الرئيسيةبحث

الفصل في الملل والأهواء والنحل/الجزء الثاني

الفصل في الملل والأهواء والنحل


الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو محمد وأما الإنجيل وكتب النصارى فنحن إن شاء الله تعالى موردون من الكذب المنصوص في أناجيلهم ومن التناقض الذي فيها أمراً لا يشك كل من رأه في أنهم لا عقول لهم وأنهم مخذولون جملة وأما فساد دينهم فلا إشكال فيه على من له مسكة عقل ولسنا نحتاج إلى تكلف برهان في أن الأناجيل وسائر كتب النصارى ليست من عند الله عز وجل ولا من عند المسيح عليه السلام كما احتجنا إلى ذلك في التوراة والكتب المنسوبة إلى الأنبياء عليهم السلام التي عند اليهود لأن جمهور اليهود يزعمون أن التوراة التي بأيديهم منزلة من عند الله عز وجل على موسى عليه السلام فاحتجنا إلى إقامة البرهان على بطلان دعواهم في ذلك وأما النصارى فقد كفونا هذه المؤنة كلها لأنهم لا يدعون أن الأناجيل منزلة من عند الله على المسيح ولا أن المسيح أتاهم بها بل كلهم أولهم عن آخرهم ريوسيهم ومليكهم ونسطوريهم ويعقوبهم ومارونيهم وبولقانيهم لا يختلفون من أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة فأولها تاريخ ألفه متى اللاواني تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح عليه السلام وكتبه بالعبرانية في بلد يهوذا بالشام يكون نحو ثمان وعشرين ورقة بخط متوسط والآخر تاريخ ألفه مارقش الهاروني تلميذ شمعون الصفا بن توما المسمى باطرة بعد اثنين وعشرين عاماً من رفع المسيح عليه السلام وكتبه باليونانية في بلد أنطاكية من بلاد الروم ويقولون أن شمعون المذكور هو ألفه ثم محى اسمه من أوله ونسبه إلى تلميذه مارقش يكون أربعاً وعشرين ورقة بخط متوسط وشمعون المذكور تلميذ المسيح. والثالث تاريخ ألفه لوقا الطبيب الأنطاكي تلميذ شمعون باطرة أيضاً كتبه باليونانية في بلد أقاية بعد تأليف مارقش المذكور يكون من قدر إنجيل متى. والرابع تاريخ ألفه يوحنا ابن سيذاي من تلميذ المسيح بعد رفع المسيح ببضع وستين سنة وكتبه باليونانية في بلد اشينية يكون أربعاً وعشرين ورقة بخط متوسط ويوحنا هذا نفسه هو ترجم إنجيل متى صاحبه من العبرانية إلى اليونانية ثم ليس للنصارى كتاب قديم يعظمونه بعد الأناجيل الأربعة إلا الافركسيس وهو كتاب ألفه لوقا الطبيب المذكور في أخبار الحواريين وأخبار صاحبه بولس البنياميني وسيرهم وقتلهم يكون نحو خمسين ورقة بخط مجموعة وكتاب الوحي والإعلان ألفه يوحنا ابن سيذاي المذكورو هو كتاب في غاية السخف والركاكة ذكر فيه ما رآه في الأحلام وإذ أسري به وخرافات باردة والرسائل القانونية وهي سبع رسائل فقط منها ثلاث رسائل ليوحنا ابن سيذاي المذكور ورسالتان لباطرة شمعون المذكور ورسالة واحدة ليعقوب ابن يوسف النجار والأخرى لأخيه يهوذا ابن يوسف تكون كل رسالة من ورقة إلى ورقتين في غاية البرد والغثاثة ورسائل بولس تلميذ شمعون باطرة وهي خمس عشرة رسالة تكون كلها نحو أربعين ورقة مملوءة حمقاً ورعونة وكفراً ثم كل كتاب لهم بعد ذلك فلا خلاف بينهم في أنه تأليف المتأخرين من أساقفتهم وبطارقتهم كمجامع البطارقة والأساقفة الكبار الستة وسائر مجامعهم الصغار وفقههم في أحكامهم الذي عمله ركديد الملك وبه يعمل نصارى الأندلس ثم لسائر النصارى أحكام أيضاً عملها لهم من شاء الله أن يعملها من أساقفتهم لا يختلفون في هذا كله أنه كما قلنا ثم أخبار شهدائهم فقط فجميع نقل النصارى أوله عن آخره حيث كانوا فهو راجع إلى الثلاثة الذي سمينا فقط وهم بولس ومارقش ولوقا وهؤلاء الثلاثة لا ينقلون إلا عن خمسة فقط وهم باطرة ومتى ويوحنا ويعقوب ويهوذا ولا مزيد وكل هؤلاء فأكذب البرية وأخبثهم على ما نبين بعد ذلك إن شاء الله تعالى على أن بولس حكى في الافركسيس وفي إحدى رسائله أنه لم يبق مع باطرة إلا خمسة عشر يوماً ثم لقيه مرة أخرى بقي معه أيضاً يسيراً ثم لقيه الثالثة فأخذا جميعاً وصلبا إلى لعنة الله إلا أن الأناجيل الأربعة والكتب التي ذكرنا أن عليها معتمدهم فإنها عند جميع فرق النصارى في شرق الأرض وغربها على نسخة واحدة ورتبة واحدة لا يمكن أحد أن يزيد فيها كلمة واحدة ولا ينقص منها أخرى إلا افتضح عند جميع النصارى مبلغة كما هي إلى مارقش ولوقا ويوحنا لأن يوحنا هو الذي نقل إنجيل متى عن متى ورسائل بولس مبلغة كذلك إلى بولس واعلموا أن أمر النصارى أضعف من أمر اليهود بكثير لأن اليهود كانت لهم مملكة وجمع عظيم مع موسى عليه السلام وبعده وكان فيهم أنبياء كثير ظاهرون آمرون مطاعون كموسى ويوشع وشموال وداود وسليمان عليهم السلام وإنما دخلت الداخلة في التوراة بعد سليمان عليه السلام إذ ظهر فيهم الكفر وعبادة الأوثان وقتل الأنبياء وحرق التوراة ونهب البيت مرة بعد مرة فاتصل كفر جميعهم إلى أن تلفت دولتهم على ذلك وأما النصارى فلا خلاف بين أحد منهم ولا من غيرهم في أنه لم يؤمن بالمسيح في حياته إلا مائة وعشرون رجلاً فقط هكذا في الافركسيس ونسوة منهم امرأة وكيل هردوس وغيرها كن ينفقن عليه أموالهن هكذا في نص إنجيلهم وإن كل من آمن به فإنهم كانوا مستترين مخافين في حياته وبعده يدعون إلى دينه سراً ولا يكشف أحد منهم وجهه إلى الدعاء إلى ملته ولا يظهر دينه وكل من ظفر به منهم قتل إما بالحجارة كما قتل يعقوب ابن يوسف النجار واشطيبن الذي يسمونه بكر الشهداء وغيره وإما صلب كما صلب باطرة وأندرياس أخوه وشمعون أخو يوسف النجار وفليش وبولس وغيرهما أو قتلوا بالسيف كما قتل يعقوب أخو يوحنا وطومار وبرتلوما ويهوذا بن يوسف النجار ومتى أو بالسم كما قتل يوحنا ابن سيذاي فبقوا على هذه الحالة لا يظهرون البتة ولا لهم مكان يأمنون فيه مدة ثلاثماية سنة بعد رفع المسيح عليه السلام وفي خلال ذلك ذهب الإنجيل المنزل من عند الله عز وجل إلا فصولاً يسيراً أبقاها الله تعالى حجة عليهم وخزياً لهم فكانوا كما ذكرنا إلى أن تنصر قسطنطين الملك فمن حينئذ ظهر النصارى وكشفوا دينهم واجتمعوا وكان سبب تنصره أن أمه هلاني كانت بنت نصراني فعشقها أبوه وتزوجها فولدت له قسطنطين فربته على النصرانية سراً فلما مات أبوه وولي هو أظهر النصرانية بعد أعوام كثيرة من ولايته ومع ذلك فما قدر على إظهارها حتى رحل عن رومية مسيرة شهراً إلى القسطنطينية وبناها ومع ذلك فإنما كان أريوسياً هو وابنه بعده يقولان إن المسيح عبد مخلوق نبي لله تعالى فقط وكل دين كان هكذا فمحال أن يصح فيه نقل متصل لكثرة الدواخل الواقعة فيما لا يؤخذ إلا سراً تحت السيف لا يقدر أهله على حمايته ولا على المنع من تبديله ثم لما ظهر دينهم تنصر قسطنطين كما ذكرنا فشا فيهم دخول المنانية بغتة وكان فيهم غير منانية مدلسون عليهم فأمكنهم بهذا أن يدخلوهم من الضلال فيما أحبوا ولا تمكنوا البتة أن ينقل أحد عن شمعون باطرة ولا عن يوحنا ولا عن متى ولا عن مارقش ولا عن لوقا ولا عن بولس آية ظاهرة ولا معجزة باهرة لما ذكرنا من أنهم كانوا مستترين مختفين مظاهرين بدين اليهود من التزام السبت وغيره طول حياتهم إلى أن ظفر بهم فقتلوا فكلما تضيفه النصارى إلى هؤلاء من المعجزات فأكذوبات موضوعة لا يعجز عن ادعاء مثلها أحد كالذي تدعي اليهود لأحبارهم ورؤس مثانيهم وكالذي تدعيه المنانية لماني سواء بسواء وكالذي تدعيه الروافض لمن يعظمون وكالذي تدعيه طوائف من المسلمين لقوم صالحين كإبراهيم ابن أدهم وأبي مسلم الخولاني وشيبان الراعي وغيرهم وكل هذا كذب وإفك وتوليد لأن كل من ذكرنا فإنما نقله راجع إلى من لا يدري ولا يقوم بكلامه حجة ولا صح برهان سمعي ولا عقلي بصدقه وهكذا كان أصحاب ماني مع ماني إلا أنه ظهر نحو ثلاثة أشهر إذ مكر به بهرام بن بهرام الملك وأوهمه أنه قد آمن به حتى ظفر بجميع أصحابه فصلب ماني وصلبهم كلهم إلى لعنة الله فكل معجزة لم تنقل نقلاً يوجب العلم الضروري كافة عن كافة حتى يبلغ إلى المشاهدة فالحجة لا يقوم بها على أحد ولا يعجز عن توليدها من لا يقوم له.

قال أبو محمد معتمد النصارى كله الذي لا معتمد لهم غيره من قولهم بالتثليث وأن المسيح إله وابن الله واتحاد اللاهوتية بالناسوتية والتحامه به إنما هو كله على أناجيلهم وعلى ألفاظ تعلقوا بها مما في كتب اليهود كالزبور وكتاب أشعيا وكتاب أرميا وكلمات يسيرة من التوراة وكتاب سليمان وكتاب زخريا قد نازعتهم اليهود في تأويلها فحصلت دعوى مقابلة لدعوى وما كان فهو باطل وموهوا بأن التوراة وكتب الأنبياء بأيديهم وبأيدي اليهود سواء لا يختلفون فيها ليصححوا نقل اليهود لسواد تلك الكتب ثم يجعلوا تلك الألفاظ التي فيها الحجة في دعواهم وتأويلهم ليس بأيديهم حجة غير هذا أصلاً ولا جملة سوى هذه وقد أوضحنا بحول الله تعالى وقوته فساد أعيان تلك الكتب وأوضحنا أنها مفتعلة مبدلة لكثرة ما فيها من الكذب وأوضحنا أيضاً فساد نقلها وانقطاع الطريق منهم إلى من نسب إليه تلك الكتب بما لا يمكن أحداً دفعه البتة بوجه من الوجوه وبينا آنفاً بحول الله تعالى وقوته فساد نقل النصارى جملة وإقرارهم بأن أناجيلهم ليست منزلة ولكنها كتب مؤلفة لرجال ألفوها فبطل كل تعلق لهم والحمد لله رب العالمين ثم نورد إنشاء الله تعالى تكذيبهم في دعواهم أن التوراة عند اليهود وعندهم سواء ونورد ما يخالفون فيه نص التوراة التي بأيدي اليهود حتى يلوح لكل أحد كذب دعواهم الظاهرة من تصديقهم لنصوص التوراة التي عند اليهود ونرى تكذيبهم لنصوصها فيبطل بذلك تعلقهم بما فيها وبما في نقل اليهود إذ لا يصح لأحد الاحتجاج بتصحيح ما يكذب ثم نذكر بعون الله عز وجل مناقضات الأناجيل والكذب الفاحش المفضوح الموجود في جميعها وبالله تعالى التوفيق فيرتفع الإشكال في ذلك جملة ويستوي في معرفة بطلان كل ما بأيدي الطائفتين كل من اغتر بكتمانهم لما فضحناه منا ومنهم من الخاصة والعامة ومن سائر الملل أيضاً ويصح عند كل من طالع كلامنا هذا أن الذين كتبوا الأناجيل وألفوها كانوا كذابين مجاهرين بالكذب لتكاذبهم فيما أوردوه فيها من الأخبار وأنهم كانوا مستخفين مهلكين لمن اغتر بهم والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا بالإسلام السالم من كل غش البري من كل توليد الوارد من عند الله عز وجل لا من عند أحد دونه ذكر ما تثبته النصارى بخلاف نص التوراة وتكذيبهم لنصوصها التي بأيدي اليهود وادعاء بعض علماء النصارى أنهم اعتمدوا في ذلك على التوراة التي ترجمها السبعون شيخاً لبطليموس لا على كتب عزراء الوراق واليهود مؤمنون بكلتي النسختين والخلاف عند النصارى موجود فيها قال أبو محمد في توراة اليهود التي لا اختلاف فيها بين الربانية والعانانية والعيسوية منهم لما عاش آدم ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ولد كشبهه وجنسه وسماه شيث وعند النصارى بلا اختلاف بين أحد منهم ولا من جميع فرقهم لما أتى على آدم مائتان وثلاثون سنة ولد له شيث وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا لما عاش شيث خمس سنين ومائة سنة ولد أنيوش وعند النصارى كلهم لما عاش شيث مايتي سنة وخمس سنين ولد أنيوش وفي التوراة عند التي اليهود كما ذكرنا أن أنيوش لما عاش تسعين سنة ولد قينان وعند النصارى كلهم أن أنيوش لما عاش تسعين سنة وماية سنة ولد قينان وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا أن قينان لما عاش سبعين سنة ولد مهلال وعند النصارى كلهم أن قينان لما عاش ماية سنة وسبعين سلنة ولد مهلال وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا أن مهلال لما بلغ خمساً وستين سنة ولد يارد وعند النصارى كلهم أن مهلال لما بلغ مائة سنة وخمساً وستين سنة ولد يارد واتفقت الطائفتان في عمر يارد إذ ولد له خنوخ وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا أن خنوخ لما بلغ خمساً وستين سنة ولد متوشالخ وأن جميع عمر خنوخ كان ثلاثمائة سنة وخمساً وستين سنة وعند النصارى كلهم أن خنوخ لما بلغ مائة سنة وخمساً وستين سنة ولد متوشالخ وأن جميع عمر خنوخ كان خمس مائة سنة وخمساً وستين سنة ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين أحدهما سن خنوخ إذ ولد له متوشالخ والثانية كمية عمر خنوخ واتفقت الطائفتان على عمر متوشالخ إذ ولد له لامخ وعلى عمر لامخ إذ ولد له نوح وعلى عمر نوح إذ ولد له سام وحام ويافث وعلى عمر سام إذ ولد له أرفخشاذ وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا أن أرفخشاذ لما بلغ خمساً وثلاثين سنة ولد له شالخ وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمساً وثلاثين سنة وعند النصارى كلهم أن أرفخشاذ لما بلغ مائة سنة وخمساً وثلاثين سنة ولد له قينان وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمساً وستين سنة وأن قينان لما بلغ مائة سنة وثلاثين سنة ولد له شالخ فبين الطائفتين في هذا الفصل وحده اختلاف في ثلاثة مواضع أحدهما عمر أرفخشاذ جملة والثاني سن أرفخشاذ إذ ولد له ولده والثالث زيادة النصارى بين أرفخشاذ وشالخ قينان وإسقاط اليهود له وفي التوراة عند اليهود كما ذكرنا أن شالخ لما بلغ ثلاثين سنة ولد له عابر وأن عمر شالخ كان أربعمائة سنة وثلاثين سنة وعند النصارى كلهم أن شالخ لما بلغ مائة وثلاثين سنة ولد له عابر وأن عمر شالخ كله كان أربعمائة سنة وستين سنة ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين أحدهما سن شالخ إذ ولد له عابر والثاني كمية عمر شالخ وعند اليهود كما ذكرنا في التوراة أن فالغ إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له راغوا وعند النصارى كلهم أن فالغ لما بلغ مائة وثلاثين سنة ولد له راغوا وفي توراة اليهود كما ذكرنا أن راغوا لما بلغ اثنين وثلاثين سنة ولد له شاروع وعند النصارى كلهم أن راغوا لما بلغ مائة سنة واثنين وثلاثين سنة ولد له شاروع وفي التوراة عند اليهود كما ذكرنا أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له ناحور وكان عمر شاروع كله مائتي عام وثلاثين عاماً وعند النصارى كلهم أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ناحور وأن عمر شاروع كله كان ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة ففي هذا الفصل بين الطائفتين تكاذب في موضعين أحدهما عمر شاروع جملة والثاني سن شاروع إذ ولد له ناحور وفي التوراة عند اليهود كما ذكرنا أن ناحور لما بلغ تسعاً وعشرين سنة ولد له تارخ وأن عمر ناحور كله كان مائة سنة وثمانياً وأربعين سنة وعند النصارى كلهم أن ناحور لما بلغ تسعاً وسبعين سنة ولد له تارخ وأن عمر ناحور كله كان مائتي عام وثمانية أعوام ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين أحدهما عمر ناحور كله والثاني سن ناحور إذ ولد له تارخ وفي التوراة عند اليهود كما ذكرنا أن تارخ كان عمره كله مائتي عام وخمسة أعوام وعند النصارى كلهم أن تارخ كان عمره كله مائتي عام وثمانية أعوام قال أبو محمد فتولد من الاختلاف المذكور بين الطائفتين زيادة عن ألف عام وثلاثمائة عام وخمسين عاماً عند النصارى في تاريخ الدنيا على ما هو عند اليهود في تاريخها وهي تسعة عشر موضعاً كما أوردنا فوضح اختلاف التوراة عندهم ومثل هذا من التكاذب لا يجوز أن يكون من عند الله عز وجل أصلاً ولا من قول نبي البتة ولا من قول صادق عالم من عرض الناس فبطل بهذا بلا شك أن تكون التوراة وتلك الكتب منقولة نقلاً يوجب صحة العلم لكن نقلاً فاسداً مدخولاً مضطرباً ولابد للنصارى ضرورة من أحد خمسة أوجه لا مخرج لهم عن أحدها إما أن يصدقوا نقل اليهود للتوراة وأنها صحيحة عن موسى عن الله تعالى ولكتبهم وهذه طريقتهم في الحجاج والمناظرة فإن فعلوا فقد أقروا على أنفسهم وعلى أسلافهم الذين نقلهم عنهم دينهم بالكذب إذ خالفوا قول الله تعالى وقول موسى عليه السلام أو يكذبوا موسى عليه السلام فيما نقل عن الله عز وجل وهم لا يفعلون هذا أو يكذبوا نقل اليهود للتوراة ولكتبهم فيبطل تعلقهم بما في تلك الكتب مما يقولون أنه إنذار بالمسيح عليه السلام إذ لا يجوز لأحد أن يحتج بما لا يصح نقله أو يقولوا كما قال بعضهم إنهم إنما عولوا فيما عندهم على ترجمة السبعين شيخاً الذين ترجموا التوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام لبطليموس فإن قالوا هذا فإنهم لا يخلون ضرورة من أحد وجهين إما أن يكونوا صادقين في ذلك أو يكونوا كاذبين في ذلك فإن كانوا كاذبين في ذلك فقد سقط أمرهم والحمد لله رب العالمين إذ لم يرجعوا إلا إلى المجاهرة بالكذب وإن كانوا صادقين في ذلك فقد حصلت توراتان متخالفتان متكاذبتان متعارضتان توراة السبعين شيخاً وتوراة عزراء ومن الباطل الممتنع كونهما جميعاً حقاً من عند الله واليهود والنصارى كلهم مصدق مؤمن بهاتين التوراتين معاً سوى توراة السامرية ولابد ضرورة من أن تكون إحداهما حقاً والأخرى مكذوبة فأيهما كانت المكذوبة فقد حصلت الطائفتان على الإيمان بالباطل ضرورة ولا خير في أمة تؤمن بيقين الباطل وإن كانت توراة السبعين شيخاً هي المكذوبة فلقد كانوا شيوخ سوء كذابين ملعونين إذ حرفوا كلام الله تعالى وبدلوه ومن هذه صفته فلا يحل أخذ الدين عنه ولا قبول نقله وإن كانت توراة عزراء هي المكذوبة فقد كان كذاباً إذ حرف كلام الله تعالى ولا يحل أخذ شيء من الدين عن كذاب ولابد من أحد الأمرين أو يكون كلاهما كذباً وهذا هو الحق اليقين الذي لا شك فيه لما قدمنا مما فيها من الكذب الفاضح الموجب للقطع بأنها مبدلة محرفة وسقطت الطائفتان معاً وبطل دينهم الذي إنما مرجعه إلى تلك الكتب المكذوبة ونعوذ قال أبو محمد فتأملوا هذا الفصل وحده ففيه كفاية في تيقن بطلان دين الطائفتين فكيف بسائر ما أوردنا إذا استضاف إليه وفي التوراة عند اليهود وعند النصارى اختلاف آخر اكتفينا منه بهذا القدر والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا بالإسلام المنقول نقل الكواف إلى رسول الله المعصوم ﷺ البريء من كل كذب ومن كل محال الذي تشهد له العقول بالصحة والحمد لله رب العالمين


ذكر مناقضات الأناجيل الأربعة والكذب الظاهر الموضوع فيها

قال أبو محمد أول ذلك مبدأ الخلق مبدأ إنجيل متى اللاواني الذي هو أول الأناجيل بالتأليف والرتبة مصحف نسبة يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم وإبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته ويهوذا ولد من ثامان فارض وتارخ ثم إن فارض ولد حضروم وحضروم ولد آرام وآرام ولد عمينا ذاب وعمينا ذاب ولد بخشون الخارج من مصر أخو زوجة هارون وبخشون ولد أشلومون وأشلومون ولد له من راحاب بوعز وبوعز ولد له من روث عوبيذ وعوبيذ ولد له ايشاي وايشاي ولد له داود الملك وولد داود الملك أشلومون وأشلومون ولد رجيعام ورجيعام ولد البيوت والبيوت ولد أشا وأشا ولد يهوشافاظ ويهوشافاظ ولد يهورام ويهورام ولد أحزياهو وأحزياهو ولد يوثام ويوثام ولد أحاز وأحاز ولد أحزيا وأحزيا ولد منشا ومنشا ولد أمون وأمون ولد يوشياهو ويوشياهو ولد نحنيا وإخوته وقت الرحلة إلى بابل وبعد ذلك ولد لنحنيا صلتيايل وصلتيايل ولد روباييل وروباييل ولد أبيوث وأبيوث ولد ألياحيم وألياحيم ولد أزور وأزور ولد صدوق وصدوق ولد أحيم وأحيم ولد أليوث وأليوث ولد العزار والعزار ولد مثان ومثان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف خطيب مريم التي ولدت يسوع الذي يدعى مسيحاً فصار من إبراهيم إلى داود أربعة عشر أباً ومن داود إلى وقت الرحلة أربعة عشر أباً ومن وقت الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً فجميع المواليد من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً قال أبو محمد رضي الله عنه ففي هذا الفصل خلاف لما في التوراة وكتب اليهود التي هي عندهم في النقل كالتوراة وهما كتاب ملاخيم وكتاب وبراهياميم فقال هاهنا تارخ بن يهوذا وفي التوراة زارح بن يهوذا وهذا اختلاف في الاسم وكذب من أحد الخبرين والأنبياء لا يكذبون وقال ههنا أحزيا هو بن هورام وفي كتب اليهود أحزيا بن يورام وهذا اختلاف في الأسماء ووحي الله تعالى لا يحتمل هذا فأحد النقلين كاذب بلا شك وقال ههنا يوثام بن أحزيا هو وفي كتب اليهود المذكورة يوثام ابن عزريا بن أمصيا بن أش بن أحزيا فأسقط ثلاثة آباء مما في كتب اليهود وهذا عظيم جداً فإن صدقوا كتب اليهود وهم مصدقون بها فقد كذب متى وجهل وإن صدقوا متى فإن كتب اليهود كاذبة لابد من أحد ذلك فقد حصلوا على التصديق بالشيء وضده معاً وقال ههنا أحزياهو بن أحاز بن يوثام وفي كتب اليهود المذكورة حزقيا بن أحاز بن يوثام وهذا اختلاف في الاسم والوحي لا يحتمل هذا فأحد النقلين كاذب بلا شك وقال هاهنا نحليا بن يوشياهو بن أمون وفي كتب اليهود التي ذكرنا نحنيا بن الياقيم بن موشيا بن أموز فأسقط متى الياقيم وخالف في اسم يوشيا بن أمون وهذا عظيم وكما قدمنا من كذبهم ولابد إذ يصدقون بالشيء والضد له معاً وهم لا يختلفون في أن متى رسول معصوم أجل عند الله من موسى ومن سائر الأنبياء كلهم وهو قد قال في أول كلمة من إنجيله مصحف نسبة المسيح بن داود بن إبراهيم ثم لم يأت إلا بنسب يوسف النجار زوج مريم الذي عندهم هو ربيب إلههم زوج أمه فكيف يقول أنه يذكر نسبة المسيح ثم يأتي بنسبة يوسف النجار والمسيح عند هذا التيس البوال ليس هو ولد يوسف أصلاً فقد كذب هذا القذر كذباً لا خفاء به ولا مدخل للمسيح في هذا النسب أصلاً بوجه من الوجوه إلا أن يجعلوه ولد يوسف النجار وهم لا يقولون هذا ولا نحن ولا جمهور اليهود أما هم فيقولون أنه ابن الله من مريم وأنه إله وابن إله وامرأة تعالى الله عن هذا وأما نحن فنقول والعيسوية من اليهود معنا والأريوسية والبولقانية والمقدونية من النصارى أنه عبد آدمي خلقه الله تعالى في بطن مريم عليها السلام من غير ذكر وأما جمهور اليهود لعنهم الله فيقولون أنه لغير رشدة حاشى لله من ذلك بل إن طائفة قليلة من اليهود يقولون أنه ابن يوسف النجار وما نرى متى إلا شاهداً لقولهم ومحققاً له وإلا فكيف يبدأ بأنه يذكر نسب المسيح إلى داود ثم لا يذكر إلا يوسف النجار إلى داود ولو أنه ذكر نسب أمه مريم لكان لقوله مخرج ظاهر لكنه لم يذكر نسب مريم أصلاً ثم لم يستحي النذل من أن يحقق ما ابتدأ به فبعد أن أتم نسب يوسف النجار قال من الرحلة إلى المسيح أربعة عشر اباً فجميع المواليد من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً فأكد هذا الملعون كذبه وأن المسيح ولد يوسف ولابد ضرورة من أحدهما وإلا فكيف يكون من الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً والمسيح ليس هو ابناً لأحدهم ولا هم آباء له فكيف يكون من إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً ولا مدخل للمسيح في تلك الولادات إلا كمدخله في ولادات أهل الصين وأهل الهند وأهل طلعة وسقر وسقرال ولا فرق.

