ثم يقدح يبتدئ ويثقب بالمثقبة أي بالمقدحة فيمر بين الطبقتين إلى أن يحاذي الثقبة ويجد هناك كفضاء وجوبة ثم من الصناع من يخرج المقدحة ويدخل فيها ذنب المهت وهو الأقليد إلى موافاة الثقبة ليهيئ للطرف الحاد من المهت مجالاً.

وليعود العليل الصبر ثم يدخل المهت إلى الحد المحدود ويعلو به الماء ولا يزال يحطه حتى تصفو العين ويكبسن الماء خلف القرني من تحت ثم يلزم المهت موضعه زماناً صالحاً ليلزم الماء ذلك المكان ثم يشيل عنه المهت وينظر هل عاد فإن عاد أعاد التدبير حتى يأمن وإن كان الماء لا يجيب إلى ناحية خطه وإمالته بل إلى ناحية أخرى دفعه إلى النواحي التي يميل إليها وفرقه فيها فإن رأيت الماء عاد في الأيام التي تعالج فيها العين فأعد المهت في ذلك الثقب بعينه فإنه يكون باقياً لا يلتحم.

وإذا سال إلى الثقبة دم فيجب أن يكبس أيضاً ولا يترك يبقى هناك فيجمد فلا يكون له علاج.

وإذا قدحت فضع على عين المقدوح محّ بيض مضروباً بدهن البنفسج بقطنة ويجب أن تشدّ الصحيحة أيضاً لئلا تتحرك فتساعدها العليلة.

ويلزمه النوم على القفا ثلاثة أيام في ظلمة وربما احتيج إلى معاودات كثيرة لهذا التضميد ومحافظة هذه النصبة والاستلقاء أسبوعاً وذلك إذا كان هناك ورم أو صداع أو غير ذلك.

لكن الورم يوجب حل الرباط القوي وإرخاءه.

وبالجملة فالأولى أن يحفظ العليل نصبته إلى أن يزول الوجع فلا يحل الرباط إلا في كل ثلاثة أيام ويجدّد الدواء ويجوز أن يكمد عند الحل بماء ورد وماء خلاف أو قرع أو ماء عصا الراعي وما أشبه ذلك.

وللناس طرق في القدح حتى أنَ منهم من يعتق أسفل القرنية ويخرج الماء منها وهذا فيه خطر فإن الماء إذا كان أغلظ خرجت معه الرطوبة البيضيّة.

فصلان في بُطلان البصر: إنَ بطلان البصر قد يقع من أسباب ضعف البصر إذا أفرطت فلينظر من هناك ولكنا نقول من رأس ولنترك ما يكون بمشاركة الدماغ وغيره فإن ذلك مفهوم من هناك.

فاعلم أن بطلان البصر إما أن يكون وأجزاء العين الظاهرة سليمة في جوهرها أو يكون ذلك وقد أصابتها آفة محرقة أو مسيلة أو ما يجري مجراهما.

وكلامنا في الأول فإن كانت أجزاء العين في الظاهر سليمة في جواهرها ولكنها أصابتها آفة من جهة أخرى غير ظاهرة للجمهور والعامة فإما أن تكون الثقبة على حال صحتها أو لا تكون.

فإن كانت الثقبة على حال صحتها فإما أن يكون هناك سدة مائية أو تكون السدة ليست هناك بل في القصبة المجوفة إما لشيء واقف في أنبوبتها وإما لانطباق عرض لها من جفاف أو من استرخاء أو ورم فيها أو ورم في عضلاتها ضاغط في نفسه أو تابع لضغط عرض لمقدّم الدماغ على ما فسرناه فيما سلف أو عرض لها انهتاك أو تكون الجليدية أصابها زوال عن محاذاة الثقبة أو يكون فسد مزاجها فلم يصلح أن تكون آلة للإبصار.

وأكثر ما يعرض ذلك لرطوبة تغلب عليها جداً أو ليبوسة تغلب عليها فتجتمع إلى ذاتها وتستحصف وتسمى هذه العلة علقوماً.

ولا دواء لها وتصير لها العين منخسفة شهلاء.

وإما إن لم تكن الثقبة سليمة فإما أنه يكون قد بلغ بها الاتساع الغاية القصوى أو بلغ بها الضيق الانطباق.

العلامات: أما علامة الماء والاتّساع والضيق وغير ذلك فهو ما ذكر في بابه وأما السبب فيما يكون للعصبة المجوفة فذلك مما يسهل الإحاطة به جملة بالعلامة المذكورة فيِ باب الماء.

وأما تفصيل الأمر فيه فيصعب ولا يكاد يحاط به علماً وإذا كان هناك ضرَبان وحمرة فاحدس أن في العصبة ورماً حاراً.

فإن كان ثقل وقلّة حرارة فاحدس أن هناك ورماً بارداً.

وإن كان الثقل شديداً والعين رطبة جداً فالمادة رطبة.

وإن كانت العين يابسة فالمادة سوداوية.وإذا عرض على الرأس ضربة أو سقطة أجحظت العين أولاً ثم تبعه غور منها وبطلان العين فاحدس أن العصبة قد انهتكت.


فصل في بغض العين للشعاع

ذلك مما يدلّ على تسخن الروح واشتعاله وترققه وينذر كثيراً بقرانيطس إلا أن يكون بسبب جَرب الأجفان وعلاجه ما تعرف.

فصل في القمور

قد يحدث من الضوء الغالب والبياض الغالب كما يغلب إذا أديم النظر في الثلج فلا يرى الأشياء أو يراها من قريب ولا يراها من بعيد لضعف الروح وإذا نظر إلى الألوان تختل أن عليها بياضاً.

المعالجات: يؤمر بإدامة النظر في الألوان الخضر والاسمانجونية وتعليق الألوان السود أمام البصر فإن كان قد اجتمع مع آفة الثلج ببياضه آفته ببرده قطر في العين ماء طُبخ فيه تبن الحنطة فاتراً لا يؤذي وقد يُكتحل عشية بالعسل وبعصارة الثوم وأيضاً قد يفتح العين على بخار نبيذ مقطور على حجر رحى محماة أو تكمد العين بنبيذ صلب أو يكب على بخار ماء طبخ فيه الحشائش

الفن الرابع أحوال الأذن

وهو مقالة واحدة:

فصل في تشريح الأذن

اعلم أن الأذن عضو خلق للسمع وجعل له صدف معوج ليحبس جميع الصوت ويوجب طنينه وثقب يأخذ في العظم الحجري ملولب معوج ليكون تعويجه مطولاً لمسافة الهواء إلى داخل مع قصر تحته الذي لو جعل الثقب نافذاً فيه نفوذاً مستقيماً لقصرت المسافة وإنما دبر لتطويلِ المسافة إليه لئلا يغافص باطنه الحر والبرد المفرطان بل يَرِدان عليه متدرجين إليه.وثقب الأذن يؤدي إلى جوبة فيها هواء راكد وسطحها الإنسي مفروش بليف العصب السابع الوارد من الزوج الخامس من أزواج العصب الدماغي وصلب فضل تصليب لئلا يكون ضعيفاً منفعلاً عن قرع الهواء وكيفيته.

فإذا تأذى الموج الصوتي إلى ما هناك أدركه السمع.

وهذه العصبة في أحوال السمع كالجليدية في أحوال الأبصار.

وسائر أعضاء الأذن كسائر ما يطيف بالجليدية من الطبقات والرطوبات التي خلقت لأجل الجليدية.

ولتخدمها أو تقيها أو تعينها.

والصماخ كالثقبة العنبية.

وخلقت الأذن غضروفية فإنها لو خلقت لحمية أو غشائية لم تحفظ شكل التقعير والتعريج الذي فيها ولو خلقت عظمية لتأذت ولآذت في كل صدمة بل جعلت غضروفية لها مع حفظ الشكل لين انعطاف وخلقت الأذن في الجانبين لأن المقدم كان أوفق للبصر كما علمت فأشغل بالعين وخلقت تحت قصاص الشعر في الإنسان لئلا تكون تحت ستر الشعر وستر اللباس.

وهذا العضو يعرض له أصناف الأمراض وربما كانت أوجاعها قاتلة وكثيراً ما يعرض من أمراضها حمياتَ صعبة.

فصل في حفظ صحة الأذن

يجب أن يعتنى بالأذن فتوقى الحر والبرد والرياح والأشياء الغريبة المفرطة لئلا يدخلها شيء من المياه والحيوانات وأن ينقى وسخها ثم يجب أن يدام تقطير دهن اللوز المر فيها في كل أسبوع مرة فإنه عجيب.

ويجب أن يراعى لئلا يتولّد فيها أورام وبثور وقروح.

فإنها مفسدة للأذن.

إن خيف أن يحدث بها بثور استعمل فيها قطور من شياف ماميثا في خلّ.وفي تقطير شياف ماميثا فيها في لك أسبوع مرة أمان من النوازل أن تنزل إليها.

ومما يضرّ الأذن وسائر الحواس التخمة والامتلاء وخصوصاً النوم على الامتلاء.

فصل في آفات السمع

إن آفات السمع كآفات سائر الأفعال وذلك لأن آفة كل فعل هو إما أن يبطل الفعل فيكون نظيره ههنا بطلان السمع أو ينقص فيكون نظيره ههنا أن ينقص السمع فلا يستقصى ولا يسمع من بعيد أو يتغير فيكون نظيره ههنا أن يسمع ما ليس مثل ما يعرض في الأذن من الدوي والطنين والصفير.

واعلم أن آفة السمع إما أن تكون أصلية فيكون صمم أو طرش أو وقر ولادي وإما أن تكون عارضة.ومعنى الصمم غير معنى الطرش فإن الصمم أن يكون الصماخ قد خلق باطنه أصمّ ليس فيه التجويف الباطن الذي ذكرناه الذي هو كالعنبة المشتملة على الهواء الراكد الذي يسمع الصوت بتموجه.

وأما الطرش والوقر فهو أن لا تبلغ الآفة عدم الحسّ منها ولا يبعد أن يكون الوقر كالبطلان العام للصمم ولا أن يكون هناك تجويف لكن العصبة ليست تؤدي قوة الحس والطرش كالنقصان من غير بطلان أو أنُ يتواطآ على العكس في الدلالة والطرش كثيراً ما يعرض عقيب القذف وهو سهل الزوال.

وفقدان السمع منه مولود طبيعي علاج له وكذلك سائر أصناف الوقر والطرش منه مولود طبيعي أيضاً لا علاج له ومنه حادث لكنه إن طال عهده فهو مزمن وذلك أيضاً قريب من اليأس أو عسر العلاج.

وأما الحادث القريب العهد من الطرش فقِد يقبل العلاج.

وأما أسباب ذلك فقد يكون من مشاركة عضو مثل ما يكون من مشاركة الدماغ أو بعض الأعضاء المجاورة له كما يقع لخد أول نبات الأسنان وكما يقع عند أوجاع الأسنان وقد يكون لآفة خاصة في السمع إما العصبة وإما الثقبة.

أما الآفة في عصب السمع فقد تعرض لجميع أسباب الأمراض المتشابهة الإجزاء فيها والآلية وانحلال الفرد.

أما الأمراض المتشابهة الأجزاء فيها فكل واحد من أصناف سوء المزاج المفرد.

والمركب أكثره من برد وقد يكون كل واحد من ذلك تغير مادة وقد يكون مع مادة سوداوية أو صفراوية أو بلغمية من بلغم فج أو ريحية.

وكثيراً ما يحتبس إسهال مراري فيعقبه صمم ولا يبعد أن يكون كذلك في إسهالات أخرى وقعت بالطبع فحبست ومنعت في الوقت.

وأما الآلية في العصب فمثل سدة يوجبها خلط أو مدة أو ورم دبيلة أو ورم حار أو صلب أو غشاوة من وسخ أو ترهل أو نفخة.

وانحلال المفرد منها قد يكون من قرحة أو تأكل.

وأما الكائن بسبب المجرى فأكثره عن سدة بسبب بدني أو بسبب من خارج والبدني مثل ثؤلول أو ورم أو لحم زائد أو دود أو كثرة وسخ أو خلط غليظ أو صملاخ أو جمود مدة من ورم انفجر أو دود.

وأما الخارجي فمثل رمل أو حصاة أو نواة يدخلها أو جمود دم سال عن الأذن بعضه وبقي بعضه وذلك قد يقع بغتة وقد يعرض قليلاً قليلاً وقد تعرض آفة للسمع على طريق البحران وعلى سبيل انتقال المادة في آخر الأمراض الحادة وعندما يبقى بعد زوال الحمى ثقل الرأس.

وقد تكون الآفة التي هي من هذا الباب إما على سبيل عرض يزول كما يكون عند حركات البحران وإما على سبيل عارض ثابت بأن يكون هو من نفس دفع البحران أعني أن يكون البحران قد دفع المادة إلى ناحية الأذن فاقرها فيها ليس إنما يخبرها بها على سبيل المجاورة وكثيراً ما تنذر هذه العرضية بقيء أو رعاف وكثيراً ما يبطله الإسهال.

العلامات: أما الكائن بشركة الدماغ فيدلّ عليه الحال في الحواس الأخرى ومشاركتها السمع فيه ومشاركة قوى الحركة أيضاً إياه.

وأدل الدلائل عليه مشاركة اللسان وخصوصاً إذا كان عقيب السرسام وعقيب اختلاط العقل وبعد آفات دماغية مزاجية وغيرها مما قيل في باب الدماغ.

وأما إذا كان خاصاً بالعصب فيستدل عليه بسلامة الدماغ والثقبة وسلامة منافذ السمع والعهد باستمرار سلامة السمع من قبل وإن كان السبب دبيلة أو ورماً حارفاً في نفس العصب دل عليها الحميات يكون معها نافض وقشعريرة ويلزمها حمى واختلاط عقل وهذيان وفيه خطر إلا أن ينفتح فإن لم يكن الورم في نفس العصبة لم يجب أن يكون حمى إلا على حكم حتى يوم وكان تمدد ووجع وثقل وضربان.

وأما الوجع الثقل فيشترك فيه جميع ما كان من ورم ومادة حيث كان وإن كان السبب رياحاً دل عليها دوي وطنين غير وأما السدة فقد تكون كثيراً بلا ثقل وقد تكون مع ثقل وإذا لم يكن ثقل وكانت آفة ولم يكن هناك.

سوء مزاج قاهر فهو من السدة والتدبير المتقدم قد يدل عليه فإن كانت السدة من دمل ونحوه دل عليها الضربان وإن كانت من دم دل عليها سيلان الدم المتقدم وما كان من سوء مزاج مفرد دل عليه وجع في العمق بلا ثقل ولا تمتد فإن كان بارداً تأذى بالباردات واشتد في أبرد آخر النهار وإن كان حاراً كان بالضد وأحس بالتهاب ولذع فلا كان هناك مادة أحس مع ذلك بثقل وخصوصاً عند السجود.

وما كان من يبس فعلامته أنه يكون بعد السهر والصوم ومع ضمور الوجه والعين وما كان سببه الدود دل عليه دوام الدغدغة مع خروج الدود في الأحيان.

المعالجات: نقول أولاً: أنه يجب أن يكون جميع ما يقطر في الأذن فاتراً غير بارد ولا حار.

هذا قول كلي ثم نفضل الأمر فيه فأما المراري منه فيجب أن يستفرغ فيه المرار بالمسهل فإنه كثيراً ما يقع فيه إسهال مراري بالطبع فيزول معه الصمم كما أنه كثيراً ما يعرض اختلاف مراري فيحبس فيعرض صمم.

وأما إذا كان هناك حرارة فقط فالمبردات من الأدهان وغيرها أو تعصر رمانة ويعاد عصيرها في قشرها مع شيء من خل وكندر ودهن ورد ويطبخ حتى يقوم ويقطر فيها أو يقطر فيها ماء الخس أو ماء عنب الثعلب.

وأما الكائن عن برد ومادة باردة فينفع منه جميع الأدهان الحارة والمفتق فيها جندبيدستر وخاصة ثمن البلسان والقسط أو دهن اللوز المر وعصارة الأفسنتين ودهن البابونج مع شحم البقر ومرارة الثور أو دهن حل مطبوخ فيه شحم الحنظل أو أصوله.

وقد ينقع بول الثيران إذا ديف فيه المر وجعل قطوراً أو عصارة قثاء الحمار وذلك كله بعد استفراغ المادة الباردة إن كانت محتقنة بما تعرفه من الاستفراغات العامة للبدن والخاصة بناحية الرأس وبعد استعمال النطولات التي تعرفها لها وخصوصاً ما يقع فيه ورق الدهمست وحبه.

والرياضة شديدة المنفعة في ذلك وكذلك الصياح الشديد في الأذن وأصوات البوقات ونحوها وربما جعل القمع في الأذن ليصل إليها فيه البخار من المطبوخات المحللة.

وينفع من جميع ذلك البخار من المطبوخات المحللة وينفع من جميع ذلك عصارة الساب مع عسل أو جندبيدستر ودهن الشبث وبول المعز ومرارة المعز خصوصاً مع القنة.

ومما جرب في ذلك أن يؤخذ من الجندبيدستر وزن ثلاثة دراهم ومن النطرون وزن درهم ونصف ومن الخربق درهم ونصف ويتخذ منه كالأقراص ويستعمل قطوراً.

وفي نسخة من الخربق ثلاثة أرباع درهم ومن النطرون ثلث درهم وأيضاً يؤخذ من الكندس والزعفران والجندبيدستر بالسوية جزء جزء ومن الخربق والبورق من كل واحد أربعة أجزاء ويذاب بالشراب ويستعمل أو يؤخذ صبر وجندبيدستر وشحم الحنظل وفربيون بمرارة البقر.

وقد جرب ودهن الفجل ودهن الميوزج فكان شديد النفع أو عصارة الأفسنتين أو طبيخه أو عصارة الفجل بالملح وخصوصاً إذا كانت بلة وسدة.

وقد جرب ذلك أن يتخذ فتيلة من خردل مدقوق بالتين وربما زيد فيه النطرون.

وتقطير ماء البحر فيها حاراً نافع.

والخربق الأسود والمرارات نافعة وخصوصاً مرارة العنز بدهن الورد.

وقد زعم بعضهم أنه إذا أغلي الأبهل في دهن الحل في مغرفة مقدار ما يسود الأبهل كان قطوراً نافعاً من الصمم.

ومما ينفع دهن الشبث أو الغار أو السوسن أو الناردين بجندبيدستر أو رغوة الأفسنتين أو عصير السذاب.

وأما الكائن بسبب اليبس فالعلاج ملازمة الحمام والغذاء والشراب المرطب وصبّ الدهن المعتدل والماء الفاتر على الرأس والسعوط بمثل دهن النيلوفر والخلاف وحب القرع وغيره.

وأما الكائن بسبب السدة فيعالج بما ذكر في باب السدة وينفع منه عصارة حب الشهدانج وعصارة الحنظل الرطب منفعة جيدة.

وإذا وقع الطرش بغتة فقد ينتفع فيه بماء طبخ فيه الأفسنتين أو عصارة الأفسنتين وخلط به مرارة الثور أو مرارة الشبوط أو مرارة السلحفاة أو مرارة الثور بدهن أو خربق مع خلّ أو سلخ الحية مع الخل.

وأما الكائن عقيب الصداع فينفع منه ماء الفجل ودهن الورد أو جندبيدستر مع حب الغار بدهن الورد.

والكائن عقيب السرسام يجب أن يبدأ فيه بالاستفراغ بأيارج فيقرا ثم يقذر فيه جندبيدستر في دهن القسط أو دهن وحدة أو دهن اللوز الحلو أو ماء الفجل ودهن الورد أو جندبيدستر مع الغار بدهن الورد.

ومن الحبوب المجرّبة لما يكون من ستة ومن خلط أو ريح أن يؤخذ من التربد عشرون درهماً ومن الحنظل عشرة دراهم ومن الأنزروت درهمان ونصف ومن الكثيراء سبعة دراهم ومن الهليلج عشرة دراهم يتخذ منه حب شبيار والشربة منه وزن درهم.

ونقول كالعائدين إلى رأس الكلام أن جميع ما هو كائن من ثقل السمع وأوجاعه ورياحه ودويّه وطنينه بسبب مادة باردة وبرد فمن الأدوية المشتركة لجميع ذلك بعد تنقية الرأس أن يقطر في الأذن بورق بخلّ وعسل ومرارة الضأن مع الزيت والشراب أو مع دهن اللوز المرّ أو ماء الكرّاث وماء البصل بعسل أو لبن امرأة.

وأدوية مشتركة ذكرت في باب الأوجاع وقطرتان من قطران غدواً وغشياً أو خربق أسود وأبيض ببعض الأدهان وخصوصاً بدهن السوسن أو ماء الأفسنتين وماء قشور الفجل وكذلك دهن طبخ فيه سلخ الحية أو حب الغار أو فربيون وجندبيدستر بدهن أو دهن البلسان أو النفط أو يؤخذ من علك الأنباط أوقية ومن دهن الخيري أوقيتان ومن دهن اللوز المر نصف أوقية يغلى الجميع معاً ويستعمل منه ثلاث قطرات بكرة وثلاث قطرات عشية وكذلك عسل لبني بدهن الخيري وكذلك ماء ورق الحنظل الطري.

وعصارة اللوف والهزارجشان شديدة القوة جداً.

وأدوية مشتركة ذكرت في باب الأوجاع.

وإن عرض مثل هذا للصبيان انتفعوا بدهن الدادي المطبوخ فيه السذاب والمرزنجوش أو بزاق من مضغ السعتر بالملح الانحرافي وحده.

ومن الكمادات النافعة ما كان بطبيخ البابونج والشبث وورق الغار والمرزنجوش والحبق اليابس والعاقر قرحا تكمد به العين وأسفل الأذن.

وكذلك النطولات المذكورة في باب الرأس تجعل في بلبلة وتحاذي بإذائها الأذن ليدخل منها بخارها.

والاستفراغ لأجل الطرش الأوفق فيه أن يكثر عدده ويقلّل مقداره كل مرة ليتحفظ القوة ويوافي النضج.

وأما الكائن بسبب الأورام فيعالج الحار منها والبارد بما علمت ولا حاجة بنا أن نكرّر.

فصل في وجع الأذن

وجع الأذن إما أن يكون من سوء مزاج أو يكون بسبب ورم أو بثر أو يكون بسبب تفرق اتصال.

فسوء المزاج إما حار بلا مادة بل مثل ما يكون بسبب هواء حار وريح حارة وخصوصاً إذا انتقل إليه عن البرد دفعة أو اغتسال بماء حار دخل في الأذن أو ماء من المياه التي تغلب عليها قوة حارة وإما حار بمادة دموية أو صفراوية وإما بارد بلا مادة بل بسبب من الأسباب المضادة للأسباب المذكورة من هواء أو ريح باردين وخصوصاً إذا انتقل إليهما عن حرّ فجأة أو ماء بارد أو ماء يغلب عليه شيء بارد وإما بارد بمادة ريحية باردة أو خلطية لحجة.

وأما الكائن بسبب أورام أو بثور فإما أن تكون أوراماً حارة أو باردة.

وأما الكائن بسبب تفرّق الاتصال فمثل ريح تمدد أو قروح وجراحات.

ومن جملة أسباب أوجاع الأذن المفرقة للاتصال ريح يتولّد فيها أو ماء يدخل فيها أو حيوان يخلص إلى صماخها أو دود يتولد فيها وقد يكون عقيب سقطة أو ضربة.

وأصعب أوجاع الأذن ما كان عن ورم حار غائص وذلك يكون مع حمى لازمة خصوصاً إذا أدى إلى اختلاط العقل.

وأما ما كان في الغضاريف الخارجة فلا يكون هناك شدة وجع ولا شدّة خطر.

وأما المذكور أولاً فربما قتل بغتة كما تقتل السكتة وهو أقتل للشاب منه للشيخ وأسرع قتلاً له فربما قتل في السابع وأما أكثر المشايخ فيتقيح فيهم هذا الورم ولكن الشبان يقتلهم كثيراً قبل التقيح فإن قاح وكانت هناك علامات محمودة رجي الخلاص.

ووجع الأذن قد يكون مع حكة وقد يكون بلا حكة وقد ذكرنا للحكة في الأذن باباً في موضعه.

العلامات: أما العلامات فمثل العلامات المذكورة في باب الطرش.

المعالجات: يجب أن يحفظ القانون في تقطير ما يجب أن يقطر في الأذن هو أن يكون غير شديد الحرّ والبرد.

وأما إن كان السبب امتلاء في البدن أو في الرأس فيجب أن تستفرغ ناحية الرأس من جنس ذلك الامتلاء فإن كان حاراً فالفصد والإستفراغ الذي يكون بمنقّيات الرأس عن المادة الحارة على ما عرفته فإن كان الخلط خَلَطاً لزجاً لحجاً فبحبوب الشبيار المعروفة والغراغر.

وإن كان لحجاً مستكناً في ناحية الأذن فيجب أن يشتغل من بعد الإسهال أيضاً بالأبخرة المليّنة والقطورات الملينة ثم يقصد مرة أخرى بما يستفرغه من العضو.

وإن كان السبب حرارة مفرطة فيجب أن يبرّد الدماغ بالمطفئات المعروفة المذكورة في باب الدماغ وإن كان يقطر في الأذن دهن الورد مفتراً وبياض البيض فإن كان الوجع شديداً خلط به كافور وربما كان دهن البنفسج مع الكافور أسكن للوجع من دهن الورد لإرخاء فيه وأيضاً بقطر في الأذن الشيافات المسكنة لأوجاع العين ببياض البيض ونحوه فإن لبياض البيض وحده خاصية عجيبة أو اللبن بماء عنب الثعلب وماء الكزبرة.

وخير اللبن ما حلب من الضرع فهو نافع جداً.

أو يغلى الخراطين في دهن ورد ويقطر في الأذن أو يطبخ الحلزون في دهن الورد ويَقطر فيها أو يطبخ دهن الورد في ثلاثة أمثال خلّ خمر حتى يذهب الخلّ ويبقى دهن الورد ويستعمل ذلك قطوراً فإنه نافع جداً من الحار ومن الضرباني وكذلك دهن حب القرع ودهن النيلوفر ودهن الخلاف وأمثال ذلك.

وكذلك العصارات التي تشبه عصارة القرع من جرمه ومن ورقه وكذلك الضمادات المبرّدة من خارج.

وقد ذكر بعضهم أن ماء اللبلاب جيّد جداً في مثل هذه الحال وعصارة الشهدانج الرطب وإذا اشتدّ الضربان والوجع وخيف منه التشنج لم يكن يدمن المرخيّات وليس كسمن البقر العتيق مسخناً وربما كفى الخطب فيه إدخال أنبوبة في الأذن تهندم على قمقمة فيها ماء حار ليتأدّى البخار إلى الأذن فربما سكن وأغنى عن غيره وأغنى عن المخدرات وخصوصاً إذا كان الماء مطبوخاً فيه ما يرخّي برفق وكان أيضاً مخلوطاً بشيء مما يخدر.

وإذا احتيج إلى مخدر فأسلمه شياف ماميثا مع شدة من أفيون يسحق ويخلط بلبن النساء ويقطر في الأذن.

وإن كان دخول الماء فيه عولج بما ذكر في بابه.

وإن كان السبب برودة متمكّنة في العمق أو من خارج فيجب أن تكون القطورات من الأدهان الحارة مثل دهن السذاب ودهن الشبث ودهن السنبل الرومي ودهن الغار ودهن الأقحوان ودهن البلسان ودهن الخروع وما أشبه ذلك.

أما مثل زيت طبخ فيه ثوم وصفّي أو زيت مع فلفل وفربيون وجندبيدستر أو غالية مقدار دانق في مثقال دهن بان أو دهن آخر من الأدهان الحارة العطرة وربما شرب صاحب هذا الوجع شراباً صرفاً قوياً ونام وانتبه وما به قلبة.

وإن كان السبب فيه ريحاً باردة فينقع منه ما نذكره في باب الدويّ والطنين وما ذكرناه في باب ما يكون سببه خلطاً لحجاً وما يكون سببه برداً.

ومما يليق بذلك أن يملأ محجمة ماء حاراً وتلصق حوالي الأذن وأن يقطر فيها سذاب وحماماً بعسل أو قيصوم ومرزنجوش في دهن السوسن أو جندبيدستر معها بعد أن يطبخ فيه ويصفّى أو نطرون وخل بدهن الورد أو عصارة اللوف.

وإن احتيج إلى ما هو أقوى فمثل أوفربيون وجندبيدستر بدهن القسط أو قسط بحري وزراوند.

وقد ينفع منه التكميد بالجاروش واللبد المسخّن.

وإن كان السبب فيه بثوراً فما نذكره في باب بثور الأذن.

وإن كان السبب فيه دوداً فما نذكره في باب الدود المتولّد في الأذن.

وإن كان السبب فيه دخول شيء من ماء أو حصاة فما نذكر هناك.

وإن كان السبب فيه ورماً حاراً غائصاً وهو مخاطرة لقربه من الدماغ إلى أن يجتمع اللبن مرة بعد أخرى إلى اليوم الثالث وكذلك دهن الورد المطبوخ بالخلّ المذكور في الأوائل ثم لعاب الحلبة ولعاب بزر الكتان ولعاب بزر المر وفي اللبن وماء اللبلاب مما ينفع في مثل هذا الوقت وقد جرب فيه السمسم المدقوق ثم يستعمل دائماً الكمّاد بزيت إلى الحرارة ما هو ويجب أن يكون الزيت عذباً ويكون مع ذلك فاتراً يغمس فيه قطنة ملفوفة في طرف ميل دقيق وتجعل في الأذن مرة بعد مرّة ويضمّد من خارج بالملينات المنضجة.

فإن لم يكن شديد القوة إذا كان جاوز الابتداء فيجب أن يقطر في الأذن شحم الثعلب أو الورل أو الباسليقون بدهن الورد أو بدهن الحناء أو شحم البطّ أو شحم الرخمة أو مرهم من شحوم الدجاج أو البط وإذا لم يكن الورم شديد الحرارة استعمل فيه دواء متخذ من شحم العنز مذاباً مخلوطاً بأجزاء سواء من العسل والميبختج والزوفا كل واحد منها مثل إهال ذلك الشحم ويجعل في الأذن.

ومما هو أقوى من ذلك وينضج بقوة مرتك وإسفيذاج من كل واحد أوقية كندر غبار الرحا ريتبانج من كل من واحد ثلاث أواق زيت رطل شحم الخنزير أو شحم الماعز الطري رطلان عصارة بزر الكتان مقدار الكفاية يتخذ منه مرهم.

وربما احتيج إلى المخدرات فلتستعمل على النحو الذي سنذكره وإذا استحال إلى المدة فلتستعمل لعاب بزر كتان مع دهن الورد أو دهن البابونج وسائر ما نقوله في بابه.

وأما إن كان الورم خارج الأذن فهز قليل الخطر ويعالج بدقيق الشعير والضمّاد المتّخذ من دقيق الباقلا جيد جداً وهو دقيق الباقلا والبابونج والبنفسج ودقيق الشعير والخطمي وإكليل الملك يدقّ وينخل ويبلّ بماء فاتر ودهن بنفسج وربما اكتفي بعنب الثعلب ودهن الخلّ ودقيق الحنطة.

وأما البثور التي تكون في الأذن فربما كفى الشأن فيها طبيخ التين بالحنطة إذا قطّر في الأذن أو جعل منه فتيلة وربما سكّن الوجع استعمال الأنبوبة على النحو الذي ذكرناه وربما كفى في التخدير وتسكين الوجع ما ذكرناه عقيب ذكر الأنبوبة في هذا الفصل.

ومن الأدوية المشتركة لأوجاع الأذن وخصوصاً التي تميل إلى البرد زيت أنفاق أغلي فيه خنافس أو خراطين أو الدود الذي يكون تحت الجرار أو مرارة السمك بزيت أنفاق أو شحم ورل أو ثعلب أو رخمة أو كركي أو دهن العقارب فإنه نافع جداً.

أو ماء المرزنجوش الطري أو سلاقة ورق الغرب وقشوره أو سلاقة الخراطين في مطبوخ مرّ صفّى مذاب فيه شحم البط وإن كان إلى البرد شديداً فتطبخ مرارة الثور في دهن الخيري إلى أن يظنّ أن المرارة قد تحلّلت وفنيت ثم يرفع ذلك ويستعمل قطوراً فإنه عجيب.

وربما احتيج في معالجات الأوجاع الشديدة في الأذن إلى استعمال المخدرات وذلك مثل شيء من الفلونيا بلبن وكذلك أقراص الزعفران وأقراص الكوكب أو أفيون وجندبيدستر وزعفران بلبن امرأة.

ويجب أن يؤخر ذلك إلى أن يخاف الغشي وخصوصاً إذا كانت أخلاطاً باردة فإن ذلك ضارّ لها جداً.

فإن حدث ضرر من استعمال المخدرات فاستعمل الجندبيدستر بعد ذلك وحده وقد يتخذ أقراص من جندبيدستر تسحق بالغاً ثم يلقى عليه الأفيون سحقاً ثم يتخذ منه أقراص بشراب صرف.

وإن كان هناك قرحة مؤلمة جداً فاستعمل الحضض والأفيون باللبن أو يؤخذ عشرون لوزة مقشّرة وأفيون وبورق وكندر من كل واحد درهم ونصف وستة دراهم زعفران وقنة ومرّ من كل واحدة درهم ونصف يجمع ويسحق بخل ثقيف ويجفف وعند الحاجة يبلُّ بدهن الورد ويقطر فإن كان هناك مدة فبدل الخل خمر أو عسل أو سكنجبين وغير ذلك من الأدوية حسب ما بيناه.

فصل في الدوي والطنين والصفير

هذه الحال هي صوت لا يزال الإنسان يسمعه من غير سبب خارج وقياسه إلى السمع قياس الخيالات والظلم التي يبصرها الإنسان من غير سبب من خارج إلى العين ولما كان الصوت سببه تموّج يعرض في الهواء يتأدّى إلى الحاسة فيجب أن يكون في هذا العرض الذي نتكلم فيه من الدوي والطنين حركة من الهواء وإذ ليس ذلك الهواء هواء خارجاً فهو الهواء الداخل والهواء الداخل هو البخار المصبوب في التجاويف وهذا التموّج إما أن يكون خفياً لا يكاد يعرى عنه فإن كان خفياً ومن الجنس الذي يعسر الخلو عنه فإذا كان يعرض في بعض الأبدان أن يسمع عن مثله دوي وطنين ولا يعرض في بعضها فذلك إما لسبب ذكاء الحس في بعضها دون البعض على قياس ما قلناه في تخيل الخيالات أو لضعفه فيفعل عن أدنى تموج كما يصيب الضعيف برد أدنى برد وحر عن أدنى حر.

وأصناف الضعف هو ما علمته من أصناف سوء المزاج وإن كان فوق الخفي وفوق ما يختلف فيه القوي والضعيف فسببه وجود محرك للبخار ومموج له فوق التحريك والتموج المعتاد والمموج للبخار أما ريح متولدة في ناحية الرأس المتحركة فيه أو نشيش من الصديد الذي ربما تولد فيه وغليان من القيح في نواحيه أو حركة من الدود الحادث كثيراً في مجاريه.

والسبب السابق لهذه الأسباب إما اضطراب يغلي أخلاط البدن كله كما يكون في الحميات وفي ابتداء نوائب الحميات وأما امتلاء مفرط في البدن أو خاصة في الرأس كما يكون عقيب القيء العنيف وكما يكون عقيب صدمة أو ضربة.

وقد يكون ذلك لا سبب اضطراب الحركة بل بسبب مادة لزجة تتحلل ريحاً يسيراً فيدوم ذلك وقد يكون لشدة الخوي وذلك أيضاً لاضطراب يقع في الرطوبات المبثوثة في البدن الساكنة فيه إذا لم تجد الطبيعة غذاء فأقيلي عليها تحللها وتحركها وربما حدث الدوي والطنين عقيب أدوية من شأنها أن تحبس الأخلاط والرياح في نواحي الدماغ.

وسبب هذا الدوي ربما كان في الأذن نفسها وربما كان لمشاركة المعدة وأعضاء أخرى ترسل هذه الرياح إليها.

العلامات: أما المواصل الدائم منه فالسبب فيه متسكن في الرأس فإن كان يسكن ثم يهيج بحسب امتلاء أو خوى أو حركة وعند اشتداد حر أو برد فهو بمشاركة ثم هيئة الصوت تدل عليه فإنه يكون تارة كأنه صوت شيء يغلي إلى فوق وأكثره بمشاركة البدن أو المعدة أو كأنه صوت شيء يدور على نفسه وكحفيف الشجر فذلك يدل على استكان ريح فإن كان هناك حمى ووجع أدى إلى قشعريرة دل على اجتماع قيج وإذا كان تكوينه على سبيل تولد بعد تولد خفي متصل فهو لخط لزج وأما الذي لذكاء الحس فيدل على فقدان أسباب الرياح والامتلاء وبقاء السمع وهيجانه عند الخوى والجوع.

وأما الكائن عن يبوسة فيكون عقيب الاستفراغات والحميات والكائن عن ضعف فتعلمه من الإفراطات الماضية وربما كان من مزاج حار فيكون دفعة ومع التهاب والبارد بالخلاف.

المعالجات: جميع هؤلاء يجب أن يجتنبوا الشمس والحمام والحركة العنيفة والصياح والقيء والامتلاء وأن يلينوا الطبيعة أما الكائن بالمشاركة فيجب أن يقصد فيه فصد العضو الفاعل له وخصوصاً المعدة فتنقى ويقصد الدماغ والأذن فيقويان أما الدماغ فبمثل دهن الآس وأما الأذن فبمثل دهن اللوز ونحوه وينظر في ذلك إلى المزاج الأول ويقصد لمعونته على القولين المعلومين وكذلك الكائن من الامتلاء فيجب أن ينقى البدن أو الرأس بما يعلم ويلطف التدبير.

وأما البحراني فلا يجب أن يحرك فإنه يزول بزوال الحمى.

وأما الكائن لذكاء الحس فمن الناس من يأمر فيه بالمخدرات مثل دهن الورد المطبوخ بالخل المذكور أمره مع قليل أفيون أو الممزوج بدهن البنج أو الشوكران مسحوقاً بجندبيدستر بدهن.

وأصلح ما أمروا به أن يؤخذ حب الصنوبر وجندبيدستر ويسحقن في خل ويقطر.

وأما الكائن عن قيح فيعالج بعلاج الورم والقيح.

وأما الكائن في الناهقين ولمن يبس مزاجه فإن كان السبب يبساً فالتغذية والترطيب بالأدهان المعتدلة المائلة إلى البرد أو الحر بحسب الحاجة.

وإن كان السبب الضعف فاستعمال ما يعدل المزاج العارض من القطورات المذكورة.

وأما إن كان السبب مادة اندفعت إليها في حال السرسام أو خلطاً لزجاً فجميع الأشياء المذكورة في باب الوجع والطرش ومما يخص الذي يعقب السرسام والحميات خاصة عصارة الأفسنتين بدهن الورد أو بالخل ودهن السوسن فإنها معالجة صالحة أما الذي عن خلط لزج بارد فيخصه قرص مجرب في هذا الشأن نسخته: يؤخذ من الخربق الأبيض ثلاثة دراهم ومن الزعفران خمسة دراهم ومن النطرون عشرة يتخذ أقراصاً ويستعمل ومن الأدوية المشتركة الجامعة المجربة لما كان عن ضعف أو كان عن سدة أو خلط أن يؤخذ من القرنفل ومن بزر الكراث من كل واحد نصف درهم ومن المسك دانق يقطر بماء المرزنجوش والسذاب أو بالشراب وكذلك طبيخ ورق الصنوبر وطبيخ ورق شمشار وطبيخ ورق الغار ويجب أن يجتنب في جميعها العشاء.

قال بعض العلماء المتقدمين: أنه لا شيء أنفع للصفير من دواء الفوتنج الموصوف للحفظ فإنه أنفع ما خلق اللّه تعالى لذلك وينفع منه قطور متخذ من الزوفا بورق الصنوبر وحبّ الغار.

وليتأمل ما قيل في باب الطرش والوجع من معالجات مشتركة وخصوصاً الباردة حسب ما أنت تعلم ذلك.

فصل في القيح والمدة والقروح في الأذن

أول ما ينبغي أن يقدّمه تلطيف الغذاء واستعمال ما يتولد منه الخلط الطيب العذب المحمود من البقول واللحوم وإمالة التدبير إلى ما يجب من الكيفية المعتدلة وإن أوجب المزاج تناول ماء الشعير وما أشبهه فعل ويخفّف الرياضة ويميل المادة إلى الأنف والفم بالعطوسات والغراغر ثم لا تخلو القروح من أن تكون ظاهرة للحس أو تكون عميقة لا يوصل إليها بالحس فالظاهر منها يغسل بخل ماء أو بسكنجبين وماء أو بعسل وماء أو خمر أو بطبيخ العسل مع الورد والآس وبعد ذلك فينفخ في الأذن ما يجفّف مثل الزاج المحرق ونحوه وقد ينفع الصديدية والقيح دهن الشهدانج والأولى أن لا يردع ولا يمنع ما لم يفرط بل يجب أن يغسل ويجلى بمثل ماء المر بدهن الورد وأيضاً عصارة ورق الزيتون بالعسل يستعمل قطراً.

وأما العميقة فمنها قريبة العهد ومنها مزمنة.

والقريبة العهد تعالج بمثل شياف ماميثا بالخل أو بشياف الورد والمرو بالصبر في العسل أو الشراب يجعل في الأذن وربما يقع تقطير ماء الحصرم فيه خصوصاً إذا جعل معه عسل وكذلك عصير ورق الخلاف أو طبيخه أو شب يمان محرق ومر من كل واحد درهم يسحق بالعسل ويحتمل في صوفة أو دم الأخوين وزبد البحر والأنزروت والبورق الأرمني واللبان والمر وشياف ماميثا أجزاء سواء تذر على فتيلة ملفوفة على ميل مغموسة في العسل وتجعل في الأذن وإن كان لها وجع عولجت بخبث الحديد مسحوقاً فيها كثيراء وخلط بما يجفّف ما يسكن الوجع وذلك مثل استعمال دهن اللوز مع المرّ والصبر والزعفران.

وربما احتيج إلى أن يخلط به قليل أفيون واستعمال الدواء الراسني نافع أيضاً فإنه مع ما فيه من التجفيف يصحبه قوّة مسكّنة للوجع وينفع من ذلك مركبات ذكرناها في القراباذين وقد ينفع منه أقراص أندرون وينفع أن يؤخذ من نوى الهليلج والعفص محرقين مجموعين بدهن الخيري ودردريّ البزر وينفع منه مرهم الاسفيذاج ومرهم باسليقون مخلوطين قطوراً.

وأما المزمنة من العميقة فإنها رديئة جداً ربما أدّت إلى كشف العظام ويدلّ عليها اتساع المجرى وكثرة الصديد المنتن فيحتاج إلى مثل القطران مخلوطاً بالعسل ومثل مرارة الغراب والسلحفاة بلبن امرأة أو قردمانا ونطرون مجموعين بتين منزوع الحب يتخذ منه فتائل وتستعمل بعد تنقية الوسخ وكذلك في سائر الأدوية.

ومن الأدوية القوية في هذا الباب توبال النحاس مع زرنيخ وعسل وخل أو صدأ خبث الحديد نفسه مقلياً مسحوقاً كالغبار بعد تواتر القلي مراراً بخلّ خمر حتى يصير كالعسل ويقطر في الأذن وربما احتيج إلى درهم الزنجار وذلك إذا أزمن وتوسّخ.

ومما هو متوسط في هذا الباب شبّ محرق مع مثله عسل وربما زيد فيه التمر وأقوى من ذلك تركيب بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ زنجار وقشور النحاس من كل واحد أربعة دراهم عصارة الكرّاث أوقية عسل ماذي أوقية يستعمل وإذا كثر القيح جداً فلا بد من استعمال فتيلة مغموسة في مرارة الثور أو قطور من بول الصبيان.

وأقواه خبث الحديد المغسول المقلي على الطابق مراراً إذا طبخ في الخلّ واستعمل وإذا كان مع القيح المزمن وجع وصبّ في الأذن نبيذ صلب مضروب بدهن الورد أو بماء الكراث أو ماء السمك المالح وربما أحوج الوجع إلى صبر وأفيون وزعفران يعجن بالعسل ويجعل فيها وإذا رأيت الرطوبة احتبست بالأدوية المانعة المجففة فصب في الأذن دهن الورد لتسقط الخشكريشة ثم أجعل فيها ما ينبت اللحم.

ويجب بالجملة أن لا يحبس الصديد بل يمنع تولده ويجفف قروحها.

وكثير من المعالجين المحتالين يحشون الأذن المقيّحة خرقاً تمنع سيلان القيح عنها ويمنعون نوم العليل من ذلك الجانب لئلا يجد القيح مندفعاً فيه فيحوج إلى أن يميل نحو اللحم الرخو الذي في أصل الأذن فيحدث ورماً ويبّطونه بعد الإنضاج ويعالجونه فيبرأ سيلان المادة عن الأذن.

فصل في انفجار الدم من الأذن

قد يكون منه ما يجري مجرى الرعاف في أنه بحراني وربما كان عن امتلاء أدى إلى انشقاق عرق أو انقطاعه أو انفتاحه وربما كان عن صدمة أو ضربة.

المعالجات: أما البحراني فلا يجوز أن يحبس إن لم يؤدّ إلى ضعف وغشي وأما غير ذلك فإنه يحبس أما بالقابضات وأما بالكاويات وأما بالمبرّدات.

أما القابضة فمثل طبيخ العفص بماء أو خل وطبيخ العوسج وربما خلط معه مرّ بخمر عتيق أو خلّ وكذلك شياف ماميثا وحضض وطبيخ ورق شجرة المصطكي أو رمانة طبخت في الخل وعصرت.

وأما المبرّدات فمثل عصارة عصا الراعي ولسان الحمل مع خمر أو شياف ماميثا والأفيون.

وأما الكاوية فكعصارة الباذروج.

ومما هو عجيب جداً أنفحة الأرنب بخل أو عصارة الكرّاث بالخل.

ومما هو مجرّب لذلك أن تؤخذ كِلْيَتا ثور وشيء من شحمه فيملّح ثم يشوى نصف شية ويعصر ماؤه في الأذن.

فصل في الوسخ في الأذن والسدّة الكائنة منه

أما العلاج الخفيف له فأن يقطر فيها دهن اللوز المرّ الجبلي خاصة ليلاً ويدخل الحمّام ويوضع الأذن على الأرض الحارة ليذوب الوسخ وربما ينفع من ذلك نفخ الزاج فيها وأيضاً قردمانا مثقال بورق أرمني نصف مثقال تين أبيض ما يعجنه به ويتخذ منه فتيلة أو يصبّ فيه مرارة ماعز مع دهن فراسيون مسحوقاً أو الفراسيون مسحوقاً أو ماء الفراسيون أو يُذاب البورق بالخلّ ويترك حتى يسكن غليانه ويمرخ بدهن ورد ويقطر أو يخلط البورق بالتين المنزوع الحب ويحبّب منه حب صغار ويوضع في الأذن وينزع في اليوم الثالث فيصحبه وسخ كثير ويعقبه خفة بينة.

وربما جعل فيها قردمانا وأنجرة.

ومما هو أقوى عصارة ورق الحنظل قطوراً ويؤخذ بورق وزرنيخ بالسوية ويعجن بالعسل ويداف بالخل ويقطر في الأذن ويصبر عليه ساعة ثم يغسل الموضع بماء العسل أو بماء حار.

والفتائل القوية لا تستعمل إلا بعد الاستفراغ ومنها فتيلة مغموسة في زيت ودهن البابونج ودهن الناردين.

فقد زعم قوم أن الكافور شديد النفع من الطرش ويشبه أن يكون للمراري.

وما جرّب زيت العقارب فإنه يبرئ الصمم.

ومما ينفع من السدّة الوسخية فتيلة متّخذة من الحرف والبورق وتلزم الأذن ثلاثة أيام ثم تخرج فيخرج وسخ كثير وكذلك الفتائل بالعسل.

فصل في السدة العارضة في الأذن

قد تكون هذه السدّة في الخلقة لغشاء مخلوق على الثقب وقد تكون لوسخ وقد تكون لدم جامد وقد تكون للحم زائد أو ثؤلول وقد تكون لحصاة أو نواة تقع فيها أو حيوان يدخلها فيموت فيها وربما كانت مع خلط لزج يسدّ الثقبة أو مجاري العصبة فيحسّ الإنسان كأن أذنه مسدودة دائماً وربما حدث ذلك بعد ريح شديدة.

المعالجات: أما ما كان من صفائق أو لحم يسدّ المجرى في أصل الخلقة فالغائر منه أصعب علاجاً والظاهر أسهل وأما الباطن فيحتال له بآلة دقيقة تقطعه ثم تمنع الإدمال على ما نقوله عن قريب.

وإن كان ظاهراً فينبغي أن يشق بالسكين الشوكي الذي يقوّر به بواسير الأنف ثم يلقم فتيلة ذرّ عليها قلقطار وما يجري مجراه مما يمنع نبات اللحم.

وأما إن كانت السدّة من شيء نشب فيه فيجب أن يتهطر الدهن في الأذن مثل دهن الورد أو السوسن أو الخيري وإن كان ذلك الناشب مثل حيوان مات فيها فيصبّ فيها من الأدهان ما يفسخه ثم يستخرج بمنقبة الأذن برفق وأما إن كانت السدّة بسبب لحم زائد أو تؤلول فيجب أن يغسل بماء حار ونطرون ثم يقطر فيها نحاس محرق وزرنيخ أحمر مسحوقان جداً بالخل حتى يحرق اللحم ثم تعالج القرحة.

وقد ذكر أن إدمان صبّ مرارة الخنزير فيه نافع منه جداً.

والذي يتخيّل إلى الإنسان من أن أذنه مسدودة ينفع منه تقطير دهن السوسن أو مرارة الثور في عصارة السلق.

ولعصارة الشهدانج وعصارة الحنظل خاصية في سدد الأذن وإن كانت السدة وسخية عولجت بما ذكرناه في باب السدد الوسخية ومما ينفع من السدّة الوسخية وغيرها فتيلة متخذة من الحرف والبورق تلزم الأذن ثلاثة أيام ثم تخرج ومما هو أقوى من ذلك وينقي أيضاً العصبة أقراص الخربق.

ونسختها: يؤخذ من الخربق الأبيض مثقالان ومن النطرون ستة عشر مثقالاً ومن الزعفران ثلاثة مثاقيل يدق ويسحق بخلّ ويقرّص ثم إذا احتيج إليها حلت في خلّ وقطرت في الأذن فهو عجيب جداً.

وأما السدة التي تكون في الخلقة فهو أن تخلق الأذن غير مثقوبة ومسدودة الداخل خلقة وقد يجرب بعمل اليد حتى إن أدّى الكشط والتطريق إلى الصماخ الباطن نفع وربما لم ينفع بكل فصل في المرض يعرض للأذن والضربة

أما بقراط فيرى أن لا تعالج بشيء وأما من بعده فما يعالجون به أن يأخذوا أقاقيا ومراً وصبراً وكندراً ويتخذ منه لطوخ بالخلّ أو ببياض البيض أو لبّ الخبز بالعسل.

فصل في حكة الأذن: يؤخذ ماء الأفسنتين ويصبّ فيه ببعض الأدهان أو يغلى الأفسنتين بالدهن ويقطر. فصل في دخول الماء في الأذن

قد يدخل الماء في الأذن إذا لم يصبّها المستحم والمغتسل فيؤذي ويورم أصل الأذنين ويوجع وجعاً شديداً.

المعالجات: مما ينفع من ذلك أن يمتص بأنبوبته امتصاصاً يجذبه دفعة ثم يصبّ فيها دهن اللوز الحلو وربما أخرجه السعال والعطاس أو يؤخذ عود.

من شبث أو شقة من بردي مقدار شبر واحد ويلفّ على أحد طرفيه مقدار ثلثه قطنة ويغمّس في زيت ويهندم الطرف الآخر في الأذن بما يهندم فيه ويضجع صاحبه ويشعل في الطرف المقطن نار ويترك حتى يشتعل إلى أن ومما ينفع من ذلك وخصوصاً في الابتداء أن يؤخذ راحة ماء فيملأ به الأذن ثم ينقلب على صاحبه وهو يحجل حجلاً حتى يخرج الجميع وقد يستخرج أيضاً بالزراقة يدخل رأسها ويجذب عمودها فينجذب معها الماء وربما أكنى في القليل منه صب الأدهان في الأذن وصبّ الألبان الفاترة مراراً متتابعة وخصوصاً إذا بقي وجع وزالت العلة.

وإن أوجع ذلك شديد أضمدت الأذن بقشور الخشخاش وإكليل الملك والبابونج والبنفسج والخطمي وبزر الكتان ودقيق الشعير بلبن النساء.

فصل في دخول الحيوانات في الأذن وتولد الدود فيها

قد يتفطن لدخول الهامة في الأذن بشدة الوجع مع خدش وحركة بمقدار الحيوان وأما الدود فيحسّ معه بدغدغة.

المعالجات: مما يعمّ جميع ذلك تقطير القطران في الأذن فإنه يسكن في الحال حركة الحيوان فيها ويقتلها عن قريب وخصوصاً الصغير وكذلك تقطير عصارة قثاء الحمار وحدها أو مع السقمونيا وكذلك الكبريت والزراوند الطويل والقلقديس والميعة.

ومن الجيد أن يقطر فيها سيلان لحم البقر المشوي وقد ينفع من ذلك أن يؤخذ الزيت ويجعل في الأذن ويجلس في الشمس ومن العصارات وخصوصاً اللدود عصارة أصل الكبر وعصارة أصل الفرصاد وعصارة الحوك وهو البادروج وعصارة ورق الإجاص وعصارة ورق الخوخ وعصارة الأفسنتين أو القنطريون أو الفراسيون وعصارة ورق البطم الأخضر أو ورق الشمشار.

أو ورق الصنوبر وخصوصاً إذا طبخ بخل خمر وعصارة قثاء الحمار وعصارة الخربق الأبيض أو طبيخه أو الأفتيمون وعصارة الفوتنج بالسقمونيا أو عصارة الشيح أو عصارة المرماخور أو ماء العسل بشيء عن هذه العصارات وكذلك عصارة الفجل وعصارة البصل وخصوصاً الطلخسار أو بزر البصل بماء العسل أو بعض المرارات وخصوصاً إذا سخنت في جوف رمان بشحمه.

وكذلك طبيخ حب الكبر الطري أو عصارته وعصارة الترمس أو الصبر بالماء الفاتر أو قسط مسحوق أو عاقر قرحا وجميع هذه في الدود أنجع وأقوى.

ومما جرب للدود أن يؤخذ عن الشراب درهمان ومن العسل ثلاثة دراهم ومن دهن الورد درهم واحد يخلط ببياض بيضتين ويفتر ويجعل في الأذن بصوفة مغموسة فيها يملأ بها الأذن ويتكئ عليها المتشكي ولا ينام ثم يختطف دفعة فيخرج دود كثير.

وقد ينفع من أذى الدود صحت عصارة الخسّ المر أو العوسج أو الأفسنتين أو طبيخهما أو سحيق لحاء أصل الكبر أو ماء المرماخور أو المرزنجوش أو البول المعتق.

هذه الأورام من جنس الأورام الحادثة في اللحوم الرخوة وخاصة اللحوم الغددي ويسمى باريطوس ويسمى نبات الأذن وربما بلغ أحياناً من شدة ما يؤلم أن يقتل ومثل ذلك فقد يتقدمه كثيراً اختلاط العقل وهو والورم الكائن في الصماخ أقتل للشبان منه للمشايخ لأنه يكون في المشايخ ألين.

وأما الشبان فهم أسخن مزاجاً ومادة وأورامهم المؤلمة أحدّ كيفية وأشد إيجاعاً وأقلّ إمهالاً إلى أن يجع.

والأورام التي تكون تحت أصل الأذن أسلمها ما كان على سبيل بحران حسن العلامات أما إذا كان عن بحران ليس معه علامة نضج أو كان سباقاً لوقت البحران فهو رديء.

وهذه الأورام بالجملة قد تكون عن مادة حارة صفراوية أو دموية وقد تكون عن سوداء أو من بلغم ويدلّ على الدموي منها حمرة وثقل ومدافعة للحس وضيق في المجاري.

ويدلّ على الصفراوي وعلى الكائن من الدم الرقيق وجع لذّاع ماشراوي بلا ثقل ولا تضييق للمجاري ولكن مع تلهب شديد.

والبلغمي يكون مع تذبّل ولين وقلة حمرة.

والسوداوي مع صلابة وقلّة وجع ومن جنس ما يجب أن يعتني في الأكثر بتبريده وجذبه لا يردعه إذا كانت المادة المنصبة فضل عضو رئيس ولا سيما في بحرانات أمراضها مثل ما يحدث في بحران ليثرغس كثيراً.

وقد أشرنا إلى معرفة هذا في الكتاب الكلي فيجب إذن أن لا يهتم بعلاجه من حيث يستحق العلاج الورمي قبضاً وردعاً في الابتداء ثم تركيباً للتدبير ثم تحليلاً صرفاً بل يجب أن تبدأ وخصوصاً إذا عرض في الحميات وأوجاع الرأس فيعان على جذب المادة إلى الورم بكلّ حيلة ولو بالمحاجم إن كان ليس منجذباً سريع الانجذاب ويتبغي أن تقلّل المادة بالفصد إن احتيج إليه وإن كان شديد التحلب والانجذاب.

تركناه على الطبيعة لئلا يحدث وجعاً شديداً وتتضاعف به الحمى بل يجب أن يقتصر إن كان هناك وجع شديد على ما يرخي ويسكّن الوجع مما هو رطب حار.

وإن كان ابتداؤه بوجع شديد فاقتصر على التكميد بالماء القراح وإن كان خفيفاً فاقتصر على الكماد بالملح أو على دواء الأقحوان وعلى الداخليون ومرهم ماميثا ومر.

وإن لم يكن شديد الخفة وظهر له رأس فليستعمل ما يجمع بين تغرية وتهشيش وإنضاج مثل دقيق الحنطة والكتان مع شارب العسل أو ماء الحلبة والخطمي أو البابونج فإن حدس إنه ليس يتحلل بل يقيح فالواجب أن يخرج القيح إما بتحليل لطيف إن أمكن أو عنيف ولو بشرط ومص ومما يخرج القيح منه بعد البط أو الشرط دواء أسميلون ومما هو موافق في هذه العلة لجذبه وتحليله ولخاصية فيه بعر الغنم بشحم الأوز أو الدجاج ومن ذلك نورة وكعك وشحم البقر الغير المملح.

وأما المزمن فيحتاج إلى رماد الصدف والودع مع العسل أو مع شحم عتيق أو يؤخذ التين ويطبخ بماء البحر أو يستعمل الأشق وحده أو مع غيره وكذلك الزفت الرطب والمقل بوسخ.

الكوائر والميعة السائلة ومخ الإبل.

فإن صارت خنازير وثبتت فليتخذ مرهم من هذه العناصر.

ونسخته: علك البطم وزفت وحب الدهمست وميويزج وصمغ عربي وكمّون وفلفل وأصل اللوف وقنة وكزبرة وقردمانا ورماد قشور أصل الكبر وعاقرقرحا وبعر الغنم والماعز والشحوم وخصوصاً شحم الخنزير والماعز والتيوس الجبلية خصوصاً للسوداوي.

وكذلك أدمغة الدجاج والقبج والبقر ومخاخ البقر وخصوصاً الوحشية والأدهان.

أما لما هو أسخن مادة فإن الورد والبنفسج ولما هو أبرد مادة دهن السوسن والشبث والبابونج والخروع وينفع من هذه الأورام إذا عسرت مرهم الريتبانج.

فصل في هرب الأذن من الأصوات العظيمة

يكون السبب فيه ضعف في القوة النفسانية في الدماغ أو الفائضة إلى السمع ولا بدّ من علاج الدماغ بما يقويه على ما علمت.


الفن الخامس أحوال الأنف

وهو مقالتان:

المقالة الأولى الشمّ وآفاته والسيلانات

فصل في تشريح الأنف

تشريح الأنف يشتمل على تشريح عظامه وغضروفه والعضل المحركة لطرفيه وذلك مما فرغ منه.

ومجرياه ينفذان إلى المصفاة الموضوعة تحت الجسمين المشبهين بحلمتي الثدي والحجاب الدماغي هناك أيضاً يثقب ثقباً بإزاء ثقبة من المصفاة لينفذ فيها الريح ويؤدّي ولكل مجرى ينفذ إلى الحلق وتشريح الآلة التي بها يقع الشم وتلك هي الزائدتان الحلميتان اللتان في مقدّم الدماغ ويستمدان من البطنين المقدمين من الدماغ وكذلك تتصفّى الفضول في تلك النقب.

ومن طريقها ينال الدماغ والزائدتان الناتئتان منه الرائحة ينشق الهواء.

والدماغ نفسه يتنفس ليحفظ الحار الغريزي فيه فيربو ويأزر كالنابض وقد يربو عند الصياح وعند اختناق الهواء والروح إلى فوق.

وفي أقصى الأنف مجريان إلى الماقين ولذلك يذاق طعم الكحل بنزوله إلى اللسان.

وأما كيفية الشم فقد ذكرت في باب القوى.

وأما أن الرائحة تكون في الهواء بانفعال منه أو تأدية أو بسبب بخار يتحلّل فذلك إلى الفيلسوف وليقبل الطبيب أن الشمّ قد يكون في الأصل باستحالة ما من الهواء على سبيل التأدية ثم يعينه سطوع البخار من في الرائحة.

وإذ قد ذكرنا تشريح الأنف ومنفعته والعضل المحركة لمنخريه فيما سلف فالواجب علينا الآن أن نذكر أمراضه وأسبابها وعلاماتها معالجاتها.

فصل في كيفية استعمال الأدوية للأنف

اعلم أن معالجات الأنف منها ما لا يختصّ بأن يكون من طريق الأنف مثل الغراغر والأطلية على الرأس ومنها ما يختصّ به مثل البخورات والشمومات ومثل السعوطات وهي أجسام رطبة تقطر في الأنف ومنها النشوقات وهي أجسام رطبة تجتذب إلى الأنف بجذب الهواء.

ومنها نفوخات وهي أشياء يابسة مهيأة تنتفخ في الأنف ويجب أن تنفخ في الأنبوب وكل من أسعطته شيئاً فمن الصواب أن يملأ فمه ماء ويؤمر بأن يستلقي وينكس رأسه إلى خلف ثم يقطر في أنفه السعوطات.

ويجب أن ينشق كل ما يجعل في الأنف إلى فوق كل التنشّق حتى يفعل فعله وكثيراً ما يعقب الأدوية الحادة المقطّرة في الأنف والمنفوخة فيها لذع شديد في الرأس وربما سكن بنفسه وربما احتيج إلى علاج بما يسكن والأصوب أن يكون على الرأس عندما يسعط بشيء حاد حريف خرق مبلولة بماء حار وقد عرق قبله إما بلبن حلب عليه أو دهن صب عليه مثل دهن حبّ القرع ودهن الورد ودهن الخلاف فإذا فعل السعوط فعله أتبع بتقطير اللبن في الأنف مع شيء من الأدهان الباردة فإنه نافع.

فصل في آفة الشمّ

الشمّ تدخله الآفة كما تدخل سائر الأفعال فإنّ الشمّ لا يخلو إما أن يبطل وإما أن يضعف وإما أن يتغير ويفسد بطلانه وضعفه على وجهين فإما أن يبطل ويضعف عن حس الطيب والمنتن جميعاً أو يبطل ويضعف عن حس أحدهما.

وفساده تغيّره أيضاً على وجهين.

أحدهما: أن يشمّ روائح خبيثة وإن لم تكن موجودة.

والثاني: أن يستطيب روائح غير مستطابة كمن يستطيب رائحة العذرة ويكره المستطابة.

وسبب هذه الآفات.

إما سوء مزاج مفرد وإما خلط رديء يكون في مقدّم الدماغ والبطنين اللذين فيه أو في نفس الشيئين الشبيهين بحلمتي الثدي وأما شدّة في العظم المشاشي عن خلط أو عن ريح أو عن ورم وسرطان ونبات لحم زائد أو سدّة في الحجاب الذي فوقه.

وكثيراً ما يكون الكائن من سوء المزاج المفرد حادثاً من أدوية استعملت وقطورات قطرت فسخّنت مزاجاً أو أخدرت وبردت أو فعل أحد ذلك أهوية مفرطة الكيفية وقد يكون من ضربة أو سقطة تدخل على العظم آفة.

العلامات: إذا عرض للإنسان أن لا يدلك الروائح ووجدت هناك سيلاناً للفضول على العادة فلا سدّة في المصفاة وإن وجدت امتناع نفوذ النفس في الأنف وغنة في الكلام فهناك سدّة في نفس الخيشوم وإن احتبس السيلان ولم يكن لسوء مزاج الدماغ وقلّة فضوله وكان ما دون المصفاة مفتوحاً فهناك سدّة غائرة.

وإن كان السيلان جازياً على العادة ولا سدّة تحت الخيشوم وما يليه فالآفة في الدماغ فتعرف مزاجاته وأفعاله وأحواله مما قد عرفته وكذلك إن كان ضعف في الشمّ ونقصان.

وأما إن كان يجد ريح عفونة ويستنشق نتناً فالسبب فيه خلط في بعض هذه المواضع عفن يستدلّ عليه بمثل ما علمت.

وإذا اشتم في الأمراض الحادة روائح غير معتادة ولا معهودة ولا عن شيء ذي رائحة حاضر ومع ذلك يحسّ رائحة مثل السمك أو الطين المبلول أو السمن وغير ذلك وهناك علامات رديئة فالموت مظل.

وإن كان سببه سوء المزاج فيجب أن يعالج بالضدّ ويقصد مقدّم الدماغ من النطولات والشمومات والنشوقات والأطلية والأضمدة المذكورة في باب معالجات الرأس.

وأكثر ما يعرض من سوء المزاج هو أن يكون المزاج بارداً إما في البطنين المقدّمين بكلتيهما أو في نفس الحلمتين.

وأنفع الأدوية لذلك السعوطات المتخذة من أدهان حارة مدوفاً فيها الفربيون والجندبيدستر والمسك.

وإن كان السبب فيه خلطاً في بطون الدماغ استدلّ عليه بما قيل في علل الدماغ.

واستفرغ البدن كله إن كان الخلط غالباً على البدن كله أو الدماغ نفسه بما يخرج ذلك الخلط عنه بالشبيارات والغراغر والسعوطات والنشوقات والشمومات الملطفة وما أشبه ذلك مما قد عرفته.

وإن احتيج إلى فصد العرق فعل يرجع في جميع ذلك إلى الأصول المعطاة في علاج الدماغ.

وإن كان السبب سدّة في العظم المشاشي المعروف بالمصفاة استعمل النطولات المفتحة المذكورة في باب معالجات الرأس فينطل بها ويكبّ على بخارها ويستنشق منها مدوفاً فيهما فلفل وكندس وجاوشير ويجب أن يلزم الرأس المحاجم بعد ذلك وغرغرة بالأشياء المفتحة الحارة.

ومما جرّب الشونيز ينقع في الخلّ أياماً ثم يسحق به ناعماً ثم يخلط بزيت ويقطر في الأنف وينشق ما أمكن إلى فوق وربما سحق كالغبار ثم خلط بزيت عتيق ثم سحق مرة أخرى حتى يصير بلا أثر.

ومما جرّب وذكر أن يؤخذ زرنيخ أحمر وفوتنج يسحقان جيداً ويغمران ببول الجمل الأعرابي ويشمّس ذلك كله ويخضخض كل يوم مرتين فإذا انتشق الدواء البول أعيد عليه بول جديد ثم يبخر الأنف بوزن درهم منه ثم يعرّق من دهن الورد ومما مدح للسدّة الريحية السعط بدهن لوز مرّ جبلي أو نفخ الحرمل والفلفل الأبيض مدوفين فيه.

وقد ذكر بعضهم أن قشر الرتة إذا جفّف ونفخ سحيقه في الأنف كان نافعاً.

وإن كان السبب فيه بواسير عولج بعلاج البواسير.

وأما الذي يحسّ الطيّب ولا يحسّ النتن فلا يزال يسعط بجندبيدستر مراراً حتى يصلح.

وأما الذي يحسّ النتن ولا يحس الطيّب فلا يزال يسعط بالمسك حتى يحسن حاله ويصلح.

فصل في الرعاف

الرعاف قد يكون قطرات وقد يكون هائجاً لحقن شديد وبسبب غلبة من الدم العالي بقوة وربما كان الانفجار عن شبكة عروق الدماغ وشرايينه وهو غير قابل في الأكثر للعلاج.

وأكثره يكون عقيب حدوث صداع والتهاب ومرض حاد أو عقيب سقطة أو ضربة ويتبعه أعراض فساد أفعال الدماغ لا محالة وربما كان لبخارات حارة متصعدة.

والذي يكون عن الشرايين يتميز عن الذي يكون عن الأوردة لرقّته وحمرته وحرارته وأيضاً فقد يكون عائداً بأدوار وقد يكون عائداً دفعة.

وسيلان الرعاف من الأحوال التي تنفع وتضرّ.

ومن وجد عقيبه خفّة رأس عن امتلاء واعتدال لون عن حمرة شديدة واعتدال سحنة بعد انتفاخ فقد انتفع به لا سيما في الأمراض الحارة وفي الأورام الباطنة وخاصة الدموية والصفراوية في الدماغ ثم في الكبد ثم في الحجاب ثم في الرئة فإن نفع الرعاف في ذات الجنب أكثر منه في ذات الرئة.

والرعاف بحران كثير في أمراض حادة كثيرة وخاصة مثل الجدري والحصبة وأما إذا أسرف فأعقب صفرة لم تكن معتادة أو رصاصية أو كمودة من صفرة واسوداد وذبولاً مجاوزاً للعدّ وبرد الأطراف فإنه وإن احتبس فعاقبته محذورة.

ومن حال لونه إلى الصفرة فقد غلب عليه المرار الأصفر وتضرّره بإخراج الدم أقل.

ومن حال لونه إلى الرصاصية فقد غلب عليه البلغم.

ومن حال لونه إلى الكمودة فقد غلب عليه المرار الأسود.

وهذان شديداً الضرر بما نقص من الدم.

والجميع ممن أفرط عليه الرعاف على خطر من أمراض ضعف الكبد والاستسقاء وغير ذلك.

وأشد الأبدان استعداداً للرعاف هو المراري الصفراوي الرقيق الدم وينتفع بالمعتدل منه.

وللرعاف دلائل مثل التباريق يلوح للعينين والخطوط البيض والصفر والحمر وخصوصاً عقيب الصداع وسائر ما فصل حيث تكلمنا في الأمراض الحادة وبحراناتها وقد يستدل من الرعاف وأحواله على أحوال الأمراض الحادة وبحارينها وقد ذكرناه في الموضع الأخص به.

أما البحراني وما يشبهه من الواقع من تلقاء نفسه فسبيله أن لا يعالج حتى يحس بسقوط القوة وربما بلغ أرطالاً أربعة منه ويجب أن يحبس حين يفرط إفراطاً شديداً.

وأما غيره فيعالج بالأدوية الحابسة للرعاف.

وأما الكائن بسبب استعداد البدن ومراريته فيجب أن يداوم استفراغ المرار منه وتعديل دمه بالأغذية والأشربة.

والفصد أفضل شيء يحبس به الرعاف إذا فصد ضيقاً من الجانب الموازي المشارك وخصوصاً إذا وقع الغشي فأما الأدوية الحابسة للرعاف فهي إما شديدة القبض وإما شديدة التبريد والتغليظ والتجميد وإما شديدة التغرية وإما حادة كاوية وإما الدوية لها خاصية وإما أدوية تجمع معنيين أو ثلاثة.