هذه فضائح الدهر وما لا يأتي به إلا أنجس البرية ونعوذ بالله من الخذلان ثم كذب آخر وجهل زايد وهما قوله فبين إبراهيم إلى داود أربعة عشر أباً قال أبو محمد رضي الله عنه هذا كذب إنما هم على ما ذكر ثلاثة عشر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويهوذا وزارح وحضروم وآرام وعمينا ذاب وبخشون وأشلومون وبوعز وعوبيذ وايشاي فهؤلاء ثلاثة عشر اباً ثم داود ولا يجوز البتة أن يعد داود في آباء نفسه فيجعل أباً لنفسه فهذه ملحنة ثم قال ومن داود إلى الرحلة أربعة عشر اباً وليس كذلك لأن نحنيا هو الراحل بنص قول متى وأنه لم يولد له على قول صلتيايل إلا بعد الرحلة فهم أشلومون ورجيعام وأبيوث وأشا ويهوشافاظ ويهورام وأحزياهو ويوثام وأحاز وأحزياهو وميشا وأمون وبوشاهو ونحنيا وقد عد داود قبل فإن عده ههنا فقد حققوا الكذب في الفصل الذي قبله وإن عده هناك فقد كذبوا في العدد الثاني أو جعلوا نحنيا أباً لنفسه وهذا هوس ثم قال ومن الرحلة إلى المسيح أربعة عشر أباً وهذا فصل جمع كذبتين عظيمتين أحدهما أنه إذا عد صلتيايل ثم من بعده إلى يوسف النجار فليسوا إلا اثني عشر رجلاً فقط وهم صلتيايل ووروباييل وأبيوث والياخيم وأزور وصدوق وأجيم وأليوث والعازر وماثان ويعقوب ويوسف فإن عد فيهم نحنيا كانوا ثلاثة عشر وهو يقول أربعة عشر فاعجبوا لهذا الحمق وهذا الضلال واعجبوا لرعونة من جاز هذا عليه واعتقده ديناً ثم إن كان عنى أنهم آباء المسيح فيوسف والد المسيح وكفي بهذا عندهم كفراً فقد كفر متى أو كذب وجهل لابد من أ د ذلك ثم قوله فمن إبراهيم إلى المسيح اثنان وأربعون مولوداً فهذا كذب فاحش وجهل مفرط لأنه إذا عد إبراهيم ومن بعده إلى يوسف وعد يوسف أيضاً فإنما هم أربعون فقط فإن عد المسيح وجعله ولد يوسف لم يكونوا أيضاً إلا واحد وأربعين فقط فاعجبوا ممن يدين لله تعالى بهذا الحمق واحمدوه على السلامة هذا إلى الكذب المفضوح الذي في نسب داود عليه السلام إلى بخشون بن عمينا ذاب لأن بخشون بنص توراتهم هو الخارج من مصر وهو مقدم بني يهوذا ولم يدخل بنص التوراة أرض القدس لأن كل من خرج من مصر ابن عشرين سنة فصاعداً ماتوا كلهم في التيه بنص التوراة فإذا عدت الولادات من أشلومون ابن بخشون الذي دخل أرض المقدس إلى داود عليه السلام وجدوا أربعة فقط وهم داود بن أشاي ابن عوبيذ بن بوعر بن أشلمون الداخل مصر المذكور ولا يختلفون يعني اليهود والنصارى معاً من أن دخول أشلمون المذكور مع يوشع وبني إسرائيل الأرض المقدسة إلى مولد داود عليه السلام خمسمائة سنة وثلاثاً وسبعين سنة فيجب على هذا أن يقول أن أشلومون لم يدخل الأرض المقدسة إلا وهو أقل من سنة وأنه لم يولد لكل واحد منهم ولده المذكور إلا وله مائة سنة ونيف وأربعون سنة وكتبهم تشهد ككتاب ملاخيم وبراهياميم وغيرهما وتقطع أنه لم يعش أحد من بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام مائة سنة وثلاثين سنة إلا يهوراع الكوهن الهاروني وحده فكم هذا الكذب وهذا الافتضاح فيه وهذه الشهرة العظيمة لا ينفكون من كذبة إلا إلى أخرى ومن سوأة إلا إلى سوأةٍ ونعوذ بالله من البلاء فاعجبوا لما افتتح به هذا الكذاب وأحسن ما في خالد وجهه فقس على الغائب بالشاهد ثم ذكر لوقا الطبيب في الباب الثالث منه نسب المسيح عليه السلام فقال أنه كان يظن أنه ابن يوسف النجار المنسوب إلى علي إلى ماثان إلى لاوي إلى ملكي إلى يمتاع إلى يوسف إلى متاتيا إلى حاموص إلى ماحوم إلى أشلا إلى أنحا إلى فاهاث إلى منيشا إلى صمغي إلى مصداق إلى يهندع إلى يوحنا إلى رشا إلى روباييل إلى صلتيايل إلى بادي إلى ملكي إلى مر إلى أريع إلى قرصام إلى اليران إلى هار إلى يشوع إلى لونا إلى الياخيم إلى ملكا اياز إلى يمتاع إلى متاتا إلى ناثان إلى داود النبي ﷺ ثم ذكر نسب داود كما ذكره متى حرفاً حرفاً قال أبو محمد رضي الله عنه فاعجبوا لهذه المصيبة الحالة بهم ما أفحشها وأوحشها وأقذرها وأوضرها وأرذلها وأنذلها متى الكذاب ينسب المسيح إلى يوسف النجار ثم ينسب يوسف إلى الملوك من ولد سليمان بن داود عليهما السلام أباً فأباً ولوقا ينسب يوسف النجار إلى آباء غير الذي ذكر متى حتى يخرجه إلى ناتان بن داود أخي سليمان بن داود ولابد ضرورة من أن يكون أحد النسبين كذباً فيكذب متى أو لوقا أو لابد أن يكون كلا النسبين كذباً فيكذب الملعونان جميعاً ولا يمكن البتة أن يكون كلا النسبتين حقاً ولوقا عندهم لوق الله صورهم والاق وجوههم ولقاهم البلاء وألقى عليهم الدمار واللعنة في الجلالة فوق جميع الأنبياء عليهم السلام فهذه صفة أناجيلهم فاحمدوا الله تعالى أيها المؤمنون على السلامة والعصمة وقال بعض أكابر من سلف منهم من مضليهم أن أحد هذين النسبين هو نسب الولادة والنسب الآخر نسب إلى إنسان تبناه على ما قد كان في قديم زمن بني إسرائيل من أن من مات ولا ولد له وتزوج آخر امرأته نسب إلى الميت من ولدت من هذا الحي فقلنا لمنا عارضنا منهم بهذا الهوس من لك بهذا وأين وجدته للوقا أو لمتى والدعوى لا يعجز عنها أحد وهي باطلة إلا أن يعضدها برهان وبعد هذا فأي النسبين هو نسب الولادة وأيهما هو نسب الإضافة لا الحقيقة فأيهما قال قلب عليه قوله وقيل له هذه دعوى بلا برهان فإن قال أن لوقا لم يقل أن فلاناً ولد فلاناً كما قاله متى لكن قال المنسوب إلى علي قلنا وهكذا قال في آباء علي أباً فأباً إلى داود ثم إلى إبراهيم ثم إلى نوح ثم إلى آدم سواءً بسواءٍ في اسم بعد اسم وفي أب بعد أب ولا فرق افترى نسب داود إلى إبراهيم وإبراهيم إلى نوح ونوح إلى آدم كان أيضاً على الإضافة لا على الحقيقة كما قلت في نسب يوسف إلى علي هذا عجب فإذ لا سبيل إلى تصحيح هذه الدعوى فهي كذب ووضح الكذب في أحد النسبين ضرورة عياناً والحمد لله رب العالمين.


فصل وفي الباب الثالث من إنجيل متى فلحق يسوع يعني المسيح بالمفاز وساقه الروح إلى هنالك ولبث فيه ليقيس إبليس نفسه فيه فلما أن مضى أربعين يوماً بلياليها جاع فوقف إليه الجساس وقال له إن كنت ولد الله فأمر هذه الجنادل تصير لك خبزاً فقال يسوع قد صار مكتوباً بأن عيش المرء ليس بالخبز وحده ولكن في كل كلمة تخرج من فم الله تعالى وبعد هذا أقبل إبليس في المدينة المقدسة وهو واقف في أعلى بنيانها وقال له إن كنت ولد الله فترام من فوق فإنه قد صار مكتوباً بأنه سبيعث ملائكة يرفدونك ويدفعون عنك حتى لا يصيب قدمك مكروه فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أيضاً أن لا يقيس أحد العبيد إلهه ثم عاد إليه إبليس وهو في أعلى جبل منيف فأظهر له زينة جميع الدنيا وشرفها وقال له إني سأملكك كل ما ترى إن سجدت لي فقال له يسوع اذهب يا منافق مقهقراً فقد كتب أن لا يعبد أحد غير السيد إلهه ولا يخدم سواه فتأيس عنه إبليس عند ذلك وتنحى عنه وأقبلت الملائكة وتولت خدمته. وفي الباب الرابع من إنجيل لوقا فانصرف يسوع من الأردن محشواً من روح القدس وقاده الروح إلى القفار ومكث فيه أربعين يوماً وقايسه إبليس فيه ولم يأكل شيئاً في تلك الأربعين يوماً فلما أكملها جاع فقال له إبليس إن كنت ابن الله فأمر هذا الحجر أن يصير خبزاً فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أنه ليس عيش الآدمي في الخبز وحده إلا في كل كلمة لله ثم قاده إبليس إلى جبل منيف عال وعرض عليه ملك جميع الدنيا من وقته وقال له سأملكك هذا السلطان وأنزلك بعظمته لأني قد ملكته وأنا أعطيه من وافقني فإن سجدت لي كان لك أجمع فأجابه يسوع وقال له قد صار مكتوباً أن تعبد السيد إلهك وتخدمه وحده ثم ساقه إلى بلاشلام وصعده ووقفه على صخرة البيت في أعلاه وقال له إن كنت ولد الله فتسبسب من ههنا لأنه مكتوب أن يبعث ملائكة لحرزك وحملك في الأكف حتى لا تعثر بقدمك في حجر ولا يصيبك مكروه فأجابه يسوع وقال له قد كتب أيضاً أن لا تقيس السيد إلهك قال أبو محمد رضي الله عنه في هذا الفصل عجائب لم يسمع بأطم منها أولها إقرار الصادق عندهم بأن إبليس قاد المسيح مرة إلى جبل منيف وانقاد له ومضى معه وقاده مرة أخرى إلى أعلى صخرة في بيت المقدس فما نراه إلا ينقاد لإبليس حيث قاده ولا يخلو من أن يكون قاده فانقاد له مطيعاً سامعاً فما نراه إلا منصرفاً تحت حكم الشيطان وهذه والله منزلة رذيلة جداً أو يكون قاده كرهاً فهذه منزلة المصروعين الذين يتخبطهم الشيطان من المس حاشى للأنبياء من كلتا الصفتين فكيف إله وابن إله بزعمهم وما سمع قط بأحمق من هذا الهوس ونحمد الله على عظيم منته ثم الطامة الأخرى كيف يطمع إبليس عند هؤلاء النوكي في أن يسجد له خالقه وفي أن يعبده ربه وفي أن يخضع له من فيه روح اللاهوت أم كيف يدعو إبليس ربه وإلهه إلى أن يعبده والله إني لأقطع أن كفر إبليس وحمقه لم يبلغا قط هذا المبلغ فهذه آبدة الدهر ثم عجب آخر كيف يمني إبليس رب الدنيا وخالقها ومالكها ومالكه وإلهنا وإلهه في أن يملكه زينة الدنيا فهذه كما تقول عامتنا أعطه من خبزه كسيرة ما هذه الوساوس التي لا ينطلق بها إلا لسان من حقه سكنى المارستان أو عيار كافر مستخف بقوم نوكي يوردهم ولا يصدرهم ما شاء الله كان فإن قالوا إنما دعا الناسوت وحده وإياه عنى إبليس وحده قلنا فإن اللاهوت والناسوت عندكم متحدان بمعنى أنهما صارا شيأ واحداً والمسيح عندكم إله معبود وقد قلتم هاهنا أن إبليس قاد المسيح فانقاد له المسيح ودعاه إبليس إلى عبادته والسجود له ومناه إبليس بملك الدنيا وقال للمسيح وقال له المسيح أو قال ليسوع وقال له يسوع وعلى قولكم أنه إنما خاطب الناسوت إنما دعا نصف المسيح ونصف يسوع وإنما مني بزينة الدنيا نصف المسيح فقد كذب لوقا ومتى على كل حال وأهل الكذب هما فكيف ونص كلامهما جزت ألسنتهما في لظى يمنع من هذا ويوجب أن إبليس إنما دعا اللاهوت لأنه قال له إن كنت ابن الله فافعل كذا ولو لم يكن من هذا في الأناجيل إلا هذا الفصل الأبخر وحده لكفى فكيف وله فيها نظائر جمة ونحمد الله على السلامة فصل قال أبو محمد رضي الله عنه وذكر في الفصل الذي تكلمنا عليه أن المسيح عليه السلام احتشى من روح القدس وفي أول باب من إنجيل لوقا أن يحيى بن زكريا احتشى من روح القدس في بطن أمه وأن أم يحيى احتشت أيضاً من روح القدس فما نرى للمسيح من روح القدس إلا كالذي ليحيى ولأم يحيى من روح القدس ولا فرق فأي فضل له عليهما فصل قال أبو محمد في الباب الثالث من إنجيل متى فلما بلغه حبس يحيى بن زكريا تنحى إلى جلجال وتخلى من مدينة ناصرة ورحل وسكن في كفر ناحوم على الساحل في رابلون وتفتالي ليتم قول شعيا النبي حيث قال أرض رابلون وتفتالي وطريق البحر خلف الأردن وجلجال الأجناس وكل من كان بها في ظلمة يبصرون نوراً عظيماً ومن كان ساكناً في ظلل الموت بها يطلع النور عليهم ومن ذلك الموضع ابتدأ يسوع بالوصية وقال توبوا فقد تدانى ملكوت السماء وبينا هو يمشي على ريف البحر بحر جلجال إذ بصر بأخوين أحدهما يدعى شمعون المسمى باطرة والآخر باطرة والآخر أندرياس وهما يدخلان شباكهما في البحر وكانا صيادين فقال لهما اتبعاني أجعلكما صيادي الآدميين فتخليا وقتهما ذلك من شباكهما واتبعاه ثم تحرك من ذلك الموضع وبصر بأخوين أيضاً وهما يعقوب ويوحنا بن سيذاي في مركب مع أبيهما يعدان شباكهما فدعاهما فتخليا ذلك الوقت من شباكهما ومن أبيهما ومتاعهما واتبعاه هذا نص كلام متى في إنجيله حرفاً حرفاً وفي أول باب من إنجيل مارقش قال فبعد أن بلي يحيى أقبل يسوع إلى جلجال ملك الله وقال إن الزمان قد تم وتدانى ملك الله فتوبوا وتقبلوا الإنجيل فلما خطر جوار بحر جلجال نظر إلى شمعون وأندرياس وهم يدخلان شبكتهما في البحر وكانا صيادين فقال لهما يسوع اتبعاني أجعلكما صيادين للآدميين فتركا ذلك الوقت الشبكة واتبعاه ثم تمادى قليلاً فأبصر يعقوب بن سيذاي وأخاه يوحنا وهما في المركب يهندمان شبكتهما فدعاهما فتركا والدهما مع العمالين بأجرة في المركب واتبعاه هذا نص كلام مارقش في إنجيله حرفاً حرفاً وقال في الباب الرابع من إنجيل لوقا وبينما الجماعات يوماً تزدحم عليه رغبة في استماع كلام الله وكان في ذلك الوقت واقفاً على ريف بحيرة بشيرات إذ بصر بمركبين في البحيرة قد نزل عنهما أصحابهما لغسل شباكهم فدخل يسوع أحدهما الذي كان لشمعون وسأله أن يتنحى به عن الريف قليلاً فقعد في المركب وجعل يوصي الجماعات منه فلما أمسك عن الوصية قال لشمعون لحج وألقوا جرافاتكم الصيد فقال له شمعون يا معلم قد عنينا طول الليل ولم نصب شيئاً ولكنا سنلقي الجرافة بأمرك وقولك فلما ألقاها قبضت على حيتان كثيرة جليلة فكادت تقطع الجرافة من كثرتها فاستعانوا بأصحاب المركب الثاني وسألوهم أن يعينوهم على إخراجهم لها فاجتمعوا عليها وشحنوا منها المركبين حتى كادا أن يغرقا فلما بصر بذلك شمعون الذي يدعى باطرة سجد ليسوع وقال اخرج عني يا سيدي لأني إنسان مذنب وكان قد حار وكل من كان معه لكثرة ما أصابوا من الحيتان وحار يعقوب ويوحنا ابنا سيذاي فقال يسوع لشمعون لا تخف فإنك ستصطادد من اليوم الآدميين فخرجوا إلى الريف الآخر مركبهم وتخلوا من جميع ما كان لهم واتبعوه هذا نص كلام لوقا في إنجيله حرفاً حرفاً وفي أول باب من إنجيل يوحنا بن سبذاي قال وفي يوم آخر كان يحيى بن زكريا المعمد واقفاً ومعه تلميذان من تلاميذه فبصر بيسوع ماشياً فقال هذا خروف الله فسمع ذلك منه التلميذان واتبعا يسوع فالتفت إليهما يسوع إذ رآهما يتبعانه وقال لهما ما الذي طلبتما قالا له يا معلم أين مسكنك فقال لهما أقبلا فأبصرا فتوجها معه ورأيا مسكنه وباتا عنده ذلك اليوم وكانا في الساعة العاشرة وكان أحد التلميذين اللذين اتبعاه أندرياش أخو شمعون المسمى باطره أحد الاثني عشر فلقي أخاه شمعون وهو أحد اللذين سمعا من يحيى واتبعاه إذ نظر إليه وقال له وجدنا المسيح ثم أقبل إليه به فلما بصر به المسيح قال له أنت شمعون بن يوثا وأنت تسمى كيفا وترجمته الحجر وهذا نص كلام يوحنا في إنجيله حرفاً حرفاً قال أبو محمد رضي الله عنه فاعجبوا لهذه الفضائح وتأملوها اتفق متى ومارقش على أن أول ما كانت صحبة شمعون باطره وأخيه أندرياش ابني يوثا للمسيح فإنها كانت بعد أن سجن يحيى بن زكريا إذ وجدهما المسيح وهما يدخلان شبكتهما في البحر للصيد وقال لوقا أنه وجدهما ما صحباه إذ وجدهما قد نزلا من المركب لغسل شباكهما وأنهما كانا قد تعبا طول الليل ولم يصيدا شيأ وقال يوحنا إن أول ما صحباه إذ رآه أندرياش أخو شمعون باطره وهو واقف مع يحيى بن زكريا وأنه كانت تلميذاً ليحيى وأن يحيى حينئذ كان يعمد للناس فلما سمع أندرياش قول يحيى إذ رأى المسيح هذا خروف الله ترك يحيى وصحب المسيح وذلك في الساعة العاشرة وبات عنده تلك الليلة ثم مضى إلى أخيه شمعون باطره وأخبره وأتى به إلى المسيح فصحبه وهي أول صحبته له فبعضهم يقول أول صحبة باطره وأخيه أندرياش للمسيح كانت بعد سجن يحيى بن زكريا وهو قول متى ومارقش وبعضهم يقول أن أول صحبة شمعون باطره وأندرياش للمسيح كانت قبل أن يسجن يحيى وهو قول يوحنا وبعضهم يقول أول صحبة باطرة وأندرياش للمسيح كانت إذ وجدهما يدخلان شبكتهما للصيد جميعأً فتركاها وصحباه من حينئذ وهو قول متى ومارقش وبعضهم يقول إن أول صحبة باطره وأندرياش للمسيح كانت إذ رآه أندرياش وهو واقف مع يحيى وهو تلميذ يحيى يومئذ فرأى المسيح ماشياً فقال يحيى هذا خروف الله فترك أندرياش يحيى وصحب المسيح من حينئذ ثم مضى إلى أخيه شمعون وعرفه أنه قد وجد المسيح وأتى به إليه فصحبه من حينئذ وهو قول يوحنا فهذه أربع كذبات في نسق إحداها في الوقت الذي كان ابتدأ صحبتهما للمسيح فيه والأخرى في الموضع الذي كانت أول صحبتهما للمسيح فيه والثالثة في رتبة صحبتهما للمسيح امعاً أم أحدهما قبل الثاني والرابعة في صفة الحال التي وجدهما عليها أول ما صحباه وبالضرورة ندري أن أحد هذه الاختلافات الأربعة كذب بلا شك ومثل هذا لا يمكن ألبتة أن يكون من عند الله عز وجل ولا من عند نبي ولا من عند صادق بل من كذاب عيار لا يبالي بما حدث وأغرب شيء في ذلك قولهم كلهم أن يوحنا بن سيذاي هو ترجم إنجيل متى من العبرانية إلى اليونانية فإذا رأى هذه القصص في إنجيل متى بخلاف ما عنده فلابد ضرورة من أن يكون عرف أن قول متى كذب أو عرف أنه حق لابد من أحدهما ضرورة فإن كان قول متى كذباً فقد استجاز يوحنا أن يورد الكذب عن صاحبه المقدس الذي هو عندهم أكبر من موسى ومن سائر الأنبياء وإن كان قول متى حقاً فقد قصد يوحنا لإيراد الكذب فيما أخبر هو به في إنجيله لابد من أحدهما ولقد كانت هذه وحدها تكفي في بيان أن الأناجيل من عمل كذا بين ملعونين شاهت وجوههم وحاقت بهم لعنة الله فصل وفي الباب الرابع من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه لا تحسبوا أني جئت لنقض التوراة وكتب الأنبياء إنما أتيت لإتمامها أمين أقول لكم إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد باء واحدة ولا حرف واحد من التوراة حتى يتم الجميع فمن حلل عهداً من هذه العهود الصغيرة وحمل الناس على تحليله فسيدعى في ملكوت السموات صغيراً ومن أتمه وحض الناس على إتمامه فسيدعى في ملكوت السموات عظيما وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى ستحول السموات قال أبو محمد رضي الله عنه وهذه نصوص تقتضي التأبيد وتمنع من النسخ جملة ثم لم يمض بعد الفصل الأول المذكور إلا أسطار يسيرة حتى ذكر متى أنه قال لهم المسيح قد قيل من فارق امرأته فليكتب لها كتاب طلاق قال وأنا أقول لكم من فارق امرأته إلا لزنا فقد جعل لها سبيلاً إلى الزنا ومن تزوج مطلقة فهو فاسق وهذا نقض لحكم التوراة الذي ذكر أنه لم يأت لنقضها لكن لإتمامها ثم يحكون عن بولس الملعون أنه نهى عن الختان وهو من أوكد شرائع التوراة وعن شمعون باطرة المسخوط أنه أباح أكل الخنزير وكل حيوان وطعام حرمته التوراة ثم هم قد نقضوا شرائع التوراة كلها أولها عن آخرها من السبت وأعياد اليهود وغير ذلك وهم مع هذا العمل لا يختلفون في أن المسيح وجميع تلاميذه بعده لم يزالوا يتلزمون السبت وأعياد اليهود وفصحهم إلى أن ماتوا على ذلك وأن المسيح إنما أخذ ليلة الفصح وهو يفصح على سنة اليهود وشريعتهم فكيف هذا فلا بد لهم من أن يضيفوا الكذب إلى المسيح جهاراً إذ أخبر أنه لم يأت لنقض التوراة ثم نقضها فصح أنه أتى لما أخبر أنه لم يأت له من نقضها وهذا كذب لا مذحل عنه ولابد لهم من أن يقروا من أن المسيح مسخوط يدعى في ملكوت السموات صغيراً لا عظيماً لأنه هكذا أخبر هو عمن حلل عهداً صغيراً من عهودها وهو قد حل عهوداً كباراً من عهودها إذ حرم الطلاق وقد أباحته التوراة ونهى عن القصاص الذي جاءت به التوراة فقل قد قيل العين بالعين والسن والسن وأنا أقول لا تكافئوا أحداً بسيئة ولكن من لطم خدك الأيمن فانصب له الأيسر قال أبو محمد رضي الله عنه ولابد لهم من أن يشهدوا على أنفسهم أولهم عن آخرهم وسالفهم عن خالفهم بمعصية الله تعالى ومخالفة المسيح وأنهم يدعون في ملكوت السموات صغاراً إذ نقضوا حكم التوراة أولها عن آخرها ولا يمكنهم ههنا دعوى النسخ البتة لأنهم حكوا كما أوردنا عن المسيح أنه قال أقول لكم إلى أن تبيد السماء والأرض لا تبيد باء واحدة ولا حرف واحد من التوراة حتى يتم الجميع فمنع من النسخ جملة وأن في هذا لعجباً لا نظير له وحمقاً وضلالاً ما كنا نصدق بأن أحداً يدين به لولا أنا شاهدناهم ونسأل الله السلامة ثم ذكر في الباب الثامن عشر من إنجيل متى أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر بأجمعهم ومن جملتهم يهوذا الأشكر يوطا الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً كل ما حرمتموه في الأرض يكون محرماً في السماء وكل ما حللتموه في الأرض يكون محللاً في السماء وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى أنه قال هذا القول لباطره وحده قال أبو محمد رضي الله عنه وهذا تناقض عظيم كيف يكون التحليل والتحريم للحواريين أو لباطره مع قوله أنه لم يأت لتبديل التوراة لكن لإتمامها وأنه من نقض من عهودها عهداً صغيراً دعي في ملكوت السموات صغيراً وأن السماء والأرض تبيدان قبل أن تبيد من التوراة باء واحدة أو حرف واحد ولئن كان صدق في هذا فإن في نص التوراة أن الله تعالى قد لعن من صلب في خشبة وهم يقولون أنه صلب في خشبة ولاشك في أن باطرة شمعون أخا يوسف وأندرياش أخو باطرة وفليش وبولس صلبوا في الخشب فعلى قول المسيح لا يبيد شيء من التوراة حتى يتم جميعها فكل هؤلاء ملعونون بلعنة الله تعالى فاعجبوا لضلال هذه الفرقة المخذولة فما سمع بأطم من هذه الفضائح أبداً فصل وفي الرابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لهم أنا أقول لكم كل من سخط على أخيه بلا سبب فقد اتسوجب القتل وإ أضرت إليك عينك اليمنى فافقأها وأذهبها عن نفسك فذهابها عنك أحسن من إدخال جسدك الجحيم وإن أضرت إليك يدك اليمنى فابرأ منها فذهابها منك أحسن من إدخال جسدك النار قال أبو محمد رضي الله عنه وهذه شرائع يقرون أن المسيح عليه السلام أمرهم بها وكفهم عنها بلا خلاف بين أحد منهم ولا يرون القضاء بشيء منها فهم على مخالفة المسيح بإقرارهم وهم لا يرون الختان والختان كان ملة المسيح وكان مختوناً والمسيح وتلاميذه لم يزالوا إلى أ ماتوا يصومون صوم اليهود ويفصحون فصحهم ويلتزمون السبت إلى أن ماتوا وهم قد بدلوا هذا كله وجعلوا مكان السبت الأحد وأحدثوا صوماً آخر بعد أزيد من مائة عام بعد رفع المسيح فكفى بهذا كله ضلالاً وكفراً وليس منهم أحد يقدر على إنكار شيء من هذا فإن قالوا إن المسيح أمرهم باتباع أكابرهم قلنا لا عليكم أرأيتم لو أن بطارقتكم اليوم أجمعوا على إبطال ما أحدثه بطارقتكم بعد مائة عام من رفع المسيح وأحدثوا لكم صياماً آخر ويوماً آخر غير يوم الأحد وفصحاً آخر وردوكم إلى ما كان عليه المسيح من تعظيم السبت وصوم اليهود وفصحهم أكان يلزمكم اتباعهم فإن قالوا لا قلنا ولم وأي فرق بين اتباع أولئك وقد خالفوا ما نص عليه المسيح والحواريون وبين اتباع هؤلاء فيما أحدثوه آنفاً فإن قالوا إن أولئك لعنوا ومنعوا من تبديل ما شرعوا قلنا لهم وأي لعن وأي منع أعظم من منع المسيح من تبديل شيء من عهود التوراة ثم قد بدله من أطعتموه في تبديله له فقد صار منع من بعد المسيح أقوى من منع المسيح وإن قالوا نعم كنا نتبعهم أقروا أن دينهم لا حقيقة له وإنه إنما هو اتباع ما رع أكابرهم من تبديل ما كانوا عليه ويقال لهم أرأيتم إن أحدث بعض بطارقتكم شرائع وأحدث الآخرون منهم أخر ولعنت كل طائفة منهم من عمل بغير ما شرعت فكيف يكون الحال فأي دين أوسخ وأضل وأفسد من دين من هذه صفته ولقد كان لهم فيما أوردنا من هذا الفصل كفاية في بطلان كل ما هم عليه لو كان لهم مسكة عقل وحق لكل دين مرجعه إلى متى الشرطي ويوحنا المستخف ومارقش المرتد ولوقا الزنديق وباطره اللعين وبولس الموسوس الاضلال لهم في دينهم أن تكون هذه صفته والحمد لله على عظيم نعمته علينا فصل وفي الباب الخامس من إنجيل متى أن المسيح قال لهم ليكن دعاؤكم على ما أصف لكم أبانا السماوي تقدس اسمك ثم قال بعد ذلك وقد علم أبوكم أنكم ستحتاجون إلى جميع هذا وفي آخر الإنجيل أنه قال لهم أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم فما نرى للمسيح من البنوة لله تعالى إلا ما لسائر الناس ولا فرق فمن أين حصره بأنه ابن الله عز وجل دون سائرهم كلهم إلا أن كذبوه في هذا القول فليختاروا أحد الأمرين ولابد. من أين خصوا كل من سوى المسيح بأن الله تعالى إلهه ولم يقولوا أن الله إله المسيح كما قال هو بلسانه فلابد ضرورة من الإقرار بأن الله هو إله المسيح وأن سائر الناس أبناء الله تعالى أو يكذبوا المسيح في نصف كلامه وحسبك بهذا فساداً وضلالاً تعالى الله عن أن يكون أباً لأحد أو أن يكون له ابن لا المسيح ولا غيره بل هو تعالى إله المسيح وإله كل من هو غير المسيح أيضاً فصل وكثير ما يحكون في جميع الأناجيل في غير ما موضع أنه إذا أخبر المسيح عن نفسه سمي نفسه ابن الإنسان ومن المحال والحمق أن يكون الإله ابن إنسان أو أن يكون ابن إله وابن إنسان معاً وأن يلد إنسان إلهاً ما في الحمق والمحال والكفر أكثر من هذا ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب التاسع من إنجيل متى فبينا يسوع هذا إذ أقبل إليه أحد أشراف ذلك الموضع وقال له إن ابنتي توفيت وأنا أرغب إليك أن تذهب إليها وتمسها بيدك لتحيى ثم ذكر أنه لما دخل بيت القائد وأبصر بالنوايح والبواكي قال لهن اسكتن فإن الجارية لم تمت ولكنها راقدة فاستهزأت الجماعة به ولما خرجت الجماعة عنها دخل عليها وأخذ بيدها ثم أقامها حية وذكر هذه القصة نفسها في الباب السابع من إنجيل لوقا إلا أنه قال فيها إن أباها قال له قد أشرفت على الموت وأنه نهض معه فلقيه رسول يخبره بأن الجارية قد ماتت فلا تعنه وأن المسيح قال لأبيها لا تخف وآمن فتحيى فلما بلغا البيت لم يدخل مع نفسه في البيت إلا باطرة ويوحنا ويعقوب وأبو الجارية وكانت الجماعة تبكي وتلتدم فقال لهم لا تبكوا فإنها راقدة وليست ميتة فاستهزؤا به معرفة بموتها فأخذ بيدها ودعاها وقال يا جارية قومي فانصرف عنها زوجها وقامت من وقتها وأمر أن تطعم طعاماً وجاء أبواها وأمرهما أن لا يعلما أحداً بما فعل وذكر مثل هذا في الباب الخامس من إنجيل مارقش قال أبو محمد في هذا الفصل مصايب جمة أحدها كان يكفي في أنه إنجيل موضوع مكذوب أولها حكايتهم عن المسيح أنه كذب جهاراً إذ قال لهم لم تمت إنما هي حية راقدة ليست ميتة فإن كان صادقاً في أنها ليست ميتة فلم يأت بآية لا بعجيبة وحاشى لله أن يكذب نبي فكيف إله وليس لهم أن يقولوا أن الآية هي إبراؤها من الإغماء لأن في نص إنجيلهم أنه قال لأبيها آمن فتحيا بانتك فلابد من الكذب في أحد القولين والثانية أن متى ذكر أن أباها جاء إلى المسيح وهي قد ماتت وأخبره بموتها ودعاه ليحييها ولوقا يقول إن اباها أتى إلى المسيح وهي مريضة لم تمت وأتى به ليبريها بعد وأن الرسول لقيه في الطريق وقال له لا تعنه فقد ماتت فأحد النذلين كاذب بلا شك فعليهما لعاين الله وسخطه فلا يجوز أخذ الدين عن كذاب والثالثة انفراد المسيح عن الناس عند مجيئه بهذه الآية حاشى أبويها وثلاثة من أصحابه ثم استكتامه إياهم ذلك والآيات لا تطلب لها الخلوات ولا تستر عن الناس وفي الأناجيل من هذا كثير من أنه لم يقدر في بعض الأوقات على آية مرة بحضرة بلاطس ومرة بحضرة اليهود وأنه قال لمن طلب منه آية إنكم لا ترون آية إلا آية يونس إذ بقي في بطن الحوت ثلاثاً وما كان هكذا فإنما هي أخبار مسترابة وكذبات مفتعلة ونقل عمن لا خير فيه وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب العاشر من إنجيل متى أن المسيح جمع إلى نفسه اثني عشر رجلاً من تلاميذه وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة ينفوها وأن يبرؤا من كل مرض وهذه أسماؤهم أولهم شمعون المسمى بباطرة وأندرياش أخوه ويعقوب ابن سيذاي ويوحنا أخوه وفيلبس وبرتلوما وطوما ومتى الجابي ويعقوب ويهوذا أخوه وشمعون الكنعاني ويهوذا الأشكريوطا الذي دل عليه بعد ذلك فبعث يسوع هؤلاء الاثني عشر وقال لهم لا تسلكوا في سبيل الأجناس ولا تدخلوا في مداين السامريين ولكن احتضروا إلى الضان التالفة من بني إسرائيل ففي هذا الفصل طامتان إحداهما قوله أنه أعطى أولئك الاثني عشر وسماهم بأسمائهم كلهم سلطاناً على الأرواح النجسة وأن يبرؤا من كل مرض وسمى فيهم يهوذا ولم يدع للانتكال وجهاً بل صرح بأنه هو الذي دل عليه بعد ذلك اليهود حتى أخذوه وصلبوه بزعمهم وضربوه بالسياط ولطموه واستهزؤا به وقد كذبوا لعنهم الله فكيف يجوز أن يقرب الله تعالى ويعطي السلطان على الجن والإبراء من كل مرض من يدري أنه هو الذي يدل عليه ويكفر بعد ذلك هذا مع قول يوحنا في إنجيله أن يهوذا المذكور كان سارقاً وأنه كان يخطف كل ما كان يهدى إلى المسيح ويذهب به فلابد ضرورة من أحد وجهين بلا ثالث أصلاً إما أن يكون المسيح اطلع على ما اطلع عليه يوحنا من سرقة يهوذا وخبث باطنه وأعطاه مع ذلك الآيات والمعجزات وجعله واسطة بينه وبين الناس وجعله أن يحرم ويحلل فيكون ما حرم وحلل محرماً ومحللاً في السموات فهذه مصيبة وتوقيع بالكفار وتقديم لمن لا يستحق وسخرية بالدين وليس هذه صفة الإله ولا من فيه خير أو يكون خفي على المسيح من خبث نية يهوذا ما عرف غيره فهذه عظيمة أن يكون الإله يجهل ما خلق فهل سمع قط بأحمق من هذه القصص وممن يعتقدها حقاً والثانية قوله لا تسلكوا في سبيل الأجناس ولا تدخلوا مداين السامريين واحتضروا إلى الضأن المبددة التالفة من نسل بني إسرائيل وأنه لم يبعث إلا إلى الضأن التالفة من بني إسرائيل وهذا إنما أمرهم بأن يكملوه بعد رفعه بإقرارهم كلهم أنه طول كونه في الأرض لم يفارقه أحد منهم ولا نهضوا داعين إلى بلد آخر البتة فقد خالفوه وعصوه لأنهم لم يذهبوا إلا إلى الأجناس فهم عصاة لله عز وجل فساق بإقرارهم فصل وفي هذا الباب نفسه بإقرارهم أن المسيح قال لتلاميذه وإذا طلبتم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى أمين أقول لكم لا تستوعبون مداين بني إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان يعني رجوعه إلى الدنيا ظاهراً بعد رفعه إلى جميع الناس وفي الباب السابع من إنجيل مارقش وفي أول الباب التاسع من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم إن من هؤلاء الوقوف بعض قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ملك الله مقبلاً بقدرة قال أبو محمد وكذب هذا المقول قد ظهر علانية فقد استوعبوا مداين بني إسرائيل وغيرها ولم يروا ما وعدهم به من رجوعه بالقدرة علانية قبل أن يموت كل من بحضرته يومئذ وحاش لله أن يكذب نبي فكيف غله ففي هذا الفصل وحده كفاية لو كان ثم عاقل في أن الذين كتبوا هذه الأناجيل كانوا كذا بين قوم سوء فإن في صحيح حديثكم أن نبيكم ﷺ قال وأشار إلى ذلك الغلام في حد الصبا وأنه كان يقول للأعراب إذا سألوه متى تقوم الساعة فيشير إلى أصغرهم ويقول أن يستكمل هذا عمره لم يأته الموت حتى تقوم الساعة قلنا هذا لفظ غلط فيه قتادة ومعبد ابن هلال فحدثا به عن أنس على ما توهماه من معنى الحديث ورواه ثابت ابن أسلم البناني عن أنس كما قاله رسول الله ﷺ بلفظه فقال قامت عليكم ساعتكم وهكذا رواه الثقاة أيضاً عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي ﷺ كما رواه ثابت عن أنس وقال أنه عليه السلام قال أن هذا لا يستوفي عمره حتى تقوم عليه ساعتكم يعني وفاة أولئك المخاطبين له وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ولا خلاف في أن ثابتاً البناني أثقف لألفاظ الأخبار من قتادة ومعبد فكيف وقد وافقته أم المؤمنين ونحن لا ننكر غلط الرواة إذا قام عليه البرهان أنه خطأ وقد صح في القرآن والأخبار الثابتة من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه وغيرهما عن النبي ﷺ أنه لا يدري متى تقوم الساعة أحد إلا الله ولو قال النصارى واليهود مثل هذا في نقلة كتبهم ما عنفناهم ولا أنكرنا عليهم وجود الغلط في نقلهم وإنما ننكر عليهم أن ينسبوا يعني اليهود والنصارى إلى الله تعالى الكذب البحت ويقطعون أنه من عند الله تعالى وننكر على النصارى أن يجعلوا من صح عنه الكذب معصوماً يأخذون عنه دينهم وأن يحققوا كل خبر متناقض وكل قضية يكذب بعضها بعضاً ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي هذا الباب نفسه أن المسيح قال لهم لا تحسبوا أني جئت لأدخل بين أهل الأرض الصلح لا السيف وإنما قدمت لأفرق بين المرء وابنه وبين الابنة وأمها وبين الكنة وختنتها وأن يعادي المرء أهل خاصته وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم إنما قدمت لألقي في الأرض ناراً وإنما أراد لي إشعالها والتعطش فيها جميعها وأنا بذلك منتصب إلى تمامه أتظنون أني أتيت لأصلح بين أهل الأرض لا ولكن لأفرق بينهم فيكون خمسة متفرقين في بيت ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة الأب على الولد والولد على الأب والابنة على الأم والأم على الابنة والختنة على الكنة والكنة على الختنة فهذان فصلان كما ترى وفي الباب التاسع من إنجيل لوقا أن المسيح قال لهم لم نبعث لنلف الأنفس لكن لسلامتها وفي الباب العاشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال من سمع كلامي ولم يحفظه فلست أحكم أنا عليه فإني لم آت لأحكم على الدنيا وأعاقبها لكن إلى تبليغ أهل الدنيا قال أبو محمد هذان الفصلان ضد الفصلين اللذين قبلهما وكل واحد من المعنيين يكذب الآخر صراحاً فإن قيل إنه إنما أراد أنه لم يبعث لتلف الأنفس التي آمنت به قلنا قد عم ولم يخص وبرهان بطلان تأويلكم هذا من أنه إنما عني أنه لم يبعث لتلف النفوس المؤمنة به إنما هو نص هذا الفصل في الباب التاسع من إنجيل لوقا هو وكما نورده إن شاء الله تعالى قال عن المسيح أ ه بعث بين يديه رسلاً وجعلوا طريقهم على السامرية ليعدوا له بها فلم يقبلوه لتوجهه إلى بلاشلام فلما رأى ذلك يوحنا ويعقوب قالا له يا سيدنا أيوافقك أن تدعو فتنزل عليهم ناراً من السماء وتحرق عامتهم كما فعل الياس فرجع إليهم وانتهرهم وقال الذي أنتم له أرواح لم يبعث الإنسان لتلف الأنفس لكن لسلامتها ثم توجهوا إلى حصن آخر قال أبو محمد فارتفع الإشكال وصح أنه لم يعن بالأنفس التي بعث لسلامتها بعض النفوس دون بعض ولكن عنى كل نفس كافرة به ومؤمنة بل لا كما يسمعون إنما قال ذلك إذ أراد أصحابه هلاك الذين لم يقبلوه فظهر تكاذب الكلام الأول وحاشى لله أن يكذب الرسول المسيح عليه السلام لكن الكذب بلا شك من الفساق الأربعة الذين كتبوا تلك الأناجيل المحرفة المبدلة ثم في هذا الفصل نص جلي على أنه مبعوث مأمور فصح أنه نبي كما يقول أهل الحق إن كانوا صدقوا في هذا الفصل وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب المذكور نفسه أن المسيح قال من قبل نبياً على اسم نبي فإنه يكافأ بمثل أجر النبي قال أبو محمد وهذا كذب ومحال لأنه لا تفاضل للناس عند الله تعالى في الآخرة إلا بأجورهم التي يعطيهم الله تعالى فقط لا بشيء آخر أصلاً فمن كان أجره فوق أجر غيره فهو بالضرورة أفضل منه والآخر بلا شك دونه ومن كان أجره مثل أجر آخر فهما بلا شك سواء في الفضل هذا يعلم ضرورة بالحس فلو كان كل من اتبع نبياً له مثل أجر النبي لكان أهل الإيمان كلهم في الآخرة سواء لا فضل لأحد على أحد عند الله تعالى وهذا يعلم أنه كذب ومحال وبالضرورة ولو كان هذا لوجب أن يكون أجر كل من النصارى مثل أجر باطرة والتلاميذ وبولس ومارقش ولوقا وليس منهم أحد يقول بهذا ولا يدخله في الممكن فكلهم متفق على أن إلههم كذب وحاش لله من أن يكذب نبي من أنبيائه أو رجل صادق من أهل الإيمان وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل متى أن المسيح قال وقد ذكر يحيى بن زكريا أنا أقول لكم أنه أكثر من نبي وهو الذي قيل فيه وأنا باعث ملكي بين يديك ليعدلك طريقك قال أبو محمد في هذا الفصل كذب في موضعين أحدهما قوله في يحيى أنه أكثر من نبي وهذا محال لأنه لا يخلو يحيى وغير يحيى من الناس من أن يكون أوحى إليه أو لم يوحي إليه ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كان أوحى إليه فهو نبي ولا يمكن وجود أكثر من نبي في الناس إلا أن يكون رسولاً نبياً ويحيى رسول الله بإجماعهم وإن كان لم يوح إليه فهذه منزلة يستوي فيها الكافر والمؤمن ولا يجوز أن يكون من لا يوحي الله إليه مثل من استخلصه الله عز وجل بالوحي إليه فكيف أن يكون أكثر منه والكذبة الثانية قوله أن يحيى هو الذي قيل فيه وأنا باعث ملكي بين يديك لأن يحيى على هذا القول ملك وهذا كذب بحت لأنه إنسان ابن رجل وامرأة عاش إلى أن قتل وليس هذه صفة الملك ويحيى لم يكن ملكاً وفي هذا الفصل لكن بعد هذا أنه قال أن يحيى آدمي فهذا القول كذب على كل حال وحاشا لله أن يكذب نبي لا ولا رجل فاضل فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم أمين أقول لكم لم يولد من الآدميين أحد أشرف من يحيى المعمد ولكن من كان صغيراً في ملكوت السماء فهو أكبر منه قال أبو محمد تأملوا هذا الفصل تروا مصيبة الدهر فيهم وقرة عيون الأعداء وهو لا يمكن أن يقوله ولا ينطق به صبي يرجى فلاحه ولا أمة وكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل أثبت أنه لم يولد في الآدميين أشرف من يحيى وغذا كان كما زعم أن الصغير في ملكوت السماء أكبر من يحيى فكل من يدخل ملكوت السماء ضرورة فهو أكبر من يحيى فوجب من هذا أن كل مؤمن من بني آدم فهو أفضل من يحيى وأن يحيى أرذل وأصغر من كل مؤمن فما هذا الهوس وما هذا الكذب وما هذه الغباوة السمجة في الدين وكم هذا التناقض والله ما قال المسيح قط شيئاً من هذه الرعونة وما قالها إلا الكذاب متى ونظراؤه عليهم لعنة الله ولقد كانوا في غاية الوقاحة والاستخفاف بالدين فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم كل كتاب ونوبة فإن منتهاها إلى يحيى قال أبو محمد رضي الله عنه وفي هذا الفصل على صغره كذبتان إحداهما قوله قيل أن يحيى أكبر من نبي مع ما في الإنجيل من أن يحيى سئل فقيل له أنبي أنت قال لا وقال ههنا إن كل نبوة منتهاها إلى يحيى فمرة ليس هو نبياً ومرة هو نبي آخر الأنبيا ومرة هو أكبر من نبي تبارك الله كم هذا التخليط والكذب الفاحش والأخرى قوله فيه إن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى وليس بعد النهاية شيء فهو على هذا آخر الأنبياء وفي الباب الرابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لهم إني باعث إليكم أنبياء وعلماء ستقتلون منهم وتصلبون فقد كذب القول بأن يحيى آخر الأنبياء ومنتهى النبوة إليه والنصارى مقرون بأنه قد كان بعده أنبياء وأن نبياً أتى إلى بولس فأنذره بأنه سيصلب ذكر ذلك لوقا في الافركسيس فقد حصلوا على تكذيب المسيح في قوله وفي بعض هذا كفاية فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم أتاكم يحيى وهو لا يأكل ولا يشرب فقلتم هو مجنون ثم أتاكم ابن الإنسان يعني نفسه يأكل ويشرب فقلتم هذا خواف شروب للخمر خليع صديق للمستخرجين والمذنبين قال أبو محمد رضي الله عنه في هذا الفصل كذب وخلاف لقول النصارى أما الكذب فإنه قال ههنا أن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب حتى قيل فيه أنه مجنون من أجل ذلك وفي الباب الأول من إنجيل مارقش أن يحيى ابن زكريا هذا كان طعامه الجراد والعسل الصحراوي وهذا تناقض وأحد الخبرين كذب بلا شك وأما خلاف قول النصارى فإنه ذكر أن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب وأن المسيح كان يأكل ويشرب وبلا شك إن من أغناه الله عز وجل عن الأكل والشرب من الناس فقد أبانه ورفع درجته عمن لم يغنه عن الأكل والشرب منهم فيحيى أفضل من المسيح بلا شك على هذا وقصة ثالثة وهي اعتراف المسيح على نفسه بأنه يأكل ويشرب وهو عندهم إله فكيف يأكل الإله ويشرب ما في الهوس أكثر من هذا فإن قالوا إن الناسوت منه هو الذي يأكل ويشرب قلنا وهذا كذب منكم على كل حال لأنه إذا كان المسيح عندكم لاهوتاً وناسوتاً معاً فهو شيئان فإن كان إنما يأكل الناسوت وحده فإنما أكل الشيء الواحد من جملة الشيئين ولم يأكل الآخر فقولوا إذا أكل نصف المسيح وشرب نصف المسيح وإلا فقد كذبتم بكل حال وكذب أسلافكم في قولهم أكل المسيح ونسبتم إلى المسيح الكذب بخبره عن نفسه أنه يأكل وإنما يأكل نصفه لا كله والقول أنذال بالجملة فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لا يعلم الولد غير الأب ولا يعلم الأب غير الولد قال أبو محمد رضي الله عنه هذا عجب جداً لأن المسيح عندهم ابن الله بلا خلاف بينهم والله تعالى عن كفرهم هو والد المسيح وأبوه وهكذا يطلق النذل باطرة في رسائله المنتنة متى ذكر الله فإنما يقول قال الله والد ربنا المسيح أمراً كذا وكذا ثم ها هنا قال إن المسيح قال إنه لا يعلم الأب إلا الابن ولا يعلم الابن إلا الأب فقد وجب ضرورة أن التلاميذ وسائر النصارى لا يعلمون الله تعالى أصلاً ولا يعرفون المسيح البتة فهم جهلاء بالله تعالى وبالابن ومن جهل الله تعالى ولم يعرفه فهو كافر فهم كفار كلهم أسلافهم وأخلافهم أو كذب المسيح في هذا الكلام أو كذب النذل متى لابد والله من أحدها وقد أعاذ الله تعالى عبده ورسوله المسيح من الكذب فبقيت الاثنتان وهما والذي سمك السماء حق أن النصارى جهال بالله تعالى وأن الشرطي متى ملفق جاهل فعلى جميعهم ما يستحقون من الله نعم وفي هذا القول الملعون الذي أضافوه إلى المسيح عليه السلام القطع بأن الملائكة والأنبياء السالفين كلهم ليس منهم أحد يعرف الله تعالى فاعجبوا لعظيم فسق هذا الأحمق متى وعظيم حماقة من قلده في دينه ونحمد الله على السلامة كثيراً فصل وفي الباب المذكور أن بعض التوراويين قال للمسيح يا معلم إنا نريد أن نأتينا بآية فقال لهم المسيح يا نسل السوء ويا نسل الزنا تسألون آية ولا ترون منها آية غير آية يونس النبي فكما أن يونس النبي كان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال كذلك يكون ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها قال أبو محمد رضي الله عنه لو لم يكن في إنجيلهم إلا هذا الفصل الملعون وحده لكفى في بطلان جميع أناجيلهم وجميع دينهم فإنه قد جمع عظيمتين إحداهما تحقيق أنه لم يأت مخالفيه قط بآية وإقرار المسيح بذلك بزعمهم وأن آياته التي يذكرون إنما كانت خفية وفي السر بحضرة النزر القليل الذين اتبعوه ومثل هذا لا تقوم به حجة على المخالف أو تحقيق الكذب على المسيح في أنه يخبر أنهم لا يرون آية وهو يريهم الآيات لابد من إحداهما والفصل الثاني وهو الطامة الكبرى حكايتهم عن المسيح أنه قال عن نفسه كما بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بليالها كذلك يبقى هو في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها وهذه كذبة شنيعة لا حيلة فيها لأنهم مجمعون وفي جميع أناجيلهم أنه دفن قرب مغيب الشمس من يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وقام من القبر قبل الفجر من ليلة الأحد فلم يبق في جوف الأرض إلا ليلة وبعض أخرى ويوماً ويسيراً من يوم ثان فقط وهذه كذبة لا خفاء بها فيما أخبر به المسيح لابد منها أو كذب أصحاب الأناجيل وهم أهل الكذب وحسبنا الله فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متى أن المسيح قال يشبه ملكوت السماء بحبة خردل ألقاها رجل في فدانه وهي أدق الزراريع كلها فإذا نبتت استعلت على جميع البقول والزراريع حتى ينزل في أغصانها طير السماء ويسكن إليها قال أبو محمد حاشى للمسيح عليه السلام أن يقول هذا الكلام لكن النذل الذي قاله كان قليل البصارة بالفلاحة وقد رأينا نبات الخردل ورأينا من رأه في البلاد البعيدة فما رأينا قط ولا أخبرنا من رأى شيئاً منه يمكن أن يقف عليه طائر ومثل هذه المسامحات لا تقع لنبي أصلاً فكيف لله عز وجل فصل وفي آخر الباب المذكور أن المسيح رجع إلى بلاده وجعل يوصي جماعتهم بوصايا يعجبون منها وكانوا يقولون من أين أوتي هذه العلوم وهذه القدرة أما هذا ابن الحداد وأمه مريم وإخوته يعقوب ويوسف وشمعون ويهوذا واخواته أما هؤلاء كلهم عندنا فمن أين أوتي هذا وكانوا يشكون فيه فقال لهم يسوع ليس يعدم النبي حرمته إلا في بيته وبلده ولتشككهم وكفرهم لم يطلع في ذلك الموضع عجايب كثيرة وفي الباب الخامس من إنجيل مارقش قال وكانت الجماعة تسمع منه وتعجب منه العجب الشديد من وصيته ويقولون من أين أوتي هذا وما هذه الحكمة التي رزقها ومن أين هذه الأعاجيب التي ظهرت على يديه أليس هو ابن الحداد وابن مريم أخو يوسف ويعقوب وشمعون ويهوذا ليس اخواته هن ههنا معنا وكان يقول لهم يسوع ليس يكون نبي بغير حرمة إلا في وطنه وبين عشيرته وفي أهل بيته وليس كان يقوى أن يفعل هنالك آية لكن وضع يديه على مرضى قليل فأبرأهم وفي الباب الثامن من إنجيل لوقا فلما دخل والد المسيح البيت وبعد هذا بيسير قال فكان يعجب منه أبوه وأمه وبعده بيسير قول مريم أمه له فقد طلبك أبوك وأنا معه وفي الباب السابع منه أقبلت إليه أمه وإخوته وفي الباب الثامن عشر من إنجيل يوحنا وبعد هذا نزل إلى قفر ناحوم ومعه أمه وإخوته وتلاميذه وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا وكان إخوته لا يؤمنون به قال أبو محمد في هذه الفصول ثلاث طوام نذكرها طامة طامة إن شاء الله تعالى أولها اتفاق الأناجيل الأربعة على أنه كان له والد معروف من الناس وإخوة وأخوات سمى الإخوة بأسمائهم وهم أربعة رجال سوى الأخوات ولا يعول في ذلك إلا على إقرار أمه بأن له والداً طلبه معها وهو يوسف الحداد أو النجار فأما أمه فقد اتفقنا نحن واليهود وجمهور النصارى على أنها حملت به حمل النساء وولدته كما تلد النساء أولادهن إلا طايفة من النصارى قالت لم تحمل به ولكن دخل من أذنها وخرج من فرجها في الوقت كالماء في الميزاب ولكن بقي علينا أن نعرف كيف تقول أمه عليها السلام عن النجار أو الحداد أنه أبوه ووالده فإن قالوا إن زوج الأم يسمى في اللغة أباً قلنا هبكم أن هذا كذلك كيف العمل في هؤلاء الذين اتفقت الأناجيل على أنهم إخوته وأخواته وإنما هم أولاد يوسف النجار أو الحداد وما وجد قط في اللغة العبرانية أن ولد الربيب من غير الأم يسمى أخاً إلا أن يقولوا إن مريم ولدتهم من النجار فقد قال هذا طائفة من قدمائهم منهم بليان مطران طليطلة ونحن نبرأ إلى الله تعالى مما يقول هؤلاء الكفرة أن يكون لآله معبود أم أو خال أو خالة أو ابن خالة أو ربيب أو أخ أو أخت وتباً لعقول يدخل هذا فيها من أن الله تعالى ربيباً هو زوج أمه وليس يمكنهم أن يقولوا إنما أراد كتاب الأناجيل أنهم إخوته في الإيمان والدين لأن يوحنا قد رفع الإشكال في ذلك وقال ومعه إخوته وتلاميذه فجعلهم طبقتين وقال أيضاً إن إخوته كانوا لا يؤمنون به وتالله لولا أنا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن من يلعب بقذره وما يخرج من سفله يصدق بشيء من هذا الحمق ولكن تبارك من أرانا بهذا أنه لا ينتفع أحد ببصره ولا بسمعه ولا بتمييزه إلا أن يهديه خالق الهدى والضلال نسأل الله الذي هدانا لملة الإسلام البيضاء الواضحة السليمة من كل ما ينافره العقل أن لا يضلنا بعد إذ هدانا حتى نلقاه على ملة الحق ونحلة الحق ومذهب الحق ناجين من خلل الكفر ونحل الضلال ومذاهب الخطأ وفي كل ما أوردنا بيان واضح في أن الذين ألفوا الأناجيل كانوا عيارين مستخفين بمن أضلوه متلاعبين بالدين والطامة الثانية إقرارهم بأن المسيح لم يكن يقوى في ذلك المكان على آية ولو كان لهم عقل لعلموا أن هذه ليست صفة آله يفعل ما يشاء بل صفة عبد مخلوق مدبر لا يملك من أمره شيئاً كما قال لرسول الله ﷺ. قل إنما الآيات عند الله.