والقوابض مثل عصارة لحية التيس والقاقيا ومثل الجلنار والورد والعدس والعفص ومثل عصارات أوراق العوسج وورق الكمثري وورق السفرجل وعصا الراعي والمبردات فمثل الأفيولت والكافور وبزر البنج والجصّ وبزر الخس وعصارته والخلاف وماء بلح النخل ولسان الحمل والقاقلي كلها غير مطبوخة.

والمغريات مثل غبار الرحى ودقاق الكندر.

وأما الكاوية مثل الزاجات والقلقطار وهذه إذا استعملت فيجب أن تستعمل بالاحتياط فإنها ربما أحدثت خشكريشة إذا سقطت جلبت شراً من الأولى.

وأما التي لها خاصية مثل علاج الخفيف من الرعاف: أما السعوطات فيؤخذ ماء بلح النخل وقاقيا من كل واحد نصف أوقية كافور حبة لا يزال يقطر في الأنف ومنها عصارة البلح مع عصارة لحية التيس وكافور وأيضاً ماء البلح مع عصارة الكراث وأيضاً الماء الملح المر يقطر في الأنف وماء الكزبرة وأيضاً عصارة القاقلي بحالها غير مطبوخة وأيضاً ماء القثاء بكافور وأيضاً عصارة الباذروج بكافور أو عصارة لسان الحمل مع طين مختوم وكافور أو عصارة عصا الراعي معهما.

ومما هو بالغ في ذلك الباب عصارة روث الحمار الطري وإن أحسست كثرة دم فالزنجار المحلول في الخل يقطر يسيراً يسيراً وأيضاً استعمال سعط من سحيق الجلنار ناعماً بماء لسان الحمل وأيضاً ماء ديف فيه أفيون.

ولا يجب أن يفرط صبّ الماء الشديد البرد فربما عقد الدم وأجمده في أغشية الدماغ.

وههنا سعوطات كتبت في الأقراباذين غاية جيدة.

وأما الفتائل تؤخذ فتيلة وتغمس في الحبر ثم ينثر عليه زاج حتى يغلظ الجميع ثم يدس في الأنف وأيضاً تؤخذ عصارة ورق القريص وقلقطار ووبر الأرانب وسرقين الحمار يابساً ورطباً وعصارة الكرّاث وكندر ويتخذ منه فتيلة.

ومما جرب فتيلة متخذة من الحضض الهندي المحرق وماء الباذروج وأيضاً فتيلة من غبار الرحى ودقاق الكندر وصبر بالخلّ وبياض البيض وأيضاً فتيلة متخذة من زاج وقرطاس محرق وقشار الكندر بماء الباذروج وأيضا فتيلة مبلولة بماء الورد مغموسة في قلقطار وصبر أو فتيلة من ماء الكراث مذروراً عليه نعناع مسحوق أو فتيلة من اسفنج وزفت مذاب مغموسة في الخل أو تتخذ فتيلة من سراج القطرب أو نسج العنكبوت بقلقطار وزاج وقليل زنجار أو فتيلة متخذة من وبر أرنب منفوش مغموس في الكندر والصبر المعجونين ببياض البيض وأيضاً فتيلة متخذة من زاج محرق جزءين أفيون جزء يجمع بخلّ أو فتيلة من قشور البيض محرقة تخلط بحبر وعفص.

وأما النفوخات فمنها الحضض الهندي المحرق وأيضاً ضفادع محرقة تذر في الأنف وأيضاً غبار الرحا أو تراب حرف أبيض أو نورة وأيضاً قشار الكندر وقرطاس وزاج أجزاء سواء ينفخ في الأنف وأيضاً قشور شجرة الدلب مجففة مسحوقة يجب أن يؤخذ ذلك بالدستبان على المسح فيؤخذ زئبره ويجعل في كيزان جحد بترابها وإن كان معها تراب الفخار فهو أجود وتسد رأسها حتى يجف في الظل ويسحق عند الحاجة كالهباء وينفخ في الأنف فيحتبس الرعاف على المكان أو قشور البيض مسحوقة وأيضاً قصب الذريرة ونوار النسرين وبزر الورد والقرنفل من كل واحد درهم مرّ وعفص من كل واحد نصف درهم قليل مسك وكافور ينفخ في الأنف أياماً متوالية وإذا نفخت النفوح فيه فليمسك الأنف ساعة وأما الأطلية والصبوبات فمنها طلاء على الجبهة بهذه الصفة ونسخته: يؤخذ عصارة ورق الخلاف وورق الكرم وورق الآس وماء ورد مبرد الجميع ويلزم الجبهة بخرق كتان وكذلك يتخذ من جميع الأدوية الباردة القابضة والمخدرة المعروفة مدوفة في العصارات المبردة المقبضة مثل عصارة أطراف الخلاف والعوسج وقضبان الكرم وورق الكمثري والسفرجل وعصا الراعي أطلية وأضمدة.

وأما المشمومات فروث الحمار الطري وأما الحشايا فأن يحشى بريش القصب وبرؤوس المكانس وبقطن البردي أو قطن سائر ما يخرج من النبات.

وأما الصعب من ذلك الكائن لغليان حرارة شديدة أو انفجار الشرايين فلا بدّ فيه من فصد القيفال الذي يلي ذلك المنخر فصداً ضيقاً جداً ومن الحجامة في مؤخر الرأس بشرط خفيف وعلى الثدي الذي يليه تعليقاً بلا شرط وربما احتيج أن يخرج الدم بالفصد إلى الغشي من القيفال ومن العرق الكتفي الذي من خلف فإنه أبلغ لأنه يمنع الدم أن يرتفع إلى الرأس فإنه إذا أدى إلى الغشي سكن على المكان وذلك في الرعاف الشديد حافر بل يجب أن يبادر في الوقت كما يحس بشدة الرعاف وحفره قبل أن تسقط القوة.

أما إن لم يكن حفر شديد ولكن كان قطرات أو كان بنوائب فيجب أن يكون الفصد قليلاً قليلاً مرات متوالية وإذا بلغ الفصد مبلغ الكفاية فيجب أن يقبل على تغليظ الدم بما يبرده وبما يخثره وإن لم يبرد مثل العناب.

وأما المحجمة فإنها لا تقدر على مقاومة الدم الغالب بل يجب أن ينقص أولاً بالإخراج بالفصد ثم يوضع المحجمة.

ووضع المحاجم على الكبد إن كان الرعاف من اليمين وعلى الطحال إن كان الرعاف من اليسار وعليهما جميعاً إن كان من الجانبين من أجل المعالجات.

ويجب أيضاً أن يشد الأطراف حتى الخصيتان والثديان من النساء.

وشد الأطراف والأذنين غاية جداً.

ويجب أن يستعمل نطول كثير بالماء البارد وربما احتيج إلى أن يجلس العليل في الماء المبرّد بالثلج حتى تخضر أعضاؤه وربما احتيج أن نجصص رأسه بجصَّ ميت أو بجصّ محلول في خل وأن يصب على رأسه المياه المبرّدة بالثلج حتى تخدر وربما لم يوجد فيه من الفتائل قوية الزنجارية ومن ماء الباذروج بالكافور ومن الموميائي الخالص يسعط به زنة درهم ولا أقلّ من أن يمسك الماء البارد المثلوج في فمه.

واعلم أنه ربما عاش الإنسان في رعافه إلى أن يخرج منه فوق عشرين رطلاً وإلى خمسة وعشرين رطلاً دماً ثم يموت وربما كان الغشي الذي يقع منه سبباً لقطعه.

وأما الأغذية فعدسية بسمّاق أو بخل أو بحصرم وما أشبه ذلك.

والجبن الرطب من الأغذية الملائمة للمرعوفين.

وكذلك الألبان المطبوخة حتى تغلظ والبيض المسلوق لمن يستعد للرعاف لمرارة دمه على أن الحوامض ربما ضرّت بالمراعيف لما فيها من التقطيع والتلطيف.

وقد زعم جماعة من المجرّبين أن أدمغة الدجاج لَمِنْ أفضل الغذاء لهم بل من أفضل الدواء لمن به رعاف من سقطة وضربة ولكن يجب أن يكثر منه ويكون مرات متوالية.

وأما الشراب فإنه ينفع من حيث أنه يقوي ويضرّ من حيث أنه يهيج الدم.

فإذا اضطررت إليه من حيث يقوي فامزجه قليلاً وإذا لم تضطر إليه ولم يكن الرعاف قد ناهز إسقاط القوّة فلا تسقه.

ويجب أن يراعى حتى لا ينزل شيء منه إلى البطن فينفخ المعدة ويضعف النبض ويهيج الغشي فإن نزل شيء فيجب ما دام في المعدة أن يتقيأ ويبادر ذلك كما يحسّ بنزوله إلى المعدة فإن جاوزها فيجب أن يحقن ليخرج بسرعة ولا يبقى في المعدة.

وفي التدبير المرعف: أن الضرورة ربما صوّبت الترعيف وخصوصاً في الأمراض الدماغية ولذلك ما كان القدماء يتخذون آلة مرعفة تعقر الأنف ليعالجوا بذلك كثيراً من الأمراض الدماغية ولذلك ما كان القدماء يتخذون آلة مرعفة تعقر الأنف ليعالجوا بذلك كثيراً من الأمراض المحتاج في عاقبتها إلى رعاف سائل.

ومن التدبير في الترعيف الدغدغة بأطراف النبات الليّن الجسّ الخشن خصوصاً الذي ينبت على العشب الأذخري كالزهر ويكون كالعنكبوت والشياف المتخذ من فقاح الأذخر أو من الفوذنج البري أو المتخذ من الأدوية الحادة

فصل في الزكام والنزلة

هاتان العلتان مشتركتان في أن كل واحد منهما سيلان المادة من الدماغ لكن من الناس من يخصّ باسم النزلة ما نزل وحده إلى الحلق وباسم الزكام ما نزل من طريق الأنف.

ومن الناس من يسمّي جميع ذلك نزلة ويسمى بالزكام ما كان نازلاً من طريق الأنف رقيقاً وملّحاً متواتراً مانعاً للشمّ منصبّاً إلى العين وجلدة الوجه.

وبالجملة إلى مقدّمة أعضاء الوجه.

والنزلة قد تنتفض إلى الحلق والرئة وإلى المريء والمعدة فربما قرّحتها وكثيراً ما يهيج بها الشهوة الكلبية وقد تنتفض في العصب إلى أبعد الأعضاء وقد يتولّد منها الخوانيق.

وذات الرئة وذات الجنب والسلّ خاصة ولا سيما إذا كانت النزلة حارة حادة وأوجاع المعدة وإسهال وسحج إذا كانت حامضة أو مالحة وقد يتولّد منها أيضاً القولنج وخصوصاً من المخاطي الخام منها.

وسبب جميع ذلك إما حرارة مزاجية خاصة أو خارجية من شمس أو سموم أو شمّ أدوية مسخّنة كالمسك والزعفران والبصل وإما برودة مزاجية خاصة أو واردة من خارج من هواء بارد وشمال وخصوصاً إذا كشف الرأس لهما ولا سيما وقت ما يتخلخل الدماغ من حمّام أو رياضة و غضب أو فكر أو غير ذلك.

وقد يحدث من الفصد تخلخل يهيئ البدن لقبول الحر والبرد فيحدث النزلة ولا سيما بعد فصد كثير وكذلك في سوء المزاج الحار المصيب.

والبرد المزاجي إذا قوي واستحكم كما يكون في المشايخ يقال أنها لا تنضج إلا بعد أن يبلغوا الغاية في صحة المزاج وحرارته وأن الدماغ البارد إذا وصل إليه الغذاء في المشايخ وفي ضعفاء الدماغ فلم يهضم فيه ما ينفذ إليه لضعفه فضل ونزل والكائن من البرد أكثر من الكائن من الحرّ.

وأصحاب المزاج الحار أشدّ استعداداً لقبول الأسباب الخارجة الفاعلة للزكام من أصحاب الأمزجة الباردة وأصحاب الأمزجة الحارة في أنفسهم أكثر أمناً لعروض ذلك لهم من الأسباب البدنية من أصحاب الأمزجة الباردة فإن الدماغ البارد لا ينضج ما يصل إليه من الغذاء ولا يتحلّل ما يتصاعد إليه من الأبخرة بل ينكس وصول الغذاء وترتكم البخارات نكس الإنبيق لما يتصاعد إليه من القرع فيدوم عليه النوازل.

والنزلة قد تكون غليظة وقد تكون رقيقة مائية وقد تكون حارة مرة ومالحة ورديئة الطعم وقد تكون حارة لذّاعة وقد تكون باردة.

والنزلة الباردة تنضج بالحمى وأما الحارة فلا تنتفع بالحمّى والنوازل.

والأمراض النزلية تكثر عند هبوب الشمال وخصوصاً بعد الجنوب وتكثر أيضاً في الشتاء وخاصة إذا كان الصيف بعده شمالياً قليل المطر والخريف جنوبياً مطيراً.

وقد تكثر النوازل أيضاً في البلاد الجنوبية لامتلاء الرؤوس.

قال بقراط: أكثر من تصيبه النوازل لا يصيبه الطحال.

قال جالينوس: لأن أكثر من به مرض في عضو فإن أعضاءه الأخرى سليمة.

أقول: عسى ذلك لأن المتهيئ للنوازل أرقّ أخلاطاً ومن غلظت أخلاطه لم يتهيأ النوازل كثيراً والصداع إذا وافق النزلة زاد فيها بالجذب.

العلامات: علامة النزلة الحادة الحارة إن كانت زكامية حمرة الوجه والعينين ولذع السائل ورقته وحرارة ملمسه وربما عرضت معه حمى فلا ينتفع بها.

وإن كانت حلقية فحدّه ما ينزل إلى الحلق وشدة إحراقه ورقته مع التهاب يحسّ به إذا تنخع به ويدلّ عليه نفث إلى الصفرة والحمرة وقد يكون هناك سدّة أيضاً وغنّة ودغدغة حريفة.

وعلامة النزلة الباردة برد السيلان إن كان في الأنف ودغدغة في الأنف مع تمدد الجبهة وشدة السدة والغنة وربما دلّ عليها غلظ المادة.

وإن كانت إلى الحلق فبرد ما يتنخّع به وبياضه والانتفاع بحمّى إن عرضت.

المعالجات: علاج النزلة محصورة في أعراض النقصان من المادة ومقابلة السبب الفاعل وقطع السيلان أو تعديله أو تحريكه إلى جهة أخرى.

والتقدّم بمنع ما عسى أن يتولد منه مثل خشم في الأنف وقروح على المنخر أو مثل خشونة في الحلق وسعال وقروح الرئة وما يليها وورم وجميعه محتاج إلى هجر التخم وترك الامتلاء من الطعام والشراب والعطاس ضارّ في أول حدوث النزلة والزكام مانع من نضج الأخلاط الحاصلة في الدماغ التي لا تنضج إلا بالسكون ومع ذلك فإنه يجذب إليه فضول أخرى وهو بعد النضج بالغ جداً بما يستفرع من الفضل النضيج.

والمبتلي بالزكام والنزلة يجب أن لا يبيت ممتلئ البطن طعاماً فيمتلئ رأسه وأن يديم تسخين الرأس وتبعيده عن البرد ويقيه الشمال خصوصاً عقيب الجنوب فإن الجنوب يملأه ويخلخل والشمال يقبض ويعصر ويقلّ شرب ماء الثلج ولا ينام نهاراً ويعطش ويجوع ويسهر ما أمكن فهو أصل العلاج.

والإسهال وإخراج الدم يبدأ به ثم بالإسهال بعده إذا دعت الحاجة إليهما جميعاً وقلّما يستعجل إلى الفصد خصوصاً في الابتداء إلا لكثرة لا تحتمل وأولى نزلة لا يفصد فيها ما خلا عن السعال فإن كان سعال قليل النفث فلا بد من قليل فصد مخلف عدة لما لعله أن يخرج إلى تكريرات ويستعمل شراب الخشخاش الساذج إن كان سهر وإلا فبالسكران لم يكن سهر والحقنة تجذب الفضل وتليق الطريق بمثل ماء الشعير في نفوذه وإذا وجد مع النزلة نخس يندوه دلّ على أن المادة تميل إلى الجنب فليبادر وليفصد.

والتدخينات ربما أورثت حمّى وحب السعال لخشونة الصدر لا لمواد الرأس ويجب أيضاً أن يصابر العطش ويكسر بمزاج من شراب الخشخاش والماء وإن أردنا التقوية فبماء الشعير والسويق وإذا كان مع النزلة حمّى لم يستحم ومن دامت به النوازل صيفياً وشتاءً فحبّ القوقايا له من أنفع العدد وحركة الأعضاء السافلة نافعة جداً من النوازل لجذب المواد إلى أسفل ثم استعمال ما يوصف من التكميدات والتبخيرات مع مراعاة أن لا يستعمل على امتلاء والمعتاد للنزلة فإنه قد يمنع حدوث النزلة به بادره إلى رّق في الحمّام قبل حدوث النزلة ويجب على كل حال أن يديم تنكيس الرأس ويلطئ الوساد ولا يستلقي في النوم وأما لنقصان من المادة فهو باستعمال تنقية البدن أما في الحار فبالفصد والإسهال المزاج للأخلاط الحارة والحقن الجاذبة للمادة إلى أسفل.

وأما في الباردة فبالأدوية المسهّلة للخلط البلغمي من الرأس من المشروبة والمحقون بها وفي الجملة يجب أن لا يقل الأكل والشرب من الماء ويهجره أصلاً يوماً وليلة ويزول.

وأما مقابلة السبب الفاعل.

إما الحار فأن يجتهد في تبريد الرأس بما هو مبرّد بالقوة مثل دخول الحمام العذب بكرة على الريق وصبّ الماء على الأطراف ومسح الرأس والأطراف والسرّة حلقة والمذاكير وما يليها بدهن البنفسج واستعمال النطول المتخذ من الشعير خشخاش والبنفسج والبابونج وصبّ المبرّدات القوية الفحل على الرأس والميل أغذية إلى ما خص وبرد ورطب واستعمال الجلنجبين كل يوم.

وإما البارد فأن يجتهد كما يبدأ الدغدغة والعُطاس بتسخين الرأس وتكميده خرق المسخنة إلى أن يحس بالحر يصل إلى الدماغ وحفظ الرأس على تلك الجملة بما احتيج إلى أن يكون بالملح والجاورس وربما كمد بالمياه الحارة في غاية ما يمكن أن يحتمل من الحرارة ويستعمل فيها النطولات المنضجة المحللة وتمريخ الأطراف بالأدهان الحارة كدهن الشبث ودهن البابونج والمرزنجوش.

وأقوى من ذلك دهن السذاب ودهن البان ودهن الغار ودهن السوسن يمسح به الذكر وما يليه والحلقة والسرة والأطراف ويغسل الرأس بالصابون القسطنطيني.

وأما الدهن فما أمكنك أن لا يمسه الرأس فافعل إلا أن لا يجد بداً حين يحتاج إلى تبريد ثابت أو تسخين ثابت وليكن بجد الاستفراغ وأن يستعمل على الرأس والجبهة لطوخات من الخردل والقسط ونحوه ويغسله بمثل الصابون ونحوه وأن يميل بالأغذية إلى ما لطف وخف وسخن وجفف مع تليين منه للصدر وربما احتيج إلى استعمال الأدوية المحمرة وبحيث يقع فيها خرء الحمام مع الخردل والتين والفوتنج والثافسيا بل استعمال الكي وبالجملة فإن تسخين الرأس وتجفيفه نافع لما حدث ومانع لما يحدث ويجب في هذه النزلة أن لا يدخل الحمام قبل النضج بل يستعمل التكميدات اليابسة ومما ينفع فيه شمّ المسك وكذلك إلقام الأذن صوفة مغموسة في دهن حار مسخن.

وأما قطع السيلان فبالغراغر المجمدة الباردة مثل الغرغرة بالماء البارد وبماء الورد وماء العدس وماء الكزبرة وماء قد طبخ فيه قشور الخشخاش وماء الرمان أيضاً أما باردة للحار أو حارة للبارد ومثل تلطيخ الحلق بشراب سحق فيه مر وخصوصاً في البارد وكذلك إمساك بنادق في الفم متخذة من الأفيون والميعة والكندر والزعفران من غير بلع لمائيته ومثل الأشربة التي لها خاصية ذلك كشراب الخشخاش الساذج الحار وشراب الكرنب وشراب الخشخاش المتخذ بالسلاقة المجعول فيها المر وغيره مما يذكر في الأقراباذين للبارد ولا يجب أن يسقى شراب الخشخاش إلا في الابتداء ليمنع عن الصدر فأما إذا احتبس واحتيج إلى نفث لم يصلح هذا الشراب ومثل البخورات الحابسة يستعمل بحيث يلج في الخيشوم أو تحنكاً حابساً للبخار وهذه البخورات كالسندروس للحار والبارد جميعاً وكالشونيز للبارد بخوراً وشموماً والقسط أيضاً والشونيز المقلي إذا شمّ مصروراً في خرقة كان نافعاً.

وكذلك بخور القشر المسمّى قوقي وكذلك بخار الخمر أو العسل عن حجر الرحا المحمّي.

ومما ينفع في ذلك التبخير بالكندر والعود الخام والسندروس والقسط واللبني والعود.

وأما الطرفاء والورد فللحار وكذلك الطبرزذ والباقلا والشعير المنقع في مخيض البقر خاصة والسكر والكافور والنخالة المنقوعة في الخل يبخر بها للحارة وكذلك بخار الخل عن حجر الرحا محمى مغسولاً منظّفاً.

وأما التعديل للقوام مثل استعمال اللعوقات وأخذ الكثير وحب السفرجل في الفم ليخالط غلظها رقة ما ينزل فيغلظ بها ويلزج ولا ينزل إلى العمق ويسهل لها النفث واستعمال ما يرقّق ذلك حتى لا يؤذي بغلظه ولحوجه وإذا كانت النزلة بارعة لم يصح دخول الحمام قبل النضج وإن كانت حارة لم يكن بذلك كبير بأس بل انتفع به.

وأما تحريكه إلى جهة أخرى فمثل ما يعامل به النزلة إلى الحلق بأن يجذب إلى الأنف بالمعطسات ولجميع ما يلذع المنخرين ومثل ما يعامل به كل نزلة حارة تسيل إلى أسفل من استعمال الحجامة على النقرة.

وكذلك الإكباب على النطولات المتخذة من الرياحين الجاذبة للمادة إلى ناحية الأنف.

وأما التقدم فمثل أن يصان الحلق والرئة عن آفته وأكثره بالأغذية أما في الحارة فبتمريخ الصدر بدهن البنفسج وتناول ماء الشعير بالبنفسج المربى وماء الرمان الحلو واستعمال الأحساء المتخذة من النشا ودقيق الشعير والباقلا باللبن الحليب إن لم يكن حمى ويضر اللبن إن كان حمى واستعمال اللعوقات اللينة الباردة والأشربة الزوفائية.

وأما في البارد فمثل تمريخ الصدر بدهن البنفسج والبان واستعمال الأحساء الحارة المليّنة مثل الأطرية بالعسل وبمثل ماء نخالة الحنطة بدهن اللوز والعسل ومثل الخبز بالمبيختج واستعمال اللعوقات اللينة الحارة والأشربة الزوفائية الحارة وأيضاً الزوفا نفسه مع الاصطرك.

وشرب الماء الحار نافع في النوازل بنضجها ويدفع غائلتها من أعضاء النفس إنضاجاً لما نزل وتلييناً والنبيذ لا يوافقهم وربما اتفق أن ينفعهم هذا في الابتداء وأما بعد النضج فالمعتدل منه موافق ويجب أن يكون في تلك الحال للحار الشراب ممزوجاً والزهومات تمنع النضج في الرقيق في الابتداء.

المقالة الثانية باقي أحوال الأنف

فصل في سبب النتن في الأنف: إما بخارات عفنة تتصعد إليه من نواحي الصدر والرئة والمعدة وإما خلط متعفن في عظام الخياشيم لو كان حاراً لأحدث قروحاً ولكنه عفن منتن الريح ربما تأدى ريحه إلى ما فوق فأحس بمشمه أو خلط متعفن في البطن وفي الدماغ كله أو في مقدمه أو فيما يلي الأنف منه المعالجات: يجب أن يتقدم بتنقية ما يكون اجتمع من الخلط الرديء إن كان في غير الخيشوم وقعره بل في المعدة والدماغ ثم يستعمل الأدوية الموضعية من الفتائل والسعوطات والنفوخات وغير ذلك أما الفتائل المجربة في ذلك فالأصوب أن يغسل الأنف قبلها بالشراب ثم تستعمل.

فمن تلك الفتائل فتيلة من المر والحماما والقاقيا متخذة بعسل أو من حماما ومر.

وورد بدهن الناردين وفتائل كثيرة الأصناف متخذة من هذه الأدوية على اختلاف الأوزان وهي السعدة والسنبل وورد النسرين والذريرة والحماما والقرنفل والآس والصبر والورد وشيء من ملح مجموعة ومفرقة أو فتيلة مبلولة بمثلث رقيق يذر عليه ذرور متخذ من القرنفل والسعد والرامك واللاذن أجزاء سواء وأيضاً آس وقصب الزريرة ونسرين وورد وقرنفل بالسوية من كل واحد درهم مر وعفص من كل واحد نصف درهم مسك أربع حبات كافور أربع حبات قليميا وملح أنحراني من كل واحد أربعة قراريط يستعمل فتيلة.

ومن السعوطات السعوط بعصارة الفوتنج.

وأفضل السعوطات وأنفعها أبوال الحمير فإنها لا تخلف.

ومن المجرّب الجيد أن تحل أقراص أنحروخورون الواقع في الترياق في الشراب ويقطر في الأنف فيبرئ.

وطبيخ الدارشيشعان بالشراب الريحاني جيد جداً يستعمل أياماً يستنشق به.

ومن اللطوخات أن يلطخ باطنه بالقلقطار وأيضاً ورق الياسمين يسخن ثم يسحق بالماء ويطلى به الأنف ودواء قريطن وهو: مر أربعة وثلثان سليخة درهم وسدس حماما مثله يعجن بعسل.

ومن النفوخات أن ينفخ فيه الفودنج نفسه أو خربق أبيض وصدف محرق ومن الدواء المذكور في آخر الفتائل وأن ينفخ عود البلسان في الأنف.

ومن النشوقات ما جرّب طبيخ دارشيشعان بماء أو خمر يستعمل أياماً.

ومما جرب في علاجه وخصوصاً إذا كان في الدماغ أو مقدّمة عفونة: كيتان يمنة اليافوخ ويسرته بحذاء الأذنين مائلتين إلى الصدغين أو كية على وسط الرأس.

فصل في القروح في الأنف

إنه قد يتولد في الأنف قروح إما من بخارات حادة أو رديئة أو من نوازل حادة وهي إما منتنة عفنة وإما خشركيشات وإما قروح بثرية وإما قروح سلاَّخة وهي إما ظاهرة وإما باطنة.

المعالجات: الأنف عضو أرطب من الأذن وأيبس من العين فيجب أن يكون علاج قروحه بين علاجي قروح الأذن والعين فيحتاج أن تكون الأدوية المجفّفة لقروح الأنف أقلّ تجفيفاً من الأدوية المجففة لقروح الأذن وأشد تجفيفاً من الأدوية المجفّفة لقروح العين فإن قروح الأذن تحتاج إلى شيء في غاية التجفيف وقروح العين تحتاج إلى شيء في أول حدود التجفيف.ثم أنه إن كان السبب مواد تسيل أو أبخرة تصعد فتعالج باستفراغها وجذبها إلى ناحية أخرى على ما يدري.

وبالجملة يحتاج أول شيء أن يجفّف الرأس ويقوّى بما عرفته ثم تفصد المنخران.واعلم أن جميع الأدوية النافعة في البواسير والأربيان مما سنذكره نافعة أيضاً في القروح إذا كانت قوية.

وإذا أغليت باللعابات وما يشبهها حتى لانت صلحت لجميع القروح الخفيفة أيضاً.

أما القروح اليابسة فتعالج بمسوح متّخذ من شمع مخلوط به نصفه ساق البقر المذاب في مثل دهن النيلوفر والشيرج وأصلحه عندي دهن الورد خصوصاً المتّخذ من زيت الأنفاق وأيضاً يعالج بمسوح متّخذ بدهن البنفسج مع الكثيراء أو قليل رغوة بزر قطونا وخطمي وأيضاً بفتيلة مغموسة في زوفا وشحم البط والشمع الأصفر وشحم الأيل وشحم الدجاج والعسل وأيضاً شمع ودهن هليلج أصفر أو عفص وربما نفع فصد عرق في طرف الأنف بعد القيفال وحجامة النقرة والإسهال.

وأما القروح التي تسيل إليها مادة حريفة أو رديئة أو منتنة فإن علاجها يصعب ولا بد من الاستفراغ والفصد وربما احتيج إلى الإسهال بالأيارجات الكبار.

ويجب أن يدام غسلها بالنطرون والصابون خصوصاً الصابون المنسوب إلى اسقلينادس والصابون المنسوب إلى قسطيطبونس.

ثم تستعمل الأدوية الشديدة التجفيف.

ومنها: أن يؤخذ قشور النحاس وقلقديس وزرنيخ أحمر وخربق ويسحق وينقع في مرارة الثور أياماً حتى تتخمّر فيه ثم يستعمل وربما زيد فيه حماما ومر وفوتنج وفراسيون وزعفران وشب وعفص ودواء روفس المجرب.

ونسخته: يؤخذ سعد وعفص وزعفران وزرنيخ ويستعمل.

وأما القروح الشديدة الوجع فتعالج بالإسرب المحرق المغسول في الإسفيداج والمرادسنج يتخذ منها مرهم بدهن ورد والشمع.

وأما القروح البثرية فعلاجها بدهن الورد ودهن الآس والمرداسنج وماء الورد وقليل خل يتخذ منها مرهم.

وأما القروح الظاهرة فتعالج بهذا المرهم.

ونسخته: يؤخذ إسفيداج رطل مرداسنج ثلاث أواق خبث الرصاص المحرق ثلاث أواق يخلط بالخمر ودهن الآس.

ومن الأدوية المشتركة أن يؤخذ ماء الرمان الحامض فيطبخ في إناء نحاس حتى يصير إلى النصف ويلطخ به فتيلة ويستعمل.

ومما يعالج به أقراص أندرون تارة محلولة في شراب وتارة بخل وتارة بخل وماء بحسب ما ترى.

ومن المراهم الجيّدة أن يؤخذ خبث الأسرب وشراب عتيق ودهن الآس يجمع بالسحق على نار لينة فحمية ويحرّك حتى يغلظ ويحفظ في إناء من نحاس والإسرب المحرق في حكم خبث الأسرب وينبغي أن تستعمل عصارة السلق وحدها أو مع الأدوية فإنها نافعة جداً.

فصل في علاج القروح التي تسمّى حلوة

أما الابتداء فيكفي دهن الورد وحده أو بشمع وشحم الدجاج.

وأقوى من ذلك مرهم الاسفيداج ولا سيما مخلوطاً بلعاب حب السفرجل فإن ريد زيادة تجفيف جعل فيه خبث الفضة.

وقد ينقع خبث الفضة وحده بدهن الآس وأما إذا اشتدّت العلّة يسيراً فليستعمل هذا المرهم.ونسخته: إسفيداج رطل مرداسنج ثلاث أواق خبث الرصاص ثلاث أواق رصاص محرق مغسول مسحوقاً بالخمر أربع أراق يتخذ منه مرهم بدهن الآس والخل.

وأما إذا أزمنت العلة واشتدّت جداً يؤخذ مرهم بهذه الصفة مرداسنج أربعة دراهم سذاب رطب أربعة دراهم شبّ درهمين يتخذ منه مرهم بدهن الآس والخلّ.

وأقوى منه زاج وقلقنت ومر من كل واحد سبعة أجزاء قلقديس ستّة شبّ يماني عفص توبال النحاس من كل واحد أربعة كندر جزء ونصف خلّ رطل وثمان أواق يطبخ في إناء نحاس حتى يصير في قوام العسل ويتخذ منه لطوخ.

فصل في السدة في الخيشوم

السدة في الخيشوم هي الشيء المحتبس في داخله حتى يمنع الشيء النافذ من الحلق إلى الأنف أو من الأنف إلى الحلق وقد يكون خلطاً لزجا لحجاً وقد يكون لحماً ناتئاً وقد يكون خشكريشة.

العلامات: هذه السدّة تفعل الغنة حتى تمنع فضلة النفخة عن أن تتسرّب في الخيشوم فتفعل الطنين الكائن منه.المعالجات: يؤخذ من العدس المر درهم جندبيدستر نصف درهم أفيون قيراط زعفران قيراط مر نصف درهم يتّخذ منها حب ويسعط بماء المرزنجوش الرطب وكثيراً ما يحوج الحال إلى عمل اليد وخرط الأنف بالميل الخاص بالأنف الذي يمكن به الجرد فلا يزال يجرد حتى يتنقّى وربما خرج بالجرد شيء كثير يتعجّب الإنسان من مبلغه يكاد يبلغ نصف رطل فإن لم يغن فعل ما ذكرنا في باب البواسير.

في علاج الخنان: من معالجته أن يسعط ويغرغر بدواء هذه نسخته: يطبخ العفص المسحوق بماء الرمان الحلو غمره حتى يشربه ثم يجفّف ويخلط به نصفه كندر وأنزروت ويعجن كرة أخرى بماء الرمان الذي قد طبخ العفص فيه ويستعمل سعوطاً وغيره أياماً ومما يعالج به أن يجعل في الأنف تنكار بشمع ودهن لا يزال يستعمل حتى يبرأ.

فصل في رضّ الأنف

الأولى والأفضل أن يحشى من داخل ثم يسوّى من خارج ويخرج الحشو كل قليل حتى يستوي.

وأما الأطلية النافعة في ذلك فالذي يجب أن يجعل على الكسر قليلاً صبر وماش مرّ وزعفران ورامك وسكّ وطين أرمني وطين مختوم رومي وخطمي ولاذن يطلى بماء الأثل أو ماء الطرفاء.

على أنا ربما عاودنا ذكر هذا الباب في كتاب الكسر والجبر.

فصل في البواسير والأربيان في الأنف

أما البواسير فهي لحوم زائدة تنبت فربما كانت لحوماً رخوة بيضاء ولا وجع معها وهذه أسهل علاجاً وربما كانت حمراء وكمدة شديدة الوجع وهذه أصعب علاجاً لا سيما إذا كان يسيل منها صديد منتن.

وربما كان منها ما هو سرطاني يفسد شكل الأنف ويوجع بتمديده الشديد وهو الذي يكون كمد اللون رديء التكوّن جداً في غور كثير وسبيله المداراة دون القطع والجرد.

وقد يفرق بين السرطاني وبين البواسير الرديئة أن اللحم النابت إن حدث عقيب علل الرأس والنوازل فإنه بواسير وإن كان ليس عن ذلك بل حدث عن صفاء الأنف وعدم السيلانات فهو سرطان وخصوصاً إن كان قبل حدوثه في الدماغ أعراض سوداوية وكان ابتداؤه كحمّصة أو بندقة ثم أخذ يتزايد وأحدث في الحنك صلابة.

والسرطان في أكثر الأمر غير ذي صديد وسيلان إلى الخلق بل هو يابس صلب والبواسير ربما طالت وصارت بواسير معلقة وربما طالت حتى تخرج من الأنف أو الحنك وجميع الأدوية التي تنفع من الأربيان فإنها تنفع من البواسير وربما احتيج أن تكسر قوّتها.

المعالجات: ما كان من ذلك من القسم الأول قطع بسكين دقيقة ثم جرد بالمجرد ناعماً وما كان من القسم الثاني فالأولى أن يكوى أما بالأدوية التي نذكرها وأما بالنار بمكاوٍ صغار دقاق أو تقطع بمجارد تخرج جميع ما في الأنف من الزوائد والفضول.

وأجود المجارد ما كان أنبوبياً ثم يحسبّ في المنخرين بعد ذلك خلّ وماء فإن جاد النفس بعد ذلك وزالت السدة وإلا فقد بقيت منه في العمق بقية فحينئذ يحتاج أن يستعمل المنشار الخيطي وصفته: أن تأخذ خيطاً من شعر أو إبريسم فتعقده عقداً يصير بها كالمنشار في الأسنان وتدخله في إبرة من إسرب معقفة إدخالاً من المنخر حتى يخر إلى الحنك ثم ينشر به بقية اللحم جذباً له من الجانبين كما يفعل بالمنشار ثم تأخذ أنبوباً من الرصاص أو من الريش وتلف عليه خرقة وتذر عليها أدوية البواسير مثل دواء القرطاس ودواء أندرون وسائر ما نذكره بعد ويدخله في الأنف ليبقى موضع النفس مفتوحاً وإذا عمل مجرد كالمبرد لكنه أنبوبي أمكن أن تبلغ به المراد من التنقية وإذا استعمل على البواسير آلات القطع والجرد أو الأدوية الأكّالة فيجب أن يعطس بعد ذلك حتى تنتثر كل عفونة ونشارة.

وأما الأدوية التي يعالج بها ما خص من ذلك ففتيلة معمولة من قشر الرمان مسحوقاً بالماء حتى ينعجن ولا يزال يستعمل ذلك فإنه مجرب لكنه بطيء النفع.

أو فتيلة من أشنان أخضر ساذج أو بشحم الحنظل أو من جوز السرو مع شيء من التين يستعمل أياماً أو فتيلة مغموسة في عصارة الحبق وحدها أو مغموسة في عصارته ثم يذرّ عليها اليابس منه أو في خمر ويذر عليها سحيق الحبق أو من عقيد ماء الرمانين المدقوقين مع القشر والشحم أو فتيلة بعسل وورد يكرر في اليوم مرات أو نفوخ من الزرنيخ والقلقنت مسحوقين بخل مجففين.

وأما الأدوية التي يعالج بها ما أزمن من ذلك ففتائل ذرورات ومراهم من مثل الشب والمر والنحاس المحرق وقشور النحاس وأصل السوسن الأبيض والقلقنت والقلقطار والزاج والنطرون يتخذ منها بالخمر أو بماء الحبق أو ماء الرمانين بالشحم والقشر فتائل ويستعمل.

أو يستعمل نفوخات فإن لم ينجح اتخذت فتيلة من مثل هذه المياه مذروراً عليها شيء كثير من القلقديس والقلقطار والقلي والزنجار والزاج والشبّ على السوية.

والأصوب أن يستعمل بعد الشرط فإن لم ينجح فالقلقنديون وقد قيل أن بزر اللوف يشفي بواسير الأنف وإذا عصر العنقود الذي على طرف لوف الحيّة فشرب منه صوفة وأدخل في المنخرين أذهب اللحم الزائد والسرطان.

وأما الأربيان فالأصوب أن يعالج بعلاج اليد وذلك بعد نفض الامتلاء عن البدن والرأس فإن كان خفيفاً استعملت الأدوية القوية من أدوية القروح مثل نفوخ متخذ من شبّ ومر جزء جزء وقلقطار وعفص نصف جزء نصف جزء وينفخ فيه أو يتّخذ فتيلة.

والدواء الذي اختاره جالينوس فهو أن يؤخذ من ماء الرمانين المعصورين بقشورهما وشحمهما ويطبخان طبخاً يسيراً ثم يرفعان في إناء من إسرب ثم يؤخذ الثفل ويدق حتى يصير كالعجين ويسقى من العصارتين قدر ما يليق به ثم يتخذ منه شيافات مطاولة ويدخلها أنف العليل ويتركها فيه ثم تريحه في بعض الأوقات وتخرجها عن أنفه وتطلي الأنف حينئذ والحنك بالعصارتين تواظب على هذا التدبير.

وهذا للقروح والبواسير نافع.

ومن منافعه أنه غير مؤلم ألماً يعتد به وربما جمع ذلك من ثلاث رمانات عفصة وحامضة وحلو فإن كان الباسور صلباً زاد في الحامض وإن كان كثير الرطوبة زاد في العفص وقوم من بعد.

قال جالينوس: ربما زادوا فيه قليل قلقطار ونوشادر وزنجار.

ومما يقلعه دواء المقر.

والأدوية الحادة الأكالة كلها تنفخ فيه فإذا ورم أجمّ حتى يسكن ثم يستعمل الشمع والدهن والعسل ثم يعاود النفخ ثم يعاود الإجمام لا يزال يعمل به ذلك حتى يسقط.

وقد جرب الخرنوب النبطي الرطب فإنه إذا حشي صوفاً وأدخل الأنف أكل الأبيان كله للثآليل وأيضاً جوز السرو نافع.

ومما جرب أن يسحق الزاج الأخضر كالكحل وينفخ في الأنف غدوة وعشية فإنه يبرأ وإذا قطع الاربيان فمن الأدوية الحابسة لدمه الطين المبلول بالماء المبرد حتى يصير طيناً غليظاً ويبرد جداً ويطلى به الأنف.

فصل في العطاس

العطاس حركة حامية من الدماغ لدفع خلط أو مؤذ آخر باستعانة من الهواء المستنشق دفعاً من طريق الأنف والفم.

والعطاس للدماغ كالسعال للرئة وما يليها وقد ظن قوم أن الدماغ لا يفرغ إلى العطاس إلا إذا استحال الخلط المؤذي هواء فيخرجه بالهواء المستنشق وليس ذلك بواجب بل إنما يخرج إلى الهواء في ذلك ليكون البدن مملوءاً هواء متصلاً بهواء جذبه إلى ناحية الخلط فإذا تزعزع الهواء كله تحركه عضلات الصدر والحجاب حركة عنيفة وانتفض من داخل إلى خارج حافراً لما هو أبعد من الصدر من أجزائه حذر إلى الخروج كان معونة على النفض والعطاس ضار جداً في أول النزلة والزكام لحاجة الخلط المطلوب فيه النضج إلى السكون وربما كثر في الحمّيات وما يشبهها كثرة تسقط القوة وتملأ الرأس وربما هيّج رعافاً شديداً فيجب أن يتعجل في حبسه لكنه يحل الفواق المادي بزعزعته.

ومن العطاس ما يعرض في ابتداء نوائب الحميات.

وقد زعمت الهند ولم يعد صواباً أن العاطس أوفق أوضاع رأسه أن يكون أمامه حذر وصدر غير ملتفت ولا متنكس فلا يلحقه غائلة.

والعطاس أنفع الأشياء لتجفيف الرأس إذا كانت المادة أما قليلة مقدوراً على نفضها وإن لم تنضج أو كانت ريحية.

فإن كانت كثيرة أو بخارية فإن العطاس أنفع شيء للامتلاء البخاري في الرأس أو كانت غليظة لكن نضيجة.

فإن كانت أكثر من ذلك فيدل على قوّة من الدماغ ولذلك من قرب موته لا يستطيع أن يعطس ومن عطس منهم بالمعطّسات فلم يعطس فلا يرجى برؤه البتّة وهو مما يعين على نفض الفضول المحتبسة ويسهّل الولادة وخروج المشيمة ويسكّن ثقل الرأس لكنه ضار لمن في رأسه مادة تحتاج أن تسكّن لتنضج وأن لا يسخّن ما يليها ولا يتحرّك خوفاً من أن ينجذب إليها غيرها وهو ضارّ أيضاً لمن في صدره مادة كثير أو فجّة.

فصل في الأدوية المانعة للعطاس

مما يمنعه التسعّط بدهن الورد الطيب ودهن الخلاف شديد التسكين له.

وقد يمنعه أن يحسى حسواً حاراً وتحميم الرأس بماء حار وصبّ دهن حار في الأذنين والإستلقاء على مرفقة حارة توضع تحت القفا.

واشتمام التفاح والسويق وكذلك اشتمام الاسفنج البحري مما يقطعه والفكر والاشتغال عنه ربما قطعه.

وأما الصبيان فينتفعون بسيلان الكلية الصحيحة تجعل على النار وتشوى وتؤخذ قبل أن تنضج ويؤخذ سيلانها ويستنشق أو يسعط به.

ومما ينفعه شدّة الصبر عليه فإنه يحبسه وهو علاج كافٍ للضعيف منه ومما يمنعه ذلك العين والأذن والأطراف والحنك وقوّة الفغر والتحشّي وتحديد النظر إلى فوق والتململ والتقلّب وتمريخ العضل بالأدهان المرطّبة وخصوصاً عضل اللحيين والإستغراق في النوم واتّقاء الانتباه المباغت والتحرّز عن الغبار والدخان.

في الأدوية المعطسات: هي الخربق الأبيض والجندبيدستر والكندس والفلفل والخردل يجمع أو يؤخذ أفراداً ويلصق بريشة في الأنف أو يؤخذ عاقرقرحا والسنبل والسكّ المدخن أي المتخذ دخنه والسذاب البري والصبر ويلطخ كذلك.

وأما المعطسات الخفيفة فالأفيون إذا شمّ وقضبان الباذروج والزراوند والورد بزغبه وهو مما يعطّس المحرورين.

فصل في الشيء الذي يقع في الأنف

يعطس صاحبه ببعض الأدوية ويؤخذ على فمه ومنخره الصحيح فإذا عطس خرج منه الشيء وكأنّ هذا مما سلف ذكره.

فصل في جفاف الأنف: قد يكون لحرارة وقد يكون ليبوسة شديدة وقد يكون لخلط لزج جفّ فيه.

وعلاج كل واحد منه ظاهر.وأنفع شيء فيه الأدهان والعصارات الباردة الرطبة وإخراج الخلط إن كان بعد تليينه بدهن أو عصارة حتى لا يخرج ما لا يتعاطى إخراجه.

فصل في حكّة الأنف

قد تكون لبخار حادّ أو نزلة حادة كانت أو تكون أو لنزلة قوية السيلان وإن كانت باردة.

وقد يكون لبثور وقد يكون لحركة الرعاف وهي من دلائل البحران ومن دلائل الجدري والحصبة على ما نذكره في موضعه.

وعلاج كل واحد من ذلك بما عرف من الأصول سهل.

الفن السادس أحوال الفم واللسان

وهو مقالة واحدة

فصل في تشنج اللسان

الفم عضو ضروري في إيصال الغذاء إلى الجوف الأسفل ومشارك في إيصال الهواء إلى الجوف الأعلى ونافع في قذف الفضول المجتمعة في فم المعدة إذا تعقر أو عسر دفعها إلى أسفل وهو الوعاء الكلي لأعضاء الكلام في الإنسان والتصويت في سائر الحيوانات المصوتة من النفخ.

واللسان عضو منه هو من آلات تقليب الممضوغ وتقطيع الصوت وإخرج الحروف وإليه تمييز الذوق.

وجلدة سطحه الأسفل متصلة بجلدة المريء وباطن المعدة.

وجلدة النطع مقسومة منصّفة بحذاء الدرز السهمي وبينهما مشاركة في أربطة واتصال.

وقد عرفت عضلة المحرّكة والمحبسة.

وأفضل الألسنة في الإقتدار على جودة الكلام المعتدل في طوله وعرضه المستدق عند أسَلَته.وإذا كان اللسان عظيماً عريضاً جداً أو صغيراً كالمتشنج لم يكن صاحبه قديراً على الكلام.

وجوهر اللسان لحم رخو أبيض قد اكتنفته عروق صغار مداخلة دموية أحمرّ لونه بها ومنها أوردة ومنها شريانات وفيه أعصاب كثيرة متشعبة من أعصاب أربعة ناتئة قد ذكرناها في تشريح الأعصاب وفيه من العروق والأعصاب فوق ما يتوقّع في مثله ومن تحته فوهتان يدخلهما الميل هما منبع اللعاب يفضيان إلى اللحم الغددي الذي في أصله المسمى مولد اللعاب.

وهذان المنبعان يسقيان ساكبي اللعاب يحفظان نداوة اللسان.

والغشاء الجاري عليه متصل بغشاء جملة الفم وإلى المريء والمعدة وتحت اللسان عرقان كبيران أخضران يتوزع منهما العروق الكثيرة يسقيان الصُرَدين.

فصل في أمراض اللسان

قد يحدث في اللسان أمراض تحدث آفة في حركته إما بأن تبطل أو تضعف أو تتغير.

وقد يحدث له أمراض تحدث آفة في حسّه اللامس والذائق بأن يبطل أو يضعف أو يتغيّر.

وربما بطل أحد حسيه دون الآخر كالنوق دون اللمس لاقتدار المرض على إحلال الآفة بأضعف القوّتين وقد يكون المرض سوء مزاج وقد يكون آلياً من عظم أو صغر أو فساد شكل أو فساد موضع فلا ينبسط أو لا ينقبض أو من انحلال فرد وقد يكون مرضاً مركّباً كأحد الأورام.

وربما كانت الآفة خاصة به وربما كانت لمشاركة الدماغ وحينئذ لا يخلو عن مشاركة الوجنتين والشفتين في أكثر الأمر وربما شاركه سائر الحواس إذا لم تكن الآفة في نفس شعبة العصب الذي يخصّه وقد يألم أيضاً بمشاركة المعدة وأحياناً بمشاركة الرئة والصدر وقد يستدل على أمزجة المزاج من جهة اللون الأبيض والأصفر والأحمر والأسود ومن جهة لمسه ومن جهة الطعم الغالب عليه من إحساس شبه حموضة أو حلاوة أو تفه أو مرارة أو بشاعة تتولد عن عفونة أو عفوصة وقبض.

على أن الاستدلال من لونه وما يجده من أطعم قد يتعداه إلى أعضاء أخرى فإن حمرته وخصوصاً مع الخشونة قد تدل على أورام دموية في نواحي الرأس والمعدة والكبد.

وبياضه قد يدل على برد فم المعدة والكبد وبلغمية الرأس.

وربما دلّ على اليرقان وإن كان لون البدن بالخلاف وطعمه يدل الغالب من الأخلاط على البدن كله أو على المعدة والرأس.

وقد يستدلّ عليه من جهة رطوبته ويبوسته.

واليبوسة تحسّ على وجهين: أحدهما مع صفاء سطح اللسان وهذا هو اليبوسة الحقيقية والثاني مع سيلان خلط غروي لزج عليه قد جففه الحرّ وهذا لا يدلّ على يبوسة في جوهره بل على رطوبة لزجة تجتمع عليه إمّا من نزلة وإما من أبخرة غليظة ثخينة وهذا مما يغلط فيه الأطباء إذا تعرّفوا من المريض حال جفاف الفم فلم يميزوا بين الضرب الذي قبله وبينه.

والخشونة تتبع الجفاف والملاسة تتبع الرطوبة.

وقد يستدل على اللسان من حاد حركته عند الكلام ومن حال ضموره وخفّته ومن حال غلظه حتى ينعضّ كل وقت وتثقل حركته عند الكلام فيدل على امتلاء من دم أو رطوبة وقد يستدل عليه من الأورام والبثور التي تعرض فيه وأنت يمكنك أن تبسط وجوه الاستدلالات من هذا المأخذ بعد إحاطتك بأصول كلية سلفت وجزئية تليها.

واللسان قد يألم بانفراده وقد يألم بمشاركة الدماغ أو المعدة.

ولما كانت عصبة اللسان متّصلة بعدة أعصاب لم يخل إما أن تكون تلك الأعصاب مواتية لها في الحركة لا تعاوقها وتواتيها فيكون حال أصحاء الكلام وإما أن تعاوقها ولا تواتيها بسهولة فيكون التمتمة ونحو ذلك وربما وقعت التمتمة من الحبسة بسبب أن العصبة تستقي القوّة من عصب آخر فينحبس إلى أن يتجه.

في معالجات اللسان: قد تكون معالجته بمشاركة مع رأس أو معدة بما يصلحها مما علمت كلاً في بابه وقد تكون معالجته معالجة خاصة بالمشروبات المستفرغة بالإسهال وهي أنفع من المقيّئة والمبدلة للمزاج أو القابضة أو المحلّلة المقطّعة الملطفة التي إذا أشربت تأدّت قوتها إليه وأولى ما يشرب أمثالها أن يشرب بعد الطعام.

وقد يعالج بالمضمضات وبالدلوكات وبالغراغر وبالأدهان تمسك في الفم وبالحبوب الممسكية في الفم المتخذة من العقاقير التي لها القوى المذكورة بحسب الحاجة.

والأجود أن تتخذ مفرطحة ويجب أن يحترس في استعمال أدوية الفم واللسان إذا كانت من جنس ما يضرّ الحلق والرئة كيلا يتحلّب شيء من سيلاناتها إليها.

فصل في فساد الذوق

الآفة تدخل في الذوق على الوجوه الثلاثة المعلومة وكل ذلك قد يكون بمشاركة وقد يكون لمرض خاص من سوء مزاج أو مرض آلي أو مشترك فيستدلّ عليه بما أشرنا إليه.

العلاج: علاجه إن كان بمشاركة فأن تتعرف حال الدماغ فتصلحه بما عرفناكه في باب علل الدماغ أو حال المعدة وإن كان من غير مشاركة اشتغل باللسان نفسه.

وإذا كان السبب امتلاء وخلطاً رديئاً فيجب أن يستفرغ فإن كان حاداً استفرغ بمثل أيارج فيقرا وحب القوقايا أو حبوب متخذة من السقمونيا وشحم الحنظل النفطي.

وإن كان خلطاً غليظاً فيجب أن يستفرغ بالايارجات ويستعمل الغراغر المذكورة في باب استرخاء اللسان ويطعم صاحبه الأغذية الحريفة كالبصل والخردل والثوم والخلّ.

فصل في استرخاء اللسان

وثقله والخلل الداخل في الكلام

استرخاء اللسان من جملة أصناف الاسترخاء المذكورة فيما سلف والسبب المعلوم.

وقد يكون من رطوبة دموية مائية وقد يكون لسبب في الدماغ وقد يكون لسبب في العصبة المحرّكة له أو الشعبة الجائية منها إليه.

وأنت تعلم ما يكون بشركة من الدماغ وما يكون عن غير شركة بما تجد عليه الحال في سائر الأعضاء المستقية من الدماغ حساً وحركة وقد يدل على أن المادة دموية حمرة اللسان وحرارته وقد يدلّ على أن المادة رقيقة مائية كثرة سيلان اللعاب الرقيق وقلّة الانتفاع بالمحلّلات والانتفاع بما فيه قبض.

وقد يبلغ الاسترخاء باللسان إلى أن يعدم الكلام أو يتعسر أو يتغيّر ومنه الفأفاء والتمتام.

ومن الصبيان من تطول به مدة العجز عن الكلام ومن المتعتع في كلامه من إذا عرض له مرض حار انطلق لسانه لذوبان الرطوبة المتعتعتة للسان المحتبسة في أصول عصبه ولمثل هذا ما يكون الصبي ألثغ فإذا شبّ واعتدلت رطوبته عاد فصيحاً.

المعالجات: يجب أن ينقى البدن بالأيارج الصغير ثم بالأريارجات الكبار ثم يقصد ناحية الرأس بالأدوية الخاصة به وإن ظنّ أن مع الرطوبة غلبة دم فصد عروق اللسان وحجم الذقن ثم عولج بالغراغر والدلوكات اللسانية وبإدامة تحريكه بعد الاستفراغ والبابان الأولان فقد وقفت عليهما في تدبير أمراض الرأس.

وأما الأدوية الخاصة بالموضع فالذي في أكثر الأمر هو بالدلك بالمحلّلات المقطّعات والتغرغر بمياهها والتمضمض بها وهي مثل السعتر والحاشا والخردل والعاقر قرحا وقشور أصل الكبر بل مثل الخردل والكندس كل ذلك بمثل المري وبمثل خلّ العنصل.

وقد ينتفع بدلك اللسان بالنوشادر مع الرخبين أو المصل حتى يسيل منه لعاب كثير.

والسكنجبين العنصلي إذا استعمل غرغرة ومضمضة نفع جداً.

والوج جيد جداً لاسترخاء اللسان وثقله وإذا اشتد الاسترخاء وامتنع الكلام فيؤخذ شيء من الأوفربيون وكندس ويدام ذلك اللسان وأصله به.

ويجب أن توضع هذه الأدوية وأمثالها على الرقبة أيضاً وقد يتخذ من هذه الأدوية وأمثالها حبوب تعجن بما يمنعها من سرعة الانحلال مثل اللاذن والعنبر والراتينج والصموغ اللزجة.

نسخة حبّ يمسك تحت اللسان: ينفع من استرخائه ودلعه علك الأنباط درهمان حلتيت درهم يتخذ منه حبّ كالحمص ويمسك تحت اللسان.

ومما جرب في هذا الباب غرغرة من النوشادر والفلفل والعاقر قرحا والخردل والبورق والزنجبيل والميويزج والصعتر والشونيز والمرزنجوش اليابس والملح النفطي يدقّ وينخل ويتغرغر بها في ماء أياماً تباعاً.

ومن الجوارشنات التي تذكرها الهند لهذا الشأن.

صفة الجوارشن: يؤخذ كمّون أسود كمون كرماني قرفة ملح هندي من كل واحد نصف مثقال دار فلفل مائة عدداً فلفل مائتان عدداً سكّر ثمانية أساتير والأستار ستة دراهم ونصف يستفّ منه كل وقت فإذا لم تنجع المحللات وحدست أن الرطوبة رقيقة سيّالة استعنت بالمحللات القابضة مثل الدارشيشعان مخلوطاً بالورد ومثل فقاح الأذخر بالطباشير وكثيراً ما ينفعه تدليك اللسان بالحوامض القابضة فإنها تشدّ مع تحليل الريق وإسالته بسبب الحموضة مثل المصل والحصرم والفواكه التي لم تنضج.

وإذا أبطأ الصبي بالكلام وجب أن يدام تحريك لسانه ودلكه وتسييل اللعابات منه وينفع في ذلك خصوصاً إذا استعمل في دلكه العسل والملح الدارّاني ويمنع ما قيل في علاج رطوبة اللسان ومما يحرّك لسانهم ويطلقه إجبارهم على الكلام.

قد يكون تشنّج اللسان من رطوبة لزجة تمدد عضله عرضاً وقد تكون من سوداء مقبضة وقد تكون في الأمراض الحادة إذا أحدثت تشنجاً في عضلة اللسان على طريق التجفيف والتشويه.

والتشنج قد يظهر أيضاً ضرراً في الكلام.

المعالجات: ليس يبعد علاج تشنّج اللسان في القانون من علاج التشنج الكلي المذكور في الفن الأول من هذا الكتاب.

وأما على طريق الأخص فإن علاجه على ما حد من جملة ذلك: التكميدات لأصل العنق بمثل البابونج وإكليل الملك والرطبة والمرزنجوش.

والشبث أفراداً ومجموعة وكذلك الغرغرة بأدهانها واحتساؤها ملء الفم وهي فاترة ثم إمساكها فيه مدة واستعمال أخبصة متخذة من أدهان حارة وحلاوات محللة وبزور كالحلبة وما يشبهها.

وإذا كان في الحميات فلتكن الأدهان اسمتعملة مثل دهن البنفسج ودهن القرع والخلاف مفتّراً ويجب أن ينطل المواضع المذكورة بالماء الفاتر والعصارات الرطبة مفترة.

فصل في عظم اللسان

قد يكون عظم اللسان من دم غالب وقد يكون من رطوبة كثيرة بلغمية مرخية مهيجة وقد يعظم كثيراً حتى يخرج من الفم ولا يسعه الفم وهذا العظم قد أفردنا ذكره من باب الورم لمن هو مختص به من اللرق.

المعالجات: أما الدموي والكائن من مادة حارة فيعالج بأن يدام دلكه بالمقطعات الحامضة والقابضة مثل الريباس وحماض الأترج والكائن عن الرطوبات فبأن يدام دلكه بالنوشادر والملح مع مصل وخل بعد الإستفراغات أو يؤخذ زنجبيل وفلفل ودار فلفل وملح أندراني يدق جيداً ويدلك منه اللسان فيعود إلى حجمه ويدخل الخارج منه واسترخاء اللسان إذا عرض للصبيان كفى المهم فيه الحمية والتغذية بالعصافير والنواهض.

وقد احتجم إنسان فضرب المبضع ليف عصيب في جوار الغشاء المتصل باللسان فأرخى اللسان.

فصل في قصر اللسان

قد يعرض لاتصال الرباط الذي تحته برأس اللسان وطرفه فلا يدع اللسان ينبسط وقد يعرض على سبيل التشنج.

المعالجات: أما الكائن بسبب التشنج فقد قيل فيه.

وأما الكائن بسبب قصر الرباط فعلاجه قطع ذلك الرباط من جانب طرفه قليلاً وتدارك الموضع بالزاج المسحوق ليقطع الدم ومبلغ ما يحتاج إليه من قطعه في إطلاق اللسان أن ينعطف إلى أعلى الحنك وأن يخرج من الفم وإن لم يجسر على قطعه بالحديد تقية وخوفاً من انفجار دم كثير جاز أن يدخل تحت الرباط إبرة بخيط خارم فيخرم من غير قطع ويجعل على العضو ما يمنع الالتصاق وهي الأدوية الكاوية الحادة وإن رفق في قطعه مع تعهد العروق التي تحت اللسان كي لا يصيبها قطع لم يصبها سيلان دم مفرط.

فصل في أورام اللسان

قد يعرض للسان أورام حارة وأورام بلغمية وأورام ريحية وأورام صلبة وسرطان.

وعلامات جميع ذلك ظاهرة إذا رجعت إلى ما قيل في علامات الأورام.

وقد يرم اللسان لشرب السموم مثل الفطر والأفيون.

المعالجات: أما الأورام الحارة فتعالج أولاً بالفصد والإسهال وذلكخير في أورام اللسان من القيء وربما لم يستغن عن فصد العرق الذي تحت اللسان ثم يمسك في الفم عند ابتدائها عصارة الهندبا وعصارة الخس خاصة عصارة عنب الثعلب واللبن الحامض وخاصة ماء الورد وماء ورد طبخ فيه الورد وعصارة عصا الراعي وقشور الرمان ويدلك بالجوخ الرطب فإنه شديد النفع من ذلك.

فإذا لم يتحلل ولم ينفتح احتيج في آخره إلى المنضجات المحللة يتغرغر بها مثل العسل باللبن ومثل طبيخ أصل السوس ومثل طبيخ التين والحلبة وطبيخ الزبيب والرزيانج وشرب أيارج فيقرا ليسهّل المادة الغليظة عن فم المعدة ويجعل الأغذية من جنس ما ينضج ويحلل مثل الكرنبي والقطفي بدهن الخلّ.

فإن تقيح استعمل القوابض في الفم مثل طبيخ السماق والآس والعدس وورق الزيتون والشواب العفص.

ومما ينفع من ذلك مرهم يتخذ من عصارة عنب الثعلب ودهن الورد والعدس المقشر والورد.

وإن كان الورم رخواً بلغمياً فقد ينفع منه س من الورم الحار فيه البالغ منتهاه أن يحرق أصل الرازيانج ويلصق عليه.

وقد يسعطون في أمثالها وفي بعض الأورام الحارة التي فيها غلظ هذا الدواء.

وصفته: يؤخذ من الزعفران وأيارج فيقرا من كل واحد جزء ومن الكافور والمسك من كل واحد ثلث جزء ومن السكر الطبرزذ جزء ونصف يحلّ من الجملة وزن دانقين في لبن جارية ويسعط به.

قال جالينوس: ورم لسان إنسان ورماً عظيماً وكان ابن ستين سنة ولم يكن له عهد بالفصد فلم أفصده وسقيته القوقاي وأردت أن أغلف لسانه في الضمّادات الباردة وكان عشاء فخالف طبيب فرأى في الرؤيا ليلته تلك أن يمسك في فمه عصارة الخس فبرأ برأً تاماً وكان ذلك وفق مشورتي.

وأما إن كان الورم صلباً فينبغي أن تلطف التدبير وتجود الغذاء وتستفرغ الأخلاط الغليظة بالأيارجات الكبار المذكورة في أبواب سلفت ويستعمل الغراغر الملطفة ويمسك في الفم نقيع الحلبة وطبيخها بالتين وحبّ الغار مع الزبيب المنقى ويمسك في الفم لبن النساء أو الأتن أو الماعز وأيضاً طبيخ التمر والتين بالنبيذ الحلو أو برب العنب أو بغسل الخيارشنبر ويدام تليين الطبيعة بمثل الأيارج الصغير أو الخيار شنبر.

فصل في الخلل في الكلام

قد ذكرنا بعض ما يجب أن يقال فيه في باب استرخاء اللسان وأما الآن فنقول أن الخرس وغيره من آفات الكلام قد يكون من آفة في الدماغ وفي مخرج العصب الجائي إلى اللسان المحرك له وقد يكون في نفس الشعبة وقد يكون في العضل أنفسها.

وذلك الخلل إما تشنّج وإما تمدّد أو تصلّب أو استرخاء أو قصر رباط أو تعقّد عن جراحة اندملت أو ورم صلب.

وقد يكون ذلك كما تعلم من رطوبة في الأكثر وقد يكون من يبوسة وقد تكون الآفة في الكلام من جهة أورام وقروح تعرض في اللسان ونواحيه.

وقد يعرض السرسام لاندفاع العضل من الدماغ إلى الأعصاب وفي الحمّيات الحارة لشدّة تجفيفها ويكون اللسان مع ذلك ضامراً متشنّجاً وهو قليلاً ما يكون.

وهذه من الآفات العرضية الغير الأصلية وقد تكون الآفة في الكلام لسبب في عضل الحنجرة إذا كان فيها تمدّد أو استرخاء.

فبما كان الإنسان يتعذّر عليه التصويت في أول الأمر إلا أنه يعنف في تحريك عضل صدره وحنجرته تعنيفاً لا تحتمله تلك العضلة فتعصى فإذا يبس في أول كلمة ولفظة استرسل بعد ذلك.

ومثل هذا الإنسان يجب أن لا يستعدّ للكلام بنفس عظيم وتحريك للصدر عظيم بل يشرع فيه بالهويني فإنه إذا اعتاد ذلك سهل عليه الكلام واعتاد السهولة فيه.

وأما سائر الوجوه فقد ذكرت معالجاتها في أبوابها.

والكائن بعد السرسام فقد ينفع منه فصد العرقين

فصل في الضفدع

هو شبه غدّة صلبة تكون تحت اللسان شبيهة اللون المؤتلف من لون سطح اللسان والعروق التي فيه بالضفدع وسببه رطوبة غليظة لزجة.

المعالجات: يجرّب عليه الأدوية الأكّالة المقطّعة المحللة والتي فيها أفضل تجفيف مثل النوشادر والخلّ والملح والدلك بالزنجار والزاج.فإن لم ينجع استعملت الأدوية الحادة مثل دواء أبيرون ودواء اسفارون ودواء البيض الرطب المذكور في الأقراباذين واستعمال الفصد تحت اللسان وأدوية القَلاع القوي فإن لم ينجع لم يكن بدّ من عمل اليد.

ومن الأدوية الممدوحة فيه أن يؤخذ الصعتر الفارسي وقشور الرمان والملح ويدلك به لسان الصبي المضفدع فإنه يبرئه.

ومما جرّب فيه الزاج المحرق والسورنجان يجمعان بياض البيض ويوضع تحت اللسان.

فصل في حرقة اللسان

قد يكون ذلك بسبب حرارة في فم المعدة أو الدماغ لا يبلغ أن يكون حمّى أو بسبب تناول أشياء حريفة ومالحة ومرّة وحلوة والعطش الشديد.

ويكون لأسباب أعظم من ذلك مثل الحميات الحارة والأورام الباطنة.

وعلاج ذلك في الجملة أنه يجب أن يمنع من يشكو ذلك وخصوصاً من المرضى أن ينام على القفا ومن أن يديم فغر الفم ويلزم استعمال الحبوب المتخذة من حبّ البطيخ والقثاء والخيار القرع والترنجبين والنشا وما أشبه ذلك ويمسك في الفم نوى الإجاص والتمرة الهندية وسكّر الحجاز والألعبة المعلومة والعصارات المبردة المرطّبة ويمسح عليه إن كان هناك خلط لزج ودهن ثم يتعهّد بأن يدهن ويمضمض بالأدهان والموم ودوغنات والألعبة والعصارات وشحوم الطير.

ومن الناس من يعالج ذلك بدلكه بالنعناع.

فصل في علاج الشقوق في اللسان

لعاب بزرقطونا يمسكه في الفم ويتجرعه وتناول الأكارع والبيض النيمبرشت.

ومما جرب فيه الزبد الحادث من تدلك قطع القثاء والسبستان.

فصل في دلع اللسان

قد يكون لأورامه العظيمة وقد يكون عند الخوانيق فتدلع الطبيعة أو الإرادة اللسان ليتسع مجرى التنفّس.

فصل في البثور في الفم: أكثر ما يتبثر الفم يكون لحرارة في نواحي المعدة والرأس وبخارات وقد يكون في الحمّيات.

وقد قيل إذا ظهر في الحمّيات الحادة بثور سود في اللسان مات العليل في اليوم الثاني.

وأما المفردات النافعة في البثور في أول الأمر إذا احتيج إلى تبريد وتجفيف فهو مثل الأملج والعفص وبزر الورد والنشا وثمر الطرفاء وشياف ماميثا والجلنار والكثيراء والصندلين والورد والطباشير والسقاق والعدس والطين الأرمني وأقماع الرمان وجفت البلوط وقليميا وفوفل والعصارات الباردة مثل عصارة الخس وعنب الثعلب وعصا الراعي والبقلة الحمقاء وأطراف الكرم.

وكثير من الصبيان من يعالج بثور أفواههم بالشكّر الطبرزذ والكافور.

وأما الحارة المحتاج إليها في آخر الأمر فمثل الماميران والدارشيشعان خاصة وقشور جوزبوا والسعد والزعفران وجوز السرو ولسان الثور وعاقرقرحا وقرنفل وفوتنج والسك من الأدوية القذرة خرء الكلب وربما احتيج في المتقرّح منها إلى الزرنيخ.

وقد جرب للغليظ منها طبيخ الدارشيشعان أوقية عروق نصف أوقية ماميران ربع أوقية صبر وزن درهمين زعفران مثقال وكذلك ما طبخ فيه القرنفل وجوزبوا والدارشيشعان أجزاء سواء أو متقاربة.

وإذا أخذت البثور تتقيّح فيجب أن يقرب منها اللعابات المتخذة من مثل بزر الكتان وبزر المرو والشاهسفرم وبزر الخطمي وهذه البزور أنفسها ودقيق الشعير ولبن الأتن وحده أو مع شيء من هذه.

وربما احتيج إلى طبيخ بزر كتان بالتين والسمن ودقيق الحنطة والنعناع والحلبة.

قال بعض محصلي الأطباء أنه لا شيء أبلغ في علاج بثور الفم من إمساك دهن الأذخر فاتراً في الفم.

فصل في القلاع والقروح الخبيثة

القلاع قرحة تتكوّن في جلدة الفم واللسان مع انتشار واتساع وقد يعرض للصبيان كثيراً بل أكثر ما يعرض لهم إنما يعرض لرداءة اللبن أو سوء انهضامه في المعدة وقد يعرض من كل خلط ويتعرف بلونه والأبيض منه بلغمي وتولده من بلغم مالح في الأكثر والأصفر صفراوي ويكون أشد تلقباً من غيره والأسود سوداوي والأحمر الناصع دموي.

وأخبث الجميع هو السوداوي.

وقد يكون من أصناف القلاع ما هو شديد التآكل ويكون منه ما هو أمكن وقد يكون مع ورم وقد يكون مفرداً وكل قرحة تحدث في سطح الفم فإنها تسرع إلى الإنبساط لما لا ينفك عنه من حرارة لازمة وجلدته رطبة لينة.

ومن عادة جالينوس أن يسمّيها قلاعاً ما دامت في السطح فإذا تعفّنت وغاصت لم يسمّها قلاعاً بل قروحاً خبيثة وهي التي تحتاج إلى أدوية كاوية وقد يكثر القلاع إذا كثرت الأمطار ويكثر في الحمّيات الوبائية.

العلاج: يجب أن يقصد أولاً الخلط الغالب الفاعل للقُلاع فيستفرغ من البدن كله إن كان غالباً ثم من العرق الذي تحت الذقن ومن الجهارك خاصة فإن فصده نافع في جميع أمراض الفم الحارة المادية.

ثم يستعمل الأدوية البثرية المذكورة على أن يعالج القوي الكثير الرطوبة والصديد والمدّة بالقوي والمعتدل بالمعتدل والضعيف بالضعيف.

إذا كاد القرح يبلغ العظم فيحتاج إلى القوية جداً مثل الفلفلموية بأقاقيا كثير ويجب أن يجتنب الأدهان كلها حتى الزيت.

وأما الأدوية: فتلتقط من أدوية البثور الباردة والحارة التي ذكرناها في الباب الأول وما كان من أحمر دموياً فأوفق أدويته في الأول ما فيه قبض يسير وتبريد ثم من بعد ذلك ما يحلل وما كان منه إلى الشقرة والصفرة فيجب أن يزاد في تبريد الدواء.

وأما غير ذلك فيحتاج أولاً إلى ما يجفف ويجلو وبكيفية معتدلة في أول الأمر ثم إلى ما يجفف ويحلل بقوة ويراعى السن في جميع ذلك.

وأما الصبيان فيجب أن تكون أدويتهم أضعف وأن يصلح لبنهم.

وأما الكبار.

فيجب أن تكون أدويتهم أقوى.

والصبيان ربما نفعتهم الأغذية وحدها فإن لم يكونوا يأكلون وجب أن تطعمها المرضع.

وأما الأدوية الصالحة للحار من القلاع فمثل مضغ ورق العليق ومثل العدس بالخلّ.

وجميع المخاخ إذا خلطت بالسفرجل كانت نافعة وخصوصاً مخ الأيل والعجل والتفاح القابض والكمثري القابض والزعرور والسفرجل والعنّاب وأطراف الكرم والخبازي البستاني جافاً ودقيق العدس ودقيق الأرز.

وأقوى من ذلك الذرور والمتخذ من العفص والطباشير والورد والأقاقيا ونحو ذلك.

وللماميران مع القوابض قوة عجيبة في القُلاع والكافور شديد المنفعة في القُلاع.

وأما الباردات فاستعن عليها بالجوالي المجفّفة وخصوصاً على البلغمي منها وبالمحلّلات القوية التحايل والتجفيف خصوصاً السوداوي مثل دقيق الكرسنّة.

والعسل مع عفص ومرارة الرقّ شديد المنفعة في ذلك وخصوصاً للصبيان إذا خلط بالخلّ وللخبيث زاج بخلّ وإذا كانا أكّالين رديئين فلا بد من استعمال الزنجار مع القلقطار والعفص في الميبختج أو عفص وشبّ وجلّنار سواء واستعمال أقراص موشاس أو كحل طرخماطيقون بعصارة قابضة مثل عصارة الحصرم.

ومن الأدوية المشتركة الشبّ والعفص المسحوقان كالذرور والغابر يدلك به الفم دلكاً ناعماً.

والعفص نافع من كل قُلاع خبيث.

وخصوصاً إذا طبخ بخلّ وملح ويمضمض به في قلاع الصبيان.

ولرماد المازريون خاصية في القُلاع الرديء وهو من الأدوية المشتركة لأصناف القلاع وكذلك البستان أفروز بالماء النحاسي والمردي المحرق.

وأما القلاع السوداوي الأسود فينفع منه أن يطلى بعسل عجن به زبيب منزوع العجم وأنيسون فإن كان هناك ورم أيضاً فاستعمل هذا المرهم وصفته: يؤخذ ماء الباذروج سكرجة دهن الورد نصف سكرجة عدس نصف سكرجة زعفران وزن مثقالين يتخذ منه مرهم.

فصل في كثرة البصاق واللعاب وسيلانه في النوم

قد يعرض هذا من كثرة الحرارة والرطوبة وخصوصاً في المعدة وقد يكون لاستيلاء الحرارة وحدها كما يعرض للصائم ولمقل الغذاء أو فاقده من البصاق الدائم حتى يطعم فيهدأ ذلك منه وقد يعرض من بلغم أو من برد.

المعالجات: إن كان من حرارة فيجب أن يفصد الباسليق أوَّلاً ويستعمل الربوب الحامضة والفواكه الباردة القابضة والنبيذ الغير العتيق بمزاج كثير ويجعل الغذاء من السمك واللحمان الخفيفة مثل لحم الجداء والطير ويدام التمضمض بالسلاقات القابضة المتخذة من العدس والسماق ومثله.

وإن كان من برد وبلغم استعمل القيء بما تعلمه في كل أسبوع مرتين أو ثلاثة ويسقى في كل أسبوع مرة من هذا الدواء نحن واصفوه.ونسخته: أيارج فيقرا درهمان ملح هندي دانقان أنيسون نانخوا من كل واحد دانق يسقى بالسكنجبين العسلي أو البزوري ويستعمل بعد ذلك الترياق والجوارشنات الحارة وأما غذاؤه فالفراخ المطجّنة بالأفاوية والثوم والخردل والتناول في العشيّات الكعك بالمري النبطي ثم يتجرع الماء الحار ويستاك قبيل النوم.

ومن المعالجات المشتركة الجيدة أن يتناول كل يوم درهم ملح جريش بالهندبا الطري ثم يستعمل الأطريف الصغير ويديم استعمال السواك الطويل وقد جربت الفارة المشوية فوجدت نافعة وخصوصاً للصبيان.

فصل في قطع الروائح الكريهة من المأكولات

ينفع من ذلك مضغ السذاب ومضغ ورق العليق والمضمضة بعدهما بخلّ العنصل واستعمال السعد والزرنباد في الفم.

فصل في نزف الدم

إن كان خروجه من جوهر الفم وجلدته فعلاجه بالقوابض المذكورة في باب البثور وغيرها ولطبيخ قضبان الكرم وعساليجه منفعة عظيمة وإن كان من موضع آخر فنحن قد أفردنا له باباً بل أبواباً.

فصل في البخر

إما أن يكون مبدؤه اللثة لعفونة منها أو لاسترخاء يعرض لها أو عفونة في أصل الأسنان آذت نفس السن وإما أن يكون مبدأه جلدة الفم لمزاج رديء فيها بغير الرطوبات.

وأكثر هذا المزاج حار وإما أن يكون مبدؤه فم المعدة لخلط عفن في فمّ المعدة إما صفراوي أو بلغمي وقد تكون من نواحي الرئة كما يعرض لأصحاب السل.المعالجات: أما ما كان مَن اللثة والعمور فيجب أن يعتنى بتنقية الأسنان دائماً وغسلها بالخلّ والماء فإن نجع ذلك فبها ونعمت وإن لم ينجع بل كان هناك فضل عفونة فيجب أن يمضغ بعد ذلك تمرة الطرفاء والعاقرقرحا والسذاب والسادج والعود والمصطكي وقشر الأترج والقرنفل وأن يجعل على اللثة الصبر والمرّ ونحوهما وأن يتمضمض بخل العنصل وأن يتدلك بالأنيسون والطلي أو النبيذ الحلو وإن كان أقوى من ذلك مضغ الميويزج وتفل الريق.

فإن لم ينجع وظهرت العفونة ظهوراً بيناً أخذ من الزاج المحرق جزءاً ومن أصل السوسن والزعفران من كل واحد نصف جزء ويعجن بعسل ويقرّص ويستعمل ويتمضمض بعده بالخل صرفاً أو ممزوجاً بماء الورد أو يؤخذ دواء أقوى من هذا وهو من القرطاس المحرق ثلاثة دراهم ومن الزرنيخ درهمان ونصف وسكّ وسماق وزنجبيل وفلفل محرق أقراص فلدفيون من كل واحد درهمان يتخذ منه دلوكاً ولصوقاً ويجعل عليه خرقة كتان.

والقلي وحده إذا استعمل على العفونة قلعها وأسقطها وأنبت لحماً جيداً.

ومما جرب: أقاقيا زرنيخ أحمر زرنيخ أصفر نورة شب يتخذ منه أقراص بخلّ ثم يسحق بماء العسل أو طبيخ الأبهل.

أما إن كانت العفونة في نفس السن فدواؤه حكها إن كانت في الطرف أو بردها بالمبرد أو قلع السن إن كانت العفونة تلي أصل السن.

وإن كان هناك استرخاء اللثة وكان السبب حدوث العفونة فعلاجها شدها بما نذكر في باب استرخاء اللثة.

وإن كان الخلط صفراوياً عفن في المعدة أو في جلدة الفم فلا شيء أنفع له من المشمش الرطب على الريق وكذلك البطيخ أو الخيار أو الخوخ.

وإذا لم يحضر المشمش أو الخوخ الرطب استعمل نقوع القديد منهما على الريق وخصوصاً قديد المشمش.

ومما ينفع من ذلك استعمال السويق بالسكر وماء الثلج واستعمال حبوب صبريه ذكرناها في الأقراباذين.

ويجعل غذاءه كل غسّال مبرد غير مستحيل إلى الصفراء وإن كان الخلط بلغمي استعمل القيء أولاً واستعمل الأيارجات المنقّية لفم المعدة المذكورة في باب المعدة واستعمل الأطريفل الصغير والزنجبيل المربى والصحناة خاصة ويجعل غذاءه المطجّنات ويقلّ شرب الماء الكثير ويهجر الفواكه والبقول الرطبة ويتخذ مساويكه من الأشجار المرّة المقطّعة مثل الأراك والزيتون.

ومما ينفعهم من الأدوية أن تأخذ كل بكرة من ورق الآس مع مثله زبيباً منزوع العجم كالجوزة ومثل ذلك من جوز السرو والابهل والزبيب وينفعهم حب الصنوبر وأيضاً حب الفوفل قرنفل خولنجان من كل واحد نصف درهم مسك كافور من كل واحد دانق عاقر قرحاً درهم صبر ثلاثة دراهم خردل درهم يتخذ حباً بالطلي.

والأدوية البسيطة المجرّبة فهي مثل الكندر والعود الهندي والقرفة وقشور الأترج والورد والكافور والصندل والقرنفل والكبابة والمصطكي والبسباسة وجوزبوا وأصل الأذخر والأرمال والأشنة وأظفار الطيب والقاقلة والفلنجمشق وورق الأترج والسنبل والنارمشك والزنجبيل وسائر ما تجده في الألواح المفردة ومما يعجن به الأدوية الميبة والميسوسن وعصارة الأترج.

فصل في بقاء الفم مفتوحاً

الفم يبقى مفتوحاً إما لشدّة الحاجة إلى التنفس العظيم أو للالتهاب الملهب أو للضيق والخناق أو لضعف عضل الفم فلا تعمل عملها في النوم وذلك في الأمراض الحادة رديء وأما ألوان اللسان فأولى المواضع بتفصيلها مواضع أخرى وعند ذكر الأمراض الحادة.

الفن السابع أحوال الأسنان

وهو مقالة واحدة

فصل في الكلام في الأسنان

قد علمتَ أنَّا تكلمنا في الأسنان وتشريحها ومنافعها فيجب أن يتأمّل ما قيل هناك وليعلم أن الأسنان من جملة العظام التي لها حسّ لما يأتيها من عصب دماغي لين فإذا أَلِمَتْ أحسّ بما يعرض فيها من ضربان واختلاج وربما أحست بحكّة ودغدغة.

وقد يعرض فيها أعراض من الاسترخاء والقلق والانقلاع والنتوّ ومن تغير اللون في جوهرها وفي الطليان المركب عليها ويعرض لها التألم والتأكل والتعفّن والتكسّر.

وقد يعرض لها الأوجاع الشديدة والحكة ويعرض لها الضرس وهو صنف من أوجاعها ويعرض لها العجز عن مضغ الحلو والحامض والتضرّر من الحار والبارد وقلة الصبر عن لقاء أحدهما أو كلاهما.

وقد يعرض لها تغير في مقاديرها بالطبع بأن تطول وتعظم أو تنسحق وتصغر.

وقد يعرض فيها أنواع من الورم - ولا عجب من ذلك - فإن كل ما يقبل التمدد بإنماء الغذاء يقبل التمدد بالعضل ولو لم تكن قابلة للمواد النافذة فيها المزيدة إياها ما كانت تخضر وتسودّ فإن ذلك لنفوذ الفضل فيها.

وقد خلقت الأسنان قابلة للنمو والزيادة دائماً ليقوم لها ذلك بدل ما ينسحق حتى إن السنّ المحاذية لموضع السنّ الساقطة أو المقلوعة تزداد طولاً إذا كانت الزيادة ترد عليها ولا يقابلها الانسحاق.

واعلم أن الأسنان قد يستدل على مزاجها من اللثة ولونها هل هي صفراء مرّية أو بيضاء بلغمية أو حمراء دموية وهل هي إلى كمودة وسواد سوداوي.

فصل في حفظ صحة الأسنان

من أحب أن تسلم أسنانه فيجب أن يراعي ثمانية أشياء: منها أن يتحرّز عن تواتر فساد الطعام والشراب في المعدة لأمر في جوهر الطعام وهو أن يكون قابلا للفساد سريعاً كاللبن والسمك المملوح والصحناة أو لسوء تدبير تناوله مما قد عرف في موضعه.

ومنها: أن لا يلح على القيء وخصوصاً إذا كان ما يتقيأ حامضاً.

ومنها: أن يجتنب مضغ كل علك وخصوصاً إذا كان حلواً كالناطف والتين العلك.

ومنها: اجتناب المضرسات.

ومنها: اجتناب كل شديد البرد وخصوصاً على الحار وكل شديد الحرّ وخصوصاً على البارد.

ومنها: أن يديم تنقية ما يتخلّل الأسنان من غير استقصاء وتعد إلى أن يضرّ بالعمور وباللحم الذي بين الأسنان فيخرجه أو يحرّك الأسنان.

ومنها: اجتناب أشياء تضرّ الأسنان بخاصيتها مثل الكرّات فإنه شديد الضرر بالأسنان واللثِّة وسائر ما ذكرنا في المفردات.

وأما السواك: فيجب أن يستعمل بالاعتدال ولا يستقصى فيه استقصاء يذهب ظلم الأسنان وماءها ويهيئها لقبول النوازل والأبخرة الصاعدة من المعدة وتصير سبباً للخطر.

وإذا استعمل السواك باعتدال جلا الأسنان وقوّاها وقوى العمور ومنع الحفر وطيَّب النكهة.

وأفضل الخشب بالسواك ما فيه قبض ومرارة ويجب أن يتعهّد تدهين الأسنان عند النوم وقد يكون ذلك الدهن إما مثل دهن الورد إن احتيج إلى تبريد وأما مثل دهن البان والناردين إن احتيج إلى تسخين.

وربما احتيج إلى مركَب منهما والأولى أن يدلك أولاً بالعسل إن كان هناك برد أو بالسكّر إن كان هناك ميل إلى برد أو قلة حرّ وكل واحد منهما يجمع خلالاً محمودة الجلاء والتغرية والتسخين والتنقية.

والسكر في ذلك كله دون العسل وإن سحق الطبرزذ وخلط بالعسل واستعمل جلّى ونقّى وشد اللثة.

ثم يجب أن يتبع بالدهن.

ومما يحفظ صحة الأسنان أن يتمضمض في الشهر مرتين بشراب طبخ فيه أصل اليتّوع فإنه غاية بالغ لا يصيب صاحبه وجع الأسنان وكذلك رأس الأرنب المحرق إذا استنّ به وكذلك الملح المعجون بالعسل إذا أحرق أو لم يحرق.

والمحرق أصوب ويجب أن يتخذ منه بندقة ويجعل في خرقة ويدلك به الأسنان وكذلك الدلك بالترمس وكذلك الشبّ اليماني بشيء من المرّ وخصوصاً الشبّ المحرق بالخلّ.

وإذا اندبغت الأسنان بهذه الأدوية فيجب أن يستعمل بعدها العسل والدلك به أو بالسكر ثم يستعمل الدلك بالأدهان على نحو ما وصفناه.

وإذا كانت السن عرضة للنوازل وجب أن يمسك في الفم طبيخ الأشياء القابضة إمساكاً طويلاً ويدام ذرّ الشب والملح المحرقين عليها.

قول كلّي في علاج الأسنان والأدوية السنية: الأدوية السنية منها حافظة ومنها معالجة لأن جوهر الأسنان يابس والأدوية الحافظة لصحة الأسنان ولردّها في أكثر الأمر إلى الواجب هي الأدوية المجففة وأما الحارة أو الباردة فيحتاج إليها عند عارض من إحدى الكيفيتين قد زالت بها عن المزاج الطبيعي زوالاً كبيراً فأشدّ الأدوية مناسبة لمصالح الأسنان هي المجففة المعتدلة في الكيفتين الأخريين وكل سنّي يجفف إما ليس للسنّ لا لأنه سني بل لأجل عارض يعرض له ثم المجففات باردة يابسة وحارة يابسة.

وأجود أدوية الأسنان ما يجمع إلى التجفيف والنشافة جلاء وتحليل فضل إن اندفع إلى السنّ تحليلاً باعتدال ومنع مادة تنجلب إليها فالمجففات الباردة والتي إلى برد ما لا تضرس بحموضتها أو عفوصتها تضريس الحصرم وحماض الأترج وهي السكّ والكافور والصندل والورد وبزره والجلنار ودم الأخوين وثمرة الطرفاء والعفص والكهرباء واللؤلؤ والفوفل ودقيق الشعير ولحاء شجرة التوت وورق الطرفاء وأصل الحماض.

و الحارة والتي إلى حرّ ما فمنها ما حره في جوهره ومنها ما حرّه مكتسب.

والذي الحر في جوهره مثل الملح المحرق والشيح المحرق والسعد الحيّ والمحرق والدارصيني والزوفاء وفقّاح الأذخر وثمرة الكبر.

وأقوى منها قشر أصله والعود والمسك والبرشاوشان الحي والمحرق وورق السرو والأبهل والساذج وقرن الأيل المحرق وغير المحرق ورماد قشر الكرم ورماد رأس الأرنب والتمر المحرق والحارة بقوّة مكتسبة كرماد العفص وإذا طفئ بالخلّ كان إلى الاعتدال أقرب ورماد قضبان الكرم ورماد القصب وما أشبه ذلك.

وأما المعتدلة فمثل قرن الأيل المحرق إذا غسل ومثل جوز الدلب ومنها لحاء شجرة الصنوبر ومنها أدوية جاءت من طريق التركيب وهي مثل دقيق الشعير إذا عجن بملح وميسوسن ثم أحرق والتمر المعجون بالقطران يحرق حتى يصير جمراً ثم يرشّ عليه ميسوسن.

ومن السنونات المجرّبة سنون مجرّب ونحن واصفوه ونسخته: قرن الأيل المحرق عشرة دراهم ورق السرو عشرة دراهم جوز الدلب بحاله خمسة دراهم أصل فيطايلون عشرة برشياوشان محرق خمسة ورد منزوع الأقماع ثلاثة سنبل ثلاثة ينعّم سحقه ويتخذ منه سنون.

وأيضاً سنون أخر جيّد نسخته: يؤخذ قرن الأيل محرق كزمازك وهو ثمرة الطرفاء وسعد وورد وسنبل الطيب من كل واحد درهم ملح إندراني ربع درهم يتخذ منها سنون.

وسنذكر أيضاً سنونات أخرى في أبواب مستقبلة وسنونات أخرى في القراباذين.

ونبتدئ فنقول: إنَّ علاج الأسنان بالمجففات علاج كما علمت مناسب وبالمسخّنات والمبرّدات علاج يحتاج إليه عند شدّة الزوال عن الاعتدال الخاص.

والأدوية السنيّة منها سنونات ومنها مضوغات ومنها لطوخات ومخبّصات على الأسنان أو على الفكّ ومنها مضمضات ومنها دلوكات ومنها أشياء تحشى ومنها كمادات ومنها كاويات ومنها قالعات ومنها بخورات ومنها سعوطات ومنها قطورات في الأذن ومنها استفراغات للمادة بفصد أو حجامة من أقرب المواضع.

ومن أدوية الأسنان ما هي محلّلة ومنها ما هي مبردة ومنها ما هي مخدرة.

والمخدرات إذا استعملت في الأسنان كانت أبعد شيء من الخطر لكن إكثارها ربما أفسد جوهر الأسنان.

وكذلك الأدوية الشديدة التحليل والتسخين يجب أن لا تستعمل إلا عند الضرورة وهي مثل الحنظل والخربق وقثاء الحمار وغير ذلك وأن يتوفى وصول شيء منها ومن المخدرات إلى الجوف.

وكثيراً ما يحتاج إلى ثقب السن بمثقب دقيق لينفس عنه المادة المؤدية ولتجد الأدوية نفوذاً إلى قعره.

والخل مع كونه مضراً بالأسنان قد يقع في أدوية الأسنان المبردة والمسخنة معاً.

أما المبردة فلأنه يبرد بجوهره ولأنه ينفذ وأما في المسخنة فلأنه ينفذ ولأنه يعين بالتقطيع على التحليل وأما مضرّته حينئذ فتكون مكسورة بالأدوية السنيّة التي تخالطه.

فصل في أوجاع الأسنان

اعلم أن الأسنان قد توجع بسبب وجع يكون في جوهرها على ما أخبرنا به سالفاً وقد يكون لسبب وجع يكون في العصبة التي في أصلها وقد يكون لسبب وجع يكون في اللثّة وورم وزيادة لحم نابت فيها يقبل المادة أو لاسترخائها وترهّلها فتقبل المواد الرديئة فتعفن فيها وتؤذي الأسنان وأيضاً تجعل الأسنان قلقة.

وقد يعسر على كثير من المتألمين في أسنانهم الوجعة التمييز بينها.

وأنواع علاجها مختلفة.

وأسباب أوجاع الأسنان: إما سوء مزاج ساذج من برد أو حرّ أو جفاف لعدم الغذاء كما في المشايخ دون الرطب على ما علم في موضعه أو مع مادة أو ريح.

والمادة إما أن توجع بالكثرة أو بالغلظ أو بالحدّة.

وقد تكون المادة مورمة للسنّ نفسها وقد تكون مؤكلة وربما ولدت دوداً.

ومبدأ المادة إما من المعدة أو من الرأس أو من الموضعين جميعاً وإن كان البدن كله ممتلئاً من تلك العادة فإن المجرى من البدن إلى الأسنان من هذين الطريقين.

وقد توجع الأسنان في الحميات الحادة على سبيل المشاركة في سوء المزاج.

وإذا حدث تحت المتكل من الأسنان وجع وضربان ففي أصله فضل لم تنضج فيعالج الوجع والورم ثم ليقلع.

العلامات: يجب أن تتأمل فتنظر هل مع وجع السن مرض في اللثة أو في نواحيها فإن وجدت ورماً في اللثة حدست وحكمت أنه ربما لم يكن السبب في نفس السن وكذلك إن كان الغمز على نفس اللثة يؤلم.

وإن لم تجد ورماً في اللثة فالسبب إما في نفس السن وإما في العصب الذي في أصله.

فإن أحسست ورماً في السن أو تأكلاً فالسبب في جوهره.

وكذلك إذا أحسست الألم يمتد طول السن.

وإما إن لم تحس ألماً إلا في الغور فالسبب في العصبة التي في أصله وخصوصاً إذا وجدت وجَعاً فاضياً في العمور أو في الفك وأحسست كالضرس.

وأنت تستدل على الأمزجة الحارة والباردة بما عملته وعلى اليابس بضمور السن وقلقه وعلى الريح بانتقال الوجع الممدد وعلى الخلط الغليظ برسوخ الوجع من غير حرارة وبرودة ظاهرتين جداً وعلى الخلط الحار الدموي أو الصفراوي بسرعة التأذي بما يوجع وبغرز يكون في الوجع وتغير لون إلى مشاكلة الخلط وحرارة حادة عند اللمس.

ويعرف أن مبدأ الخلط من الدماغ أو من المعدة بما يجد في أحدهما أو كليهما من الامتلاء وإذا كان سبب الوجع في اللثة لم يغن القلع ولم يحتج إليه.

وإذا كان في السنّ زال الوجع بالقلع وإذا كان في العصبة فربما زال بالقلع وربما لم يزل وإنما يزول بسبب وجدان المادة التي تطلب الطيعة أو المواء تحليلها مكاناً واسعاً تندفع فيه بعدما كانت مخنوقة محبوسة في السن.

المعالجات: أما إن كان الوجع بمشاركة عضو فابدأ بتنقية العضو المشارك بفصد أو بإسهال بمثل الأيارج وشحم الحنظل أو بمثل السقمونيا أو بمثل النقوعات أو بالغرافرات المنقية للرأس إن كان السبب في الرأس.

وأما إذا كان هناك ورم محسوس في اللثة والعمور فيجب أن تبدأ بالفصد في الإسهال بحسب القوة والشرائط وأن تمسك في الابتداء في جميعها المبردات من العصارات والسلاقات ونحوها في الفخ مقواة بالكافور من غير إفراط في القبض وكثيراً ما يكفي الاقتصار على دهن الورد والمصطكي أو على زيت الأنفاق أو على مثل دهن الآس وينفع من ذلك أن يؤخذ نبيذ عتيق ودهن ورد خام يطبخ نبيذ الزبيب فيه طبخاً جيداً ويمسك في الفم ثم بعد ذلك يتمزج إلى المحللات المنضجة ويتوقّى أن يسيل من القوية منها شيء إلى الجوف ويتدرج أيضاً إلى استفراغ من نفس العضو بأن يرسل على أصول الأسنان العلق أو يفصد كعرق الذي تحت اللسان أو يحجم تحت اللحية بشرط.

وإذا اشتد الوجع فيجب أن يلصق على أصل السن عاقرقرحا مع كافور ويعيدهما كلّما انحلا وإن زادت الشدة من الوجع احتيج كثيراً إلى استعمال أفيون مع دهن الورد.

وكلما وجد عن ذلك محيص فتركه أولى بل يجب أن يستعمل بالإنضاج وأما إذا كان السبب في نفس السن أو في العصبة ولم يكن مادة بل سوء مزاج عولج مما يضاده من الأدوية السنية المعلومة.

فإن كان سبب سوء مزاجه وضعفه عضا على حار تمضمض بدهن بارد المزاج مفتر ثم تصيره بارداً بالفعل.

وإن كان سبب سوء مزاجه عضاً على بارد استعمل بدل ذلك من الأدهان الحارة مثل دهن النادرين ودهن البان وعضّ على صفرة البيض المشوية الحارة أو على خبز حار.

وقد ينفع التدبير أن في كل الأصناف لسوء المزاجين المذكورين.

وأما إذا كان السبب الساذج يبساً فينفع منه أن يدلك بمثل الزبد وشحم البط وإن كان مع مادة أي مادة كانت حارة أو غليظةً أو كثيرة وجب أن يستفرغ بحسبها ويجب أن تبدأ في الابتداء بما يبرد ويردع في جميع ذلك وإن كان ذلك في المادة الحارة أزيد وجوباً وفي الغليظة أقلّ.

ومن الأشياء القوية الردع وخصوصاً في المواد الباردة الشبّ المحرق والمطفئ بالخل مع مثله ملح يسحقان جيداً ثم يستعملان ثم يتمضمض بعدهم بالخمر.

ومما يصلح للردع العفص بالخل فإن كانت المادة حارة عولجت بالعصارات المبردة ودبر في تعديلها فإن لم ينجع ذلك دبر إما في تحليلها وإما في تحديرها وإن كانت المادة غليظة أو كثيرة دبر بعدما ذكرناه من علام الابتداء بالتحليل أيضاً والأولى أن يكون في المضمضة بالخل ودهن الورد فإنه ربما جذب الخل الرطوبات الأصلية بعد الفضول وربما أحتجت أنتجمع إلى المحلّلات أدوية قوابض لأن العضو يابس.

وأما إن كان السبب ريحاً فالعلاج المحللات التي تذكر وخصوصاً السكبينج وحب الحرمل والقنّة.

فصل في الأدوية المحلّلة المستعملة في أوجاع الأسنان

المحتاجة إلى التحليل

منها مضمضات يجب في جميعها أن تمسك في الفم مدة طويلة مثل خلّ طبخ فيه سلخ الحية أو خلّ طبخ فيه حنظل وهو قوي نافع جداً وإذا كان البرد ظاهراً فبالشراب أو زرنباد أو عاقرقرحا أو حلتيت مع خردل أو قشور الكبر أو قشور الصنوبر أو فوذنج أو ورق الدلب أو الجعدة وقشوره بخل أو ماء وكذلك ورق الغار والشيلم وكذلك عيدان الثوم مع عاقرقرحا أو خل جعل فيه كندس يمسك في الفم أو عاقرقرحا وثمر الطرفاء في الخلّ أو مرزنحوش يابس أو أصل قثاء الحمار أو عصارته في الخل أو مع حرمل مطبوخين في الخل أو كبيكج مطبوخاً في الخلّ.

وللوجع الضرباني طبخ العفص الفج بالخل أو عنب الثعلب بالخل وطبيخ البنج بالخلّ أو قرن الأيل المحرق مطبوخاً بالخلّ العنصلي أو مسحوقاً مجعولاً في سكنجبين ومنها غرغرات بمثل ما ذكرنا من المضمضات ومن ذلك أن يطبخ الزبيب الجبلي والثوم في الماء ويتغرغر به ويترك الفم مفتوحاً ليسيل لعاب كثير.

ومنها مضوغات تتخذ من الأدوية المذكورة وأمثالها من ذلك: أن يؤخذ فوتنج جبلي وعاقرقرحا وفلفل أبيض ومر ويعجن بلحم الزبيب وببندق ويمضغ منه بندقة بندقة.

ومنها لطرخات وأطلية ونضوخات وأضمدة تتخذ من الأدوية المحللة المعروفة وتجمع بما له قوام مثل عسل أو قطران أو شيء محلول في الماء ينحل به أو عجناً بالماء وحده أو يؤخذ كرنب بحضض ويطلى أو يؤخذ للضربان خردل مسحوق ويوضع على أصل السن.

ومما جرّب أن يؤخذ لبّ نوى الخوخ ونصفه فلفل يعجن بقطران ويدلك بالسنّ أو يلصق عليه أو يلطخ بالترياق وحده أو الحلتيت وحده أو الشجرنا أو أراسطنحان أو سورطنحان أو شونيز مسحوقاً معجوناً بزيت يلطخ به.

مما جرب أن يؤخذ مر فلفل وعاقرقرحا وميويزج وزنجبيل من كل واحد جزء وبورق أرمني جزء ونصف ينعّم سحقها وتطلى به الأسنان واللثّة فإنه شديد النفع.

وقد تضمّد اللحى بمثل الخطمي والبابونج والشبث والحلبة وبزر الكتان بطبيخ الشبث ودهنه ويستعمل.

وقد.

زعم جالينوس أن كبد سام أبرص إذا جعلت على السنّ الوجعة المتألمة سكن وجعها وقتها.

ومنها كمّادات من خارج ويجب أن يستعمل إمّا قبل الطعام بساعتين أو بعده بأربع ساعات.

وهذا يحتاج إليه لشدة الوجع مثل أن يكمّد بالملح والجاورش أو بالزيت المسخّن أو بالشمع الذائب وقد تكمّد اللحى تكميداً بعد تكميد ليجذب إليه المادة فإذا ورم اللحى سكن الوجع وخصوصاً إذا كويت السن بدهن يغلي في الوقت.

ومنها كاويات وتدبير بالكي مثل أن يطبخ الزيت ببعض الأدوية المحلّلة المذكورة أو وحده وتؤخذ مسلّة تحمّى وتغمس في ذلك الزيت وتنفذ في تجويف أنبوب متهندم على السنّ الوجعة حتى تبلغ السن وتكويه وقد جعل على ما حواليه شمع أو عجين أو شيء آخر يحول بين السنّ وما حواليه من الأسنان والعمور.

ونفع هذا لما تكون المادة فيه في نفس السن أكثر وقد يقطر أيضاً في الأنبوب الدهن المغلي بعد الاحتياط المذكور والزيت أوفق من أدهان أخرى.

وربما احتيج في الكاويات إلى أن تثقب السن بمثقب دقيق لتنفذ فيه القوة الكاوية.

وإذا لم تنجع المعالجات كويت السن بالمسلّة المحمّاة مرات حتى تكون قد بالغت في كيه فيسكن الوجع وتفتت السن.

ومنها دلوكات تتخذ مما سلف والزنجبيل بالعسل دلوك جيد.

وأيضاً الخل والملح وأيضاً الخل وشحم الحنظل مع عاقرقرحا.

ومنها دخن وبخورات وأجودها أن تكون في القمع.

وقد يتخذ من المحلّلات مثل عروق الحنظل أو حبّه أو حبّ الخردل أو حافر حمار أو بزر البصل - وخصوصاً الدود - أو ورق الآس أو جعدة أو ورق السذاب أو عاقرقرحا.

ومنها سعوطات محللة مثل ماء قثاء الحمار وعصارة أصول السلق أو الرطبة أو ماء المرزنجوش.

ومنها قطورات في الأذن التي للوجع مثل أن تستعمل هذه السعوطات قطوراً في الأذن أو عصارة الكبر الرطب.

ومنها حشو للتأكل إن كان سبب الوجع من التأكّل ويجب أن يرفق ولا يحشى بعنف وشدّة فيزيد في الوجع مثل سكّ مع سعد أو مع مصطكى.

وأقوى من ذلك الحلتيت مع كبيكج أو شونيز مسحوقاً بزيت أو فلفل أو درديّ محرق أو فربيون أو عاقرقرحا أو يحشى بدواء لب الخوخ أو الفلفل المذكور بل يحشى الحار بالباردات والبارد بالحارات.

ومنها قلوعات نفرّد لها باباً ولا يجوز استعمالها إلا أن يكون الوجع في نفس السنّ لا غير.

فصل في الأدوية المخدرة

قد تستعمل على الوجوه المذكورة في التحليل لكن الأولى أن تكون ملطوخة أو ملصقة أو محشوة على أنها قد تستعمل مضمضات وبخورات فمنها أن يؤخذ بزر البنج والأفيون والميعة والقنّة من كل واحد درهمان فلفل وحلتيت شامي من كل واحد درهم يتخذ منه شياف بعقيد العنب ويوضع على السنّ الوجعة.أو يؤخذ أفيون وجندبيدستر بالسواء ويقطر منهما حبة أو حبتان في دهن الورد في الأذن من الجانب الوجع أو يتخذ لصوق من أصل اليبروح بماء يمسكه أو يبخر على ما بين من صفة التبخير ببزر البنج أو بطبيخ أصل اليبروح وحده أو مع البنج بشراب ويمسك أيضاً في الفم وقد يسقى أيضاً المخدرات مثل الفلونيا فإنه يسقاه المشتكي سنه ويأخذ منه في فمه فينام فينضج مرضه ويسكن ألمه.

ومن جملة ما يخدّر من غير أذى الماء المبرد بالثلج تبريداً بالغاً ويؤخذ بالفم أخذاً بعد أخذ حتى يخدر السنّ فيسكن الوجع البتة وإن كان ربما زاد في الابتداء. فصل في السن المتحرّكة

قد تفلق السن بسبب باد من سقطة أو ضربة وقد يقع من رطوبة ترخي العصب الشادّ للسن وتكون السنّ مع ذلك سمينة لم تقصف وقد يقع لتأكل يعرض لمنابت الأسنان فيوسّعها أو يدقق السن بما ينقص منها أو لانثلام الدردر وقد يقع لضمور يعرض في الأسنان ليبس غالب كما يعرض للناقهين والمشايخ الذين جاعوا جوعاً متوالياً وقصّر عنهم الغذاء وقد يقع لقصور لحم العمور.

المعالجات: يجب أن يجتنب المضغ بتلك السنّ ويقل الكلام ولا يولع بها بيد أو لسان وبالجملة يترك المضغ إلى الحسو ما أمكن.

فإن كان السبب تأكلاً وعولج التآكل واستعمل القوابض المسددة من الأدوية السنية مضمضات ودلوكات وغير ذلك.

وإن كان السبب ضموراً تدورك بالأغذية على أن هذا مما يعسر تلافيه.

ثم تعالج بالمرطبات إلصاقاً ودلكاً وقطوراً في الأذن مثل دهن الورد والخلاف وعصارة ورق عنب الثعلب بل بالقوابض وإن كان لضمور السن لم تنجع الأدوية فإنها لا تكاد تسمتها مسرعة بل يجب أن تعالج بالأدوية القابضة الباردة وكذلك إن حدث عن ضربة.

فإن حدث عن رطوبة مرخية وجب أن تعالج بالقوابض المسخّنة كالمضمضة بماء طبخ فيه السحر وورق السرو أو نبيذ زبيب طبخ فيه الشب بنصفه ملحاً أو ماء طبخ فيه السكبينج.

ومن اللصوقات: شبّ درهمان ملح درهم يلصق على أصله أو قشور النحاس مع الزيت وأصل السوسن وقشور السرو من كل واحد أربعة دراهم ومن الشبّ جزء أو يؤخذ رماد الطرفاء وملح سواء أو قرن أيل محرق وملح معجون بعسل محرق تمر محرق من كل واحد عشرة دراهم ومن المر والزعفران والسنبل والمصطكي من كل واحد جزءان سذاب يابس سمّاق وجلنار ومن كل واحد ثلاثة يتخذ منه سنون ولصوق.

وأيضاً القوابض مخلوطة بالصبر بالقلقطار وقليميا.

سنون: صالح لهذا الباب وغيره: ونسخته: سعد وورد وسنبل الطيب ملح إندرتي كزمازك قرن أيل محرق أجزاء سواء.

والذي يكون بسبب نقصان لحم العمور يؤخذ له شبّ يمان وعود محرق وسعد وجلنار وسمّاق.

فصل في تثقّب الأسنان وتآكلها

يعرض ذلك كله من رطوبة رديئة تعفن فيها.الغرض في علاج التآكل منع الزيادة على ما نأكل وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه وتحليل المادة المؤدية إلى ذلك ويمنع السنّ أن تقبل تلك المواد وتصرف تلك المواد عنها بالاستفراغات إن احتيج إليها.

والأدوية المانعة من التآكل هي المجفّفة فإن كان قوياً احتاج إلى قوي شديد التجفيف والإسخان وإن كان ضعيفاً كفى ما فيه تجفيف وقبض مثل الآس والحضض والناردين.

واستعمالها يكون من كلّ صنف ما ذكر وأكثرها من باب الحشو فمن ذلك تحشى بسكّ وسعد أو بسكّ ممسك وحده فإنه يمنع التآكل ويسكّن الوجع أو يحشى بمصطكى وسعد أو بمرّ أو بميعة أو بعفص وحضض أو بميعة وأفيون أو بقنّة وكبريت أصفر وحضض أو بعلك البطم والفلفل أو بسك وعلك البطم والفوتنج أو بالشونيز المدقوق المعجون بالخلّ والعسل أو بالكبريت حشواً وطلاءً أو بزنجبيل مطبوخاً بعسل وخلّ فإنه غاية.

أو بحلتيت وقطران أو بحلتيت وشيح أو بحلتيت وحده ويغلى بموم لئلا يتحلّل فإنه شديد التسكين للوجع أو بالقير وحده أو مع الأدوية أو بالحضض والزاج وقد جرّب الكافور في الحشو فكان نافعاً غاية ويمنع زيادة التآكل ويسكّن الألم ويجب أن يستعين بما مضى في باب وجع الأسنان.

وقد يستعمل في ذلك أطلية من جندبيدستر وعاقرقرحا وأفيون وقنة أجزاء سواء وبفلفل وقاقلة بعسل أو عاقرقرحا ومر بعسل وحبة الخضراء بعسل أو تراب طيب صب عليه خل مغلي أو كبد عظاية أو كبريت حي بمثله حضض أو فلفل ولبن اليتّوع أو بورق وعاقرقرحا أو قنة وبزرينج أو ميعة وأفيون.

دواء جيد وصفته: يؤخذ من البورق والبنج من كل واحد جزآن ومن العاقرقرحا والفلفل من كل واحد جزء من الأفيون ثلاثة أجزاء يوضع على الموضع.

وأيضاً: يؤخذ من ميعة الرمان ومن الفلفل ومن الأبهل من كل واحد جزء ومن الميويزج وبزر الأنجرة والأفيون من كل واحد نصف جزء وقد يستعمل الحشو والطلاء معاً وقد يجعل على الموضع فلفنديون قوي أو سورنجان أو نورة جزآن نوشادر وشب ومرّ وعفص وأقاقيا وإيرسا جزء جزء وسعتر محرق وزبد البحر وربما زيد فيه قنة وقد ينفع من المضمضات الممسكة في الفم نفعاً عظيماً أن يطبخ أصول الكبر بالخل حتى يذهب نصف الخل ويمسك في الفم وقد يستعمل قطورات في نفس التآكل مثل الزرنيخ المذاب في الزيت يغلى فيه ويقطر في الأكحّال ومما ينفع أن يقطر في جانب السن المأكولة دهن اللوز.

فصل في تفتت الأسنان وتكسرها

يكون السبب في ذلك في الأكثر استحالة مزاجها إلى رطوبة وقد يعرض أن تيبس يبساً شديداً.

والفرق بينهما الضمور وضدّه فإن كان هناك دليل تغيّر لون أو تأكل دلّ على مزاج رطب ذي مادة.

وعلاج: الأول منع المادة وتقوية السن بالقوابض القوية المذكورة والشب.

والنوشادر قوي التأثير في ذلك فإن كانت مسخنة مع ذلك لم يغن إلا مثل الخربق الأسود معجوناً بالعسل.

وأما إن كان عن يبس فعلاجه علاج اليبس المذكور.

فصل في تغير لون الأسنان

قد يكون ذلك لتغير لون ما يركبها من الطلاوة فيحدث قلح وربما تحجر في أصول السن تحجّراً يعسر قلعه وقد يكون لمادة رديئة تنفذ في جوهر السن وتتغير فيها ويفسد لونها إلى باذنجية ونحوها من غير أن يكون عليها قلح.

المعالجات: أما الأوّل: فيعالج بما يجلو وينقي مثل زبد البحر والملح والحرف المسحوق ورماد الصدف ورماد أصل القصب والزرواند المدحرج والصعتر المحرق والملح الأندراني أجزاء سواء وإن شئت زدت فيه صدف الحلزون محرقاً أو يؤخذ من القيشور المحرق جزء.

ومن الفلفل جزء ومن الحماما ثلاثة أجزاء ومن الساذج اثنان ومن الجصّ المحرق عشرة يدقّ ويستعمل.

فإن كان مفرطاً فالزنجار بالعسل ومما يبيض في الحال سحيق الغضار الصيني أو سحيق الزجاج أو المسحقونيا أو السنباذج وحجر الماس.

وأما الثاني: فيعالج بما يحلل المادة ويخرجها ويجلو معاً مثل الفلفل والفوذج والقسط والزراوند المدحرج والحلتيت يخلط بالجالية المذكورة ومثل السنون الذي ذكرناه قبل هذا الباب.

سنون جيّد وصفته: أصل الزراوند جزء قرن الأيل المحرق جزآن مصطكي ثلاثة أجزاء دهن الورد خمسة أجزاء يسحق ويستعمل.

آخر: يؤخذ القيشور والملح المشوي والسوسن من كل واحد أربعة سعد خمسة سنبل واحد فلفل ستة.

آخر: يؤخذ من الملح الذي صيّر في الإحراق كالجمر ثلاثة ومن الساذج جزآن ومن السنبل جزء وأيضاً رماد الصدف أربعة ورد يابس خمسة سعد ثلاثة فقاح الأذخر واحد.

فصل في تسهيل نبات الأسنان

قد يعرض للصبيان أن يعسر نبات أسانهم فيألمون وربما شاركه استطلاق الطبيعة فيحتاج أن تعدل بالأطلية على البطن والعصارات المسقاة لإمساكها فيحتاج أن تطلى بالشيافات المذكورة في الكتاب الكلّي.

فمما يسهّل نبات الأسنان الدلك بالشحوم والأدمغة وخصوصاً بدماغ الأرنب مستخرجاً من رأسه بعد الطبخ والحنّاء والسمن ودهن السوسن.

وقد قيل أن لبن الكلبة ينفع في ذلك منفعة شديدة بالخاصية.

وإن اشتدّ الوجع طلي بعصارة عنب الثعلب بدهن ورد مسخّن ويجب أن يمنع المضغ على شيء له قوام بل يجب أن تدخل الظئر أصبعها في فمه حين ما يبتدئ بوجع لنبات الأسنان فتدلك لثّته دلكاً شديداً لتسيل عنه الرطوبة من طريق اللثّة ثم يمسح بالأدوية المذكورة.

وإذا ظهرت الأسنان يسيراً وجب أن يضمّد الرأس والعنق والفكّان بصوف مغموس في دهن مفتَر ويمطر أيضاً في أذنه الدهن وقد ذكرنا نحواً من هذا الباب في الكتاب الأول. فصل في تدبير قلع الأسنان

إنه قد يتأدّى أمر السنّ الوجعة إلى أن لا تقبل علاجاً البتّة أو تكون كلما سكن ما يؤذيها من الآفة عاد عن قريب ثم تكون مجاورتها لسائر الأسنان مضرّة بها يعديها ما بها فلا يوجد إلى استصلاحها سبيل فيكون علاجها القلع.

وقد يقلع بالكلبتين بعد كشط ما يحيط بأصلها عنها.

ويجب أن يتأمّل قبل القلع فينظر هل العلّة في نفس السنّ فإنه لم تكن لم يجب أن تقلع فلا تقلعنّ وذلك حين يكون السبب في اللثّة أو في العصبة التي تحت السنّ فإن ذلك وإن خفّف الوجع قليلاً فليس يبطله بل يعود وإنما يخفّفه بما تحلّل من المادة في الحال وبما يوصل من الأدوية إليه.

وفي قلع ما لا يتحرّك من الأسنان خطر في أوقات كثيرة فربما كشف عن الفكّ وعفن جوهراً وهيّج وجعاً شديداً وربما هيّج وجع العين والحمّى.

وإذا علمت أن القلع يعسر ولا يحتمله المريض فليس من الصواب أن تُحرك بشدة فإن ذلك مما يزيد في الوجع على أنه يتفق أحياناً أن تكون العلة ليست في السنّ فإذا زعزعت انحلّت المادة التي تحتها وسكن الوجع.

وقد تقلع بالأدوية والأصوب أن يشرط حوالي السنّ بمبضع ويستعمل عليه الدواء.

فمن ذلك أن يؤخذ قشور أصل التوت وعاقرقرحا ويسحق في الشمس بخلّ ثقيف حتى يصير كالعسل ثم يطلى به أصل السن في اليوم ثلاث مرات أو يسحق العاقرقرحا ويشمس في الخلّ أربعين يوماً ثم يقطر على المشروط ويترك عليه ساعة أو ساعتين وقد درعت الصحيحة موماً ثم يجذب فيقلع.

أو يجعل بدل العاقرقرحا أصول قثاء الحمار أو تطلى بالزرنيخ المربى بالخلّ فإنه يرخيه أو يؤخذ بزر الأنجرة وقنه بالسوية أو بزر الأنجرة ومن الكندر ضعفه فيوضع في أصل الضرس.

وربما أغلي بورق التين فإنه يرخّيه ويقلعه بسهولة.

ودرديّ الخلّ نفسه عجيب.

أو يؤخذ قشور التوت وقشور الكبر والزرنيخ الأصفر والعاقرقرحا والعروق وأصول الحنظل وشبرم ويعجن بماء الشب أو بالخل الثقيف ويترك ثلاثة أيام ثم يطلى.

أو يؤخذ عروق صفر وقشور التوت من كل واحد جزء ومن الزرنيخ الأصفر جزءان يعجن بالعسل ويجعل حوالي الضرس مدة فإنه يقلعه.

أو يؤخذ أصل القيصوم ولبن اليتوع جزء وأصل اليتوع جزءان ويوضع عليه.

وإن كانت السنّ ضعيفة فأذب الشمع مع العسل في الشمس ثم قطّر عليه زيتاً

فصل في تفتيت السنّ المتآكلة

وهو كالقلع بلا وجع: يعجن الدقيق بلبن اليتوع ويوضع عليه ساعات فإنه يفتّت ويجب أن يوضع فيه ورق اللبلاب العظيم الحاد.

وشحم الضفدع الشجري قاطع مفتت وهو الضفدع الأخضر الذي يأوي النبات والشجر ويطفر من شجرة إلى شجرة.


فصل في دود الأسنان

يؤخذ بزور البنج وبزر كراث من كل واحد أربعة بزر بصل اثنان ونصف يعجن بشحم الماعز دفا ويحبب كلَ حبة وزن درهم ويبخّر منه بحبة مع تغطية لرأس القمع.

فصل في سبب صرير الأسنان

صرير الأسنان في النوم يكون لضعف عضل الفكين وكالتشنج لها ويعرض للصبيان كثيراً ويزول إذا أدركوا.وإذا كثر صرير الأسنان وصريفها في النوم أنذر بسكتة أو صرع أو تشنّج أو دلّ على ديدان في البطن.

والذي من الديدان يكون ذا فترات ويجب أن يعالج المبتلي بذلك بتنقية الرأس وتدهين العنق بالأدهان الحارة العطرة التي فيها قوّة القبض.

فصل في السنّ التي تطول

يجب أن تؤخذ بالأصبعين أو بالآلة القابضة ثم تُبْرَدُ بالمبرد ثم يؤخذ حبّ الغار والشبّ فصل في الضَرَس: الضَرَس خدر ما يعرض للسنّ بسبب مخشن وهو إما قابض وإمّا عفص وقد يكون مما لاقى السنّ وارداً من خارج أو مقيئاً.

وقد يكون مما يتصعّد إليه من المعدة إذا كان هناك خلط حامض وقد يتبع التصوّر الوهمي عند مشاهدة من يقضم الحامض جداً قضماً باسترسال.

المعالجات: ينفع منه مضغ البقلة الحمقاء جداً أو الحوك أو بزر البقلة الحمقاء مدقوقاً مبلولاً بالماء وعلك الأنباط أو لوز أو جوز ملكي والنارجيل خاصة أو البندق أو زيت الأنفاق دلكاً أو عكر الزيت المغلظ في إناء نحاس كالعسل في الشمس أو على النار أو المضمضة بلبن الأتن والدهن المفتر أو قير دنان الشراب أو حبّ الغار أو زراوند طايل أو حلتيت أو لبن اليتّوع أو العنصل والملح لمضادته للحموضة نافع جداً من الضَرَس.

فصل في ذهاب ماء الأسنان

هو أن يكون السنّ لا يحتمل شيئاً بارداً أو حاراً أو صلباً وأكثره من برد وهو مقدمة لوجع الأسنان.

المعالجات: إذا كان السبب في ذلك برداً: استعمل حب الغار والشب والزراوند الطويل والتكميد الدائم بصفرة بيض فإن لم يسكن بذلك دلك بأيارج فيقرا.

فإن لم ينجع فالترياق ودهن الخردل نافع جداً والقطران المسخن إذا مسح به مراراً فهو نافع جداً.

وإن كان السبب مزاجاً حاراً - وهو قليل - يدلّ عليه لون اللثّة وملمسها وملمس الأسنان فيجب أن يدام تمريخها بدهن الورد المفتت فيه كافور وصندل ويستعمل عليه لعاب بزرقطونا بماء الورد ومضغ البقلة الحمقاء أو بزرها خاصة فصل في ضعف الأسنان: ينفع منه القوابض المذكورة والعفص المحرق المطفأ بالخلّ وحبّ الآس الأبيض والملح الدراني المقلي والمطفأ بالخلّ والرامك والسنونات الفاضلة.

سنون جيّد: يؤخذ سعد ثلاثة دراهم هليلج أصفر منزوع خمسة دراهم قرفة خمسة دراهم دارصيني ثلاثة دراهم شبّ درهمان عاقرقرحا سبعة دراهم نوشادر درهم دارفلفل درهم وسك درهم زعفران درهم ملح خمسة دراهم سمّاق درهمين ثمرة الطرفاء ثلاثة قاقلة أربعة زرنياد ستة عشر جلّنار أربعة يسحق الجميع ويجمع.

سنون جيد: يؤخذ صندل أحمر كباية فوفل من كل واحد خمسة دراهم قرفة خمسة دراهم سنون: لهذا الشأن جيد يؤخذ كشك الشعير فيرضّ ويلتّ بعسل وقطران يسير شامي ويقرص ويقمص قرطاساً ويوضع على آجرة موضوعة في أصل تنور فإذا أسودّ لونه أخرج فأخذ منه جزء ومن فتات العود والجلنار والسعد وقشر الرمان والملح من كل واحد جزء يسحق ويتخذ منه سنون.

وربما أخذ من الشعير المحرق الموصوف عشرون جزءاً ومن السعد والفول والمزمازك من كل واحد أربعة أجزاء ومن الزنجبيل جزء ويتخذ منه سنون.

الفن الثامن أحوال اللثة والشفتين

وهو مقالة واحدة:

فصل في أمراض اللثّة

اللثة تعرض لها الأورام بسبب مادة تنزل إليها في أكثر الأمر من الرأس وقد يكون بمشاركة المعدة وقد يعرض لها أورام في ابتداء الاستسقاء وعروض سوء القنية لما يتصعد إليها من الأبخرة الفاسدة.

ويستدل على جنس المادة باللون واللمس.

وقد يكون منه ظاهر قريب سريع القبول للعلاج وغائر بعيد بطيء القبول للعلاج وقد يكون مع حمى.

المعالجات: إن كانت المادة فضلة حارة استعمل الاستفراغ وفصد الجُهارك وعولج في الابتداء بالمضمضات المبردة وفيها قبض مثل ماء الورد واللبن الحامض وماء الآس ومياه أوراق القوابض الباردة وسلاقة الجلنار وماء لسان الحمل ونقيع البلوط وعصارة بقلة الحمقاء ثم بعد ذلك يتمضمض بزيت انفاق ودهن شجرة المصطكى ودهن الآس في كل أوقية منه ثلاثة دراهم مصطكى أو ولدهن شجرة المصطكي قوة عجيبة شديدة في تسكين أوجاع أورام اللثة وخصوصاً الحديث.فإنه يقمع ولا يخشن وأخصّ منافعه في حال الوجع ثم بعد ذلك يستعمل مثل عصارة إيرسا الرطب فإنه يسيل الدم ويريح أو عصارة ورق الزيتون أو عكر الخمر أو عصارة السذاب أو دهن الحبّة الخضراء مغلي بماء فيه ورقه أو سلاقة الزراوند الطويل فإن كان الورم الحار غائراً ويسمى باروليسر ولا يتحلّل بالأدوية بل يتقيّح فربما احتيج إلى علاج الحديد وربما أدّى جوهره إلى إنبات لحم جديد.

فإذا قاح استعمل عليه الزنجار والعفص أو قشور النحاس بالخلّ أياماً أو سوري محرق مع عفص.

وإذا كانت اللثة لا تزال تنتفخ وترم ولا تبرأ احتيج إلى كي.

وأجوده أن يؤخذ الزيت المغلي بصوفة ملفوفة على ميل مراراً حتى تضمر وتبيضّ.

وإذا كان الورم من رطوبة فضلية وجب في الابتداء أن يتمضمض بالأدهان الحارة وبالعسل والزيت والربّ ثم يستعمل المحلّلات القوية المذكورة كثيراً.

فصل في اللثّة الدامية

ينفع منها الشبّ المحرق المطفأ بالخل مع ضعفه ملح الطعام ومثله ونصفه سوري ينثر عليه وأيضاً يحرق الطريخ المملوح إلى أن يصير كالجمر فيؤخذ من رماده جزء ومن الورد اليابس جزءان وأيضاً يؤخذ الآس والعدس المحرق جزء جزء والسمّاق والسوري جزءان فقّاح الأذخر فصل في شقوق اللثّة

يجري في علاجها مجرى شقوق الشفة وسيذكر.

فصل في قروح اللثّة وتآكّلها ونواصيرها

قروح اللثة بعضها ساذجة وبعضها مبتدئة في التعفّن وبعضها آخذ في التآكل.

المعالجات: أمَّا الساذجة فعلاجها علاج القُلاع وأما الآخذة في التعفّن فيجب أن تعالج بمثل الأبهل والحسك فإن نفع وإلا أخذ من العفص جزء ومن المرّ نصف جزء وجمع بدهن الورد واستعمل.ومن أصناف المضمضات النافعة المضمضة بخلّ العنصل والمضمضة بألبان الأتن والمضمضة بسلاقة ورق الزيتون وسلاقة الورد والعدس والعفص وأقماع الرمان.

وأما المتآكل فإن كان ممعناً فيه فيحتاج أن يعالج بالقلقنديون الخاص به المذكور في الأقراباذين وكذلك النواصير ثم تنثر عليه الأدوية القابضة.

ومما جرّب حينئذ ثمرة الطرفاء وعاقرقرحا من كل واحد ثلاثة دراهم ماميران درهم هليلج أصفر درهمان ورد يابس درهمان باقلى ونوشادر وكبابة وزبد البحر من كل نصف درهم جلنار وزعفران وعفص من كل واحد درهم كافور ربع درهم ويتّخذ منه سنون.

وأيضاً السنونات الواقع فيها الزراوند وأما المتوسّط فيؤخذ عاقرقرحا وأصل السوسن من كل واحد جزء ومن الجلّنار والسمّاق والعفص الغير المثقوب والشبّ من كل واحد درهمان يسحق ويتخذ منه سنون ويستعمل على المتوسط من التآكل والناصور وكذلك الجلنار وخبث الحديد يكبس به اللثّة ثم يتمضمض بخل العنصل أو خل طبخ فيه ورق الزيتون وأيضاً يستعمل فلونيا في الموضع المتآكل فيكون جيداً والفودنجي والمعاجين المانعة للعفونة المحللة لما حصل.

ومنها المعجون الحرملي فإن لم ينجع فلا بد من قلقنديون.ومما يقرب منه أن يؤخذ شب ونورة وعفص وزرنيخان أجزاء سواء يؤخذ منه دانق بعد السحق الشديد ويدلك به دلكاً جيداً ثم يصبر عليه ساعة ثم يتمضمض بدهن الورد وربما جعل فيه أقاقيا ويصلح أن يتخذ منه أقراص وتجفف وتعدّ للحاجة وربما اقتصر على الزرنيخين والنورة وأقاقيا وقرص.

وقد ينفع الكي المذكور وهو مما يسقط التآكل وينبت اللحم الصحيح ثم يستعمل سنون من العفص مع ثلاثة من المر فإنه ينبت اللحم ويشد اللثة وفصد الجُهارك نافع فيه.

فصل في نتن اللثة

علاجه مذكور في باب البخر. فصل في نقصان لحم اللثة

يؤخذ من الكندر الذكر ومن الزراوند المدحرج ومن دم الأخوين ومن دقيق الكرسنة وأصل السوسن أجزاء سواء يعجن بعد السحق بعسل وخلّ العنصل ويستعمل دلوكاً وقد يؤخذ دقيق الكرسنّة عشرة دراهم فيعجن بعسل ويقرّص ويوضع على آجرة أو خزفة موضوعة في أسفل تنور أو يخبز في تنور حتى يبلغ أن ينسحق ويكاد أن يحترق.

ولما يحترق فيسحق ويلقى عليه من دم الأخوين أربعة ومن الكندر الذكر مثله ومن الزراوند المدحرج والايرسا من كل واحد درهمان ويستن به على الوجه المذكور.

فصل في استرخاء اللثة

أما إن كان يسيراً فيكفي فيه التمضمض بما يطبخ فيه القوابض الحارة أو الباردة بحسب المزاج.

ومما هو شديد النفع في ذلك الشبّ المطبوخ في الخلّ.وأما إن كان كثيراً فالصواب فيه أن يشرط ويترك الدم يجري ويتفل ما يجري منه ثم يتمضمض بعده بسلاقة القوابض على الوجه المذكور في ما سلف.

ومما هو موافق لذلك من السلاقات أن يؤخذ من ثمر الطرفاء المدقوق ثلاثة دراهم ورق الحناء درهمين زراوند درهمين يفتّر ويستعمل.

أو يؤخذ من الجلّنار وقشور الرمان ستّة ستّة ومن الزرنيخين والشبّ اليماني ثلاثة ثلاثة ومن الورد والسمّاق البغدادي ثمانية ثمانية ومن سنبل الطيب وفقّاح الأذخر عشرة عشرة يتخذ منه صفة لصوق لذلك يستعمل بعد المضمضة نافع ورد بأقماعه فلفل سبعة سبعة جفت البقوط جلّنار حبّ الآس الأخضر أربعة أربعة الخرنوب النبطي والسمّاق المنقّى الأرماك خمسة خمسة أو بدل الأرمام آس ثمانية وقد ينفع التحنيك بالأيارج الصغير ويتمضمض بعده بخلّ العنصل وبخلّ الحنظل ويستعمل السنونات القوية.

فصل في اللحم الزائد

يجعل عليه قلقنت ومرّ فإنه يذهبه ويذيبه.

فصل في الشفتين وأمراضهما

الشفتان خلقتا غطاء للفم والأسنان ومحبساً للعاب ومعيناً في الناس على الكلام وجمالاً وقد خلقتا من لحم وعصب هي شظايا العضل المطيف به.

فصل في شقوق الشفتين

الأدوية المحتاج إليها في علاج الشقوق هي التي تجمع إلى القبض والتجفيف تلييناً.ومن الأدوية النافعة في ذلك الكثيراء إذا أمسكه في الفم وقلبه باللسان.

ومن التدبير النافع فيه تدهين السرة والمقعدة وأن يطلى عليه الزبد الحادث من ذلك قطعة قثاء على أخرى ويطلى عليه ماء السبستان أو ماء الشعير أو لعاب بزرقطونا.

ومن الدسومات الزبد والمخّ.

والشحوم شحوم العجاجيل والأوز بعسل ودهن الحبة الخضراء أو دهن الورد وفيه بياض البيض ومن الأدوية المجرّبة عفص مسحوق وإسفيذاج الرصاص ونشا وكثيراء وشحم الدجاج.

وأيضاً العفص مسحوقاً بالخل وأيضاً المصطكى وعلك البطم وزوفا والعسل يتخذ منها كالمرهم وأيضاً مرداسنج ساذنج عروق الكرم من كل واحد نصف جزء دهنج نصف جزء وأظلاف المعز مسحوقة زعفران من كل واحد ثلث جزء وكافور سدس جزء يجمع بستّة أجزاء شمع وستّة عشر جزءاً دهن ورد.

وأيضاً العنبر المذاب بدهن البان أو دهن الأترج ربع جزء ويستعمل قيروطياً ويجعل غذاءه الأكارع والنمبرشت.

فصل في أورام الشفتين وقروحهما

يجب أن يبتدأ فيها باستفراغ الخلط الغالب ثم يستعمل الأدوية الموضعية أما الأورام فهي قريبة الأحكام من أورام اللثة وحاجتها إلى علاج أقوى قليلاً أمسّ.

وأما الأدوية الموضعية للقروح فيتخذ من القوابض مثل الهليلج والحضض وبزر الورد وجوز السرو وأصل الكركم.

وربما وقع فيها دهنج وأظلاف المعز محرقة وسعتر محرق ودخان مجموع والأشنة.

وأما الأدهان التي تستعمل فيها فدهن المشمش ودهن الجوز الهندي.

فصل في البواسير

فإن كان هناك بواسير فما ينفع منها خبث الحديد ومرداسنج وأسفيذاج وزعفران وشب

فصل في اختلاج الشفة

أكثر ما يعرض يعرض لمشاركة فمّ المعدة وخصوصاً إذا كان بها غثيان وحركة نحو دفع شيء بالقذف لا سيما في الأمراض الحادة وأوقات البحارين.

وقد يكون بمشاركة العصب الجائي إليها من الدماغ والنخاع بمشاركتها للدماغ.

الفن التاسع أحوال الحلق

وهو مقالة واحدة: وهو مقالة واحدة

فصل في تشريح أعضاء الحلق

يعني بالحلق الفضاء الذي فيه مجريا النفس والغذاء ومنه الزوائد التي هي اللهاة واللوزتان والغلصمة.

وقد عرفت تشريح المريء وتشريح الحنجرة.

وأما اللهاة فهي جوهر لحمي معلّق على أعلى الحنجرة كالحجاب.

ومنفعته تدريج الهواء لئلا يقرع ببرده الرئة فجأة وليمنع الدخان والغبار وليكون مقرعة للصوت يقوي بها ويعظم كأنه باب مؤصد على مخرج الصوت بقدره.

ولذلك يضر قطعها بالصوت ويهيئ الرئة لقبول البرد والتأذّي به والسعال عنه.

وأما اللوزتان فهما اللحمتان الناتئتان في أصل اللسان إلى فوق كأنهما أذنان صغيرتان وهما لحمتان عصبيتان كغدتين ليكونا أقوى وهما من وجه كأصلين للأذنين.

والطريق إلى المريء بينهما.

ومنفعتهما أن يعبّيا الهواء عند رأس القصبة كالخزانة لكيلا يندفع الهواء جملة عند استنشاق القلب فيشرق الحيوان.

أما الغلصمة فهي لحم صفاقي لاصق بالحنك تحت اللهاة متدلّ منطبق على رأس القصبة وفوق الغلصمة الفائق وهو عظيم ذو أربعة أضلاع اثنان من أسفل.

وأما القصبة والمريء فنذكر تشريحهما من بعد.

فصل في أمراض أعضاء الحلق

قد يعرض في كل واحدة من هذه أمراض المزاج والأورام وانحلال الفرد.

فصل في الطعام الذي يغصّ به وما يجري مجراه

إذا نشب شيء له حجم فيجب أن يبدأ ويلكم العنق وما بين الكتفين ضرباً بعد ضرب فإن لم يغن أعين بالقيء وربما كان في ذلك خطر.

فصل في الشوك وما يجري مجراه

أما الشوك وشظايا العود والعظم وما أشبه ذلك فيجب أن ينظر فإن كان الحس يدركه أو كانت الريشة أو عقافة من خيزران أو وتر القوس مثنياً يناله فإنه يدفع به أو يجذب به فإن كانت الآلة الناقشة للشوك تناله فالصواب استخراجه على ما نَصِف.

وإن فات الحس فيجب أن يتحسّى عليهالأحساء المزلقة فإن لم ينجع هيّج الفواقي والقيء بالإصبع والريشة والدواء.

ومما جرب أن يشرب كل يوم درهم واحد من الحرف المسحوق بالماء الحار ويتقيأ فإنه يقذف بالناشب.والأولى أن يتقيأ بعد طعام مالئ وقد يشدّ خيط قوي بلحم مشروح ويبلع ثم يجذب فيخرج الناشب وكذلك بالتين اليابس المشدود بخيط إذا مضغ قليلاً ثم بلع وقد يغرغر برب العنب المطبوخ فيه التين فيبيّن الناشب عن موضعه وقد يضمد الحلق من خارج بأضمدة فيها إنضاج وتفتيح رقيق لينفتح الموضع وتخرج الشوكة أو ما يجري مجراها بذاتها ومثال هذا الضماد المتخذ من دقيق الشعير بالزيت والماء الفاتر.

فصل في العلق

إنه قد يتفق أن يكون بعض المياة عالقاً علقاً صغاراً خفية يذهل خفاؤها عن التحرّز منها فتبلع وربما علقت في ظاهر الحلق وربما علقت في باطن المريء وربما علقت في المعدة وربما كانت صغيرة لا يبصرها متأمل وقت علوقها وإذا أتى على ذلك وقت يعتد به وامتصت من الدم مقداراً صالحاً ربت جثتها وظهر حجمها.

علاماته: يعرض لمن علق به العلق غم وكرب ونفث دم وإذا رأيت الصحيح ينفث دماً رقيقاً أو يقيئه أحياناً فتأمل حال حلقه فربما كانت به علقة.

معالجات: قد يعالج المدرك منه بالبصر بعلاج الأخذ والنزع على ما نصفه وقد يعالج بالأدوية من الغراغر إن كانت بقرب الحلق والبخورات ومنها السعوطات إن كانت مالت إلى الأنف وبالمقيئات والمسهلات للديدان وما أشبهها إن كانت وقعت في الغور وفي المعدة.

وقد يحتال لها بحيل أخرى من ذلك أن ينغمس الإنسان في ماء حار أو يقعد في حمّام حار وخصوصاً على ثوم تناوله ثم لا يزال يكرّر أخذ الماء البارد المثلوج في فمه وقتاً بعد وقت حتى تترك العلقة الموضع الذي علقت به هرباً من الحرّ وتميل إلى ناحية البرد فإن احتيج أن يصبر على ذلك الحرّ إلى أن يخاف الغشي صبر عليه فإنه تدبير جيد جداً في إخراجه وكثيراً ما ينفع فيه الاقتصار على أكل الثوم والقعود في الشمس فاغر الفم بحذاء ماء بارد مثلوج ومن الناس من يسقي صاحب العلق الفسافس وضرباً من البقّ الحمر الدموية الشبيهة بالقراد الصغار الجلود التي يكاد يفسخها المس وإن كان برفق بخلّ أو شراب أو يبخر به الحلق بقمع ولعله الذي يسقى في بلادنا الأنجل.

والخل وحده إذا تحسي فربما أخرجه من الحلق وخصوصاً مع الملح.

وأما الغراغر: فمنها الغرغرة بالخلّ والحلتيت وحدهما أو بملح والغرغرة بالخردل مع ضعفه من بورق أو الخردل مع مثله نوشادر أو الغرغرة بشيح مع نصفه كبريت أو أفسنتين مع مثله شونيز أو بخلّ خمر طبخ فيه الثوم وشيح وترمس وحنظل وسرخس أو خل خمر مقدار أوقيتين جعل فيه من البورق ثلاثة دراهم ومن الثوم سنان.

وللغرغرة بعصير ورق الغرب خاصيّة في إخراجه وكذلك الغرغرة بالخلّ مع الحلتيت أو قلقطار وماء.

وأما إذا حصل في المعدة فيجب أن يسقى من هذا الدواء ونسخته: شيح قيسوم أفسنتين شونيز ترمس قسط جوف البرنج الكابلي سرخس من كل واحد درهمان أن بخلّ ممزوج وأيضاً يطعم صاحبه الثوم والبصل أو الكرنب أو الفودنج النهري الرطب والخردل مطيباً وكل حاد حريف ثم يتقيأ بعده إن سهل عليه القيء.

فإن لم يسهل فالشيء المالح الحاد وإن كان علوقها في الأنف وأوجب إسعاطها فسعط بالخلّ والشونيز وعصارة قثاء الحمار والخربق وإذا عرض أن ينقطع فليحذر صاحبه الصياح والكلام.

وإن سال عم أو قذفه أو أسهله فعالج كلاً بما تدري في باب.

وللسورنجان خاصية في دفع ذلك.

وأما كيفية أخذها بالقالب فأن يقام البالغ للعلقة في الشمس ويفتح فمه ويغمز لسانه إلى أسفل بطرف الميل الذي كالمغرفة فإذا لمحت العلقة ضع القلب في أصل عنقها لئلا تنقطع وهذا القالب هو الذي تنزع به البواسير.

فصل في الخوانيق والذبح

إن الاختناق هو امتناع نفوذ النفس إلى الرئة والقلب وهو شيء يعرض من أسباب كثيرة مثل شرب أدوية خانقة وأدوية سمّية ومثل جمود اللبن في بعض الأحشاء.