والثالثة إقرارهم أن المسيح سمعهم ينسبونه إلى ولادة الحداد وأنه أبوه ولم ينكر ذلك عليهم فقد حققوا عليه أحد شيئين لا ثالث لهما البتة إما أنه سمع الحق من ذلك فلم ينكره وفي هذا ما فيه من خلاف قولهم جملة وإما أنه سمع الباطل والكذب فأقر عليه ولم ينكره وهذه صفة سوء وتلبيس في الدين قال أبو محمد وفي هذه الفصول مما لم يطلق الله تعالى أيديهم على تبديله من الحق قوله لا يعدم النبي حرمته إلا في وطنه وأهل بيته فيا عقول الأطفال ويا أدمغة الإوز لو عقلتم أما كان يكفيكم أن تقولوا فيه ما قال في نفسه وما شهد العيان بصدقه وصحته فيه وتتركوا الرعونة التي لم تقدروا منذ ألف عام على بيان ما تعتقدونه منها بقلوبكم ولا قدرتم على العبادة عنها بألسنتكم وكلما رمتم وجهاً من وجوه النوك انفتق عليكم باب منه لا قبل لكم به ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لباطرة إليك أبرأ بمفاتيح السموات فكل ما حرمته في الأرض يكون محرماً في السموات وكل ما أحللته على الأرض يكون حلالاً في السموات وبعد هذا الكلام بأربعة أسطر أن المسيح قال لباطرة نفسه متصلاً بالكلام المذكور اتبعني يا مخالف ولا تعارضني فإنك جاهل بمرضاة الله وإنما تدري مرضاة الآدميين قال أبو محمد في هذا الفصل على قلته وأنه قليل ومنتن كبعض ما يشبهه مما نكره ذكره سوءتان عظيمتان إحداهما أنه بريء إلى باطرة النذل بمفاتيح السموات وولاه خطة إلاهية التي لا تجوز لغير الله تعالى وحده لا شريك له من أن كل ما حرمه في الأرض كان حراماً في السموات وكل ما حلله في الأرض كان حلالاً في السموات والثانية أنه إثر براءته إليه بمفاتيح السموات وتوليته خطة الربوبية إما شريكاً لله تعالى في التحريم والتحليل وإما منفرداً دونه عز وجل بهذه الصفة قال له في الوقت أنه مخالف معارض له جاهل بمرضات الله عز وجل لا يدري إلا مرضات الآدميين فوالله لئن كان صدق في الآخرة لقد حزق في الأولى إذ ولي ما لا ينبغي إلا لله تعالى جاهلاً بمرضاة الله مخالفاً له لا يدري إلا رضاء الناس وأن هذه لسوأة الأبد إذ من هذه صفته لا يصلح أن يبرأ إليه بمفاتيح كنيف أو بيت زبل ولئن كان صدق وأصاب في الأولى لقد كذب في الثانية ووالله ما قال المسيح قط شيئاً مما ذكروا عنه في الأولى لأنها مقالة كافر شر خلق الله عز وجل وما يبعد أنه قال له الكلام الثاني فهو والله كلام حق يشهد المنافق على اللعين به باطرة شاه وجهه وعليه سخط وغضبه ثم عجب ثالث أننا قد ذكرنا قبل أن في الباب الثاني عشر من إنجيل متى أن المسيح أشرك مع باطرة في هذه الخطة التي أفرده بها ها هنا سائر الاثني عشر تلميذاً وفي جملتهم السارق الكافر الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً أخذها منهم وأنه قال لجميعهم ما حرمتموه في الأرض كان حراماً في السموات وما حللتموه في الأرض كان حلالاً في السموات فيا ليت شعري كيف يكون الحال إن اختلفوا فيما ولاهم من ذلك فأحل بعضهم شيئاً وحرمه آخر منهم كيف يكون الحال في السموات وفي الأرض لقد يقع أهلهما مع هؤلاء السفلة في شغل وفي حرمة وحل معاً فإن قيل لا يجوز أن يختلفوا قلنا سبحان الله وأي خلاف أعظم من تحليل يهوذا إسلامه إلى اليهود وأخذه ثلاثين درهماً رشوة على ذلك إلا أن كان عزله عن خطة إلاهية بعد أن ولاه إياها فلعمري إن من قدر أن يوليها أنه لقادر على العزل عنها ولعمري لقد رذلت هذه المنزلة عند هؤلاء الأرذال حقاً إذ يليها السراق ومن لا خير فيه ثم يعزلون عنها بلا مؤنة تعالى الله والله لو دكت الجبال والأرض دكاً وخرت السموات العلى وصعق بكل ذي روح عند سماع كفر هؤلاء الخساس لما كان ذلك بكبير وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا يخلو هذا القول من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أنه أراد أنا باطرة والتلاميذ المولين هذه الخطة لا يحللون شيئاً ولا يحرمون إلا بوحي من الله عز وجل فإن كان هذا فقد كذب في قوله الذي ذكرنا قبل أن كل نبوة فمنتهاها إلى يحيى بن زكريا لأن هؤلاء أنبياء على هذا القول وإما أنه أراد أنه قد جعل لباطرة وأصحابه ابتداء الحكم في التحريم والتحليل من عند أنفسهم بلا وحي من الله تعالى فيجب على هذا أنهم متى حرموا شيئاً حرمه الله تعالى اتباعاً لتحريمهم ومتى حللوا شيئاً حلله الله تعالى اتباعاً لتحليلهم فلئن كان هكذا فإن لخطة خسف ونرى لباطرة النذل وأصحابه الأوغاد قد صاروا حكاماً على الله تعالى ولقد صار عز وجل تابعاً لهم وحاشى لله تعالى من هذا كله وما نرى باطرة المنتن وأصحابه الرذلة حصلوا من مفاتيح السموات ومن خطة إلاهية إلا على حلق اللحى بالنتف وعلى ضرب الظهور بالسياط والصلب أما باطرة فدبره إلى فوق ورأسه إلى أسفل والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ليعلم كل مسلم أن هؤلاء الذين يسمونهم النصارى ويزعمون أنهم كانوا حواريين للمسيح عليه السلام كبارة ومتى الشرطي ويوحنا ويعقوب ويهوذا الاخساء لم يكونوا قط مؤمنين فكيف حواريين بل كانوا كذابين مستخفين بالله تعالى إما مقرين بإلاهية المسيح عليه السلام معتقدين لذلك غالين فيه كغلو السبائية وسائر فرق الغالية في علي رضي الله عنه وكقول الخطابية بإلاهية أبي الخطاب وأصحاب الحلاج بإلهية الحلاج وسائر كفار الباطنية عليهم اللعنة من الله والغضب وإما مدسوسين من قبل اليهود كما تزعم اليهود لإفساد دين أتباع المسيح عليه السلام وإضلالهم كانتصاب عبد الله بن سبأ الحميري والمختار بن أبي عبيد وأبي عبد الله العجاني وأبي زكريا الخياط وعلي النجار وعلي بن الفضل الجندي وسائر دعاة القرامطة والمشارقة لإضلال شيعة علي رضي الله عنه فوصلوا من ذلك إلى حيث عرف وسلم الله من ذلك من لم يكن من الشيعة وأما الحواريون الذين أثني عليهم فأولئك أولياء الله حقاً ندين الله عز وجل ولا ندري أسماءهم لأن الله تعالى لم يسمهم لنا إلا إننا نبت ونوقن ونقطع بأن باطرة الكذاب ومتى الشرطي ويوحنا المستخف ويهوذا ويعقوب النذلين ومارقس الفاسق ولوقا الفاجر وبولس الجاهل ما كانوا قط من الحواريين لكن من الطائفة التي قال الله فيها. وكفرت طائفة. وبالله تعالى التوفيق