لكن الذي كلامنا فيه الآن هو ما كان بسبب يعرض في نفس آلات التنفس القريبة من الحنجرة من ورم أو انطباق أو عجز قوّة عن تحريك آلات الاستنشاق.

وأنت تعلم أن الورم يسدّ وأن ضغط العضو والمجاور يسدّ منافذ جار.وأنت تعلم أن العضل المحرّكة للأعضاء التحريك الجاذب إليها للهواء وهي عضل الحنجرة كما نذكر حالها في باب التنفّس.

إذا عجزت عن تحريكها وفعلها ليبس استولى على هذه العضل التي في داخل الحنجرة وما يليها أو لاسترخاء أو لتشنج أو لآفة أخرى لم يمكن الحيوان أن يتنفس وإن كان المجرى غير مسدود.

وأما الانطباق بسبب ضغط المجاور فإنه قد يقع بسبب زوال الفقرات التي في أول العنق إلى داخل بسبب ضربة أو سقطة ولا علاج له ولورم في عضل الخرز أو أربطتها أو في عضل المريء وأربطته بالمشاركة أو لشيء من الأسباب التي تجذبها إلى داخل أو لتشنّج يعرض فيها أيضاً بجذبها وأردؤه اليابس أو لآفات أخرى من آفات العصب يهيئ لذلك.

وأكثر ما يعرض ذلك يعرض للصبيان بسبب لين رباطاتهم.

وأعظمه خطراً ما كان في الفقرة الثانية وما فوقها وإذا كان دون ذلك فهو أسلم.

وأشدّه ما كان في الفقرة الأولى فإنه أشدّ وأحدّ ومن باب المجاور ما يكون بسبب الديدان.

وقد ذكرناه في باب عسر الازدراد.

وأما أقسام الورم بحسب الأعضاء المتورّمة فهي أربعة: فإنها إما أن يكون الورم في العضلات الخارجة عن الحنجرة المائلة إلى قدّام وإلى أسفل حتى يكون الورم يظهر وتظهر حمرته في مقدم العنف أو الصدر أو القص أو يكون في العضلات الخارجة عنها ولكن في التي إلى خلف وفي عضلات المريء حتى يكون الورم ولونه يظهر في داخل الفم وربما تأدّى إلى الفقار والنخاع بالمشاركة أو يكون في العضلات الباطنة من المريء وما يليه فبضيق النفس بالمجاورة ولا يظهر للحسّ ويكون في العضلات الباطنة من الحنجرة وفي الغشاء المستبطن لها وهو شرّ الأربعة وهو لا يظهر للحسّ أيضاً وقد يجتمع من هذه الأورام عدة اثنان أو ثلاثة.

وسبب هذه الأورام سبب سائر الأورام وربما كان لبعض الأغذية خاصية في إحداث هذه الأورام كالحندقوق.

وقيل إن ترياقه الخسّ أو الهندبا وربما لم يكن السبب الامتلائي في البدن كله بل كان البدن نقيّاً وإنما فضلت الفضلة في الأعضاء المجاورة لأعضاء الحلق فأحدثت ورماً وقد يقسم هذا الورم فيقال منه ظاهر للحسّ خارج ومنه ظاهر للحسّ إذا تأمل باطن الحلق داخلاً ومنه ما لا يظهر للحس فمنه في المريء ومنه في داخل الحنجرة وإنما يتأمل ذلك بدلع اللسان بعد فغر الفم بشدة مع غمز اللسان إلى أسفل.

وقد تعرض هذه الأورام من الدم وقد تعرض من المرّة الصفراء وقد تعرض من البلغم وأكثر خنقه بإطباق العضل مرخياً.

والبلغمي سليم وبرؤه سريع سهل وربما تطاول أربعين يوماً.

ومن البلغمي ما تولّده من بلغم لزج غليظ بارد ومنه ما تولده من بلغم لطيف حار.

ومثل هذا البلغم إذا نزل من الرأس وهو إنما يكون من الرأس في أكثر الأمر فإنه يتمكن إلى العضلات السفلى من الحنجرة والذي من البلغم الغليظ فيكون في عضلات أعلى الحنجرة لثقله وقلّة نفوذه وقلّما يعرض من السوداء.

وقال بعضهم: أنه لا يعرض البتّة لأن السوداء يقلّ انصبابها من عضو إلى عضو دفعة ولكنه لا يبعد مع نحور ذلك أن يعرض دفعة أو قليلاً قليلاً ثم يختنق.

وربما كان انتقالاً من الورم الحار وعلى كل حال فهو رديء.

وكل ورم خناقي فإما أن يقتل وإما أن تنتقل مادته وإما أن يجمع ويقيح.

وقد يرم داخل القصبة لكنه لا يبلغ أن يخنق.

والخناق الرديء المحرج إلى إدامة فتح الفم ودلع اللسان يسمّى الكلبي.

فتارة يقال ذلك للكائن في العضل الداخل في الحنجرة وتارة يقال للواقع في صنفي العضل معاً وتارة يقال للذي يعرض إلى التشنّج إذا اندفعت المادة إلى جهة الأعصاب وقد تنصبّ إلى ناحية القلب فتقتل وقد تنصبّ إلى ناحية المعدة.

وكل مخنوق يموت فإنه يتشنّج أولاً.

والخناق الكلبي قد يقتل فيما بين اليوم الأول والرابع وقد تكثر الخوانيق وأشباهها في الربيع الشتوي وإذا اشتدّ الخناق جعل النشر منخرياً يستعان فيه بتحريك الورقة وأحوجّ كثيراً إلى تحريك الصدر مع الورقة وإلى إسراع وتواتر إن أعانت القوة ولم يكن لنفسهم نفخة وإن لم يكن خناقاً.

وعروض الاختناق في الحمّيات الحادة رديء جداً لأن الحاجة فيها إلى التنفس شديدة.

العلامات: العرض العام لجميع أصناف الخوانيق: ضيق النفس وبقاء الفم مفتوحاً وصعوبة الابتلاع حتى إنه ربما أراد صاحبه أن يشرب الماء فيخرج من منخريه وجحوظ العينين وخروج اللسان في الشديد منه ضعف حركته وربما دام كثيراً ويكون كلامه من الصنف الذي يقال أن فلاناً يتكلم من منخريه وهو بالحقيقة بخلاف ذلك فإن الذي ينسب إلى هذا في عادة الناس إنما هو مسدود المنخرين فهو بالحقيقة لا يتكلم من المنخرين.

وأما الوجع فلا يشتدّ في البلغمي والصلب ويشتدّ في الحار.

وإن اشتد الوجع فربما انتفخت الرقبة كلها والوجه وتدلّى اللسان.

وأسلم الذبحة ما لا يعسر معها النفس.

ونبض أصحاب الخناق في أوله متواتر مختلف ثم يصير صغيراً متفاوتاً ويشترك جميع الورم في أنه يحسّ إما بالبصر وإما باللّمس بأن تحس أعضاء المريء والحنجرة جاسية متمدّدة ويكون صاحبه كأنه يشتهي القيء والزوالي يكون معه انجذاب من الرقبة إلى داخل وتقصّع حيث زال الفقار وإذا لمس أوجع وإذا نام على قفاه لم يسغ شيئاً يبلغه البتّة والفرق بين ضيق النفس الكائن بسبب الذبحة والكائن بسبب ذات الرئة أن الذي في ذات الرئة لا يختنق دفعة وهذا قد يختنق.

والفرق بين الورم في الحنجرة والورم في المريء أنه إذا كان البلع ممكناً والنفس ممتنع فالورم في الحنجرة أو كان بالعكس فالورم في المريء وربما عظمت الحنجرة حتى يمتنع البلع وربما عظم المريء حتى يمتنع التنفّس وإنما يضيق النفس من أورام المريء ما كان في أعلاه وأما دون ذلك فلا يمنعالنفس وإن عسر أو ضيّق لأنه لا يبلغ أن يزاحم القصبة وطرفها فلا يدخلها هواء البتة.

وإذا كان الورم في المريء وفي العضلات الداخلة لم يتبين للحسّ ولطئ اللسان بالحنك لطأً شديداً.

والفرق بين الورم الرديء الذي لا يبرأ والورم الذي ليس بذلك الرديء بل هو في آخر عضل المريء وإن كان لا يرى أنه لا يضيق معه النفس إلا عند البلع.

والرديء منه الذي يكون داخل الحنجرة ولا يظهر للحس من خارج منه شيء ولا من داخل إذا تؤمل حلقه بل هو غائر ثم الذي لا يرى من داخل ويرى من خارج.

والخناق الرديء فإنه يعجّل إلى منع التنفّس وإذا استلقى صاحبه امتنع نفسه أصلاً وإذا لم يستلق يكون عسر النفس أيضاً دائم تمديد العنق احتيالاً للتنفس يتململ ويحبّ الانتصاب ويقدر على الاضطجاع.

وإذا بلع ضيق النفس والحاجة إلى إخراج البخار الدخاني إلى أن تزعج القوة المتنفسة الرطوبات إلى خارج في التنفس فيظهر الزبد فلا رجاء فيه ولا يجب أن يعالج.

على أنه قد يعرض أن يزيد المخنوق أحياناً ثم يعافى وذلك إذا كانت هناك قوة وشهوة غذاء.

وغلظ اللسان واسوداده من العلامات الرديئة وإذا كان مع الخوانيق الرديئة حمى شديدة فالموت عاجل لأن الحمى تحوج إلى نفس كثير.

وقد قيل في علامات الموت السريع أن من كان به خوانيق فتغير لون مؤخر عنقه عن حمرته المعتادة تغيراً إلى البياض أو إلى الخضرة وعرق إبطه وأرنبته عرقاً بارداً فإنه يموت في أحد يوميه.

وأما علامات الرجاء فأن تنتقل الحمرة إلى خارج وكثيراً ما يفتحون حينئذٍ أعينهم ويفيقون وكذلك إذا تغير نفسهم وأخذوا يتنفسون نفساً قصيراً وذلك لأنهم يبتدرون في حال الشدة إلى تطويل النفس ليدخلوه قليلاً قليلاً فإذا قصر فقد زال سبب المستدعي للتطويل وعادت الأعضاء إلى الحال الطبيعية.

وكذلك إذا حدث ورم في الجانب المقابل رجي معه الانحلال لما عرفت.

وأما علامات انتقال الخناق فهو أن يرى في الورم ضمور وانحلال من غير انفجار إلى خارج مع استراحة ثم يجب أن يتأمل أمر النبض فإن صار موجباً عظيماً وحدث سعال فهو ذا ينتقل إلى ذات الرئة وإن كان النبض متشنّجاً فهو ينتقل إلى التشنّج وإن ضعف النبض جداً وصغر وتفاوت وهاج خفقان وانحلّت الغريزية وحدث غشي فالمادة منصبّه إلى ناحية القلب.

وإن حدث وجع في المعدة وغثيان فقد انصبّ إلى المعدة.

وأما علامات الجمع فأن يوجد لين قليل مع مجاوزة الرابع وقد يعرض للخناق الذي تظهر حمرته في العنق وناحية الصدر أن تغيب الحمرة وذلك يكون على وجهين إما لرجوع المادة إلى الباطن وإما لاستفراغ المادة.

وإذا كان بسبب استفراغ المادة فهو مرجو ويخفّ معه النفس الشديد.

والآخر رديء.

وعلامات الدموي منه علامات الدم المعلومة وحمرة اللسان والوجه والعين.

ووجدان طعم الدم إما حلاوة أو مثل طعم الشراب الشديد والوجع الشديد التمددي ضيق النفس.

وعلامات الصفراوي التهاب وحرارة وغمّ شديد وعطش شديد ووجع شديد جداً لذّاع ومرارة ويبس وسهر وليس يبلغ تضييقه للنفس مبلغ الواقع من الدم.

وقد دلّ عليه لون اللسان وحرقة الموضع وحدته وكأن في الموضع شيئاً حريفاً لاذعاً.

ووجع الصفراوي أقل من وجع الدموي.

وعلامات البلغمي ملوحة أو بورقية مع حرارة ولزوجة لأن هذا البلغم يكون فاسداً متعفناً.

وقد يدل عليه بياض لون اللسان والوجه وقلة العطس وقلة الالتهاب وقد يدلع اللسان بالإرخاء وقلّما يعرض معه ورم في الغدد ويكون الوجع معه قليلاً أو معدوماً ولا يكون معه حمّى وتتطاول مدته إلى أربعين يوماً.

وإذا جاهد صاحبه أمكنه الإساغة.

وذلك لأنه ينفذ وعلامات السوداوي الصلابة وطعم الحموضة والعفوصة وأن يعرض قليلاً قليلاً وربما كان انتقالاً من الورم الحار.

وعلامات الكائن عن يبس الأعضاء المنفّسة أيها كانت قلّة رطوبة في الفم والانتفاع بالماء الحار في الوقت لما يرطّب ويرخّي.

واعلم أنه قد يعرض للإنسان وجع راتب سنة أو سنتين في حلقه فيدل على تحجّر فضل في نواحي الحلق.

فصل في كلام كلّي في معالجات الأورام العارضة

في نواحي الحلق والحنجرة والغدد التي تطيف بها واللهاة والغلصمة واللوزتين

يجب أن يستفرغ أوّل كل شيء من المادة الفاعلة لذلك بالفصد والإسهال وأن يجذب المادة إلى الجهة المخالفة ولو بالمحاجم توضع على المواضع البعيدة المقابعة لها وربط الأطراف ربطاً مؤلماً وأن يبتدأ بالأدوية القابضة ممزوجة بما له قليل جلاء كالعسل وأفضلها قشور الجوز ثم بربّ التوت.

واعلم أن المبادرة إلى التغرغر بالخلّ كما يبتدئ ورم اللهاة أو خناق مما يمنع ويردع ويجلب رطوبة كثيرة ويكون معه امتناع ما كاد يحدث.

ومن هذه الأدوية مثل الشبّ والعفص والجلّنار والرمانين المطبوخين إلى النهري يتّخذ منهما لعوق.

ومما ينفع من ذلك حلق اليافوخ ثم طلاؤه بعصارة أقاقيا هذا في الأول ثم يتدرّج إلى المنضجات ثم إلى المفتّحات القوية حتى إلى درجة النوشادر والعاقرقرحا وما نذكره.

ومما ينفع في ذلك التعطيس بمثل الكندس والقسط وورق الدفلي والمرزنجوش.

ومن الأشياء المجرّبة التي تفعل بخاصيتها في أورام الخوانيق واللهاة واللوزتين وبالجملة أعضاء الحلق نفعاً عظيماً أن يؤخذ خيوط وخصوصاً مصبوغة بالأرجوان البحري فيخنق بها أفعى ثم يطوّق عنق من به هذه الأورام فإن ذلك ينفعه نفعاً بليغاً عظيماً عجيباً مجاوزاً للقدر المتوقّع.

واللبن من الأدوية الشريفة.

والانتهاء بما يردع ويليّن ويسكّن الأوجاع ويجب أن يتأمل في استعمال ما يقبض أو يحلّل أو ينضج وينظر إلى حال البدن في لينه وصلابته فتقوى القوى في الصلبة وتليّن في اللينة وكذلك يراعي السنّ والمزاج والزمان والعادة وقد يخص أورام اللهاة واللوزتين واسترخاؤهما القطع ويفرد له باباً ومن وجوه العلاج الغمز على الموضع.

ومواضعه ثلاثة: أحدهما عندما يزول الفقار والثاني في أورام اللهاة واللوزتين المحوجة إلى إشالتها عن سقوطها إلى فوق والثالث في الأورام البلغمية إذا ضيقت المنفذين فاستعين بالغمز على تنقيتها وتلطيفها.

علاج الذبح والخوانيق وكل اختناق من كل سبب: أما الحار فيجب أن يبدأ فيه بالفصد ولا يخرج الدم الكثير دفعة وخصوصاً إذا كانت قد أخذت القوّة في الضعف بل يؤخذ عشرة عشرة كل ساعة إلى اليوم الثالث بالتفاريق المتوالية فإن لم يكن أخذ في الضعف فيجب أن لا يزال يخرج الدم إلى أن يعرض الغشي في القوي ويجب أن لا ينحى بالتفريق نحو حفظ القوة ودفع الغشي فإن الغشي إذا عرض لهم أسقط قوتهم فيجتمع عسر التنفس وسقوط القوة وخصوصاً وهم مؤاخذون بتقليل الغذاء اختياراً أو ضرورة لا سيما إن كانت حمى.

وقد يجب أن يراعى في أمر الفصد شيئاً آخر وهو أنه ربما كان سبب غلبة الورم في الخوانيق احتباساً لا سيما من معتاد كدم حيض ودم البواسير وفي مثل ذلك يجب أن يكون الفصد من جانب يجذب إلى الجهة التي وقع عنها الاحتباس مثل ما يجب ههنا من فصد الصافن وحجامة الساق فإذا خرج دم كثير فربما سكن العارض من ساعته وربما احتجت إلى إعادته من غد.

وبالحقيقة أنه إن احتملت الحال المدافعة بالفصد إلى النضج فذلك أفضل لتبقى القوّة في البدن ويقع الاستفراغ من نفس مادة المرض ويقتصر على إرسال متواتر أياماً عشرين بعشر وزنات دم أو خمس وزنات ويسهل التنفس وكذلك أيضاً الغراغر تؤخّر أن كان هناك امتلاء وكانت الغراغر تؤلم خوفاً من الجذب بل تستعمل الغراغر بعد التنقية.

من الذبح صنف آخر يكون في أقصى الغلصمة فإذا فصد قبل انحطاط العلة انحطّ إلى المخنق وأكثر ما يعرف به وقت الخناق من الابتداء والتزيد والانتهاء والانحطاط هو من حال الازدراد وتزيد عسره ووقوفه أو انحطاطه وما دام في التزيد ولم يكن ضرورة لم يفصد الفصد البالغ بل يقتصر على ما قلنا.

وإذا كان الخناق ليس بمشاركة من امتلاء البدن كله بل كانت الفضلة في ناحية الحلق فقط ولم يخش مدداً جاز أن لا يفصد بل يبعد عن بدنه أسباب التحلل المحوج إلى البدل الكثير ويمنع الغذاء ليكون بدنه مستعملاً لدمه في الاغتذاء وصارفاً إياه عن جهة الورم كأنه يغصبها الدم ثم يقبل على التحليل والإنضاج.

وإن فصدت ربما لم يحتمل ذلك ولم يكن بد من تغذية وفي التغذية تعذيب وخصوصاً حين لا يشبع ولا يؤخر فصد العرق الذي تحت اللسان بل يجب أن يبادر إلى ذلك ولو في اليوم بل ولو في خلل التفاريق المذكورة وخصوصاً إذا كانت العروق التي تحت اللسان متمدّدة.

وربما احتيج إلى فصد الوداج وربما احتيج إلى شرط اللسان نفسه وإلى حجامة الساق فإنه نافع جداً.

ومن كان يعتاده الخوانيق فيجب أن يفصد قبل عروضها كما ترى امتلاء وعند الربيع.

ومما هو شديد النفع المبادرة إلى استعمال الحقن القوية جداً إلا أن تمنع الحمى فحينئذ يجب أن يقتصر على الحقن اللينة.

وللحقن القوية والشيافات منفعة في ذلك قوية.

ويجب أن تربط الأطراف ويطوق العنق بصوف وخصوصاً صوف الزوفا مغموساً أية كان في الزيت أو في دهن البابونج فإنه مليّن مسكن للوجع ثم في آخره تخلط به الجواذب حين لا تنفع هذه وهي مثل البورق والخردل والقسط والجندبيدستر والكبريت والمراهم القوية المحمّرة وأيضاً بمثل عسل البلاذر وكل ما ينقط ويجب أن يقتصر في غذائهم إلى اليوم الثالث على السكنجبين وشراب العسل ثم يتدرج إلى ماء الشعير مع بعض الأشربة اللذيذة ثم إلى محّ البيض ثم إذا سهل البلغ استعملت الأحساء بخندروس.

وفي آخره نجعل الأحساء من المنضجات ثم المحلّلات.

وإذا عسر البلع وضعت المحاجم على الرقبة عند الخرزة الثانية بالمصّ أو بالنار ليتسع المنفذ قليلاً قليلاً ويسيغ كل ما يتجرع من الأغذية فإذا فرغ من ذلك أزلت المحاجم.

وأما النارية فإنها تسقط بنفسها ولا بأس أن يشرط أيضاً ويخرج الدم من هنا ومن الأخدعين ثم يحجم محجمة واحدة على الرأس وتوضع أيضاً محاجم على الذقن تحت الحلق وذلك بعد قطع المادة فإن جميع هذا يجذب المادة إلى خلاف ويقلّلها.

وكذلكالأول ويضعها تحت الثدي وعلى الكاهل ولا بأس بإدخال ما ينقّي من الخيزران ونحوه ملفوفاً عليه قطنة فإن في التنقية توسيعاً وربما أدخل في الحلق قصبة معمولة من ذهب أو فضة أو نحوهما تعين على التنفس.

وكذلك إذا اشتد الضيق لم يكن من وضع المحاجم على الرقبة.

وقد ينفع في توسيع البلع والنفس غمز الأكتاف وأما الأدوية في الابتداء فالقوابض وخصوصاً للدموي.

وأفضل القوابض ما له مع قبضه جوهر لطيف يغوص به.

ومن الأشياء التي أخرجتها التجربة فإن القوابض المخلوطة المركبة أنفع من المفردة البسيطة.

وربما اشتد الوجع في أول الأمر.

فاحتيج إلى أن يخلط بالقوابض ما يسكّن الوجع ويلين مثل شراب البنفسج والفانيذ واللبن الحار ولعاب بزر كتان والمبيختج وربما لم تكن الانصباب فلم يكن بدّ من المحلّلة يخلط بها أو ربما لم يكن المادة كثيرة في الانصباب ويكون الورم ليس قوياً فيبتدأ ويستعمل العفص والنوشادر فإنه يمنع بقوّة ويحلل بقوة.

وأما الصفراوي فيجب أن يكون أكثر الفصد مصروفاً فيه إلى التبريد مع القبض وقد يستعمل فيه لطوخات وقد يستعمل فيه وفي كل غرغرات ويستعمل نفوخات بمنفاخ ونثورات.

فمن ذلك التغرغر بالسكنجبين والماء والخلّ والماء فإنه عظيم المنفعة في أول الحار والبارد وبرب التوت وخاصة البري ثم الذي ليس فيه سكر أو عسل ويستعمل في الابتداء صرفاً ومقوى بقوابض من جنس عصارة السماق والحصرم مجفّفين وكما هما والجلنار وإنما يجعل في مثله العسل لينقَي لا ليقوي وكذلك طبيخ القسب بالعسل أو طبيخ السمّاق وبعقيد العنب.

وأقوى من ذلك عصارة الجوز الرطب وهي من أفضل أدوية هذا الورم عصارة الورد الطري.

ورب الخشخاش إذا خلط بالقوابض كان شديد النفع في الابتداء.

وأقوى من طبيخ الآس.

والبلوط والسماق وماء الكزبرة والسماق وماء قشور الجوز وماء الآس وماء طبخ فيه العدس جداً أو السفرجل القابض جداً.

وللزعرور خاصية والشب اليماني أيضاً له خاصية في ذلك وأيضاً ينفخ في الحلق نفوخاً من بزر الورد والسماق والجلنار أجزاء سواء والكافور شيء قليل.

وللصفراوي عصارات البقول الباردة مخلوطة بما له قبض ما وعصارة عصا الراعي وعصارة عنب الثعلب وعصارة قضبان الكرم.

ومن المشتركات بينهما في الابتداء بزر الورد وبزر البقلة ولعاب بزر قطونا ونشاء وطباشير وسمّاق وكثيرا وكافور ويتخذ منه حبّ مفرطح ويؤخذ تحت اللسان وإذا انقطع التحلب فيجب أن يخلط بربّ التوت المرّ والزعفران فإن المر غواص بقوة قبضه تحليله.

ويغوص الزعفران فيجتمعان على الإنضاج وإن رأيته يميل إلى الصلابة خلط بالتوت شيئاً من البورق وإذا قارب المنتهى أو حصل فيه فيجب أن يستعمل أيضاً ما فيه تسكين وتليين كاللبن الحليب مدافاً فيه فلوس من الخيار شنبر والزفت في رب التوت أو طبخ التين والحلبة أو ربّ الآس مع الميبختج أو عصير الكرنب بعسل أو ميبختج أو المقل العربي محلولاً برب العنب فإنه نافع جداً أو ماء الأصول مطبوخاً فيه زبيب أو حلبة وتمر وتين والمرّ والزعفران والدارصيني غرغرة بالسكنجبين وماء العسل.

وتستعمل الأضمدة أيضاً للإنضاج مثل ضمّاد الساهر.

وتقطير دهن اللوز في الأذن نافع في هذا الوقت.

وإذا رأيته لا ينضج ورأيت صلابة وجب أن يستعمل في أدويته الكبريت.

وإذا كان قد نضج فاجتهد في تفجير الورم بالغراغر التي تجمع إلى التليين التفجير كبعض الأدوية الحادة في اللبن يغرغر به وإن كان ظاهراً وتطاول ولا ينفجر فلا بأس باستعمال الحديد.

ومن الأدوية المعتدلة مع المبادرة إلى التفجير طبيخ التين بالحلبة والتمر وطبيخ العدس بالورد ورب السوسن وبزر المرو.

وبعد ذلك يتدرج إلى ما هو أقوى فيخلط بربّ التوت بورق وكثيرا وأيضاً بزر مرو مدافاً في لبن ماعز والأدهان المسخّنة وخصوصاً مع عسل وسكّ ويتغرغر بمثل ماء العسل طبخ فيه تين وفودنج ومرزنجوش وشبث ونعناع وأصل السوس ونمام مجموعة ومفرقة.

وللقسط - وخصوصاً البحري - منفعة عظيمة في مثل هذا الوقت.

وفي حقيقة الانتهاء تقصد الجلاء التام والتفجير بمثل النطرون والبورق والحلتيت والمرّ والفلفل والجندبيدستر وفرق الخطاطيف وخرء الديك يغرغر به مع رب التوت بل بالنوشادر والعاقرقرحا وبزر الحرمل والخردل وبزر الفجل بالماء والسكنجبين ويستعمل هذه نفوخات.

ونفخ النوشادر مريح وإذا انحطت العلة استعملت الشراب والحمّام والتنطيل.

صفة حب نافع في الانتهاء: أصل السوسن أربعة أجزاء حلتيت نصف جزء يجمع بعصارة الكرنب أو عقيد العنب.

وأما علاج البلغمي.

فمن ذلك أن يدخل في الحلق قضيب مغموز معوّج ملفوف عليه خرق يطلى به الورم وتنقّى به الرطوبة.

وللعتيق منه حلتيت بدارصيني أو يسهل بالقوقايا والأيارج ونحوه ويحقن بالحقن الحادة القوية جداً.

وأما علاج السوداوي فأنفع الأدوية له دواء الحرمل غرغرة ولطوخاً من داخل وخارج.

وأما الأدوية التي لها خاصية وموافقة في كل وقت فخرء الكلب الأبيض والذئب الأبيض.

يجوع الكلب ويطعم العظام وحدها حتى يبقى يخرأ أبيض يكون قليل النتن.

وكذلك زبل الإنسان وخصوصاً الصبي ويجب أن يجهد حتى يكون ما يغتذي به بقدر ما ينهضم وأفضله له الخبز والترمس بقدر قليل ويسقى عليه شراباً عتيقاً ثم يؤخذ رجيعه ويجفف فإنه أقل نتناً.

فإن اشتهى مع الخبز شيئاً آخر فالأغذية الجيدة الهضم الحسنة الكيموس الحارة المزاج باعتدال مثل لحوم الدجاج والحجل وأطراف الماعز فإن هذه مع جودة الهضم تخرج ثفلاً قليل النتن.

ومن أدويته الفاعلة بالملح بالخاصية الخطاف المحرق يذبح ويسيل الدم على الأجنحة ثم يذر عليها ملح ويجعل في موز كطين ويسدر رأسه ويودع التنور.

لأن يودع الزجاج المطيّن بطين الحكمة أصوب عندي.

وكذلك خرء الخطاطيف المحرق بقوة وقد يحنّك صاحب الخناق الملح بالعسل والخل والزيت.

وكذلك أورام اللهاة وقد يحنّك أيضاً بمرارة الثور بالعسل ومرارة السلحفاة وزهر النحاس ورؤوس السميكات المملوحة خصوصاً اللهاة وكذلك الغرغرة بالسكنجبين المطبوخ فيه بزر الفجل والقلقطار والقلقديس جيدان لورم النغانغ.

ومن المركبات دواء التوث بالمر والزعفران ودواء الخطاطيف ودواء الحرمل ودواء قشور الجوز الطري وأقراص أندروس ودواؤه جيد بهذه الصفة.

ونسخته: خرء الكلب الأبيض محرقاً في خزف أو غير محرق أوقية فلفل درهمين عفص محرق قشور الرمان لحى الخنزير أو القرد أو الضبع من كل واحد نصف أوقية مر وقسط من كل واحد نصف أوقية ينفخ أو يلطخ.

وأيضاً في آخره وفي وقت الشدّ عذرة صبي عن خبز وترمس وخرء الكلب والخطاطيف المحرقة والنوشادر يكرر في اليوم مرات.

وربما ورم لسان المخنوق أيضاً وربما يحوج إلى معالجته وقد تكلمنا في أمراض اللسان والذي يخص هذا الموضع مع وجوب الرجوع إلى ما قيل هناك أن يحتال بعد الفصد في جذب المواد إلى أسفل وقد يفعل ذلك في هذا الموضع أيارج فيقرا فإن له خاصية في جذب المواد إلى أعالي فم المعدة والمريء والحلق ثم يستعمل عليه المبردات الرادعة كعصارة الخس وهو ذو خاصية دل عليها رؤيا نافعة ثم إن احتيج إلى تحليل لطيف فعل.

وأما الفقاري فما ينتفع به في تدبيره أن يحتال بغمز الموضع بالرفق إلى خلف فربما ارتدت الفقارة.

وذلك الغمز قد يكون بآلة أو بالإصبع وقد يجد بذلك راحة والآلة شيء مثل اللجام يدخل في الحلق ويدفع ما دخل إلى داخل.

والغمز ضارّ جداً في الأورام وإذا اشتدت الخوانيق ولم تنجع الأدوية وأيقن بالهلاك كان الذي يرجى به التخليص شقّ القصبة وذلك بأن تشقّ الرباطات التي بين حلقتين من حلق القصبة من غير أن ينال الغضروف حتى يتنفس منه ثم يخاط عند الفراغ من تدبير الورم ويعالج فيبرأ.

ووجه علاجه أن يمد الرأس إلى خلف ويمسك ويؤخذ الجلد ويشق.

وأصوبه أن يؤخذ الجلد بصنارة ويبعد ثم يكشف عن القصبة ويشق ما بين حلقتين من الوسط بحذاء شق الجلد ثم يخلط ويجعل عليه الذرور الأصفر ويجب أن تطوى شفتا شق الجلد ويخاط وحده من غير أن يصيب الغضروف والأغشية شيء.

وهذا حكم مثل هذا الشقّ وإن لم ينفع بهذا الغرض.

فإن ظنّ أن في تلك الأربطة نفسها ورماً أو آفة لم يجب أن يستعمل الشق وإذا غشي على العليل وخشيت أن يتم الاختناق بادرت إلى الحقن القوية وفصد العرق الذي تحت اللسان وفصد عرق الجبهة وتعليق المحاجم على الفقار وتحت الذقن بشرط وغير شرط فإن كان سبب اختناقه وغشيه العرق فإنه ينكس ليسيل الماء ثم يدخن بما له قوة وطيب حتى يستيقظ.

أما المتخلص عن خناق الشدّ فيجب أن يفصد ويحقن ويحسى أياماً حسواً من دقيق الحمص واللبن أو ماء اللحم مدافاً فيه الخبز وصفرة البيض.

واعلم أن من كان به وجع في الحلق فالأولى به هجر الكلام من أي وجع كان. فصل في اللهاة واللوزتين

هذه قد يعرض لها نوازل تورمها حتى تمنع النفس وقد تسترخي اللهاة من غير ورم فيحتاج إلى ما جففها ويقبضها من الباردة والحارة وربما احتيج إلى قطعها.وتقرب معالجتها من معالجة الخوانيق وتعالج في الابتداء بلطوخات ويرقق بمسها بريشة فإن الإصبع في غير وقية وغير رفقة ربما عنف.

والعظيم منها القليل الالتهاب تستعمل عليه الأدوية العفصة.

والملتهب يصلح له ما هو أشد تبريداً مثل ماء عنب الثعلب ومثل بزر الورد وورقه فإن لهما فعلاً قوياً.

ومما هو أقوى في هذا الباب الصمغ العربي والكثيراء والعنزروت بالبسفايخ لطوخاً وأيضاً جلّنار جزآن شب يماني جزء منخولين بحرير ويستعمل بملعقة مقطوعة الرأس عرضاً وربما زيد فيه زعفران وكافور ويستعمل لطوخاً وأيضاً العفص مسحوقاً بالخل يلطخ بريشة وأيضاً ماء الرمان الحامض بالقوابض وأيضاً حجر شاذنج وحجر خروجوس محرقاً الذي يسمى أخراطيوس والحجر الأفررجي وطباشير وطين مختوم والأرمني وربّ الحصرم وثمرة الشوكة والتبخّر بأعواد الشبث مما يقبض اللهاة جداً وأيضاً عصارة الرمان الحلو المدقوق مع قشره مع سدسه عسلاً مقوماً مثخّناً فإنه لطوخ جيد.

ويجب مع التغرغر بالقوابض أن يديم الغرغرة بالماء الحار فإن ذلك يعده لفعل القوابض فيه وتليينه ويمنع تصليب القوابض إياه فإن أورثها القوابض صلابة أو انعصاراً وانقباضاً مؤلماً استعمل فيها اللعابات والصمغ والكثيراء والنشا والأنزروت وبزر الخطمي وماء النخالة والشعير أو يقوم عصارة أطراف العوسج بخمسه عسلاً أو وزنه زيتاً أو طبيخ الورد والسماق بسدسه عسلاً يطبخ ويقوّم ويطلى من خارج بما له تجفيف وقبض قوي مثل ما يتخذ بالعفص والشب اليماني والملح وهو المتقدم على جميع ذلك قبل.

وللسودواي عفص فجّ جزء زاج أحمر سماق من كل واحد ثلاثة أجزاء وثلث ملح مشوي عشرين جزءاً ويستعمل.

دواء جيد في الأحوال والأوقات ونسخته: شب يماني ثلاثة أجزاء بزر ورد جزآن قسط جزء يستعمل ضماداً بريشة أو بمرفعة اللهاة وهو دواء جيد.

أخرى: يؤخذ عصارة الرمان بقشره ويقوم بخمسه عسلاً ويطلى.

وأيضاً: يؤخذ شب جزء ونوشادر نصف جزء وعفص فج ثلثا جزء وزاج ثلاثة أجزاء وإذا بلغ المنتهى أو قاربه استعمل المرّ والزعفران والسعد وما أشبهه.

وللدارشيشعان خاصية وفقّاح الأذخر وعيدان البلسان والأشنبة تستعمل لطوخات.

ومياهها غراغر وخصوصاً إذا استعمل منها غراغر بطبيخ أصل السوسن وبزر الورد مع عسل ويقطر دهن اللوز في الأذن في كل وقت فإنه نافع.

فإن جمعت اللوزتان وما يليها استعملت السلاقات المذكورة في باب الخناق فإن دام الوجع ولم يسكن عاودت الإسهال فإن لم يتم بذلك استعملت القوية التحليل مثل عصارة قثاء الحمار والكرنب والقنطوريون والنطرون الأحمر بعسل أو وحدها وإذا صلب الورم وطال فليس له كالحلتيت وإذا أخذت تدقّ في موضع وتغلظ في موضع فاقطع وما أمكن أن يدافع بدلك وتضمره بنوشادر يرفعه إليه بملعقة كاللجام فهو أولى.

ولا يجب أن تقطع إلا إذا ذبل أصلها فإنّ فيه خطراً عظيماً.

وهذه صفة غرغرة تجفف قروح أورام النغانغ وتنقّيها ونسخته: عدس جلّنار من كل واحد خمسة شياف ماميثا زعفران قسط من كل واحد جزء يطبخ بالماء ويؤخذ من سلاقته جزء ويمزج بنصفه ربّ التوث وربعه عسلاً ويتغرغر به.

فصل في سقوط اللهاة

قد تسقط اللهاة بحمّى وقد تسقط بغير حمى وسقوطها أن تمتدّ إلى أسفل حتى لا ترجع إلى موضعها وربما احتاج المزدرد إلى الغمز بالإصبع حتى يسوغ.

المعالجات: إن كان هناك حرارة وحمرة فصدت ثم استعملت الغراغر المذكورة في الأبواب الماضية مثل الغرغرة بالخلّ وماء الورد ثم يشال بورد وصندل وجلنار وكافور ورب التوث خاصة في الآلة الشبيهة باللجام.

ويجب أن يكون برفق ما أمكن فإن لم يكن هناك حرارة وحمرة استعملتا غرغرة بالسكنجبين والخردل أو المريّ النبطي ويشال بالآلة المذكورة.

والدواء الذي يشال به العفص والنوشادر مسحوقتين.

وأقوى العلاج أن يكبس بالآلة إلى فوق ممتدّاً إلى خارج بالأدوية القوابض أو المخلوطة بالمحلّلات على ما يجب وربما غمز بالإصبع ملطوخة بمثل رث التوت والجوز وغير ذلك.

ومن الأدوية الجيدة للكبس جلنار وشب وكافور.

ومن الجيدة في الإشالة المسك والنوشادر والعفص بالجلّنار.

والسك ألطف بعد أن لا يكون هناك آفة من ورم وامتلاء فإذا وقف تغرغر بماء الثلج غرغرة بعد غرغرة.

ومما جرت لذلك أن يؤخذ بزر الورد نصف رطل عصارة لحية التيس ثلاث أواق يطبخ في العسل أو في الطلاء وهو أقوى.

والصبيان قد يشيل لهاتهم العفص المسحوق بالخل وخصوصاً إذا طلي منه على نوافيخهم.

فصل في إفراد كلام في قطع اللهاة واللوزتين

يجب أن ينظر في اللهاة دقّتها وضمورها وخصوصاً في أسفلها وخصوصاً إن غلظ طرفها ورشح منه كالقيح فهو أوّل وقت وحينئذ يقطع بالحديد أو بالأدوية الكاوية ويحتاط بإسهال لطيف يتقدمه ونقص البدن عن الامتلاء إن كان به من دم أو غيره فإن القطع مع الامتلاء خطر والدقيق المستطيل كذنب الفارة الراكب على اللسان من غير امتلاء وحمرة.

أو سواد فإن قطعه قليل الخطر.

فصفة قطعها أن يكبس اللسان إلى أسفل ويتمكّن من اللهاة بالقالب ويجر إلى أسفل ولا يستأصل قطعها بل يترك منها شيء فإنك إن قربته من الحنك لم يكد الدم يرقأ البتة مع أنه لا يجب أن يقطع شيئاً قليلاً فتكون الآفة تبقى بحالها بل يجب أن يقطع قدر ما زاد على الطبيعي.

وأما إذا كانت حمراء وارمة ففي قطعها خطر وربما انبعث دم لا يرقأ بكَل رقوء.

ومن الأدوية القاطعة لها الحلتيت والشب لا يزال يجعل على أصلها فإنه يسقطها.

من الأدوية المسقطة إياها بالكي هو النوشادر مع الحلتيت والزاجات.

ويجب أن يقبض بهذه الأدوية على اللهاة بالآلة الموصوفة وتمسك ساعة من غير قطع حتى يعمل فيه ثم يعاد فيه إلى أن تسودّ فإن اسودت سقطت بعد ثلاثة أيام في الأكثر ويجب أن يكون المعالج منكباً فاتح الفم حتى يسيل لعابة ولا يحتبس في فمه.

وأما اللوزتان فيعلقان بصنّارة ويجذبان إلى خارج ما أمكن من غير أن ينجذب معها الصفاقات فيقطعان باستدارة من فوق الأصل وعند ربع الطول بالآلة القاطعة من بعد أن تقلب الآلة القاطعة وتقطع الواحدة بعد الأخرى وبعد مراعاة الشرائط المذكورة في لونها وحجمها فإذا سقط منها ما قطع ترك الدم يسيل بقدر صالح وصاحبها منكبّ على وجهه لئلا يدخل الدم حلقه ثم يتمضمض بماء وخل مبردين ويتقيأ ويسعل لينقّي باطنه ثم يجعل عليه ما يقطع الدم مثل القلقطار والشبّ والزاج يتغرغر بطبيخ العليق وورق الآس مفتراً.

فصل في ذكر آفات القطع

من ذلك الضرر بالصوت ومن ذلك تعريض الرئة للبرد والحر فيعرض سعال عن كل برد وحرّ ولا يصبر على العطش ومن ذلك تعريض المعدة لسوء مزاج عن سبب بارد من ريح وغبار ونحوه وكثيراً منهم يستبرد الهواء المعتدل وكثيراً منهم استحكم البرد في صدره ورئته حتى مات وقد يعرض منه نزف دم لا يحتبس.

علاج نزف دم قطع اللهاة واللوزتين: يجب أن توضع المحاجم على العنق والثديين ويفصد من العروق السافلة المشاركة كالأبطي ونحوه فصداً للجذب.

وأما المفردات الحابسة للدم واللطوخات المستعملة لذلك فهي مثل الزاج يلطخ به أو يذر الزاج عليه والمبرّدات بالفعل فكماء الثلج والعصارات الباردة القابضة المعروفة مثل عصارة الحصرم وعراجين الكرم والريباس وعنب الثعلب وماء السفرجل الحامض.

ومن الأشياء المجربة التي لها خاصية في هذا الباب ويجب أن يستعمل في الحال دواء شهد به من العلماء المعروف بديوحانس وهو الكوهارك وأيضاً عصارة لسان الحمل إذا استعمل وخصوصاً بأقراص الكهرباء والطين المختوم ويجب أن لا يستعمل منها شيء حار بل بارد بالفعل فإن الحرارة بما تجذب تبطل فعل الدواء.


الفن العاشر أحوال الرئة والصدر

وهو خمس مقالات:

المقالة الأولى الأصوات والنفس

فصل في تشريح الحنجرة والقصبة والرئة

أما قصبة الرئة: فهي عضو مؤلف من غضاريف كثيرة دوائر يصل بعضها على بعض فما لاقى منها منفذ الطعام الذب خلفه وهو المريء وجعل ناقصاً وقريباً من نصف دائرة وجعل قطعه إلى المريء ويماس المريء منه جسم غشائي لا غضروفي بل الجوهر الغضروفي: منه إلى قدّام والتفّت هذه الغضاريف برباطات يجللها غشاء ويجري على جميع ذلك من الباطن غشاء أملس إلى اليبس والصلابة ما هو وذلك أيضاً من ظاهره وعلى رأسه الفوقاني الذي يلي الفم والحنجرة وطرفه الأسفل ينقسم إلى قسمين ثم ينقسم أقساماً تجري في الرئة مجاورة لشعب العروق الضاربة والساكنة وينتهي توزعها إلى فوهات هي أضيق جداً من فوهات ما يشاكلها ويجري معها.

فأما تخليقها من غضروف فليوجد فيها الانتفاخ ولا يلجئه اللين إلى الانطباق ولتكون صلابتها واقية لها إذا كان وضعها إلى قدام ولتكون صلابتها سبباً لحدوث الصوت أو معيناً عليه.

وتأليفها من غضاريف كثيرة مربوطة بأغشية ليمكنها الامتداد والاجتماع عند الاستنشاق والنفس ولا تألم من المصادمات التي تعرض لها من تحت وفوق ومن الانجذابات التي تعرض لها إلى طرفيها ولتكون الآفة إذا عرضت لم تتسع ولم تستمل وجعلت مستديرة لتكون أحوى وأسلم.

وإنما نقص ما يماس المريء منها لئلا يزاحم اللقمة النافذة بل يندفع عن وجهها إذا مددت المريء إلى السعة فيكون تجويفها حينئذ كأنه مستعار للمريء إذ المريء يأخذ في الانبساط إليه وينفذ فيه وخصوصاً والإزدراد لا يجامع النفس لأن الإزدراد يحوج إلى انطباق مجرى قيصبة الرئة من فوق لئلا يدخلها الطعام المار فوقها ويكون انطباقها بركوب الغضروف المتكئ على المجرى وكذلك الذي يسمى الذي لا اسم له.

وإذا كان الازدراد والقيء يحوجان إلى انطباق فم هذا المجرى لم يكن أن يكونا عندما يتنفس.

وخلق لأجل التصويت الشيء الذي يسمى لسان المزمار يتضايق عنده طرف القصبة ثم يتسع عند الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ثم إلى فضاء واسع كما في المزمار فلا بد للصوت من تضييق المحبس.

وهذا الجرم الشبيه بلسان وأما تصليب الغشاء الذي يستبطنها فليقاوم حدة النوازل والنفوث الرديئة والبخار الدخاني المردود من القلب ولئلا يسترخي بقرع الصوت.

وأما انقسامها أولاً إلى قسمين فلأنّ الرئة ذات قسمين.

وأما تشعبها مع العروق السواكن فليأخذ منها الغذاء.

وأما ضيق فوهاتها فليكون بقدر ما ينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدية إلى القلب ولا ينفذ إليها فيها دم الغذاء ولو ينفذ يحدث نفث الدم فهذه صورة قصبة الرئة.

أما الحنجرة: فإنها آلة لتمام الصوت ولتحبس النفس وفي داخلها الجرم الشبيه بلسان الزمامر من المزمار.

وقد ذكرناه وما يقابله من الحنك وهو مثل الزائدة التي تشابه رأس المزمار فيتمّ به الصوت.

والحنجرة مشدودة مع القصبة بالمبريء شداً إذا همَ المريء للإزدراد ومال إلى أسفل لجذب اللقمة انطبقت الحنجرة وارتفعت إلى فوق واستند انطباق بعض غضاريفها إلى بعض فتمددت الأغشية والعضل.

وإذا حاذى الطعام مجرى المريء يكون فم القصبة والحنجرة ملتصقين بالحنك من فوق فلايمكن أن يدخلها من الحاصل عند المريء شيء فيجوز بها الطعام والشراب من غير أن يسقط إلى القصبة شيء إلاّ في أحايين يستعجل فيها بالإزدراد قبل استتمام هذه الحركة أو يعرض للطعام حركة إلى المريء مشوّشة فلا تزال الطبيعة تعمل في دفعه بالسعال.

وقد ذكرنا تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها في الكتاب الأول.

وأما الرئة: فإنها مؤلفة من أجزاء أحدها شعب القصبة والثاني شعب الشريان الوريدي والثالث شعب الوريد الشرياني ويجمعها لا محالة لحم رخو ما متخلخل هوائي خلق من أرقّ دم وألطفه.

وذلك أيضاً غذاؤها وهو كثير المنافذ لونه إلى البياض خصوصاً في رئات ما تم خلقه من الحيوان.

وخلق متخلخلاً ليتسع الهواء وينضج فيه ويندفع فضله عنه كما خلق الكبد بالقياس إلى الغذاء وهو ذو قسمين: أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار والقسم الأيسر ذو شعبتين والقسم الأيمن ذو ثلاث شعب ومنفعة الرئة بالجملة الاستنشاق.

ومنفعة الاستنشاق إعداد هواء للقلب أكثر من المحتاج إليه في نبضة واحدة.

ومنفعة هذه الاعداد أن يكون للحيوان عندما يغوص في الماء وعندما يصوّت صوتاً طويلاً متّصلاً يشغله عن أخذ الهواء أو يعاف استنشاقه لأحوال وأسباب داعية إليه من نتن وغيره هواء معد يأخذه القلب.

ومنفعة هذا الهواء المعد أن يعدل بروحه حرارة القلب وأن يمدّ الروح بالجوهر الذي هو أغلب في مزاجه من غير أن يكون الهواء وحدة كما ظنّ بعضهم يستحيل روحاً كما لا يكون الماء وحده يغذو عضواً ولكن كل واحد منهما أما جزء غاذ وأما منقذ مبذرق.

أما الماء فلغذاء البدن وأما الهواء فلغذاء الروح وكل واحد من غذاء البدن والروح جسم مركب لا بسيط.

وأما منفعة إخراج الفضل المحترق من الروح وكل واحد من غذاء البدن والروح جسم مركب لا بسيط.

وأما منفعة إخراج الفضل المحترق من الروح وهو دخانيته والرئة لدخول الهواء البارد فإن هذا المستنشق يكون لا محالة قد استحال إلى السخونة فلا ينفع في تعديل الروح.

وأما تشعّب العروق والقصبة في الرئة فإن القصبة والشريان الوريدي يشتركان في تمام فعل النفس.

والشريان الوريدي والوريد الشرياني يشتركان في غذاء الرئة من الدم النضيج الصافي الجائي من القلب.

وأما منفعة اللحم فليسدّ الخلل ويجمع الشعب.

وأما تخلخله فليصلح للاستنشاق فإنه ليس إنما ينفذ الهواء في القصبة فقط بل قد يتخلص إلى جرم الرئة منه وفي ذلك استظهار في الاستكثار وليعين أيضاً بالانقباض على الدفع فيكون مستعداً للحركتين ولذلك ما تنتفخ الرئة بالنفخ.

وأما بياضه فلغلبة الهواء على ما يتغذى به ولتردده الكثير فيه.

وأما انقسامها باثنتين لئلا يتعطل التنفّس لآفة تصيب أحد الشقّين.

وكل شعبة تتشعّب كذلك إلى شعبتين.

وأما الخامسة التي في الجانب الأيمن فهي فراش وطيء للعرق المسمّى الأجوف وليس نفعه في النفس بكثير ولما كان القلب أميل يسير إلى الشمال وجد في جهة الشمال شاغل لفضاء الصدر وليس في اليمين فحسن أن يكون للرئة في جانب اليمين زيادة تكون وطاء للعروق فقد وقعت حاجة.

والرئة يغشيها غشاء عصبي ليكون لها على ما علمت حسن ما يوجّه فإن لم يكن مداخلاً كان مجللاً.

على أنّ الرئة نفسها وطاء للقلب بلينها ووقاية له.

والصدر مقسوم إلى تجويفين يفصل بينهما غشاء ينشأ من محاذاة منتصف القصّ فلا منفذ من أحد التجويفين إلى الآخر.

وهذا الغشاء بالحقيقة غشاءان وهو يتصل من خلف بالفقار ومن فوق بملتقى الترقوتين.

والغرض في خلقهما أن يكون الصدر ذا بطنين إن أصاب أحدهما آفة كمل الآخر أفعال التنفّس وأغراضه.

ومن منافعها ربط المريء والرئة وأعضاء الصدر بعضها لبعض.

وأما الحجاب فقد ذكرنا صورته ومنفعته في تشريح العضل فإنه بالحقيقة أحد العضل وهو من ثلاث طبقات المتوسّطة منها هي حقيقة الوتر الذي به يتمّ فعلها والطبقة التي فوقها هي كالأساس والقاعدة لأغشية الصدر التي تستبطنه والطبقة السافلة مثل ذلك لأغشية الصفاق.

وفي الحجاب ثقبان: الكبير منهما منفذ المريء والشريان الكبير والأصغر ينفذ فيه الوريد المسمى الأبهر وهو شديد التعلّق به والالتحام.

فصل في أمزجة الرئة وطريق سلامات أحوالها

نقول: أما المزاج الحار فيدلّ عليه سعة الصدر وعظم النفس وربما تضاعف والنفخة والصوت وثقله وقلّة التضرّر بالهواء البارد وكثرته بالحار وأعراض عطش يسكنه النسيم البارد كثيراً من غير شرب وكثيراً ما يصحبه لهب وسعال.

وأما المزاج البارد فيدل عليه صغر الصدر وصغر النفس والصوت وحدتهما والتضرر بكل بارد وكثر تولد البلغم فيها وكثيراً ما يتضاعف به النفس ويصحبه الربو والسعال.

وأما المزاج الرطب فيدل عليه كثرة الفضول وبحوحة الصوت والخرخرة وخصوصاً إذا كانت مع مادة وكانت مائلة إلى فوق والعجز عن رفع الصوت لا لضعف البدن.

وأما المزاج اليابس فيدلّ عليه قلّة الفضول وخشونة الصوت ومشابهته بصوت الكراكي وربما كان هناك ربو لشدة التكاثف وكل واحد من هذه الأمزجة قد يكون للرئة طبيعياً وقد يكون عرضياً ويشتركان في شيء من العلامات ويفترقان في شيء.

فأما ما يشتركان فيه: فالعلامات المذكورة إلاّ ما يستثنى من بعد وأما ما يفترقان فيه فشيئان: أحدهما أن المزاج إذا كان طبيعياً كانت العلامة واقعة بالطبع وإن كان عرضياً كانت العلامة له عرضية وقد حدث به إلا أن تكون العلامة من جنس ما لا يقع إلا بالطبع فقط فتكون علامة للطبيعي مثاله عظم الصدر أو صغره.

واعلم أنّ أخصّ الدلائل على أحوال الصدر والرئة النفس في حرّه وبرده وعظمه وصغره وسهولته وعسره ونتنه وطيب رائحته وغير ذلك من أحواله وكذلك الصوت أيضاً في مثل ذلك ومثل ما يدلّ الخناقي منه على أن الآفة في العضل الباسطة والأبحّ على أنها في العضل القابضة إن كانت الآفة في العضل والسعال والنفث والنبض.

وقد تبيّن لك كيفية دلائل النفس وكيفية دلائل الصوت وكيفية دلائل السعال وكيفية دلائل النفث.

وأما النبض وما يوجبه بحسب الأمزجة والأمراض فقد عرفت ذلك.

والرئة مجاورة للقلب والاستدلال من أحواله عليها أقوى والنبض أدلّ على ما يلي شعب العصبة من الرئة والسعال أدلّ على ما يلي القصبة ولحمية الرئة.

وإحساس اللذع والنخس دليل خاص على أن المادة في الأغشية والعضلات فإذا كان الانتفاث بسعال خفيف فالمادة قريبة من أعالي القصبة وما يليها وإن كانت لا تنفث إلا بسعال قوي فالمادة غائرة بعيدة وقد تصحب آفات أعضاء الصدر علامات من أعضاء بعيدة مثل الدوار في أورام الحجاب وحمرةَ الوجه في أورام الرئة.

فصل في الأمراض التي تعرض للرئة

تعرض للرئة الأمراض المختصة بالمتشابهة الأجزاء والأمراض الآلية وخصوصاً السدد في عروقها وأجزاء قصبتها وخصوصاً العروق الخشنة وفي خلخلة جرمها وقد تكون لأسباب السدد كلها حتى الانطباق والأمراض المشتركة.و قد تكثر أمراض الرئة في الشتاء والخريف لكثرة النوازل وخصوصاً في خريف مطير بعد صيف يابس شمالي والهواء البارد ضارّ بالرئة إلا أن تكون متأذّية بالحر الشديد وكثيراً ما تؤدّي أمراض الرئة إلى أمراض الكبد كما تؤدي شدة بردها وشدة حرها إلى الاستسقاء وكذلك الحجاب.

فصل في علاجات الرئة

لتتأمل ما قيل في باب الربو والتنفُّس ولتنتقل إلى غيره مما يشاركه في السبب من الأمراض وقد تراض الرئة بمثل رفع الصوت ومثل النفس النافخ لتلطف بذلك فضولها ولاستعمال الأدوية الصدريّة هيئة خاصة فإنها تجب أن تستعمل حبوباً ولعوقات في أكثر الأمر تمسك في الفم ويبلع ما يتحلل منها قليلاً قليلاً لتطول مدة عبورها في جواز القصبة ويتعاود فيتأدّى إلى القصبة والرئة وخصوصاً إذا نام مستلقياً وارتخت العضل كلها التي على الرئة وقصبتها.

وأقرب وجوه إمالة فضول الرئة هو الجانب الذي يلي المرء فذلك ينتفع بالقيء كثيراً إذا لم يكن هناك مانع.

فصل في المواد الناشبة في الرئة

وأحكامها ومعالجاتها

المواد التي تحصل في الرئة قد تكون من جنس الرطوبة وقد تكون من جنس القيح وقد تكون من جنس الدم.

والمواد الحارة الرقيقة.

والمواد الناشبة في الرئة قد يعسر انتفائها أما لغلظها ولزوجتها فلا تتنفث وأما لرقتها فلا يلزمها الريح الدافعة إياها بالسعال بل تنعقد الرطوبة عن الريح فتباينها الريح غير قالعة وإما لشدة كثرتها وإذا كانت الأخلاط الصدرية غليظة فلا تبالغ في التجفيف بل اشتغل بالتليين والتقطيع مع تحليل بمداراة ويكون أهم الأمرين إليك التقطيع أي تكون العناية بالتقطيع أكثر منها بالتحليل واستعمل في جميع تلك الأدوية ماء العسل فإنه ينفذها ويجلو أو يلين وأنت تعرف طريق استعمال ماء العسل.

فصل في الأدوية الصدرية المفردة والمركبة وجهة استعمالها

الأدوية الصدرية هي الأدوية التي تنقي الصدر وهي على مراتب.

المرتبة الأولى مثل دقيق الباقلا وماء العسل وبزر الكتان المقلو واللوز والشراب الحلو فإنه شديد التفتيح لسدد الرئة كما أنه شديد التوليد لسدد الكبد كما ستعلم علّته في باب الكبد.

ومن الباردات حب القثاء والقند والبطيخ والقرع.

وأما السمن فإن اقتصر عليه كان إنضاجه أكثر من تنقيته فإن لعق مع عسل ولوز مرّ كان إنضاجه أقلّ وتنقيته أكثر.

وأقوى من ذلك علك البطم واللوز المر وسكنجبين العنصل والحلبة والكُندر.

وتمر هيرون له قوة في هذه المعنى وأقوى من ذلك الكمّون والفلفل والكرسنّة وأصول السوسن وأصل الجاوشير والجندبيدستر بالعسل والعنصل المشوي مسحوقاً معجوناً بالعسل والقنطوريون الكبير والزراوند المدحرج والشونيز والدودة التي تكون تحت الجرار إذا جفّفت على خزف فوق الجمر أو في التنّور حتى تبيض وتخلط بالعسل وكذلك الراسن إذا وقع في الأدوية وماؤه شديد النفع والراوند من جملة ما يسهّل النفث والساليوس شديد المنفعة والبُلْبُوس نافع منقّ جداً خصوصاً النيء وبعده الذي لم يسلق إلا سلقة واحدة.

والزعفران يقوي آلات النفس جداً ويسهل النفس جداً وهذه الأدوية تصلح مشروبةً وتصلح ضماداً.

ومن الأدوية المركّبة: حبّ أفلاطون وهو حبّ الميعة وشراب الزوفا بالنسخ المختلفة ودواء أندروماخس ودواء سقلنيادوس ودواء جالينوس وأشربة الخشخاش بنسخ ودواء مغناوس ودواء البلاذر بالهليلجات.

ومما ينفث الأخلاط الغليظة والمدة أن يؤخذ من السكبينج والمر من كل واحد مثقال قردمانا مثقالين أفيون مثقال جندبيدستر مثقال يعجن بشراب حلو الشربة منه نصف مثقال.

ومما جُرب: هذا الدواء وصفته: يؤخذ كندر أربعة ومر اثنين مع ثلاث أواق ميبختج يُطبخ كالعسل ويُلعق أو عصارة الكرنب بمثله عسلاً أو سلاقته يطبخان حتى ينعقد أو النار نار الجمر.

وأيضاً: يؤخذ مرّ وفلفل وبزر الأنجرة وسكبينج وخردل يتخذ منه حبّ ويسقى منه غدوة وعشية عند النوم.

وأيضاً: خردل درهم بورق تسع قراريط عصارة قثاء الحمار وأنيسون من كلّ واحد قيراط ومن الأدوية القوية في ذلك أن يؤخذ المحروث والخردل وبزر الأنجرة وعصارة قثّاء الحمار وأنيسون يجمع ذلك كله بعسل ويعجن به.

ومن الأخلاط المائلة إلى الحار حلبة أوقيتين بزر كتان أوقية ونصف كرسنّة نصف أوقية جوف حبّ القطن نصف أوقية ربّ السوس أوقيتين يلتّ الجميع بدهن اللوز ويجمع بعسل.

وأيضاً: يؤخذ سبستان وتين أبيض وزبيب منزوع العجم وأصول السوسن وبرشاوشان يطبخ بالماء طبخاً ناعماً ويسقى منه وإن طبخ في هذا الماء بسفايج وتربد كان نافعاً.

واعلم أنه كثيراً ما يحتبس الشيء في الصدر وهو قابل للانتفاث إلا أن القوة تضعف عنه وحينئذ فيجب أن يستعان بالعطاس.

فصل في كلام كليّ في التنفس

التّنفس يتمّ بحركتين ووقفتين بينهما على مثال ما عليه الأمر في النبض إلا أن حركة التنفس إرادية يمكن أن تغيَّر بالإرادة عن مجراه الطبيعي والنبض الطبيعي صرف والغرض في النفس أن يملأ الرئة نسيماً بارداً حتى بعد النبضات القلبية فلا يزال القلب يأخذ منه الهواء البارد ويردّ إليه البخار الدخاني إلى أن يعرض لذلك المستنشق أمران: أحدهما استحالته عن برده بتسخين ما يجاوره وما يخالطه واستحالته عن صفاته بمغالطة البخار الدخاني له فحينئذ يزول عنه المعنى الذي به يصلح لاستمداد النبض منه فيحتاج إلى إخراجه والاستدلال منه.

وبين الأمرين وقفتان واستدخاله - وهو الاستنشاق - يكون بانبساط الرئة تابعة لحركة أجرام يطيب بها حين يعسر الأمر فيها وإخراجه يكون لانقباض الرئة تابعة لحركة أجرام يطيف بها.

والنفس عند العامة هو المخرج وعند الأطباء وفي اصطلاح ما بينهم تارةً المخرج كما عند العامة وتارة هذه الجملة كما أن النبض عند العامة هو الحركة الانبساطية وعند الأطباء فيه اصطلاح خاص على النحو المعلوم فيه وحركة النفس المعتدل الطبيعي الخالي عن الآفة يتمّ بحركة الحجاب فإن احتيج إلى زيادة قوة لما ليس يدخل إلا بمشقة أو لتقوي النفس ليخرج نفخه شارك الحجاب في هذه المعونة عضل الصدر كلها حتى أعاليها أو لا بد فبعض السافلة منها فقط فإن احتيج إلى أن يكون صوتاً لم يكن بد من استعمال عضل الحنجرة فإن احتيج إلى أن يقطع حروفاً ويؤلف منه كلام لم يكن بدّ من استعمال عضل اللسان وربما احتيج فيها إلى استعمال عضل الشّفة.

وكما أنّ في النبض عظيماً وصغيراً وطويلاً وقصيراً وسريعاً وبطيئاً وحاراً وبارداً ومتواتراً ومتفاوتاً وقوياً وضعيفاً ومنقطعاً ومتّصلاً ومتشنّجاً ومرتعشاً وقليل حشو العروق وكثيره وأموراً محمودة وأموراً مذمومة ولكلِّ ذلك أسباب كل ذلك دليل على أمر ما ولها اختلاف بحسب الأمزجة والأسنان والأجناس والعوارض البدنية والنفسانية كذلك للنفس هذه الأمور المعدودة وما يشبهها ولكلّ أمر منها فيه سبب وكل أمر منها دليل.

فمن النفس عظيم ومنه صغير ومنه طويل ومنه قصير ومنه سريع ومنه بطيء ومنه متفاوت ومنه متواتر ومنه ضيّق ومنه واسع ومنه سهل ومنه عسر ومنه قوي ومنه ضعيف ومنه حار ومنه بارد ومنه مستوٍ ومنه مختلف.

ومن أصناف النفس ما له أسماء خاصة مثل النفس المنقطع والنفس المضاعف والنفس المنتصب والنفس الخناقي والنفس المستكره في الفترات كما يكون في السكتة ونحوها.

والآفات التي تعرض في آلات النفس فيدخل منها آفة في النفس إما أن يكون في أعضاء النفس أو في مباديها أو فيما يشاركها بالجوار.

وأعضاء النفس هي الحنجرة والرئة والقصبة والعروق الخشنة والشرايين والحجاب وعضل الصدر والصدر نفسه فإن الآفة قد تكون في الصدر نفسه إذا كان ضيقاً صغيراً فيحدث لذلك في النفس آفة وأما مباديها فالدماغ نفسه والنخاع أيضاً لأنه منشأ للحجاب فإنه ينبت أكثر من الزوج الرابع من عصب النخاع وتتصل به شعبة من الخامس والسادس والعصب الجائي إليها.

وأما الأعضاء المشاركة بالجوار إليها فكالمعدة والكبد والرحم والإمعاء وسائر الأحشاء وتلك الآفات إما سوء مزاج مضعّف حار أو بارد أو رطب أو يابس أيا كان ساذجاً أو بمادة من خلط محتبس أو منصبّ إليه كثيراً أو لزجاً أو غليظاً والمدة والقيح من جملتها أو من ريح أو بخار وإما مرض آلي من فالج أو تشنج أو انحلال فرد من تصدع أو تعفن أو تقرّح أو تأكل أو من ورم بارد أو حار أو صلب أو من وجع.

وأنت تعلم مما نقصه عليك أن النفس قوي الدلالة وجار مجرى النبض بعد أن تراعى العادة فيه كما يجب أن تراعي الأمر الطبيعي المعتاد في النبض أيضاً.

فصل في النفس العظيم والصغير وأسبابه ودلائله

النفس العظيم: هو النفس الذي ينال هواء كثيراً جداً فوق المعتدل وهو الذي تنبسط منه أعضاء النفس في الجهات كلها انبساطاً وافر العظم ما يستنشق.

والصغير الضيق يكون حاله في ذلك بالضد فيصغر ما يستنشق وكذلك في جانب الإخراج.

وأسباب النفس العظيم هي: أسباب النبض العظيم أعني الثلاثة المذكورة فقد يظن أن الصغير هو الذي يتم بحركة الحجاب فقط وذلك ليس صحيحاً على الإطلاق فإنه - وإن كان قد يكون ما يتم بحركة الحجاب وحده صغيراً - فربما كان ذلك معتدلاً فإن المعتدل لا يفتقر إلى حركة غير الحجاب إذا كان الحجاب قويّ القوة وربما كان النفس صغيراً فإن كانت الأعضاء الصدرية كلها تتحرك إذا كانت كلها ضعيفة فلا يفي الحجاب وحده بالنفس المحتاج إليها ولا إن كانت الحاجة إلى المعتدل بل يحتاج أن يعاونه الجميع ثم لا يكون بالجميع من الوفاء باستنشاق الهواء وإخراجه الواقع مثلهما عن الحجاب وحده لو كان سليماً صحيحاً قوياً لأنه ليس واحد من تلك الأعضاء يفي بانبساط تام ولا بالقدر الذي إذا اجتمع إليه معونة غيره حصل من الجميع بسط للرئة كاف معتدل وذلك لضعف من القوى أو الضيق من المنافذ كما يعرض في ذات الرئة لكن يجب أن يكون عظيم النفس معتبراً بمقدار ما يتصرّف فيه من الهواء مقبولاً ومردوداً ولن يتمّ ذلك إلا بحركة جامعة من العضلة الصدريّة وما يليها ثم لا تنعكس حتى تكون كلها تتحرك فيه العضل كلها فهو نفس عظيم بل إذا تحِركت كلها الحركة التي تبلغ في البسط والقبض تصرفاً في هواء كثير.

والصغير هو على مقابلته وقد يبلغ من شدّة حركة أعضاء النفس للاستنشاق أن تتحرك منبسطة من قدّام إلى الترقوتين ومن خلف إلى عظم الكتفين ومن الجانبين إلى معظم لحم الكتف وربما استعانت بالمنخرين بل تستعين بهما في أكثر الأحوال وقد يختلف الحال في الانقباض أعظم وذلك بحسب المادة التي تحتاج إلى أن تخرج الانقباض والكيفية التي تحتاج أن تعدل بالإدخال والانبساط فأيهما كانت الحاجة إليه أمس كانت الحركة التي تحبسه أزيد فإن احتيج إلى إطفاء اللهيب كان الانبساط عظيماً وإذا اتفق في إنسان إن كان غير عظيم الاستنشاق بل صغيره ثم كان عظيم الإخراج للنفس كان ذلك دليلاً على أن الحرارة الغريزية ناقصة والغريبة الداخلة زائدة.

والأسباب في تجشم هذه الأعضاء كلها للحركة بعنف أربعة: فإنها إما أن تكون بسبب عظيم الحاجة لالتهاب حرارة في نواحي القلب وإما لسبب في العضل المحركة من ضعف في نفسها أو بمشاركة الأصول ومثل ما هو في آخر الدق والسل وفي جميع المدة فإنها تضعف القوّة أو لعلة إليه بها خاصة أو بمشاركتها المذكورة فيما سلف عن تشنج يعرض لها أو فالج أو سوء مزاج أو ورم ووجع أو غير ذلك يعرض للعضل عن الانبساط مثل امتلاء المعدة عن أغذية أو رياح إذا جاوز الحد فحال بين الحجاب والانبساط فلم ينبسط هو وحده.

وإما لضيق المنافذ التي هي الحنجرة وجداول القصبة والشرايين وما يتصل بها من منافذ النفس مثل التخلخل الذي في الرئة فإنها إذا امتلأت أخلاطاً كثرت فيه السدد أو عرض فيها الورم وهؤلاء كأصحاب الربو وأصحاب المدة وأصحاب ذات الرئة.

وأما الغفلة مع حاجة أو قلّة حاجة حتى طالت المدة بين النفسين فاحتيج إلى نفس عظيم يتلافى ما وقع من التقصير مثل نفس ومن جملة هذه الحاجة عظم نفس النائم لأنه يكثر فيه البخارات الدخانية ويغفل فيه النفس عن إرادة إخراج النفس إلى أن يكثر بها الداعي فيخرج لا محالة عظيماً وكذلك نفس من مزاج قلبه ليس بذلك الحاد المتقاضي بالنفس فيدافع إلى وقت الضرورة ويتلافى بالعظم ما فاته بالمدافعة العلامات التي يفرّق بها بين أسباب حركة الصدر كله إن كان ذلك بسبب كثرة الحاجة وتكون القوة قرية كان النفس كثيراً في إدخاله وفي نفخه ويكون ملمس النفس حاراً ملتهباً والنبض أيضاً عظيماً دالاً على الحرارة وتكون علامات الالتهاب موجودة في الصدر والوجه والعينين وفي اللسان في لونه وخشونته وغير ذلك فإن لم يكن ذلك ولم تكن القوة ساقطة وكأنها لا يمكنها البسط التام فالسبب الضيّق في شيء مما عددناه.

وأما إن كانت الأعضاء كلها تحاول أن تتحرّك ثم لا تتحرك حركة يعتد بها ولا تنبسط البسط التام مثل ما يروم ما لا يكون ويعول كل التعويل على المنخرين ولا يكون هناك عند الرد نفخة فالقوّة المحرّكة التي للعضل مؤفّة وإذا كان الضيق من رطوبة في القصبة وما يليها كان مع العلامات في النفس خرخرة واحتاج صاحبه إلى تنحنح وهو زيادة علامة على علامة الضيق الكلي وإن لم يكن ذلك كان السبب أغوص من ذلك وإذا حدث الضيق الخرخري دفعة فقد سالت إلى الرئة مادة من النوازل أو سال إلى الرئة أولاً ثم إلى القصبة ثانياً مدة وقيح من عضو.

فصل في النفس الشديد

هو الذي يكون مع عظمه كأن القوة تتكلف هناك فضل انزعاج للإدخال والنفخ بالإخراج فيكون مع العظم قوة هم.