فصل وفي آخر الباب السادس عشر من إنجيل متى وأعلم يسوع من ذلك الوقت تلاميذه بما ينبغي له أن يفعله من دخول برشلام وحمل العذاب من أكابر أهلها وعلمائهم وقتلهم له وقيامه في الثالث فخلا به باطرة وقال له تعفى عن هذا يا سيدي ولا يصيبك منه شيء وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه سيبلى ابن الإنسان في أيدي الناس ويقتل ويحيا في الثالث يعني نفسه فحزنوا لذلك حزناً شديداً وفي أول الباب الثامن من إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه إن ابن الإنسان يبلى به في أيدي الآدميين فيقتلونه فإذا قتل يقوم في اليوم الثالث وإنهم لم يفهموا مراده بهذا الكلام وفي قرب آخر الباب الثامن من إنجيل لوقا أن المسيح قال للاثني عشر تلميذاً أنا متصعد إلى برشلام ونكمل كل ما نبأت به الأنبياء عن ابن الإنسان ويسيرون به إلى الأجناس يستهزؤن به ويجلدونه ويبصقون فيه وبعد جلدهم إياه يقتلونه ويحيا في اليوم الثالث فلم يفهموا عنه مما ألقي إليهم شيئاً وكان هذا عندهم معقداً لا يفهمونه قال أبو محمد رضي الله عنه في هذه الفصول ثلاث كذبات من طوام الكذب إحداها اتفاق الأناجيل المذكورة كما أوردنا على أن المسيح أخبرهم عن نفسه أنه يقتل وجميع الأناجيل الأربعة متفقة عند ذكرهم لصلبه على أنه مات على الخشبة حتف أنفه ولم يقتل أصلاً إلا أن في بعضها أنه طعنه بعد موته أحد الشرط برمح في جنبه فخرج من الطعنة دم وماء وفي هذا إثبات الكذب على المسيح لاتفاقهم كما أوردنا على أنه أخبرهم بأنه يقتل واتفاقهم كلهم على أنه لم يقتل وهذه سوءة جداً وحاشى لله أن يكذب نبي أو ينذر بباطل هذه علامة الكذابين لا علامة أهل الصدق وثانيها اتفاق الأناجيل المذكورة كما أوردنا على أنه قال ويقوم في الثالث ثم اتفقت الأناجيل كلها على أنه لم يحيى ولا قام إلا في الليلة الثانية فإنه دفن في آخر يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وحسبك أنهم ذكروا أنه لم يحنط استعجالاً لئلا تدخل عليهم ليلة السبت وأنه قام ليلة الأحد قبل الفجر وهذه كذبة فاحشة نسبوها إلى المسيح وحاشى له من مثلها وكذبة ثالثة وهي إخبار متى أنهم فهموا مراده بهذا القول وأنهم حزنوا حزناً شديداً لذلك وأن باطرة قال له تعفي عن هذا يا سيدي ولا يصيبك منه شيء وإخبار مارقس ولوقا أنهم لم يفهموا مراده بهذا الكلام وهذا تكاذب فاحش لا يجوز أن يقع من صادقين فكيف من معصومين فلاح يقيناً عظيم الكذب من الذين وضعوا هذه الأناجيل وأنهم كانوا فساقاً لا خير فيهم وبالله تعالى التوفيق فصل وفي الباب السابع عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه لئن كان لكم إيمان على قدر حبة الخردل لتقولن للجبل ارحل من هنا فيرحل ولا يتعاصى عليكم شيء وقبله متصلاً به أن تلاميذه عجزوا عن برائه قال لتشككم وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متى أن المسيح دعا على شجرة تين خضراء فيبست من وقتها فعجب التلاميذ فقال لهم المسيح أمين أقول لكم لئن آمنتم ولم تشكوا ليس تفعلون هذا في التينة وحدها ولكن متى قلتم لهذا الجبل انقلع وانطرح في البحر تم لكم وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لتلاميذه من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعلها أنا وسيفعل أعظم منها قال أبو محمد رضي الله عنه في هذه الفصول ثلاث طوام من الكذب عظيمة لا تخلو التلاميذ المذكورون ثم هؤلاء الأشقياء بعدهم إلى اليوم من أن يكونوا مؤمنين بالمسيح أو غير مؤمنين ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كانوا مؤمنين فقد كذب المسيح فيما وعدهم به في هذه الفصول جهاراً وحاشى له من الكذب وما منهم أحد قط قدر أن تأتمر له ورقة فكيف على قلع جبل وإلقائه في البحر وإن كانوا غير مؤمنين به فهم بإقرارهم هذا كفار ولا خير في كافر ولا يجوز أن يصدق كافر ولا أن يؤخذ الدين عن كافر ولابد لهم من أن يجيبوا إذا سألناهم في قلوبكم مقدار حبة خردل من إيمان أم لا وتؤمنون بالمسيح أم لا فإن قالوا نعم نحن مؤمنون به والإيمان في قلوبنا قلنا كذب المسيح يقيناً فيما أخبر به من أن من في قلبه مقدار حبة خردل من إيمان يأمر الجبل بأن ينقلع فينقلع والله ما منكم أحد يقدر على تيبيس شجرة بدعائه ولا على قلع جبل من موضعه وإن قالوا ليس في قلوبنا قدر حبة خردل من إيمان ولا نحن مؤمنون به قلنا صدقتم والله حقاً. وشهدوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. صدق الله عز وجل وأنبياؤه وكذب متى وباطرة ويوحنا ومارقش ولوقا وسائر النصارى الكذابون ولقد قلت هذا لبعض علمائهم فقال لي إنما عني بشجرة الخردل التي تعلو على جميع الزرايع حتى يسكن الطير فيها لقلت له لم يقل في الأناجيل مثل شجرة الخردل إنما قال مثل حبة الخردل وقد وصفها المسيح بإقرارهم بأنها أدق الزرايع وأيضاً فإنه ليس إلا مؤمن أو كافر وأما الشاك فإنه متى دخل الإيمان شك بطل وحصل صاحبه في الكفر فكيف ولم يدعنا المسيح بإقرارهم في شك من هذا التأويل الفاسد بل زعموا أنه قال لهم لتشككم لئن كان لكم إيمان قدر حبة الخردل لتقولن للجبل وقال في إنجيل يوحنا كما أوردنا لئن آمنتم ولم تشكوا فإنما أراد بيقين بهذه النصوص التصديق الذي هو خلاف الشك لا غاية العمل الصالح وقال كما أوردنا في إنجيل يوحنا من آمن بي سيفعل الأفاعيل التي أفعل أنا فعن هذا الإيمان به سألناكم أفي قلوبكم هو أم لا فقولوا ما بدا لكم قال أبو محمد وأما أنا فلو سمعت هذا القول ممن يدعي النبوة لما ترددت في اليقين بأنه كذاب ووالله ما قالها المسيح قط ولا اخترع هذا الكذب إلا أولئك السفلة متى ويوحنا وأمثالهم والعجب كله إقرار متى في الفصل المذكور كما أوردنا أن المسيح قال له ولأصحابه أنهم إنما عجزوا عن إبراء المجنون لشكهم فشهد عليهم بالشك وأنه لو كان لهم إيمان لم يعجزوا عن ذلك فلا يخلو المسيح عليه السلام فيما حكوا عنه من الكذب أن يكون كاذباً أو صادقاً فإن كان كاذباً فهذه صفة سوء والكاذب لا يكون نبياً فكيف إلهاً وإن كان صادقاً فإن الذين أخذوا عنهم دينهم ويسمونهم تلاميذ وأنهم فوق الأنبياء كفار شكاك فكيف يأخذون دينهم عن كفار شكاك لا مخرج لهم من إحداهما ولو لم تكن إلا هذه في أناجيلهم كلها لكفت في إبطالها وإبطال جميع ما هم عليه من دينهم المنتن ثم العجب كله كيف يشهد عليهم بالشك وهم يحكون أنه قد ولاهم خطة إلاهية وولاهم رتبة الربوبية في أن كلما حرموه في الأرض كان حراماً في السموات وكلما حللوه في الأرض كان حلالاً في السموات فكيف يجتمع هذا مع هذا وهل يأتي بهذا التناقض من دماغه سالم أو فيه آفة يسيرة بل هذا والله توليد آفك كاذب واختراع عيار متلاعب ونعوذ بالله عز وجل من الخذلان فصل في قرب آخر الباب الثامن عشر من إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه إذا اجتمع اثنان منكم على أمر فليس يسألان شيئاً على الأرض إلا أجابهم إليه أبي السماوي وحيث اجتمع اثنان أو ثلاثة على اسمي فأنا متوسطهم قال أبو محمد في هذا الفصل ظريف جداً وكذب لا يمطل ظهوره ولا يخلو أن يكون عني بهذه المخاطبة تلاميذه خاصة أو كل من آمن به وأي الأمرين كان فهو كذب ظاهر وما يشك أحد في أن تلاميذه سألوا أن يجيبهم من دعوه إلى ما دعوه إليه من دينهم وأن يتخلص من فتن من أصحابه فما أعطاهم شيئاً من ذلك الذي سماه أباه السماوي. فإن قيل لم يسألون قط شيئاً من ذلك قلنا هذه طامة أخرى لئن كان هذا فهم غاشون للناس غير مرتدين لصلاحهم بل ساعون في هلاكهم هيهات هذه منزلة ما أعطاها الله تعالى قط أحدا من خلقه صدق الله ورسوله ﷺ إذ أخبرنا أن ربه تعالى قال له. سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم.

وأخبرنا عليه السلام أنه دعا أن لا يجعل بأسنا بيننا بعده فلم يجبه الله تعالى إلى ذلك هذا هو الحق الذي لا مزيد فيه والقول الذي صحبه الصدق والحمد لله رب العالمين لم يفخر بما لم يعط ولا أنزل نفسه فوق قدرها ﷺ فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم إن أساء إليك أخوك المؤمن فعاقبه وحدك فيما بينك وبينه فإن سمع منك فقد ربحته وإن لم يسمع فخذ إلى نفسك رجلاً أو رجلين لكيما تثبت كل كلمة بشهادة شاهدين أو ثلاثة فإن لم يسمع فاعلم بخبره الجماعة فإن سمع الجماعة فليكن عندك بمنزلة المجوسي والمستخرج ثم بعده بأسطار يسيرة قال وعند ذلك تداني إليه باطرة وقال يا سيدي فإن أساء إلي أخي أتأمرني أن أغفر له سبعاً فقال له يسوع لست أقول لك سبعاً ولكن سبعين في سبعة قال أبو محمد هذا ضد قوله في الثالثة فليكن عندك بمنزلة المجوسي والمستخرج ولا سبيل إلى الجمع بينهما فصل وفي الباب الموفى عشرين من إنجيل متى إن أم ابني سيذاي أقبلت إليه مع ولديها فحنت ورغبت إليه فقال لها ما تريدين فقالت له أحب أن تقعد ابني هذين أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك في ملكك فقال يسوع تجهلين السؤال أيصبران على شرب الكأس التي اشرب فقالا نصبر فقال لهما ستشربان بكأسي وليس إلى تجليسكما عن يميني وشمالي إلا لمن وهب ذلك إلى أبي قال أبو محمد ففي هذا الفصل بيان أنه ليس إليه من الأمر شيء وأنه غير الأب كما يقولون بخلاف دينهم فإذ هو غير الأب وكلاهما إله فهما إلهان اثنان متغايران أحدهما قوي والآخر ضعيف لأنه بإقراره ليس له قدرة على تقريب أحد إلا من وهب له ذلك الذي يسمونه أباً وليت شرعي كيف يجتمع ما ينسبون إليه ههنا من الاعتراف بأنه ليس بيده أن يجلس أحداً عن يمينه ولا عن شماله وإنما هو بيد الله تعالى مع ما ينسبون إليه من أنه قدر على إعطاء مفاتيح السموات والأرض لأنذل من وجد وهو باطرة وأنه يفعل كل ما يفعله الأب وأن الله تعالى قد تبرأ إليه من الحكم وأن الله تعالى ليس يحكم بعد على أحد وسائر تلك الفضائح المهلكة مع تكاذبها وتدافعها وشهادتها بأنها ليست من عند الله ولا من عند نبي أصلاً لكن توليد كذاب كافر ونعوذ بالله تعالى فصل وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متى فلما تداني المسيح من برشلام وكان في موضع يقال له تتفيا جوار جبل الزيتون بعث رجلين من تلاميذه وقال لهما امضيا إلى الحصن الذي يقابلكما وستجدان فيه حمارة مربوطة بفلوها فحلا عنهما وأقبلا إلي بهما فإن تعرضكما أحد فقولا إن السيد يريدهما فيدعكما من وقته وكان ذلك ليتم به قول النبي القائل لابنه صهيون سيأتيك ملكك متواضعاً على حمارة وابن أتان فتوجه التلميذان وفعلا كما أمرهما به واقبلا بالحمارة وفلوها وألقوا ثيابهم عليها وأجلسوه من فوقها وفي الباب التاسع من آخر إنجيل مارقش فلما بلغ المسيح تتفيا إلى جبل الزيتون أرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى الحصن الذي بحيا لكما فإذا دخلتما ستجدان فلو أمر بوظالم يركبه بعد أحد من الآدميين حلاه واقبلا به إلي فإن قال لكما أحد ما هذا الذي تفعلان فقولا له إن السيد يحتاج إليه فيخليه لكما فانطلقا ووجدا الفلو مربوطاً قبالة رحبة الباب في زقاقين فحلاه فقال لهما بعض الوقوف هنالك ما لكما تحلان الفلو فقالا له كالذي أمرهما يسوع فتركوه لهما وساقا الفلو إلى يسوع فحملوا عليه ثيابهم وركب من فوق قال أبو محمد فهاتان قضيتان كل واحدة منهما تكذب الأخرى متى يقول ركب حمارة ومارقش يقول ركب فلواً والعجب كله من استشهادهم لذلك بقول النبي يأتيك ملكك راكباً على حمارة وابن أتان وما كان المسيح قط ملك برشلام فهذه كذبة أخرى وأظرف شيء استشهادهم لصحة أمره بركوبه حمارة أتراه لم يدخل قط برشلام إنسان على حمارة سواه هذه والله مضحكة من مضاحك السخفاء ولقد أخبرني الحسين بن بقي صاحبنا نور الله وجهه أنه وقف عالماً من علمائهم على هذا الفصل قال فقال إنما هذا رمز والحمارة هي التوراة قال فأضحكني قوله وقلت له فالإنجيل هو الفلو قال فسكت وعلم أنه أتى بما يوجب السخرية منه فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متى أن يسوع قال لهم إذا قام الناس لا يتزوجون ولا يتناكحون لكنهم يكونون كأمثال ملائكة الله في السماء وفي الباب السادس عشر من إنجيل متى وأيضاً في الباب الثاني عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه ليلة أخذه لا شربت بعدها من نسل الزرجون حتى أشربها معكم جديدة في ملكوت الله وفي الباب الرابع عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر أنتم الذين صبرتم معي في جميع مصائبي فإني ألخص لكم الوصية على ما لخصها لي أبي لتطعموا وتشربوا على مائدتي في الملك وتجلسوا على عروش حاكمين على اثني عشر سبطاً من بني إسرائيل قال أبو محمد ففي الفصل الأول أن الناس في الآخرة لا يتناكحون وفي الفصول الثلاثة بعده أن في الجنة أكلاً وشرباً للخبز والخمر على الموائد والنصارى ينكرون كل هذا ولا مؤنة عليهم في تكذيبهم للمسيح مع إقرارهم بعبادتهم له وأنه ربهم لاسيما وفي الفصل الأول أن الناس في الجنة كالملائكة وفي التوراة التي يصدقون بها أن الملائكة أكلت عند لوط وعند إبراهيم الفطاير واللحم واللبن والسمن وإذا كانت الملائكة يأكلون والناس في الجنة مثلهم فالناس في الجنة يأكلون ويشربون بلا شك بموجب التوراة والإنجيل ولا سيما وقد أخبروا أن المسيح بعد أن مات ورجع إلى الدنيا ولقي تلاميذه طلب منهم ما يأكل فأتوه بحوت مشوي فأكل معهم وشرب شراب عسل بعد موته فإذا كان الإله يأكل الحيتان المشوية ويشرب عليها العسل فأي فكرة في شرب الناس وأكلهم في الجنة وإذا كان الله تعالى عندهم اتخذ ولداً من امرأة اصطفاها فأي عجب في اتخاذ الناس النساء في الجنة وهذا هو طبعهم الذي بناهم الله عليه إلا أن في رعونة هؤلاء النوكي لعبرة لمن اعتبر والحمد لله رب العالمين وعجب آخر وهو وعده الاثني عشر تلميذاً بأنهم يقعدون على عروش حاكمين على الاثني عشر سبطاً من بني إسرائيل فوجب ضرورة كون يهوذا الاشكريوطا فيهم ولا يجوز أن يخاطب بهذا أصحابه دونه لأنه قد أوضح أنهم اثنا عشر على اثني عشر سبطاً من بني إسرائيل فوجب ضرورة كونه فيهم وهو الذي دل عليه اليهود برشوة ثلاثين درهماً فلابد من أنه لم يذنب في ذلك وهذا كذب لأنه قد قال في مكان آخر ويل لذلك الإنسان الذي كان أحب إليه لو لم يخلق أو كذب المسيح في هذا الوعد المذكور ولابد من إحداهما فصل وفي الباب الثالث والعشرين من إنجيل متى أن المسيح كاشف علماء بني إسرائيل وقال ما تقولون في المسيح وابن من هو قالوا هو ابن داود فقال لهم كيف يسميه داود بالروح إلاهاً حيث كنت قال الله لالاه اقعد على يميني حتى أجعل من أعدائك كرسياً لقدميك فإن كان داود يدعوه إلاهاً كيف هو ولده فلم يقدر منهم أحد على مراجعته قال ابو محمد هذا هو الحق من قول المسيح عليه السلام ولقد أنكر عليه السلام المنكر حقاً والعجب أن هؤلاء الأنذال المنتمين إلى أتباعه عليه السلام لا يختلفون في الاحتجاج بهذا الفصل المذكور وهو عليه السلام قد أنكر أن يكون المسيح ابن داود وهم يسمونه في الأناجيل كلها بأنه ابن داود فاعجبوا فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لتلاميذه أنتم إخوان ولا تنتسبوا إلى أب على الأرض فإن أباكم السماوي واحد قال أبو محمد في هذا الفصل فضيحتان عظيمتان إحداهما إخباره أن الله تعالى هو أبو التلاميذ فتراهم مثله سواء بسواء فلم خصه النصارى بأن يقولوا أنه ابن الله دون أن يقولوا عن تلاميذه متى ذكروهم أنهم أبناء الله تعالى الله عن هذا الكفر وعن أن يكون أباً أو ابناً والأخرى قوله لهم لا تنتسبوا إلى أب على الأرض والنصارى والأناجيل يطلقون أن شمعون بن يوثا ويعقوب ويوحنا ابنا سيذاي ويهوذا ويعقوب ابنا يوسف فقد أقروا بثباتهم على معصية المسيح إذ نهاهم أن ينتسبوا إلى أب على الأرض وهم أبداً ملازمون مخالفة أمره في ذلك متدينون بعصيانه فصل وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى أن المسيح أنذر تلاميذه بما يكون في آخر الزمان من الزلازل والبلاء وقال لهم فادعوا أن لا يكون هروبكم في شتاء ولا في سبت قال أبو محمد هذا بيان واضح بلزومهم حفظ السبت إلى انقضاء أمرهم وإلى حلول الزلازل بهم وهم على خلاف ذلك هذه أمة لا عقول لهم فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم سيتور مسحاء الكذب وأنبياء الكذب ويطلعون العجائب العظيمة والآيات حتى يغلط من يظن به الصلاح وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مارقش سيقوم مسيخون كذابون وأنبياء كذابون ويأتون بالآيات والبدائع ليخدعوا إن أمكن أيضاً إلا المختارين.

قال أبو محمد.

هذا الفصل مع الفصل الأخير الذي في توراة اليهود في السفر الخامس الذي نصه.