فصل في النفس العالي الشاهق: هو الصنف من النفس العظيم الذي يفتقر فيه إلى تحريك أعالي عضل الصدر ولا تبلغ الحاجة فيه إلى تحريك الحجاب وأسافل عضل الصدر وكثيراً ما يحدث هذا النفس في الحميات الوبائية. فصل في النفس الصغير

تعرف أسبابه للمعرفة بأسباب العظيم على سبيل المقابلة وقد يصغر النفس بسبب الوجع إذا حال الوجع بين أعضاء التنفس وبين حركاتها وقد يصغر النفس الضيق وإذا اقترن به التثاؤب دل على موت الطبيعة وإذا اقترن به التواتر دل على وجع في أعضاء التنفس وما يليها من المعدة ونحوه مثل قروحها وأورامها.

العلامات: علامات أسباب النفس الصغير المقابلة لأسباب النفس العظيم معلومة بحسب المقابلة وأما الذي يكون صغره عن الوجع لا عن الضيق فيدل عليه وجود الوجع وإن صاحب الوجع لو احتمل ارجع وصبر عليه أمكنه أن يعظم نفسه ومع ذلك فقد يقع في خلال نفسه نفس عظيم تدعو الحاجة إليه وإلى احتمال الوجع أو تصيب الحاجة فيه غفلة من الوجع والكائن عن الضيق بخلاف ذلك كله.

النفس الطويل هو الذي يطول فيه مدّة تحريك الهواء في استنشاقه ورده لتتمكن القوة من التصرف في الهواء الكثير وربما منع عن العظيم السريع وجع أو ضيق فأقيم الطول في استيفائه المبلع المستنشق مقام العظيم السريع.

فصل في النفس القصير

هو مخالف للطويل وإذا قرن به التواتر كان سببه وجعاً في آلة التنفس وما يليها وإذا قرن به التفاوت دل على موت الغريزة.

فصل في النفس السريع

هو الذي تكون الحركة فيه في مدة قصيرة مع بلوغ الحاجة لا كالقصير والصغير والسبب فيه شقة الحاجة إذا لم يبلغ الكفاية فيها بالعظم إما لأن الحاجة فوق البلوغ إليه بالعظم وإما لأن العظم حائل مثل ما قيل في النبض.

وذلك الحائل إما في الآلة وإما في القوة قد تكون السرعة في إحدى الحركتين أكثر منها قي الأخرى مثل المذكور في النفس العظيم.

فصل في النفس البطيء

هو ضد السريع وضد أسبابه وقد يبطئ الوجع إذا كان العضو المتنفّس يحتاج إلى أن يتحرك برفق وتؤدة.

فصل في النفس المتواتر

هو الذي يقصر الزمان بينه وبين الذي قبله.

ومن أسبابه شدة الحاجة إذا لم ينقض بالعظم والسرعة لأنها أكثر من البلوغ إليه بهما لأن دونهما حائلاً من وجع أو ورم أو ضيق لمواد كثيرة أو انضغاط أو انصباب قيح في فضاء الصدر أو شيء آخر من أسباب الضيق.

وأنت تعرف الفرق بين الواقع بسبب الحاجة والواقع بسبب الوجِع وغير ذلك مما سلف لك في باب العظيم.

والنفس المتواتر على ما شهد أبقراط يستتبع آفة لتجفيف الرئة وأتعاب أعضاء النفس فيما يليها.

فصل في النفس البارد

يدل على موت القوة وطفء الحرارة الغريزية واستحالة مزاج القلب إلى البرد وهو أردأ علامة في الأمراض الحادة وخصوصاً إذا كان معه نداوة فتتمّ دلالته على انحلال الغريزية. فصل في النفس المنتن

هو داخل في البخر ويفارق سائر أصناف البخر بأن تلك الأصناف قد تروح النتن في غير حال التنفس وهذا إنما ينتن عندما يخرج النفس وهذا يدل على أخلاط عفنة في أعضاء التنفس إمّا القصبة وإما الرئة إذا عفن فيها خلط أو مدة. فصل في الانتقالات التي تجري بين النفس

العظيم والنفس السريع والنفس المتواتر و أضدادها

لقد علمت أن الحاجة إذا زادت ولم يكن لها حائل عظم النفس فإن زادت أكثر أسرع فإن زادت أكثر تواتر فإذا تراجعت الحاجة نقص أولاً التواتر ثم السرعة ثم العظم وكذلك إذا قلّ الحول والمنع وإذا فقد التراجع في المعاني الثلاثة وجد التفاوت أكثر ثم الإبطاء ثم الصغر فيكون الخروج عن الطبيعي إلى الصفر أقلّ من إلى البطء وأليهما أقل منه إلى التفاوت.

واعتبر هذا في الانبساط والانقباض جميعاً تحسب اختلاف الحاجتين المذكورتين اختلافاً في الزيادة والنقصان وإذا كان السبب في الانبساط أدعى إلى الزيادة كان الزمان الذي قبل الانبساط أقصر وإذا كان مثل ذلك السبب في الانقباض كان زمان السكون الذي قبل الانقباض أقصر والنفس المتتابع السريع يتبع ورماً حاراً وضيقاً عن سدة.

فصل في النفس المتحرّك أي المحرك للرئة

هذا النفس يدلّ على خور من القوة أو ضيق شديد خانق في الذبحة أو جمع مدّة وانصبابها أو خلط.

سوء التنفس يعم الأحوال الخارجة عن الطبيعة في التنفس التي لا تتبع أعراضاً صحية بل أعراضاً مرضية آلية وذلك مثل عسر البول وضيق النفس وتضاعف النفس وانقطاع النفس ونفس الانتصاب.

وقد يعرض لأنواع سوء المزاج والامتلاء والسدد ومجاورة ضواغط وأورام وأوجاع ولموانع للحركة ولقروح في الحجاب ونواحي الصدر وسقوط القوة من أمراض ناهكة وحمّيات حادة وبائية وسموم مشروبة.

وكل سوء تنفس وضيقه وعسره لمادة فإنه يزداد عند الاستلقاء ويكون وسطاً عند الاضطجاع على جنب ويخف مع الانتصاب.

وفي الخوانيق الداخلة يمتنع عند الاستلقاء أصلاً.

فصل في ضيق النفس

هو أن لا يجد الهواء المتصرف فيه بالنفس منفذاً في جهة حركته إلا ضيقاً لا يتسرّب فيه إلا قليلاً قليلاً.

وأسبابه إما أورام في تلك المنافذ التي هي الحنجرة والقصبة وشعبها أو الشرايين وفي نفس خلخلة الرئة وجرمها.وأشد أورامها تضييقاً للنفس ما كان صلباً أو أخلاط كثيرة فيها غليظة أو لمزجة أو مائية تجتمع في الرئة أو انطباق يعرض لها من ضاغط مجاور من ورم حار في كبد أو معدة أو طحال أو أخلاط منصبة في الفضاء لاستسقاء أو غيره مثل ما يكون من انفجار أورام في الجوف الأسفل تحول دون الانبساط أو تكاثف عن يبس أو قبض أو عن برد يصيب الرئة والحجاب أو عن سبب في العصب والحجاب وهو أولى بأن يسمى عسر النفس أو عن أبخرة دخانية تضيق مداخل النفس في المواضع الضيقة.

وقد يكون سبب ضيق الصدر فلا تجد الأعضاء المنبسطة للنفس مجالاً وقد يكون بسبب البُحران وعلامة له إذا مالت المواد عن الأورام الباطنة إلى فوق وقد يكون عسر النفس وضيقه بسبب سيلان المواد عن الأورام الباطنة منتقلة إلى نواحي الرأس وتُنذر بأورام خلف.

الأذنين إن كان الأمر أسلم أو في الدماغ إن كان أصعب.

العلامات: علامات الأورام الخناقية قد سلفت لك.

وأما علامة الورم الذي يكون في نفس الرئة فالوجع الثقيل وفي العضلات والحجب الصدرية الوجع الناخس الباطن وهو أقوى وأشدّ والظاهر وهو أضعف.

وأما في غضاريف الرئة فالوجع الذي فيه مصيص وربما أدى إلى السعال وإن كانت حارة فالحمى.

وعلامات الخناقية معروفة تشتدّ عند الاستلقاء وأما علامات امتلاء الأخلاط فإن كانت في القصبة فالنفث والشوق إلى السعال والانتفاع به مع انتفاث الشيء بأدنى سعال ومع خرخرة وإن كانت في الرئة كان الحال كذلك إلا أن السعال يأخذ من مكان أغور ولا يكون خرخرة إلا بقدر ما يصعب من المنفث وإن كان في الفضاء فثقل ينصبّ من جانب إلى جانب مع تغيّر الاضطجاع ثم يبدو النفث ولا يكون فيه مع ضيق النفس سعال يعتدّ به.

فصل في النفس المختلف

النفس يختلف مثل أسباب اختلاف النبض ويكون اختلافه منتظماً وغير منتظم. فصل في النفس المتضاعف

هو من أصناف المختلف وهو النفس الذي يتمّ بالانبساط فيه وهو الفحم أو الانقباض وهو التغيّر بحركتين بينهما وقفة كنفس الصبي إذ بكى فيكون فيه فحم إذا انبسط وتغير إذا انقبض.

وسببه إما حرارة كثيرة فلا ينتفع بما استنشق بل يوجب ابتداء حد في الزيادة وإما ضعف في آلات النفس المعلومة يحوج إلى استراحة في النفس وإما لسوء مزاج مسقط للقوّة أو مجفّف أو مصلب للآلة وهو الأكثر وإما لوجع فيها أو في مجاوراتها أو ورم.

والمجاورات مثل الحجاب والكبد والطحال.

والكبد أشدّ مشاركة من الطحال وإما لمرض آلي مما قد عدّ مراراً أو كثرة تشنج كائن أو يكون وهذا النفس علامة رديئة في الأمراض الحادة والحمّيات الحادة.

وأما إذا عرض من برد فإنه مما يشفيه الحمّى. فصل في النفس المنتصف

فصل في النفس العسر

هو أن تكون التصرّف في الهواء شاقاً كان ضيّق أو لم يكن ضيق.

والسبب في آفات أعضاء التنفس على ما قيل في غيره وربما كان لسبب كلهيب ناريّ يغلب على القلب ويكون لبرد مميت للقوة المحركة أو آيف لهما كما يعرض عند برد الحجاب بسبب تبرده من طلاء أو غيره وقد يكون لسوء مزاج يعرض للحجاب مثل برد من الهواء أو برد من ضماد يوضع عليه لسبب في نفسه أو لسبب في المعدة والكبد فيقع هو في جوار ذلك الضمّاد ولا يجود انبساطه وقد يكون لسدّة فيحتبس عندها الريح المستنشق ويحتاج إلى جهد حتى ينفتح.وهذا مخالف للضيق وربما كانت السدّة ورماً وقد يكون لدواء مسهّل أثاره ولم يسهل أو لحقنة حادّة لم تسهّل وكذلك إذا لم يبلغ الفصد في ذات الجنب الحاجة ويجب أن تقرأ ما كتبناه في آخر قولنا في ضيق النفس ههنا أيضاً.

فصل في انتصاب النفس

هو النفس الذي لا يتأتى لصاحبه إلا أن ينتصب ويستوي ويمدّ رقبته مداً إلى فوق فينفتح بسببه المجرى ولا يستطيع أن يحني العنق لأنه يضيّق عليه النفس كما يضيق على منجذب الرقبة نحو خلف وكذلك لا يقدر أن يحني الصدر والصهر إلى خلف.

وإذا أزال هذه النصبة وخصوصاً إذا استلقى عرض له أن تنطبق منه أجزاء الرئة بعضها مع بعض فتسدّ المجاري لأنها في الأصل في مثله تكون مسدودة في الأكثر وإنما فيها فتح يسير يبطله ميلان الأجزاء بعضها على بعض.

وقد يكون ذلك الإنسداد عارضاً في الحميات ونحوها لأبخرة مائية ورطوبات متحلبة وقد تكون بالحقيقة لأخلاط مالئة وسادة وأورام أو لأن العضل مسترخية فإذا لم تتحلّ إلى ناحية الرجل بل تدلّت إلى ناحية الظهر والصدر ضغطت.

فصل في كلام كلّي في نفس الطبائع والأحوال

في نفس الأسنان

أما الصبيان فإنهم محتاجون إلى إخراج الفضول الدخانية حاجة شديدة لأن الهضم فيهم أكثر وأدوم وليست حاجتهم إلى التطفئة بقليلة وقوتهم ليست بالشديدة جداً لأنهم لم يكملوا في أبدانهم وقواهم فلا بد من أن يقع في نبضهم تواتر وسرعة شديدان مع عظم ما ليس بذلك الشديد.

وأما الشبان فنفسهم أعظم ولكن أقل سرعة وتواتراً إذا الحاجة تبغ فيهم بالعظم.

وأما الكهول فنفسهم أقلّ في المعاني الزائدة من نفس الشبان وليس في قلّة نفس المشايخ وأما المشايخ فنفسهم أصغر وأبطأ وأشدّ تفاوتاً لما لا يخفى عليك. فصل في نفس الممتلئ

من الغذاء ومن الحبل والاستسقاء وغيره

نفسهم إلى الصغر لأن الحجاب مضغوط عن الحركة الباسطة ولما صغر نبضهم لم يكن به من سرعة وتواتر وإن كانت القوة كافية أو تواتر وحده إن كانت منقوصة.

فصل في نفس المستحم

أما المستحم بالحار فإنه يعظم نفسه للحاجة ولين الآلة ويسرع ويتواتر للحاجة وأما المستحمّ بالبارد فأمره بالعكس.

فصل في نفس النائم

إذا كانت القوّة قوية فإن نفسه يعظم ويتفاوت للعلة المذكورة في باب النبض ويكون انقباضه أعظم وأسرع من انبساطه لأن الهضم فيه أكثر.

فصل في نفس الوجع في أعضاء الصدر

هو كما علمت مما سلف منا لك بيانه إلى الصغر والقصر وربما تضاعف وربما عسر وقد يبطؤ إذا لم يكن تلهب وتواتر كما علمت ويكون صغره وقصره أكثر من بطئه لأن داعيه إلى الاحتباس وقلة الأنبساط أكثر من داعية إلى الرفق والتأدي بعظم الإنبساط أشدّ من التأدي بالسرعة فإن التهب القلب وسخن لم يكن بد من سرعة وإن تؤدىّ بها.

فصل في نفس من ضاق نفسه لأي سبب كان

ونفس صاحب الربو: يحتاج أن يتلافى ما يكون بالضيق تلافياً من جهة السرعة والتواتر لأي سبب كان في أكثر الأمر فيكون نفسه صغيراً ضيقاً متواتراً ونفس صاحب الربو مما يشرح في بابه. فصل في نفس أصحاب المدة

قد يتكلّفون بسط الصدر كله مع حرارة ونفخة ولا يكون هناك عظم ولا موجبات القوّة لأنّ صاحب هذه العلة يكون قد أمعن في الضعف والقوة في أصحاب ذات الرئة والربو باقية.فصل في أصحاب الذبحة والاختناق: يكون مع بسط عظيم ومع سرعة وتواتر للحاجة وغور المادة لا يكون لهم نفخة.

فصل في كلام مجمل في الربو

الربو علة رئية لا يجد الوادع معها بداً من تنفس متواتر مثل النفس الذي يحاوله المخنوق أو المكدود.

وهذه العلّة إذا عرضت للمشايخ لم تكد تبرأ ولا تنضج وكيف وهي في الشباب عسرة البرء أيضاً.

وفي أكثر الأمر تزداد عند الاستلقاء وهذه العلّة من العلل المتطاولة ولها مع ذلك نوائب حادة على مثال نوائب الصرع والتشنّج.

وقد تكون الآفة فيها في نفس الرئة وما يتّصل بها لتلحّج أخلاط غليظة في الشرايين وشعبها الصغار ورواضعها وربما كانت في نفس قصبة الرئة وربما كانت في خلخلة الرئة والأماكن الخالية وهذه الرطوبات قد تكون منصبّة إليها من الرأس خصوصاً في البلاد الجنوبية ومع كثرة هبوب الرياح الجنوبية وتكون مندفعة إليها من مواضع أخرى وقد تكون بسبب توليدها فيها بردها فتبتدئ قليلاً قليلاً وقد تكون بسبب خلط ليس في الرئة وشرايينها بل في المعدة منصبّاً من الرأس والكبد أو متولداً في المعدة والبُهر الحادث عند الإصعاد هو لمزاحمة المعدة للحجاب ومزاحمة الحجاب للرئة وقد تكون الكبد إذا بردت أو غلظت معينة على الربو.

وهذه الأخلاط قد تؤذي بالكيفية وقد تؤذي بالكمّية والكثرة وقد تكون في النادر من جفاف الرئة ويبسها واجتماعها إلى نفسها وقد تكون من بردها وقد تكون لآفة مبادئ أعضاء التنفّس من العصب والنخاع والدماغ أو نوازل تندفع إليها منها وقد تكون بمشاركة أعضاء مجاورة تزاحم أعضاء النفس فلا ينبسط مثل المعدة الممتلئة إذا زاحمت الحجاب وقد يعرض بسبب كثرة البخار الدخاني إذا احتقن في الرئة وصار إليها وقد يكون بسبب ريح يحتقن في أعضاء التنفّس ويزاحم النفس وقد يكون بسبب صغر الصدر فلا يسع الحاجة من النفس ويكون ذلك آفة جبلية في النفس كما يعرض في الغذاء من صغر المعدة وقد يشتدّ الربو فيصير نفس الانتصاب وكثيراً ما ينتقل إلى ذات الرئة.

العلامات: إن كان سبب الربو أخلاطاً ورطوبات في القصبة نفسها كان هناك ضيق في أول التنفس مع تنحنح ونحير واحتباس مادة واقفة وثفل مع نفث شيء من مكان قريب.

وإن كانت الأخلاط عن نزلة كان دفعة وإلا كان قليلاً قليلاً.

وإن كانت في العروق الخشنة دام اختلاف النبض خفقانياً وربما أذى إلى خفقان يستحكم ويهلك.

وأكثر نبض أصحاب الربو خفقاني وإن كان خارج الفضاء كيف كان لم يكن سعال وإن كان بمشاركة المبادئ دل عليه ما مضى لك وإن كان بمشاركة المجاورات دلّ عليه إزدياده بسبب هيجان مادة بها وامتلاء يقع فيها وإن كان عن نزلات دلّ عليه حالها وإن كان عن انفجار مدة دفعه إلى أعضاء التنفس دل عليه ما تقدّم من ورم وجمع ثم ما حدث عن انفجار إن كان عن يبس دلّ عليه العطش وعدم النفث البتة وأن يقلّ عند تناول ما يرطّب واستعمال ما يرطّب وإن كان بسبب ريح دل عليه خفّة نواحي الصدر مع ضيق يختلف بحسب تناول النوافخ وما لا نفخ له وإن كان بسبب برد مزاج الرئة وكما يكون في المشايخ فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً ويستحكم.

علاج الربو وضيق النفس وأقسامه: أما الكائن عن الرطوبات فالعلاج والوجه فيه أن يقبل على إفناء الرطوبات التي في رئاتهم بالرفق والاعتدال وإن علمت أن الآفة العارضة فيها هي الكثرة فاستفرغ البدن لا محالة بالإسهال ويجب أن تكون الأدوية ملطّفة منضّجة من غير تسخين شديد يؤدي إلى تجفيف المادة وتغليظها ولهذا لم يلق الأوائل في معاجين الربو أفيوناً ولا بنجاً ولا يبروحاً اللهم إلا أن يكون المراد بذلك منع نزلة إذا كثرت بل ولا بزرقطونا إلا ما شاء الله ولذلك يجب أن تتعهّد ترطيب المادة وإنضاجها إذا كانت غليظة أو لزجة ولا تقتصر على تلطيف أو تقطيع ساذج بل ربما أدى عنفه وعصيان المادة إلى جراحة في الرئة فإن جميع ما يدر يضرّ هذه العلة من حيث يدرّ لإخراجه الرقيق من الرطوبة وإذا أحسست مع الربو بغلظ في الكبد فيجب أن تخلط بالأدوية الصدرية أدوية من جنس الغافت والأفسنتين.

والذي يجمع بين الأمرين جمعاً شديداً هو مثل قوّة الصبغ والزراوند أيضاً وإذا كان المعالج صبياً فيجب أن تخلط الأدوية بلبن أمه وتكفيهم الأدوية المعتدلة مثل الرازيانج الرطب مع اللبن.

ومما يعين على النضج والنفث مرقة الديك الهرم.

ومن التدبير النافع لهم أن يستعمل دلك الصدر وما يليه بالأيدي والمناديل الخشنة خاصةً إذا كان هناك نفس الانتصاب دلكاً معتدلاً يابساً من غير دهن إلا أن يقع إعياء فيستعمل بالدهن ويجب أن يستعمل في بعض الأوقات القيصوم والنطرون ويدلك به دلكاً شديداً.

وإن كانت المادة كثيرة فلا بد من تنقية بمسهل متّخذ من مثل بزر الأنجرة والبسفانج وفثاء الحمار وشحم الخنظل.

ومن التدبير في ذلك بعد التنقية والقيء استعمال الصوت ورفعه متدرّجاً فيه إلى قوة وطول.

ومن التدبير في ذلك استعمال القيء المتّصل وخصوصاً بعد كل الفجل وشرب أربعة دراهم من البورق مع وزن خمس أواق من شراب العسل وذلك إذا قويت العلّة.

صعب الأمر.

والخربق الأبيض نافع جداً وهو في أمراض الصدر مأمون غير مخوف.

والأصوب أن يؤخذ قطع من الخربق فيغرز في الفجل ويترك كذلك يوماً وليلةً ثم ينزع عنه ويؤكل ذلك الفجل وأيضاً يؤخذ من الخردل فيغرز في الفجل ويترك كذلك يوماً وليلةً ثم ينزع عننه ويؤكل ذلك الفجل وأيضاً يؤخذ من الخردل والملح من كل واحد وزن درهم ومن البورق الأرمني نصف درهم ومن النطرون دانق يسقى في خمسة أساتير ماء وعسلاً ومقدار العسل فيه أوقية.

ومن التدبير في ذلك إدامة تليين الطبيعة ويعينهم على ذلك تناول الكبر المملّح قبل الطعام والطريخ العتيق ومرقة الديك الهرم مع لبّ القرطم واللبلاب والسلق فإن لم يلن بذلك سقي ماء الشعير شديد الطبخ فيه قليل أو فربيون.

والأفتيمون شديد النفع في هذه العلة.

فإن اتخذ من ماء طبخ فيه الأفتيمون ماء عسل.

كان شديد النفع وكذلك ليتناول منه مثقال بالميبختج.

وكذلك طبيخ التين والفوذنج والسذاب في الماء يتخذ منه ماء العسل.

وأيضاً طبيخ الحلبة بالتين السمين مع عسل كثير يستعمل قبل ومن التدبير في ذلك رياضة يتدرّج فيها من بطء إلى سرعة لئلا تحدث فيهم المعاجلة اختناقاً لتحريكها المادة بعنف.

وأما اغتذاؤهم فيجب أن يكون بعد مثل ما ذكرناه من الرياضة ويكون خبزهم خبزاً نضيجاً متوبلاً من عجين خمير ونقلهم الملطّفات التي يقع فيها حبّ الرشاد وزوفا وصعتر وفوذنج ودسومة أطعمتهم من شحوم الأرانب والأيايل والغزلان والثعالب خاصةً ولا سيما رئاتها فإن رئة الثعلب دواء لهذه العلة إذا جفف وسُقي منه وزن درهمين.

وكذلك رئة القنفذ البري.

وأما لحمانهم فمثل السمك الصخوري النهري دون الآجامي ومثل العصافير والحجل والدرّاج.

ومرقة الديوك تنفعهم.

وقد يقع لسان الحمل في أغذية أصحاب الربو.

وأما شرابهم فليكن الريحاني العتيق الرقيق القليل المقدار فأما إذا أرادوا أن يكثروا النضج ويعينوا على النفث فليأخذوا منه الرقيق جداً.

وشراب العسل ينفعهم أيضاً.

وفي الخمور الحلوة المعانة بأشياء ملطفة تضاف إليها منفعة لهم لما فيها من الجلاء والتليين والتسخين المعتدل.

ويجب أن يساعدوا بين الطعام والشراب ولا يرووا من الماء دفعة بل دفعات وأما الأمور التي يجب أن يجتنبوها فمن ذلك الحمّام ما قدروا وخصوصاً على الطعام والنوم الكثير وخصوصاً نوم النهار.

والنوم على الطعام أضرّ شيء لهم إلا أن يصيبهم فترة شديدة وإعياء وحرارة فليناموا حينئذ نوماً يسيراً ويجب أن يجتنبوا كلَ حبة فيها نفخ وأن يجتنبوا الشراب على الطعام كان ماء أو شراباً.

والأدوية المسهلة القوية التي تلائمهم فمثل أن يسقوا من الجاوشير وشحم الحنظل من كل واحد نصف درهم بماء العسل أو جندبادستر مع الأشقّ وحب الغاريقون لا بد من استعماله في الشهر مرتين إذا قويت العلة.

ونسخته: غاريقون ثلاثة أصل السوسن واحد فراسيون واحد تربد خمسة أيارج فيقرا أربعة شحم حنظل وأنزلوت من كل واحد درهم مر درهم تعجن بميبختج والشربة وزن درهمين.

وأيضاً شحم حنظل نصف مثقال أنيسون سدس مثقال يعجن بالماء ويحبّب ويستعمل بعد استعمال الحقنة الساذجة قبله بيوم وهي التي تكون من مثل ماء السلق ودهن السمسم والبورق وما يجري مجرى ذلك.

وأيضاً شحم الحنظل دانقين بزر أنجرة درهم أفتيمون نصف درهم يعجن بماء العسل وهو شربة ينتظر عليها ثلاث ساعات ثم يسقون أوقية أو ثلاث أواق ماء العسل.

وأيضاً شحم حنظل والشيح بالسوية بورق نصف جزء وأصل السوسن جزء ويحبّب.

والشربة منه من نصف درهم إلى درهمين ينتظر ساعة ويسقى نصف قوطولي ماء العسل.

وأيضاً خردل مثقال ملح العجين نصف مثقال عصارة قثّاء الحمار نصف مثقال يتّخذ منه ثمانية أقراص ويشرب يوماً قرصاً ويوماً لا وليشربه بماء العسل فإن هذا يليق الطبيعة وينفث بسهولة.

وأما سائر الأدوية فيجب أن ينتقل فيها ولا يواصل الدواء الواحد دائماً منها فتألفه الطبيعة.

وأيضاً بين الأدوية والأبدان مناسبات لا تحرك إلاّ بالتجربة فإذا جربت فالزم الأنفع.

ويجب أن تراعي جهة مصب المادة فإن كان من الرأس فدبر الرأس بالعلاج المذكور للنوازل مع تدبير تنقية الخلط وربما وقع فيها المخدرات.

والطين الأرمني عجيب في منع النوازل.

وأما تفاريق الأدوية فمثل دواء ديسقوريدس ومثل الزراوند المدحرج يسقى منه كل يوم نصف درهم مع الماء أو مثل سكبينج مع شراب والأبهل وجوز السرو وأيضاً الفاشرستين والناشر أربعة دوانيق ونصف بماء الأصول وأيضاً الخل المنقوع فيه بزر الأنجرة مراراً أو وزن درهمين بزر الحرف مقطّراً عليه دهن لوز حلو أو أصل الفوّة نصف وربع مع سكنجبين عنصلي فإن سكنجبين العنصل نافع جداً.

والعنصل المشوي نفسه خصوصاً مع عسل وزراوند مدحرج والفوتنجين والشيح والسوسن وكمافيطوس وجندبادستر.

وأيضاً مطبوخ قنطوريون والقنطوريون بصنفيه نافع لهم في حالين: الغليظ عند الحركة وفي الابتداء والرقيق عند السكون وفي الأواخر يتّخذ لعوقا بعسل.

وأيضاً علك الأنباط وحده أو مع قليل عاقرقرحا وبارزد وجاوشير قوي جداً من هذه العلّة إلا أنه مما يجب أن تتّقى غائلته العظيمة بالعصب.

ودواء الكبريت شديد النفع لهذا.

وأيضاً يؤخذ من الحرف والسمسم من كل واحد ثلاثة دراهم ومن الزوفا اليابس سبعة دراهم والشربة بقدر المشاهدة وأيضاً رئة الثعلب يابسة خمسة فوتنج جبلي أربعة بزر كرفس وساذج من كل واحد ثمانية حماما وفلفل من كل واحد أربعة بزر بنج اثنان ويؤخذ عصارة بصل العنصل بمثلها عسلاً ويعقد على فحم ويسقى منه بنطرون قبل الطعام ومثله بعده.

وأيضاً فوتنج وحاشا وإيرسا وفلفل وأنيسون يعجن بعسل ويستعمل قدر البندقة بكرةً وعشية.

وأيضاً فوتنج وحاشا وإيرسا وفلفل وأنيسون يعجن بعسل ويستعمل قدر البندقة بكرةً وعشية.

وأيضاً جعدة وشيح أرمني وكمافيطوس وجندبادستر وكندر وزوفا من كل واحد مثقال يخلط بعسل وهو شربتان.

أو بورق أربعة فلفل أبيض اثنان أنجدان ثلاثة أشقّ اثنان يعجن بميبختج.

والشربة منه قدر باقلاة بماء العسل.

أو جندبادستر وزراوند مدحرج وأشقّ من كل واحد درهمان فلفل عشر حبات تخلطه بربّ العنب.

والشربة مقدار باقلاة في السكنجبين.

وأيضاً فراسيون وقسط وميعة وحب صنوبر من كل واحد مثقال جعدة وجندبادستر من كل واحد مثقال فلفل أبيض وعصارة قثاء الحمار من كل واحد نصف يعجن بعسل والشربة منه قدر باقلاة بماء العسل المسخّن.

وأيضاً خردل وبورق من كلّ واحد جزآن وفوتنج نهري وعصارة قثاء الحمار من كل واحد جزء يعجن بخلّ العنصل.

والشربة منه مقدار كرسنّة بماء الشهد على الريق.

وأيضاً شيح وأفسنتين وسذاب معجوناً بعسل أو تطبخ هذه الأدوية بعسل أو يعقد السلاقة بالعسل.

والأول يسقى بالسكنجبين أو طبيخ الفوتنج باللبن وخصوصاً إذا كان هناك حرارة.

واعلم أن الراسن وماءه شديد النفع من هذه العلة.

ومن الأدوية القوية فيها: الزرنيخ بالراتينج يتّخذ منه حبّ للربو ويسقى الزرنيخ بماء العسل أو الكبريت بالنمبرشت.

ومن الأدوية الجيدة القريبة الاعتدال: الكمون بخلّ ممزوج وهو نافع جداً لنفس الانتصاب وأيضاً لعاب الخردل الأبيض بمثله عسل يطبخ لعوقاً ويستعمل وعند شدة الاختناق وضيق النفس يؤخذ من البورق أربعة دراهم مع درهمين من حرف مع خمس أواق ماء وعسلاً فإنه ينفع من ساعته وهو نافع من عرق النسا والأدهان التي تقطر على أشربتهم دهن اللوز الحلو والمرّ ودهن الصنوبر.

والمروخات فمثل دهن السوسن ودهن الغار يمزج به الصدر وكذلك دهن الشبث.

وأما التدخّن.

فبمثل الزرنيخ والكبريت يدخّن بهما شحم وأيضاً الميعة السائلة والبارزد والصبر الأسقوطري.

وأيضاً زرنيخ وزراوند طويل يسحقان ويعجنان بشحم البقر ويتخذ منه بنادق ويبخّر منه بدرهم عشرة أيام كل يوم ثلاث مرات.

وأما الكائن من الربو وضيق النفس بسبب أبخرة دخانية يستولي على القلب وعن أخلاط تكون في الشرايين فقد ينتفع فيهما بالفصد وأولاه من الجانب الأيسر.

وأما الكائن بسبب الريح فالقصد في علاجه أمران: أحدهما تحليل الريح برفق وذلك بالملطّفات المعلومة والثاني تفتيح السدد ليجد العاصي عن التحليل منها منفذاً.

ومما ينفع ذلك التمريخ أيضاً بدهن الناردين ودهن الغار ودهن السذاب.

ومن الأضمدة النافعة الشبث والبابونج والمرزنجوش مطبوخات يُكمّد بها الصدر والجنبان.

ومن المشروبات الشجرينا والأمروسيا وأيضاً السكبينج والجاوشير الشربة من أيهما كان مثقال.

وأما الكائن من الربو وضيق النفس بسبب النوازل فيجب أن يشتغل بعلاج منع النوازل وتفتيت ما اجتمع.

وأما المظنّون من ضيق النفس أنه بسبب الأعصاب وهو بالحقيقة ضرب من عسر النفس ومن سوء النفس ليس من باب ضيق النفس فقد ذكرنا علاجه في باب عسر النفس.

وأما الكائن عن النفس فينفع منه شِرب ألبان الأتن والمعز والعصارات والأدهان الباردة المرطبة ودهن اللوز في الإحساء الرطبة والشراب الرقيق المزاج وهجر المسخّنات بقوة والمحللات والمجففات مما عملت.

ويوافقهم الأطلية المرطّبة والمراهم والمروّخات الناعمة.

وأما ضيق النفس الكائن بسبب الحرارة ويوجد معه التهاب فيجب أن يستعمل فيها المراهم المبردة والقيروطات المبرّدة وهو بالحقيقة ضرب من سوء النفس لا ضيق النفس وشراب البنفسج وماء الشعير نافع فيه.

وأن الكائن عن البرد فالمسخنات المشروبة والمطلية وطبيخ الحلبة بالزيت نافع.

فصل في سائر أصناف سوء النفس

إن كان السبب في سوء التنفس حرارة القلب استعملت الأدوية المبردة مشروبة وطلاء وإن كان السبب كثرة البخارات التي في القلب نفسه أو التي تأتي الرئة من مواضع أخرى فافصد الباسليق واستعمل الاستفراغ بماء الجبن المتخذ بالكسنجبين مع أيارج فيقرا واستعمل دلك اليدين والرجلين.

وإن كان السبب رطوبة معتدلة إلا أنها سادة فاستعمل ما يجلو مثل حب الصنوبر والجوز والزبيب وينفع من سوء التنفّس الرطب سكّرجة من ماء الباذروج أو من ماء السذاب.

وإن كان السبب رطوبة غليظة فاستعمل المنقيات المذكورة القوية الجلاء كالعنصل والزوفا ونحوه.

ونرجع إلى ما قيل في باب الربو وما عدّ في الصدريات وإن كانت الأبخرة والرطربات تأتي من مواضع أخرى عولج الدماغ منها بعلاج النزلة وتنقية الرأس إلا أن تكون النزلة من ضعف جوهر الدماغ فلا علاج له وعولج ما يأتي من مواضع أخرى بعد الفصد والاستفراغ وتقبل على تقوية الصدر بمثل الزراوند والأسقورديون والاسطوخودس والديافود الساذج والمقوى نافعان جداً في تقوية الرأس.

وإن كان بسبب الأعصاب فاستعمل ما يقوّيها ويقوّي الروح مثل الأدهان العطرية.

وإن كان الورم في المريء أو سوء مزاج عولج ذلك بما قيل في بابه.

وإن كان بمشاركة المعدة نقّيت المعدة وقوّيت بما نذكره في بابه.

وإن كان من برد فاستعمل مثل الشجرينا والأمروسيا والأنقرديا.

وإن كان من يبس فاستعمل مثل الفانيذ باللبن الحليب وما قيل في أبواب أخرى.

وإن كان من رياح استعملت الكمّادات المذكورة في باب الربو والضمّادات وغيرها.

واعلم أن الزعفران من جملة الأدوية النافعة من سوء التنفس وعسره لتقويته آلات التنفّس وتسهيله للنفس حسبما ينبغي.

فصل في عسر النفس من هذه الجملة ومعالجاته

إن كان ذلك من رطوبة فان جالينوس يأمر بدواء العنصل المعجون بالعسل في كل شهر مرتين والشربة ستة وثلاثون قيراطاً واليوم الذي يأخذ فيه لا يتكلّم ولا يتحرك قبل ذلك اليوم بيومين وفي الساعة السابعة يتناول الخبز بالشراب الممزوج وبالعشي صفرة البيض مع لب الخبز ومن الغد فروجاً صغيراً يتخذ منه مرقاً ويستحم من عشية الغد.

فإن لم يزل بهذا استعمل معجون البسذ ودواء أندروماخس خصوصاً إذا تطاولت العلة.وإن كان السبب من الرأس استعمل غسل الرأس كل أسبوع مرتين بصابون وبورق ويستكثر من المعطسات ويتغرغر برب التوث مع الصبر والمر يستعمل رياضة التمريخ على الظهر ويستعمل ربط الساق مبتدئاً من فوق إلى أسفل ويستعمل المنقيات المذكورة وحباً بهذه الصفة وهو أن يؤخذ شيح وقضبان السذاب وحشيش الأفسنتين يحبّب كل يوم حبتين كالحمص وبعد السكنجبين وخصوصاً العنصلي.

وأيضاً يؤخذ جندبادستر وشيح من كل واحد جزء أفسنتين وكمون من كل واحد نصف جزء ويحبّب كالحمص.

ولعوق الكرنب جيد لهم.

وأيضاً يؤخذ كلس العلق الذي تحت الجرار إذا أحرق في كوز خزف حتى يترمد ويخلط بعسل ويستعمل منه كل يوم ملعقة.

وهذه الوجوه كلها تنفع إذا كان السبب عصبياً.

وأما إن كان من حرارة فهذا القرص نافع جداً وهو أن يؤخذ ورد ستبة أصل السوسن أربعة عشرة أمير بارس اثنان لك وراوند مصطكى وصمغ وكثيراء ورب سوس وبزر الخبازي من كل واحد درهم عصارة الغافت وعصارة الأفسنتين والسنبل الأنيسون وبزر الرازيانج من كل واحد ثلاثة دراهم زعفران نصف درهم بزر الخيار والقثاء والقرع والبطيخ من كل واحد درهم ويجب أن يستعمل الاستفراغ بما يخرج الأخلاط الحارة.

وأما إن كان بسبب ضعف منابت العصب أو آفة فيجب أن يعالج بما يقوي الروح الذي في العصب والأدهان الحارة العطرة مثل دهن النرجس والسوسن والرازقي والأدهان المتخذة بالأفاويه والقيروطيات المتخذة من تلك الأدهان ودهن الزعفران.

والزعفران نفسه غاية في المنفعة.وإن كان السبب ضربة أصابت منابت تلك لأعصاب عالجت بما ينبغي من موانع الورم.

المقالة الثانية الصوت

الصوت فاعله العضل التي عند الحنجرة بتقدير الفتح ويدفع الهواء المخرج وقرعه وآلته الحنجرة والجسم الشبيه بلسان المزمار وهي الآلة الأولى الحقيقية وسائر الآلات بواعث ومعينات وباعث مادته الحجاب وعضل الصدر ومؤدّي مادته الرئة ومادته الهواء الذي يموج عند الحنجرة.

وإذا كان كذلك فالآفة تعرض له أما من الأسباب الفاعلة وأما بسبب الباعث للمادة.

وآفته إما بطلان وإما نقصان وإما تغيّر بحوحة أو حدّة أو ثقل أو خشونة أو ارتعاش أو غير ذلك.وكل واحد من هذه الأسباب إنما يعتلّ إما لسوء مزاج مفرد أو مع مادة وخصوصاً من نزلة تعرض للحنجرة أو لما يعرض لها من انحلال فرد أو انقطاع أو ورم أو وجع أو ضربة أو سقطة.

وقد تكون الآفة فيه نفسه وقد تكون بشركة المبدأ القريب من الأعصاب التي تتشظى إلى تلك العضل ومباديها أو البعيد كالدماغ وقد تكون بشركة العضو المجاور من أعضاء الغذاء أو أعضاء النفس أو المحيط بهما من البطن والصدر والمتصل بهما من خرزة الفقار أو من الحنك فإن تغيره إلى رطوبة أو إلى يبوسة وخشونة قد تغيّر الصوت.

ومن هذا القبيل قطع اللهاة واللوزتين فإن صاحبها إذا صوت أحسّ كالدغدغة القوية الملجئة إلى التنحنح وربما انسدت حلوقهم عند كل صياح.

وأما من جهة المؤدّي فإن الصوت يتغير بشدة حر الرئة أو بردها أو رطوبتها وسيلان القيح إليها من الأورام أو سيلان النوازل إليها أو يبوستها.

فالحرارة تعظم الصوت والبرودة تخدره وتصغّره واليبوسة تخشنه وتشبهه بأصواب الكراكي والرطوبة تبحّه والملاسة تعدّل الصوت وتملّسه.

وإذا امتلأت الرئة رطوبة ولم تكن القصبة نقية لم يمكن الإنسان أن يصوت صوتاً عالياً ولا صافياً لأن ذلك بقدر صفاء الرئة والحنجرة وضد صفائها.

وقد يختلف الصوت في ثقله وخفته بحسب سعة قصبة الرئة وضيقها وسعة الحنجرة وضيقها وإذا اشتدت الآفات المذكورة في الأعضاء الباعثة والمؤدية بطل الصوت ولم يجب أن يبطل الكلام فإن الكلام قد يتم بالنفس المعتدل كرجل كان أصاب عصبه الراجع عند الحاجة إلى كشفه بالحديد برد فذهب صوته والآخر عولج في خنازير فانقطعت إحدى العصبتين الراجعتين فانقطع نصف صوته.

وإذا كانت الآفة بالعضل المثنية صار الصوت أبح وإذا كانت بالعضل المحرّكة الباسطة كان الصوت خناقياً بل ربما حدث منه خناق وإذا كانت بالعضل المحرّكة القابضة صار الصوت نفخياً وإذا بطل فعلها بطل الصوت وإذا حدث فيها استرخاء غير تام وحالة شبيهة بالرعشة ارتعش الصوت وإذا لم تبلغ الرطوبة أن ترخي أبحت الصوت فالبحّة إذا عرضت تعرض عن رطوبة ولو كثرت قليلاً أرعشت ولو كثرت كثيراً أبطلت.

وقد يبح الصوت لسعة آلات التصويت فيحدث بها إعياء أو تورّم وتوتّر.

وأردؤه ما كان على الطعام وقد يبح للبرد الخشن وللحر المفرط بما ييبسان المزاج وكذلك السهر والأغذية المخشنة ويبح لكثرة الصياح وتجلب بلة بسببها إلى الطبقة المغشية للحلق والحنجرة.

والبحوحة التي تعرض للمشايخ لا تبرأ وإذا كان الصيف شمالياً يابساً.

وخريفه جنوبي مطير فإن البحوحة تكثر فيه.

والدوالي إذا ظهرت كانت كثيراً من أسباب صلاح الصوت.

واعلم أن الناقهين والضعاف والمتخاشعين المتشبهين بالضعفاء لقلّة قوتهم كأنهم يعجزون عن التصريف في هواء كثير فيضيقون الحنجرة حتى يحتد صوتهم وإذا اجتهد الضعيف أن يوسع حنجرته ويثقل صوته لم يسمع البتة.

علاج انقطاع الصوت: إن كان لسوء مزاج في بعض العضل أو آفة عولج بما يجب في بابه مما علمته ومن أحس بابتداء انقطاع الصوت وجب أن يبادر بالعلاج قبل أن يقوى فيأخذ من صفرة بيضة مسلوقة وسمسماً مقشراً ولبناً حليباً من كل واحد ملعقة ويسقى بالماء كل يوم ثلاثة أيام.

ويجب أن يتحسى ما ينطبخ في باطن الرمانة الأمليسية الحلوة المطبوخة المدفونة في رماد حار وتؤخذ عنه إذا لانت ويقلع أعلاها ويصبّ ما فيها بالمخوض ويصب فيه قليل ماء السكر ويشرب.

وإن كانت من رطوبة في العضل القريبة من الحنجرة أو الحنجرة بالغت في الإرخاء ولا يكون هناك وجع ويكون كدورة وثقل فيجب أن يؤخذ تين يابس وفوتنج ويطبخان ثم يخلط الصمغ العربي المسحوق بسلاقتهما حتى يصير كالعسل ويلعق أو يؤخذ مرّ وزعفران بعقيد العنب أو يؤخذ زعفران ثلاثة دراهم ونصف ربّ السوس وكُندر من كل واحد درهم يجمع برب العنب أو بعسل ويعقد أو يؤخذ من الزعفران واحد ومن الحلتيت نصف ومن العسل ثلاثة يطبخ حتى ينعقد ويحبّب ويمسك تحت اللسان.

ولعوق الكرنب نافع لهم أيضاً.

ومضغ قضبان الكرنب الرطب وتجرعّ مائه قليلاً قليلاً نافع.

وإذا لم ينجع لعوق الكرنب جعل عليه قليل حلتيت ودقيق الكرسنة والحلبة والكراث الشامي والنبطي والبصل وعصارته والثوم والفستق والعنب الحلو الشتوي نافعة.

وأيضاً يؤخذ الزنجبيل المربى باللبن البالغ في التربية ويدق حتى يصير مثل المح ويلقى عليه نصفه دار فلفل مسحوقاً كالكحل وربعه زعفران كذلك ومثل الجميع نشاء ويسحق ويعجن بالطبرزد المحلول المقوم أو بالعسل وهو منقّ جداً.

ومن الأغذية ما يقوي الجنين مثل الأكارع خصوصاً أكارع البقر يأكل منها العصب فقط وخصوصاً بعسل أو مطبوخة بالعسل وإن كان من يبس وخصوصاً بمشاركة المري وعلامته أن لا يكون مع البحّة عظم بل صغر وحده وصفاء ما ويكون مع خشونة ووجع فيجب أن يؤخذ عند النوم ملعقة من دهن بنفسج طري مذاب بالسكّر الطبرزد وينفعه لعاب بزرقطونا بماء سكّر كثير والأغذية المرطّبة الملينة ومرق الدجاج إسفيذباجات ومرق البقول المعلومة والتين نافع لانقطاع الصوت كان من رطوبة أو يبوسة ودواء التين المتّخذ بالفوتنج والاستلقاء نافع لضعف الصوت وبحّته.

قد علمت أسباب البحة فاعلم أن من بُحَّ صوته فيجب أن يجتنب كل حامض مالح خشن وحاد حريف إلا أن يريد بذلك العلاج والتقطيع فيستعملها مخلوطة بأدوية ليّنة فإن عرضت البحة من كثرة الصياح أخذ التين والنعنع والصبر أجزاء سواء ويعجن بالميبختج ويتحسّى من لباب القمح وكشك الشعير ودهن اللوز والزعفران ويستعمل طلاء العنب.وينفعه ما قيل في انقطاع الصوت خصوصاً دواء الحلتيت بالزعفران وإن كان هناك حرارة فرق السرمق والخيار وماء الشعير وحبّ القثاء واللوز والنشاء.

وإن كان السبب برداً انتفع أيضاً بدواء الحلتيت والزعفران المذكور وأن يأخذ من الخردل المقلو ثلاثة دراهم ومن الفلفل واحداً ومن الكرسنة ومن اللبني والقنّة من كل واحد أربعة دراهم ويتخذ منه حباً ويمسكه تحت اللسان أو يأخذ من المرّ وزن درهمين ومن اللبان عشرة وتجمع بطلاء.

وإن كان من صياح وتعب انتفع بالحمام انتفاع سائر أصناف الأعياء وتنفعهم الأغذية المرخّية والمغرية كاللبن وصفرة البيض النيمبرشت بلا ملح والأطرية والاحساء المعروفة ومرق السرمق والخبازى وما أشبهه والحبوب المتخذة من النشاء والكثيراء وربّ السوس والصمغ والحبوب اللّينة المنضجة فإنه إن كان كالورم تحلل بها.

وكذلك الغراغر واللعوقات اللّينة من جملة ما يعالج به الخوانيق الحارة.

وكذلك الاحساء التي تجمع إلى التغرية جلاء بلا لذع مثل المتخذ من دقيق الباقلا وبزر الكتّان.

وأقوى من ذلك صمغ البطم ويجب لصاحب هذه البحة أن يهجر الشراب أصلاً وخصوصاً في الابتداء.

وإذا كان ورم: فإذا تقادم شرب الشراب الحلو.والفجل المطبوخ والمري ينفعهم.

وإن كان من رطوبة فلا بدّ من الجوالي المذكورة في انقطاع الصوت.

وجميع تلك الأدوية تنفعه والأحساء المتخذة من دقيق الباقلاء وفيها دقيق الكرسنّة نافعة في هذا الباب.

ودقيق الكرسنّة نافع والأشياء التي في الدرجة الأولى من الجلاء وكذلك الأطرية واللبن ثم السمن وعقيد العنب وأصل السوس وربّه ثم الباقلا بالعسل وطبيخ التين ثم المرّ والعنصل وما يجري مجراها وإن كانت هذه البحوحة الرطبة من النوازل أعطى صاحبها الخشخاش وربّه ومما يصفّي الصوت الخشن والكدر مضغ الكبابة.ومن الأدوية المزيلة للبحوحة ماء رمان حلو مغلي ثم يقطر عليه دهن البنفسج ويقوّم.

كلام في الأدوية الحافظة لملاسة الصوت المخشنة له: هي الباقلا وحبّ الصنوبر والزبيب والتين والصمغ والحلبة وبزر الكتّان والتمر وأصل السوس واللوز وخصوصاً المرّ وقصب السكر والسبستان وشراب العسل بالميبختج المذكور بعد.ومن الأدوية الحارة المرّ والحلتيت والفلفل والبارزد واللبان وعلك البطم والفوتنج واللبني والراتينج وخل العنصل إذا لم يكن من حرارة ويبس وأصول الجاوشير.

ومن الأدوية الباردة حبّ القثاء والقرع والنشاء والكثيراء والصمغ ولعاب بزرقطونا والجلاب وربّ السوس.وصفرة البيض من أصلح المواد لتركيب سائر الأدوية بها وكذلك اللبن الحليب.


فصل في الصوت الخشن وعلاجه

تعرض خشونة الصوت من البرد من توتّر عضل الصوت ومن حالة كالتشنّج تعرض فيها ومن جفاف رطوبة فيها من كثرة الترنّم ومن قطع اللهاة ومن الجماع والسهر.

وعلاجه الحمية من الأسباب التي ذكرناها مرة وترك الترنم وتناول المليّنات المذكورة في باب البحوحة والتين الرطب واليابس والزبيب وخصوصاً المنقع في دهن اللوز فنفعه عظيم والذين يعرض لهم ذلك من قطع اللهاة فالصواب لهم أن يطبخ عقيد العنب بمثله عسلاً طبخاً بقدر ما ينزع به الرغوة ثم يمزج بماء حار ويتغرغر به ويسقى صاحبه منه وعتيقه أنفع من طريه.

فصل في الصوت القصير

وسبب قصر الصوت قصر النفس ويجب أن يتدرّج في تطويل النفس بأن يعتاد حصر النفس ويتدرج في الرياضة والصعود والهبوط في الروابي والدرج والإحصار المحوج إلى التنفس ليتدرج إلى تطويل النفس كتطويل المكث أيضاً في الحمّام الحار وفي كل ما يستدعي النفس وتعجيله وليحبس نفسه ويفعل ذلك كله ويرتاض ويستحمّ وبعد الخروج من الحمّام يجب أن يشرب الشراب فإن الشراب أغذى للروح وكذلك بعد الطعام وليكن كثيراً بنفس واحد والنوم نافع لهم.

فصل في الصوت الغليظ

قد يعرض من أسباب البحّة المرخّية الموسّعة للمجاري ويعرض من كثرة الصياح.

وعلاجه أصعب وقد يعرض لمن يزاول النفخ الكثير في المزامير وفي البوقات خاصة لما يعرض من تقطيع نفسهم واحتباسه في الرئة فتتوسع المجاري.

فصل في الصوت الدقيق

هذا ضدّ الكدر وأسبابه ضدّ ذلك من السهر والإعياء والترنم وخصوصاً بعد الطعام والرياضة المتعبة والاستفراغات.

وعلاجه أن يودع الصوت ويلزم الرياضة المعتدلة المخصبة والأغذية المعتدلة ودخول الحمّام كل بكرة ويهجر القوابض والمجفّفات والمياه.

فصل في الصوت المظلم الكدر

هو الذي يشبه صوت الرصاص إذا صكّ بعضه ببعض وسببه رطوبة غليظة جداً وتنفع منه الرياضة والمصارعة وحصر النفس والتدلّك اليابس بخرق الكتان ودخول الحمام واستعمال فصل في الصوت المرتعش

يؤمر صاحبه أن لا يصيح ولا يرفع صوته مدة شهر ويقل كلامه ما أمكن وضحكه والحركة والعدو والصعود والهبوط والغضب ويودع اليدين ويريحهما ما أمكن ثم ليستلق وليتكلّف الكلام وقد أثقل صدره بمثل الرصاص وضعاً فوق صدره بقدر ما يحتمل.

وأفضل الأغذية له ما يقوّي جنبه وهي العضل والأكارع وما فيه تغرية وقبض.

المقالة الثالثة السعال ونفث الدم

فصل في السعال

السعال من الحركات التي تدفع بها الطبيعة أذى عن عضوٍ ما وهذا العضو في السعال هو الرئة والأعضاء التي تتصل بها الرئة أو فيما يشاركها.

والسعال للصدر كالعطاس للدماغ ويتم بانبساط الصدر وانقباضه وحركة الحجاب.

وهو إما لسبب خاص بالرئة وإما على سبيل المشاركة.

والسبب الموجب للسعال إما باد وإما واصل وإما سابق.

فأسباب السعال البادية شيء من الأسباب البادية تجعل أعضاء الصدر مؤفة في مزاجها أو هيئتها مثل برد يصيب الرئة والعضلات في الصدر أو غير ذلك فتتحرك الطبيعة إلى دفع المؤذي أو لشيء من هذه الأسباب البادية يأتيها فيشجنها أو شيء ميبس أو مخشن مثل غبار أو دخان أو طعم غذاء حامض أو عفص أو حريف أو شيء غريب يقع في المجرى التي لا تقبل غير النفس كما يعرض من السعال بسبب سقوط شيء من الطعام أو الشراب في تلك المجرى لغفلة أو اشتغال بكلام.

وأما أسباب السعال الواصلة فمثل ما يعرض من الأسباب البدنية المسخّنة للمزاج أو المبردة أو المرطّبة أو المجففة بغير مادة أو بمادة دموية أو صفراوية أو بلغمية رقيقة أو غليظة أو سوداوية.

وذلك في الأقل.

فإن كانت تلك المادة منصبة من فوق فإنها ما دامت تنزلق على القصبة كما ينزل الشيء على الحائط لم تهيج كثير سعال فإذا أرادت أن تنصب في فضاء القصبة هاج سعال وكذلك إذا لذعت وكذلك إذا استقرت في الرئة فأرادت الطبيعة أن تدافعها أو كانت مندفعة من المعدة أو الكبد أو من بعض أعضاء الصدر إلى بعضها ومتولّدة فيها.

وقد تكون بسبب انحلال الفرد وبسبب الأورام والسدد في الحجاب أو في الرئة أو الحلقوم وجميع المواضع القابلة لهذه المواد والآفات من الرئة والحجاب الحاجز وحجاب ما بين القلب والرئة.

وأما الأسباب السابقة فالامتلاء وتقدّم أسباب بدنية للأسباب الواصلة المذكورة.

وأما السعال الكائن بالمشاركة فمثل الذي يكون بمشاركة البدن كله في الحمّيات خصوصاً مع حمّى محرقة أو حمّى يوم تعبية ونحوها أو وبائية أو بمشاركة البدن بغير حمى.

والسعال منه يابس ومنه رطب.

واليابس هو الذي لا نفث معه ويكون إما لسوء مزاج حار أو بارد أو يابس مفرد.

وقد يكون في ابتداء حدوث الأورام الحارة في نواحي الصدر إلى أن ينضج وقد يكون مع الورم الصلب سعال يابس جداً وقد يكون لأورام الكبد في نواحي المعاليق وفي الأحيان لأورام الطحال وقد يكون لمدة تملأ فضاء الصدر فلا تندفع إلا بالسعال.

واعلم أنه ربما خرج من السعال شيء حجري مثل حمص أو برد.

وسببه خلط غليظ تحجره فيه الحرارة وقد شهد به الاسكندر وشهد به فولس وذكر أنه خرج من هذا الصنف في النفث ونحن أيضاً قد شاهدنا ذلك.

والسعال الملح كثيراً ما يؤدي إلى نفث الدم وقد يكثر السعال في الشتاء وفي الربيع الشتوي وربما كثر في الربيع المعتدل ويكثر عند هبوب الشمال وإذا كان الصيف شمالياً قليل المطر وكان الخريف جنوبياً مطيراً كثُر السعال في الشتاء.

العلامات: أما علامة السعال البارد فتبريده مع البرد ونقصانه مع نقصان البرد ومع الحرّ ورصاصية الوجه وقلة العطش وربما كان مع البارد نزلة فيحسّ نزول شيء إلى الصدر وامتداده في الحلق ويقلّ مع جذب المادة إلى الأنف وتلقى ما ينزل إلى الحلق بالتنحنح ويرى علامات النزلة من دغدغة في مجاري النزلة وتمدّد فيما يلي الجبهة وممدّة في المنخرين وغير ذلك وأن لا ينفث في أول الأمر ثم ينفث شيئاً بلغمياً نيئاً ثم إلى صفرة وخضرة وربما كان مع ذلك حمّى.

وعلامة الحار التهاب عطس وسكونه بالهواء البارد أكثر من سكونه بالماء وحمرة وجه وعظم نبض.

وعلامات الرطب رطوبة جوهر الرئة وعروضه للمشايخ والمرطوبين وكثرة الخرخرة وخصوصاً في النوم وبعده.

وعلامة اليابس ازدياده مع الحركة والجوع وخفّته عند السكون والشبع والاستحمام وشرب المرطّبات.

وعلامة الساذج في جميع ذلك أن لا يكون نفث البتة وعلامة الذي مع المادة النفث ويدل على جنس المادة جنس النفث وعلامة ما يكون عن الأورام ونحوها وجود علامات ذات الجنب وذات الرئة الحارين والباردين وغير ذلك مما نذكره في بابه.

وعلامة ما يكون من التقيح علامات التقيّح التي نذكرها ووجع ويبس وكثيراً ما يكون رطباً.

وعلامة ما يكون من القروح علامات ذكرت في باب قروح الرئة من نفث حشكريشة أو قيح أو طائفة من جرم الرئة وحلق القصبة وكونه بعد نوازل أكالة وبعد نفث الدم والأورام.

وأكثر اليابس يكون إذا كان هناك مادة لضعف الدافعة للنقاء كما تعلم في بابه.

وعلامة ما يكون بالمشاركة إما مشاركة المعدة فيما يعرف من دلائل أمراض المعدة ويزيد السعال مع تزيد الحال الموجبة له في المعدة كان امتلاء أو خلاء وبحسب الأغذية وأكثر ذلك يهيج عند الامتلاء وعند الهضم والكائن بمشاركة الكبد فيعلم بعلامات الكبد وإذا كان الورم حاراً لم يكن بد من حمى فإن لم يكن حاراً لم يكن بدّ من ثقل ثم تأمل سائر الدلائل التي تعلمها واعلم أن الأشياء الحارة ترق المادة فلا تتفث والباردة كشراب الخشخاش والحريرة تجمع المادة إلى انتفاث إلا أنها إذا أفرطت أجمدت.

وشراب الزوفا إنما يصلح إذا أريد جلاء المسعل الغليظ فنعم الجالي هو.

وأما الرقيق فلا وإذا لم يكن هناك نفث لا رقيق ولا غليظ فالعلة خشونة الصدر والعلاج اللعوقات.

وقد يعرض للمحموم سعال فإن لم يسكن السعال رجعت الحمّى إلى الابتداء.

والقوابض جداً تضيّق مجاري النفث وماء الشعير نعم الجامع لنفث وإذا احتبس النفث وحُم الرجل فقد عفنت المادة وأوقعت في حمّى عفونة أو دقّ.

أما علاج المزاج البارد فهو أنه إن كان خفيف المبلغ وكان من سبب بادٍ خارجي أصلحه حصر النفس فإنه يسخّن الرئة بسهولة في الحال فإن احتيج إلى علاج أقوى لهذا ولغيره من المزاج البارد فمن علاجه أن يمسك تحت اللسان بندقة من مر أو ميعة متخذة بعسل وأن يتناول من دردي القطران ملعقة أو من علك البطم مع عسل أو يشرب دهن البلسان مع سكبينج إلى مثقال وكذلك الكبريت بالنيمبرشت ولعوقات اللعاب الحارة والكرسنة بالعسل وماء الرمان الحلو مفتَّراً ملقى عليه عسل أو فانيذ.

ويستعمل في المروخات على الصدر مثل دهن السوسن ودهن النرجس بشمع أحمر وكثيراء.

وينفع الجلنجبين العسلي بماء التين والزبيب وأصل السوس والبرشاوشان ودهن لوز مع مثقال قوفي مدوفاً فيه.

وينفع طبيخ الزوفاء بالزوفا والأسارون مع تين وغير ذلك.

وأغذيتهم الأحساء الحنطية بالحلبة والسمن والتين والتمر وأصول الكرّاث الشامي.

ومن الأدهان دهن الفستق وحبّ صنوبر.

والأطرية بالفانيذ نافع لهم.

وأما اللحوم فلحوم الفراريج والديوك والاسفيذباجات بها ولحوم الحوليات من الضأن والتنقل والفستق وحب الصنوبر والزبيب مع الحلبة وقصب السكر والتين والمشمش والموز.

وأكل التين اليابس مع الجوز واللوز يقطع المزمن منه.

والشراب الرقيق الريحاني العتيق وأما علاج السعال الحار فبالملطفات المعروفة من العصارات والأدهان أطلية ومروخات.

والجلاب أيضاً نافع لهم وسقي الدياقود الساذج بكرة وعشية على النسخة التي نذكرها وكذلك لعوق الخشخاش جيد ونسخته: يؤخذ خمسة عشر خشخاشة ليست طرية جداً ويُنقع في قسط من ماء العين أو ماء المطر وهو أفضل يوماً وليلة ثم يهرى بالطبخ ويصفّى ويُلقى عليه على كل جزء من المصفى نصف جزء عسلاً أو سكراً ويقوّم لعوقاً والشربة ملعقة بالعشى.

ومما ينفع هؤلاء ماء الشعير بالسبستان وشراب البنفسج والبنفسج المربى وطبيخ الزوفاء البارد وخصوصاً إذا نضج أو في آخره وماء الرمان المقوّم يلقى عليه السكر الطبرزذ وقصب السكر أيضاً ولعوقاتهم من لعاب بزرقطونا وحب السفرجل والنشاء والصمغ العربي والحبوب واللبوب التي نذكرها في باب حبوب السعال وربما جعل فيها مخدّرات.

وأغذيتهم من البقول الباردة ولبوب مثل القثاء والقرع والخيار بدهن اللوز والباقلا المرضوض المهري بالطبخ بدهن اللوز ودهن القرع وماء الشعير والأحساء المتخذة من الشعير والباقلا والبقول والنشاء وماء النخالة.

فإن كانت الطبيعة إلى الانحلال فسويق الشعير بالسكّر والأطرية وإن اشتدّ الأمر فماء الشعير نسخة دياقودا بارد: يؤخذ الخشخاش الرطب بقشوره ويهرى طبخاً في الماء ويصفى ويُلقى عليه سكر ويقوم تقويم الجلاب وإن لم يكن الرطب نقع بزره اليابس مدقوقاً في الماء يوماً وليلةً ثم يطبخ فإن احتيج إلى ما هو أقوى جمع معه القشر وخصوصاً من الأسود وإن اشتد الأمر جعل معه شيء يسير من بزر البنج ديف فيه قليل أفيون.

وأما علاج المزاج الرطب والرطوبة في نفس الرئة فبالمجففات اليابسة مخلوطة بالجالية.

ومن ذلك تركيب على هذه الصفة طين أرمني وكثيراء وصمغ عربي من كل واحد جزء فوذنج وزوفاء وحاشا ودارصيني وبرشاوشان من كل واحد نصف جزء ويعجن ويستعمل.

وأما علاج المزاج اليابس فلا يخلو إما أن يكون حمى أو لا يكون فإن لم يكن حمّى فأوفق الأشياء استعمال ألبان الأتن والماعز وغيرها مع سائر التدبير.

وإن كان حمّى فاستعمال سائر المرطّبات المشروبة واستعمال القيروطات المبرّدة المعروفة واستعمال ماء الشعير وترطيب الغذاء دائماً بالأدهان وتحسّي الأحساء اللوزية المرطبة.

وإن كان مزاج مركّب فركب التدبير وإن كان هناك مادة رقيقة فأنضجها بالدياقودات الساذجة واللعوقات الخشخاشية واللعابية التي ذكرناها في القراباذين.

فإن كانت غليظة حلّلتها وجلوتها على الشرط المذكور فيما سلف من أن لا يسخن إلا باعتدال بل تجتهد في أن تليّن وتقطع وتزلق واستعمل المقيئات المذكورة ومما هو أخص بهذا الموضع علك الأنباط بالعسل أو قرطم بالعسل أو سعد بمثله عسلاً أو ربّ السوس وكثيراء أو قنّة ولوز حلو سواء.

والصبر قد يمسك في الفم مع العسل فينفع جداً.

أو يأخذ ثلاث بيضات صحاح وضعفها عسلاً ونصفها سمناً يؤخذ من الفلفل أربعون حبة تسحق وتعجن بذلك وتعقد من غير إنضاج.

وأيضاً يؤخذ سبعة أرؤس كرّاث شامي وتطبخ في ثلاثة أرطال ماء حتى يبقى الثلث ويصفّى ويُخلط بالباقي عصارة قشره وعسل ويطبخ.

وأيضاً يؤخذ ورد رطب ثمانية وحبّ الصنوبر واحد صمغ البطم واحد زبيب أربعة عسل صنوبر وبزر الأنجرة من كل واحد أوقية بزر كتان وفلفل من كل واحد ثلاث أواق تُعجن بعسل وتستعمل.

أو يؤخذ تمر لحيم خمسة أجزاء سوسن ثمانية أجزاء زعفران وفلفل من كل واحد جزآن كرسنّة عشرين جزءاً وتعجن بعسل منزوع الرغوة.

أو يؤخذ من الزعفران ومن سنبل الطيب ومن الفلفل من كل واحد جزء فراسيون وزوفا من كل واحد ثلاثة أجزاء مرّ وسوسن من كل واحد جزآن تعجن بعسل مصفّى ويُسقى للمزمن القطران بالعسل لعقا أو القسط الهندي بماء الشبث المطبوخ قدر سكرجة مع ملعقة خلّ.

وأيضاً بزر كتان مقلو بعسل وحده أو مع فلفل لكل عشرة واحد أو فوذنج.

وأيضاً يلعق عسل اللبني مع عسل النحل والجاوشير أيضاً.

والخردل واللوز المرّ وأيضاً المثروديطوس.

والصبيان يكفيهم الحبق المطبوخ بلبن امرأة حتى يكون في قوام العسل أو بماء الرازيانج الرطب وإن كان السبب فيها نزلة عولجت النزلة وإن احتيج في منعها إلى استعمال ضماد التين فاستعمل على الرأس وامسك تحت اللسان كل وقت وفي الليل خاصة حبّ النشاء ويغرغر بالقوابض التي لا طعم حامض ولا طعم عفص لها والدياقودا الساذج إن كانت حارة أو مع المر والزعفران وغيره إن كانت باردة.

وأما الكائن عن الأورام والقروح في الرئة والصدر فليرجع في علاجها إلى ما نذكره في باب ذات الرئة وذات الكبد والسلّ وقد يُتخذ للسعال حبوب تمسك في الفم فمنها حبوب للسعال الحار من ذلك حبّ السعال المعروف ومن ذلك حبوب تؤلف من ربّ سوس وصمغ وكثيراء والنشاء ولعاب بزرقطونا وحبّ السفرجل ولبّ الحبوب حبّ القثاء والقرع والقثد والخبازي ومن الطباشير وحبّ الخشخاش ونحو ذلك.

وقد يتخذ بهذه الصفة نشاء وكثيراء ورب سوس يحبّب بعصارة الخسّ.

ومن ذلك حبوب للسعال البارد تتخذ من ربّ السوس والتمر الهندي المنقّى ولباب القمح والزعفران وكثيراء وحبّ الصنوبر وحبّ القطن وحبّ الآس وبزر الخشخاش وقشره والأنيسون والشبث والمرّ والزعفران والفانيذ.

ومن ذلك حبوب يزاد فيها التخدير والتنويم ويكون العمدة فيها المخدّرات وتخلط بها أدوية بادزهرية حارة.

فمن الحبوب المجرّبة لذلك - وهو يسكن السعال العتيق المؤذي حبّ الميعة المعروف وأيضاً يؤخذ - ميعة وجندبادستر وأسارون وأفيون سواء يتخذ منه حبّات ويمسك في الفم.

وأيضاً بزر بنج شبّ وحبّ صنوبر ثلاث وزعفران واحد بميبختج ويُحبب.

وأيضاً ميعة ومرّ وأفيون من كلّ واحد نصف أوقية دهن البلسان وزعفران من كلّ واحد درخميان يحبّب كالكرسنّة.

وقد يستعمل في السعال العتيق الرطب الدخن المذكورة في باب الربو وإذا كانت الرطوبة إلى قدر استعمل بخور من زرنيخ أحمر وخرء الأرنب ودقيق الشعير وقشر الفستق معجوناً بصفرة البيض مقرّضاً كل قرص منه درهماً مجفّفهّ في الشمس ويدخّن به ثلاث مرات وأيضاً زراوند ومرّ وميعة وباذاورد بالسويّة وزرنيخ مثل الجميع يعجن بسمن البقر وببندق ويُتَبخّر بواحدة.

وأما السعال الكائن في الحمّيات فقد أفرد له تدبير عند أعراض الحمّيات.

فصل في نفث الدم

الدم قد يخرج ثفلاً فيكون من أجزاء الفم وقد يخرج تنخّماً فيكون من ناحية الحلق وقد يخرج تنحنحاً فيكون من القصبة وقد يخرج قيئاً فيكون من المريء وفم المعدة أو من المعدة ومن الكبد وقد يخرج سعالاً فيكون من نواحي الصدر والرئة والذي من الصدر ليس فيه من الخوف أما في الذي من الرئة فإن الذي من الصدر يبرأ سريعاً وإن لم يبرأ لم يكن له غائلة قروح الرئة وكثيراً ما يصير قروحاً ناصورية يعاود كل وقت بنفث الدم.

والأسباب القريبة لجميع ذلك جراحة لسبب باد من ضربة أو سقطة على الصدر أو على الكبد والحجاب أو شيء قاطع أو سعال ملحّ أو صياح أو تحديد صوت بلا تدريج أو ضجر.

ولهذا يكثر بالمجانين وبالذين يضجرون من كل شيء وقد ينتفث من القيء العنيف خصوصاً في المستعدّين.

وقد ينتفث عن تناول مسهّلات حادة وأغذية حادّة كالثوم والبصل أو خوف أو غمّ محدّ للدم أو نوم على غير وطاء أو علقة لصقت بالحلق داخله أو سبب واصل وهو إما في العروق أو في غيرها.

والذي في العروق إما انقطاع وإما انصداع وإما انفتاح وسعة من حدّة أو استرخاء وإما تأكل لحدّة خلط وإما لسخافة راسخة.

وكثيراً ما تتسع المنافذ من أجزاء القصبة والشرايين فوق الذي في الطبع فيرشح الدم إلى القصبة.