إن طلع فيكم نبي وادعى أنه رأى رؤيا وأتاكم بخبر ما يكون وكان ما وصفه ثم قال لكم بعد اتبعوا إلهة الأجناس فلا تسمعوا له مع الفصل الذي فيه من التوراة إن السحرة عملوا مثل ما عمل موسى في قلب العصا حية وإحالة الماء دماً والمجيء بالضفادع كاف في إبطال ما أتى به موسى والمسيح عليهما السلام وكل نبي يقرون بنبوته لأنه إذا جاز أن يأتي نبي كاذب بالمعجزات وأمكن أن يكذب النبي الصادق فيما ينذر به وأمكن أن يعمل السحرة مثل شيء من آيات نبي فقد امتزج الحق بالباطل ولم يكن إلى تمييز أحدهما من الآخر طريق أصلاً وهذا إفساد الحقائق وإبطال موجب الحق وتكذيب الحواس وإذا أمكن عند اليهود والنصارى ما ذكرناه مما في توراتهم وأناجيلهم فما الذي يؤمنهم من أن موسى عليه السلام والمسيح وسائر أنبيائهم إنما كانوا سحرة وكاذبين شهدنا بالله شهادة الحق أن هذه الفصول المذكورة من عمل برهمي مكذب بالنبوة جملة أو مناني مكذب بنبوة الأنبياء المذكورين عليهم السلام وأن موسى وعيسى عليهما السلام لم يقولا قط شيئاً مما في هذه الفصول الخبيثة الملعونة وأما نحن فلا نجيز البتة أن يكذب نبي ولا أن يأتي غير نبي بمعجزة ولا ساحر ولا كذاب ولا صالح الصناعة فإن قيل أنكم تقولون أن الدجال يأتي بالمعجزات قلنا حاش لله من هذا وما الدجال إلا صاحب عجائب كأبي العجائب ولا فرق إنما هو محيل يتحيل بحيل معروفة كل من عرفها عمل مثل عمله وقد صح عن النبي ﷺ أن المغيرة بن شعبة سأله هل مع الدجال نهر ماء وخبز ونحو ذلك فقال له رسول الله ﷺ هو أهون على الله من ذلك وصح أيضاً عنه عليه السلام أن الدجال صاحب شبه وبالله التوفيق فصل وفي الباب المذكور أن المسيح قال فمن ذلك اليوم وذلك الوقت لا يدري أحد ما بعده لا الملائكة ولا أحد غير الأب وحده وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال السموات والأرض تذهب وكلامي لا يبيد أبداً ومن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يدري أحد ما بعده ولا الملائكة في السماء ولا ابن الإنسان ما عدا الأب قال أبو محمد في هذا الفصل يوجب ضرورة أن المسيح هو غير الله تعالى لأنه أخبر أن هاهنا شيأ يعلمه الله تعالى ولا يعلمه هو وإذا كان بنص إنجيلهم الابن لا يعلم متى الساعة والأب يعلم متى هي فبالضرورة القاطعة نعلم أن الابن غير الأب وإذا كان كذلك فهما اثنان متغايران أحدهما يجهل ما لا يجهله الآخر وهذا الشرك الذي عليه يحومون وهذا ما يبطله العقل أن يكون إلهان أحدهما ناقص فصح ضرورة أن من هو غير الله تعالى فهو مخلوق مربوب وبطل هوسهم وتخليطهم والحمد لله رب العالمين أو يكذبوا المسيح في هذا الفصل ولابد فصل وفي الباب السادس والعشرين من إنجيل متى أن المسيح قال لباطرة ليلة أخذ أمين أقول لكم ستجحدني هذه الليلة قبل صرخة الديك ثلاثاً فقال باطرة لا يكون هذا ولو بلغت القتل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل مارقش أن المسيح قال لباطرة أمين أقول لك إنك أنت اليوم في هذه الليلة قبل أن يرفع الديك صوته مرتين ستجحدني ثلاثاً فكان باطرة يعيد القول حتى لو أمكنني أن أموت معك لست أجحدك وفي الباب التاسع عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال لباطرة أنا أعلمك أنه لا يصرخ الديك هذه الليلة حتى تجحدني ثلاثاً وأنك لم تعرفني وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أمين أقول لك لا يصرخ الديك حتى تجحدني ثلاثاً فاتفق متى ولوقا ويوحنا على أنه قال له أنك تجحدني ثلاث مرات قبل أن يصرخ الديك وهكذا أوصف كل واحد منهم عن باطرة أنه هكذا فعل اذمين الغلام والأمة والقوم الذين كانوا يصطلون على النار وقال مارقش أنه قال له قبل أن يصرخ الديك مرتين تجحدني ثلاث مرات وهكذا وصف مارقش عن باطرة وأنه فعل ليلتئذٍ فإن خادمه الكوهن قالت له أنت من أصحاب يسوع فجحد ثم صرخ الديك ثم قالت للخادمين الواقفين هنالك هذا من أولئك فجحد ثانية ثم قال له الواقفون هنالك حقاً أنت منهم فجحد ثالثة أيضاً ثم صرخ الديك ثانية فعلى قول مارقش كذب متى ولوقا ويوحنا لأن الديك صرخ قبل أن يجحده ثلاث مرات أو كذب المسيح في إخباره بذلك إن كان هؤلاء صدقوا لابد من إحداهما وعلى قول متى ولوقا ويوحنا كذب مارقش أيضاً كذلك لأن الديك صرخ قبل أن يجحده ثلاث مرات أو كذب المسيح ولابد من إحداهما والكذب واقع في أحد الخبرين فلا بد ثم طامة أخرى وهي اتفاق متى ومارقش على أن المسيح أخبر باطرة بأنه سيجحده تلك الليلة وأن باطرة رد خبره وقال له لا يكون هذا فلولا أن المسيح كان عند باطرة ممن يكذب في خبره ما كذبه مواجهة مرة بعد مرة أو كفر باطرة إذ كذب ربه أو نبياً لابد من إحداهما فإن كان كفر باطرة فكيف يعطي مفاتيح السموات لمرتد كافر مكذب بالله تعالى أو لنبي من الأنبياء جهاراً أم كيف تولي مرتبة التحريم والتحليل من يكذب الله تعالى أو نبيه أو كيف يؤخذ الدين عمن كذب ربه أو كذب خبر نبي عن الله تعالى جهاراً في آخر ساعة كان فيها معه وختم بذلك عمله ما سمعنا بأوسخ عقولاً من أمة هذه صفة دينهم وكتابهم وأئمتهم ونعوذ بالله من الخذلان وفي الباب الثامن والعشرين من إنجيل متى أن الخشبة التي صلب عليها المسيح أخذ لحملها سخرة سيمون وفي الباب الثامن عشر من إنجيل مارقش أن تلك الخشبة التي صلب عليها يسوع أخذ لحملها سيمون القيرواني والد الإسكندر وورفه وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا أنه سخر لحمل تلك الخشبة شمعون القيرواني وفي الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا أن يسوع نفسه هو الذي حملت عليه الخشبة التي صلب فيها وهذا خلاف ما حكى أصحابه ولقد قررت بعض علمائهم على هذا فقال لي كانت طويلة جداً فحملها هو وشمعون المذكور فقلت له ومن أين لك هذا وأين وجدته وسياق أخبار مؤلفي الإنجيل لا تدل على هذا ولو قلت أنه ممكن أن يسخر كل واحد منها لحملها بعض الطريق لكان أدخل في سياق الخبر فصل وفي الباب الثامن والعشرين من إنجيل متى أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وكان يشتمانه ويتناولانه محركين رؤسهما ويقولان يا من يهدم البيت ويبنيه في ثلاث سلم نفسك إن كنت ابن الله فانزل عن الصلب وفي الباب الثالث عشر من إنجيل مارقش أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله واللذان صلبا معه كانا يستعجزانه وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا وكان أحد اللصين المصلوبين معه يسبه ويقول إن كنت أنت المسيح فسلم نفسك وسلمنا فأجابه الآخر وكشر عليه وقال أما تخاف الله وأنت في آخر عمرك وفي هذه العقوبة أما نحن فكوفئنا بما استوجبنا وهذا لا ذنب له ثم قال ليسوع يا سيدي اذكرني إذا نلت ملكك فقال له يسوع أمين أقول لك اليوم تكون معي في الجنة قال أبو محمد إحدى القضيتين كذب بلا شك لأن متى ومارقش أخبرا بأن اللصين جميعاً كانا يسبانه ولوقا يخبر بأن أحدهما كان يسبه والآخر كان ينكر على الذي يسبه ويؤمن به والصادق لا يكذب في مثل هذا وليس يمكن هاهنا أن يدعي أن أحد اللصين سبه في وقت وآمن به في آخر لأن سياق خبر لوقا يمنع من ذلك ويخبر أنه أنكر على صاحبه سبه إنكار من لم يساعده قط على ذلك وكلهم متفق على أن كلام اللصين وهم ثلاثتهم مصلوبون على الخشب فوجب ضرورة أن لوقا كذب أو كذب من أخبره أو أن متى كذب وكذب مارقش أو الذي أخبره ولابد فصل وفي آخر إنجيل متى بعد أن ذكر صلب المسيح وإنزاله برغبة يوسف الارمازي العريف ودفنه في قبر جديد محفور في صخرة وغطاه بصخرة عظيمة وفي آخر إنجيل مارقش بعد أن ذكر صلب المسيح وإنزاله برغبة يوسف الأرمازي العريف ودفنه في قبر عشي الجمعة والسبت وفي آخر إنجيل لوقا بعد أن ذكر صلب المسيح وأن يوسف الأرمازي أتى أول الليل فرغب فيه فأجابه بلاطش إلى إنزاله فأنزله وجعله في قبر جديد وفي آخر إنجيل يوحنا بعد أن ذكر صلب المسيح وأن يوسف الأرمازي رغب فيه وأنزله ودفنه في قبر في بستان ثم قال متى وعند عشاء ليلة السبت التي تصبح في يوم الأحد اقبلت مريم المجدلانية ومريم الأخرى لمعاينة القبر فتزلزل بهما الموضع زلزلة عظيمة ثم نزل ملك السيد من السماء وأقبل ورفع الصخرة وقعد عليها وكان منظره كمنظر البرق وثيابه أنصع بياضاً من الثلج فمن خوفه صعق الحرس وصاروا كالأموات فقال الملك للمرأتين لا تخافا قد علمت أنكما أردتما يسوع المصلوب ليس هو هاهنا قد حيى وقد تقدمكم إلى جلجال كما قال فانظرا إلى الموضع الذي جعل فيه السيد وانهضا إلى تلاميذه وقولا لهم أنه قد حيى وفيها ترونه فنهضتا مسرعتين بفرح عظيم وأقبلتا إلى التلاميذ وأخبرتاهم الخبر فتلقاهما يسوع وقال السلام عليكما فوقفتا وترامتا إلى رجليه وسجدتا له فقال لهما يسوع لا تخافا واذهبا أعلما إخواني ليتوجهوا إلى جلجال وفيها يروني فأقبل بعض الحرس إلى المدينة وأعلم قواد القسيسين بما أصابهم فرشوهم بمال عظيم ليقول الحرس إن تلاميذه طرقوهم ليلاً وسرقوه وذهبوا به وهم رقود ففعلوا وانتشر الخبر في اليهود إلى اليوم وتوجه الأحد عشر تلميذاً إلى جلجال إلى الجبل الذي كان دلهم عليه يسوع فلما بصروا به خنعوا له وبعضهم شكوا فيه وقال مارقش فلما خلا يوم السبت اشترت مريم المجدلانية ومريم أم يعقوب وشلوما حنوطاً ليأتين به ويدهنه فأقبلن يوم الأحد بكرة جداً إلى القبور وبلغن هنالك وقد طلعت الشمس وهن يقلن من يحول لا الحجر عن القبر فنظرت فإذا بالحجر قد حول فدخلن في القبر فأبصرن فتتى جالساً عن اليمين متغطياً بثوب أبيض فقال لهن لا تفزعن فإن يسوع الناصري المطلوب قد قام وليس هو هاهنا فانطلقن وقلن لتلاميذه ولباطرة أنه قد حيى وقد تقدمكم إلى ججال وهنالك تلقونه فقام بكرة يوم الأحد وتراءى لمريم المجدلانية فمضت وأعلمت الذين كانوا معه فلم يصدقوها وبعد هذا تظاهر لاثنين منهم وهما مسافران إلى قرية في صفة أخرى فأخبرا سائرهم فلم يصدقوا أيضاً وآخر الأمر بينما الأحد عشر تلميذاً متكئين إذ تظاهر لهم وفتح كفرهم وقسوة قلوبهم وقال لوقا فلما انفجر الصبح يوم الأحد بكرة جداً أقبل النسوة إلى القبر يحملن حنوطاً فوجدن الحجر مقلوعاً عن القبر فدخلن فيه فلم يجدن السيد فيه فتحيرن فوقف إليهن رجلان في ثياب بيض فقالا لهن لا تطلبن حياً بين أموات قد قام ليس هو هاهنا فانصرفن وأعلمن الأحد عشر تلميذاً ومن كان معهم فلم يصدقوهن فقام باطرة مسرعاً إلى القبر فرأى الكفن وحده فعجب وانصرف ثم تراءى المسيح لرجلين منهم كانا ناهضين إلى حصن يقال له أماوس على سبعة أميال ونصف من أورشلم فلم يعرفاه حتى ارتفع عنهما وغاب فانصرفا في الوقت إلى أورشلم ووجد الأحد عشر تلميذاً مجتمعين مع أصحابهم فأخبراهم بالخبر فبينما هم يخوضون في هذا وقف يسوع في وسطهم فقال السلام عليكم أنا هو فلا تخافوا فجزعوا وظنوه شيطاناً فقال لهم لم فزعتم أبصروا قدمي ويدي أنا هو فإن الشيطان ليس له لحم ولا عظام ثم قال أعندكم شيء يؤكل فأتوه بقطعة حوت مشوي وشربة عسل فأكل وبرىء إليهم بالبقية ثم أوصاهم وارتفع عنهم وقال يوحنا ففي يوم الأحد أقبلت مريم صباحاً والظلمات لم تنجل بعد إلى القبر فرأت الصخرة مقلوعة عن القبر فرجعت إلى شمعون باطرة وإلى التلميذ الآخر يعني يوحنا بهذا نفسه وقالت لهما نزع سيدي من القبر فوجدا الأكفان موضوعة ثم رجعوا فوقفت مريم باكية إلى القبر فرأت ملكين منتصبين فقالا لها من تريدين فظنت أنه الحسان فقالت له سيدي إن كنت أنت أخذته فقل لي أين وضعته فقال لها يا مريم فالتفتت وقالت معلمي فقال لها يسوع لا تمسيني لم أصعد بعد إلى أبي اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم قالت فأخبرتهم ثم بينما التلاميذ مجتمعون أقبل يسوع ووقف في وسطهم وقال السلام عليكم وعرض عليهم يديه وجنبه ثم ذكر أن طوما أحد الاثني عشر تلميذاً لم يكن حاضراً فيهم في هذا الظهور فلما أتى وأخبروه فقال لئن لم أبصر في يديه الصاق المسامير ولم أدخل اصبعي في موضع المسامير في جنبه لآمنت فلما كان بعد ثمانية أيام اجتمعوا كلهم والأبواب مغلقة فأقبل يسوع ووقف وسطهم وقال لطوما أدخل اصبعك وأبصر كفي وهات يدك وأدخلها إلى جنبي ولا تكن كافراً بل كن مؤمناً فقال له طوما سيدي وإلهي ثم تراءى عند بحيرة الطبرية لشمعون باطرة وطوما وبطنها لي وابني سيذاي واثنين من التلاميذ سواهم وهم يصيدون في مركب في البحر قال أبو محمد فاعجبوا لهذه القصة وما فيها من الكذب والشنع يقول متى إن مريم ومريم أتتا إلى القبر عشاء ليلة السبت التي تصبح في يوم الأحد فوجدتاه قد قام ويقول مارقش إن مريم ومريم وغيرهما أتا إلى القبر بعد طلوع الشمس من يوم الأحد فوجدته قد قام والظلمة لم تنجل بعد فهذه كذبات منهم في وقت بلوغهن إلى القبر وفيمن جاء إلى القبر أمريم وحدها أم مريم ومريم أخرى معها أم كلتاهما ومعهما نسوة أخر ويقول متى إن مريم ومريم رأتا الملك إذ نزل من السماء ورفع الصخرة بحضرتهما بزلزلة عظيمة وصعق الحرس وقال الملك للمرأتين لا تخافا إنه قد قام ويقول مارقش إن النسوة وجدن الصخرة قد قلعت بعد وأنه وقف إليهن رجلان مبيضان فاخبراهن بقيامه ويقول يوحنا أن مريم وحدها أتت ووجدت الصخرة قد قلعت ولم تر أحداً ورجعت حائرة فأخبرت شمعون ويوحنا حاكي القصة فنهضا معاً إلى القبر فلم يجدا فيه أحداً وانصرفا فالتفتت هي فإذا بالمسيح نفسه واقفاً وسلم عليها وأخبرها بقيامه فهذا كذب آخر في وقت قلع الصخرة وهل وجد عند القبر ملك واحد أو ملكان اثنان أم لم يوجد فيه أحد أصلاً ويقول متى إن المرأتين أتياهم بوصيته فصدقوهما وأنهم نهضوا كلهم إلى جلجال وهنالك اجتمعوا معه ويقول مارقش أنه تراءى لمريم وأخبرتهم ولم يصدقوها ثم تراءى لاثنين فأخبراهم فلم يصدقوهما ثم نزل عليهم كلهم ويقول لوقا إنهم لم يصدقوا النساء وأن باطرة نهض إلى القبر ولم يجد شيئاً ولا رأى أحداً وأنه نزل بينهم بأوراشلم فرأوه حينئذٍ وأكل معهم الحوت المشوي وهذه صفة من لم يقصده إليهم إلا الجوع وطلب الأكل ويقول يوحنا أنه تراءى لعشرة منهم حاشى طوما ثم تراءى لهم ولطوما قال أبو محمد ومثل هذا الاختلاف في قصة واحدة عن مقام واحد كذب لا شك فيه لا يمكن أن يقع من معصومين فصح أنهم كذابون لا يتحرون الصدق فيما حدثوا به وما كتبوه ثم في هذه القصة قول مارقش عن المسيح أنه بعد موته فتح كفر تلاميذه وقسوة قلوبهم فإذا شهد المسيح على تلاميذه بعد رفعه بالكفر وقسوة القلوب فكيف يجوز أخذ الدين عنهم أم كيف يجوز أن يعطي الإله مفاتيح السموات ويولي منزلة التحريم والتحليل كافراً قاسي القلب فكل هذا برهان واضح على أن أناجيلهم كتب مفترات من عمل كذابين كفار ثم في القصة أن مريم والتلاميذ كلهم كانوا يلتزمون بعد المسيح صيانة السبت وتعظيمه وترك العمل فيه وكذلك آخر حمل الحنوط إليه حين دخل يوم الأحد فقد صح يقيناً أن هؤلاء المخاذيل ليسوا على دين المسيح ولا على ما مضى عليه تلاميذه بل على دين آخر فسحقاً لهم وبعداً والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا معشر الإسلام فصل وفي الثامن من إنجيل مارقش أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه أن دخول الجمل في سم الخياط أيسر من دخول المثري في ملكوت الله قال أبو محمد هذا قطع من كلامه بأن كل غني فإنه لا يدخل الجنة أبداً وفي اتباعه أغنياء كثيرة وما رأينا قط أمة أحرص على جمع المال من الدراهم وغير ذلك وادخاره ومنعه دون أن ينتفعوا منه بشيء ولا أن يتصدقوا منه بشيء من الأساقفة والقسيسين والرهبان في كل دير وكل كنيسة في كل بلد وكل وقت فعلى موجب كلام إلاههم أنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فهذا والله حق وأنا على ذلكم من الشاهدين فصل وفي الثامن من إنجيل مارقش أن باطرة قال ليسوع المسيح ها نحن قد خلينا الجميع واتبعناك فأجابه يسوع وقال له أمين أقول لكم ليس من أحد ترك بيتاً أو إخوة وأخوات أو والد ووالدة أو أولاد لأجل الإنجيل إلا ويعطى مائة ضعف مثله الآن في هذا الزمان من البيوت والأخوة والأخوات والأمهات والأولاد والفدادين مع التبعات وفي العالم الكائن الحياة الدائمة قال أبو محمد هذا موعد كاذب مضمون لا يمكن الوفاء به وهبك خيرجون هذا على أنه يعوض هذا من أهل دينه أولاداً وإخوة وأخوات وأمهات كيف الحيلة في وعده من آمن به وترك ماله أن يعوض عن الفدان الذي يتركه مائة فدان وعن البيت مائة بيت الآن عاجلاً في الدنيا سوى ما له في الآخرة وهذا كما ترى فصل وفي الباب الثامن من إنجيل مارقش أن رجلاً قال للمسيح أيها المعلم الصالح فقال له المسيح لم تقول لي صالح الله هو الصالح وحده وفي التاسع من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا الراعي الصالح فمرة ينكر أن يكون صالحاً وأن لا صالح إلا الله ومرة يقول أنه صالح وكل هذا كذب عليه من توليد هؤلاء الأنذال فصل وفي آخر إنجيل مارقش أن المسيح قال لتلاميذه اذهبوا إلى جميع الدنيا وبشروا جميع الخلائق بالإنجيل فمن آمن يكون سالماً ومن لم يؤمن يعاقب وهذه الآيات تصحب الذين يؤمنون وهي سيماهم على أسمى ينفون الجن ويتكلمون باللغات الجديدة ويقلعون الثعابين وإن شربوا شربة قتالة لم تضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فينقهون قال أبو محمد في هذا الفصل أعجوبتان من الكذب إحداهما قوله بشروا بالإنجيل فدل هذا على إنجيل أتاهم به المسيح وليس هو عندهم الآن وإنما عندهم أناجيل أربعة متغايرة من تأليف أربعة رجال معروفين ليس منها إنجيل لا ألف بعد رفع المسيح عليه السلام بأعوام كثيرة ودهر طويل فصح أن ذلك الإنجيل الذي أخبر المسيح بأنه أتاهم به وأمرهم بالدعاء إليه قد ذهب عنهم لأنهم لا يعرفونه أصلاً هذا ما لا يمكن سواه والفصل الثاني قولهم أنه وعد كل من آمن بدعاء التلاميذ فإنهم يتكلمون بلغات لم يعرفوها وأنهم ينفون الجن عن المجانين وأنهم يضعون أيديهم على المرضى فينقهون وأنهم يقلعون الثعابين وإن شربوا شربة قتالة لا تضرهم قال أبو محمد وهذا وعد ظاهر الكذب جهاراً ما منهم أحد يتكلم بلغة لم يعلمها ولا منهم أحد ينفي جنياً ولا منهم أحد يضع يده على مريض فيبرأ ولا منهم أحد يقلع ثعباناً ولا منهم أحد يسقي السم فلا يؤذيه وهم معترفون بأن يوحنا صاحب الإنجيل قتل بالسم وحاشى لله أن يأتي نبي بمواعيد خاسئة كاذبة فكيف إله فاعلموا أن الأنذال الذين كتبوا هذه الأناجيل كان أسهل شيء عليهم نسبة الكذب إلى المسيح عليه السلام فصل وبعد هذا الفصل متصلاً به والرب لما أن تكلم بهذا قبض إلى السماء وجلس عن يمين الله قال أبو محمد هذا شرك أحمق رب يقبض أن هذا العجب ورب يجلس عن يمين الله هذان ربان وإلهان الواحد أجل من الثاني لأن المقعود عن يمينه أسنى مرتبة من المقعد على اليمين بلا شك ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي أول إنجيل لوقا أن نفراً قبلنا راموا وصف الأشياء التي كملت فينا كالذي دلنا عليه معشر الذين عاينوا الأمر وكانوا حملة الحديث فرأيت أن أقفو آثارهم من أوله على التجويد وأكتبه لك أيها الكريم لأن تفهم حق الكلام الذي علمته واطلعت عليه وأنت به ماهر هذا يبين أن الأناجيل تواريخ مؤلفة كما ترى بنص كلام لوقا فصل وفي أول إنجيل لوقا الذي هو تاريخه المؤلف في أخبار المسيح قال لوقا كان بعد هردوس والي بلد يهوذا كوهن يدعي زكريا من دولة إيحا وزوجته من بنات هارون تسمى اليشبات ثم ذكر كلاماً فيه مجيىء جبرائيل الملك عليه السلام إلى مريم عليها السلام أم المسيح عليه السلام وأنه قال لها في جملة كلام كثير وقد حبلت اليشبات قرينتك على قدمها وعقرها فأخبر أن اليشبات هارونية وأنها قرينة لمريم فعلى هذا فمريم أيضاً هارونية والنصارى كلهم متفقون على ما في جميع الأناجيل من أن المسيح هو ابن داود من نسل داود عليه السلام وفي مواضع كثيرة منها يورثه الله ملك أبيه داود وأن العمي والمباطين والمرضى والمجانين والجن كانوا يقولون له يا ابن داود فلا ينكر ذلك عليهم ولا يختلف النصارى واليهود في أن المسيح المنتظر هو من ولد داود والمسيح مع هذا كله قد أنكر في الباب الثالث عشر من إنجيل متى كما أوردنا قبل أن يكون المسيح من ولد داود فكيف هذا الاختلاط والتلون ومع هذا كله فلا نرى على ما ذكرنا تنسبه النصارى إلا إلى أنه ولد يوسف النجار الداوودي الذي يزعمون أنه كان زوج مريم وهذه طامة وسوءة لا يدري لها وجه أن ينسبوه إلى رجل ولم يلده وأقل ما في هذا الكذب الذي هو في الدنيا عار وبرهان على الضلال وفي الآخرة نار ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي الباب الثاني من إنجيل لوقا فلما دخل أبو المسيح به البيت ليقربا عنه ما أمرا به أخذه شمعون في يديه وبعد ذلك في الباب المذكور وكان أبواه مختلفين إلى بورشلام كل سنة أيام الفصح فلما بلغ ثنتي عشرة سنة وصعدا إلى بورشلام على حال سنتهما في يوم العيد وهبطا عند انقراضه بقي يسوع في بورشلام وجهل ذلك أبواه وظناه في الطريق مقبلاً فسارا يومهم وهما يطلبانه عند الأقارب والإخوان فلما لم يجداه انصرفا إلى بورشلام طابين له فوجداه في الثالث قاعداً مع العلماء في البيت وهو يسمع منهم ويكاشفهم فكان يعجب منه كل من سمعه ومن يراه من حسن حديثه وحسن مراجعته فقالت له أمه لم أشخصتنا يا بني وقد طلبك أبوك وأنا معه محزونين فقال لهما لم طلبتماني أتجهلان أنه يجب علي ملازمة امرآي فلم يفهما عنه جوابه فانطلق معهما إلى ناصرة وكان بطوع لهما قال أبو محمد كيف يطلق لوقا وهو عندهم أجل من موسى عليه السلام أن يوسف النجار والد المسيح في غير ما موضع ويكرر ذلك كأنه يحدث بحديث معهود أم كيف تقول مريم لابنها طلبك أبوك تعني زوجها بزعمك وكيف يكون أباه ولا أب له وإنما يطلق هذا الإطلاق في الربيب فيمن يعرف أبوه فيقال له أبوك عن ربيبه بمعنى كافله لأنه لا إشكال فيه وأما من لا أب له من بني آدم فإطلاق الأبوة فيه على زوج أمه إشكال وتلبيس وتطريق إلى البلاء أم كيف تبقى مريم العذارء مع زوجها بزعمهم فض الله أفواههم أزيد من ثلاث عشرة سنة كما يبقي الرجل مع امرأته يغقان عليهما باباً واحداً أم كيف يصح مع هذا عند هؤلاء أنه مولود من غير ذكر أين هذا الزور المفتري من النور المقتفي قول الله حقاً في وحيه الناطق إلى رسوله الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حيث قال. فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منا وكان أمراً مقضياً فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً. إلى قوله. فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغياً فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً.

قال أبو محمد هذا هو الحق الواضح الذي يصدق بعضه بعضاً لا الكذب المتناقض وهذا الذي لا يمكن سواه لأنه لو كان لها زوج لم ينكر أحد ولادتها ولو لم يقم برهان بكلامه في المهد لما جاز عندنا ولا عند أحد من الناس أنها حملت به من غير ذلك ولكان ذلك دعوى كاذبة لا يجوز أن يصدقها أحد لاسيما مع زعمهم أنها سكنت مع زوجها أزيد من ثلاثة عشر عاماً في بيت واحد يهديان عند ولادته ما يهدي الأبوان من اليهود بحكم التوراة عن ابنيهما وتقول له أمه هذا أبوك وفعل أبوك ثم أطم من هذا إقرارهم بأن له أربعة إخوة ذكور شمعون ويهوذا ويعقوب ويوسف وأخوات ثم لا يذكرون للنجار امرأة غير مريم تكون هؤلاء الأولاد للنجار من تلك المرأة وهذه فضيحة الدهر وقاصمة الظهر ومطلق السنة القائلين أنها أتت من زوج أو من عهر وحاشا لله من ذل تصحح هذا كله أنهم مدسوسون من عند اليهود لإفساد مذاهبهم ونعوذ بالله من الخذلان فصل وفي الباب الرابع من إنجيل لوقا وكانت العامة تشهد له وتعجب لقوله وما كان يوصيهم به وكانت تقول أما هذا ابن يوسف النجار فقال لهم نعم قد علمت أنكم ستقولون لي يا طبيب داو نفسك وافعل في موضعك كما بلغنا أنك فعلته بقفر ناحوم أمين أقول لكم أنه لا يقبل أحد من الأنبياء في موضعه قال أبو محمد في هذا الفصل ثلاث عطايم أحدها قولهم له أما هذا ابن يوسف فقال نعم فهذا تحقيق أنه ولد النجار وحاشى لله من ذلك والثانية اعترافه واتفاقهم على أنه لم يأت بآية بحضرة الجماعة وإنما ذكر أنه أتى بالآيات في القفار والثالثة وهي الحق قوله لهم أنه نبي وهذا الذي أفلت من تبديلهم وأبقاه الله عز وجل حجة عليهم والحمد لله رب العالمين فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل لوقا أن المسيح قال من قال شيئاً في ابن الإنسان يغفر له ومن سب روح القدس لا يغفر له قال أبو محمد هذا إبطال لقولهم كاف لأن ابن الإنسان عند هؤلاء هو روح القدس نفسه ونص كلام المسيح ها هنا يبين أنهما شيئآن متغايران أحدهما يغفر لمن سبه والآخر لا يغفر لمن سبه وهذا بيان رافع للإشكال جملة فإن كان المسيح هو ابن الإنسان فليس هو روح القدس أصلاً بنص كلامه وإن كان هو روح القدس فليس هو ابن الإنسان كذلك أيضاً ولئن كان ابن الإنسان هو روح القدس فقد كذب المسيح إذ فرق بينهما فجعل أحدهما يغفر لمن سبه والآخر لا يغفر لمن سبه وفي هذا كفاية فصل وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا فلما بلغوا إلى الموضع الذي يدعي الأجرد صلبوه فيه وصلبوا معه السارقين العاصين عن يمينه وشماله فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم يجهلون ما يصنعون ولا يدرون فعلهم قال أبو محمد في هذا الفصل شنعتان عظيمتان على النصارى كافيتان في وساخة دينهم وبيان فساد كل ما هم عليه جهاراً أولها أن نسألهم فنقول لهم المسيح إله عندكم أم لا فمن قولهم نعم فيقال لهم فإلى من دعا ورفع طلبته فإن كان دعا غيره فهو إله يدعو إلهاً آخر وهذا شرك وتغاير بين الآلهة وهم لا يقولون هذا وإن كان دعا نفسه فهذا هوس إنما حكمه أن يقول قد غفرت لكم وهم يصرحون في الأناجيل بأنه يغفر ذنوب من شاء فأين كان عن هذه الصفة إذ دعا إلهاً غيره والثانية أن يقال لهم هل أجيبت دعوته هذه أم لا فإن قالوا لم تجب دعوته قلنا ليس في الخزي أكثر من إله يدعو فلا يستجاب له ولا في النحس فوق هذا وعلى هذا فما بيده من الربوبية إلا كذنب ثور شارد في جدور كما بيد سائر المخلوقين يدعو فيجاب مرة ولا يجاب مرة وإن قالوا بل أجيبت دعوته قلنا لهم فاعلموا أنكم وأسلافكم كلكم في سبكم اليهود الذين صلبوه ظالمون لهم وكيف يستحلون سب قوم قد غفر لهم إلههم وأسقط عنهم الملامة في صلبهم له أما لكم عقول تعرفون بها مقدار ما أنتم عليه من الضلال الذي ليس في العالم أحد على مثله بل كان ضلالة فهي دونه فإن قيل وما أنكرتم من هذا وأنتم تقولون إن الله تعالى دعا الكفار إلى الإيمان منهم إنما أمرهم أمر تعجيز فأخبرونا أنتم من هو المدعو لهم ليغفر لهم فنجيبه أو نعصيه ولا مخلص من هذا فصل وفي آخر إنجيل لوقا أنه بعد صلبه ترآى لرجلين من تلاميذه وهما لا يعرفانه فقال لهما ما هذا الذي تخوضان فيه وتحزنان له فقال أحدهما وهو الذي يسمي كلوباش أنت وحدك غريب بيرشلام إذ تجهل ما كان بها هذه الأيام فقال لهما وما ذلك فقالا له من خبر يسوع الناصري الذي كان نبياً مقتدراً في أفعاله وكلامه عند الله وعند الناس وكيف اجتمع قواد القسيسين على قتله وصلبه إلى آخر كلامهما وأنه قال لهما يا جهال ويا من عجزت عن فهم مقالة الأنبياء قلوبهم أما كان هذا واجباً أن يلقاه المسيح وبعد ذلك يبلغ إلى عظمته قال أبو محمد فهؤلاء أصحابه يقولون أنه كان نبياً عند الله وعند الناس وهو يسمع بزعمهم ولا ينكر ذلك فهلا قالوا فيه هكذا لقد طمس الشيطان أبصار قلوبهم ولوي ألسنتهم عن أن يقولوا ذلك ولا مرة في الدهر بل يكذبونه أشد التكذيب وحسبنا الله ونعم الوكيل فصل وفي إنجيل متى ومارقش ولوقا أنه قبل أخذه سجد ودعا وقال يا أبي كل شيء عندك ممكن فاعفني من هذه الكأس لكن لا أسأل إرادتي لكن إرادتك زاد لوقا في إنجيله قال فتراى له ملك السيد معزياله فأطال صلاته حتى سال العرق منه وتساقطت نقطه كتساقط نقط الدم إذا انسكب في الأرض وفي إنجيل متى ومارقش أنه صاح بأعلى صوته وهو مصلوب إلهي إلهي لم اسلمتني ثم فاضت نفسه قال أبو محمد فيا للناس أهذه صفة إله وهل يحتاج الإله إلى ملك يعزيه وهل يدعو الإله في أن يصرف عنه كأس المنية وإله يعرق من صعوبة الحال إذا أيقن بالموت وإله يسلمه إله أفي الحمق شيء يفوق هذا فإن قالوا لنا إنما هذا كله خبر عن الطبيعة الناسوتية قلنا لهم أنتم تقولون في كل هذا فعل المسيح وقال المسيح والمسيح عندكم طبيعتان ناسوتية ولاهوتية وعند اليعقوبية منكم طبيعة واحدة وكلكم تقولون أن اللاهوت اتحد بالناسوت فأنتم كذبتم وأنتم طرقتم إلى هذا وأنتم أضفتم كل هذا إلى اللاهوت وإنما كان الحق على أصلكم هذا الملعون أن تقولوا فعل نصف المسيح وقال نصف المسيح فعلى كل حال قد كذبتم وسخفتم وفي هذا كفاية لمن عقل فصل وفي أول إنجيل يوحنا وهو أعظم الأناجيل كفراً وأشدها تناقضاً وأتمها رعونة فأول كلمة فيه في البدء كانت الكلمة والكلمة كانت عند الله والله كان الكلمة بها خلقت الأشياء ومن دونها لم يخلق شيء فالذي خلق فهو حياة فيها قال أبو محمد فهل سمع بأعظم سخفاً وأتم تناقضاً من هذا الكلام كيف تكون الكلمة هي الله وتكون عند الله فالله إذاً كان عند نفسه ثم قوله أن الذي خلق بالكلمة هو حياة فيها فعلى هذا حياة الله مخلوقة فروح القدس على نص كلام هذا الرجل مخلوق لأن روح القدس عند جميعهم هو حياة الله وهذا خلاف قول جميع النصارى لأن الحياة التي في الكلمة مخلوقة بنص كلام يوحنا والله بنص كلام يوحنا هو الكلمة وهذا هدم لملة النصارى من قرب ثم أطم من هذا كله إذ كانت حياة الكلمة مخلوقة والكلمة هي الله فالله حامل لأعراض مخلوقة فيه فاعجبوا ثم اعجبوا وبعد هذا الفصل على ما نورد إن شاء الله تعالى والكلمة كانت بشراً مع قوله الكلمة هي الله فالله بشر على نص كلام هذا النذل يوحنا عليه من الله اللعائن المتواترة فصل وبعد ذلك ذكر المسيح فقال فإنه كان في الدنيا وبه خلقت الدنيا ولم يعرفه أهل الدنيا قال أبو محمد هذا من الحمق المزور كيف يكون في الدنيا وبه خلقت الدنيا لئن كان إلهاً كما يقولون فهو خلق الدنيا ولا يجوز أن تخلق به وإن كان إنما به خلقت الدنيا ولم يخلقها هو فليس هو إلاهاً ولا خالقها وإنما هو آلة من الآلات خلقت الدنيا به وحاشى لله أن يخلق بآلة لكن كما قال في وحيه الناطق إلى رسوله الصادق الذي لا يتناقض كلامه ولا يتعارض اخباره. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. وأين يجتمع قوله ها هنا إن به خلقت الدنيا مع الكذب الذي يصفونه إلى المسيح من أنه قال بزعمهم أنا أخلق وأبي يخلق وإن لم أعمل كما يعمل أبي فلا تصدقوني حاشى لله من أن يقول نبي هذا الكذب وهذا الحمق إذاً كان يكونان إلهين متغايرين اثنين كل واحد منهما غير الآخر وكل واحد منهما يخق كما يخلق الآخر ثم مرة هو إله يخلق ومرة هو آلة يخلق به ألا هذا هو الضلال المبين والخبال المتين فصل وبعد ذلك قال فمن يقبله منهم وآمن باسمه أعطاهم سلطاناً أن يكونوا أولاد الله أولئك المؤمنون به الذين لم يتوالدوا من دم ولا من شهوة اللحم ولا باءة رجل لكن توالدوا من الله فالتحمت الكلمة والكلمة كانت بشراً وسكنت فينا ورأينا عظمتها كعظمة ولد الله قال أبو محمد وفي هذا الفصل من الكفر ما لو انهدمت الجبال منه لكان غير نكير نسأل الله العافية أيها الناس فتأملوا قول هذا النذل أن المؤمنين بالمسيح هم أولاد الله فالنصارى إذاً كلهم أولاد الله فأي منزلة للمسيح عندهم إذ هو ولد الله وهم أولاد الله فاعجبوا لقول هذا المستخف المستهزىء بالسفلة الذين قلدوا دينهم مثله إن المؤمنين بالمسيح لم يتوالدوا من دم ولا من شهوة اللحم ولا باءة الرجل لكن توالدوا من الله هكذا هم هكذا فكيف تولد يوحنا من سيذاي وامرأته الأحياء ما هذا إلا من عظيم المجاهرة بالباطل والكذب فإن قالوا هذا مجاز قلنا مجاز في ماذا بل هو الكذب البحت البارد والحمق وهذا نفسه قلتم عن المسيح فما الفرق بين القولين ولعل ذلك أيضاً مجاز كما هو مجاز ما رأينا قط أحمق من هؤلاء ولا أوقح من خدودهم ثم اعجبوا لقوله فالتحمت الكلمة وسكنت فينا فكيف تصير الكلمة لحماً وقد قال إنها هي الله فالله إذاً صار لحماً ودماً وسكن في أولئك الأقذار حسبنا الله ونعم الوكيل فصل ثم قال إثر هذا إن الله لم يره أحد قط ما عدا ما وصف عنه الولد الذي هو في حجر أبيه قال أبو محمد هذا عجب آخر قد قال آنفاً أن الكلمة هي الله وأنها التحمت وصار لحماً وسكنت فيهم فالله عز وجل على قولهم صار لحماً وسكن فيهم فكيف لم يره أحد ثم قوله إلا ما وصف عنه الولد الفرد الذي هو في حجر أبيه فوجب من هذا أن الولد هو غير الأب لأن من المحال الممتنع أن يكون الله في حجر نفسه فصح ضرورة أن الابن عندهم على نصوص الأناجيل هو غير الأب وهم لا يثبتون على هذا بل مرة هو والأب عندهم شيء واحد وكل هذا منصوص في أناجيلهم وكل قضية منها تكذب الأخرى فكلها كذب بلا شك ونعوذ بالله من الضلال فصل وفي الباب الأول من إنجيل يوحنا إذ ذكر شهادة يحيى بن زكريا إذ بعث إليه اليهود من برشلام الكهنة واللاونيين وكاشفوه عن نفسه فأقر ولم يجحد وقال لهم لست أنا المسيح قالوا أيراك الياس قال لا قالوا فأنت نبي قال لا قال أبو محمد كيف يكون هذا مع قول المسيح في إنجيل متى ومارقش كما أوردنا قبل أن كل نبوة وكل كتاب فمنتهاها إلى يحيى وقوله فيه أنه أكثر من نبي فمرة هو نبي وانتهت إليه كل نبوة ومرة هو أكثر من نبي ومرة يقول هو عن نفسه أنه ليس نبياً فلا بد ضرورة من الكذب في إحدى هذه الأقوال وحاشى لله أن يكذب المسيح ويحيى عليهما السلام لكن كذب والله النذلان متى الشرطي ويوحنا العيار فصل وبعده في الباب نفسه قال ويوماً آخر رأى يحيى المسيح مقبلاً إليه فقال هذا صار خروف الله قال أبو محمد هذه طامة أخرى بينما كان كلمة الله وابن الله وإلهاً يخلق صار خروف الله وحاشى لله أن يضاف إليه خروف إلا على سبيل الخلق والملك إنما يضاف الخروف إلى من يتخذه للأكل أو الذبح أو لمن يربيه للعجلة أو لصبي يلعب به ويصبغه بالحنا وتعالى الله عز وجل عن كل هذا فصح أنها من عمل عيار مستخف ونعوذ بالله من الضلال فصل وبعده بيسير في الباب نفسه أن يحيى بن زكريا قال عن عيسى شهدت بأن هذا سليل الله قال أبو محمد شهدت أنا بنفسي وعقلي وجسدي بشهادة الله التامة أن هذه كذبة كذبها اللعين يوحنا على رسول الله ﷺ وابن رسوله يحيى بن زكريا وأن الله تعالى وجل عن أن يكون له سليل وأعجب شيء نسبتهم إلى يحيى عليه السلام أنه قال في المسيح هذا خروف الله هذا سليل الله وإنما الخروف سليل النعجة والكبش اللهم العن هؤلاء الأنتان فما سمعنا بأعظم استخفافاً بالله تعالى وبرسله عليهم السلام منهم فصل وفي الباب الثالث من إنجيل يوحنا أن يحيى عليه السلام قال عن المسيح قد رضي الأب عن الولد وبرىء إليه بجميع الأشياء وفي الباب الخامس من إنجيل يوحنا أيضاً ولهذا كانت اليهود تريد قتله لأنه ليس كان يفسخ عليهم سنة السبت فقط لكنه كان يدعي الله أباً ويسوي نفسه به وبعده بيسير أن المسيح قال كما يحيي الموتى ويقيمهم كذلك يحيي الابن من وافقه وما يحكم الأب على أحد لأنه يرد الحكم إلى سليله قال أبو محمد هذه الطامة أنست كل طامة سلفت ولا حول ولا قوة إلا بالله كيف ينطلق لسان أحد بهذا الكفر الفاحش الفظيع من أن الله تعالى قد اعتزل الحكم فلا يحكم على أحد لأنه برىء بالحكم وبجميع الأشياء إلى ولده حاشى لله من هذا إنما عهدنا هذا من فعل الملوك إذا شاخوا وضعفوا وأرادوا الانفراد لراحاتهم ولذاتهم وترتيب الأمر لأولادهم لئلا ينازعهم الأمر بعدهم غيرهم فحينئذ يسلمون الأمر إليهم في الظاهر وأما في الباطن فلا هذا كفر ما قدرنا أحداً ينطلق به لسانه حتى سمعناه من قبل هذا الكافر يوحنا لعنه الله والحمد لله على عظيم نعمته علينا كثيراً فصل وبعده بيسير في الباب الخامس من إنجيل يوحنا أن المسيح قال فكما احتوى الأب الحياة في ذاته كذلك ملك ولده الاحتواء على الحياة في ذاته وأعطاه سلطاناً وملكه الحكومة والسلطان والحياة كما هي للأب لأنه ابن الإنسان قال أبو محمد فهل سمع قط بأسخف من هذه المقالة إذ أخبر أن من أجل أن المسيح هو ابن الإنسان ساواه الله بنفسه وهذا كله يوجب أنه غير الله ولا بد لأن المعطي المملك هو غير المعطي المملك بلا شك فصل وبعده بيسير في الباب نفسه أن المسيح قال ولا أقوى أن أفعل من ذاتي شيئاً لكن أحكم بما اسمع وحكمي عدل لأني لست أنفذ إرادتي إلا إرادة أبي الذي بعثني فإن كنت أشهد لنفسي فإن شهادتي غير مقبولة ولكن غيري يشهد لي وفي الباب السادس من إنجيل يوحنا أيضاً أن المسيح قال إنما نزلت من السماء لأتم إرادة أبي الذي بعثني لا إرادتي وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أنه قال المسيح ليس علمي لي لكن للذي بعثني وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أيضاً أن المسيح قال لهم لو أحببتموني لفرحتم بمسيري إلى الأب لأن الأب أكبر مني قال أبو محمد فهل في العبودية والتذلل بالحق لله تعالى أكثر من هذا وكيف يجتمع هذا الكلام مع الذي قبله بأسطار من أنه مساو لله وأن الله لا يحكم بعد على أحد لكن يبرأ بالحكم كله إلى ولده أما في هذه المناقضات السخيفة عبرة لمن اعتبر ثم عجب آخر قوله ها هنا إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ثم قال في آخر الباب السابع من إنجيل يوحنا إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق فاعجبوا لهذا الاختلاط وهكذا ذكر في الباب السادس من إنجيل يوحنا أن جماعة من تلاميذه لما سمعوا هذه الأقوال المختلطة ارتدوا وفارقوه كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فصل وفي الباب السادس من إنجيل يوحنا أنه لما أطعم الخمسة آلاف إنسان من خمس خبز وحوتين وفضل من شبعهم اثنتا عشرة سلة من خبز قال الجماعة هذا النبي حقاً فيا للعجب هلا قالوا فيه مثل هذا القول ولو مرة واحدة فصل ثم ذكر السادس المذكور أنه أتى بكلام كثير لا يعقل من جملته أنه قال لهم أمين أقول لكم لئن لم تأكلوا لحم ابن الإنسان وتشربوا دمه لن تنالوا الحياة الدائمة فيكم فمن أكل لحمي وشرب دمي ينال الحياة الدائمة وأنا أقيمه يوم القيامة فلحمي هو طعام صادق ودمي شراب صادق فمن أكل لحمي وشرب دمي كان في وكنت فيه ثم ذكر يوحنا أنه قال جماعة من التلاميذ هذا كلام شاق ومن أجل ذلك ارتد جماعة من التلاميذ وذهبوا عنه قال أبو محمد وهذا الكلام وسواس صحيح لا يقوله إلا مختلط وقد أعاذ الله نبيه منه فصل وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أن إخوة يسوع قالوا اذهب إلى بلد يهوذا واخرج من ها هنا لتعاين تلاميذك عجايبك التي تطلع فليس يختفي أحد بفعل يريد أن يطلع عليه فإذا كنت تريد هذا فاطلع علي نفسك أهل الدنيا وكانوا إخوته لا يؤمنون قال أبو محمد ففي هذا أنه كان يختفي بمعجزاته كما ترى فصل وفي الباب السابع من إنجيل يوحنا أنه أتى إلى المسيح بامرأة قد زنت فلم يوجب عليها شياءً وأطلقها قال أبو محمد وهم على خلاف هذا فقد زوروا المسيح وجوروه أو فليشهدوا على أنفسهم بالجور والظلم فصل وفي آخر الباب السابع من إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا لا أحكم على أحد وإن حكمت فحكمي عدل لأني لست وحيداً ولكني أنا وأبي الذي بعثني وقيل في توراتكم أن شهادة رجلين مقبولة فإني أؤدي الشهادة عن نفسي ويشهد لي الذي بعثني قال أبو محمد ليت شعري كيف يجتمع هذا الفصل مع الذي أوردنا في الباب الثالث من إنجيل يوحنا أيضاً من أن الله تعالى لا يحكم بعد على أحد لأنه قد براء بالحكم كله إلى ولده المسيح فصل وفي الباب الثامن من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لهم أنا رجل أديت إليكم الحق الذي سمعته عن الله فهذا إقراره بأنه رجل يؤدي ما سمع فقط مع استشهادهم في الباب الثاني عشر من إنجيل متى بقول شعيا النبي في المسيح من أن الله تعالى قال فيه هذا غلامي المصطفى وحبيبي اذي تخيرته فصح أنه نبي من الأنبياء وعبد الله فصل وفي الباب التاسع من إنجيل يوحنا أن اليهود قالوا للمسيح لسنا نرجمك لعمل صالح إلا للشتيمة ولا دعائك الربوبية وأنت إنسان فقال لهم المسيح أما قد كتب في كتابكم الزبور حيث يقول أما قلتم أنتم آلهة وبنو العلي كلكم فإن كان سمى الله الذي كلمهم آلهة ولا سبيل إلى تحريف الكتاب وتبديله فلم تقولون فيمن بارك الله عليه وبعثه إلى الدنيا أنه شتم إذا قلت أني ابن الله إن كنت لا أفعل أفعال أبي فلا تصدقوني إلى قوله لتعلموا أني في الأب والأب في وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا أن بلش الحواري قال للمسيح يا سيدنا أرنا الأب ويكفينا فقال له المسيح طول هذا الزمان كنت معكم ولم تعرفوني يا بلش من رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب أليس تؤمن أني أنا في الأب وأن الأب هو في فكيف هذا مع قول يوحنا الذي ذكرنا في أول إنجيله أن الأب لم يره أحد قط فصل وفي الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا المذكور أن المسيح قال لتلاميذه أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم قال أبو محمد إذا كان هو في الأب والأب فيه وهو في التلاميذ والتلاميذ فيه فالأب في التلاميذ والتلاميذ في الأب ضرورة فأي مزية له عليهم وهل هو وهم إلا سواء في كونه وكونهم في الله وكون الله فيهم وفيه ثم هذا الكلام لا يعقل ولا يفهم منه إلا الاستخفاف والكفر فقط لأنه إن كان فيهم بذاته فقد صاروا له مكاناً وصار تعالى محدوداً وهذه صفة المحدث وإن كان فيهم بتدبيره فهكذا يدبر في كل حي وميت وكل جماد وكل عرض ولا فرق ولا فضيلة في هذا أصلاً فصل وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا أن المسيح قال لهم لست أسميكم بعد عبيد الآن العبد لا يدري ما يصنع سيده قد سميتكم إخواناً وفي آخر الباب المذكور أن المسيح قال أنا من الله خرجت ومن الأب انبثقت ففي أحد هذين الفصلين أن التلاميذ قد أعتقوا من عبودية الباري وأنهم إخوانه وهو خرج من الله ومنه انبثق فيهم كذلك أيضاً فأي مزية له عليهم مع سخف هذا الكلام وأنه لا يدري لهذا الانبثاق معنى أصلاً والانبثاق لا يكون إلا من الأجسام ضرورة فصل وفي الباب الثالث عشر من إنجيل يوحنا في أوله أن المسيح قال رافعاً عينيه إلى السماء يا أبتاه قد آن الوقت فشرف ولدك لكيما يشرفك ولدك وبعده بيسير أن المسيح قال لله أنا شرفتك على الأرض قال أبو محمد هذه مصيبة الدهر لم يقنعوا للمسيح بنبوة الله حتى وصفوه بمساواته لله تعالى ثم لم يقنعوا بمساواته لله تعالى حتى قالوا إن الله تعالى قد انعزل له عن الحكم وليس يحكم على أحد وأنه قد برىء بالملك والحكم كله إلى المسيح ثم لم يقنعوا له بالعزلة والخمول حتى جعلوا المسيح يشرف الله تعالى يا للناس هل سمعتم بأعظم من هذا الكفر والله والله قطعاً ما قال هذا الكلام قط مؤمن بالله أصلاً وما كانوا إلا دهرية مستخفين رقعاء فعليهم أضعاف كل لعنة لعنها الله تعالى من سواهم من الكفرة قال أبو محمد وفي إنجيل يوحنا أن المسيح قال أنا أميت نفسي وأنا أحييها فليت شعري كيف يمكن أن يحيي نفسه وهو ميت قال أبو محمد فهذه سبعون فصلاً في أناجيلهم من كذب بحت ومناقضة لا حيلة فيها ومنها فصول يجمع الفصل منها ثلاث كذبات فاقل على قلة مقدار أناجيلهم وجملة أمرهم في المسيح عليه السلام أنه مرة بنص أناجيلهم ابن الله ومرة هو ابن يوسف وابن داود وابن الإنسان ومرة هو آلة يخلق ويرزق ومرة هو خروف الله ومرة هو في الله والله فيه ومرة هو في تلاميذه وتلاميذه فيه ومرة هو علم الله وقدرته ومرة لا يحكم على أحد ولا ينفذ إرادته ومرة هو نبي وغلام الله ومرة أسلمه الله إلى أعدائه ومرة قد انعزل الله له عن الملك وتولاه هو وصار يشرف الله تعالى ويعطي مفاتيح السموات لباطرة ويولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السموات والأرض ومرة يجوع ويطلب ما يأكل ويعطش ويشرب ويعرق من الخوف ويلعن الشجرة إذا لم يجد فيها تيناً يأكله ويفشل فيركب حماره ويؤخذ ويلطم وجهه ويضرب رأسه بالقصبة ويزق في وجهه ويضرب ظهره بالسياط ويميته الشرط ويتهكمون به ويسقي الخل في الحنظل ويصلب بين سارقين ويسمر يداه ومات في الساعة ودفن ثم يحيى بعد الموت ولم يكن له هم إذ حيى بعد الموت واجتمع بأصحابه إلا طلب ما يأكل فأطعموه الخبز والحوت المشوي وسقوه العسل ثم انطلق إلى شغله هذا كله نص أناجيلهم وهم قد اقتصروا في دينهم من هذا كله على أنه آلة معبود فقط وهم ينفون من إله مع الله وأناجيلهم وأماناتهم توجب أن المسيح آلة آخر غير الله بل يقعد عن يمين الله وأنه أكبر منه وهو يخلق كما يخلق ويحيى كما يحيى الله والضرورة توجب أنهم قائلون