والذي في غير العروق إما جراحة وإما قرحة وقد يكون عن ورم دموي في الرئة يرشح منه الدم ومثل هذه الأسباب إلا العلقة ولهذه الأسباب الواصلة أسباب أقدم منها وهي إما لكثرة المادة وذلك إما لكثرة الأغذية وترك الرياضة وإما لأنها فاضلة عن أعداد الطبيعة كما يعرض مما أنبأنا عنه في الكتاب الكلّي عند ترك رياضة أو احتباس طمث أو دم بواسير أو قطع عضو وإما لجذبها وإما لشدة حركتها وإما لرياح في العروق نفسها وخصوصاً في المتحنجين فإنهم يكثر ذلك فيهم وإما لاستعداد الآلات الخاوية للمادة وذلك لبرد يقبضها ويعسر انبساطها فلا تطيع القوة المكلفة ذلك بالإمداد بل بالاستنشاق وإما لحرارة خارجة أو داخلة أو يبوسة قد أعدّها أي ذلك كان بالتكثيف والتجفيف للانشقاق عن أدنى سبب أو لرطوبة أرختها فوسعت مسامها أو ملاقاة خارق أكّال أو قطاع أو معفن.

وإذا عرض الامتلاء الدموي أقبلت الطبيعة على دفع المادة إلى أي جهة أمكنتها إذا كانت أشدّ استعداداً أو أقرب من مكان الفضل فدفعتها بنفث أو إسالة من البواسير أو في الطمث أو في الرعاف فإن كانت العروق قوية لا تخلى عن الدم عرض الموت فجأة لإنصباب الدم إلى تجاويف العروق ومن يعتريه نفث الدم فهو يعرض أن تصيبه قرحة الرئة فإنّ النفث في الأكثر يكون عن جراحة والجراحة تميل إلى أن تكون قرحة وإذا أعقب نفث الدم المحتبس نفث دم خيف أن يكون هذا الثاني عارضاً عن قرحة استحالت إليها الجراحة الأولى وكثيراً ما يكون الدم المنفوث رعافاً سال من الرأس إلى الرئة.

وإذا كان نفث الدم من نواحي الرئة تعلّق به خوفان خوف من إفراطه وخوف من جراحته أن يصير قرحة وليس كل نفث دم مخوفاً بل ما كان لا يحتبس أو كان مع حمّى وكثيراً ما يكون نفث الدم بسبب البرد وورم في الكبد أو في الطحال.

العلامات: القريب من الحنجرة ينفث بسعال قليل والبعيد بسعال كثير وكلما كان أبعد تنفث بسعال أشدّ وإذا نيم على الجانب الذي فيه العلة ازداد انتفاث ما ينتفث ويجب أن ينظر أولاً حتى لا يكون ما ينفث مرعوفاً ويتعرّف ذلك بمادة الرعاف وبعروضه ويخفة عرضت للرأس بعد ثقل.

وعلامات رعاف كانت مثل حمرة الوجه والعين والتباريق أمام العين وأن لا يكون زبدياً ويكون دفعة.

وعلامة الدم المنفوث من جوهر لحم الرئة من جراحة أو قرحة أن يكون زبدياً ويكون منقطعاً لا وجع له وهو أقلّ مقداراً من العرقي وأعظم غائلة وأردأ عاقبة وقد يقذف الزبدي أصحاب ذات الجنب وذات الرئة إذا كان في رئاتهم حرارة نارية مغلية.

وقد يكون الزبدي من قصبة الرئة ولكن يجيء بتنخع وسعال بسير ويكون ما يخرج يسيراً أيضاً ويكون هناك حس ما بالألم.

والمنفوث من عروقها لا يكون زبدياً ويكون أسخن وأشد قواماً من قوام الذي في الرئة وأشبه بالدم وإن لم يكن في غلظ الدم الذي في الصدر.

وعلامة المنفوث في الصدر سواد لونه وغلظه وجموده لطول المسافة مع زبدية ما ورغوة مع وجع في الصدر يدل على موضع العلة ويؤكده ازدياده بالنوم عليه وسبب ذلك الوجع عصبية أعضاء الصدر ويكون انتفاثه قليلاً قليلاً ليس قبضاً ويكون نفثه بسعال شديد حتى ينفث.

وعلامة الكائن من انقطاع العروق غزارة الدم وعلامة التأكّل تقدم أسباب التأكل من تناول أشياء حريفة ونزول نوازل حريفة وأن يكون حمّى ونفث قيح أو قشره أو جزء من الرئة ويكون نفث مثل ماء اللحم ويبتدئ نفث الدم قليلاً قليلاً ثم ربما انبثق دفعة فانتفث شيء صالح ولونه رديء وعلامة تفتح أفواه العروق من الامتلاء أن لا يكون وجع البتة وتوجد راحة ولذّة ويخرج في الأول أقل من الخارج بسبب الانقطاع والانشقاق في أول الأمر وهو أكثر من الذي يخرج عن التأكل في أكثر الأوقات.

وعلامة الراشح عن ورم قلته وحضور علامات ذات الرئة وغيرها.

المعالجات: المبتلي بنفث الدم كل وقت يجب أن يراعي حال امتلائه فكلما أحس فيه بامتلاء بودر بالفصد وخصوصاً إذا كان صدره في الخلقة ضيقاً أو كان السعال عليه ملحاً.

والأصوب أن يمال الدم منهم إلى ناحية السفل بفصد الصافن وبعده بفصد الباسليق وإذا درّ طمث النساء في الوقت وعلى الكفاية زال بذلك نفث الدم منهن كما قد يحدث فيهن باحتباسه ويجب أن يتحرز عن جميع الأسباب المحركة للدم مثل الأغذية المسخنة ومثل الوثبة والصيحة والضجر والجماع والنفس العالي والكلام الكثير والنظر إلى الأشياء الحمر وشرب الشراب الكثير وكثرة الاستحمام ويجتنب المفتحات من الأدوية مثل الكرفس والصبر والسمسم والشراب والجبن العتيق فإنه ضار لهم.

وأما الطري فنافع.

والأغذية الموافقة لهم كل مغرّ ومسدد وكل ملحم وكل مبرد للدم مانع من غليانه.

ومن ذلك اللبن المبطوخ لما فيه من تغرية ومخيض البقر لما فيه من القبض والزبد والجبن الطري غير مملوح والفواكه القابضة وضرب من الإجاص الصغير فيه قبض وزيت الأنفاق الطري العصر قد يقع فَي تدسيم أطعمتهم والمياه الشبية شديدة المنفعة لهم.

وأما الكائن عن نفس جرم الرئة فيجب أن يسقى صاحبه الأدوية الملحمة اليابسة كالطين والشافنج بماء لسان الحمل والخل الممزوج بالماء.

وأما علاجه عن تدبير غذائه فأن يبادر ويفصد منه الباسليق من الشق الذي يحدس أن انحلال الفرد فيه فصداً دقيقاً ويؤخذ الدم في دفعات بينها ساعات ثلاث أو نحوها مع مراعاة القوة فإن الفصد يجذب الدم إلى الخلاف ويمنع أيضاً حدوث الورم في الجراحة وتدلك أطرافهم وتشد شداً مبتداً من فوق إلى أسفل ويمنعون الأمور المذكورة ويعدّل هواؤهم ويكون اضطجاعهم على جنب وعلى هيئة كالانتصاب لئلا يقع بعض أجزاء صدره على بعض وقد يوافقهم الخل الممزوج بالماء فإنه يمنع النزف وينقي ناحية الصدر والرئة عن دم إن احتبس فيها فلا يجمد ويسقون الأدوية الباردة والمغرية فإن المغرية ههنا أولى ما يجب أن يشتغل به وإذا وجد مع التغرية التنقية كان غاية المطلوب.

وبزرقطونا نافع مع تبريده حيث يكون عطش شديد.

وربما احتيج أن تخلط بها المدرّات لأمرين: أحدهما: لتسكين الدم وترقيقه والثاني: للتنويم وإزالة الحركة.

وسنذكر الأدوية المشتركة لأصناف نفث الدم في آخر هذا الباب.

وإذا عرض نفث الدم من نزلة ولم تكن النزلة حريفة صفراوية فصدت الرجل من ساعته وأدمت ربط أطرافه منحدراً من فوق إلى أسفل ودلكتها بزيت حار ودهن حار مثل دهن قثاء الحمار ونحوه ولا يدهن الرأس البتة ويكون أغذيتهم الحنطة بشيء من العفوصات على سبيل الأحساء وتكون هذه العفوصات من الثمار وما يشبهه.

وعند الضعف يطعمون خبزاً منقوعاً في خل ممزوج بماء بارد ويستعمل عليهم الحقن الحادة لتجذب المادة عن ناحية الرأس وخصوصاً إذا لم يمكن الفصد لمانع ويجب أن يجتهد في تبريد الرأس ما أمكن ولا يجهد جهداً كثيراً في ترطيبه.

ومما ينفعه سقي أقراص الكهرباء فإن لم ينجع ما ذكرنا لم يكن بد من علاج النزلة وحبسها مثل حلق الرأس واستعمال الضماد المتخذ بزبل الحمام يضمّد وينزع بحسب الحاجة.

وزعم جالينوس أن امرأة أصابها نزف دم من النزلة فحقنتها بحقنة حادّة وخصوصاً إذا لم يمكن فصدها لأنها كانت نفثت أربعة أيام وضعفت وغذّاها بحريرة وفاكهة فيها قبض إذ كان عهدها بالغذاء بعيداً وعالج رأسها بدواء ذرق الحمام وأذن لها في الحمام لأجل الدواء ولم يدهن رأسها لئلاّ يرطب وسقاها الترياق الطري لينوّمها فإنّ في هذا الترياق قوى الأفيون ينوم ويمنع دغدغة السعال ويسكّن من سيلان المواد بالتغليظ.

وأما في اليوم الثاني من هذا الدواء فلم يتعرّض لتحريكها بل تركها هادئة ساكنة على حاجة بها إلى تنيقية الرئة وأكثر ما دبرها به أن دلك أطرافها وسقاها قدر باقلاة من الترياق الحديث أقلّ من الأمس وكان غرضه أن يمزجها إلى العسل لتسقي به الرئة ثم تركها ساعة ثم ذلك أطرافها وأعطاها بعد ذلك ماء الشعير مع قليل خبز لينعش القوة وفي الرابع أعطاها ترياقاً عتيقاً مع عسل كثير لينقي رئتها تنقية شديدة وغذّاها في سائر الأيام على الواجب ودبرها تدبير الناقهين ومع ذلك فقد كان يضع على رأسها وقتاً بعد وقت قيروطي الثافسيا ويحرّم عليها الاستحمام.

وهذا تدبير جيد ويجب أن يكون الترياق ترياق ما بين شهرين إلى أربعة أشهر فإنه ينوم ويحبس النزلة ولا يقرب رؤوس هؤلاء بالدهن ولا بد من حلق الرأس لاستعمال هذه المحمرات ولو للنساء ولا بد من إسهال بمثل حب القوقايا إن كان هناك كثرة وذلك بعد الفصد ثم يلزم الأدوية المحمّرة.

وما كان من انشقاق عرق أو انقطاعه وكان سببه الامتلاء فيجب أن لا يغذى ما أمكن بل يجوع ثلاثة أيام يقتصر فيها كل يوم على غذاء قليل من شيء لزج وأما إذا لم يظهر سقوط القوة دوفع بالتغذية ما أمكن إلى الرابع وإن خيف سقوط القوة خوفاً واجباً غذوا بما يتولد عنه خلط معتدل أو إلى برد وفيه تغرية ولزاق وتلزيج وقبض وخاصة تغليظ الدم كالهريسة بالأكارع وكالرؤوس وكالنيمبرشت وكالأطرية خاصة ما طبخ بالعدس وكالعدس والعناب وإن أمكن أن لا يغذى بالقوي فعل واقتصر على ماء الشعير وخصوصاً المطبوخ مع عدس أو عناب أو سفرجل والخبز المغموس في الماء البارد أو في شيء حامض مزور كله مبرد بالفعل.

ومخيض البقر إذا تطاولت العلة نافع لقبضه وبرده والألبان المغلاة لتغريتها وللزاقها نافعة في ذلك.

فإن لم يغن وزادت في الدم فضرّت.

والسمك الرضراضي شديد المنفعة.

ويجب أن يكون أغذية هؤلاء والذين بعدهم باردة بالفعل.

والجبن الطري الغير المملوح شديد المنفعة لهم جداً.

وإذا غذوت هذا وأمثاله بلحم فاختر من اللحمان ما كان قليل الدم يابساً خفيفاً كلحوم القطا والشفانين والدرّاج مطبوخاً في قبوضات وعفوصات.

ومن الأشياء المجرّبة في قطع دم النفث مضغ البقلة الحمقاء وابتلاع مائه فربما حبس في الوقت.

ومن الفواكه السفرجل والتفاح القابضان العفصان والعناب الرطب وحب الآس والخرنوب الشامي وما يجري هذا المجرى.

وقد يتخذ لهم نقل من الطين المختوم والأرمني بالصمغ العربي وقليل كافور.

وإذا احتبس الدم ووصل إلى الرابع يجب أن يغذّي ويقوّي ويبدأ بمثل الخبز المغموس في الماء وبمثل الهرائس والأكارع والأدمغة وإن كان الانشقاق والانقطاع بسبب حدّة الدم فاعمل ما يجب من إمالة الدم إلى الأطراف وإلى خلاف الجهة واستفراغ الصفراء ثم برّد بقوة ورطّب واستعمل القوابض أيضاً والمغريات وماء الشعير والسرطانات والقرع ودواء أندروماخس ودواء جالينوس.

وأما الكائن من انفتاح العروق فالأدوية التي يجب أن تستعمل فيه هي القابضة والعفصة مع تغرية كما كانت الأدوية المحتاج إليها فيما سلف هي المغرية الملحمة مع قبض وهذه مثل الجلنار وأقماع الرمان والسماق وعصارة الطراثيث وعصارة عساليج الكرم وورق العوسج والبلوط والكهربا والأقاقيا والحُضَض وعصارة الورد وعصارة عصا الراعي والشكاعى وعصارة الحصرم وهو فاقسطيداس.

وقد يقوي هذه وما يتّخذ منها بالشبّ والعفص والصبر والأفسنتين يتخذ منها أدوية مركبة وأقراص معدودة لهذا الباب.

وقد ركبت من هذه الأدوية المذكورة وربما طبخت هذه الأدوية في المياه الساذجة أو بعض العصارات وشرب طبيخها وربما اتخذ منها ضمّادات وقد تخلط بها وتجمع أدوية النفث المذكورة والأدوية الصدرية مثل الكرفس والنانخواه والأنيسون والسنبل والرامك وقد يخلط بها المخدّرات أيضاً مثل قشور أصل اليبروج والبنج والخشخاش وقد يخلط بها المغرّيات كالصمغ وقشار الكندر وكوكب ساموس والطباشير وبزر لسان الحمل ولعاب بزرالقطونا وبزره وعصارة البقلة الحمقاء ولعاب حبّ السفرجل.

وأما إذا كان رشحاً من ورم فعلاجه الفصد والاستفراغ ثم الإنضاج.

ولا يعالج بالقوابض فذلك يجلب آفة عظيمة بل يجب أن يعالج بعلاج ذات الرئة.

وأما الكائن عن التأكّل فهو صعب العلاج عسر وكالميئوس منه فإنه لا يبرأ ولا يلتحم إلا مع زوال سوء المزاج وذلك لا يكون إلا في مدة في مثلها أما أن تصلب القرحة أو تعفن لكن ربما نفع أن لا يدع الأكّال يستحكم بنفض الخلط الحار وربما أسهل الصفراء والغليظة معاً بمثل حبّ الغاريقون.

فإن احتجت إلى فعل تقوية لذلك قوّيته واحتملت في تسكين دغدغة السعال بدواء البزور فإنه يرجى منه أن ينفع نفعاً تاماً.

وبالجملة فإن علاجهم التنقية بالاستفراغ بالفصد وغيره والأغذية الجيدة الكيموس وربما يسقى للأكال اللبان والمرّ وآذان الجداء وبزر البقلة الحمقاء وأصل الخطمي وأقراص الكوكب زيد فيه من الأفيون نصف جزء.

وأدوية مركبة ذكرها فولس وتذكر في القراباذين.

وأدويتهم النافعة هي ما يقع فيها الشادنة ودم الأخوين والكهربا والسندروس والطين المختوم.

وبالجملة كلّ مجفّف مغر ملحم.

وأما الكائن من الصدر فيعالج بالأضمدة وبالأدوية التي فيها جوهر لطيف أو معها جوهر لطيف قد خلط بها وهي مما ذكرناه ليصل إلى الصدر وماء الباذروج في نفسه يجمع بين الأمرين وإذا حدس أن سبب نفث الدم حرّ فالأدوية المذكورة كلها موافقة لذلك وإذا حدس أن السبب برد أورث نفث الدم على الوجه المذكور فعلاجه كما زعم جالينوس أن ذلك أصاب فتى فعالجه هو بأن فصده في اليوم الأول وثني ودلك أطرافه وشدّهاعلى ما يجب في كل حبس نزف دم وغذّاه بحساء ووضع على صدره قيروطياً من الثافسيا ورفعه عنه وقت العشاء لئلا يزيد إسخانة على القدر المطلوب وغذَّاه بحساء وسقاه دواء البزور ولما كان اليوم الثالث استعمل على صدره ذلك القيرطي ثلاث ساعات ثم أخذه وغذّاه بماء الشعير واسفيدباجة بلحم البط فلما اعتدل مزاج رئته وزال الخوف عن حدوث الورم نقّى الرئة بترياق عتيق متكامل ودرجه إلى شرب لبن الأتن وإلى سائر تدبير نافث الدم.

وزعم جالينوس أن كان من أدركه من هؤلاء في اليوم الأول برأ والأخرون اختلفت أحوالهم وقد شاهدنا أيضاً من هذا من نفعته هذه الطريقة ونحوها وإذا حدس أن السبب رطوبة واسترخاء استعمل ما فيه تجفيف وتسخين وقبض مثل أصل الأذخر والمصطكي والكمّون المقلو والفودنج الجبلي والقلقديس والجندبيدستر والزعفران للإبلاع وقد يخلط بها قوابض معتدلة بمثل الشاهبلّوط وقد اتخذت من هذه مركّبات ذكرت في القراباذين.

وإذا حدس أن السبب يبوسة وذلك في الأقل استعمل المرطّبات المعلومة من الألبان والأدهان والعصارات بعد التدبير المشترك من إمالة المادة إلى خلاف الجهة ولكن الذي يليق بهذا الموضع عن الفصد وغيره أقلّ وأضعف من الذي يليق بغيره.

وإذا كان السبب صدمة على الكبد فعلاجه هذا السفوف.

ونسخته: رواند صيني عشرة لكّ خمسة طين أرمني خمسة والشربة من مجموعة درهم ونصف.

وإما الأدوية المشتركة فالمفردات منها مذكورة في الكتاب الثاني في الجداول المعلومة والذي يليق بهذا الموضع الشادنج فإنه إذا سحق سحقاً كالغبار وشرب منه مثقال في بعض القوابض أو العصارات نفع أجل نفع وإذا مضغت البقلة الحمقاء وابتلع ماؤها فربما حبس في الحال وماء الخيار وعصارته وخصوصاً مع بعض المغريات القابضة جداً إذا تجرعّ يسيراً يسيراً وقرن الأيل المحرق إذا خلط بالأدوية كان كثير النفع وذلك ماء النعناع وأيضاً ثمرة الغرب وزن درهم وأيضاً فقّاح الكزبرة وزن ثلاثة دراهم بماء بارد غدوة وعشية وأيضاً البسّد فإنه شديد النفع وطين ساموس وزعم أنه يسمى باليونانية كوكب الأرض ويشبه أن يكون غير الطلق وأيضاً يؤخذ دم الجدي قبل أن يجمد يسقى منه نصف أوقية نيئاً ثلاثة أيام وأيضاً حبّ الآس وبزر لسان الحمل وزن درهمين في ماء لسان الحمل أو عصارة الورد فإنه غاية والسفرجل نافع وخصوصاً المشوي.

وأيضاً أنفحة الأرانب بماء الورد وهي وغيرها من الأنافح بمطبوخ عفص أو بماء الباذونج وخصوصاً للصدري أو طين مختوم وبدله طين ساموس بشيء من الخل وأيضاً سومقوطون وهي حيّ العالم.

وقال رجل في بعض ما جمع أنه نوع من الفوذنج ينبت بين الصخر يفرك ويؤكل بالملح ويسمى بالموصل اليبروح البرّي أو التفاح البري وفي ذلك نظر وهذا الدواء يسقى مع مثله نشا.

وأيضاً: مما ينفعه أن يسقى من الشبّ اليماني فإنه غاية وخصوصاً في صفرة بيض مفترة لم درهم من بزر البنج بماء العسل ويجب أن يسقى الأدوية الحابسة للنفث بالشراب العفص لتنفذ اللهم إلا أن يكون حمى فيسقى حينئذ مع عصارة أخرى.

وللعتيق القديم بزر الكراث النبطي وحبّ الآس جزآن بالسواء يسقى منهما إلى درهمين بماء عصا الراعي أو تؤخذ عصارة الكراث الشامي أوقية والخلّ نصف أوقية يسقى بالغداة أو يسقى حراقة الإسفنج بشيء من نبيذ.

وجالينوس يعالج نزف الدم بالترياق والمثروديطوس والأدوية الطيبة الرائحة فإنها تقوّي الطبيعة على البخل بالدم وإلحام الجرح وكذلك أقراص الكوكب ودواء أندروماخس والقنطوريون يجمع إلى حبس النفث التنقية فليسق منه المحموم بماء وغيره بشراب.

والصقالبة يعالجون بطبيخ أصل القنطوريون الجليل.

ومن الأشربة عصارة لسان الحمل وزن درهم عصارة لسان الثور وزن درهمين عصارة بقلة الحمقاء وزن درهمين عصارة أغصان الورد الغضّة أوقية يدق بلا رشّ الماء عليها ويصفّى ولا يطبخ بل يداف فيه شيء من الطين المختوم ويسقى أو تؤخذ عصارة أغصان الورد ويداف فيها عصارة هيوفقسطيداس أو الشاذنج وقرن الأيل محرقاً وتسقى ومن الأقراص قرص بهذه الصفة.

ونسخته: أقاقيا وجُلَّنار وورد أحمر وعصارة لحية التيس وجفت البلّوط وقشور الكندر سواء.

وأيضاً يؤخذ زرنيخ قشور أصل اللفّاح طين البحيرة كندر أقاقيا بزر بقلة الحمقاء بزر باذروج جلّنار كافور يتخذ أقراصاً.

الشربة درهمان بنصف أوقية ماء أو شراب عفص أو ماء الباذروج.

وأيضاً بزر خشخاش وطين مختوم هيوفقسطيداس كندر كافور تسقى بماء الباذروج.

وأيضاً قرص ذكره ابن سرافين وهو المتخذ بصمغ اللوز.

وأما الأدهان المستعملة على الصدر ففي الصيف دهن السفرجل وفي الشتاء دهن السنبل.

وهذه صفة قرص جيد: يؤخذ طين البحيرة.

وبُسذ وكوكب ساموس وورد يابس من كل واحد جزآن كهرباء وصمغ ونشا من كل واحد جزء يخلط ويقرص والشربة منه أربعة مثاقيل للمحموم في عصارة قابضة ولغير المحموم في شراب وخصوصاً القابض.

ومن الأضمدة المشتركة دقيق الشعير ودقاق الكندر وأقاقيا ببياض البيض وإذا حبست الدم فاقبل على إلحام الجراحة.

ومنع الورم وإلحام الجراح هو مما تعلمه من المغرّيات القابضة ومنع الورم لمنع الغذاء وجذب المواد إلى الأطراف وتبريد الصدر ويجب أن يجرع الخل الممزوج مراراً ويجب أن يتحرّز بعد الاحتباس والإقبال أيضاً عن الأمور المذكورة.

وأما الماء الذي يشربونه فيجب أن يكون ماء المطر أو ماء يقع فيه الطين الأرمني والورد.

وماء الحديد المطفأ فيه الحديد نافع جداً لقبضه.

وإذا خيف جمود الدم في الرئة فيجب أن يسقى في الابتداء خلاً ممزوجاً بماء إلا أن يكون سعال فيجب أن يحذر حينئذ الخلّ وأمر للدم الجامد بنصف درهم دندكركم بشيء من ماء الكراث وملعقة سكنجبين.

ومن المركبات كذلك حلبة مطبوخة درهمان زراوند درهم مر ثلاث دراهم دهن السوسن درهم فلفل واحد بنج واحد ورد درهمان يقرص ويصف في الظل ويسقى بماء الرازيانج والكرفس.

وأيضاً أنفحة الأرنب ورماد خشب التين مع حاشا أو شعير مع عسل أو يسهّلون بما يستفرغ من أدوية مفرعة ذكرناها في الكتاب الثاني ومركبات ذكرناها في القراباذين واقرأ كتابنا في تحليل الدم الجامد من الكتاب الرابع.

المقالة الرابعة أورام أعضاء

نواحي الصدر أصول نظرية من علم أورام أعضاء نواحي الصدر وقروحها سوى القلب

فصل في كلام كلي في أوجاع نواحي الصدر والجنب

ذات الجنب: إنه قد يعرض في الحجب والصفاقات والعضل التي في الصدر ونواحيها والأضلاع أورام دموية موجعة جداً تسمى شوصة وبرساماً وذات الجنب وقد تكون أيضاً أوجاع هذه الأعضاء ليست من ورم ولكن من رياح فتغلظ فيظن أنها من هذه العلّة ولا تكون.

وذات الجنب ورم حار في نواحي الصدر إما في العضلات الباطنة وفي الحجاب المستبطن للصدر وإما في الحجاب الحاجر وهو الخالص أو في العضل الظاهرة الخارجة أو الحجاب الخارج بمشاركة الجلد أو بغير مشاركة.

وأعظم هذا وأهوله ما كان في الحجاب الحاجز نفسه وهو أصعبه.

ومادة هذا الورم في الأكثر مرار أو دم رديء لأن الأعضاء الصفاقية لا ينفذ فيها إلا اللطيف المراري ثم الدم الخالص ولذلك تكون نوائب اشتداد حماة غباً في الأكثر ولذلك قلّما يعرض لمن يتجشأ في الأكثر حامضاً لأنه بلغمي المزاج ومع ذلك قد يكون من دم محترق وقد يكون من بلغم عفن وقد يكون في الندرة من سوداء عفن ملتهب وقد بينا في الكتاب الكلّي أنه ليس من شرط الورم الحار أن لا يكون من بلغم وسوداء بل قد يكون من بلغم وسوداء على صفة إلا أنه لا يكون حاراً إلا إذا كان من مرة أو دم.

فإن كان من غيرهما كان مزمناً وهذا شيء ليس يحصله كثير من الناس.

ولما كان كل ورم إما أن يتحلّل وإما أن يجمع وإما أن يصلب فكذلك حال ذات الجنب.

لكن الصلابة في ذات الجنب ممّا يقلّ فهو إذن إما أن يتحلّل وإما أن يجمع أي في غالب الأحوال.

وذات الجنب إذا تحلّلت قبلت الرئة في الأكثر ما يتحلل منه ونفثته وأخرجته وربما تحلّل إلى جهة أخرى.

وإذا اجتمعت المدة احتيج ضرورة إلى أن تنضج لتتفجر فربما تنفث الرئة المدة وربما قبلها العرق الأجوف فخرجت بالبول وربما انصبت إلى مجاري الثفل فاستفرغت في الإسهال.

وقد تقع كثيراً إلى الأماكن الخالية واللحوم الغددية فتحدث أوراماً في مثل الأرنبتين والمغابن وخلف الأذنين.

وكثيراً ما تندفع المادة إلى الدماغ وأعضاء أخرى كما سنذكر فيقع خطر أو يهلك وربما خنقت المادة الرئة بكثرتها وملئها مجرى النفس وربما لم تكن كثرتها هذه الكثرة ولا كانت إلا نضيجة مدة كانت أو نفثاً مثل المدة إلا أن القوى تكون ساقطة فتعجز عن النفث ولذلك يجب أن تقوى القوة في هذا الوقت حتى تقوى على الانقباض الشديد للسعال النافث فإن هذا النفث فعل يتم بقوّتين إحداهما طبيعية منضجة ودافعة أيضاً والأخرى إرادية دافعة وإذا لم تقويا جميعاً أمكن أن تعجز عن التنقية.

واعلم أن عسر النفث إما أن يكون من القوة إذا كانت ضعيفة أو من الآلة إذا كانت الآلة تتأذى بحركة نفسها أو حركة جارها أو من المادة إذا كانت رقيقة جداً أو كانت غليظة أو لزجة.

وفي مثل هذه الأحوال قد يعرض في الرئة كالغليان لاختلاط الهواء بالمادة العاصية المنصبة إلى الرئة والعصبة ومتى لم يستنق بالنفث في ذات الجنب إلى أربعة عشر يوماً فقد جمع.

ومتى لم يستنق القيح بعد أربعين يوماً فقد وقع في ذات الرئة والسلّ وقد ينق التقيح في السابع وأما في الأكثر فيكون في العشرين وفي الأربعين وفي الستّين وقد يقع انفجار قبل النضج لدفع الطبيعة المادة المؤذية بكثرتها أو حدّتها أو لحرارة المزاج والسن والفصل والبلد أو لتناول المفجرات من المشروبات قبل الوقت من جهة خطأ الطبيب.

وسنذكر المفجرات من بعد أو لحركة من العليل مفرطة متعبة أو صيحة وذلك خطر.

وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى ذات الرئة بأن تقبل الرئة مادة الورم ثم لا تجيد نفثها وتحتبس فيها فتتورّم.

وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى السل تارة بوساطة ذات الرئة على النحو الذي سنذكر وتارة بغير وساطة ذات الرئة بأن تقرّح المادة أو المدة المتحللة منه جوهر الرئة لحدّتها ورداءتها وقد يعرض أن ينتقل إلى التشنج والكزاز بأن تندفع المادة في الأعصاب المتصلة والعضو الذي فيه الورم فإنه عضو عصباني وهذا انتقال قاتل قد لا ينفع معه سائر العلاجات الجيدة.

وقد يعقب ذات الرئة والجنب كالخدر في مؤخر عضد صاحبه وأنسيه وساعده إلى أطراف الأصابع وقد يحمل على جهة القلب فيعرض منه خفقان يتبعه الغشي وإلى جانب الدماغ أيضاً في حال التحلل قبل الجمع وفي حال الجمع وقد تنتقل المادة إلى الأعضاء الظاهرة فتصير خراجات وقد يكون انتقالها هذا بنفوذها في جواهر العصب والوتر بل العظام وإذا مالت إلى المواضع السفلية ثم انفتحت وصارت نواصير كان ذلك من أسباب الخلاص ولكن تكون النواصير خبيثة معدية.

وإن مالت إلى المفاصل وصارت نواصير خلص العليل أيضاً لكن ربما أزمن العضو خصوصاً إذا لم يكن هناك استفراغ آخر ببراز أو بول غليظ كثير الرسوب أو نفث كثير نضيج فإن كان شيء من هذا كان أسلم فإن ذلك يدل على قلّة المادة المحدثة للخراج وإمكان إصلاحها بالنضج.

وهذه الخراجات إذا خفيت وغارت دلت على آفة ونكس وخصوصاً إذا زحفت المادة إلى الرئة وقد يعرض من شدة الحمّى تواتر النفس ومن تواتر النفس لزوجة النفث فإن النفث يجف بسبب النفس المتواتر ويعرض من لزوجة النفث شدة الوصب وازدياد اللهيب ومن ازدياد اللهيب تواتر النفس ومن تواتر النفس اللزوجة فلا يزالان يتعاونان على الغائلة.

وأما أنه أي أصناف ذات الجنب والرئة أردأ أهو الذي يكون في الجانب الأيسر المجاور للقلب أو الذي يكون في الجانب الأيمن فإن بعضهم جعل هذا أردأ وبعضهم جعل ذلك أردأ إلا أن الحق هو أن القريب من جهة المكان أردأ لكنه أولى بأن ينضج ويقبل التحليل إن كان من شأنه وقد يوقع في ذات الجنب الامتلاء من الأخلاط إذا عرض في ناحية الرأس أو ناحية الصدر أو في بعض العروق المنصبة إلى نواحي الصدر وقد يورثه كثيراً من شرب المياه الباردة الحاقنة للمواد والبرد الزائد كما تحدثه الحرارة الشديدة وشرب الشراب الصرف المحرّك للأخلاط المثير لها.

وذات الجنب أكثر ما يعرض في الخريف والشتاء وخصوصاً بعد ربيع شتوي ويكثر في الربيع الشتوي وهبوب الشمال يكثر الفضول أو يحقن الفضول فتكثر معه أوجاع.

الجنب والأضلاع خصوصاً عقيب الجنوب وفي الصيف.

وعند هبوب الجنوب يقلّ جداً لكنه إذا كان الصيف جنوبياً مطيراً وكذلك الخريف يكثر في آخر الخريف في أصحاب الصفراء ذات الجنب وأما على غير هذه الصورة.

فذات الجنب يقلّ في الأهوية والبلدان والرياح الجنوبية.

ويقل أيضاً في النساء اللاتي يطمثن لأن مزاجهن إلى الرطوبة دون المرارية وإذا عرض للحوامل كان مهلكاً ويقل في الشيوخ فإن عرض قتل لضعف قواهم عن النفث والتنقية.

وذات الجنب ربما التبس بذات الكبد فإن المعاليف إذا تمددت لورم الكبد تأدى ذلك إلى الحجاب والغشاء فأحس فيه بوجع وتأذى إلى ضيق النفس فيحتاج إلى أن يعرف الفرق بينهما وربما التبس بالسرسام وذات الجنب أو غير ذلك مما قيل.

واعلم أن ذات الجنب إذا اقترن به نفث الدم كان مثل الاستسقاء تقترن به الحمّى فيحتاج الأول - وهو ذات الجنب - إلى علاج قابض بحسب نفث الدم ملين بحسب ذات الجنب كما أن الثاني يحتاج إلى علاج مسخن مجفّف أو مجفّف معتدل بسبب الاستسقاء مبرّد مرطّب بسبب الحمّى.

وكثيراً ما يكون سبب ذات الجنب وذات الرئة تناول أغذية غليظة الغذاء مغلظة للدم كالقبيط فيندفع إلى نواحي الثندوة والجنب وعلاجه ترقيق المادة بالحمام ويخرج منه إلى سكنجبين يشربه ويجتنب التمريخ بالدهن فإنه جذّاب وربما استغنى بهذا عن الفصد.

علامات ذات الجنب: لذات الجنب الخالص علامات خمسة: وهي حمّى لازمة لمجاورة القلب والثانية وجع ناخس تحت الأضلاَع لأن العضو غشائي وكثيراً ما لا يظهر إلا عند التنفس وقد يكون مع النخس تمدّد وربما كان أكثر والتمدّد يدلّ على الكثرة والنخس على القوة في النفوذ واللذع والثالثة ضيق نفس لضغط الورم وصغره وتواتر منه والرابعة نبض منشاري سببه الاختلاَف ويزداد اختلافه ويخرج عن النظام عند المنتهى لضعف القوة وكثرة المادة والخامسة السعال فإنه قد يعرض في أول هذه العلّة سعال يابس ثم ينفث وربما كان هذا السعال مع النفث من أول الأمر وهو محمود جداً وإنما يعرض السعال لتأذي الرئة بالمجاورة ثم يرشح ما يوشح إليها من مادة المرض فيحتاج إلى نفثه فإن تحلّل كله وترشّح فقد استنقى ما جمع والخالص منه لا يكون معه ضربان لأن العضو عادم لكثرة الشرايين ولما كان ذات الجنب يشبه ذات الكبد بسبب السعال والحمّى وضيق النفس ولتمدّد المعاليق واندفاع الألم إلى الغشاء المستبطن وجب أن يفرق بينها وبينها وأيضاً يشبه ذات الرئة بسبب ذلك وبسبب النفث فيجب أن يفرق بينهما.

فالفرق بين ذات الجنب وذات الكبد أن النبض في ذات الكبد موجي والوجع ثقيل ليس بناخس والوجه مستحيل إلى الصفرة الرديئة والسعال غير نافث بل تكون سعالات يابسة متباطئة وربما اسودّ اللسان بعد صفرته والبول يكون غليظاً استسقائياً ويكون البراز كبدياً ويحسّ بثقل في الجانب الأيمن ولا يدركه اللمس فيوجع.

وربما كان في ذات الكبد إسهال يشبه غسالة اللحم الطري لضعف القوة وإذا كان الورم في الحدبة أحسّ به في اللمس كثيراً وإن كان في التقعير كشف عنه التنفس المستعصي إذا دل على شيء ثقيل معلّق وضيق النفس في ذات الكبد متشابه في الأوقات غير شديد جداً وأما المجنون فسعاله نافث ووجعه ناخس وبوله أحسن قواماً ولونه أحسن ما يكون وضيق نفسه أشدّ وهو ذاهب إلى الازدياد على الاتصال حتى يتبين له في كلّ ست ساعات تفاوت في الازدياد كثير.

والفرق بينه وبين ذات الرئة أيضاً هو أن نبض ذات الرئة موجي ووجعه ثقيل وضيق نفسه أشدّ ونفسه أسخن وعلامات أخرى ولما كان ذات الجنب قد تعرض معه أعراض السرسام المنكرة مثل اختلاط الدهن والهذيان وتواتر النفس والخفقان والغشي وما هو دون ذلك وصعوبة الكرب وشدة الضجر وشدّة العطش وتغيّر السحنة إلى ألوان مختلفة وشدّة الحمّى وقيء المرارة والسبب في هذه الأعراض مشاركة الصدر للأعضاء الرئيسية ومجاورتها وجب أن نفرق بين الأمرين أعني البرسام والسرسام.

فمن الفروق أن اختلاط الدهن يعرض في السرسام أولاً ثم تشتدّ فيه سائر الأعضاء ويكون التنفس فيه أسلم ويتأخر فساد النفس عن الاختلاط ويكون معه أعراضه الخاصة كحمرة العينين وانجذابهما إلى فوق.

وأما في البرسام فيتأخر اختلاط الذهن وربما لم يكن إلى قرب الموت بل كان عقل سليم ولكنه يتقدّمه فيه تغير النفس وسوءه ويكون في الأولى تمدّد في المراق إلى فوق كأنه ينجذب إلى الورم ووجع ناخس.

ومن الفروق في ذلك أن النبض في السرسام عظيم إلى التفاوت وفي ذات الجنب صغير إلى التواتر ليتلافى الصغر وذات الجنب إذا اشتدّ اشتدت الأعراض المذكورة معه ويبس اللسان وخشن.

وإذا ازداد عرض احمرار في الوجه والعين والقلق الشديد وفساد النفس واختلاط الذهن والعرق المنقطع وربما أدى إلى اختلاف رديء.

إذا لم يكن ذات الجنب خالصاً بل كان في الغشاء المجلّل للأضلاع أو في العضل الخارجة كان له علامات وكان الوجع فيه والآفة إلى حد فإن الذي يكون في الغشاء الخارج يدركه اللمس وربما شاركه الجلد فيظهر للبصر وربما انفجر خراجاً ولم يوجب نفثاً.

وهذا الانفجار قد يكون بالطبع وقد يكون بالصناعة.

والذي يكون في العضل الخارجة يكون معه ضربان فإن كان الإحساس به مع الاستنشاق كان في العضل الباسطة وإن كان الإحساس به في الردّ كان في العضل القابضة.

وقد علمت أنهما جميعاً موجودان في الطبقتين جميعاً الداخلة والخارجة.

والغمز أيضاً يدرك هذا الضرب من ذات الجنب التي ليست بخالصة وهذا الغير الخالص لا يفعل من الوجع الناخس ومن ضيق النفس والسعال ومن صلابة النبض ومنشاريته وشدّة الحمّى وأعراضها ما يكون في الخالص.

وربما كان النبض ليّناً وربما كان حمّى بسبب ورم في غير المواضع المذكورة أو لسبب آخر مثل نفث مفرط وغيره ولا يكون ذات الجنب إذ ليس هناك وجع ناخس ونبض منشاري وغير ذلك وفي الأكثر غير الحقيقة يكون الوجع أسفل مشط الكتف وما كان من الخالص في الحجاب الحاجز كان الوجع إلى الشراسيف وكان اختلاط العقل فيه أكثر واشتدت الأعراض والموجع وعسر النفس ولم تكن سرعة شدة الحمّى كما في غيره بل ربما تأخّر إلى أن يعفن العضل فتقوى الحمى جداً وإن كان في الغشاء المستبطن للصدر وكان الوجع إلى الترقوة واختلف الوجع لاختلاف مماسة أجزاء الغشاء للترقوة ولاختلاف الأجزاء في الحس ولا يكون معه ضربان البتة.

والوجع المائل إلى ناحية الشراسيف قد يكون بسبب الورم في الحجاب الحاجز وقد يكون لحدوث الورم في الأعضاء اللحمية التي في الأضلاع وليس فيه كثير خطر.

علامات الرديء منه والسليم: يدل على سلامته النفث السهل السريع النضيج وهو الأبيض الأملس المستوي والنبض الذي ليس بشديد الصلابة والمنشارية وقلّة الوجع وسائر الأعراض وسلامة النوم والنفس وقبول العلاج واحتمال المريض لما به واستواء الحرارة في البدن مع لين وقلة عطش وكرب وكون العرق البارد والبول والبراز على الحالة المحمودة.

ونضج البول علامة جيدة فيه كما أن رداءته علامة رديئة جداً ورداءة البراز ونتنه وشدة صفرته علامة رديئة وظهر الرعاف من العلامات الجيدة النافعة في ذات الجنب والرديء أن تكون أعراضه ودلائله شديدة قوية والنفث محتبساً أو بطيئاً وهو غير نضيج إما أحمر صرفاً أو أسود ويزداد لزوجة وخنقاً كمداً وعسراً ويكون على ضد من سائر ما عددنا للجيّد.

ومن العلامات الرديئة أن يكون هناك بول عكر غير مستو وهو دموي فإنه رديء يدل على التهاب شؤون الدماغ ومن العلامات الرديئة أن يكون هناك حرارة شديدة وخصوصاً إذا كان مع برد في الأطراف ووجع يمتد إلى خلف وزيادة من الوجع إذا نام على الجانب العليل فإذا حدث به أو بصاحب ذات الرئة اختلاف في آخره دل على أن الكبد قد ضعفت وهو رديء وهو في أوله جيد بل أمر نافع.

وإما الاختلاف الذي يجيء بعد ذلك ولا يزول به عسر النفس والكرب فربما قتل في الرابع أو قبله.

واختلاج ما تحت الشراسيف في ذات الجنب كثيراً ما يدل على اختلاط العقل لمشاركة الحجاب الرأس وتكون هذه حركة من مواد الحجاب.

وحركتها في الأكثر في مثل هذه العلة حركة صاعدة.

ومن العلامات الرديئة أن تغور الخراجات المنحياة عن ذات الجنب من غير سكون الحمّى ولا نفث جيد فإن ذلك يدل على الموت لما يكون معه لا محالة من رجوع المادة إلى الغور.

وأما العلامات الجيدة والرديئة التي تكون بعد التقيّح فنفرد له باباً.

واعلم أن ذات الجنب إذا لم يكن فيه نفث فهو إما ضعيف جداً وإما رديء خبيث جداً.

فإنه إما أن لا يكون معه كثير مادة يعتدّ بها وإما أن تكون عاصية عن الانتفات خبيثة.

قال أبقراط: أنه كثيراً ما يكون النفث جيداً سهلاً وكذلك النفس ويكون هناك علامات أخرى رديئة قاتلة مثل صنف يكون الوجع منه إلى خلف ويكون كأنّ ظهر صاحبه ظهر مضروب ويكون بوله دموياً قيحياً وقلما يفلح بل يموت ما بين الخامس والسابع وقليلاً ما يمتد إلى أربعة عشر يوماً وفي الأكثر إذا تجاوز السابع نجا وكثيراً ما يظهر بين كتفي صاحبه حمرة وتسخن كتفاه ولا يقدر أن يقعد فإن سخن بطنه وخرج منه براز أصفر مات إلا أن يجاوز السابع.

وهذا إذا أسرع إليه نفث كثير الأصناف مختلفها ثم اشتدّ الوجع مات في الثالث وإلا برئ.

وضرب آخر يحسّ معه بضربان يمتد من الترقوة إلى الساق ويكون البزاق فيه نقياً لا رسوب معه والماء نقياً وهو قاتل لميل المادة إلى الرأس فإن جاوز السابع برئ.

علامات أوقاته: إذا لم يكن نفث أو كان النفث رقيقاً أو قليلاً أو الذي يسمى بزاقاً على ما نذكره فهو الابتداء وما تزداد الأعراض فيه ويزداد النفث ويأخذ في الرّقة ويزداد في الخثورة وفي السهولة ويأخذ في الحمرة إن كانت إلى الاصفرار المناسب للحمرة فهو الازدياد ثم إذا نفث العليل نفثاً سهلاً نضجاً على ما ذكرناه من النضج ويكون كثيراً ويكون الوجع خفيفاً فذلك هو وقت المنتهى ووقت موافاة النضج التام ثم إذا أخذ النفث ينقص مع ذلك القوام وتلك السهولة ومع عدم الوجع ونقصان الأعراض فقد انحط فإذا أحتبس النفث عن زوال الأعراض البتة فقد علامات أصنافه بحسب أسبابه: الأشياء التي منها يستدلّ على السبب الفاعل لذات الجنب النفث في لونه إذا كان بسيط اللون.

أو مختلط اللون ومن موضع الوجع ومن الحمّى وشدتها ونوبتها فإن النفث إذا كان إلى الحمرة دل على الدم وإذا كان إلى الصفرة دل على الصفراء.

والأشقر يدلّ على اجتماعهما وإذا كان إلى البياض ولم يكن للنضج دل على البلغم وإذا كان إلى السواد والكمودة ولم يكن لسبب صابغ من خارج من دخان ونحوه دل على السوداء.

وأيضاً فإن الوجع في البلغم والسوداء في أكثر الأمر يكون منسفلاً وإلى اللين وفي الآخرين متصعِّداً ملتهباً وأيضاً فإن الحمى إن كانت شديدة كانت من مواد حارة وإن كانت غير شديدة كانت من مواد إلى البرد ما هي وربما دلت بالنوائب دلالة جيدة.

علامات انتقاله: أنه إذا لم ينفث نفثاً محموداً سريعاً ولم يستنشق في أربعة عشر يوماً فقد انتقل إلى الجمع ويدل على ابتدائه في تصعده شدة الوجع وعسر النفس وضيقه وتضاغطه عند البسط مع صغر وشدة الحمّى وخشونة اللسان خاصة ويبس السعال لتلزج المادة وكثافة الحجاب وضعف القوة وسقوط الشهوة والأخلاط والسهر ويقل نخسه في ذلك الموضع وإذا جمع وتم الجمع سكنت الحمّى والوجع وازداد الثقل فإذا انفجر عرض نافض مختلف واستعراض نبض مع اختلافه وتسقط القوّة وتذبل النفس.

وكثيراً ما تعرض حمى شديدة لِلذع المدة للأعضاء ولذع الورم فإذا انفجر ثم لم يستنق من يوم الانفجار إلى أربعين يوماً أدى إلى السلّ وانفجار المتقيح في اليوم السابع وأبعده في الأقل وأكثره بعد ذلك إلى العشرين والأربعين والستين.

وكلما كانت عوارض الجمع أشدّ كان الانفجار أسرع وكلما كانت ألين كان الإنفجار أبطأ وخصوصاً الحمى من جملة العوارض.

وإذا ظهرت العلامات الظاهرة الهائلة وكنت قد شاهدت دلائل محمودة في النفث وغيره فلا تجزع كل الجزع فإن عروضها بسبب الجمع لا بسبب آخر.

وكل ذات جنب لا يسكن وجعه بنفث ولا فصد ولا إسهال ولا غير ذلك فتوقع منه تقييحاً أو قتلاً قبله بحسب سائر الدلائل.

وإذا رأيت النبض يشتد تمدده وخصوصاً إذا اشتد تواتره فإن ذلك ينذر إن كانت القوة قوية بأنه ينتقل إلى ذات الرئة والتقيح والسل.

وبالجملة إذا كان هناك دلائل قوة وسلامة ثم لم يسكن الوجع بنفث أو إسهال أو فصد وتكميد فهو آيل إلى التقيح.

وأما إن لم تكن دلائل السلامة من ثبات القوة وثبات الشهوة وغير ذلك فإن ذلك يُنذر بأنه قاتل وينذر بالغشي أولاً.

على أن الشهوة تسقط في أكثر الأمر عند الانفجار وتحمر الوجنتان لما يتصاعد إليهما من البخار وتسخن الأصابع لذلك أيضاً.

وإذا انفجر إلى فضاء الصدر أوهم الخفة أياماً ثم يسوءه حاله وإذا انفجر رأيت النب على ما حكيناه قد ضعف واستعرض وأبطأ وتفاوت لانحلال القوة بالاستفراغ وانطفاء الحرارة الغريزية.

ويعرض أيضاً كما ذكرناه نافض يتبعه حتى بسبب لذع الأخلاط فإن كانت المادة من المنفجر كثيرة والقوة ضعيفة أدت إلى الهلاك.

واعلم أنه إذا كانت القوة ضعيفة واشتد التمدد والتواتر فإن ذلك كما علمت ينذر بالغشي وإن كان التواتر دون ذلك ودون ما يوجبه نفس ذات الجنب فربما أنذر بالسبات أو التشنج أو بطء النضج وإنما يحدث السبات لقبول الدماغ الأبخرة الرطبة التي هي لا محالة ليست بتلك الحادة إلا لتواتر النبض جداً قبولاً مع ضعفه عن دفعها في الأعصاب.

ويحدث التشنج لقوة الدماغ على دفعها في الأعصاب ويدل على بطء التقيح لغلظ المادة ولأنها ليست تنتقل وأن الدماغ والأعصاب قوية لا تقبله.

وربما أنذرت بالتشنج وذلك إذا كان النفس يشتد ضيقه اشتداداً والحمى ليست بقوية.

وإذا رأيت العلة قد سكنت يسيراً وخفت ولم يكن هناك نفث فربما انتقص المادة ببول أو براز وظهر اختلاف مراري رقيق أو ظهر بول غليظ.

فإن لم ير ذلك فسيظهر خراج فإن رأيت تمدداً في المراق والشراسيف وحرارة وثفلاً أنذر ذلك بخراج عند الأرنبتين أو إلى الساقين.

وميله إلى الساقين شديد الدلالة على السلامة.

وفي مثل هذا يأمر أبقراط بالاستسهال بالخربق.

فإن رأيت مع ذلك عسر نفس وضيق صدر وصداعاً وثفلاً في الترقوة والثدي والساعد وحرارة إلى فوق أنذر ذلك بميل المادة إلى ناحية الأذنين والرأس.

فإن كانت الحالة هذه ولم يظهر ورم ولا خراج في هذه الناحية فإن المادة تميل إلى الدماغ نفسه وتقتل.

فصل في كلام جامع في النفث

يبدأ في الثاني والثالث: أفضل النفث وأسرعه وأسهله وأكثره وأنضجه الذي هو الأبيض الأملس المستوي الذي لا لزوجة فيه بل هو معتدل القوام.

وما كان قريباً من هذا النضج يسكن أخلاطاً إن كانت قبله أو سهراً أو عرضاً آخر رديئاً ويليه المائل إلى الحمرة في أول الأيام والمائل إلى الصفرة وبعد ذلك الزبدي.

وسبب الزبدية هو أن يكون في الخلط شيء رقيق قليل يخالطه هواء كثير وتكون المخالطة شديدة جداً.

على أن الزبدي ليس بذلك الجيد بل هو أميل إلى الرداءة.

وأردؤه في الأول الأحمر الصرف أو الأصفر الصرف الناري.

ومن الرديء جداً الأبيض اللزج المستدير.

وأردأ الجميع الأسود وخصوصاً المنتن منه.

والأصفر خير من الأسود.

ومن الغليظ المدحرج المستدير وهذا المستدير خير من الأحمر وإن كان رديئاً ودليلاً على غلظ المادة واستيلاء الحرارة وينفر بطول من المرض يؤول إلى سلّ وذبول.

والأحمر خير من الأصفر لأن الدم الطبيعي - وهو الأحمر - والبلغم المعتدل ألين جانباً من الأصفر الأكال المحرق والأخضر يدل على جمود أو على احتراق شديد ولا يزيل حكم رداءة النفث في جوهره سهولة خروجه والمنتن رديء وانتفاث أمثال هذه الرديئة يكون للكثرة لا للنضج وكل نفث لا يسكن معه الأذى فليس بجيد.

ومن عادتهم أنهم يسمون الساذج الذي لا يخالطه شيء غريب نضيج أو شيء من الدم أو شيء من الصفراء أو السوداء بزاقاً ولا يسمونه نفثاً ومثل هذا إذا دام ولم يختلط به شيء ولم يعرض له حال يدل على أن الأخلاط هو داء ينضج فإنه يدلّ على طول العلة وإذا كان مع عدم النضج رديئاً دلّ على الهلاك.

وبالجملة فإن النفث يدل بلونه ويدل بقوامه من غلظه ورقته ويدل بشكله من استدارته وغير استدارته ويدلّ بمقداره في كثرته وقلّته والنفث المالح يدلّ على نزلة أكّالة ونفث الخلط الغليظ بل القيح قد لا يكون بسبب قروح الرئة بل بسبب رطوبة صديديّة تتحلّب من أبدان من جاوز الثلاثين إلى الخمسين وترك الرياضة فيجتمع في فضاء الصدر وينتفث ويقع به الاستسقاء في مدة أربعين يوماً إلى ستين ولا يكون به كبير بأس.

وإذ أنفث في اليوم الأول شيئاً رقيقاً غير نضيج فيتوقع أن ينضج في الرابع ويتحرّز في السابع.

فإن لم ينضج في الرابع أو كان ابتداء النفث ليس من اليوم الأول فبحرانه في الحادي عشر أو الرابع عشر.

فإن لم ينفث إلى ما بعد الرابع ثم نفث وفيه نضج ماء فالأمر متوسط.

وإن لم يكن فيه نضج فالعلة تطول مع رجاء وخصوصاً إذا كانت هناك علامات جيدة من القوة والشهوة والنبض.

وأما إذا لم ينفث إلى السابع أو نفث بلا نضج البتة بل إنما هو خلط ساذج فإن وجدت القوة ضعيفة علمت أنها لا تنضج إلا بعد زمان فإنها تخور قبل ذلك ولا تجاوز الرابع عشر.

وربما هلك قبله لأن بحران مثل هذا إلى أربعين وستين.

والطبيعة الضعيفة لا تمتد سالمة إلى ذلك الوقت وإن وجدت القوة قويّة ورأيت الشهوتين معتدلتين محمودتين ورأيت النوم والنفس على ما ينبغي ورأيت البول نضيجاً جيداً رجوت أن يجاوز الرابع عشر ثم يموت في الأكثر بعدها.

وكلّ هذا إذا كانت المادة التي توجب العلة حادة.

وبالجملة فإن أطول بحران الخفيف منه أربعة عشر يوماً وربما امتد إلى عشرين يوماً وربما امتد إلى عشرين.

وقد زعم جالينوس أنه ربما استسقى بالنفث إلى ثلاثين يوماً وصادف به بحران بحراناً تاماً وقد قلنا أن النفث الساذج البزاقي يدل على طول العلة وقد يتفق أن يكون توقع البحران لوقت بعرض دليل يجعله أقرب أو دليل فيجعله أبعد مثلاً إذا كان النفث والأحوال تدل على أن البحران يكون في الرابع عشر فيظهر بعد السابع نفث أسود وخصوصاً في يوم رديء كالثامن فإنه يدلّ على أن البحران الرديء يتقدم وإن ظهر يدلّ ذلك دليل جيد على نضج محمود دل على أن البحران الرديء يتأخر والجيد يتقدم.

فصل في ذات الرئة

ذات الرئة ورم حار في الرئة وقد يقع ابتداء وقد يتبع حدوث نوازل نزلت إلى الرئة أو خوانيق انحلت إلى الرئة أو ذات جنب استحال ذات الرئة.

وأمثال هذه يقتل إلى السابع وإن قويت الطبيعة على نفث المادة فإنها في الأكثر توقع في السل.

وذات الرئة تكون عن خلط ولكن أكثر ما تكون تكون عن البلغم لأن العضو سخيف قلما يحتبس فيه الخلط الرقيق كما أن أكثر ذات الجنب مراري بعكس هذا المعنى لأن العضو غشائي كثيف مستحصف فلا ينفذ فيه إلا اللطيف الحاد.

على أنه قد يكون من الدم وقد يكون من جنس الحمرة وهو قتال في الأكثر بحدّته ومجاورته للقلب وقلة انتفاعه بالمشروب والمضمود فإن المشروب لا يصل إليه وهو يحفظ من قوة تبريده ما يقابله والمضمود لا يؤدي إليه تبريداً يوازيه.

وذات الرئة قد تزول بالتحلل وقد تؤول إلى التقيّج وقد تصلب وكثيراً ما تنتقل إلى خراجات وقد تنتقل إلى قرانيطس وهو رديء.

وربما انتقل إلى ذات الجنب وهو في القليل النادر وقد يعقب خدراً مثل المذكور في ذات الجنب وهو أكثر عقاباً له وليس نفع الرعاف في ذات الرئة كنفعه في ذات الجنب لاختلاف المادتين ولأنّ الجذب من الرئة أبعد منه في الحجاب وأغشية الصدر وعضلاته.

العلامات: علامات ذات الرئة حمّى حادة لأنه ورم حار في الأحشاء وضيق نفس شديد كالخانق ينصب المتنفس لأجل الورم ويُضيّق المسالك وحرارة نفس شديد وثقل لكثرة مادة في عضو غير حساس الجوهر حساس الغشاء الذي لُف فيه وتمدد في الصدر كله بسبب ذلك ووجع يمتد من الصدر ومن العمق إلى ناحية القصر والصلب.

وقد يحس به بين الكتفين وقد يحس بضربان تحت الكتف والترقوة والثدي إما متصلاً وإما عندما يسعل ولا تحتمل أن يضطجع إلا على القفا وأما على الجنب فيختنق.

وصاحب ذات الرئة يحمرّ لسانه أولاً ثم يسودّ ويكون لسانه بحيث تلصق به اليد إذا لمسته بها مع غلظ وربما شاركه في التمدد وامتلاء الوجه كله ويظهر في الوجنتين حمرة وانتفاخ لما يتصعد إليهما من البخار مع لحميتهما وتخلخلهما ليسا كالجبهة في جلديتها.

وربما اشتدت الحمرة حتى المصبوغ وربما أحس بصعود البخار كأنه نار تعلوه وتظهر نفخة شديدة ونفس عالٍ سريع لعظم الحمى وآفتها.

وتهيج العينان وتثقل حركتهما وتمتلئ عروقهما وتثقل الأجفان والسبب فيه أيضاً البخار ويظهر في القرنية شبه تورّم وفي الحدقة شبه جحوظ مع دسومة وسمن وتغلظ الرقبة.

وربما حدث سبات لكثرة البخار الرطب وربما كان معه برد أطراف.

وأما النبض فيكون موجيّاً ليناً لأنّ الورم في عضو لين والمادة رطبة والموج مختلف لا محالة في انبساط واحد.

وربما انقطع وربما صار ذا فرعتين وذلك في انبساط واحد.

وربما كان ذلك بحسب انبساطات كثيرة وقد يقع في الانبساطات الكثيرة وقد يقع فيه الواقع في الوسط.

ونبضه في الأكثر عظيم لشدة الحاجة ولين الآلة إلا أن تضعف القوة جداً.

وأما التواتر فيشتد ويقل بحسب الحمى والحاجة وبحسب كفاية القوة وذلك بالعظم أو عجزها هنه.

وقد ذكر أبقراط أنه إذا حدث بهم خراجات عند الثديين وما يليهما وانفتحت نواصير تخلصوا.

وذلك معلوم السبب وكذلك إذا حدثت خراجات في الساق كانت علامة محمودة.

وإذا انتقل في النادر إلى ذات الجنب خف ضيق النفس وحدث وخز.

ونفثهم قد يكون أيضاً على ألوان مثل نفث ذات الجنب وأكثره بلغمي.

وأما ذات الرئة الذي يكون من جنس الحمرة فيكون فيه ضيق النفس.

والثقل المحسوس في الصدر أقل لكن الاتهاب يكون في غاية الشدة.

وعلامات انتقاله إلى التقيّح قريبة من علامات ذات الجنب في مثله وهو أن تكون الحمى لا تنقص ولا الوجع ولا يرى نقص يعتدّ به بنفث أو بول غليظ في رسوب أو براز فإنه إن رأيت المريض مع هذه العلامات سالماً قوياً فهو يؤول إلى التقيح أو إلى الخراج إما إلى فوق وإما إلى أسفل بحسب العلامات المذكورة في ذات الجنب.

وإن لم يكن هناك قوة سلامة فتوقع الهلاك.

وإذا صار بصاقه حلواً فقد تقيح فإن تنقى في أربعين يوماً وإلا طال وإذا طال الزمان بذات الرئة أورث تهيج الرجلين لضعف الغاذية وخصوصاً في الأطرف وإذا مالت المادة إلى المثانة رجيت السلامة.


فصل في الورم الصلب في الرئة

قد يعرض في الرئة ورم صلب ويدلّ عليه ضيق النفس مع أنه يزداد على الأيام ويكون مع ثقل وقلة نفث وشدة يبوسة من السعال وتواتره وربما خص في الأحيان مع قلة الحرارة في الصدر.

فصل في الورم الرخو في الرئة

قد يعرض في الرئة الورم الرخو ويدل عليه ضيق نفس مع بصاق كثير ورطوبة في الصدر من غير حرارة كثيرة ولا حمرة في الوجه بل رصاصية.

فصل في البثور في الرئة

وقد يعرض في الرئة بثور وعلامته أن يحسّ ثقل وضيق نفس مع سرعة وتواتر في الصدر والتهاب من غير حمى عامة.

فصل في اجتماع الماء في الرئة

قد تجتمع في الرئة مائية ويدل على ذلك مليلة وحمى لينة وورم في الأطراف وسوء التنفس ونفث رقيق مائي وحال كحال المستسقي.

فصل في الورم أو الجراحة العارضة لقصبة الرئة

علامات ذلك حمى ضعيفة وضربان في وسط الظهر فإن القصبة ليست كالرئة في أن لا تحسّ ولكنه وجع خفيف ويعرض مع ذلك حكة الجسد وبحّة الصوت فإن تقرحت كانت نكهة سمكية ونفث نزر.

فصل في القيح وجمع المدة

القيح في كلام الأطباء يأتي على معنيين: أحدهما: ماء يستعمل في كل موضع وهو جمع الورم للمدة.

والثاني: ما يستعمل خاصةً في أمراض الصدر ويراد به امتلاء الفضاء الذي بين الصدر والرئة من قيح انفجر إليه إما في الجانبين معاً وإما في جانب واحد.

وأسباب هذا الامتلاء: إما نزلة تصبّ المادة دفعة أو قروح في الرئة تسيل منها مدة صديدية فينتفح بعد عشرين يوماً في الأكثر ثم ينفث وإما انفجار ورم في نواحي الصدر وهو الأكثر ويكون ذلك إما مدة نضيجة وإما شيئاً كالدردي.

وأحوال ذلك أربعة فإنه: إما يحيق بالكثرة ليقتل ويظهر ذلك بأن يأخذ نفسه يضيق ولا ينفث وإما أن تعفن الرئة فيوقع في السل وإما أن يستنقي بالنفث المتدارك السهل وإما أن يستنقي باندفاع من طريق العرق العظيم والشريان العظيم إلى المثانة بولاً غليظاً ويكون سلوكه أولاً من الوريد إلى الكبد ثم إلى الكلية وقد يرد إلى الأمعاء برازاً وهما محمودان وقد سلف منا كلام في ذكر مدة الانفجار.

ويعرف ذلك بحسب قوّة العلامات وبحسب السن والفصل والمزاج.

والمشايخ يهلكون في التقيح أكثر من الشباب لضعف ناحية قلوبهم والشباب يهلكون في الأوجاع أكثر من المشايخ لشدة حسهم.

وقد ذكرنا علامات التقيّح في باب علامات انفعالات ذات الجنب وكذلك علامات الانفجار.

وأما علامات امتلاء فضاء الصدر من القيح فثقل وسعال يابس مع بهر ووجع.وربما كان في كثير منهم سعال رطب يحيل حفة من النفث ويكون نفسهم متتابعاً ولذلك يكون كلامهم سريعاً وتتحرك وترات أنوفهم إلى الانضمام عند التنفس وتلزمهم حمّى دقية إلى الإستسقاء.

وأما علامة الجهة التي فيها المدة فتعرف بأن يضطجع العليل مرّة على جنب ومرة على آخر والجانب الذي يتعلق عليه ثقل ضاغط هو الجانب المقابل لموضع المدة ويعرف من صوت المدة ورجرجتها وخضِخضتها.

ومن الناس من يضع على الصدر وجوانبه خرقة كتان مغموسة في طير أحمر مداف في الماء ويتفقد الموضع الذي يجفّ أولاً فهو موضع القيح.

وأما علامات الانفجار السليم فأن يكون الانفجار يعقبه سكون الحمى ونهوض الشهوة وسهولة النفث والتنفس أو تحدث معه خراجات في الجنب أو نواحيها تصير نواصير وكذلك الذي يكون منهم أو يبط فتخرج منه مدة نقية بيضاء.

وأما علامات الرديء فأن تظهر علامات الاختناق والغشي أو النفث الرديء أو السل.

وإذا كوي أو بط خرجت منه مدة حميّة منتنة.

وأما العلامات المفرّقة بين المدة وبين البلغم في النفث فهي رسوب مدة النفث في الماء وإنتانها على النار والبلغم طاف في الماء غير منتن على النار على أن المدة قد تنفث في غير السل على ما بيناه في موضع متقدّم.

وقد ينفث المتقيح شيئاً كثيراً جداً وقد رأيت من نفث في ساعة واحدة قريباً من منوين بالصغير أو مناً وأكثر من نصف وجالينوس شهد بأنه ربما قذف المتقيح كل يوم قريباً من خمسين أوقية وهو قريب من تسع قوطولات.

وقد عرفت الفرق بين المدة وبين الرطوبات الأخرى فإن المدة تتميز بالنتن عند النفث وعند الإلقاء على النار وترسب ولا تطفو.

وأما علامات انتقال التقيح إلى السل فكمودة اللون وامتداد الجبين والعنق وتسخّن الأصابع كلها سخونة لا تفارق حتى فيمن عادة أطرافه أن تبرد في الحميات وحمى تزيد ليلاً بسبب الغذاء وتعقف من الأظفار لذوبان اللحم تحتها وتدسّم من العينين مع ضرب من البياض والصفرة وعلامات أخرى سنذكرها في باب السلّ.

فصل في قروح الرئة والصدر ومنها السل

هذه القروح إما أن تكون في الصدر وإما أن تكون في الحجاب وإما أن تكون في الرئة وهذا القسم الأخير هو السل وإما أن تكون في القصبة وقد ذكرناها.

وأسلم هذه القروح قروح الصدر وذلك لأن عروق الصدر أصغر وأجزاؤه أصلب فلا يعظم فيها الشر ولأن الصديد لا يبقى فيها بل يسيل إلى فضاء الصدر وليس كذلك حال الرئة ولأن حركته غير قوية محسوسة كحركة الرئة بل يكاد أن يكون ساكناً لأنه لحمي واللحمي أقبل للالتحام.

وكثيراً ما يعرض لقروح الصدر الكائنة عن خراجات متعفنة أن تفسد العظام حتى يحتاج إلى قطع العفن فيها ليسلم ما يجاوره وربما تعدى العفن إلى الأجزاء العصبية فلا يلتحم وإما أن يقع في الأجزاء اللحمية فيلتحم أن تدورك في الابتداء ولم يترك أن يرم.

وأما إذا تورمت أو أزمنت فلا تبرأ.

وأما قروح الرئة فقد اختلفت الأطباء في أنها تبرأ أو لا تبرأ فقال قوم: إنها لا تبرأ البتّة لأن الالتحام يفتقر إلى السكون ولا سكون هناك.

وجالينوس يخالفهم ويزعم أن الحركة وحدها تمنع الالتحام إن لم تنصف إليها سائر الموانع والدليل على ذلك أن الحجاب أيضاً متحرّك ومع ذلك فقد تبرأ قروحه.

وأما جالينوس نفسه فإن قوله في قروح الرئة هو أنها إن عرضت عن انحلال الفرد ليس عن ورم أو عن تأكّل من خلط أكّال بل لعله أخرى فما دام جرحه لم يتقيّح بعد ولا تورم فإنه قابل للبرء وكذلك ما كان من القروح الذي يحدث فيها نفث ولم تتقيّح وما كان عن ورم أو تأكّل لم يقبل البرء لأن القرحة المنضجة المتقيّحة حينئذ لا يمكن أن تبرأ إلا بتنقية المدة وذلك بالسعال.

والسعال يزيد في توسّع القرحة وخرقها والدغدغة الكائنة منها تزيد في الوجع والوجع يزيد في جذب المواد إلى الناحية والأدوية المجففة مانعة النفث والمنقّية مرطبة ملينة للقرحة والكائنة عن خلط أكّل لا تبرأ دون إصلاحه وذلك لا يتأتى إلا في مدة يجب في مثلها إما تخرق القرحة ومصيرها ناصوراً لا تلتحم البتة وإما سعتها حتى يتأكّل جزء من الرئة والكائنة بعد ورم فقد يجتمع فيها هذه المعاني ومن المعاون على صعوبة الالتحام الحركة وأيضاً كون العروق التي في الرئة كباراً واسعة صلاباً فإن ذلك مما يعسر التحام الفتق وأيضاً فإن بعد المسافة بين مدخل الدواء المشروب وبين الرئة ووجوب ضعف قوته إلى أن يصل إلى القرحة من المعاون على ذلك وما كان من الأدوية بارداً فهو بليد غير نافذ.

وما كان حاراً فهو زائد في الحمّى التي تلزم قروح الرئة والمجفف ضار بالدقّ الذي يلزمه والمرطب مانع من الالتحام فإن علاج القروح كلها هو التجفيف وخصوصاً مثل هذه القرحة التي تصير إليها الرطوبات من فوق ومن أسفل.

وقد يقبل هذا التأكّل العلاج إذا كان في الابتداء وكان على الغشاء المغشى على القصبة من داخل وليس في الجوهر اللحمي من الرئة قبولاً سريعاً.

وأما الغضاريف نفسها فلا تقبل.

وأقبل الأسنان لعلاج السل هم الصبيان وأسلم قروح الرئة ما كان من جنس الخشكريشة إذا لم يكن هناك سبب في المزاج أو في نفس الخلط يجعل القرحة اليابسة قوبائية.

وقد يعرض للمسلول أن يمتد به السل ممهلاً إياه برهة من الزمان وكذلك ربما امتد من الشباب إلى الكهولة وقد رأيت امرأة عاشت في السل قريباً من ثلاث وعشرين سنة أو أكثر قليلاً.

وأصحاب قروح الرئة يتضرّرون جداً بالخريف وإذا كان أمر السل مشكلاً كشفه في صاحبه دخول الخريف عليه وقد يطلق اسم السلّ على علة أخرى لا يكون معها حمّى ولكن تكون الرئة قابلة لأخلاط غليظة لزجة من نوازل تنصبّ دائماً ويضيق مجاريها فيقعون في نفس ضيق وسعال ملحّ يؤدي ذلك إلى إنهاك قواهم وإذابة أبدانهم وهم بالحقيقة جارون مجرى أصحاب الربو فإن كانت حرارة قليلة وجب أن يخلط علاجهم من علاج أصحاب الربو.