ذكر بعض ما في كتبهم غير الأناجيل من الكذب والكفر والهوس

قال أبو محمد قال يوحنا بن سيذاي في إحدى رسائله الثلاث يا أحباي نحن الآن أولاد الله ولم يظهر بعد ما نحن كائنون وقد نعلم أنه إذا ظهر سيكون أمثالاً له لأننا نراه كما هو قال أبو محمد أفي الكفر أعظم من كفر هذا الكذاب أنهم أولاد الله وأنهم سيكونون مثل الله إذا ظهر وقال هذا اللعين في كتاب الوحي والإعلان أنه رأى الله عز وجل شيخاً أبيض الرأس واللحية ورجلاه من لاطون والمسيح يقرأ بين يديه في كتاب من ذهب والملائكة يقولون هذا خروف الرب والأسواق قائمة بين يديه القمح كذا وكذا قفيزاً بدينار والخمر كذا وكذا قسطاً بدينار والزيت كذا وكذا قسطاً بدينار فهل هذا إلا هزل وعيارة وتماجن وتطايب وقال شمعون في إحدى رسائله يومئذ يأتي الرب كمجيء اللص فلعمري لقد شبه ربه تشبيهاً هو أولى به ولا مؤنة على هذين الكلبين وعلى يهوذا ويعقوب اللعينين في رسائلهم الفارغة من كل خير الباردة المملوءة من كل كفر وهوس أن يقولوا قال الله والد ربنا المسيح وفعل الله والد سيدنا المسيح كأنهم والله إنما يخبرون عن نسب من الأنساب وولادة من الولادات وقال بولس اللعين في إحدى رسائله وهي التي إلى أهل غلا ربه في الباب السادس نشهد لكل إنسان يختن أنه يلزمه أن يحفظ شرائع التوراة كلها وقال أيضاً قبل ذلك إن اختتنتم فإن المسيح لا ينفعكم فاعجبوا لهذا واعلموا أنه قد ألزمهم دينين أما من كان مختوناً فإن شرايع التوراة كلها تلزمه ولا ينفعه المسيح وأما من كان غير مختون فالمسيح ينفعه ولا يلزمه شرايع التوراة وهو وسائر التلاميذ كانوا بإجماع من النصارى مختونين كلهم فوجب أن المسيح لا ينفعهم وأن شرائع اليهود كلها لهم لازمة وأكثر من بين أظهر المسلمين منهم اليوم مختونون وإن كان بولس صادقاً فإن المسيح لا ينفعهم وأن شرائع التوراة كلهم لهم لازمة وإن كان بولس كاذباً في ذلك فكيف يأخذون دينهم عن الكذاب ولابد من إحداهما وقال أيضاً في إحدى رسائله أن يوحنا بن سيذاي ويعقوب بن يوسف النجار وباطرة أمروه أن يكون هو يدعو إلى ترك الختان ويكونون هم يدعون إلى الختان قال أبو محمد هذا غير طريق التحقيق في الدعاء إلى الدين وإنما هي دعوة حيلة وإضلال مينية لا حقيقة لها وقال بولس إن يعقوب ابن يوسف النجار كان مرائياً يتحفظ من مداخلة الأجناس بحضرة اليهود وأن بولس واجهه بذلك في أنطاكية وعنفه على ذلك أفيجوز أخذ الدين عن مراء مدلس وقال هذا اللعين بولس أيضاً في إحدى رسائله أن يسوع بينما كان في صورة الله لم يغتنم أن يكون مساوياً لله بل أذل نفسه ولبس صورة عبد قال أبو محمد فهل سمع قط بأوحش من هذا الكفر وأحمق من هذا الكلام أو أسخف من هذا الاختيار وهل يتذلل الإنسان ويحمل كل بلاء في الدنيا إلا ليصل إلى رضى الله تعالى فقط فليت شعري هل بعد الوصول إلى مساواة الله تعالى عند هؤلاء الأقذار منزلت تبتغي فيرفضها المسيح لينال أعلى منها اللهم قد ذكرنا تلك المنزلة وهي التي وصفها يوحنا اللعين في إنجيله من أن الله تعالى عن كفرهم اعتزل عن الملك والحكم وولاهما المسيح وتبرأ إليه بكل شيء ثم إن امسيح شرفه الله تعالى عن ذلك اللهم العن عقولاً يجوز فيها هذا الحمق وقال هذا النذل في بعض رسائله إني كنت أتمنى أن أكون محروماً من المسيح قال أبو محمد ليت شعري من ضغطه وما المانع له من أن يكفر بالمسيح فيبلغ مناه ويصير محروماً منه ووالله إنه لمحروم منه بلا شك وقال هذا النذل بولس أيضاً في بعض رسائله الخسيسة اليهود يطلبون الآيات واليونانيون يطلبون الحكمة ونحن نشرع أن المسيح قد صلب وهذا القول عند اليهود فتنة وعند الأجناس جهل ونقص وعند المختنين من اليهود واليونانيين أن المسيح علم الله وقدرته لأن ما كان جهلاً عند الله هو أحكم ما يكون عند الناس وما هو ضعيف عند الله هو أقوى ما يكون عند الناس قال أبو محمد فهل في بيان قحة هذا النذل وسخريته لمن اتبعه وتحقيق ما تدعيه اليهود من أن أسلافهم دسوا هذا الرذل بولس لإضلال أتباع المسيح عليه السلام أكثر من هذا القول في إبطاله الآيات والحكم وقوله إن أحكم ما يكون عند الناس هو الجهل عند الله فمحصول هذا الكلام اتركوا العقل وموجبه واطلبوا الحمق وتدينوا به نعوذ بالله مما ابتلاهم به وقال بولس أيضاً في بعض رسائله إنه لا تبقى دعوة كاذبة في الدين أكثر من ثلاثين سنة قال أبو محمد هو عندهم لعنهم الله أصدق من موسى بن عمران عليه السلام فإن كان صادقاً فما يحتاج معهم إلى برهان في صحة دين الإسلام ونبوة محمد ﷺ سوى هذا فإن لهذه الدعوى أربعماية عام ونيفاً وخمسين عاماً ظاهرة والحمد لله رب العالمين فيلزمهم أن يرجعوا إلى الحق أو يكذبون بولس بشيرهم وقال بعض من يعظمونه من أسلافهم وهو يوحنا فم الذهب بطريارك القسطنطينية في كتاب له معروف عندهم أن الشجرة التي أكل منها آدم وبسببها أخرج من الجنة كانت شجرة تين وأن الله تعالى أنزل تلك الشجرة بعينها إلى الأرض وهي التي دعا المسيح عليها فيبست إذ طلب فيها تيناً يأكله فلم يجد وهي نفسها الخشبة التي صلب عليها قال وبرهان ذلك أنك لا تجد غاراً إلا وعلى فمه شجرة تين نابتة فاعجبوا لهذا الهزل والعيارة والمجون والبرهان البديع واعلموا أنهم بأجمعهم متفقون على أن يصوروا في كنائسهم صورة يقولون هي صورة الباري عز وجل وعلا وأخرى صورة المسيح وأخرى صورة مريم وصورة باطرة وصورة بولس والصليب وصورة جبرائيل وميكائيل وصورة إسرافيل ثم يسجدون للصور سجود عبادة ويصومون لها تديناً وهذا هو عبادة الأوثان بلا شك والشرك المحض وهم ينكرون عبادة الأوثان ثم يعبدونها علانةيو حجتهم في هذا حجة عبادة نفساً وهي أنهم يتقربون بذلك إلى أصحاب تلك الصور لا إلى الصور بأعيانها واعلموا أنهم لم يزالوا بعد المسيح بأزيد من ماية عام يصومون في شهر كانون الآخر إثر عيد الحجيج أربعين يوماً متصلة ثم يفطرون ثم يعيدون الفصح مع اليهود اقتداء بالمسيح إلى أن أبطل ذلك عليهم خمسة من البطاركة أجمعوا على ذلك ونقلوا صيامهم وفصحهم إلى ما هم عليه اليوم فكيف ترون هذا الدين ولعب أهله به وحكمهم بأن ما مضي عليه المسيح والحواريون ضلال وكفر ولا يختلفون أصلاً في أن شرائعهم كلها إنما هي من عمل أساقفتهم وملوكهم علانية فهل تطيب نفس من به مسكة عقل على أن يبقى ساعة على دين هذه صفته فكيف أن يلقى الله تعالى على دين يقر بلسانه ويعلم بقلبه أنه ليس من عند الله تعالى ولا مما أتى به نبي ونعوذ بالله من الخذلان ومن عظيم هوسهم قولهم كلهم أن المسيح أتى ليأخذ بجراحته آلامنا وبكلومه ذنوبنا وهذا كلام في غاية السخف ليت شعري أي ألم أخذ بجراحته أم كيف تؤخذ ذنوب الناس بكلوم المسيح ما نراهم إلا يألمون ويذنبون كما يألم غيرهم ولا فرق ومن فضائحهم دعواهم أن هلاني والدة قسطنطين أول من تنصر من ملوك الروم وذلك بعد أزيد من ثلثماية عام من رفع المسيح وجدت الخشبة التي صلب فيها المسيح والشوك الذي جعل على رأسه والدم الذي طار من جنبه والمسامير التي ضربت في يده فليت شعري أين وجدوا هذا السخام كله وأهل ذلك الدين كله مطرودون مقتولون حيث وجدوا المدينة خالية أزيد من مائتي عام لا أنيس بها ثم من لهم بأنها تلك وأين يبقى أثر الدم ومسامير وشوك وخشبة تلك المدة العظيمة في البلاد الخالية المقفرة ولاشك في أنه إذ صلب كما يقولون كان أصحابه مختفين وأعداؤه لا يلتفتون إلى أمره أيكون في السخف أعظم من هذا وما عقولهم إلا كعقول من يصدق بالعنقاء وبكل ما لا يمكن واعلموا أن كل ما يدعونه لباطرة ويوحنا ومارقش وبولس من المعجزات فإنها أكذوبات موضوعة لأن هؤلاء الأربعة لم يكونوا من رفع المسيح عليه السلام ومذ تنصر بولس إلا مطلوبين مشردين مضروبين كالزنادقة مستترين وقد ذكر بولس عن نفسه أن اليهود ضربوه خمس مرات بالقضبان كل مرة تسعاً وثلاثين جلدة وأنه رجم بالحجارة في جمع عظيم وتدلى من سور دمشق في قفة خوف القتل ومع ذلك تظاهروا بدين اليهود إلى أن صلبوا وقتلوا إلى لعنة الله ولا يجوز أن تصح معجزة إلا بنقل كافة عن مثلها ممن شاهد ذلك ظاهراً ولكن دعوى النصارى ذلك لمن ذكرنا ولغيرهم من أسلافهم معجزة كدعوى المنانية لماني سواء بسواء فإنه لم يزل مستتراً إلا شهوراً يسيرة إذ اختدعه بهرام بن بهرام الملك حتى ظفر وبأصحابه فقتلهم كلهم وكدعوى اليهود لأحبارهم السالفين ولرؤس السبت المعجزات بالصناعات وكدعوى أصحاب الحلاج للحلاج وكدعوى طوائف من المسلمين مثل ذلك من المعجزات لشيبان الراعي ولإبراهيم بن أدهم ولأبي مسلم الخولاني ولعبد الله بن المبارك رحمة الله عليهم وعلى غيرهم من الصالحين وكل ذلك كذب وتوليد من لا خير فيه وإحالة على أشياء مغيبة لا يعجز عن ادعاء مثلها أحد وكل طائفة ممن ذكرنا تعارض دعواها بدعوى سائر الطوائف ولا سبيل إلى الفرق بين شيء من هذه الدعاوي وقد قلنا لا يمكن البتة وجود معجزة إلا لنبي فقط ثم لا تصح إلا بنقل يقطع العذر ويوجب العلم للكافر والمؤمن إلا من كابر حسه وغالط نفسه وقال هذا سحر فقط وكذلك ما اغتر به كثير من جهالهم مما رأوا من عظم اجتهاد رهبانهم أصحاب الصوامع والديارات والمطوس عليهم أبواب البيوت فليعلموا أنه ليس عندهم من الاجتهاد في العبادة إلا جزءٌ من أجزاء كثيرة مما عند المنانية وشدة اجتهادهم والذي عند الصابئين من ذلك أعظم فإنه يبلغ الأمر بهم إلى أن يخصي الواحد نفسه ويسمل عيني نفسه اجتهاداً في العبادة والذي عند الهندو أكثر من هذا كله فإنهم لا يزالون يحرقون أنفسهم في النار تقرباً إلى البد ولا يزالون يرمون أنفسهم من أعالي الجبال كذلك فأين اجتهادٍ من اجتهاد وعباد الهند لا يمشون إلا عراة ولا يلتبسون من الدنيا بشيء أصلاً فأين هذا من هذا لو عقلوا ولم ير قط أشد جريمة من جاهل مقلد لاسيما إذا اتفق أن يكون سوداوياً ضعيفاً وإن شئت فتأمل أساقفة النصارى وقسيسهم وجتالقتهم تجدهم جفلة أفسق الخلق وأزناهم وأجمعهم للمال لا سبيل إلى أن تجد منهم واحداً بخلاف هذا وكذلك إن اغتروا بصبر أوائلهم للقتل على دينهم حتى عملوا لهم الشائنات إلى اليوم فإن ذلك لا يتجزأ من صبر المنانية على القتل في الثبات على دينهم ومن صبر دعاة القرامطة على القتل أيضاً وكل هذا لا يتعلل به إلا جاهل سخيف مقلد متهالك وإنما الحمق فيما أوجبته براهين العقول التي وضعها الله تعالى فينا لتمييز الحق من الباطل ونبا بها عن البهايم فقط ثم في الاعتدال والاقتصار على ما جاء صاحب به الشريعة التي قام البرهان بصحتها عن الله عز وجل وجماع ذلك ما جرى عليه أصحاب رسول الله ﷺ في حياته وبعده عليه السلام قال أبو محمد وبقي لهما اعتراضان نذكرهما إن شاء الله تعالى أحدهما إن قالوا قال الله عز وجل في كتابكم حكاية عن المسيح عليه السلام أنه قال. من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة. فأين. الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين. وقال تعالى أيضاً مخاطباً للمسيح عليه السلام. إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

قلنا نعم هذا خبر حق ووعد صدق وإنما أخبر تعالى عن المؤمنين ولم يسمهم ولا شك في أن من ثبت عليه الكذب من باطرة ويوحنا ومتى ويهوذا ويعقوب ليسوا منهم لكنهم من الكفار المدعين له الربوبية كذباً وكفراً وأما الموعودون بالنصر إلى يوم القيامة المؤمنون بالمسيح عليه السلام فهم نحن المسلمون المؤمنون به حقاً وبنبوته ورسالته لا من كفر به وقال أنه كذاب وقال أنه إله أو ابن إله تعالى الله عن ذلك والثاني إن قالوا إن في كتابكم. وجاء ربك والملك صفاً صفاً. وفيه. هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر. فهلا قلتم فيما في التوراة والإنجيل كما تقولون فيما في كتابكم قلنا بين الأمرين فرق بين كما بين قطبي الفلك وذلك أن الذي في القرآن ظاهر لا يحتاج فيه إلى تأويل إنما معنى وجاء ربك ويأتيهم الله هو أمر معلوم في اللغة التي بها نزل القرآن مشهود فيه تقول جاء الملك وأتانا الملك وإما أتى جيشه وسطوته وأمره فليس فيما تلوتم أمر ينكر وليس كذلك ما كتبنا في توراتكم وأناجيلكم من التكاذب والتناقض والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد واعترضوا أيضاً بأن قالوا كيف تحققون نقلكم لكتابكم وأنتم مختلفون أشد الاختلاف في قراءتكم له وبعضكم يزيد حروفاً كثيرة وبعضكم يسقطها فهذا باب وأيضاً فإنكم ترون بأسانيد عندكم في غاية الصحة أن طوائف من أصحاب نبيكم عليه السلام ومن تابعيهم الذين تعظمون وتأخذون دينكم عنهم قرؤا القرآن بألفاظ زائدة ومبدلة لا تستحلون أنتم القراءة بها وإن مصحف عبد الله بن مسعود خلاف مصحفكم وأيضاً فإن طوائف من علمائكم الذين تعظمون وتأخذون عنهم دينكم يقولون إن عثمان بن عفان أبطل قراآت كثيرة صحيحة وأسقطها إذ كتب المصحف الذي جمعكم عليه وعلى حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن عندكم وأيضاً فإن الروافض يزعمون أن أصحاب نبيكم بدلوا القرآن وأسقطوا منه وزادوا فيه قال أبو محمد كل هذا لا متعلق لهم بشيء منه على ما نبين بما لا إشكال فيه على أحد من الناس وبالله تعالى التوفيق أما قولهم إننا مختلفون في قراءة كتابنا فبعضنا يزيد حروفاً وبعضنا يسقطها فليس هذا اختلافاً بل هو اتفاق منا صحيح لأن تلك الحروف وتلك القراآت كلها مبلغ بنقل الكواف إلى رسول الله ﷺ أنها نزلت كلها عليه فأي تلك القراآت قرأنا فهي صحيحة وهي محصورة كلها مضبوطة معلومة لا زيادة فيها ولا نقص فبطل التعلق بهذا الفصل ولله تعالى الحمد وأما قولهم أنه قد روى بأسانيد صحاح عن طائفة من أصحاب رسول الله ﷺ ومن التابعين الذي نعظم ونأخذ ديننا عنهم أنهم قرأوا وفي القرآن قراآت لا نستحل نحن القراءة بها فهذا حق ونحن وإن بلغنا الغاية في تعظيم أصحاب رسول الله ﷺ ورضوان الله عليهم وتقربنا إلى الله عز وجل بمحبتهم فلسنا نبعد عنهم الوهم والخطأ ولا نقلدهم في شيء مما قالوه إنما نأخذ عنهم ما أخبرونا به عن رسول الله ﷺ بما هو عندهم بالمشاهدة والسماع لما ثبت من عدالتهم وثقتهم وصدقهم وأما عصمتهم من الخطأ فيما قالوه برأى وبظن فلا نقول بذلك ولو أنكم أنتم فعلتم كذلك بأحباركم وأساقفتكم الذين بينكم وبين الأنبياء عليهم السلام ما عنفناكم بل كنتم على صواب وهدى متبعين للحق المنزل مجانبين للخطاء المهمل لكن لم تفعلوا هكذا بل قلدتموهم في كل ما شرعوه لكم فهلكتم في الدنيا والآخرة وتلك القراآت التي ذكرتم إنما هي موقوفة على الصاحب أو التابع فهي ضرورة وهم من الصاحب والوهم لا يعري منه أحد بعد الأنبياء عليهم السلام أو وهم ممن دونه في ذلك وأما قولهم أن مصحف عبد الله بن مسعود خلاف مصحفنا فباطل وكذب وإفك مصحف عبد الله بن مسعود إنما فيه قراءته بلا شك وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل الإسلام في شرق الدنيا وغربها نقرأ بها كما ذكرنا وبغيرها مما قد صح أنه كله منزل من عند الله تعالى فبطل تعلقهم بهذا والحمد لله رب العالمين وأما قولهم إن طائفة من علمائنا الذين أخذنا عنهم ديننا ذكروا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ كتب المصحف الذي جمع الناس عليه أسقط ستة أحرف من الأحرف المنزلة واقتصر على حرف منها فهو مما قلنا وهو ظن ظنه ذلك القائل أخطأ فيه وليس كما قال بل كل هذا باطل ببرهان كالشمس وهو أن عثمان رضي الله عنه لم يك إلا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين والمصاحف والمساجد والقراء يعلمون الصبيان والنساء وكل من دب وهب واليمن كلها وهي في أيامه مدن وقرى والبحرين كذلك وعمان كذلك وهي بلاد واسعة مدن وقرى وملكها عظيم ومكة والطايف والمدينة والشام كلها كذلك والجزيرة كذلك ومصر كلها كذلك والكوفة والبصرة كذلك في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وحده فلو رام عثمان ما ذكروا ما قدر على ذلك أصلاً وأما قولهم أنه جمع الناس على مصحف فباطل ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه إنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يهم وأهم من أهل الخير فيبدل شيئاً من المصحف يفعل ذلك عمداً وهذا وهماً فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعاً عليها وبعث إلى كل أفق مصحفاً لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم فقط وأما قول من قال أبطل الأحرف الستة فقد كذب من قال ذلك ولو فعل عثمان ذلك أو أراده لخرج عن الإسلام ولما مطل ساعة بل الأحرف السبعة كلها عندنا قائمة كما كانت مثبوتة في القراآت المشهورة المأثورة والحمد لله رب العالمين وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراآت فإن الروافض ليسوا من المسلمين إنما هي فرق حدث أولها بعد موت النبي ﷺ بخمس وعشرين سنة وكان مبداؤها أجابة ممن خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر وهي طوائف أشدهم غلواً يقولون بإلهية علي بن أبي طالب والإهية جماعة معه وأقلهم غلواً يقولون إن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين فقوم هذا أقل مراتبهم في الكذب أيستشنع منهم أن كذب يأتون به وكل من لم يزجره عن الكذب ديانة أو نزاهة نفس أمكنه أن يكذب ما شاء وكل دعوى بلا برهان فليس يستدل بها عاقل سواء كانت له أو عليه ونحن إن شاء الله تعالى نأتي بالبرهان الواضح الفاضح لكذب الروافض فيما افتعلوه من ذلك قال أبو محمد مات رسول الله ﷺ والإسلام قد انتشر وظهر في جميع جزيرة العرب من منقطع البحر المعروف ببحر القلزم ماراً إلى سواحل اليمن كلها إلى بحر فارس إلى منقطعة ماراً إلى الفرات ثم على ضفة الفرات إلى منقطع الشام إلى بحر القلزم وفي هذه الجزيرة من المدن والقرى ما لا يعرف عدده إلا الله عز وجل كاليمن والبحرين وعمان ونجد وجبلي طي وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطايف ومكة كلهم قلنا أسلم وبنوا المساجد ليس منها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا قد قرأ فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء وكتب ومات رسول الله ﷺ والمسلمون كذلك ليس بينهم اختلاف في شيء أصلاً بل كلهم أمة واحدة ودين واحد ومقالة واحدة ثم ولي أبو بكر سنتين وستة أشهر فغزى فارس والروم وفتح اليمامة وزادت قراءة الناس للقرآن وجمع الناس المصاحف كأبي وعمر وعثمان وعلي وزيد وأبي زيد وابن مسعود وسائر الناس في البلاد فلم يبق بلد إلا وفيه المصاحف ثم مات رضي الله عنه والمسلمون كما كانوا لا اختلاف بينهم في شيء أصلاً أمة واحدة ومقالة واحدة إلا ما حدث في آخر حياة رسول الله ﷺ وأول خلافة أبي بكر رضي الله عنه من ظهور الأسود العنسي في جهة صنعا ومسيلمة في اليمامة يدعيان النبوة وهما في ذلك مقران بنبوة محمد ﷺ معلنان بذلك ومن انقسام العرب ومن باليمن من غيرهم أربعة أقسام إثر موته عليه السلام فطائفة ثبتت على ما كانت عليه من الإسلام لم تبدل شيئاً ولزمت طاعة أبي بكر وهم الجمهور والأكثر وطائفة بقيت على الإسلام أيضاً إلا أنهم قالوا نقيم الصلاة وشرايع الإسلام إلا أنا لا نؤدي الزكاة إلى أبي بكر ولا نعطي طاعة لأحد بعد رسول الله ﷺ وكان هؤلاء كثيراً إلا أنهم دون من ثبت على الطاعة ويبين هذا قول الحطيئة العبسي أيورثها بكراً إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر وإن التي طالبتم فمنعتم لكالتمر أو أحلى لدي من التمر يعني الزكاة ثم ذكر القبائل الثابتة على الطاعة فقال فباست بني سعد واسناه طيٌ وباست بني دودان حاشى بني النضر قال أبو محمد لكن والله باستاه بني نضر وباست الحطيئة حلت الدائرة والحمد لله رب العالمين وطائفة ثالثة أعلنت بالكفر والردة كأصحاب طليحة وسجاح وسائر من ارتد وهم قليل بالإضافة إلى من ذكرنا إلا أن في كل قبيل من المؤمنين من يقاوم المرتدين فقد كان باليمامة تمامة بن أثال الحنفي في طوايف من المسلمين محاربين لمسيلمة وفي قوم الأسود أيضاً كذلك وفي بني تميم وبني أسد الجمهور من المسلمين وطايفة رابعة توقفت فلم تدخل في أحد من الطوائف المذكورة وبقوا يتربصون لمن تكون الغلبة كمالك بن نويرة وغيره فأخرج إليهم أبو بكر البعوث فقتل مسيلمة وقد كان فيروز وذاذوية الفارسيان الفاضلان رضي الله عنهما قتلا الأسود العنسي فلم يمض عام واحد حتى راجع الجيمع الإسلام أولهم عن آخرهم وأسلمت سجاح وطليحة وغيرهم وإنما كانت نزعة من الشيطان كنار اشتعلت فأطفأها الله للوقت ثم مات أبو بكر وولي عمر ففتحت بلاد الفرس طولاً وعرضاً وفتحت الشام كلها والجزيرة ومصر كلها ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقاً وغرباً وبقي كذلك عشرة أعوام وأشهراً والمؤمنون كلهم لا اختلاف بينهم في شيء بل ملة واحدة ومقالة واحدة وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك فلم يكن أقل ثم ولي عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر وبقي كذلك اثني عشر عاماً حتى مات وبموته حصل الاختلاف وابتداء أمر الروافض واعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح الوقت وتخالفه النسخ المثبوتة فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس وبلاد البربر وبلاد السودان إلى آخر السند وكابل وخراسان والترك والصقالبة وبلاد الهند فما بين ذلك فظهر حمق الرافضة ومجاهرتها بالكذب ومما يبين كذب الروافض في ذلك أن علي بن أبي طالب الذي هو عند أكثرهم إله خالق وعند بعضهم نبي ناطق وعند سائرهم إمام معصوم مفروضة طاعته ولي الأمر وملك فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعاً ظاهر الأمر ساكناً بالكوفة مالكاً للدنيا حاشى الشام ومصر إلى الفرات والقرآن يقرأ في المساجد في كل مكان وهو يؤم الناس به والمصاحف معه وبين يديه فلو رأى فيه تبديلاً كما تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك ثم إلى ابنه الحسن وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك فكيف يسوغ لهؤلاء النوكي أن يقولوا إن في المصحف حرفاً زايداً أو ناقصاً أو مبدلاً مع هذا ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل الإسلام أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما خالفوه في رأي يسير رأوه ورأي خلافة فقط فلاح كذب الرافضة ببرهان لا محيد عنه والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ونحن إن شاء الله تعالى نذكر صفة وجوه النقل الذي عند المسلمين لكتابهم ودينهم ثم لما نقلوه عن أئمتهم حتى يقف عليه المؤمن والكافر والعالم والجاهل عياناً إن شاء الله تعالى فيعرفون أين نقل سائر الأديان من نقلهم فنقول وبالله تعالى التوفيق.

إن نقل المسلمين لكل ما ذكرنا ينقسم أقساماً ستة أولها شيء ينقله أهل المشرق والمغرب عن أمثالهم جيلاً جيلاً لا يختلف فيه مؤمن ولا كافر منصف غير معاند للمشاهدة وهو القرآن من المكتوب في المصاحف في شرق الأرض وغربها لا يشكون ولا يختلفون في أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أتي به وأخبر أن الله عز وجل أوحى به إليه وأن من اتبعه أخذه عنه كذلك ثم أخذ عن أولئك حتى بلغ إلينا ومن ذلك الصلوات الخمس فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد أنه صلاها بأصحابه كل يوم وليلة في أوقاتها المعهودة وصلاها كذلك كل من اتبعه على دينه حيث كانوا كل يوم هكذا إلى اليوم لا يشك أحد في أن أهل السند يصلونها كما يصليها أهل الأندلس وأن أهل أرمينية يصلونها كما يصليها أهل اليمن وكصياح شهر رمضان فإنه لا يختلف كافر ولا مؤمن ولا يشك أحد في أنه صامه رسول الله ﷺ وصامه معه كل من اتبعه في كل بلد كل عام ثم كذلك جيلاً جيلاً إلى يومنا هذا وكالحج فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد في أنه عليه السلام حج مع أصحابه وأقام المناسك ثم حج المسلمون من كل أفق من الآفاق كل عام في شهر واحد معروف إلى اليوم وكجملة الزكاة وكسائر الشرائع التي في القرآن من تحريم القرائب والميتة والخنزير وسائر شرائع الإسلام وكآياته من شق القمر ودعاء اليهود التي تمنى الموت وسائر ما هو في نص القرآن مقرؤ ومنقول وليس عن اليهود ولا عند النصارى في هذا النقل شيء أصلاً لأن نقلهم لشريعة السبت وسائر شرائعهم إنما يرجعون فيها إلى التوراة ويقطع نقل ذلك ونقل التوراة إطباقهم على أن أوائلهم كفروا بأجمعهم وبرؤا من دين موسى وعبدوا الأوثان علانية دهوراً طوالاً ومن المحال أن يكون ملك كافر عابد أوثان هو وأمته كلها معه كذلك يقتلون الأنبياء ويخنقونهم ويقتلون من دعل إلى الله تعالى يشتغلون بسبت أو بشريعة مضافة إلى الله سبحانه وتعالى عن هذا الكذب الذي لا شك فيه ويقطع بالنصارى عن مثل هذا عدم نقلهم إلا عن خمسة رجال فقط وقد وضح الكذب عليهم إلى ما أوضحنا من الكذب الذي في التوراة والإنجيل القاضي بتبديلهما بلا شك والثاني شيء نقلته الكافة عن مثلها حتى يبلغ الأمر كذلك إلى رسول الله ﷺ ككثير من آثاته ومعجزاته التي ظهرت يوم الخندق وفي تبوك بحضرة الجيش وككثير من مناسك الحج وكزكاة التمر والبر والشعير والورق والإبل والذهب والبقر والغنم ومعاملته أهل خيبر وغير ذلك كثير مما يخفى على العامة وإنما يعرفه كواف أهل العلم فقط وليس عند اليهود والنصارى من هذا النقل شيء أصلاً لأنه يقطع بهم دونه ما قطع بهم دون النقل الذي ذكرنا قبل من أطباقهم على الكفر الدهور والطوال وعدم إيصال الكافة إلى عيسى عليه السلام والثالث ما نقله الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي ﷺ يخبر كل واحد منهم باسم الذي أخبره ونسبه وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف إما إلى رسول الله ﷺ من طرق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وإما إلى الصاحب وإما إلى التابع وإما إلى أمام أخذ عن التابع يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن والحمد لله رب العالمين وهذا نقل خص الله تعالى به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها وابقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور مذ أربعمائة عام وخمسين عاماً في المشرق والمغرب والجنوب والشمال يرحل في طلبه من لا يحصى عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ويواظب على تقييده من كان الناقد قريباً منه قد تولى الله تعالى حفظه عليهم والحمد لله رب العالمين فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيءٍ من النقل إن وقعت لأحدهم ولا يمكن فاسقاً أن يقحم فيه كلمة موضوعة ولله تعالى الشكر وهذه الأقسام الثلاثة التي نأخذ ديننا منها ولا نتعداها إلى غيرها والحمد لله رب العالمين والرابع شيء نقله أهل المشرق والمغرب أو الكافة أو الواحد الثقة عن أمثالهم إلى أن يبلغ من ليس بينه وبين النبي ﷺ إلا واحد فأكثر فسكت ذلك المبلوغ إليه عمن أخبره بتلك الشريعة عن النبي ﷺ فلم يعرف من هو فهذا نوع يأخذ به كثير من المسلمين ولسنا نأخذ به البتة ولا نضيفه إلى النبي ﷺ إذ لم نعرف من حدث به عن النبي ﷺ وقد يكون غير ثقة ويعلم منه غير الذي روي عنه ما لم يعرف منه الذي روى عنه ومن هذا النوع كثير من نقل اليهود بل هو أعلى ما عندهم إلا أنهم لا يقربون فيه من موسى كقربنا فيه من محمد ﷺ بل يقفون ولابد حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصراً في أزيد من ألف وخمسمائة عام وإنما يبلغون بالنقل إلى هلال وشماني وشمعون ومرعقيبا وأمثالهم وأظن أن لهم مسألة واحدة فقط يروونها عن حبر من أحبارهم عن نبي من متأخري أنبيائهم أخذها عنه مشافهة في نكاح الرجل ابنته إذا مات عنها أخوه وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط على أن مخرجه من كذاب قد صح كذبه والخامس شيء نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي ﷺ إلا أن الطريق رجلاً مجروحاً يكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا أيضاً يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء منه وهذه صفة نقل اليهود والنصارى فيما أضافوه إلى أنبيائهم لأنه يقطع بهم كفار بلا شك ولا مرية والسادس نقلٌ نقل بأحد الوجوه التي قدمنا إما بنقل من بين المشرق والمغرب أو بالكافة أو بالثقة عن الثقة حتى يبلغ ذلك إلى صاحب أو تابع أو إمام دونهما أنه قال كذا أو حكم بكذا غير مضاف ذلك إلى رسول الله ﷺ كفعل أبي بكر في سبي أهل الردة وكصلاة الجمعة صدر النهار وكضرب عمر الخراج وإضعافه القيمة على رقيق حاطب وغير ذلك كثير جداً فمن المسلمين من يأخذ بهذا ومنهم من لا يأخذ به ونحن لا نأخذ به أصلاً لأنه حجة في فعل أحد دون من أمرنا الله تعالى باتباعه وأرسله إلينا ببيان دينه ولا يخلو فاضل من وهم ولا حجة فيمن يهم ولا يأتي الوحي ببيان وهمه وهذا الصنف من النقل هو صفة جميع نقل اليهود لشرائعهم التي هم عليها الآن مما ليس في التوراة وهو صفة جميع نقل النصارى حاشى تحريم الطلاق إلا أن اليهود لا يمكنهم أن يبلغوا في ذلك إلى صاحب نبي أصلاً ولا إلى تابع له وأعلى من يقف عنده النصارى شمعون ثم بولس ثم أساقفهم عصراً عصراً هذا أمر لا يقدر أحد منهم على إنكاره ولا إنكار شيء منه إلا أن يدعي أحد منهم كذباً عند من يطمع في تجويزه عليه ممن يظن به جهلاً بما عنده فقط وأما إذا قررهم على ذلك من يدرون أنه يعرف كتبهم فلا سبيل لهم إلى إنكاره اصلاً قال أبو محمد ونقل القرآن وما فيه من إعلام النبي ﷺ كالإنذار بالغيوب وشق القمر ودعاء اليهود إلى تمني الموت والنصارى إلى المباهلة وجميع العرب إلى المجيء بمثل القرآن وبتوبيخهم بالعجز عنه وبتوبيخ اليهود بأنهم لا يتمنون الموت وقصة الطير الأبابيل ورميها أصحاب الفيل بحجارة من سجيل وكثير من الشرائع وكثير من السنن فإنه نقل كل ذلك اليماني والمضري والربيعي والقضاعي وكلهم أعداء متباينون متحاربون يقتل بعضههم بعضاً ليس هناك شيءٌ يدعوهم إلى المسامحة في نقلهم له ثم نقله عن هؤلاء من بين المشرق والمغرب وكانت العرب بلا خلاف قوماً لقاحاً لا يملكهم أحد كمضر وربيعة وإياد وقضاعة أو ملوكاً في بلادهم يتوارثون الملك كابراً عن كابر كملوك اليمن وعمان وشهر بن بارام ملك صفا والمنذر بن ساوى ملك البحرين والنجاشي ملك الحبشة وجيفر وعياذ ابني الجلندي ملكي عمان فانقادوا كلهم لظهور الحق وبهوره وآموا به ﷺ طوعاً وهم آلاف آلاف وصاروا إخوة كبني أب وأم وانحل كل من أمكنه الانحلال عن ملكه منهم إلى رسله طوعاً بلا خوف غزز ولا إعطاء مال ولا بطمعٍ في عز بل كلهم أقوى جيشاً من جيشه وأكثر مالاً وسلاحاً وأوسع بلداً من بلده كذي الكلاع وكان ملكاً متوجاً ابن ملوك متوجين تسجد له جميع رعيته يركب أمامه ألف عبد من عبيده سوى بني عمه من حمير وذي ظليم وذي زود وذي مران وذي عمرو وغيرهم كلهم ملوك متوجون في بلادهم هذا كله أمر لا يجهله أحد من حملة الأخبار بل هو منقول كنقل كون بلادهم في مواضعها وهكذا كان إسلام جميع العرب أولهم كالأوس والخزرج ثم سائرهم قبيلة قبيلة لما ثبت عندهم من آياته وبهرهم من معجزاته وما اتبعه الأوس والخزرج إلا وهو فريد طريد قد نابذه قومه حسداً له إذ كان فقيراً لا مال له يتيماً لا أب له ولا أخ ولا ابن أخ ولا ولد أمياً لا يقرأ ولا يكتب نشأ في بلاد الجهل يرعى غنم قومه بأجرة يتقوت بها فعلمه الله تعالى الحكمة دون معلم وعصمه من كل من أراده بلا حرس ولا حاجب ولا بواب ولا قصر يمتنع فيه على كثرة من أراد قتله من شجعان العرب وفتاكهم كعامر بن الطفيل واربد بن جزءٍ وغورث بن الحارث وغيرهم مع إقرار أعدائه بنبوته كمسيلمة وسجاح وطليحة الأسود وهو مكذب لهم فهل بعد هذا برهان أو بعد هذه الكفاية من الله تعالى كفاية وهو لا يبغي دنيا ولا يمني بها من اتبعه بل أنذر الأنصار بالأثرة عليهم بعده وتابعوه على الصبر على ذلك قام له أصحابه على قدم فمنعهم وأنكر ذلك عليهم وأعلمهم أن القيام لله تعالى لا لخلقه ورضوا بالسجود له فاستعظم ذلك وأنكره إلا لله وحده ولا شك في أن هذه ليست صفة طالب دنيا قط أصلاً ولا صفة راغب في غلبة ولا بعد صوت بل هذه حقيقة النبوة الخالصة لمن كان له أدنى فهم فهذا هو الحق لا ما تدعيه النصارى من الكذب البحت في أن الملوك دخلوا دينهم طوعاً وقد كذبوا في ذلك لأن أول ملك تنصر قسطنطين باني القسطنطينية بعد نحو ثلاثمائة عام من رفع المسيح عليه السلام فأي معجزة صحت عنده بعد هذه المدة وإنما نصرته أمه لأنها كانت نصرانية بنت نصراني تعشقها أبوه فتزوجها هذا أمر لا تناكر بين النصارى فيه والنشأة لا خفاء بما تؤثره في الإنسان وأما من اتبع النبي ﷺ فإنهم اتبعوه إذ بلغهم خبره في حياته عليه السلام للآيات التي كانت له بحضرة جميع أصحابه كإعجاز القرآن وانشقاق القمر ودعاء اليهود إلى تمني الموت وإخبارهم بعجزهم عن ذلك وأنهم لا يتمنونه أصلاً والإنذار بالغيوب وتبعان عين تبوك فهي كذلك إلى اليوم ونبعان الماء من بين أصابعه بحضرة العسكر وإطعامه النفر الكثير من طعام يسير مراراً جمة بحضرة الجموع وإخباره بأكل الأرضة كل ما في الصحيفة المكتوبة على بني هاشم وبني المطلب حاشى أسماء الله تعالى فقط وأنظاره بمصارع أهل بدر بحضرة الجيش موضعاً موضعاً وبالنور الواقع في سوط الطفيل بن عمرو الدوسي وحنين الجذع بحضرة جميعهم ودفع اربد عنه وقضاء غرماء جابر من تمر يسير مشى بجنبه وتزويد عمرو أربعمائة راكب من تمر يسير بقي بجنبه ورميه هو إذان بتراب عم عيونهم وخروجه بحضرة مائة من قريش وهم لا يرونه ودخول الغار وهم عليه لا يرونه وفتح الباب في حجر صلد في جنب الغار لم يكن فيه قط ولو كان هنالك يومئذ لما أمكنه الاختفاء فيه لأنه ليس بين البابين إلا أقل من ثمانية أذرع وهو ظاهر إلى اليوم كل عام وكل حين يزوره أهل الأرض من المسلمين ولو رام فتح الباب الثاني في ذلك الحجر أهل الأرض ما قدروا على إزاحته سالماً عن مكانه ولو كان ذلك الباب هنالك يومئذ لرآه الطالبون له بلا مؤونة لأنهم لم يكونوا إلا جموع قريش لعلهم ميئون كثيرة وآثار رأسه المقدس في ذلك الحجر وآثار كتفيه ومعصمه وظاهر يده باق إلى اليوم فعل الله تعالى منقول نقل الكواف جيلاً عن جيل ورمي الجمار الذي ترميه ما لا يحصيه إلا الله تعالى كل عام ثم لا يزيد حجمه في ذلك الموضع ورمى الله تعالى جيش أبرهة صاحب الفيل إذ غزا مكة عام مولده ﷺ بالحجارة المنكرة بأيدي طير منكرة ونزلت في ذلك سورة من القرآن متلوة إلى اليوم وكان ذلك ببركته عليه السلام وإنذاراته وشكوى البعير إليه وإبراء عيني علي من الرمد بحضرة الجماعات في ساعة وسوخ قوائم فرس سراقة إذ تبعه ودرور الشاة التي لا لبن لها مراراً وتسبيح الطعام وكلام الذئب ومجيئه وقوله للحكم إذ حكي مشيته كن كذلك فلم يزل يرتعش إلى أن مات ودعاؤه للمطر فأتى للوقت وفي الصحو فانجلى للوقت وظهور جبريل عليه السلام مرتين مرة في صورة دحية ثم أتى دحية بحضرة الناس وأخرى في صورة رجل لم يعرفه أحد ولا رؤي بعدها وقوله إذ خطب بنت الحارث ابن عوف بن أبي حارثة المزني فقال له أبوها أن بها بياضاً فقال لتكن كذلك فبرصت في الوقت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر المشهور وغير هذا كثير جداً مع ما ذكرنا من أن أول من تنصر من الملوك قسطنطين بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح فوالله ما قدر على إظهار النصرانية حتى رحل عن رومية مسيرة شهر وبني برنطية وهي قسطنطينية ثم أجبر الناس على النصرانية بالسيف والعطاء وكان من عهوده المحفوظة أن لا يولي ولاية إلا من تنصر والناس سراع إلى الدنيا نافرون عن الأدنى وكان مع هذا كله على مذهب أريوس لا على التثليث ولكن هذا من دعوى النصارى وكذبهم مضاف إلى ما يدعونه من أنهم بعد هذه المدة الطويلة وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد أخرى وبقائه خراباً لا ساكن فيه نحو مائتي عام وسبعين عاماً وجدوا الشوك الذي وضع على رأس المسيح بزعمهم والمسامير التي ضربت في يديه والدم الذي طار من جنبه والخشبة التي صلب عليها فلا أدري ممن العجب أممن اخترع مثل هذه الكذبة الغثة المفضوحة أم ممن قبلها وصدق بها ودان باعتقادها وصلب وجهه للحديث بها ليت شعري أين بقي ذلك الشوك وذلك الدم سالمين وتلك المسامير وتلك الخشبة طول تلك المدة وأهل ذلك الدين مطرودون مقتولون كقتل من تستر بالزندقة اليوم وتلك المدينة خراب الدهور الطوال لا يسكنها أحد إلا السباع والوحش وقد شاهدنا ملوكاً جلت لهم الأتباع والأولاد والشيع والأقارب صلبوا فما مضت مدة يسيرة حتى لم يبق لتلك الخشب أثر فكيف أمر لا طالب له وبدول قد انقطعت وبلاد قد أقفرت وخلت ونسيت أخبارها وهذه البردة التي كانت للنبي ﷺ والقصعة والسيف على أن الدولة متصلة لم تتخرم منذ حينئذ والحمد لله رب العالمين قد دخلت الداخلة في القصعة ولاسيف حتى لا يقين عندنا منهما اليوم ولولا تداول الخلفاء للباس البردة أبد الآبد فينقل أمرها جيلاً بعد جيل والمنبر كذلك لما قطعنا عليهما ولكن التداول لهما أمة بعد أمة وهما قائمان ظاهران للناس هو واجب اليقين بهما ورفع الشك فيهما وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ثم لم يلبث دين النصارى أن مات قسطنطين أول من تنصر من ملوك الدنيا ثم مات ابنه قسطنطين وولي ملك ترك النصرانية ورجع إلى عبادة الأوثان إلى أن مات ثم ولي رجل من أقارب قسطنطين فرجع إلى النصرانية وأما ديانة اليهود فما صفت فيها نيات بني إسرائيل وموسى عليه السلام حي بين أظهرهم ومازالوا مائلين إلى إظهار عبادة الأوثان ثم تكذيبهم كلهم بالشريعة التي أتاهم بها بعد موته عليه السلام طبقة بعد طبقة إلى انقطاع دولتهم فكيف إن يتبعه غيرهم قال أبو محمد وبرهان ضروري لمن تدبره حسي لا محيد عنه وهو أنه لا خلاف بين أحد من اليهود والنصارى وسائر الملل في أن بني إسرائيل كانوا بمصر في أشد عذاب يمكن أن يكون من ذبح أولادهم وتسخيرهم في عمل الطوب بالضرب العظيم والذل الذي لا يصبر عليه كلب مطلق فأتاهم موسى عليه السلام يدعوهم إلى فراق هذا الأسر الذي قتل النفس أخف منه وإلى الحرية والملك والغلبة والأمن ومضمون ممن هو في أقل من تلك الحال أن يسارع إلى كل من يطمع على يديه بالفرج وأن يستجيب له إلى كل ما دعاه إليه وإن أكثر من في هذا البلاء يستخير عبادة من أخرجه منه لاسيما إلى العز والحرمة وكانوا أيضاً أهل عسكر مجتمع وبني عمر يمكنهم التواطؤ ثم كانوا أهل بلد صغير جداً قد تكنفهم الأعداء من كل جانب وأما عيسى عليه السلام فما اتبعه إلا نحو اثني عشر رجلاً معروفين ونساء قليل وعدد لا يبلغ جميعم وفي جملتهم الاثنا عشر إلا مائة وعشرين فقط هكذا في نص إنجيلهم وكانوا مشردين مطرودين غير ظاهرين ولا يقوم بمثل هؤلاء ضرورة يقين العلم وأما محمد ﷺ فلا يختلف أحد في مشرق الأرض وغربها أنه عليه السلام أتى إلى قوم لقاح لا يقرون بملك ولا يطيعون لأحد ولا ينقادون لرئيس نشأ على هذا آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم منذ ألوف من الأعوام قد سرى الفخر والعز والنخوة والكبر والظلم والأنفة في طباعهم وهم أعداد عظيمة قد ملؤوا جزيرة العرب وهي نحو شهرين في شهرين قد صارت طباعهم طباع السباع وهم ألوف الألوف قبائل وعشائر يتعصب بعضهم لبعض أبداً فدعاهم بلا مال ولا اتباع بل خذله قومه إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة ومن الحرية والظلم إلى جري الأحكام عليهم ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا وأخذ مال من أحبوا إلى القصاص من النفس ومن قطع الأعضاء ومن اللطمة من أجل من فيهم لأقل علج غريب دخل فيهم وإلى إسقاط الأنفة والفخر إلى ضرب الظهور بالسياط أو بالنعال إن شربوا خمراً أو قذفوا إنساناً وإلى الضرب بالسوط والرجم بالحجارة إلى أن يموتوا إن زنوا فانقاد أكثرهم لكل ذلك طواً بلا طمع ولا غلبة ولا خوف ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة وخيبر فقط وما غزا قط غزوة يقاتل فيها إلا تسع غزوات بعضها عليه وبعضها له فصح ضرورة أنهم إنما آمنوا به طوعاً لا كرهاً وتبدلت طبائعهم بقدرة الله تعالى من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم ومن الفسق والقسوة إلى العدل العظيم الذي لم يبلغه أكابر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أولهم عن آخرهم طلب الثأر وصحب الرجل منهم قاتل ابنه وأبيه وأعدى الناس له صحبة الأخوة المتحابين دون خوف يجمعهم ولا رياسة ينفردون بها دون من أسلم من غيرهم ولا مال يتعجلونه فقد علم الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكيف كانت طاعة العرب لهما بلا رزق ولا عطاء ولا غلبة فهل هذا إلا بغلبة من الله تعالى على نفوسهم وقسره عز وجل لطباعهم كما قال تعالى. لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم. ثم بقي عليه السلام كذلك بين أظهرهم بلا حارس ولا ديوان جند ولا بيت مال محروساً معصوماً وهكذا نقلت آياته ومعجزاته فأيما يصح من أعلام الأنبياء المذكورين ما نقل عنه عليه السلام بصحة الطريق إليه وارتفاع دواعي الكذب والعصبية جملة عن اتباعه فيه فجمهورهم غرباء من غير قومه لم يمنهم بدنيا ولا وعدهم بملك وهذا لا ينكره أحد من الناس وأيضاً فإن سيرة محمد ﷺ لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله ﷺ حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته ﷺ لكفى وذلك أنه عليه السلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع والأخرى أيضاً إلى أول الشام ولم يطل بها البقاء ولا فارق قومه قط ثم أوطأه الله تعالى رقاب العرب كلها فلم تتغير نفسه ولا حالت سيرته إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة ولم يبت قط في ملكه دينار ولا درهم وكان يأكل على الأرض ما وجد ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه ويؤثر على نفسه وقتل رجل من أفاضل أصحابه مثل فقده يهد عسكراً قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى أذى أعدائه بذلك إذ لم يوجب الله تعالى له ذلك ولا توصل بذلك إلى دمائهم ولا إلى ذم واحد منهم ولا إلى أموالهم بل فداه من عند نفسه بمائة ناقة وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا من أصحاب بيوت الأموال بوجه من الوجوه ولا يقتضي هذا أيضاً ظاهر السيرة والسياسة فصح يقيناً بلا شك أنه إنما كان متبعاً ما أمر به ربه عز وجل كان ذلك مضراً به في دنياه غاية الإضرار أو كان غير مضر به وهذا عجب لمن تدبره ثم حضرته المنية وأيقن بالموت وله عم أخو أبيه هو أحب الناس إليه وابن عم هو من أخص الناس به وهو أيضاً زوج ابنته التي لا ولد ه غيرها وله منها ابنان ذكران وكلا الرجلين المذكورين عمه وابن عمه عنده من الفضل والدين والسياسة في الدنيا والبأس والحلم وخلال الخير ما كان كل واحد منهما حقيقاً بسياسة العالم كله فلم يحابهما وهما من أشد الناس غناءً عنه ومحبة فيه وهو من أحب الناس فيهما إذ كان غيرهما متقدماً لهما في الفضل وإن كانا بعيد النسب منه بل فوض الأمر إليه قاصداً إلى مر الحق واتباع ما أمر به ولم يورث ورثته ابنته ونساءه وعمه فلساً فما فوقه وهم كلهم أحب الناس إليه وأطوعهم له وهذه أمور لمن تأملها كافية مغنية في أنه إنما تصرف بأمر الله تعالى له لا بسياسة ولا بهوى فوضح بما ذكرنا ولله الحمد كثيراً أن نبوة محمد ﷺ حق وأن شريعته التي أتى بها هي التي وضحت براهينها واضطرت دلائلها إلى تصديقها والقطع على أنها الحق الذي لا حق سواه وأنها دين الله تعالى الذي لا دين له في العالم غيره والحمد لله رب العالمين عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته على ما وفقنا من الملة الإسلامية ثم على ما يسرنا عليه من النحلة الجماعية السنية ثم على ما هدانا له من التدين والعمل بظاهر القرآن وبظاهر السنن الثابتة عنه ﷺ عن باعثه عز وجل ولم يجعلنا ممن يقلد أسلافه وأحباره دون برهان قاطع وحجة قاهرة ولا ممن يتبع الأهواء المضلة المخالفة لقوله وقول نبيه ﷺ ولا ممن يحكم برأيه وظنه دون هدى من الله ورسوله اللهم كما ابتدأتنا بهذه النعمة الجليلة فأتمها علينا وأصحبنا إياها ولاتخالف بها عنا حتى تقبضنا إليك ونحن متمسكون بها فنلقاك بها غير مبدلين ولا مغيرين اللهم آمين رب العالمين وصل اللهم على محمد عبدك ورسولك وخليلك وخاتم أنبيائك خاصة وعلى أنبيائك عامة وعلى ملائكتك كافة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