أسباب قروح الرئة: وأما أسباب قروح الرئة فأما نزلة لذاعة أكّالة أو معفنة لمجاورتها التي لا تسلم معها الرئة إلى أن تنضج أو مادة من هذا الجنس تسيل إلى الرئة من عضو آخر أو تقدّم من ذات الرئة قد قاحت وتقرّحت أو تقيّح من ذات جنب انفجر أو سبب من أسباب نفث الدم المذكور فتح عرقاً أو قطعه أو صدعه كان سبباً من داخل مثل غليان دم أو غير ذلك مما قيل أو من خارج مثل سقطة أو ضربة وقد يكون من أسبابها عفونة وأكال يقع في جرم الرئة من نفسها كما يعرض للأعضاء الأخرى وقد يكثر السل إذا أعقب الصيف الشمالي اليابس خريف جنوبي ممطر.

فصل في المستعدين للسل

في الهيئة والسحنة والسن والبلد والمزاج

هؤلاء هم المجنحون الضيقو الصدور العاريو الأكتاف من اللحم وخصوصاً من خلف المائلو الأكتاف إلى قدّام بارز أو كان للواحد منهم جناحين وكان كتفيه منقطعان عن العضد وقدام وخلف والطويلو الأعناق المائلوها إلى قدّام قد برزت حلوقهم ووثبت وهؤلاء يكثر الرياح في صدورهم وما يليها والنفخ فيها لصغر صدورهم وإن كان بهم مع ذلك ضعف الأدمغة يقبل الفضول ولا تنضج الأغذية فقد تمت الشرائط وخصوصاً إن كانت أخلاطهم حارة مرارية والسحنات القابلة للسل بسرعة مع التجنح المذكور هي الزعر البيض إلى الشقرة وأيضاً الأبدان الصلبة المتكاثفة لما يعرض لهم من انحراف العروق والمزاج القابل لذلك من كان أبرد مزاجاً.

والسنّ الذي يكثر فيه السل ما بين ثمان عشرة سنة إلى حدود ثلاثين سنة وهي في البلاد الباردة أكثر لما يعرض فيها من انفتاق العروق ونفث الدم أكثر والفصل الذي يكثر فيه ذلك الخريف.

ما يجب أن يتوقّاه هؤلاء: يجب على هؤلاء أن يتوفوا جميع الأغذية والأدوية الحريفة والحادة وجميع ما يمدِّد أعضاء الصدر من صياح وضجر ووثبة.

علامات السل: هي أن يظهر نفث مدّة بعلامة المدة على ما شرحناه من صورتها في اللون والرائحة وغير ذلك وحمّى دقّية لازمة لمجاورة القلب موضع العلة تشتد مع الغذاء وعند الليل على الجهة التي يشتد معها حمّى الدق لترطيب البدن من الغذاء على ما نذكره في موضعه.

على أنه ربما تركّب مع الدق فيها حمّيات أخرى نائبة أو ربع أو خُمس.

وشرّها الخمس ثم شطر الغب ثم النائبة وإذا حدث السل ظهرت أيضاً الدلائل التي عمدناها في آخر باب التقيح وفاض العرق منهم كل وقت لأن قوتهم تضعف عن إمساك الغذاء وتدبيره.

والحرارة تحلّل وتسيل فإن انتفث خشكريشة لم يبق شبهة ولا سيما إذا كانت الأسباب المتأذية إلى السل المذكور قد سلفت وإذا أخذ البدن في الذبول والأطراف في الانحناء والشعر في الانتثار لعدم الغذاء وفساد الفضول فقد صح.

وقد يكمّد اللون في الابتداء من السل لكنه يحمرّ عند تصعد البخارات ويتمدد العنق والجبين وخصوصاً إذا استقرّ وتنتفخ أطرافهم وخصوصاً أرجلهم في آخر الأيام وتتربل لفساد الأخلاط وموت الغريزة في الأقاصي من البدن لرداءة المزاج والذين سبب سلّهم خلط أكال فيقذفون بزاقاً في طعم ماء البحر مالحاً جداً وقد يكون النبض منهم ثابتاً معتدل السرعة صغيراً وقد يعرض له ميلان إلى الجانبين ثم بعد ذلك يحصل في البطن قراقر وتنحني الشراسيف إلى فوق ويشتدّ العطش وتبطل الشهوة للعظام لضعف القوى الطبيعية.

وربما اختلف بطنه لسقوط القوة وربما نفث خلطاً وأجرام العروق وذلك عند قرب الموت.

والمنفوث من العروق إن كان كباراً فهو من الرئة وإن كان صغاراً فهو من القصبة وكثيراً ما ينفثون جصاً ولن يقذفوا حلقاً من القصبة إلا بعد قرحة عظيمة وفي آخره يغلظ النفث والبصاق ثم ينقطع لضعف القوة فربما ماتوا اختناقاً وربما لم يتأخر مثل هذا النفث بل وقع في الابتداء إذا كان السل من الجنس الرديء الكائن من مواد غليظة لا ينهضم.

وإذا انقطع النفث في آخر السل فربما لم يزيدوا على أربعة أيام وربما كان انقطاع النفث بسبب ضعف القوّة وحينئذ ربما ضاق النفس بهم إلى أن يصير كغير المحسوس.

وكثيراً ما يشتدّ بهم السعال ويؤدي إلى نفث الدم المتتابع فإن عولج سعالهم بالموانع للنفث هلكوا مع خفة يصيبونها وإن تركوا يسعلون ماتوا نزفاً الموت السريع.

ومن كان به سلّ فظهر على كفيه حب كأنه الباقلى بعد اثنين وخمسين يوماً.

المقالة الخامسة أصول عملية

فصل في المعالجات لأورام نواحي الصدر والرئة

من الأمور المشتركة الفصد أما في الابتداء فمن الجانب المخالف أعجله من الصافن المحاذي في الطول وبعده من الباسليق المحاذي في العرض وبعده الأكحل المحاذي في العرض.

فإن لم يظهر فلا يجب أن تترك فصد القيفال وإن كان نفعه أقلّ وأبطأ ثم بعد أيام فمن الجانب الموافق في العرض وقد يحجم على الصدر وبالشرط أيضاً حتى يجذب المادة إلى خارج ويقللها خصوصاً قال جالينوس: وإن كانت الحمّى شديدة جداً فاحذر المسهّل واقتصر على الفصد فإنه لا خطر فيه أو خطره أقل وفي الإسهال خطر عظيم فإنه ربما حرك وربما لم يسهّل وربما أفرط ويجب أن لا يقربهم المخدرات ما أمكن فإنها تمنع النضج والنفث.

وأما الأغذية فماء الشعير وماء الحنطة وماء طبيخ الخبازي والبقلة اليمانية والملوخية والقرع وماء الباقلى والقشمش إذا لم يكن حرارة مفرطة والزبيب في الأواخر خاصة وما يجري مجرى الأدوية فجميع ما ينقي ويزيل الخشونة ويليّن في الحرجة الأولى مثل ماء العناب والبنفسج والخشخاش وأصل السوس ولباب الخيار والقثاء وغيره وبزر الهندبا والسبستان وربما جعل معها لباب حبّ السفرجل والصمغ والكثيراء وبزر الخشخاش.

وهذا كله قبل الانفجار.

وأفضل الجاليات المنقية ماء العسل إن لم يكن ورم في سائر الأحشاء فإن كان ورم واستعمل وجب حينئذ أن يصير كالماء بكثرة المزاج.

والجلاب وماء السكر أوفق منه وبعده ماء الشعير وبعده الشراب الحلو وهو أفضل شراب لأصحاب هذه العلل وخصوصاً الأبيض منه فهو أعون على النفث لكنه لا ينبغي أن يشرب في ذات الجنب وفي ذات الرئة إلا بعد النضج على أن فيما ذكر عطشاً وإسخاناً قد يتداركان ولا يجب أن يسقى ذلك من كبده وطحاله عليل.

وبعد الشراب الحلو الخمر المائي وهو يقوّي المعدة أكثر من الماء وفيه تقطيع وتلطيف وأما سقي السكنجبين المتخذ من العسل أو من السكّر وقليل خلّ وإذا مزج بالماء فهو يجمع معاني من التطفية والتنقية.

فإن حمض جداً فإنه إما أن ينفث جداً وإما أن يبرد ويلزج جداً فيصير فيه وبال حتى إن ما يقطعه ربما احتاج إلى قوة قوية حتى ينفث فإن كان لا بد من الحامض فيجب أن يسقى مفتّراً أو ممزوجاً بماء حار قليلاً قليلاً.

وأما المعتدل الحموضة فإنه يؤمن هذه الغائلة ويكون مانعاً لضرر الحلاوة من التعطيش وإثارة المرة وتوليدها.

وماء العسل أبلغ في الترطيب وماء الشعير في التقوية.

وربما احتيج في تعديل الطبيعة إلى أن يعطى الحماض مع دهن اللوز.

وأما ما يسقونه من الماء أما في الشتاء فالماء الحار وماء السكر وماء العسل الرقيق.

وأما في الصيف فالماء المعتدل ويكره لهم الماء البارد فإن اشتدّ العطش سقوا قليلاً أو ممزوجاً بجلاب وسكنجبين مبردين فإن السكنجبين ينفذ به بسرعة ويدفع مضرته ويسقون عند الانحطاط ماء بميبختج.

وأما ما احتاج إليه عند الجمع والإنضاج والتفجير وبعده فنحن نفرد له باباً.

فصل في معالجات ذات الجنب

يجب أن تمنع المادة المتجهة إلى الورم وتمال عنه بالاستفراغ وما يجلب إلى الخلاف ويقرأ ما وصفناه في الباب الذي قبل هذا وربما نعاود ذكره فنقول أن علاجه الفصد إن كان الدم غالباً على الجهة المذكورة في الباب الذي قبله ويخرج حتى يتغير لونه فإنه يدل على أن المرخي من الدم قد استفرغ.

واعلم أن أشدّ دم البدن سواداً ما كان قريباً من مثل هذا الورم.

على أن مراعاة القوة في ذلك واجبة فربما لم ترخص القوة في إخراج الدم إلى هذا الحد.

وإن كان خلط آخر استفرغ لا بمثل الهليلج وما فيه قبض بل بما فيه مع الإسهال تليين مثل الأشياء المتخذة بالبنفسج والترنجبين والشيرخشك وسكّر الحجاز ويسهلون ليلاً.

وقد قال قوم من أهل المعرفة: إن الأصوب ما أمكن أن يستفرغوا بالفصد خوفاً من الاضطراب الذي ربما أوقعه المسهل وقد ذكرناه.

وخصوصاً إذا كان النفث مرارياً جداً وخصوصاً على ما قال جالينوس: إذا كانت الحمى شديدة جداً وجالينوس يحذر من السقمونيا ولا يحذر من الأيارج والخربق معاً ويمدح فعل ماء الشعير بعد استعمال المسهل والفراغ منه.

وأما معه فيقطع فعله على أنه يجب أن يراعي جهة ميل الوجع والألم فإن كان الميل صاعداً إلى الترقوة والقس وما فوقهما فالفصد أولى.

وإن كان الألم يميل إلى جهة الشراسيف فلا بد من إسهال وحده أو مع الفصد بحسب ما توجبه المشاهدة وذلك لأن الفصد وحده من الباسليق لا يجذب من هذا الموضع شيئاً يعتد به.

ومما يدلك على شقة الحاجة إلى الاستفراغ أن يجد التضميد والتكميد لا يسكنان الوجع أو يجدهما يزيدانه فيدل ذلك على الامتلاء في البدن كله.

ولا بدّ من الاستفراغ وخصوصاً الفصد وإذا فصدت واستفرغت ولم تسكّن الأعراض فاعلم إنما نطلبه من منع الجمع فلا تعاود الفصد لئلا تتبلد المادة التي هي داء مجتمع وذلك مما لا ينضج مع نقصان القوة وفقدان إنضاج الدموية بالمادة.

فإذا نضجت فيجب أن يمتنع مصير مدة ويجتهد بأن ينقى قبله بالنفث وبالجملة إذا لم يفصد ونضج ونفث نفثاً نضيجاً ونفثاً صالحاً ثم رأيت ضعفاً في القوة فلا تفصد البتّة.

وإن حال ضعف القوّة دون الفصد والإسهال فلا بد من استعمال الحقن المتوسطة أو الحادة بحسب ما توجبه المشاهدة وخصوصاً إذا كان الوجع ماثلاً إلى الشراسيف.

وبقراط يشير في علاج ذات الجنب الذي لا يحس فيه الوجع إلا شديد الميل إلى الشراسيف أن يستفرغ أما بالخربق الأسود أو بالفليون وفي نسخة أخرى البقلة البرية وهي شيء يشبه البقلة الحمقاء ولها لبن من جنس اليتّوعات فإذا استفرغت ووجدت الألم أخفّ اقتصرت على ماء السكر وماء الشعير المطبوخ شعيره المقشّر في ماء كثير طبخاً شديداً.

وماء الخندروس إن احتيج إلى تقوية والبطيخ الهندي وماء العناب وماء السبستان والبنفسج المربى وبزر الخشخاش والدهن الذي يستعمل مع شيء من هذا ثمن اللوز.

وقد نهى قوم عن الرمان لتبريده وما عندي في الحلو منه بأس وقد يطبخ من هذه الأدوية مطبوخ يستعمل للتنفس وهذه هي الشعير المقشر والعناب والسبستان والبنفسج المربى وبزر الخشخاش وشراب البنفسج وشراب النيلرفر وهما أفضل من الجلاب.

وكان جالينوس يأمر في الابتداء بأصناف الدياقود لتمنع المادة وتنضج وتنومه.

وأقول أنه يحتاج إليه إذا لم يكن بد لشدة السهر وإن لم يكن ذلك فربما بلد الخشخاش المادة ومنع النفث اللهم إلا أن يكون السكر المجعول معه يدفع ضرره ويشبه أن يكون البزري أوفق من القشري حينئذ ويجب أن يستفرغ ما يحتبس بالنفث ويقدر الغذاء ولا يكثر بل يلطف بحسب ما يوجبه كثرة حدة العلة وقلتها وأعراضها.

فإنها إن كانت هادئة سهلة خفيفة غذوت بماء الشعير المقشر المطبوخ جيداً فإنه منفث مقطع مقوّ.

وإن أردت أن تحلّيه حليت بسكر أو بعسل فإن كانت مضطربة اقتصرت على ماء الشعير حتى تستبرئ الحال وخصوصاً بحسب النفث فإنه إذا كثر أمنت كثرة المادة وعرفت الحاجة إلى القوة فغفوت بماء الشعير المقشّر وقويت وإن احتبس لطفت التدبير واقتصرت على ماء الشعير وعلى الأشربة ما أمكن.

وإذا حدث في ذات الجنب إسهال وكان ذات الجنب عقيب ذبحة إنحلت إلى الجنب منع ذلك كل علاج من فصد وتليين طبيعة وكان تدبيره الاقتصار على سويق الشعير.

وإن دعت إلى الفصد ضرورة في أصناف ذات الجنب ولم يكن نضج فالصواب أن تقتصر على قدر ثلثي وزنه وتستعد للتثنية بملح وزيت على الجراحة وكثيراً ما يغني استطلاق البطن كل يوم مجلساً أو مجلسين عن الفصد ومن أعقبه افصد غثياً أو شدة عسر وضيق التنفس فذلك يمل على أن افصد لم يستفرغ مادة الورم.

والأولى أن لا يليّن الطبيعة في علاج أوجاع الصدر في الابتداء إلا بما يخص من حقن وشيافات ومن الخطر العظيم سقي المبردات الشديدة إلا في الكائن من الصفراء وسقي المبرّدات القابضة أو إطعامها مثل العدس بالحموضات ونحوها واعلم أن سقي الماء البارد غير موافق لهذه العلة وجميع الأورام الباطنة فأقلل ما أمكنك فإن عصي العطش فامزجه بالسكنجبين لتنكسر سورة الماء وليقل بقاؤه وثباته بل يبذرق وينفذ في البدن ولينتفع بتقطيع السكنجبين وتلطيفه.

واعلم أن ذات الجنب إذا كثر فيه الالتهاب واستدعى التبريد فلا تبرد إلا بما فيه جلاء ما وترطيب مثل ماء الخيار وماء البطيخ الهندي.

وأما ماء القرع فإنه - وإن نفع من جهة - فربما ضر وأضعف بالإدرار.

وأما ما يجتنب فمثل ويجب أن يكون معظم غرضك التنفيث بسهولة.

ومما يكثر النفث هو النوم على الجنب العليل وربما احتيج إلى هز يسير وإلى سقيه الماء الذي إلى الحرارة جرعاً متتابعة فإنه نافع له جداً.

وربما أحوج احتباس النفث المضيق للنفس إلى لعق ملعقة من زنجار وعسل.

وربما أحوج شدة الوجع إلى سقي باقلاة من حلتيت بعسل وخل وماء وذلك عند شدة الوجع المبرح وإذا بلغ عصيان النفس الغطيط والحشرجة أخفت من النطرون المشوي ما يحمله ثلاثة أصابع ومن الزنجار قدره باقلاة وقليل زيت وماء فاتر وعسل قليل.

فإن لم ينجع زدت عليه فقاح الكرم مع فلفل والخل كله مفتراً أو زوفا وخردل وحرف بماء وعسل مفتراً وهو أقوى من الأول ثم يحسى إذا نفث صفرة البيض ليذهب بغائلة ذلك.

فإن احتيج في أصحاب ذات الجنب إلى غذاء أقوى فالسمك الرضراضي وذلك عند انكسار الحمى وكذلك الخبز بالسكر والزبد - فإنه يعين على النضج والنفث - والسمك مسلوقاً بالكراث والشبث والملح.

واجتهد أن يجفف نواحي البطن لئلا تزاحم نواحي الصدر وذلك بتليين الطبيعة وإخراج ثفل إن كان احتبس بحقنة لينة مثل ماء الكشك بقليل ماء السلق.

ويجب أن يمنع النفخ.

واعلم أن بخاري الثفل والنفخة ضاران جداً في هذه العلة.

ومن المهم الشديد الاهتمام أن تبادر بتنضيج العلة من قبل صيرورته مدة فإن صار مدة فيجب أن تبادر إلى تنقيتها قبل أن تأكل.

واعلم أنه لا بد من ترطيب تحاوله ليسهل النفث ويسرع فإذا بدأ النفث في الصعود وجاوز الرابع قوي هذا المطبوخ بأصل السوس والبرشاوشان.

وإذا كانت المادة غليظه والقوة قوية ولم يكن في العصب آفة لم يكن بأس بسقي السكنجبين الممزوج ليقطع.

وإن لينت الطبيعة بمثل الخيار شنبر مع السكر أو الترنجبين أو لشيرخشك كان صواباً وقد يستعان أيضاً بضمادات ومروخات.

وأول ما يجب أن يستعمل فيها قيروطي متخذ من دهن البنفسج والشمع المصفّى ثم يتدرج إلى الشحوم والألعبة وغبار الرحا ثم يتدرج إلى ما هو أقوى مثل ضماد البابونج وأصل الخطمي وأصل السوسن والبنفسج وطبيخ الخبازي البستاني.

وإن احتيج إلى ما هو أقوى استعمل الضماد المتخذ من الكرنب المسلوق ومن الرارنانج المسلوق وأيضاً ضماد متخذ من الأفسنتين وأصل السوسن وشيء من عسل مع دهن النادرين.

واعلم أنه إن كانت المادة كثيرة فالأضمدة والأطلية ضارة وإن كانت قليلة لم تضر وكذلك إن كان الورم تحلل وبقيت بقية.

وإذا وقع استفراغ عن الفصد نافع جاز أيضاً الطلاء.

صفة ضماد جيد ونسخته: ورق البنفسج والخطمي من كل واحد جزء وأصل السوس جزءان دقيق الباقلاء ودقيق الشعير من كل واحد جزء ونصف بابونج وكثيراء جزء جزء.

فإن كانت المادة غليظة واحتيج إلى زيادة تحليل زيد فيه بزر كتان وجعل عجنه بالميبختج مع شمع ودهن بنفسج.

وإن كانت الحرارة أقل أيضاً جعل بدل دهن البنفسج دهن السوسن أو دهن النرجس.

فإن كانت الحرارة قوية ألقي بدل الزيادات الحارة التي ألحقناها بالنسخة ورقِ النيلوفر وورد وقرع.

نسخة مروخ جيد: شمع شحم البط والدجاج وسمن الغنم زوفا رطب يتخذ منه مروخ فإنه جيد جداً.

ومن الأضمدة التي تجمع الأنضاج لتسكين الوجع ضماد يتخذ من دقيق الشعير وإكليل الملك.

وقشر الخشخاش وقد يستعان فيها بكمادات رطبة ويابسة.

والرطبة أوفق لما يضرب إلى الحمرة.

واليابسة لما يضرب إلى الفلغمونية.

لكن الرطب إذا لم ينفع لم يضرّ.

واليابس إن ضر ضرّ عظيماً.

وأولاها بالتقديم الإسفنج المبلول بالماء الحار أقوى منه ماء البحر والماء المالح ثم يجاوز ذلك إن احتيج إليه فيكمد بالبخار أو بزفت وماء حارين وأقوى من ذلك ما يتخذ بالخل والكرسنة بالكرنب على الصوف المشرب دهناً ومن اليابسات اللطيفة النخالة ثم الجاورس ثم الملح.

والتكميد والفصد يحل كل وجع عال أو سافل إذا لم يكن مانع من امتلاء بجذبه التكميد.

وأما الفصد فأكثر حله للأوجاع العالية وإذا ضمدت أو كمدت فاجتهد أن تحبس بخارها عن وجه العليل لئلا يهيج به الكرب وضيق النفس.

وربما كانت العلة شديدة اليبس فينفع بخار الضماد والكماد الرطبين المعتدلين إذا ضرب الوجه وذهب في الاستنشاق.

وقد يستعان بلعوقات يستعملونها.

وأليقها وأوفقها للمحرورين الشمع الأبيض المصفى المغسول بالفصد وغيره والثقة بأنه قد استنقى فإن المحاجم إذا وضعت على الموضع الوجع ظهر منها نفع عظيم.

وربما سكنت الوجع أصلاً وربما جذبته إلى النواحي الخارجة.

وضماد الخردل إن استعمل في مثل هذا الموضع عمل عمل المحاجم في الجذب.

فإذا جاوز السابع فإن الأقدمين كانوا يأمرون بلعوق يتخذ من اللوز وحب القريص والعسل والسمن واللعوقات المتخذة من السمن وعلك البطم وربما استعملوا المعاجين الكبار كالأنام ناسيا وهو طريق جيد يقد عليه المحققون للصناعة الواثقون من أنفسهم بالتفطن لتلاف إن اقتضاه هذا التدبير وبالاقتدار عليه فيبلغون به من التنقية المبلغ الشافي.

وأما المُحْدَثُونَ الجبناء الغير الواثقين من أنفسهم في ذلك فإنهم يخافون العسل ويجعلون بدله السكر.

وكان الأقدمون أيضاً يشيرون بأدوية قوية التنقية مهيأة بالعسل حبوباً تمسك تحت اللسان ويشيرون في هذا الوقت بالأضمدة المسماة ذات الرائحة والمتخذة بالمرزنجوش والمرهم السذابي.

وبالجملة من سلك هذا السبيل الذي للقدماء فيجب أن يسلكه بتوق وتحرز وخوف أن يفجر ورماً أو يهيج حرارة كثيرة ثم له أن يثق بعد ذلك بالنجاح العاجل فإن بقيت العلة إلى الرابع عشر لم يكن بدّ من الحجامة وتلطيف التدبير حينئذ.

وإذا اشتد بهم السهر فلا بد من شراب الخشخاش وإذا تواتر فيهم النفس فتدارك ضرره إنما يكون بالترطيب بمثل لعاب بزر قطونا يجرع منه شيئاً بعد شيء بمثل الجلاب.

وقد ينتفع بنطل الجنب بماء فاتر ليخف الوجع ويقل تواتر النفس فإنه ضار على ما قد عرفت.

وبعد الانحطاط الظاهر يستعمل الحمام ويجتنب التبريد الشديد إلا فيما كان من جنس الحمرة وكذلك يجتنب التدبير المغلظ ويستقل بالتلطيف ويطبخ في المياه والأشربة المذكورة الكراث والفودنج في آخره ويلعقون بزر القريص مع العسل.

فإن استعصي الورم ونحا نحو الجمع دبر التدبير الذي نذكره في باب ذلك خاصة.

ويجب أن يحذر على الناقه من أصحاب ذات الجنب الملوحات والحرافات والامتلاء والشجع والشمس والريح والدخان والصوت العالي والنفخ والجماع فإنه إن انتكس مات.

هذا هو قولنا إن كانت ذات الجنب حارة خالصة.

وأما إن لم تكن كذلك بل كانت غير خالصة غير شديدة الحرارة فعليك بالدلك ضماد نافع في ذلك: يؤخذ رماد أصل الكرنب ويعجن بشحم ويضمد به.

والبلغمي يبدأ في علاجه بالحقن الحارة والإسهال ولا يفصد ويستعمل المحللات من الأضمدة والكمادات المذكورة التي فيها قوة ويطعم السلق وماء الكرنب وماء الحمص ودهن الزيت أو دهن اللوز الحلو أو المر ويستعمل الضمّادات والكمادات الحارة ويسقي مطبوخ يوسف الساهر الذي يسقيه بدهن الخروع.

وإما السوداوي فيغذي بالاحساء المتخذة من الحنطة المهروسة مع العسل ودهن اللوز وباللعوقات اللينة الحارة ويتجرع الأدهان الملينة مثل دهن اللوز الحلو والإحساء اللينة المتخذة من الباقلا وقليل حلبة واللبن الحليب وخاصة لبن الأتن نافع لهم.

ومما ينفع فيه أن يؤخذ من القسط وزن درهم بملعقة من ماء طبيخ الشبث ودهن البلسان أو شراب العسل وهذا أيضاً نافع للسعال الرديء.

وأما الماء المجتمع في الرئة فعلاجه أخفّ ما نذكره من علاج المتقيحين وربما احتيج إلى بط وفيه خطر.

فصل في معالجات ذات الرئة

ذات الرئة يجري في علاجه مجرى ذات الجنب إلا أن ضمّاداته يجب أن تكون أقوى ويدخل فيها ما هو مغوص ويجب أن يكون الحرص على تنقيته بالنفث أشدّ ويكون فيه بدل الاضطجاع على الجهة المنفثة الاستلقاء مائلاً إلى تلك الجهة وإذا كانت الطبيعة فيه معتقلة وجب أن يسقوا في كل يومين مرة من هذا الشراب.

ونسخته: يؤخذ من الخير شنبر ومن الزبيب المنقّى من عجمه من كل واحد ثلاثة أساتير ويلقى عليه أربع سكرجات ماء ويطبخ حتى ينتصف ويؤخذ ويلقى على سكرجة من ماء عنب الثعلب وهو شربة للقويّ وللضعيف نصفها.

وإن كانت الطبيعة لينة ليناً مضعفاً سقي ربّ الآس والسفرجل الحلو المشوي والرمان الحلو.

وما كان من جنس الماشر أو الحمرة فإن علاجه كما أشرنا إليه أصعب فإن نفع شيء فالتطفئة البالغة بالعصارات الشديدة البرد المعلومة من البقول والحشائش والثمار ويسقى المبردة الملينة منها مثل عصارة الهندبا ونحوها.

وإن استفرغت.

الصفراء بمثل الشيرخشك والتمرهندي والترنجبين ونحو ذلك فهو جائز وكذلك ربما احتيج فيه إلى الفصدان كان هناك امتلاء.

كلام في التقيِّح: إذا ظهر في أورام ذات الجنب وذات الرئة علامات الجمع المذكورة وتصعّدت فالواجب أن يعان على الإنضاج بعد التنقية للبدن معونة تكون بالضمادات والكمّادات مثل المتخذة من دقيق الشعير وعلك الأنباط والشراب الأبيض والحلو والتمر والتين اليابس.

وأقوى منه الذي يجعل معه فرق الحمام والنطرون وهو يصلح في آخره أيضاً عند التفجير.

ويجب أن يضطجع قبل وقت الاتفجار على الجانب العليل فإنه أعون على النفث والتفجير.

فإن كانت الحرارة كثيرة سقي ماء العسل في ماء الشعير أو ماء العسل الرقيق وحده وإن كانت الحرارة ليست بقوية والقوة قوية فيجب أن يسقى طبيخ الزوفا والمطبوخ فيه مع الزوفا حاشا وفراسيون والتين والعسل وأن يسقى ماء الشعير المطبوخ بأصول السوسن وربما احتيج إلى مثل المثروديطوس والترياق لينضج.

وأوفق أوقات سقيه بعد النضج التام ليفجّر على حفظ من الغريزة والمتمر جيد غاية في هذا الوقت وبعده وشراب الفراسيون غاية في ذلك.

قرص لذلك: يؤخذ بزر الخطمي والخبازي والخيار والبطيخ والقرع وربّ السوس وفقاح إكليل الملك وبنفسج وكثيراء يقرص بلعاب بزر الكتان ويسقى بماء التين وأما تغذيتهم في التصعّد فخبز مبلول بماء أو بماء العسل والبيض النمبرشت وما أشبه ذلك والنقل حب الصنوبر الكبير أو الصغير واللوز الحلو والإحساء الرقيقة المتخذة من دقيق الشعير والحمص والباقلا بدهن اللوز والسكّر والعسل.

وإذا جاوز وقت الانفجار وتم النضج فيجب أن يعان على الانفجار فإن تركه يجعل للمرض صعوبة وشأناً وتبخر حلوقهم باللبنى ويسقى شراب الزوفا القوي الذي ذكرناه بالأضمدة القوية التي ذكرناها.

وسقي المثروديطوس والترياق في هذا الوقت نافع إن لم يكن حمى ولا نحافة ولا هزال ويطعم السمك المالح ويؤخذ في فمه عند النوم الحب المتخذ من الأيارج وشحم الحنظل.

وحمت القوقايا أيضاً يسقونه عند النوم وقد ينفع منه هز كرسي وهو عليه جالس وقد أخذ إنسان بكتفيه.

وينفع منه الاضطجاع على الجانب الصحيح إذا أريد الانفجار وقد أمر بالقيء بعد العشاء في مثل هذا الوقت وذلك خطر فإنه ربما أورث انفجاراً عظيماً دفعة واحدة وربما خنق.

وأما إذا لم ينفجر فلا بد من الكي ثم تنظر فإن خرجت مدة بيضاء نقية رجي وإلا لم يرج وإذا انفجرت المدة وسالت وحدثت بأنها قليلة أو معتدلة وبحيث يمكن أن تنقى بالنفث إلى أربعين يوماً فيجب أن يستعمل بعده الجلاءة الغسالة المنقية ويسقى كما يبدو نفث ما انفجر وذلك بمثل طبيخ الزوفا بأصول السوس والسوسن الاسمانجوني بشراب العسل والكرنب والإحساء المذكورة المتخذة بدقيق الحمص ونحوه من الأدوية ويجعل فيها أيضاً دقيق الكرسنة وينفع لعوق العنصل ولعوق الكرسنة.

وأما الأدوية المفردة التي هي أمهات أدوية هذا الشأن.

فهي مثل دقيق الكرسنة وسحيق السوسن وأصله والزراوند والفلافل الثلاثة والخردل والحرف وحبّ الجاوشير أيضاً والقسط والسليخة والسنبل.

وربما احتيج أن يخلط معها شيء من المخدرات بقدر.

ومن هذه الأدوية سقورديون فإنه شديد المنفعة في هذا الباب.

وهذه الأدوية هي أمهات الأدوية النافعة في هذا الوقت التي تتخذ منها أشربة ونطولات وضمادات باسفنجات وأدهان.

وربما جعل الدهن الذي ينقل إليه قوتها مثل دهن السوسن والنرجس والبابونج والحناء والناردين ومثل دهن الغار وخصوصاً عند الانحطاط وربما جعل مثل دهن البنفسج بحسب الحال والوقت وربما جعل في هذه الأدهان مثل الريتيانج والشحوم والقنة وفقاح الأذخر والزوفا الرطب والحلبة وورق الغار والمقل وما أشبه ذلك.

وإذا كانت الحمى قوية فلا تفرط في التسخين فتضعف القوة لسوء المزاج وتعجز عن النفث ويجب أن تبادر إلى تدبير إخراج القيح بعد الانفجار إلى الصدر وفي الأيام التي يتخيل العليل فيها خفته.

وأما إذا حدثت في ذات الجنب أن المادة كثيرة لا تستنقي في أربعين يوماً فما دونه بل يوقع في السلّ فلا بد من كي بمكوى دقيق يثقب به الصدر لينشّف المدة ويستخرجها قليلاً قليلاً ويغسل بماء العسل ويعان على جذبها إلى خارج فإذا نقيت أقبلت على الملحم ويجب أن يتعرف الجهة التي فيها القيح من الوجوه المذكورة من صوت القيح وخضخضته.

ومن الناس من يضع على الصدر خرقة مصبوغة بطين أحمر وتنظر أي موضع يجفّ أسرع فهو موضع القيح فيعلم عليه فيكوى أو يبط هناك فإنه ربما لم يكو بل يبط الجنب بمبضع وجعلت النصبة نصبة تخرج معها المدة فإنه يؤخذ منها كل يوم قليلاً قليلاً من غير إخراج الكثير دفعة.

وفي مثل هذا الوقت لا بد من حفظ القوة باللحم والغذاء المعتدل ولا تلتفت إلى الحمّى فإنها لا تبرأ ما دامت المدة باقية وإذا نقيتها أقلعت.

وإذا قوي العليل على نفث المدة أو على ما يعالج به من الكي زالت الحمّى لا محالة وكثيراً ما يتفق أن ينفجر الورم قبل النضج ويكون ما ينفجر منه دماً فحينئذٍ لا بد له من الفصد ومن استعمال الضمادات الدفاعة ومن المشتركات ضمّاد مرهم الكرنب وماء العسل على نسخة أهرن وضماد بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ فلفل وبرشياوشان وزوفا يابس وانجرا وزراوند مدحرج يتخذ منه ضماد بالعسل فإنه نافع.

فصل في علاج قروح نواحي الصدر ومعالجات السلّ

أما القرحة إذا كانت في قصبة الرئة فإن الدواء يسرع إليها ويجب أن يضطجع العليل على قفاه ويمسك الدواء في فيه ويبلع ريقه قليلاً قليلاً من غير أن يرسل كثيراً دفعة فيهيج سعال ويجب أن يكون مرخياً عضل حلقه حتى ينزل إلى حلقه من غير تهييج سعال.

والأدوية هي المغرّيات المجففة التي تذكر أيضاً في السل.

وأما القروح التي في الصدر والرئة التي ذكرناها فإنها يحتاج أن يرزق فيها الأدوية الغسالة الجلاءة ويؤمر أن يضطجع على الجانب العليل ويسعل ويهتزّ أو يهزّ هزاً رقيقاً.وربما استخرج القيح منها بعد إرسال ماء العسل في القرحة بالآلة الجاذبة للقيح فإذا نقّينا المادة ورجوت أنه لم يبق منها شيء فحينئذ تستعمل الأدوية الملحمة المدملة وليس في المنقيات الجلاءة فبمثل ذلك كالعسل فإنه منق وغذاء حبيب إلى الطبيعة لا يضر القروح.

وأما قرحة الرئة فإن تدبيرها أمران: أحدها علاج حق والآخر مداراة.

أما العلاج الحقّ فإنما يمكن إذا كانت العلة قابلة للعلاج وقد وصفناها وذلك بتنقية القرحة وتجفيفها ودافع المواد عنها ومنع النوازل وإعانتها على الالتحام وقد سلف لك تدبير منع النوازل وهو أصل لك في هذا العلاج.

وجملته تنقية البدن وجذب المادة عن الرأس إلى الأسافل وتقوية الرأس لئلا تكثر الفضول فيه ومنع ما ينصب من الرأس إلى الرئة وجذبه إلى غير تلك الجهة.

ويجب أن تكون التنقية بالفصد وبأدوية تخرج الفضول المختلفة مثل القوقايا وخصوصاً مع مقل وصمغ يزاد فيه.

وربما احتيج إلى ما يخرج الأخلاط السوداوية مثل الأفتيمون ونحوه وربما احتجت إلى معاودات في الاستفراغ لتقلل الفضول وتستفرغ بدواء وتفصد ثم ترفد ثم تعاود وخصوصاً ومن الأشياء النافعة في دفع ضرر النوازل استعمال الدياقودا وخصوصاً الذي من الخشخاش مما قيل في الأقراباذين وغير ذلك ومما يعين على قبول الطبيعة للتدبير أن ينتقل إلى بلاد فيها هواء جاف ويعالج ويسقى اللبن فيها.

ويجب أن يكون نصبته في الأكثر نصبة ممددة للعنق إلى فوق وقدام ليستوي وقوع أجزاء الرئة بعضها على بعض ولا تزال أجزاء القرحة عن الانطباق والمحاذاة الطبيعية.

ويجب أن لا يلح عليه بتسكين السعال بموانع النفث فإن فيه خطراً عظيماً وإن أوهم خفة.

وأما المداراة فهي التدبير في تصليبها وتجفيفها حتى لا تفشو ولا تتسع وإن كان لا يرجى معها الالتحام والاندمال وفي ذلك إرجاء في مهلة صاحبها وإن كانت عيشته غير راضية وكان يتأذى بأدنى خطأ وهذه المجففات تقبض الرئة وتجففها وتضيق القرحة إن لم تدملها.

ومن سلك هذه السبيل فلا يجب أن يستعمل اللبن البتة.

والعسل مركب لأدوية السل ولا مضرة فيه بالقروح.

وأما تنقية القروح فبالمنقّيات المذكورة وطبيخ الزوفا المذكور للسل في الأقراباذين.

وأقوى من ذلك لعوق الكرسنة بحب القطن المذكور في الأقراداذين.

وأقوى منه لعوق الإشقيل بلبن الأتن وربما احتيج أن يجمع إليها الملزجات المغَرية وربما أعينت بالمخدرات لتمنع السعال ويتمكن الدواء من فعله.

وحينئذ يحتاج إلى تدبير ناعش قوي وقد ذكرنا لك هذه المنقيات في أول الأبواب وذكرناها أيضاً في باب التقيّح.

والمعتاد منها الأحساء الكرسنية والأحساء الواقع فيها الكرّاث الشامي المتخذة من دقيق الحمّص والخندروس وهذا الكراث نفسه مسلوقاً ومياه العسل المطبوخة فيها المنقّيات والملحمات وكل ذلك قد مضى لك والمعاجين المجففة مثل الكموني والأثاناسيا ولعوق بزر الكتان.

وأما المثروديطوس والترياق وإذا استعمل في أوقات وخصوصاً في الأول وحين لا يكون هزال شديد فهو نافع وحين لا يكون حمّى قد بالغت في الذبول.

والطين المختوم أنفع شيء في كل وقت والطين الأرمني أيضاً وكذلك جميع ما ذكرناه من الضمّادات والكمّادات والمروخات المنقّية وإذا عتقت القروح في الصدر والرئة نفع إلعاق المريض ملعقة صغيرة من القطران غدوة واحدة أو بعسل أو شيء من الميعة السائلة بعسل.

فإن كانت هناك حرارة وخفت المنقّيات الحارة ولم ينتفع بالباردة فخذ رئة الثعلب وبزر الرازيانج وربّ السوس النقي وعصارة برشياوشان يجمع بماء السكر المغلظ فإنه غاية.

وقد يستعمل في هذه العلة أجناس من البخورات تجفف وتنقى بها في قمع من ذلك زرنيخ وفلفل مبندق ببياض البيض ومن ذلك ورق الزيتون الحلو وإخثاء البقر الجبلي وشحم كلى البقر وزرنيخ وشحم كلى التيس وسمن الغنم.

ومن ذلك زرنيخ وزراوند وقشور أصل الكبر أجزاء سواء يجمع بعسل وسمن.

وأيضاً صنوبر فيه درديّ القطران.

وأيضاً زرنيخ أصفر بشيرج.

وكلما سخن مزاجه فضل سخونة عولج بقرص الكافور أياماً وعود بعدها التجفيف.

وأما الأغذية فمن الدراج مطيباً بالأبازير وأفاويه ولا يمنع الشراب الأبيض الصرف في أوله ويشمّم دائماً الرياحين ويلزم النوم والدعة والسكون ويترك الغضب والضجر ولا يورد عليه ما يغمّه ومما جربتُه مراراً كثيرة في أبدان مختلفة وبلدان مختلفة أن يلزم صاحب العلة تناول الجلنجبين السكري الطري لغامه كل يوم ما يقدر عليه وإن كثر حتى بالخبز ثم يراعى أمره.

فإن ضاق نفسه بتجفيف الورد سقي شراب الزوفا بمقدار الحاجة وإن اشتعلت حمّاه سقي أقراص الكافور ولم يغير هذا العلاج فانه يبرأ.

ولولا تقية التكذيب لحكيت في هذا المعنى عجائب ولا وردت مبلغ ما كان استعملته امرأة مسلولة بلغ من أمرها أن العلة بها طالت ورقدتها واستدعى من يهيئ لها جهاز الموت فقام أخ لها على رأسها وعالجها بهذا العلاج مدة طويلة فعاشت وعوفيت وسمنت ولا يمكني أن أذكر مبلغ ما كانت أكلته من الجلنجبين.

وقد يفتقر اليبس والذبول إلى استعمال اللبن أو الدوغ وفي ذلك تغذية وترطيب وتعديل للخلط الفاسد وتغرية للقرحة بالجبنية وتنقية بجلاء ماء اللبن للصديد والمدة بل كثيراً ما أبرأ هذا وأوفق الألبان لبن النساء رضعاً من الثدي ثم لبن الأتن ولبن الماعز وخصوصاً للقبض في لبن الماعز.

ولبن الرماك أيضاً مما ينقّي ويسهل النفث ولكن ليس له تغرية ذلك فيما ظن.

وأما لبن البقر والغنم ففيه غلظ لو قدر على أن يمصّ من الضرع كان أولى ويجب أن يرعى الحيوان المحلوب منه النبات المحتاج إلى فعله.

أما المدمل مثل عصا الراعي والعوسج وحبّ المساكين وما أشبه ذلك.

وأما المنقّي المنفث فمثل الحاشا ولعبة النحل والحندقوقي بل مثل اليتّوع.

ومن اشتغل بشرب اللبن فيجب أن يراعى سائر التدبير فإنه إن أخطأ في شيء فربما عاد وبالاً عليه.

وقد وصف بعض من هو محصّل في الطب كيفية سقي اللبن فقال ما معناه مع إصلاحنا أنه يجب أن يختار من الأتن ما ولد منذ أربعة أشهر أو خمسة أشهر ويعمد إلى العلبة وتغسل بالماء فإن كان قد حلب فيها قبل غسل بماء حار وصبّ فيها ماء حاراً وترك حتى يتحلل شيء إن كان فيها من الماء ثم يغسل بماء حار ثم بماء حار وبارد ثم توضع العلبة في ماء حار ويجلب فيها نصف سكرجة وهو قدر ما يسقى في اليوم الأول إن كانت المعدة سليمة وإلا فأكثر من ذلك بقدر ما يحمد ويحسن.

واسقه في اليوم الثاني ضعف ذلك الحلب فإن كانت الطبيعة استمسكت في اليوم الأول جعل فيما يسقى اليوم الثاني شيء من السكر وافعل في اليوم الثالث ما فعلته في اليوم الأول فإن لم تلن في الطبيعة في اليوم الثالث وخصوصاً إذا كانت لم تلن إلى الثالث فاسقه سكرجتين من اللبن مع دانقين من الملح الهندي ومن النشاستج وزن نصف درهم إلى درهم ونصف ولا يزال يسقى اللبن كل يوم يزيد نصف اسكرجة فإذا بلغت السادس ولم تجب الطبيعة أخذت من اللبن ثلاث سكرجات وخلطت به سكراً وملحاً ودهن اللوز والنشاستج.

فإن أجابت فوق ثلاث مجالس فلا تخلط بعده مع اللبن شيئاً وانقص من اللبن.

وبالجملة يجب أن لا تزيد الطبيعة في اليوم والليلة على ثلاث ولا تنقص من مرتين فإن انتفع بذلك فاسقه ثلاثة أسابيع.

وقد ذكر بعض المحصّلين أن الأجود في سقي لبن الأتن ما كان من دابة ترعى مواضع فيها حشائش ملطفة منقية مع قبض وتجفيف مثل الأفسنتين وغيره والشيح والقيصوم والجعدة والعليق.

وأما لبن المعز فالأصوب فيه أن يمزج بحليبه شيء من الماء وتحمى الحجارة وتطرح فيه مراراً حتى ينضج وتذهب مائيته وهذا أجود هضماً من المطبوخ على النار ويراعى أيضاً لبن الطبيعة اللهم إلا أن يكون ذرب فيجب أن يجعل فيه طراثيث أو سعال كثير فيجعل فيه كثيراء وزن درهم.

وإن كانت المعدة ضعيفة جعل معه كمون وكراويا واللبن المطبوخ إذا هضمه المسلول فهو له غذاء كاف.

وإذا حم عليه المسلول فيجب أن يقطعه.

وأما الدوغ فيحتاج إليه عند شدة الحمّى وعند الإسهال فهو نافع لهم جداً وأجوده أن يترك الرائب ليلة بعد أخذ الزبد كله في وضع معتدل ثم يمخض من الغد مخضاً شديداً حتى يمتزج بعضه ببعض امتزاجاً شديداً ثم يؤخذ أقراص من دقيق الحنطة السميذ الجيد الخبز المنقوطة بالمنقط حتى تكون المسماة يرازده بالفارسية ويصبّ على وزند عشرة دراهم منها وزن ثلاثين درهماً من الدوغ ويلعق.

وفي اليوم الثاني يزاد من الدوغ عشرة وينقص من الخبز وزن درهَم يفعل ذلك دائماً حتى ينقّي المخيض وحده ثم يقلب القصة إن استغني عن الدوغ وظهرت العافية وانحطت العلة فلا يزال ينقص من الدوغ ويزاد في القرص حتى ينقطع اللبن فإن كان ببعضهم ذرب لم يكن بإلقاء الحديد المحمى في الدوغ مراراً بأس.

ولنرجع من ههنا إلى شيء ذكر في الأقراباذين.

وأما أغذيتهم فالمغزيات مثل الخبز السميذ والأطرية والجاورسية والأرز أيضاً ينقي وينبت اللحم وكشك الشعير الجيد المطبوخ مغر ومنق وصالح عند شدة الحمى وخصوصاً السرطانات المنتوفة الأطراف الكثيرة الغسل بالماء والرماد وخصوصاً البقول الباردة والعدس أيضاً وما يتخذ بالنشا والخيار والبطيخ قد يسهل النفث.

وإن كانت الحمى خفيفة فلا كالكرنب والهليون والمنقّيات.

وأما السمك المالح فإنه إذا أكل مرة أو مرتين نفع في التنقية وإذا كانت القرحة خبيثة فاجتنبه وكل مالح فإن غذوتهم باللحم فليكن مثل لحوم الطياهيج والدجاج والقنابر والعصافير كلها غير مسمن.

والأجود أن يطعم شواء ليكون أشدّ تجفيفاً وإلحاماً.

والأكارع أيضاً جيدة للزوجتها والسمك المكبّب.

وإذا اشتهوا المرق فاخلطها بعسل وقد يجوز إدخالهم الحمّام قبل الغذاء وبعده إذا لم يكن بأكبادهم سدد فإنه يسمنهم ويقوّيهم.

وأما ماؤهم الذي يشربونه فليكن ماء المطر.

وأصحاب السل كثيراً ما يعرض لهم نفث الدم على ما سلف ذكره.

ومن الأقراص الجيدة لذلك قرص بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ طين مختوم ثلاثة دراهم نشا وطين أرمني وورد أحمر من كل واحد أربعة دراهم كهربا وحب الآس من كل واحد ستة دراهم سرطان محرق وبزر الفرفير من كل واحد عشرة دراهم بسذ وكثيراء وطباشير وشاذنج من كل واحد خمسة دراهم صمغ دودي وعصارة السوسن من كل واحد سبعة دراهم يعجن بماء الحمقاء أو الماء الورد الطري ويقرّص ويشرب بماء القثاء أو بماء المطر.

وكثيراً ما يبتلى المسلول بسقوط اللهاة فيقع في نخير وغطيط من قبله وربما احتيج إلى قطعها.

فاعلم ذلك.

ومن المجربات الجيدة أن يطلى نواحي الصدر والجانب الأيمن بالصندلين المحكوك بالماورد مع قليل من الطين

الفن الحادي عشر أحوال القلب

وهو مقالتان:

المقالة الأولى مبادئ أصول لذلك

فصل في تشريح القلب

أما القلب فإنه مخلوق من لحم قوي ليكون أبعد من الآفات منتسج فيه أصناف من الليف قوية شديدة الاختلاف الطويل الجذاب والعريض الدفّاع والمورب الماسك ليكن له أصناف من الحركات وقدر خلقته بمقدار الكفاية لئلا يكون فضل وعظم منه منابت الشرايين ومتعلّق الرباط وعرضاً ليكون في المنبت وقاية لنابت وجعل هذا الجزء منه على حرية ليكون بعيداً عن الاتكاء على عظام الصدر فلا يؤذيه مماستها ودقق منه الطرف الآخر كالمجموع إلى نقطه ليكون ما يبتلى بماسة العظام أقل أجزائه وصلب ذلك الجزء منه فضل صلابة ليكون المبتلى بتلك الملاقاة أحكم ودرج الشكل إلى الصنوبرية ليحسن هندام السفل والفوق ولا يكون فيه فضل وأودع في غلاف حصيف جداً هو وإن كان من جنس الأغشية فلا يوجد غشاء يدانيه في الثخن ليكون له جنة ووقاية ويرى جرمه من ذلك الغلاف بقدر إلا عند أصله وحيث ينبت الشريان ليكون له أن ينبسط فيه من غير اختناق وعند أصله عضواً كالأساس يشبه الغضروف قليلاً ليكون قاعدة وثيقة لحلقه وفيه ثلاثة بطون بطنان كبيران وبطن كالوسط ليكون له مستودع غذاء يغتذي به كثيف قوي يشاكل جوهره ومعدن روح يتولّد فيه عن لحم لطيف ومجرى بينهما وذلك المجرى يتسع فيه عند تعرض القلب وينضم عند تطوله.

وقاعدة البطن الأيسر أرفع وقاعدة البطن الأيمن أنزل بكثير والعروق الضوارب - وهي الشرايين - خلقت إلا واحدة منها ذات صفاقين وأصلبهما المستبطن إذ هو الملاقي لضربان ولحركة جوهر الروح القوية المقصود صيانته وإحرازه وتقويته.

ومنبت الشرايين هو من التجويف الأيسر من تجويفي القلب.

لأن الأيمن أقرب إلى الكبد فوجب أن يجعل مشغولاً بجذب الغذاء استعماله.

ولما كان البطن الأيمن من القلب يحوي غليظاً ثقيلاً والأيسر يحوي دقيقاً حفيفاً عدل الجانبان بترقيق البطن الذي يحوي الغليظ وخصوصاً إذا أمن التحلل بالرشح التفشّي بل جعل وعاء الأدق أضيق وأعدل في الوسط وله زائدتان على فوهتي مدخل مادتي الدم والنسيم إلى القلب كالأذنين عصبيتان يكونان متعصبتين مسترخيتين ما دام لقلب منقبضاً فإذا انبسط توترتا وأعانتا على حصر ما يحتوي عليه إلى داخل فهما كخزانتين يقبلان عن الأوعية ثم يرسلانه إلى القلب بقدر وأدقتا ليكون أحوى وأحسن إجابة إلى الإنقباض وصلبتا ليكون أبعد عن الانفعال.

والقلب يغتذي مع قواه الطبيعية انبساط فيجذب الدم إلى داخل كما يجذب الهواء.

وقد وضع القلب في الوسط من الصدر لأنه أعدل موضع وأميل يسيراً إلى اليسار ليبعد عن الكبد فيكون للكبد مكان واسع.

وأما الطحال فنازل عنه وبعيد وفي إنزاله منفعة سنذكرها ولأن توسيع القلب المكان للكبد أولى من توسيعه للطحال لأن الكبد أشرف ومما قصد في إمالة القلب عن الكبد أن لا يجتمع الحار كله في شق واحد وليعدل الجانب الأيسر إذ الطحال بنفسه غير حار جداً وليقل مزاحمته للعرق الأجوف الجائي إليه ممكناً له بعض المكان وما كان من الحيوان عظيم القلب وكان مع ذلك جذعاً خائفاً كالأرانب والأيايل فالسبب فيه أن حرارته قليلة فينفس في شيء كثير فلا يسخنه بالتمام.

وما كان صغير القلب ومع ذلك جريئاً فلأن الحرارة فيه كثيرة تحتقن وتشتدّ ولكن أكثر ما هو أجرأ عظيم القلب ولا يحتمل القلب ألماً ولا ورماً ولذلك لم يذبح حيوان فوجد في قلبه من الآفات ما يوجد في سائر الأعضاء.

وقد وجد في قلب بعض الحيوانات الكبير الجثة عظم وخصوصاً في الثيران وهذا العظم مائل إلى الغضروفية وأكبره وأعظمه مع زيادة صلابة هو ما يوجد في قلب الفيل وكذلك وجد قلب بعض القرود ذا رأسين.

ومن قوة حياة القلب أنه إذا سل من الحيوان وجد نبض إلى حين وقد أخطأ من ظن أن القلب عضلة وهو وإن كان أشبه الأشياء بها لكن تحركها غير إرادي.

فصل في أمراض القلب

قد يعرض للقلب في خاصته أصناف الأمراض كلها مثل أصناف سوء المزاجات وقد تكون بمادة وقد تكون ساذجة.

والمادة قد تكون في عروقه وقد تكون فيما بين جرمه وبين غلافه وخصوصاً الرطوبة وكثيراً ما يوجد في ذلك الموضع رطوبات.

ومن المعلوم أنها إذا كثرت ضغطت القلب عن الانبساط وقد يعرض له الأورام والسدد وقد يعرض له شيء من الوضع أيضاً مثل ما يعرض له من احتقان في رطوبة مزاحمة تمنعه عن الانبساط فيقبل.

والانحلال الفرد الذي يعرض إما فيه وإما في غلافه وإذا استحكم في القلب سوء مزاج لم يقبل العلاج وإذا كان غير مستحكم لم يكن سهل قبول العلاج.

والورم الحار قاتل جداً في الحال والبارد مما يبعد ويندر حدوث صلبه ورخوه في القلب وأكثره في غلاف القلب فإن اتفق أن حدث فإنه لا يقتل في وحي قتل الورم الحار لكنه مع ذلك قتال.

وربما أسهل الصلب العارض في الغلاف من الخلط الغليظ وغير الصلب العارض من خلط مائي منقط مدة كالحال في ورم كان بغلاف قلب قرد حكاه جالينوس وقد عاش ذلك القرد ملياً فلما شُرح بعد موته عرف ما كان به في حياته فكان له ينحف ويضعف.

وإذا كان القلب نفسه لا يحتمل أن يرم فكيف يحتمل أن يجمع ويقيح وإذا عرضت هناك قروح محتملة تنوبه فإنها تقتل بعد رعاف أسود على ما قيل.

وقد يعرض في عروق القلي سدد ضارة بأفعال القلب وأما انحلال القرد فالقلب أبعد احتمالاً منه للورم وإذا عرض لجرمه ونفذ إلى البطن قتل في الحال.

وإن لم يكن نافذاً فربما تأخر قتله إلى اليوم الثاني.

وقد يعرض للقلب أمراض بمشاركة غلافه الدماغ والجنب والرئة والكبد والمعي وسائر الأحشاء وخصوصاً المعدة.

وقد يكون بمشاركة أعضاء أخرى والبدن عامة كما في الحميات حين تخفق بنوائبها وبحارينها.

ومشاركته الأعضاء الأخرى قد تكون بسبب ما يقطع منها كمشاركته الكبد إذا ضعفت عن توجيه الغذاء إليه والدماغ إذا ضعف فضعفت العضل المنفسة عن التنفس وقد يكون بسبب ما يتأدّى منها إليه.

أما الدماغ فمثل ما إذا كثر فيه الخلط السوداوي فينفذ في جوهر الدماغ فنفذ في طريق الشرايين إلى القلب فيهيج خفقاناً وسقوط قوة وغمّاً مع الهائج.

من سوء فكر وهمّ ومثل ما يتأدى منه إليه من الخلط الرطب بهذه السبيل فيحدث بلادة وكسلاً وسقوط نشاط.

وأما الكبد فيما يرسل من لحم رديء حار أو بارد أو غليظ وقد يكون بمشاركة في الأذى على سبيل المجاورة ومثل تأذيه بورم حار أو بارد يكون في الغلاف المحيط به خصوصاً ولسائر الأحشاء عموماً وتأذية لتأذي فم المعدة والمعدة عن خلط لزج أو لذاع أو ديدان وحب القرع أو قيء لذاع فيحدث به منه خفقان.

وقد يكون بسبب المشاركهّ في الوجع إذا اشتد وانتهى إليه وكثيراً ما يقتل وقد يكون بسبب انتقال المادة من مثل خفقان أو ذات جنب أو ذات الرئة فتميل المادة إلى القلب فتخنق وتقتل والمشاركات التي تقع بين القلب وغلافه فليست تبلغ الإهلاك وربما لم يكن حاراً فإنه قاتل وقد يحدث في نفس فم المعدة اختلاج فيضرّ بالقلب.

فصل في وجوه الاستدلال على أحوال القلب

وهي ثمانية أوجه: النبض والنفس وخلقة الصدر وملمس البدن وما يعرض فيه والاختلاف وقوة البدن وضعفه والأوهام.

أما النبض فسرعته وعظمه وتواتره تدلّ على حرارته وأضدادها يدل على برودته ولينه على رطوبته وصلابته على يبسه وقوته وأستواؤه وانتظام اختلافه يدل على صحته وأضدادها على خلاف صحته والنفس العظيم والسريع والمتواتر والحار يدل على حرارته وأضدادها على برودته والصدر الواسع العريض إن لم يكن بسبب كبر الدماغ الذي يدل عليها كبر الرأس الموجب لكثرة الدماغ الموجب لعظم النخاع الموجب لعظم الفقرات الموجب لعظم الأضلاع النابتة منها بل كان هناك صغر رأس أو توسطه وقوة نبض دل على حرارته وضد ذلك إن لم يوجبه صغر الرأس دل على برودته.

والشعر الكثير على الصدر خصوصاً الجعد منه يدل على حرارته وجرد الصدر وقلة شعره يدل على برودته لعدم الفاعل الدخاني أو يبوسة لعدم المادة للدخان وإن لم يكن لعارض رطوبة مزاج البدن جداً أو عادة الهواء والبلد والسن وحرارة البدن كله يدل على حرارته إن لم يقاومه الطحال والكبد الباردة بتبريدهما وبرودته إن لم يقاوم الكبد مقاومة ما ولين البدن يدل على رطوبته إن لم يقاوم الكبد بأدنى مقاومة وصلابته على يبسه إن لم يقاوم الكبد.

والحميات العفنة مع صحة الكبد تدل على حرارته ورطوبته وأما من طريق الاختلاف والغضب الطبيعي الذي ليس عن اعتياده والجرأة والإقدام وخفة الحركات تدلّ على حرارته وأضدادها أن لم تكن مستفادة من الأوهام والعادات تدل على برودته.

وأما قوة البدن فتدل على قوته.

وضعفه إن لم يكن بآفة من الدماغ والأعصاب فتدلّ على ضعفه.

وضعفه يدل على سوء مزاج به وقوته تدل على اعتدال مزاجه الطبيعي وهو كون الحار الغرزيزي والروح الحيواني كثيرين فيه غير ملتهبين مدخنيني بل نورانيين صافيين.

وأما العرض من الحرارة فيدل عليه شدة الالتهاب وضجر النفس وربما أدى إلى آفة في النفس.

وأما الأوهام فالمائلة إلى القرح والأمل وحسن الرجاء يدل على قوته وعلى اعتداله الذي يحس به في حرارته.

ورطوبته والمائلة إلى طلب لا الإيحاش والإيذاء ويدل على حرارته والمائلة نحو الخوف والغم يدل على برده ويبسه.

والأحوال التي تحس في القلب نفسه مثل التهاب يعرض فيه ومثل خفقان يحس منه فإنها بعضها يدل بانفراده على مزاجه مثل الالتهاب وبعضها لا يدل إلا بقرينة مثل الخفقان إن الخفقان يتبع جميع أنحاء ضعف القلب وسوء مزاجه فلا يدل على أمر خاص فيه.

وربما كثر الخفقان لسبب قوة حس القلب فيعرض الخفقان من أدنى وهم أو بخار أو نحو ذلك مما يصل إليه وقد تكون أمراض القلب بمشاركة غيره وخصوصاً الرأس وفم المعدة.

ولا تخلو أمراض الدماغ المالنخولية والصرعة عن مشاركة الدماغ للقلب وقد ينتقل إلى القلب من مواد مندفعة من مثل ذات الجنب وذات الرئة فيكون سبباً لعطب عظيم ولهلاك.

وإذا عرض للأخلاط نقصان عن القدر الواجب كان أول ضرر ذلك بالقلب فيتغير مزاجه.

وإذا خلص الحر الصرف أو البرد الصرف إلى القلب مات صاحبه وربما رأيت المصرود يتكلم وقد علامات أمزجة القلب الطبيعية: فاعلم أن المزاج الحار الطبيعي يدلّ عليه سعة الصدر في الخلقة إلا أن يكون بمعارضة الدماغ وعظم النبض الطبيعية وميله إلى التواتر والسرعة وعظم النفس الطبيعي وميله إلى التواتر والسرعة ووفور الشعر على الصدر وخصوصاً إلى اليسار قليلاً إن لم يعارض ترطيب عضو أخر معارضة شديدة جداً.

والبلد والهواء وشدة الغضب والإقدام وحسن الظنّ وفسخه الأمل.

وقد يدل عليه عظم الصدر إذا لم يكن بسبب الدماغ على ما قيل.

وأما المزاج البارد الطبيعي فيدلّ عليه ضيق الصدر إلا للشرط المذكور وصغر النبض الطبيعي وميله إلى التفاوت أو لبطء إلا أن يكون هناك بسبب يقتضي السرعة وصغر النبض الطبيعي وميله إلى البطء والتفاوت وضعف وكسل وحلم لا بالتخلق والرياضة وأخلاق تشبه أخلاق النساء ودهش وحيرة وبلادة وانفعال عن المحفرات وبرد البدن.

وأما المزاج الرطب فيدل عليه لين النبض وسرعة الانفعال عن الواردات المقبضة والمفرّحة وسرعة الانصراف عنها ورطوبة الجلد وإن لم يقاوم الكبد.

وأما المزاج اليابس فيدل عليه صلابة النبض وبطء الانفعال وبطء السكون وسبعية الأخلاق ويبس البدن إن لم يقاوم الكبد.

وأما المزاج الحار اليابس فيدل عليه النبض العظيم بمقدار وذلك لأن عظمه يكون للحاجة.

ونقصانه ليبس الآلة والسريع وخصوصاً إلى الانقباض والتواتر والنفس العظيم السريع وخصوصاً في إخراجه للهواء المتواتر وشراسة الخلق والوقاحة وخفة في الحركات والجلادة وسرعة الغَضَب للحرارة وبطء الرضا ليبس وكثرة شعر الصدر وكثافته ليبس مادته وجعودته وحرارة الملمس ويبسه.

وأما المزاج الحار الرطب فيكون الشعر فيه أقل والصدر أعرض والنبض أعظم إلا أنه ألين وسرعته وتواتره دون ما يكون في المزاج اليابس إذا ساواه في الحرارة ويكون الغضب فيه سريعاً غير شديد وملمس البدن حاراً رطباً إن لم يقاوم الكبد مقاومة في البرد شديدة وفي الرطوبة وإن كانت دون الشديدة ويكثر فيه أمراض العفونة.

وأما المزاج البارد الرطب فيدل عليه النبض إذا لم يكن عظيماً بل إلى الصغر وكان ليناً ليس بسريع ولا متواتر بل مائلاً إلى ضديهما بحسب مبلغ المزاج ويكون صاحبه كسلاناً وجباناً عاجزاً ميت النشاط أجرد غير حقود ولا غضوب ويكون البدن بارداً رطباً إن لم يقاومه الكبد بتسخين كثير وتيبيس وإن لم يكن بكثير.

وأما المزاج البارد اليابس فيكون نبض صاحبه ليس بذلك البطء كله ويكون صاحبه بطيء فصل في علامات أمراض القلب

من ذلك دلائل الأمزجة الغير الطبيعية وقد يدلّ على سوء مزاج القلب ضعف وانحلال قوة وذوبان غير منسوب إلى سبب بادٍ أو سباق أو مشاركة عضو فإن أعان الخفقان في هذه الدلالة فقد تمّ الدليل وإن أدى إلى الغشي فقد استحكم الأمر.

وإذا قوي على القلب سوء مزاج بارد أو حار أو يابس بلا مادة أخذ البدن في طريق السل والذوبان فيكون الحار منه دقاً مطبقاً والبارد نوعاً من الدقّ ينسب إلى المشايخ والهرمى واليابس نوعاً من الدق والسل يخالف كل ذلك السلّ الكائن عن الرئة فإن الرئة في هذا لا تكون مؤفة نفسها ولا يكون بصاحبه سعال ويخالف الدق الحار لعدم الحرارة.

وأما علامة سوء المزاج الحار فزيادة النبض في السرعة والتواتر عن الطبيعي وخروج النفس إلى السرعة والتواتر عن الطبيعي وشدّة العطش الذي يسكن بالهواء البارد والاستراحة إلى البرد وعموم النحول والذوبان من غير سبب آخر والغمّ والكرب المخالطين للالتهاب وأما علامة سوء المزاج البارد فميل النبض إلى الصغر والبطء والتفاوت عن الطبيعي إلا أن تسقط القوة فيضطر إلى التواتر فيتدارك ما تفوت الحاجة بغيرهما ويكون مع ضعف النفس وانحلال القوة والاستراحة إلى ما يسخّن من أنواع ما يلمس ويشمّ ويذاق والتفرع والجبن والإفراط في الرقة والرحمة.

وأما علامة سوء المزاج الرطب فميل النبض إلى اللين عن الطبيعي وسرعة الانفعال عن التواترات في النفس مع سرعة زوالها وكثرة حدوث الحمّيات العفنة.

وأما علامة سوء المزاج اليابس فميل النبض إلى اليبس عن الطبيعي وعسر الانفعالات مع ثباتها كانت قوية أو ضعيفة وذوبان البدن.

فصل في دلائل الأورام

فمنها دلائل الأورام الحارة فإنها في ابتدائها تظهر في النبض اختلافاً عجيباً غير معهود ويعظم اللهيب في البدن وخصوصاً في نواحي أعضاء التنفس ويكون المتنفّس وإن استنشق أعظم هواء وأبرده كالعادم للنفس ثم يتبعه غشي متدارك ولا يجب أن يتوقّع في تعرّف حال أورام القلب الحارة ما يكون من دلالة صلابة النبض على ما جرت العادة بتوفعه في غيره مما هو مثله فإن الورم لا يبلغ بالقلب إلى أن يصلب له النبض بل يقتل قبل ذلك.

وأما انحلال الفرد فيوقف عليه من الأسباب البادية وقد قال بعضهم أنه إذا عرضت في القلب قرحة سال من المنخر الأيسر دم ومات صاحبه وعلامته وجع في الثندوة اليسرى.

فصل في الأسباب المؤثّرة في القلب

الأسباب المؤثرة في القلب منها ما هي خاصة به ومنها ما هي مشتركة له ولغيره كالأسباب الفاعلة للأمزجة والأسباب الفاعلة للأورام والفاعلة لانحلال الفرد وسائر ما أشبه ذلك مما قد عددنا ذلك من الكتب الكلية لكن القلب يخصّه أسباب تعرض من قبل النفس وأسباب تعرض من قبل الانفعالات النفسانية.

أما النفس فإذا ضاق أو سخن جداً أو برد جداً لزم منه أن تنال القلب آفة.

وأما الانفعالات النفسانية فيجب أن يرجع فيه إلى كلامنا في الكلّيات وقد بينا تأثيرها في القلب بتوسط الروح وكل ما أفرط منها في تأثير خانق للحار الغريزي إلى باطن أو ناشر إياه إلى خارج فقد يبلغ أن يحدث غشياً بل يبلغ أن يهلك.

والغضب من جملتها أقلّ الجميع فإن الغضب قلّما يهلك.

وأما السهر والرياضة وأمثال ذلك فتضعف القلب بالتحليل.

فصل في القوانين الكلية في علاج القلب

إن لنا في الأدوية القلبية مقالة مفردة إذا جمع الإنسان بين معرفته بالطبّ ومعرفته بالأصول التي هي أعمّ من الطب انتفع بها.

وأما ههنا فإنا نشير إلى ما يجب أن يقال في الكتب الطبية الساذجة أنه لما كان القلب عضواً رئيساً أجل كل رئيس وأشرفه وجب أن يكون الإقدام على معالجته بالأدوية إقداماً معموداً بالحزم البالغ سواء أردنا أن نستفرغ منه خلطاً أو نبدل له مزاجاً.

أما الاستفراغ الذي يجري مجرى الفصد فإنا نقدم عليه إقداماً لا يحوجنا إلى خلطه بتدابير أخرى منقية بل أكثر ما يلزمنا فيه أن لا نفرط فتسقط القوة وأن تنعش القوة إن خارت قليلاً بالأشياء الناعشة للقوة إذا ضعفت لمزاج بارد أو حار وهذا أمر ليس إنما يختص به إخراج الدم فقط بل جميع الاستفراغات وإن كان إخراج الدم أشدّ استيجاباً لهذا الاحتياط.

والسبب الذي يستغنى معه عن محاولة أصناف من التدبير غير ذلك أن إخراج الدم ليس بدواء يرد على القلب وعلى أن الأكثر امتلاءات القلب إنما هو من الدم والبخار فيدفع ضررهما جميعاً الفصد.

وأما الامتلاء الدموي فمن الباسليق الأيمن وأما الامتلاء البخاري فمن الباسليق الأيسر وأما سائر الاستفراغات التي تكون بالأدوية فيجب أن يخالط بالتدبير المذكور وتدابير أخرى وذلك لأن أكثر الأدوية المستفرغة مضادة للبدن فيجب أن يصحبها أدوية قلبية وهي الأدوية التي تفعل في القلب قوّة بخاصية فيها حتى يكون الدواء المستعمل في استفراغ الخلط القلبي مشوباً به أدوية ترياقية بادزهرية مناسبة للقلب.

وقد ينفع كثير من هذه الأدوية بل أكثرها منفعة من جهة أخرى وذلك لأنها أيضاً تنفذ الأدوية المستفرغة إلى القلب صارفة إياها عن غيره.

وأما تبديل المزاج فإنه إما أن يتوجه التدبير نحو تبديل بارد أو تبديل حار أو تبديل رطب أو تبديل يابس.

فإذا أردنا أن نبدل مزاجاً بارداً اجترأنا على ذلك بالأدوية الحارة مخلوطة بالأدوية القلبية الحارة مع مراعاتنا أن لا يقع منها تحريك عنيف لخلط في القلب بحيث يمدد جرم القلب تمديد ريح أو تمديد مارة مورمة وغير ذلك.

وأما إن أردنا أن نبدل مزاجاً حاراً فلا نجسر على الاقتصار على المبرّدات فإن الجوهر الذي خلق القلب لأجله - وهو الروح المصبوب فيه - جوهر حار وحرارة غريزية غير الحرارات الضارة بالبدن وأنه يعرض له من سوء مزاج القلب إذا كان حاراً أن يقل ويتحلّل وأن يتدخن ويتكدر.

فإذا ورد على جرم القلب ما يطفئه ولم يكن مخلوطاًبالأدوية الحارة التي من شأنها أن تقوي الحار الغريزي لأجل ذلك بحرارتها بل بخاصيتها المصاحبة لحرارتها أمكن أن يضر بالأصل أعني الروح وإن نفع الفرع وهو جرم القلب مما ينفع فيه تعديل حرارة جرم القلب إذا أحس معه حرارة الروح فلذلك لا تجد العلماء الأقدمين يحلّون معالجة سوء المزاج الحار الذي في القلب وما يعرض له عن خلط الأدوية الباردة بقلبية حارة ثقة بأن الطبيعة إن كانت قوية ميزت بين المبرّد والمسخّن فحملت بالمبردات على القلب وحملت الحارة القلبية إلى الروح فيعدل ذلك هذا.

وإن وجدوا دواءً معتدلاً يفعل تقوية الروح بالخاصية أو قريباً من الاعتدال كلسان الثور اشتدت استعانتهم به.

وأما إن كانت الطبيعة ضعيفة لم ينفع تدبير وقد يحوجهم إلى استعمال الأدوية الحارة القلبية ما يعلمونه من ثقل جواهر أكثر الأدوية الباردة القلبية وقلة نفوذها وميلها بالطبع إلى الثبات دون النفاذ فيحوجهم ذلك إلى خلط الأدوية القلبية الحارة النافذة بها لتستعين الطبيعة على سوق تلك إلى القلب مثل ما يخلطون الزعفران بسائر أخلاط أقراص الكافور فإن سائر الأخلاط تتبذرق به إلى القلب ثم للقوة الطبيعية أن تصدّه عن القلب له وتشغله بالروح من القلب وتستعين بالمبردات على تعديل المزاج فإن هذا أجدى عليها من أن تستعمل مبردات صرفة ثم تقف في أول المسلك وتأبى أن تنفّذ.

والذين أسقطوا الزعفران من أقراص الكافور مستدركين على الأوائل فقد جعلوا أقراص الكافور قليل الغذاء وهم لا يشعرون.

ثم المزاج الحار يعالج بسقي ربوب الفواكه وخصوصاً ماء التفاح الشامي والسفرجل فإنها نعم الدواء وبما يشبهه مما سنذكره وبأطلية وأضمدة من المطفئات مخلوطة بمقوّيات القلب وإن كان السبب مادة استفرغت.

وأما علاج سوء المزاج البارد فبالمعاجين الكبار التي سنذكرها والشراب الريحاني والرياضات المعتدلة وبالأضمدة والأطلية الحارة العطرة القلبية وبالأغذية حارة بقدر ما ينهضم.

فإن كان السبب مادة استفرغت.

وأما علاج سوء المزاج اليابس فيحتاج فيه إلى غذاء كثير مرطب وإلى دخول الحمام إثره وإلى استعمال الأبزن مع ترفيه وقلة حركة ودعة وسقي الماء البارد.

وإن كان هناك برد جنبوا الماء البارد الشديد البرد وعدلوا بالأغذية والأشربة وأكثروا النوم على طعام حار.

وإن كان السبب مادة حارة استفرغت وستعرف تفصيل ذلك حيث نتكلم في علاج الدق والذبول.

وأما علاج المزاج الرطب فبتلطيف الغذاء واستعمال الأدوية المجفّفة والرياضات المعتدلة مع تواتر وكثرة الحمام قبل الطعام وعياه الحميات والاستنقاع الكثير في الماء الحار واستعمال المسهلات والمدرات واستعمال الشراب القوي القليل العطر واستعمال الأغذية المحمودة الكيموس بقدر دون الكثير فإن كان هناك حرارة جنبوا الحمام واستعملوا الجماع.

وإن كان السبب مادة رطبة أو حارة رطبة استفرغت.

كلام في الأدوية القلبية: أما الأدوية القلبية بكمالها فيجب أن تلقطها من ألواح الأدوية المفردة من لوح أعضاء النفس وأما بحسب الحاجة في هذا الوقت فلنذكر منها ما هو كالرؤوس والأصول فنقول: أما القريبة من الاعتدال منها فالياقوت والسبنجاذق والفيروزج والذهب والفضة ولسان الثور.

وأما الحارة منها فكالدرونج والجدوار والمسك والعنبر والزرنباد والإبريسم خاصية والزعفران والبهمنان عاجلا النفع والقرنفل عجيب جداً والعود الخام والباذرنبويه وبزره.

وأيضاً الباذروج وبزره والشاهسغرم وبزره والقاقلة والكبابة والفلنجمشك وبزره وورق الأترج وحماضه والساذج الهندي والراسن عجيب جداً.

وأما الباردة فاللؤلؤ والكهرباء والبُسد والكافور والصندل والورد والطباشير والطين المختوم والتفاح والكزبرة اليابسة والكزبرة الرطبة وغير ذلك.

المقالة الثانية جزئيات مفصلة

فصل في الخفقان وأسبابه

الخفقان حركة اختلاجية تعرض للقلب وسببه كل ما يؤذي القلب مما يكون في نفسه أو يكون في غلافه أو يتصل به من الأعضاء المشاركة المجاورة له وقد يكون عن مادة خلطية وقد يكون عن مزاج ساذج وقد يكون عن ورم وقد يكون عن انحلال الفرد وقد يكون عن سبب غريب وقد يكون عن جبن شديد.

والمادة الخلطية قد تكون دموية وقد تكون رطوبة وقد تكون سوداوية وقد تكون صفراوية وقد تكون ريحية وهي أخفها وأسهلها.

والذي يكون عن مزاج ساذج فإن كل مزاج غالب يوجب ضعفاً وكل ضعف يحدث في القلب ما دام به بقية قوة اضطرب اضطراباً ما كأنه يدفع عن نفسه أذى فكان الخفقان.

وإذا أفرط انتقل الخفقان إلى الغشي وإذا أفرط انتقل إلى الهلاك وقد يفعله من المزاج الساذج كل مزاج من الأمزجة.

وأما الورم الحار فإنه ما دام يبتدئ أظهر خفقاناً ثم أغشي ثم أهلك.

والبارد يقرب من حاله لكنه ربما أمهل قليلاً وكذلك انحلال الفرد وكذلك السدد تكون في مجاري الدم والروح والقلب وما يليه وفي العروق الخشنة من أجزاء الرئة.

وأما الكائن من سبب غريب فمثل الكائن عن أوجاع مثخنة وانفعالات من مواد الأورام المجاورة المذكورة وعن شرب السموم والكائن عن لسوعات الحيوانات والكائن عن الحيات التي تحدث في البطن وخصوصاً إذا ارتقت إلى أعالي مواقف الغذاء والثفل.

وأما الكائن عن لطف حس القلب فإن صاحبه يعرض له الخفقان من أدنى ريح يتولد في الفضاء الذي بينه وبين غلافه أو في جرم غلافه أو في عروقه ومن أدنى كيفية باردة أو حارة تتأدى إليه حتى عقب شرب الماء من غير أن يؤدي ذلك إلى ضعف في أفعاله.

أما الكائن بالمشاركة فإما بمشاركة البدن كله كما يعرض في الحميات وخصوصاً حميات الوباء أو بمشاركة غلافه بأن يعرض فيه ورم رخو أو صلب كما يعرض للقرد والديك المذكورين أو بمشاركة المعدة بأن يكون في فمها خلط لزج زجاجي أو لذاع صفراوي أو كان يفسد فيها الطعام أو بمشاركة جميع الأعضاء التي توجع بشدة.

وقد يكثر بمشاركة المعدة لخلط فيها أو بثور في فمها أو وهن عقيب قيء عنيف حتى لا تكاد تميز بينه وبين القلبي.

وربما عرض اختلاج في فم المعدة وترادف ذلك فكان أشبه شيء بالخفقان القلبي وقد يكون بمشاركة الرئة إذا كثر فيها السدد في الجهة التي تلي القلب فلم ينفذ النفس على وجهه وذلك ينذر بضيق نفس غير مأمون وقد يكون بسبب البحران وحركات تعرض للأخلاط نحو البحران وسنوضحه في موضعه.

ومن شكا خفقاناً بعقب المرض وكان به تهوع وقذف صفراء كبيرة ولم يزل التهوع فهو رديء وينذر بتشنج في المعدة.

العلامات: الخفقان كله يدلَ عليه النبض المخالف المجاوز للحدَ في الاختلاف المحسوس في العظم والصغر والسرعة والإبطاء والتفاوت والتواتر وكثيراً ما يشبه نبض أصحاب الربو ويدل على الرطب منه شدة لين النبض وإحساس صاحبه كأن قلبه ينقلب في رطوبة.

ويدل على الدموي فيه علامات الحرارة والالتهاب وسرعة النبض وعظمة في غير وقت الخفقان وينتفعون بالجماع وفي البارد بالضد منه.

ويدل على الصفراوي منه وهو في القليل أمراض صفراوية تتبعه وصلابة في النبض وشدة ويدل على الريحي الساذج منه صرعة تحلله وخفة مؤنته وقلة اختلاف نبضه.

ويدل على الورمي في جوهره أو غلافه علامة الورمين المذكورة وعلى الانحلالي سببه.

وعلى الكائن عن السموم واللسوع سببها مع عدم سائر الأسباب وكذلك الكائن عن الديدان والكائن عن مزاج حار مفرد التهاب شديد من غير إحساس رطوبة يترجرج فيها القلب وسرعة نبض وتواتره ولو في غير وقت هيجانه وأن يكون عقيب أسباب مسخنه بلا مادة وفي الدّق ونحوه.

وكذلك الكائن عن البرد الساذج يدل عليه أسبابه من الاستفراغات المطفئة للحار الغريزي والأمراض المبردة والأهوية وغيرها والنبض البطيء المتفاوت في غير وقت الخفقان.

وأما الكائن عن السدد فيدلّ عليه اختلاف النبض في الصغر والكبر والضعف والقوة مع عدم علامات الامتلاء.

وأما الكائن عن لطف حس القلب وعن أدنى ريح يتولده وأدنى أذى يتأدى إليه فيعرف ذلك من قوة النبض وصحة النفس والسلامة في سائر الأعضاء.

وقوة النبض وعظمه أدل دليل عليه ويؤكده أن يكون البدن مع تواتر هذا الخفقان سليماً والقوة محفوظة والعادة في الأفعال صحيحة وأكثر ما يعرض هذا للذين يظهر على وجوههم تأثير الانفعالات النفسانية وإن قلت مثل فرح أو غم أو هم أو غضب أو نحو ذلك.

فأما الكائن بمشاركة البدن كله في الحمّيات فذلك ظاهر وكذلك البحراني.

وأما الكائن بسبب المعدة فيدلّ عليه دلائل أحوال المعدة والشهوة وما ينقذف عنها والخيالات والغثيان والمغص وأن يخف عند الخواء إلا أن يكون عن سبب صفراوي ينصبّ إلى فم المعدة عند الخواء وأن لا يشتدّ ساعة أخذ الغذاء في الهضم.

والذي يكون بمشاركة الرئة بأن يكون صاحبه معرضاً للربو موجوداً فيه العلامات الدالة على رطوبة الرئة وانسداد المجاري فيها التي نذكر في بابه.

وأما الكائن بسبب الخناق فيدل عليه دلائلها المذكورة في بابها ومما يدل عليه اللعاب السائل ووجع كالعاض والغارز يقع دفعة في فم المعدة.

المعالجات الكلية للخفقان: أما المادية كلها فينتفع فيها بالاستفراغات.

أما الدموي فبالفصد وإخراج الدم البالغ وتعديل الغذاء بالكمّ والكيف وإن كان له نوائب أو فصل يعتري فيه كثيراً مثل الربيع مثلاً فمن الواجب أن يتقدم قبل النوبة بفصد وتلطيف غذاء ويتناول ما يقوي القلب.

وأما الكائن بسبب خلط بلغمي فيجب أن يستفرغ بأدوية يبلغ تأثيرها القلب وأوفق ذلك الأيارجات الكبار المستفرغة للرطوبات اللزجة.

وأما الكائن بسبب دم سوداوي فعلاجه الفصد وتعديل الكبد حتى لا تتولّد السوداء بما يقال في بابه.

وإن كان مجرد خلط سوداوي فالعلاج فيه الاستفراغ بمثل أيارج روفس ولوغوديا وجميع ما يستفرغ الخلط السوداوي من مكان بعيد ثم يتوخّى بعد ذلك تعديل المزاج.

أما البارد فبالمسخنات وأما الحار فبالمبرّدات وخصوصاً ما كان منهما من الأدوية القلبية.

وأما ما كان بمشاركة المعدة فإن كان من خلط غليظ عولج بالقيء بعد الطعام وبعد تناول الملطفات المعروفة مثل تناول عصارة الفجل والسكنجبين والإسهال بعده بالأيارجات الكبار مثل لوغاذيا وتنادريطوس وأيارج فيقرا مقوى بشحم الحنظل والغاريقون والأفتيمون.

فإن كان بسبب الصفراء اللذّاعة عولج بتقوية المعدة بربوب الفواكه والنواكه العطرة ومثل التفّاح والسفرجل وخصوصاً بعد الطعام والكمثري وما أشبه ذلك وبإمالة الطبيعة إلى اللين واجتناب ما يستحيل إلى خلط مراري وتدبير تعديل المعدة وكذلك إذا كان الطعام يفسد فيها فينبغي أن تدبر بما يقويها على هضم ما يفسد فيها بما نذكره في باب المعدة فكما أنك تقطع السبب بهذا التدبير كذلك يجب أن تقوّي المنفعل وهو القلب حتى لا يقبل التأثير ولا يقتصر على قطع السبب دون تقوية المنفعل بل يجب مع ذلك أن تتعهد القلب بالأدوية القلبية مما يعظم نفعه في الخفقان شرب وزن مثقال من لسان الثور عند النوم ليالي متوالية ومما جرّب له شرب مقدار نواة ووزنها من القرنفل الذكر في اثني عشر مثقالاً من اللبن الحليب على الريق وأن تشرب مثقالاً من المرزنجوش اليابس في ماء بارد إن كان هناك حرارة أو شرب إن لم يكن حرارة في أيام متوالية.

ومما ينتفع به صاحب الخفقان أن يكون معه أبداً طيب من جنس ما يلائم وأن يديم التبخر به ويستعمل شمامات منه وأن يكون الذي به خفقان حار يغلب على طيبه الورد والكافور والصندل والأدهان الباردة مع قليل خلط من الأدوية الأخرى اللطيفة الحرارة كقليل مسك وزعفران وقرنفل اللهم إلا أن يفدح الأمر فتقتصر.

على الباردة وإن كان به مزاج بارد فالمسك والعنبر ودهن البان ودهن الأترج وماء الكافور والغالية وما يشبه ذلك.

ويقاربه من أصناف الدخن والند والملائمة بحسب المزاج.

ولا نكثر عليك الكلام في تعديل الأدوية القلبية الحارة والباردة فإنك تجد جميعها مكتوباً في جداول أعضاء النفس في الأدوية المفردة.

وبالجملة فإن كل دواء عطر فهو قلبي ومع هذا فإنا قد ذكرنا ما يكون من هذه الأدوية مقدّماً في هذا الغرض فأما صاحب الخفقان مع التهوّع الذي ذكرنا أن خفقانه رديء علاجه خصوصاً إن كان هناك بقية حمّى سقي سويق الشعير مغسولاً بالماء الحار ثم مبرّداً بوزن عشرة دراهم سكّر فإنه - وإن تقيأه أيضاً - ينتفع به وإن كره السكّر لزيادته في التهوّع أخذ بدله حبّ الرمان ويشدّ الساقين ويستنشق الكافور وما يشبهه مع الخلّ ويضع على الصدر خرقاً مبلولة بماء الصندلين والكافور ونحوه وكثيراً ما يهيج الخفقان ثم يندفع شيء إلى أسفل يمنة ويسرة فيسكّن الخفقان.


فصل في علاج الخفقان الحار

إن كان هذا الخفقان مع مادة واستفرغتها وبقي أثرها أو كان خفقان حار بلا مادة فيجب أن تكون تغذية صاحبه بما قل ونفع كالخبز المبلول المنقع في ماء الورد فيه قليل شراب ريحاني والخبز بشراب التفاح ومرقة التفاح وبالدوغ القريب العهد بالمخض أو غير الحامض جداً والقرع والبقلة اليمانية والفواكه الباردة.

فإن احتمل اللحم فالقريص والهلام من الفراريج ومن القبج خاصة فله خاصية في هذا الشأن حتى لبارد المزاج وأصناف المصوص المتخذ منها كل ذلك بعصارات الفواكه والحصرم والتفاح الحامض والخلّ الحاذق مرشوشاً عليه ماء الورد وماء الخلاف وإن كان حمّاض الأترج أو الليمون فهو أنفع شيء.

فإن اشتدّ الأمر والالتهاب جرّعته الماء البارد وماء الثلج ممزوجاً بماء الورد تجريعاً بعد تجريع وجرعته شراب الفواكه وشراب التفاح الشامي وما أشبه ذلك شيئاً بعد شيء.

وإن احتجت أن تذوب فيه الكافور فعلت وربما احتجت إلى أن تقتصر به على سقي الرائب من رطل إلى رطلين تجعله غذاء لهم فإن احتجت إلى تقوية شيء من لباب الخبز والكعك فعلت وإن وجدت القوة ضعيفة وخفت التطفئة لم يكن بدّ من أن يخلط بذلك وبما يجري مجراه من الكبابة والقاقلة وورق الأترج.

وأيضاً الكزبرة والكافور مع ورد وطباشير أيضاً ليعدله.

وأما لسان الثور فاقدم عليه ولا تخف غائلته واستعمله في كل ما سقيت وأطعمت وقد جرت العادة بسقيه وكذلك ماؤه المقطّر وقد ينفع منه وزن درهم من الراوند الصيني بماء بارد أيام متوالية واجتهد أن يكون الهواء مبرّداً غاية التبريد.

وإن شرب تكون النضوحات والشمومات العطرة الكافورية والصندلية حاضرة ولا بأس أن يرشّ عليها شيء من الشراب قدر ما ينفذ عطرها إلى القلب.

ومما ينتفع به صاحب الخفقان الحار الانتقال عن هوائه إلى هواء بارد فإن ذلك يعيده إلى الصحة ويجب أن لا تغفل وضع الأضمدة المبرّدة على القلب المتخذة من الصندل وماء الورد وماء الحدادين والكافور والورد والطباشير والعدس يضمّد به فؤاده وخاصة في الحميات.

وأما المركّبات النافعة في ذلك فإن يسقى أقراص الكافور بالزعفران بشراب حمّاض الأترج وقد جعل فيه ورق الأترج ودواء المسك الحلو والمفرح البارد.

ومما جرّب لما ليس من الحار شديد الحرارة ما نحن واصفوه من الدواء.

ونسخته: يؤخذ طباشير أربعة أجزاء عود هندي وسكّ من كل واحد درهم قاقلة وقرنفل من كل واحد درهم كافور نصف درهم كثيراء ثلاثة دراهم يقرّص بماء الترنجبين كل قرصة وزن نصف درهم.

نسخة أخرى: يؤخذ درونج جزء كافور ربع جزء صندل ثلث جزء لؤلؤ كهربا بُسد عود هندي طباشير ورد من كل واحد نصف جزء لسان الثور جزآن يعجن بماء التفاح ويقرص والشربة من درهم إلى مثقال.

أخرى: وهو دواء أقوى من ذلك في التطفئة بزر خس وبزر الهندبا وطباشير وورد وصندل بزر بقلة الحمقاء ولسان ثور وكزبرة يابسة وبُسد وكهربا ولؤلؤ من كل واحد على ما يرى المعالجون قانون ذلك ثم يسفّ منه وزن درهمين فإنه جيد جداً.

فإن اشتدت الحاجة فيؤخذ من الطباشير والصندل الأصفر والورد من كل واحد جزء ومن الكافور ربع جزء الشربة منه وزن درهمين.

نسخة أخرى: يؤخذ نشا وكهربا ولؤلؤ وباذرنبويه فلنجمشكك وشبّ يماني مقلو ثلاثة ثلاثة طين أرمني كزبرة خمسة خمسة الشربة مثقالان بماء الباذرنبويه.

فإن أفرط الأمر وزاد الإشعال وخيف أن يكون ابتداء ورم فربما احتيج إلى أن يسقى بزر اللقاح والأفيون.

والأجود أن يسقى من بزر اللقاح إلى أربعة دراهم ومن الأفيون إلى نصف دانق مخلوطاً بدواء عطر من فصل في علاج الخفقان البارد: أما الاستفراغات إن كان هناك مادة فعلى السبيل الذي أوضحناه لك.

ومما جرّب للبلغمي الرطب من ذلك سواء كان في ناحية القلب أو في المعدة.

ونسخته: أن يؤخذ من الغاريقون وزن نصف درهم ومن شحم الحنظل وزن دانق ومن التُرْبَد وزن درهم ومن المقل وزن دانق ومن المسك والزعفران من كل واحد طسوج ومن العود الهندي وزن دانق ومن الملح النفطي وزن ربع درهم.

وهو شربة كاملة.

ومما جرب للسوداوي هنا ونسخته: هو أن يؤخذ هليلج أسود وكابلي من كل واحد وزن درهم أفتيمون نصف درهم حجر أرمني وزن ربع درهم دواء المسك المرّ وزن ثلاثة دراهم يسقى في شراب ريحاني قدر ما يداف فيه وربما اقتصر على مداومة استعمال أيارج فيقرا وزن مثقال مع أفتيمون وزن دانق يسقى بالسكنجبين ويواصل.

وأما الأدوية المبدّلة للمزاج فالترياق والمثروديطوس ودواء المسك الحلو والمرّ ودواء قيصر والشيلثا وجوارشن العود والعنبر والمفرح الكبير ومعجون النجاج وأقراص المسك.

وإذا قوي البرد احتيج إلى مثل الأنقرديا والسقي منه.

وقد ينفع منه تناول حمصة من القفطرغان بثلاثين مثقالاً من الطلاء وقد أنقع فيه لسان الثور ويغتذي بماء الحمص وفراخ الحمام ولحوم العصافير والقنابر.

ومن الأدوية المركَبة دواء بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ لسان ثور درهم زرنباد ودرونج من كل واحد أربعة دراهم الشربة منه درهم في أول الشهر وأوسطه وآخره ويجب أن يكون في الشراب الريحاني.

آخر: كهربا وجندبيدستر من كل واحد جزء وقشور الأترج المجفّفة بزر الافرنجمشك من كل واحد نصف جزء وكهربا وبسد من كل واحد درهم فلنجمشك قرنفل سكّ من كل واحد واحد.

الشربة منه نصف درهم بعصارة المفرح غير المصفاة ولا مغلاة وههنا أدوية جيدة بالغة طويلة النسخ مذكورة في الاقراباذين.

فصل في أصناف الغشي وأسبابه

وأسباب الموت فجأة: الغشي تعطل جل القوى المحركة الحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه بسبب تحرّكه إلى داخل أو بسبب يحقنه في داخل فلا يجد متنفساً أو لقلّته ورقته فلا يفضل على الموجود في المعدن.

وأنت ستعلم مما تحققته إلى هذا الوقت أن أسباب ذلك لا تخلو إما أن تكون امتلاء من مادة خانقة بالكثرة أو السدّة أو استفراغاً محللاً للروح أو عدماً ليدلّ ما يتحلّل وجوع شديد.

وأضعف الناس صبراً عليه المنسوبون إلى أنهم لا مرضى ولا أصحاء كالصبيان ومن يقرب منهم والمشايخ والناقهون.

وأما المتناهون في السنّ فقد يحتملونه واحتماله في الشتاء أكثر منه في الصيف أو سوء مزاج قد استحكم أو عرض العظيم منه دفعة أو وجع شديد أو ضعف من قوى المبادئ الرئيسة وخصوصاً القلب ثم الدماغ ثم الكبد أو ضعف المشارك مثل فم المعدة للقلب أو ضعف من البدن كله وهزال ونحافة أو استيلاء عارض نفساني على ما ذكر ذلك في موضع آخر.

وأكثره للمشايخ والضعفاء والناقهين أو وصول قوة مضادة بالجوهر لمزاج القلب والروح إليهما مثل اشتمام آسن الآبار ووباء الهواء وكما يعرض في الحمّيات الوبائية ونتن الجيف ونفوذ قوى السموم إلى القلب وربما كان بمشاركة شريان.

ومن ذلك ما يعرض بسبب الديدان التي تصعد إلى فم المعدة.

ويجب أن نفضل هذا تفصيلاً أكثر فنقول: أما المواد فإنها تحدث الغشي إما للكثرة وسدها مجاري الروح وحصرها كلها في القلب حتى يكاد أن يختنق ومن هذا القبيل انصباب من أخلاط كثيرة أو دم كثير إلى فم المعدة أو الصدر ونحوهما أو انتقال من مادة ورم الخناق وذات الجنب وذات الرئة إلى ناحية القلب دفعة.

وإما للحوج منها في المسام فيسد المجاري وخصوصاً في الأعضاء النفسية وربما كان عاماً في جميع عروق البدن وإن لم يفعل ذلك بكثرة.

وأما السدة أذاها بالكيفية الباردة جداً أو اللذاعة جداً أو المحرقة جداً والغشي الذي يقع في ابتداء نوائب الحميات هو من هذا القبيل وسببه أخلاط غليظة لزجة أو لذاعة أو محرقة وقد يكون ذلك بقرب القلب وقد يكون في أعضاء أخرى بمشاركة كالدماغ فإنه إذا حدثت به السدة الكاملة فكان سكتة كان غشي لا محالة.

وقد يكون في المعدة بسبب ورم أو لضعف حادث تصير به قابلة لتحلب المواد إلى فمها كانت باردة أو حارة وقد يكون بسبب كثرة السدد في عروق البدن حيث كانت.

وهذه المواد القتالة قد يعرض كثيراً من إفراط الأكل والشرب وتواتر التخم لسوء الهضم حتى ينتشر منه في البدن ما يملأ العروق ويسد مسالك النفس وهذه المواد الكثيرة قد تعين على الغشي من جهة حرمانها البدن الغذاء أيضاً لأنها تسد طريق الغذاء الجيد ولا تستحيل بنفسها إلى الغذاء لأنها لكثرتها تقوى على الطبيعة فلا تنفعل عنها.

ومع ذلك فإن مزاج البدن يفسد بها وهذه المواد التي تفعل الغشي بكثرتها أو برداءتها هي التي تفعل الكرب الغشي إذا وقعت في المعدة وكانت أقل كمية أو رداءة.

وإما الكائن بسبب استفراغ مفرط فإنما يكون لاستتباعه الروح مستفرغاً معه إلى أن يتحلل جمهوره وذلك أما استطلاق بطن يذرب أو إسهال متتابع أو زلق معدة أو معي أو سحج أو قيء كثير أو رعاف أو نزف لحم من عضو آخر كأفواه عروق المعدة أو لجراحة أو لبزل ماء استسقاء أو لبط دبيلة ليسيل منها شيء كثير دفعة أو نزف حيض أو نفاس أو لكثرة رياضة أو مقام في حمام حار شديد التعريق أو لسبب من أسباب التعريق قوي مفرط عارض لذاته فاعل للعرق لذاته كالحرارة أو معين كتخلخل البدن المفرط أو رقة من الأخلاط في جواهرها وطبائعها وإذا عرض الغشي عن استفراغ أخلاط.

والقوة الحيوانية قوية بعد لم يكن مخوفاً وذلك مثل الغشي الذي يعرض بعد الفصد.

وأما الوجع فيحدث الغشي لفرط تحليله الروح كما يعرض في إيلاوس والقولنج وفي اللذع المفرط العارض في الأعضاء الحساسة من فم المعدة والمعي ونحوها وفي مثل وجع جراحات العصب وقروحها واللدوغ التي تعرض عليها العقرب أو زنبور وفي قروح المفاصل الممنوة بالاحتكاك المفرع لما بينها لانصباب المواد المؤذية ومثل أوجاع القروح الساعية المغشية لشدة إيجاعها لحدتها وتأكيلها ويحدث منها فساد الأعضاء حتى يتأدى إلى الموت فإنها تغشي أولاً بالوجع وآخراً بشدة تبريد القلب أو بإيراد بخار سمي فاسد على القلب منعه من تجنف العضو واستحالته إلى ضد المزاج المناسب للناس.

وأما عوارض النفس فقد تكلمنا فيها وعرفت السبب في إجحافها بالقلب.

فأما الورم فإنه يحدث الغشي إما بسبب عظمه حيث كان ظاهراً أو باطناً فيفسد مزاج القلب بتوسط تأدية الشرايين أو بسبب العضو الذي فيه إذا كان مثل غلاف القلب أو كان عضواً قريباً من القلب فإن لم يكن الورم عظيماً جداً فإنه يفعل ما يفعل العظيم البعيد أو بسبب الوجع إذا اشتد معه.

وأما المعدة فإنها كيف تكون سبباً للغشي فاعلم أن المعدة عضو قريب الموضع عن القلب وهي مع ذلك شديدة الحس وهي مع ذلك معدن لاجتماع الأخلاط المختلقة فهي تحدث الغشي إما بأن تبرد جداً كما في بوليموس أو بأن تسخن جداً أو بأن توجع جداً وإما لأن فيها مادة غليظة رديئة باردة ولذاعة حريفة أو قروح أو بثور في فمها وأما الأعضاء الأخرى فإنها كيف تكون سبباً للغشي فاعلم أن الأعضاء الأخرى تكون سبباً للغشي إما لوجع يتصل منها بالقلب أو بخار سمي يرسل إلى القلب مثل ما يعرض ذلك في اختناق الرحم وأما لاستفراغ يقع فيها يحلل الروح من القلب مثل ضعف شديد في فم المعدة وإما لسبب يوجب خنق مجاري الروح فيما حول القلب أو لأمزجة فاسدة قوية رديئة تغلب عليها مثل ما يكون في الحميات المحرقة والوبائية وذلك مما يكون بشركة جميع الأعضاء.

واعلم أن الغشي المستحكم لا علاج له وخصوصاً إذا تأدى إلى اخضرار الوجه وانتكاش الرقبة فلا يكاد يستقل.

ومن بلغ أمره إلى هذا فإنه كما يشيل رأسه يموت.

واعلم أن من افتصد بالوجوب وغشي عليه لا لكثرة الاستفراغ ولا لعادة في المقصود معتادة ففي بدنه مرض أو في معدته ضعف لذاتها أو لانصباب شيء إليها.

والشيخ المحموم إذا انحلّ خامه إلى معدته أحدث غشياً.

والذي يغشى عليه في أول فصده فذلك لمفاجأة ما لم يعتد وكثيراً ما يعرض في البحارين غشي لانقباض المادة الحارة إلى المعدة وكثيراً ما يكون الفصد سبباً للغشي بالتبريد.

العلامات: العلامات الدالة على أسباب الغشي وأوجاعه مناصبة للعلامات المذكورة فإنها إذا كانت ضعيفة كانت للخفقان وإذا اشتدت كانت للغشي وإذا اشتدت أكثر كانت للموت فجأة والنبض أدل دليل عليه فيدل بانضغاطه مع ثبات القوة على مادة ضاغطة وباختلافه لشديد مع فترات وصغر عظيم على انحلال القوة وأما سائر دلائله على سائر الأحوال فقد عرفته.

وبالجملة فإن الغشي إذا لم يقع دفعة فإنه يصغر له النبض أولاً ثم يأخذ الدم بغيب إلى داخل فيحول اللون عن حاله ويكاد الجفن لا يستقل ويتبين في العين ضعف حركة وتغير لون ويتخايل للبصر خيالات خارجة عن الوجود وتبرد الأطراف وتظهر نداوة في البدن باردة.

وربما عرض غشي وربما برد جميع البدن فإذا ابتدأ شيء من هذه العلامات عقيب فصد أو إسهال أو مزاولة شيء لا بد من إيلامه فليمسك عنه وليزل السبب فقد تأدى إلى الغشي إن لم يقطع.

وإذا لم يكن للغشي سبب ظاهر بادٍ أو سابق وكان معه خفقان متواتر ولم يكن في المعدة سبب يوجبه وتكرر فهو قلبي ومستحكم.

وأما الذي مع غثيان وكرب فقد يكون معدياً وإذا توالى الغشي واشتد ولم يكن سبب ظاهر يوجبه فهو قلبي فصاحبه يموت فجأة.

المعالجات: القوي منه والكائن بسبب من سوء مزاج مستحكم فلا علاج له وما ليس كذلك بل هو أخفّ أو تابع لأسباب خارجة عن القلب فيعالج.

وصاحب الغشي قد يكون في الغشي وقد يكون فيما بين الغشي والإفاقة وقد يكون في نوبة الخف من الغشي.

فأما إذا كان في حال الغشي فليس دائماً يمكننا أن نشتغل بقطع السبب بل نحتاج أن يقابل العرض العارض بواجبه من العلاج.

وربما اجتمع لنا حاجتان متضادتان بحسب جزءين مختلفين فاحتجنا في الأعضاء إلى نقصان واستفراغ لما فيها من الأخلاط وفي الأرواح إلى زيادة في الغذاء نعش لما يعرض لها من التحلل.

وأكثر ما يعرض من الغشي فيجب فيه أن يبدأ ويشتغل بما يغذو الروح من الروائح العطرة إلا في اختناق الرحم والغشي الكائن منه فيجب أن تقرب من أنوفهم الروائح المنتنة وخصوصاً الملائمة مع ذلك لفم المعدة ولشمّ الخيار خاصية فيه مجربة وخصوصاً في علاج الحار الصفراوي وكذلك الخسّ ثم يعالج بالسقي والتجريع من ناعشات القوة.

وإذا كان هناك خواء وجوع فلا يجوز أن يقرب منهم الشراب الصرف بل يجب أن يخلط بماء اللحم الكثير أو يمزج بالماء وإلا فربما عرض منه الاختلاط والتشنج.

ومما لا بدّ منه في أكثر أنواع الغشي تكثيف البدن من خارجٍ لتحتقن الروح المتحلّلة اللهم إلا أن يكون إسهال قوي جداً أو يكون السبب برداً شديداً.

وإذا لم يكن هناك سبب من برد ظاهر يمنع رشّ الماء البارد والترويح وتجريع الماء البارد وماء الورد خاصة وإلباس الثياب المصندلة مع اشتمام الروائح الباردة وكثيراً ما يفيق بهذا فإن كان أقوى من هذا ولم يكن عقيب أمر محلل حار جداً فيجب أن ينفخ المسك في أنفه ويشمّم الغالية ويبخّر بالندّ ويجرع دواء المسك إن أمكن.

وإن كان السبب حرارة فاستعمال العطر البارد ورشّ الماء البارد على الوجه أولى ولا بأس أن يخلط المسك القليل بما يستعمل من ذلك مع غلبه من مثل الكافور والصندل وما هو أقوى في التبريد ليكون البارد بإزاء المزاج الحار المؤذي والمسك لتقوية الحار الغريزي وأن يجرّعوا الماء البارد وإن احتملت الحال أن يكون ممزوجاً بشراب مبرد رقيق لطيف فهو أجود.

وينبغي مع ذلك أن يدلك فم المعدة دَلَكاً متواتراً ويجب أن يكون مضجعه في هواء بارد وكذلك يجب أن يكون مضاجع جميع أصحاب الغشي إذا لم يكن من سبب بارد وخصوصاً غشي أصحاب الدقّ.

ويجب أن يدام تنطيل أطرافهم ونواحي أعضائهم الرئيسة بماء الورد والعصارة الباردة المعروفة ولا بدّ من شراب مبرّد يسقونه.

وإن كان هناك كفواق وغثيان فيجب أن تنعش حرارة العليل وتعان طبيعته بدغدغة الحلق بريشة وتهييج القيء وتحريك الروح إلى خارج ويجب أن يدام هزّه والتجليب عليه والصياح بأعظم ما يكون والتعطيس ولو بالكندس.

فإذا لم ينجع ذلك ولم يعطس فالمريض هالك ويجب خصوصاً في الغشي الاستفراغي أن تقرب منه روائح الأطعمة الشهية إلا أصحاب الغثيان والغشي الواقع بسبب خلط في فم المعدة فلا يجب أن يقرب ذلك منهم ويجب أن يسقوا الشراب ويجرّعوه إما مبرّداً وإما مسخّناً بحسب الحالين المعلومين ويكون الشراب أنفذ شيء وأرقّه وأطيبه طعماً مما به بقية قوّة قبض لا إن كانت تلك القوة قوية في الطراوة ليجمع الروح ويقوّيه.

ويجب أن لا يكون فيه مرارة قوية فتكرهه الطبيعة ولا غلظ فلا ينفذ بسرعة ويجب أن يكون لونه إلى الصفرة إلا أن يكون الغشي عن استفراغ وخصوصاً عن المسام لتخلخلها وغير ذلك فيستحبّ الشراب الأسود الغليظ فإنه أغذى وأميل بالأخلاط إلى ضدّ ما به يتحلل وأعود على الروح في قوامه.

وأما من لم يكن به هذا العذر فأوفق الشراب له أسرعه نفوذاً.

وأنت يمكنك أن تجرّبه بأن تذوق منه قليلاً فإذا رأيته نافذاً لتسخين بسرعة مع حسن قوام وطيب فذلك هو الموافق المطلوب.

وربما جعلنا فيه من المسك قريباً من حبتين أو من داء المسك بقدر الشربة أو نصفها أو ثلثها وذلك في الغشي الشديد وكذلك أقراص المسك المذكورة في القراباذين.

وأوفق الشراب في مثله المسخّن فيمن ليس غشيّه عن حرارة فإنه أنفذ.

وإذا قوّي بقوة من الخبز كان أبعد من أن ينعش.

ومما ينفعهم الميبة المخصوصة بالغشي المذكور في القراباذين.

وأحوج الناس إلى سقي الشراب المسخن أبطؤهم إفاقة فلا يجب أن يسقى هؤلاء البارد وكذلك من برد جميع بدنه وهؤلاء هم المحتاجون إلى الدلك وتمريخ الأطراف والمعدة بالأدهان الحارة العطرة.

وإن كان الغشي بسبب مادة فإن أمكن أن ينقص تلك المادة بقيء يرجى سهولته أو بحقنة أو بفصد فعل ذلك.

وإن كان بسبب استفراغ من الجهات الداخلة سجيت الأطراف ودلكت ومرّخت بالأدهان الحارة العطرة وربما احتيج إلى شدها وتحر في حبس كل استفراغ ما قيل في بابه ودبّر في نعش القوة بما علمت.

والذي يكون من هذا الباب عقيب الهيضة فيصلح لصاحبه أن يأخذ سكّ المسك في عصارة السفرجل بماء اللحم القوي في شراب.

وينفعه مضغ الكندر والطين النيسادبوري المربى بالكافور وإن كانت بسبب استفراغ من الجهات الخارجة كعرق وما يشبهه ضدّ ذلك وبرّدت الأطراف وفرّ على الجلد الآس وطين قيموليا وقشور الرمان وسائر القوابض ولم تحرّك المادة إلى خارج البتة ولا يستعمل مثل هذا الذرور في الغشي الاستفراغي من داخل بل يجب أن تقويّ القوة في كل استفراغ لا سيما بتقريب روائح الأغذية الشهية ونحوها مما ذكر وإن كان بسبب وجع بقدر ذلك الوجع وإن لم يكن قطع سببه كما يعالج القولنج بفلونيا وأشباهه.

وإن كان السبب السموم جرع البادزهرات المجرّبة ودواء المسك والأدوية المذكورة في كتاب السموم.

وأما إذا كان في الفترة وقد أفاق قليلاً فتدبيره أيضاً مثل التدبير الأول مع زيادة تتمكّن فيها في مثل هذه الحال ومثال ما يشتركان فيه أنه مثلاً يجب أن يجرع الأدوية النافعة بحسب حاله مما ذكر وعرف في باب الخفقان ويتعجل في ذلك.

والذي يتمكن فيه من الزيادة فمثل أنه إذا كان هناك امتلاء في فم المعدة اجتهد لينقى ذلك فإنه الشفاء وكذلك إن كان هناك امتلاء يجب أن يجوع ويقلل الغذاء ويراض الرياضة المحتملة لميله والدلك لجميع الأعضاء حتى المعدة والمثانة ولا يحمل الغذاء إلا الشرابي المذكور في حال وكثير من الأطباء الجهّال يحاولون تغذيته ظانين أن فيه صلاحه ونعش قوته فيخنقون حرارته الغريزية ويقتلونه.

وهؤلاء ينتفعون بالسكنجبين وخصوصاً إذا طبخ بما فيه تقطيع وتلطيف من الزوفا ونحوه.

فإن كان السبب سدّة في الأعضاء النفسية وما يليها جرع السكنجبين ودلك ساقاه وعضداه واشتغل في مثل هذا الدواء بإدرار بولهم ويسقون من الشراب ما رق وذلك إن كانت هناك حرارة.

وإن كان عن استفراغ وضعف جرع ماء اللحم المعطر ومصص الخبز المنقع في الشراب الريحاني العطر المخلوط به ماء الورد.

وربما انتفع بأن يسقى الدوغ مبرّداً وذلك إن كانت هناك مع الاستفراغ حرارة وكذلك ماء الحصرم.

وأفضل من ذلك رب حماض الأترج وقد جعل فيه ورقه.

وبالجملة من كان به مع غشيه كرب ملهب أو حدث عن تعرق شديد فيجب أن يعطى ما يعطى مبرّداً ولو الشيء الذي يلتمس فيه التسخين.

ومما ينفع أن يسقى ماء اللحم القوي الطبخ مخلوطاً بعشرة من الشراب الريحاني وشيء من صفرة البيض وشيء من عصارة التفاح الحلو أو المر والحامض بحسب ما يوجبه الحال فإن كنت تحذر عليه التسخين ولا تجسر على أن تسقيه الشراب سقيته الرائب المبرد مدوفاً فيه الخبز السميذ وأطعمته أصناف المصوص المعمول بربوب الفواكه فإن كان صاحب الغشي يجد برداً معه أو بعده أو عند سقي المبرّدات وخصوصاً في الأحشاء سقيته الفلافلي والفلفل نفسه والأفسنتين وربما سقي بالشراب فإذا أحوج العلاج إلى التنقية ووقعت الافاقة وجب أن تقوّى المعدة ويبتدأ في ذلك بمثل شراب الأفسنتين المطبوخ بالعسل ويستعمل الأضمدة المقويّة للمعدة المذكورة ويسقى الشراب الريحاني بعد ذلك ويغذى الغذاء المحمود.

وأما الكائن في ابتداء الحميات وبسبب الأورام فنذكر علاجه حيث نذكر علاج أعراض الحميات.

وبالجملة يجب أن يدلك أطرافهم وتسخّن وتشد لئلا تغوص القوة والمادة ويمنعوا أكل طعام وشراب ويهجروا النوم اللهم إلا أن يكون إنما يعرض في ابتدائها للضعف ومن كان من المغشي عليهم يحتاج إلى غذاء فيجب أن يعطى قبل النوبة بساعتين أو ثلاث وليكن الغذاء سويق الشعير مبرّداً وخبزاً مع مزورة ويستنشق الطيب.

وإن كان هناك اعتقال قدم من الغذاء ما يليّن مثل الاسفيذباجات ونحوها وشرب شراب التفاح مع السكنجبين نافع في مثله.

فإن كانت الحاجة إلى التغذية ملطّفة فمثل ماء اللحم وصفرة البيض والاحساء بلباب الخبز وماء اللحم وربما اضطرّ فيه إلى خلطه بشيء من الشراب.

وأما إن احتاج مع ذلك إلى تقوية المعدة فينبغي أن يخلط به الربوب والعصارات الفاكهية العطرة التي فيها قبض.

وأما في وقت النوبة فلا بدّ من الشراب.

وأما الغشيّ الكائن عن العوارض النفسانية المتدارك أيضاً بمثل ما قيل من الروائح الطيبة وسدّ الأنف والتقيئة ودلك الأطراف والمعدة والتغذية بماء اللحم فيه الكعك والشراب مبرداً أو مسخناً على ما تعرف مثل إن كان الغشي عن توالي قيء مرة صفراء وجب يكون الشراب ممزوجاً وكذلك غشي الوجع وسنذكر ما يخص القولنج في بابه.

والغشي الذي يعرض عقيب الفصد أكثره يعرض لأصحاب المعدة والعروق الضيقة والمعدة الضعيفة أو للأبدان التي يغلب عليها المرة الصفراوية ولمن لم يعتد الفصد فهؤلاء يجب أن يتقدم قبل الفصد فيسقوا شيئاً من الربوب المقوّية للمعدة والقلب.

وإذا وقعوا في الغشي فعل ما ذكر وسقوا شراباً ممزوجاً مبرداً يقوي معدتهم ويحفظها وخصوصاً مع عصارة أخرى ويجب أن يقول من رأس أنه قد يجتمع أن يفتقر العلاج في الغشي إلى قبض ليمنع الاستفراغات ويقوّي الأعضاء المسترخية المعينة على التحليل وأن يشد مثل فم المعدة فلا تقبل ما ينصت إليها وإلى قوة نافذة سريعة النفوذ للروح لتغدو الروح مثل الشراب وهما متمانعا الفعل فيجب أن تفرق بين حالتي استعمالهما فتستعمل القابض في وقت الإفاقة أو بعد أن استعملت الآخر مبادراً إلى نعش القوة وقد أثرت فيه ونعشت وتستعمل الثاني في وربما وقعت الحاجة إلى ما هو أقوى تغذية من الشراب وخصوصاً إذا كان الغشي عن جوع أو تحلل كثير وإذا كان الشراب الساذج إذا ورد على أبدانهم نكأ فيها وأورث اختلاطاً وتشنجاً فليس لهم مثل ماء اللحم المذكور مخلوطاً بالشراب وبعصارة التفاح إما الحامض وإما الحلو بحسب الأمرين.

وإذا لم يكن مانع فالأجود أن يجعل فيه مثل القرنفل والمسك فإن المعدة له أقبل وقوة المعدة به أشد انتباهاً والقلب له أجذب وربما احتجت أن تدوف الخبز السميذ فيما يجرعه إذا كان العهد بالغذاء بعيداً ودلك الأطراف وشدها.

وكذلك تهييج القيء نافع من كل غشي إلا إذا كان عن عرق ونحوه بما تتحرك له الروح إلى خارج فهذا إلى التسكين أحوج ولا ينبغي أن يحركوا أو يقيئوا أو يربطوا ومما يقيئهم الماء الفاتر بالدهن أو الزيت أو ممزوجاً بشراب ويجب أن تسخن المعدة وما يليها قبل ذلك والأطراف أيضاً ليسهل القيء.

ثم اعلم أن علك الأطراف وتسخينها وتعطيرها بالمروخات وتعطير فم المعدة بالمروخات الطيبة مثل دهن الناردين وبالمسخنات مثل الخردل والعاقرقرحا موافق جداً إن كان إغشاؤه من استفراغ لحم أو خلط أو امتلاء بل لأكثر من يغشى عليه إذا لم يكن منه حركة الأخلاط إلى خارج.

ويجب أن تعصب سوقهم وأعضادهم مراراً متوالية وتحل ويدبر ذلك بما يوجبه مقابلة جهة الاستفراغ.

وهؤلاء ينتفعون بشد الآباط ورشق الماء البارد ودلك فم المعدة وكذلك كل غشي يكون عن استفراغ وبالشراب الممزوج إلا أن يمنع مانع عن الشراب مثل ورم أو خلط غير نضيج أو اختلاف أو صداع.

ومن عظمت الحاجة فيه إلى التقوية سقيته الشراب أيضاً ولم تبال وذلك في الغشي الصعب والحمام موافق لمن يصيبه غشي من الذرب والهيضة وإن اعترى الغشي لنزف الدم فهو ضار جداً وكذلك إن اعتراه للعرق الكثير.

والحمام موافق أيضاً لمن يجد من المفيقين تلهباً في فم المعدة.

وأما إنه كان لضعف فم المعدة فيجب أن يستعمل الأضمدة القوية مثل ما يتخذ من المصطكي والسفرجل والصندل والزعفران والسوسن وكذلك الضماد المتخذ بالشراب والمسك والسوسن بالشراب على أنه ينتفع جداً بدلك الأطراف وشدها.

والغشي الكائن من الجوع ربما سكنه وزن درهم خبزاً وغشي اليبس أو يبس الطبيعة يجب أن تتلقى نوبته بلقم خبز في ماء الرمان أو شراب التفاح وربما احتيج في الأمراض الحمرة بسبب الغشي إلى سقي شراب وصلحه التفه وأصحاب الغشي يكلفون السهر وترك الكلام.

هذا أكثر ما يعرض حيث لا يكون وجع ولا إسهال ولا ورم عظيم ولا استفراغ عظيم وإنما يكون لأخلاط مالئة وفي الأقل ما تكون تلك الأخلاط دموية فإن الدم ما لم يحدث أولاً أعراضاً أخرى لم يتأذ حاله إلى أن يحدث سقوط القوة بغتة وأما الغالب فهو أن يكون السبب أخلاطاً غليظة في المعدة أو في العروق تسد مجاري النفس.

واعلم أن سقوط القوة تبلغ الغشي وقد تكون عونه الغشي حيث تكون القوة إنما بطلت عن العصب والعضل فخليا عنها فصار الإنسان لا حراك به ولا يزول عن نصبته وضجعته إلا بجهد.

وسبب ذلك بعض ما ذكرناه فإنه إذا اشتد أسقط القوة بالتمام وإن لم يشتد أسقط القوة من العصب والعضل.

وقد يكون كثيراً لرقة الأخلاط في جوهرها وقبولها للتحلّل وخصوصاً في الحميات.

وهؤلاء ربما كانت أفعالهم السياسية غير مؤفة وإن كانت غير محتملة إذا كثرت وتكررت.

المعالجات: علاج هؤلاء قريب من علاج أصحاب الغشي فما كان من الامتلاء الدموي فعلاجه الفصد وما كان بسبب خلط آخر من الأخلاط الغليظة فيجب أن يواتر صاحبه في حمال الإفاقة الاستفراغ بمثل الايارجات وربما اقتنع بأيارج فيقرا مر كبابة تربد وملح هندي وغاريقون وربما أعينت بمثل السقمونيا فإن السقمونيا مما يعمل الأدوية الأخرى.

ويجب أن يستعمل فيه القيء بعد الإسهال ويدام تناول مقويات القلب ويشممها ودلك الأطراف مما ينعش الحار الغريزي على ما تكرر ذكره ويستعمل بعد ذلك رياضة معتدلة.

وأما الغذاء فليكن بما لطف وقطع مثل ماء الحمص بالخردل ودهن الزيت ودهن اللوز ويستعمل من الشراب الرقيق العتيق ويستعمل الحمّام بعد الاستفراغ ويتمسح بالأدهان المنعشة الحار الغريزي الملطفة ثم يستعمل بعد الحمام الشراب الصرف وشراب العسل وشراب الأفسنتين وما يشبه ذلك.

فإذا أخذ ينتعش فيجب أن يدبر بالغذاء المقوي السريع الهضم وأنت تعلم ذلك مما ذكر.

واعلم أن القوة تزداد بالغذاء والشراب للموافقين وبالطيب والدعة والسرور والبراءة من الأحزان والمضجرات واستجداد الأمور الحبيبة ومعاشرة الأحباء.

فصل في الورم الحار في القلب

أما إذا صار الورم ورما فقد قتل أو يقتل وأما قبل ذلك فإذا ظهر الخفقان العظيم والالتهاب الشديد بالعلامات المذكورة فإنه على شرف هلاك فإن أنجاه شيء ففصد الباسليق وربما طمع في معافاته يفصد شريان من أسافل البدن وتبريد صدره بالثلج والصندل والكافور

الفن الثاني عشر الثدي وأحواله

فصل في تشريح الثدي

نقول الثدي عضو خلق لتكوين اللبن ليغتذي منه المولود في عنفوان مولده إلى أن يستحكم وتنمو قوته ويصلح لهضم الغذاء القويّ الكثيف وهو جسم مركب من عروق وشرايين وعصب يحشو خلل ما بينهما لحم غددي لا حس له أبيض اللون ولبياضه إذا تشبه الدم به أبيضّ ما يغذوه وابيض ما ينفصل عنه لبناً وقياسه إلى اللبن المتولّد من الدم قياس الكبد إلى الدم المتولّد من الكيموس في أن كُل واحد يحيل الرطوبة إلى مشابهته في الطبع واللون.فالكبد يحمِّر الكيموس الأبيض دماً والثدي يبيض الدم الأحمر لبناً والعروق والشرايين والعصب المبثوثة في جوهر الثدي تتشعب فيه إلى آخر الثقبة ويكون لها فيه التفافات واستدارات كثيرة وأما مشاركة الثدي الرحم في عروق تشنّج بينهما فأمر قد وقفت معه خصوصاً من التشريح تشريح العروق.

فصل في تغزير اللبن

اعلم أن اللبن يكثر مع كثرة الدم الجيد وإذا قل فسببه بعض أسباب قلة الدم أو فقدان جودته.

والسبب في قلة الدم إما من جهة المادة وإما من جهة المزاج.

والذي يكون سبب المادة فأن يكون الغذاء قليلاً أو يكون مضاداً لتولد الدم عنه ليبسه وبرده المفرط أو يكون قد انصرف إلى جهة أخرى من نزف أو ورم أو غير ذلك.

وأما من جهة المزاج فأن يكون البدن أو الثدي مجففاً للرطوبة أو يكون مليناً لها فلا يتولد عنها الدم لفرط مائيتها وبعدها عن الاعتدال الصالح للدموية أو غير ذلك.

وأما السبب الذي يفقد به جودة الدمّ ويفسد ما يتولد منه فلا يكون صالحاً لأن يتولد منه دم اللبن إذا كان اللبن إنما يتولّد من الدم الجيد فهو غلبة أحد الأخلاط الثلاثة الصفراء أو البلغم أو السوداء.

ونتبين الصفراء في صفرة لون اللبن ورقته وجذبه.

والبلغم في شدة بياضه وميله إلى الحموضة في ريحه وطعمه.

والسوداء في شدة ثخته وقلته وكثرة قوته ولا يبعد أن يكون الدم لشدّة كثرته يستعصي على فعل الطبيعة فلا ينفعل عنها ويعرض للطبيعة العجز عن إحالته لضغطه إياها وهذا مما لا تخفى علاماته.

وقد يعرض من جفاف المني واللبن أن يخرجا كالحيط فيجعل الدم وإن غزر غير محمود الجوهر ولا صالحاً لأن يتولد منه اللبن الغزير ويكون الذي يتوّلد منه من اللبن غير محمود وإذ قد عرفت السبب فأنت بصير بوجه قطعه.

واعلم أنه كل ما غَزَّر المني فإنه يغزر في أكثر الأبدان اللبن مثل التودرين وبزر الخشخاش وضرع الماعز والضأن ونحوه كما أن كل ما يجفف المني ويقلّله ويمنع تولّده فإنه يقلّل اللبن أيضاً مثل الشهدانج.

وإذا كان السبب في قلة اللبن قلة الغذاء كثرت الغذاء ورفهت فيه وجعلته من جنس الحار الرطب المحمود الكيموس.

وإذا كان السبب فساد الغذاء أصلحته ورددته إلى الجنس المذكور.

وإذا كان السبب كثرة الرياضة قلّلت منها ورفّهت وإن كان السبب قلة الدم لنزف ونحوه حبسته إن كان منزفه في الأسافل إلى الأعالي.

وإن كان منزفه في الأعالي جذبته إلى الأسافل.

وأما إن كان سببه فساد مزاج ساذج جعلت الأغذية مقابلة لذلك المزاج مع كونها غزيرة الكيموس.

وإن كان السبب خلطاً فاسداً غالباً استفرغته بما يجب في كل خلط وجعلت غذاء الصفراوية المزاج من النساء بما يميل إلى برد ورطوبة.

ومما ينفعهن ماء الشعير بالجلاب وأيضاً بزر الخيار حقنة وبزر القثاء وتناول الأدمغة وشرب لبن البقر والماعز والسمك الرضراضي ولحم الجدي والدجاج المسمّنة والاحساء المتخذة من كشك الشعير باللبن ومرق الخبازي البستاني وجعلت تدبير البلغمية المزاج بالأغذية والأدوية التي فيها تسخين في الأولى إلى الثانية مع ترطيب أو قلة تجفيف.

ومن هذا القبيل الجزر والجرجير والرازيانج والشبث والكرفس الرطب والسمرنيون وخاصة الرطب دون اليابس فإنه مجفف مسخن والحسو المتخذ من دقيق الحنطة مع الحلبة والرازيانج.

وإذا كان اللبن يخرج متخيطاً لغلظه ويبسه فالعلاج التنطيل بما يرطب جداً وتناول المرطبات وكذلك في المني وقصرت تدبير السوداوية المزاج على الأدوية والأغذية التي فيها فضل تسخين قريب مما ذكرنا وترطيب بالغ وتتعرف أيضاً جنس السوداء الغالب وتدبّر بحسبه.

ومن الأدوية المعتدلة المغزرة للبن أن يؤخذ من سلى النخل ثلاثون درهماً ومن ورق الرازيانج عشرون درهماً ومن الرطبة خمسة عشر درهماً ومن الحنطة المهروسة خمسة وعشرون درهماً ومن الحمص المقشر ومن الشعير الأبيض المرضوض كل واحد ثمانية عشرة دراهماً ومن التين الكبار عشر عدداً يغلي في ثلاثين رطلاً من الماء إلى أن يعود إلى ثمانية أرطال فما دونه.

والشربة خمس أواق مع نصف أوقية دهن اللوز الحلو وأوقية ونصف سكر سليماني والسمك المالح مما يغزر اللبن.

ومن الأدوية المغررة اللبن أن يؤخذ طحين السمسم ويمرس في شراب صرف ويصفى ويشرب مصفاه ويضمد الثدي بثقله وأيضاً يؤخذ من جوف الباذنجان قدر نصف قفيز ويسلق في الماء سلقاً شديداً مهرياً ثم يترس مرساً شديداً ويصفّى ويؤخذ من مصفاه ويجعل عليه أوقية من السمن ويشرب أو يؤخذ نقيع الحمص ويشرب على الريق أياماً وخصوصاً نقعه في اللبن وماء الشعير مع العسل أو الجلاب أو يؤخذ بزر الرطبة جزء الجلّنار جزءان والشربة منه قمحة في ماء حار أو يشرب من حب البان وزن درهمين بشراب.

ومن الأدوية الجيدة أن يؤخذ من سمن البقر أوقية ومن الشراب قدح كبير ويسقى على الريق قضبان الشقائق وورقه مطبوخاً مع حشيش الشعير حسواً أو يؤخذ الفجل والنخالة ويغليان في الشراب ويصفى ذلك الشراب ويشرب.

أو يؤخذ بزر الخشخاش المقلو مع السويق أجزاء سواء بسكنجبين أو ميبختج بعد أن ينقع في أيهما كان ثلاثة أيام فذلك أجود ويسقى الشونيز بماء العسل أو يؤخذ من بزر الشبث وبزر الكراث وبزر الحندقوقي من كل واحد أوقية ومن بزر الحلبة وبزر الرطبة أجزاء سواء يخلط بعصارة الرازيانج ويشرب وإن مزج بعسل وسمن فهو أفضل.

فصل في تقليل اللبن ومنع الدرور المفرط

إن اللبن إذا أفرطت كثرته آلم وورم وجلب أمراضاً وقد يجتمع اللبن في الثدي من غير حبل وخصوصاً إذا احتبس الطمث فانصرفت المادة التي لا تجد قوة اندفاع من الرحم لقلتها وحصلت في الضرع فصارت لبناً.

وربما اجتمع اللبن في أثداء الرجال وخصوصاً المراهقين حين يفلّك ثديهم.

وقد علمت مما سلف ذكره أسباب قلة اللبن والعمدة فيها كل ما يجفف شديداً بنشفه أو شدة تحليله وتسخينه وجميع ما يبرّد أيضاً والمرطبات الشديدة الترطيب المائي أيضاً تقلّل الدم من المبلغمين وجميع الأدوية المقللة للمني مقللة للبن.

أما الباردة منها فمثل بزر الخسّ والعدس والطفشيل.

ومن الأطلية عصارة شجرة البزرقطونا ولعابه والخسّ ونحوه ودقيق الباقلا بدهن الورد والخلّ.

وأما الحارة فمثل السذاب وبزره وخصوصاً السذاب الجبلي.

ومثل الفنجنكشت وبزره والشربة البالغة إلى درهمين والأصحّ من أمر الباذروج أنه مقلّل من اللبن وإن قال بعضهم أنه يغزر اللبن.

والكمون خاصة الجبلي مجفف للبن أيضاً.

وأيضاً إن طلي به بالخلّ.

ومن الأطلية الحارة الأشق بالشراب ومما جرّب في هذا المعنى طلاء جيد يؤخذ أصول الكرنب فيدقّ ويعجن ويضمَّد به.

أو دقيق العدس والباقلى والزعفران والكوز كندم والملح يطلى بماء الورد.

وأيضاً يطلى بعصارة الحلبة أو بالكّ والمرتك ودهن الورد.

ومما يجري مجرى الخاصية أن يطلى الثدي بالسرطان البحري المسحوق أو بالسرطان النهري المحرق.

فصل في اللبن المحرق المتجبّن في الثدي

إن اللبن يتجبن في الثدي لحرارة مجففة وقد يتجبن لبرودة مجمّدة.

وأنت تعلم مما سلف ذكره لك علامة كل واحد من الأمرين.

والأدوية المائعة من التجبّن الطلاء بالشمع في بعض الأدهان اللطيفة مثل دهن الخيري ودهن النعناع ونحوه.

والطلاء بالنعناع المدقوق المختص والطلاء على الحار بقيروطي من اللعابات الباردة والأدهان الباردة والشمع المصفّى والكرنب والرطبة والبقلة الحمقاء شديدة في النفع من ذلك ضماداً.ومن الأدوية المحللة للتجبّن الحار خلّ خمر مضروباً بدهن مسخّن يطلى به أو ورق عنب الثعلب مدقوقاً يضمّد به أو ورق الكاكنج وورق عنب وورق الكرنب أو عصاراتها وخصوصاً إذا خلط بها مر وزعفران وأيضاً خل خمر ودهن بنفسج وقليل حلبة يتخذ منه طلاء.

ومن الأدوية المحللة للتجبّن البارد دوام التنطيل بماء ويمنع منه طبخ الرازيانج وتناول بزر الرازيانج والشبث وجميع الأدوية التي تدر اللبن مما طبخ فيه البابونج والشبث والنمام والحلبة والقيسوم والجندبيدستر.

ومن الأدهان دهن السوسن ودهن النرجس أو دهن القسط.

ومن الأدوية المعتدلة الجيدة أن يؤخذ الخبز الواري ودقيق الشعير والجرجير والحلبة والخطمي وبزر الكتان المدقوق حفنة حفنة ويتخذ منه ضماد.

ومما ينفع التورّم بعد التجبن أن يوضع عليه إسفنج مغموس في ماء وخلّ فاترين أو تمر مع خبز يجمع بماء وخل والنعناع بالخلّ والخمر جيد والمرقشيثا المسحوق كالغبار بدهن الورد وبياض البيض.

ومما ينفع تفتح سدة اللبن في الثدي أن يطلى بالخراطين أو ماء المر بماء الفوتنج والأنيسون ودقيق الحمص وورق الغار وبزر الكرفس والكمّون النبطي والقاقلة بماء عصا الراعي وكذلك ماء السلق والحنطة والشونيز وأيضاً الكندر بمرارة الثور أو يؤخذ عسل اللبني ويخلط بدهن البنفسج ويمسح به الثدي فيحل التجبن والورم ويحسى ماء الكرنب فإنه نافع في ذلك.

فصل في جمود اللبن في الثدي وعفونته

والامتداد الذي يعرض له والمرض الذي يصيبه

علاج ذلك أن يؤخذ السلق ويطبخ حتى يتهرّى ثم يجمع لباب الخبز ودقيق الباقلا ودهن الشيرج أو يضمد بالخبز وحشيشة تسمى بردنقياس الرطبة مع الشمع ودهن الورد أو خبز وماء وزيت مع عسل أو سمسم أو شراب أو ميبختج يكرر التضميد بأيها كان في اليوم مرتين أو ثلاثة.

وكذلك السمسم مع عسل وسمن وعسل فإن خلط به الخشكار أو دقيق الباقلا كان نافعاً.

والتكميد بالماء الحار وإكباب الثدي على بخاره وخصوصاً إذا طبخ به بزر كتان وحلبة وخطمي وبزورها وبابونج.

والتنطيل بها أيضاً نافع لمن لم يحتمل الضمّادات فإن عرض ذلك مع رض انتفع بهذا الضماد.

ونسخته: ماش وعجم الزبيب فيدقان ويعجنان بماء السرو وماء الأثل وإذا تجبن الدم في الثدي فليدم تمريخه بدهن البنفسج ثم يصبّ عليه ماء حار ثم يضمد بالأضمدة المذكورة في أول الباب فإنه نافع.

فصل في أورام الثدي الحارة وأوجاع الثندوة

أما في ابتدائه فاستعمال الرادعات المعروفة وهو العلاج وليخلط بها قليل ملطّفات وذلك مثل التكميد بخل خمر مع ماء حار أو قليل دهن ورد ودقيق الباقلا بالسكنجبين وورق عنب الثعلب بدهن ورد فإذا جاوز الابتداء قليلاً فليعالج بأضمدة ذكرت في باب الامتداد وجمود الدم.

ومما هو جيد بالغ النفع دواء بهذه الصفة.ونسخته: أن يؤخذ دقيق الباقلا وإكليل الملك مسحوقين ودهن السمسم يتخذ منه طلاء بماء عذب.

وأيضاً يؤخذ خبز مدقوق ودقيق الشعير والباقلا والحلبة والخطمي ومح البيض والزعفران والمرّ يضمّد به.

وأيضاً يتخذ طلاء من بزر الكتان المدقوق بالخل وكثيراً ما ينحل البرسام إلى ورم في الثندوة فيكون موضع أن يخاف ذات الجنب فاحتل أن تجمع ببزرقطونا وضعاً على رأس الورم دون حواليه وتضع حوالي أسفله الرواح ولا تكمد في أول الوجع فتحلل الرقيق ويبقى الغليظ فهو خطأ وإذا وِجعت الحلمة فليفصد ولينطل بمثل الصندل والأقاقيا حتى لا يحدث السرطان. فصل في أورام الثدي الباردة البلغمية

فصل في صلابة الثدي والسلع والغدد فيه

وما يعرض من تكعب عظيم عند المراهقة

فإن مال الورم الظاهر بالثدي إلى الصلابة فما ينفع في الابتداء أن يضمد بأرز منقع في شراب أو يمرخ بقيروطي من دهن البنفسج وصفرة البيض وكثيرا فإن كان الورم صلباً طلي بقيروطي من الشمع ودهن الورد والقطران وماء الكافور وربما جعلوا فيه مرارة الثور وقد يعالج بورق العفص وربما جعلوا دردي المطبوخ العتيق أو دردي المطبوخ العتيق أو درديّ الخل يطلى به.

وأما السلع والغمد فيه فأجود دواء له أن يؤخذ ورق الخوخ الرطب وورق السذاب الرطب يدقان جميعاً ويضمد بهما.

وإن كان ذلك بقية عن تكعب المراهقة أو كان حادثاً بعد ذلك وعاصياً عن تحليل الأدوية فمن الواجب أن تبط حتى يبلغ الشحمة ثم يخرج وتخيط.

فصل في دبيلة الثدي

وإذا عرض في الثدي ورم جامع فمن الأدوية الجيدة في إنضاجها أن يؤخذ بزر الكتان وسمسم وأصل السوسن والميعة وبعر المعز وزبل الحمام والنطرون والريتيانج أجزاء سواء وعلى حسب ما توجبه المشاهدة لطوخ بالسيرج ودهن الخيري ومخ ساق البقر.

وإن شئت جعلت فيه المبيختج وإن احتجت إلى بط فعلت حسب ما تعلم.

يؤخذ النبيذ العفص وزن عشرين رطلاً ويجعل فيه من سماق الدباغين رطل ومن العفص غير النضيج نصف رطل ومن السليخة نصف رطل ومن جوز السرو رطل ينقع ذلك في الشراب ويترك عشرين يوماً ثم يطبخ ويساط بخشب من السرو حتى يذهب النصف ثم يمرس بقوة ويصفى ويعاد على النار حتى يثخن ولتكن النار لينة جداً ويحفظ في زجاجة.وهذا جيد لجميع القروح التي تعرض في الأعضاء الرخوة كالفمّ واللسان وغير ذلك ويمنع من الأكال ويصلحه.

فصل فيما يحفظ الثدي صغيراً ومكسراً

ويمنعه عن أن يسقط

ويمنع أيضاً الخصي من الصبيان أن تكبر من أرادت منهن أن تحفظ ثديها مكسراً قللت دخول الحمام وكذلك الصبيان وهذا الدواء الذي نحن واصفوه جيد في ذلك المعنى.

ونسخته: أن يؤخذ من الاسفيداج وطين قيموليا من كل واحد درهمان يعجن بماء بزر البنج ويخلط بشيء من دهن المصطكي ويطلى به ويدام عليه خرقة كتان مغموسة بماء عفص مبرد وخصوصاً إذا كان مسترخياً.

وأيضاً مجربة النساء طين حر وعسل وإن جعل فيه أفيون وخبز بخل كان أقوى في ذلك وهذا الدواء الذي نحن واصفوه مما جرب.

ونسخته: أن يؤخذ من الطين الحر وزن عشرين درهماً ومن الشوكران وزن درهمين يتخذ منه طلاء بالخل.

أخرى: يؤخذ طين شاموس وأقاقيا وأسفيداج يطلى بعصارة شجرة البنج أو يؤخذ كندر وودع ودقيق الشعير يعجن بخل ثقيف جداً ويطلى به الثدي ثلاثة أيام.

أو يؤخذ: بيض القبج والزنجار والميعة والقليميا ويطلى بماء بزرقطونا أو يطلى بحشيش الشوكران كما هو يدق ويجمع بالخل ويترك ثلاثة أيام وإذا أراد أن يجف جعل عليه إسفنجة مغموسة في ماء وخل.

أخرى: يؤخذ عصارة الطراثيث وقشور الرمان ورصاص محرق بالكبريت من كل واحد ثلاثة دراهم شب يماني وأسفيداج الرصاص وعدس محرق من كل واحد درهم حلزون محرق قيسوم من كل واحد ثلاثة دراهم يعجن بماء لسان الحمل ويطلى أو يؤخذ كمون مع أصل السوسن وعسل وماء ويترك على الثدي ثلاثة أيام أو يؤخذ أشف وشوكران ويجعل عليه ثلاثة أيام أو شوكران وحده تسعة أيام.

ومن الدعاوي المذكورة في هذا الباب أن يطلى بدم مذاكير الخنزير أو دم القنفذ أو دم السلحفاة فيما يقال أو يؤخذ زيت وشب مسحوق مثل الكحل ويجعل في هاون من الأسرب حتى ينحل فيه الرصاص ويدام التمريخ به وكذلك الطين الحرّ والعفص الفج يجمع بعسل ويطلى به الثدي وقشر الكندر وقشر الرمان مدقوقين يطلى بالخل.