ذكر فصول يعترض بها جهلة الملحدين على ضعفة المسلمين

قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا ووجدهما قد تفاقم الداء بهما فأما إحداهما فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتداؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد ونزواته وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وكيفية قطع الشمس والقمر والدراري الخمسة وتاقطع فلكي النيرين والكلام في الأجرام العلوية وفي الكواكب الثابنة وانتقالها وإبعاد كل ذلك وإعظامه وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك فأشرفت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح براهينها ضرورية لائحة ولم يكن معها من قوة المننة وجودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به إن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلاً فجائز أن يخطىء في مسئلة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طلعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلابإقناع أو بشغب وربما بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملاً واحداً وقبلوه قبولاً مستوياً فسترى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة كما قال رسول الله ﷺ أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فتوصل إليهم من باب غامض نعوذ بالله منه وهو أنهم كما ذكرنا أصغار من كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها فلم يعبؤا بآية من كتاب الله تعالى الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولابسنة من سنن رسول الله ﷺ التي هي بيان الحق ونور الألباب ولم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدين إلا أقواماً لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلايلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به جاههم وحالهم وأما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولاما نقل عن النبي ﷺ مما نقل عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه عن أهل الكتاب فنظرت الطائفة الأولى من هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستهجال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله تعالى لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقدوا أكثروا الإلحاد والتعطيل وسلك بعضهم طريق الاستخفاف والإهمال وإطراح ثقل الشرائع واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات من أنواع الفواحش المحرمات من الخمور والزنا واللواطة والبغاء وترك الصلوات والصيام والزكاة والحج والغسل وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد واستعمال الأهزال وترك الجد والتحقيق وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشؤا في حجور أهله نسأل الله العصمة من الضلال لنا ولا بنائنا ولك إخواننا من المسلمين ونسأله تدارك من زلت قدمه وهوت نقله أنه على كل شيء قدير وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب لحديث النبي ﷺ فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما كتبوا ويعلموا به وإنما تحملوه حملاً لا يزيدون على قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به ونه لم يأت هملاً ولا قاله رسول الله ﷺ عبثاً بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا ما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البذي التي إنما هي خرافات موضوعات وأكذوبات مفتعلات ولدها الزنادقة تدليساً على الإسلام وأهله فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح من أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وهذا يوجب أن جرم العالم غير متناه وهذا هو الكفر بعينه فنافرت هذه الطبقة التي ذكرنا كل برهان ولم يكن عندها أكثر من قولهم نهينا عن الجدال فليت شعري من نهاهم عنه والله عز وجل يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل ﷺ. وجادلهم بالتي هي أحسن. وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا. يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا. وقد نص تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق والأفلاك تداويرها وتعارض تلك الأدوار على رتبة واحدة وكذلك معرفة الدوائر والمنطقة والميل والاستواء وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر الأربعة وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة فمن أشرف على ذلك وعلمه رأي عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار لأن اختلاف تلك الحركات يضطر إلى المعرفة بأن شيئاً منها لا يقوم بنفسه دون ممسك مدبر لا إله إلا هو ولا خالق سواه ولا مدبر حاشاه ولا فاعل مخترع إلا هو ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي تقشعر منها الذوائب وهي إن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلابالدعاوي والغلبة وهذا خلاف قوله عز وجل. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. وقوله تعالى. فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. هذا قول الله عز وجل وما جاء به نبيه ﷺ وفي ذلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل بعده وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحداً من الصحابة رضي الله عنهم نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم فكان كلام هذه الطائفة مغرياً للطائفة الأولى بكفرها ومغبطاً لهم لشركهم إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته ثم زادت هذه الطائفة الثانية غلواً في الجنون فعابوا كتبنا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤها ولا أخبرهم عنما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام قال أبو محمد وهذه الكتب كلها كتب سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز وجل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعظم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يتعرف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبداً وما يصح مرة وما يبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجاً عن أصله ودليل الخطاب قال أبو محمد فلما رأينا عظيم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز وجل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي ﷺ منصوص مسطور يعلمه كل من أحكم النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي ﷺ منه خاليان والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام نبيه ﷺ بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ولسنا من تفسير الكلب الكذاب ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقاة الأثبات من رؤساء المحدثين مسنداً فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين وإنما الباطل ما ادعته الطائفة الأولى من نطق الكواكب وتدبيرها وهذا كفر لا حجة عندهم على ما قالوه منه أكثر من أن المحتج لهم قال لما كنا نعقل وكانت الكواكب تدبرنا كانت أولى بالعقل منا وهذا الذي ذكروه ليس بشيء لأن الكواكب وإن كان لها تأثير في العالم ظاهر فليس تأثيرها تأثير ملك واختيار يدل على ذلك ما قد ذكرناه في كتابنا هذا من الدلائل على أن الكواكب مضطرة لا مختارة وإنما تأثيرها كتأثير النار بالإحراق والماء بالتبريد والسم بإفساد المزاج والطعام بالتغذية والفلفل بحذو اللسان والإهليلج بالقبض للفم وما جرى هكذا من سائر ما في العالم وكل ذلك غير ناطق والكواكب والأفلاك جارية هذا المجرى لأن تأثيرها تأثير واحد لا يختلف وحركتها حركة واحدة لا تختلف وليس كذلك المختارة ولقد قال لي بعضهم وقد عارضته بهذا أن المختار الفاضل يلزم أفضل الحركات فلا يتعداها وتلك الحركة الدورية هي أفضل الحركات فقلت له وما دليلك على أن تلك الحركة أفضل الحركات ومن أين صارت الحركة من شرق إلى غرب أو من غرب إلى شرق أفضل من الحركة من جنوب إلى شمال أو من شمال إلى جنوب وكيف يكون عندكم أفضل الحركات والأفلاك الثمانية تنتقل من غرب إلى شرق والتاسع من شرق إلى غرب فأي هاتين الحركتين قلتم أنها أفضل عندكم وقد اختار الآخر الحركة التي ليست أفضل فظهر فساد هذا القول بيقين وهذه دعاوي مجردة بلا برهان وما كان هكذا فقد سقط ولا فرق بينك وبين من قال بل الحركة علو أفضل أو على خط مستقيم سائرة وراجعة ونحن نجد تلك الأجرام تسفل في بعض ممراتها وتشرف في بعض وتسقط في بعض على قولكم وتوافق بزعمكم بروح نحس مظلمة وأخرى نيرة سعيدة وبعض الأفلاك يقطع من غرب إلى شرق وهو حركة جميعها إلا الأعلى فإنه يتحرك من شرق إلى غرب فليست هذه أفضل الحركات فبطل قولهم والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد وكذلك ماذكره من ذكر ذلك منهم من الكرور عند انتهاء آلاف من الأعوام ذكروها وانتصاب الكواكب الثابتة على نصبٍ ما من قطعها لفلكها فهذا أيضاً كذب مجرد ودعوى ساقطة لا دليل عليها ولا يعجز عن مثلها أحد ولم يأتوا على شيءٍ من ذلك بشغب ولا بإقناع فكيف ببرهان وإنما هو تقليد لبعض قدماء الصابئين فمثل هذه الحماقات والخرافات هي الذي دفعته الشريعة الإسلامية وأبطلته وأما ما قامت عليه البراهين فهو في القرآن والسنة موجود نصاً واستدلالاً ضرورياً والحمد لله رب العالمين

مطلب بيان كروية الأرض

قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخذو من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى. وجعلنا آية النهار مبصرة. فيقال لمن أنكر ما جهل من ذلك من العامة أليس إنما افترض الله عز وجل علينا أن نصلي الظهر إذا زالت الشمس فلابد من نعم فيسألون عن معنى زوال الشمس فلابد من أنه إنما هو انتقال الشمس عن مقابلة من قابل بوجهه القرص واستقبل بوجهه وأنفه وسط المسافة التي بين موضع طلوع الشمس وبين موضع غروبها في كل زمان وكل مكان وأخذها إلى جهة حاجبه الذي يلي موضع غروب الشمس وذلك إنما هو في أول النصف الثاني من النهار وقد علمنا أن المداين من معمور الأرض آخذة على أديمها من مشرق إلى مغرب ومن جنوب إلى شمال فيلزم من قال إن الأرض منتصبة الأعلى على غير مكورة أن كل من كان ساكناً في أول المشرق أن يصلي الظهر في أول النهار ضرورة ولابد إثر صلاة الصبح بيسير لأن الشمس بلا شك تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم في أول النهار ضرورة ولابد أن كان امر على ما تقولون ولا يحل لمسلم أن يقول إن صلاة الظهر تجوز أن تصلى قبل نصف النهار ويلزمهم أيضاً أن من كان ساكناً في آخر المغرب إن الشمس لا تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم إلا في آخر النهار فلا يصلون الظهر إلا في وقت لا يتسع لصلاة العصر حتى تغرب الشمس وهذا خارج عن حكم دين الإسلام وأما من قال بتكويرها فإن كل من ظهر الأرض لا يصلي الظهر إلا إثر انتصاف نهاره أبداً على كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان وهذا بين لا خفاء بل وقال عز وجل. سبع سموات طباقاً. وقال تعالى. ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق. وهكذا قام البرهان من قبل كسوف الشمس والقمر بعض الدراري لبعض على أنها سبع سموات وعلى أنها طرائق وقوله تعالى طرائق يقتضي متطرقاً فيه وقال تعالى. وسع كرسيه السموات والأرض. وهذا نص ما قام عليه البرهان من انطباق بعضها على بعض وإحاطة الكرسي بالسموات السبع وبالأرض وقال رسول الله ﷺ فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن وقال تعالى. الرحمن على العرش استوى. وأخبر هذان النصان بأن ما على العرش هو منتهى الخلق وناية العالم وقال تعالى. إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد. وهذا هو نص ما قام البرهان عليه من أن الكواكب المرمي بها هي دون سماء الدنيا لأنها لو كانت في السماء لكان الشياطين يصلون إلى السماء أو كانت هي تخرج عن السماء وإلا فكانت تلك الشهب لا تصل إليهم إلا بذلك وقد صح أنهم ممنوعون من السماء بالرجوم فصح أن الرجوم دون السماء وأيضاً فإن تلك الرجوم ليست نجوماً معروفة أصلاً وإنما هي شهب ونيازك من نار تتكوكب وتشتعل وتطفأ ولا نار في السموات أصلاً فلم نجد الاختلاف إلا في الأسماء لاختلاف اللغات وقد اعترض القاضي منذر بن سعيد في هذا فجعل الأفلاك غير السموات قال أبو محمد ولا برهان على ما ذكر إلا أنه قال إن السموات هي فوق الأرض وهذا ليس بشيء لأن التحت والفوق من باب الإضافة لا يقال في شيء تحت إلا وهو فوق لشيء آخر حاشى مركز الأرض فإنه تحت مطلق لا تحت له البتة وكذلك كل ما قيل فيه أنه فوق فهو أيضاً تحت لشيء آخر حاشى الصفحة العليا من الفلك إلا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا فوق لها البتة فالأرض على هذا البرهان الشاهد هي مكان التحت للسموات ضرورة فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ولابد وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض وقد قال الله عز وجل. ألم يروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً. وقال تعالى. جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً. فأخبر الله تعالى إخباراً لا يرده إلا كافر بأن القمر في السماء وأن الشمس أيضاً في السماء ثم قد قام البرهان الضروري المشاهد بالعيان على دورانها حول الأرض من مشرق إلى مغرب ثم من مغرب إلى مشرق فلو كان على ما يظن أهل الجهل لكانت الشمس والقمر إذا دارا بالأرض وصارا فيما يقابل صفحة الأرض التي لسنا عليها قد خرجا عن السماء وهذا تكذيب لله تعالى فصح بهذا أنه لا يجوز أن يفارق الشمس والقمر السموات ولا أن يخرجا عنها لأنهما كيف دارا فهما في السموات فصح ضرورة أن السموات مطابقة طباقاً على الأرض وأيضاً فقد نص تعالى كما ذكرنا على أن الشمس والقمر والنجوم في السموات ثم قال تعالى. وكلٌ في فلك يسبحون. وبالضرورة علمنا أنه لا يمكن أن يكون جرم في وقت واحد في مكانين فلو كانت السموات غير الأفلاك وكانت الشمس والقمر بنص القرآن في السموات وفي الفلك لكانا في مكانين في وقت غير متداخلين واحد وهذا محال ممتنع ولا ينسب القول بالمحال إلى الله عز وجل إلا أعمى القلب فصح أن الشمس في مكان واحد وهو سماء وهو فلك وهكذا القول في القمر وفي النجوم وقوله تعالى وكلٌ في فلك يسبحون نص جلي على الاستدارة لأنه أخبر تعالى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك ولم يخبر تعالى أن لها سكوناً فلو لم تستدر لكانت على أباد الدهور بل في الأيام اليسيرة تغيب عنا حتى لا نراها أبداً لو مشت على طريق واحد وخط واحد مستقيم أو معوج غير مستدير لكنا أمامها أبداً وهذا باطل فصح بما نراه من كرورها من شرق إلى غرب وغرب إلى شرق أنها دائرة ضرورة وكذلك قال رسول الله ﷺ إذ سئل عن قول الله تعالى. والشمس تجري لمستقرٍ لها. فقال عليه السلام مستقرها تحت العرش وصدق ﷺ لأنها أبداً تحت العرش إلى يوم القيامة وقد علمنا أن مستقر الشيء هو موضعه الذي يلزم فيه ولا يخرج عنه وإن مشى فيه من جانب إلى جانب حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري ثنا عبد الله ابن أحمد الهروي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي حدثنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد بن حميد حدثني سليمان بن حرب الواسحي ثنا حماد بن سلمة عن اياسي بن معاوية المزني قال السماء مقببة هكذا على الأرض وبه إلى عبد بن حميد حدثني يحيى بن عبد الحميد عن يعقوب عن جعفر هو ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت قول الله عز وجل. سبع سموات ومن الأرض مثلهن. قال ابن عباس هن ملتويات بعضهن على بعض حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ثنا محمد بن معاوية القرشي حدثنا أبو يحيى زكريا ابن يحيى الساجي البصري قال أنبأنا عبد الأعلى ومحمد بن المثنى وسلمة بن شبيب قالوا كلهم ثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فذكر الحديث بطوله وفيه أنه ﷺ قال للأعرابي ويحك تدري ما الله إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة ووصف لهم ابن جرير بيده وأمال كفه وأصابعه اليمنى وقال هكذا حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله وأحمد بن عبد البصير قالا جميعاً أنبأنا قاسم بن اصبع ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار بندار ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري ثنا شعبة عن الأعمش هو سليمان بن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل في فلك يسبحون فلك كفلك المغزل قال أبو محمد وذكروا أيضاً قول الله عز وجل عن ذي القرنين. وجدها تغرب في عين حمئة وقريء. أيضاً حامية قال أبو محمد وهذا هو الحق بلا شك وذو القرنين كان في العين الحمئة الحامية حمئة من حماتها حامية من استحرارها كما تقول رأيتك في البحر تريد أنك إذ رأيته كنت أنت في البحر وبرهان هذا أن مغرب الشمس لا يجهل مقدار عظيم مساحته إلا جاهل ومقدار ما بين أول مغربها الشتوي إذا كانت من آخر رأس الجدي إلى آخر مغربها الصيفي إذا كانت من رأس السرطان مرئيٌّ مشاهد ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسي أقل من مقدار السدس يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيف وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم عين البتة لاسيما أن تكون عيناً حمئة حامية وباللغة العربية خوطبنا فلم تيقنا أنها عين بإخبار الله عز وجل الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه علمنا يقيناً أن ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة وانقطع له إمكان المشي بعدها لاعتراض البحار هنالك وقد علمنا بالضرورة أن ذا القرنين وغيره من الناس ليس يشغل من الأرض إلا مقدار مساحة جسمه فقط قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ومن هذه صفته فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض بمقدار مكان المغارب كلها لو كان مغيبها في عين من الأرض كما يظن أهل الجهل ولابد من أن يلقى خط بصره من حدبة الأرض أو من نشز من أنشازها ما يمنع الخط من التمادي إلى أن يقول قائل إن تلك العين هي البحر فلا يجوز أن يسمى البحر في اللغة عيناً حمئة ولا حامية وقد أخبر الله عز وجل أن الشمس تسبح في الفلك وأنها إنما هي من الفلك سراج وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يجوز أن يختلف ولا يتناقض فلو غابت في عين في الأرض كما يظن أهل الجهل أو في البحر لكانت الشمس قد زالت عن السماء وخرجت عن الفلك وهذا هو الباطل المخالف لكلام الله عز وجل حقاً نعوذ من ذلك فصح يقيناً بلا شك أن ذا القرنين كان هو في العين الحمئة الحامية حين انتهى إلى آخر البر في المغارب وبالله التوفيق لاسيما مع ما قام البرهان عليه من أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض وبالله تعالى التوفيق وبرهان آخر قاطع وهو قول النصارى. وجدها تغرب في عين حامية. وقري حمئة. ووجدها عندها قوماً. فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس وقال الله عز وجل. جنة عرضها السموات والأرض. وقد صح الإجماع والنص على أن أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم في الجنة إلا في قول من لا يعد من جملة أهل الإسلام ممن يقول بفناء الأرواح وأنها أعراض وكذلك أرواح الشهداء في الجنة وأخبر رسول الله ﷺ أنه رآهم ليلة أسري به في السموات سماءً سماءً آدم في سماء الدنيا وعيسى ويحيى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى وإبراهيم في السادسة والسابعة صلى الله على جميعهم وسلم فصح ضرورة أن السموات هي الجنات وقد قال عليه السلام أن أرواح الشهداء طير أخضر تعلق في ثمار الجنة ومن المحال الممتنع الذي لا يظنه مسلم أن تكون أرواح الشهداء طيور خضر وأرواح الأنبياء في غير الجنة إذ هم أولى بكل فضل ولا مكان فضل من الجنة حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري حدثنا أبو ذر الهروي أنا أحمد بن عبدان الحافظ النيسابوري بالأهواز أنا محمد بن سهل المقري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح أنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الله بن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنا محمد بن جبير عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي ﷺ قال البحر من جهنم أحاط به سرادقها حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا أحمد بن خالد أنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد ابن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث عن عكرمة مولي بن عباس عن ابن عباس عن كعب قال والبحر المسجور يسجر فيكون جهنم حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي أنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي أنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز أنا الحجاج بن المنهال السلمي أنا مهدي بن ميمون عن محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب الضبي عن بشر هو ابن سعاف قال كنا مع عبد الله بن سلام يوم الجمعة في المسجد فقال وإن الجنة في السماء والنار في الأرض وذكر كلاماً كثيراً وبه إلى الحجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن داد عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال ليهودي أين جهنم قال في البحر قال علي بن أبي طالب ما أظنه إلا قد صدق حدثنا المهلب الأسدي حدثنا ابن مياس حدثنا بن مسرور حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله ابن وهب عن شبيب بن سعيد عن المنهال عن شقيق بن سلمة عن بن سمعود قال الأرض كلها يومئذ نار والجنة من ورائها وأولياء الله في ظل عرش الله تعالى قال أبو محمد وقال الله تعالى. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. فبين تعالى أن الشمس أبطأ من القمر وهكذا قام البرهان بالرصد أن الشمس تقطع السماء في سنة والقمر يقطعها في ثمانية وعشرين يوماً ثم نص تعالى على أن الليل لا يسبق النهار فبين تعالى بهذا حكم الحركة الثانية التي للفلك الكلي وهي التي تتم في كل يوم وليلة دورة وتتساوى فيها جميع الدراري والشمس والقمر والنجوم وقال تعالى. فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وأخبر تعالى أن أرواح الكافرين لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة فصح أن من فتحت له أبواب السماء دخل الجنة وأخبر رسول الله ﷺ أن شدة الحر من فيح جهنم وأن لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف وإن ذلك أشد ما نجد من الحر والبرد وإن نارنا هذه أبرد من نار جهنم بتسع وستين درجة وهكذا نشاهد من فعل الصواعق فإنها تبلغ من الإحراق والأذى في مقدار اللمحة ما لا تبلغه نارنا في المدد الطوال وقال رسول الله ﷺ إن آخر أهل الجنة دخولاً فيما بعد خروجه من النار يعطى مثل الدنيا عشر مرات رويناه من طريق أبي سعيد الخدري مسنداً وصح أيضاً مسنداً عن رسول الله ﷺ أن الدنيا في الآخرة كاصبع في اليم قال أبو محمد وهذا إنما هو في نسبة المسافة لا في نسبة المدة لأن مدة الآخرة لا نهاية لها وما لا نهاية له فلا ينسب منه شيء البتة بوجه من الأوجه ولا هو أيضاً نسبة من السرور واللذة ولا من الحزن والبلاء فإن سرور الدنيا مشوب بألم ومتناه وحزنها متناه منقض وسرور الآخرة وحزنها خالصان غير متناهيين وهكذا قام البرهان من قبل رويتنا لنصب السماء أبداً على أنه لا نسبة للأرض عند السماء ولا قدر وقال عز وجل. جنة عرضها السموات والأرض. وقال تعالى. وجنى الجنتين دان. وذكر رسول الله ﷺ أن للجنة ثمانية أبواب وقال عليه السلام فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن فصح يقيناً أنهما جنتان إحداهما عرض السموات والأرض والأخرى عرضها كعرض السماء والأرض وقوله تعالى. وةلمن خاف مقام ربه جنتان. إنما هو خبر عن الجميع أن لهم هاتين الجنتين فالتي عرضها السموات والأرض هي السموات السبع لأن عرض الشيء منه بلا شك وكل جرم كرسي فإن جميع إبعاده عروض فقط وذكرت الأرض هنا لدخولها في جملة مساحة السموات ولإحاطة السموات بها والتي عرضها كعرض السماء والأرض هي الكرسي المحيط بالسموات والأرض قال الله تعالى. وسع كرسيه السموات والأض. فصح أن عرضه كعرض السموات والأرض مضافاً بعض ذلك إلى بعض فصح أن لها ثمانية أبواب في كل سماء باب وفي الكرسي باب وصح أن العرش فوق أعلا الجنة وهو محل الملائكة وموضعها ليس من الجنة في شيء بل هو فوقها وكذلك قوله تعالى. الذين يحملون العرش ومن حوله. بيان جلي بأن على العرش جرماً آخر فيه الملائكة وقد ذكر أن البرهان يقوم بذلك من أحكم النظر في الهيئة وهذه نصوص ظاهرة جلية دون تكلف تأويل قال أبو محمد وقوله تعالى كعرض السماء ذكر لجنس الموات لأن السموات اسم للجنس يدل عليه قوله تعالى. وسع كرسيه السموات والأرض. قال أبو محمد ومثل هذا كثير مما إذا تدبره المتدبر دل على صحة ما قلناه من أن كل ما ثبت ببرهان فهو منصوص في القرآن وكلام النبي ﷺ

مطلب بيان كذب من ادعى المدة الدنيا عدداً معلوماً

قال أبو محمد وأما اختلاف الناس في التاريخ فإن اليهود يقولون للدنيا أربعة آلاف سنة ونيف والنصارى يقولون للدنيا مسة آلاف سنة وأما نحن فلا نقطع على عدد معروف عندنا وأما من ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كذب وقال ما لم يأت قط عن رسول الله ﷺ فيه لفظة تصح بل صح عنه عليه السلام خلافه بل نقطع على أن للدنيا أمراً لا يعلمه إلا الله عز وجل قال الله تعالى. ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم. وقول رسول الله ﷺ ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض هذا عنه عليه السلام ثابت وهو عليه السلام لا يقول إلا عين الحق ولا يسامح بشيء من الباطل وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار أعداد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر علم أن للدنيا عدداً لا يحصيه إلا الله الخالق تعالى وكذلك قوله ﷺ بعثت أنا والساعة كهاتين وضم اصبعيه المقدستين السبابة والوسطى وقد جاء النص بأن الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله عز وجل لا أحد سواه فصح أنه عليه السلام إنما عني شدة القرب لا فضل طول الوسطى على السبابة إذ لو أراد فضل ذلك لأخذت نسبة ما بين الاصبعين ونسب ذلك من طول الوسطى فكان لا يعلم بذلك متى تقوم الساعة وهذا باطل وأيضاً فكان تكون نسبته عليه السلام إيانا إلى من قبلنا بأنه كالشعرة في الثور كذباً ومعاذ الله من ذلك فصح أنه عليه السلام إنما أراد شدة القرب وله عليه السلام مذ بعث أربعمائة عام ونيف والله أعلم بمقدار ما بقي من عمر الدنيا فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عندما سلف لقلته وتفاهته بالإضافة إلى ما مضى فهذا الذي قاله عليه السلام من أننا فيمن مضى كالشعرة في الثور أو الرقمة في ذراع الحمار قال أبو محمد وقد رأيت بخط الأمير أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الناصري رحمه الله قال حدثني محمد بن معاوية القرشي أنه رأى بالهند بداله اثنان وسبعون ألف سنة وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة قال أبو محمد إلا أن لكل ذلك أولاً ومبدأ ولا بد من نهاية لم يكن شيء من العالم موجوداً قبلها ولله الأمر من قبل ومن بعد ومما اعترض به بعضهم إن قال أنتم تقولون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ويلبسون ويطأون النساء وإن هنالك جواري أبكاراً خلقن لهم وذلك المكان لا فساد فيه ولا استحالة ولا مزاج وهذه أشياء كوائن فواسد فكيف الأمر قال أبو محمد إن ها هنا ثلاثة أجوبة أحدها برهان ضروري سمعي والثاني برهان نظري مشاهد والثالث إقناعي خارج على أصول المعارض لنا فالأول وهو الذي يعتمد عليه وهو أن البرهان الضروري قد قدمناه على أن الله عز وجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعاً لها لا من شيء ولا على أصل متقدم وإذ لا شك في هذا فليس شيء متوهم أو مسئول يتعذر من قدرة الخالق عز وجل إذ كل ما شاء كونه كونه ولا فرق بين خلقه عز وجل كل ذلك في هذه الدار وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة وقد أخبرنا رسول الله ﷺ الذي قامت البراهين الضرورية على أن الله عز وجل بعثه إلينا ووسطه للتبليغ عنه وعلى صدقه فمما أخبر به أن الأكل والشرب واللباس والوطيء هنا لك وكان هذا الخبر الذي اخبرنا به الصادق عليه السلام داخلاً في حد الممن لا في الممتنع ثم لما أخبرنا الله تعالى به على لسان رسوله ﷺ صح علمنا به ضرورة فبان أنه في حد الواجب وأما الجواب الثاني فهو أن الله عز وجل خلق أنفسنا ورتب جواهرها وطباعها الذاتية رتبة لا تستحيل البتة على التذاذ المطاعم والمشارب والروائح الطيبة والمناظر الحسنة والأصوات المطربة والملابس المعجبة على حسب موافقة كل ذلك لجوهر أنفسنا هذا ما لا مدفع فيه ولا شك في أن النفوس هي الملتذة بكل ما ذكرنا وأن الحواس الجسدية هي المنافذ الموصلة لهذه الملاذ إلى النفوس وكذلك المكاره كلها وأما الجسد فلا حس له البتة فهذه طبيعة جوهر أنفسنا التي لا سبيل إلى وجودها دونها إذا جمع الله يوم القيامة بين أنفسنا وبين الأجساد المركبة لها وعادت كما كانت جوزيت هنالك ونعمت بملاذها وبما تستدعيه طباعها التي لم توجد قط إلا كذلك ولا لها لذة سواها إلا أن الطعام الذي هنالك غير معانىً بنار ولا ذو آفات ولا مستحيل قذراً ودماً ولا ذبح هنالك ولا آلام ولا تغير ولا موت ولا فساد وقد قال الله تعالى. لا يصدعون عنها ولا ينزفون. وتلك الملابس غير محوكة بنسج ولا فانية ولا متغيرة ولا تقبل البلاء وتلك الأجساد لا كدر فيها ولا خلط ولا دم ولا أذى وتلك النفوس لا رذيلة فيها من غل ولا حسد ولا حرص قال الله تعالى. ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً. وأخبر رسول الله ﷺ عن المخرجين من النار أنهم يطرحون في نهر على باب الجنة فإذا نقوا وهذبوا هذا نص لفظ رسول الله ﷺ ثم بعد التنقية أخبر رسول الله ﷺ أنهم حينئذ يصيرون إلى الجنة فصح أن الملاذ من هذه الأشياء والمتناولات تصل إلى النفوس هنالك على حسب اختلاف وجود النفس لها وتغاير أنواع التذاذها بها وأوقعت عليها الأسماء لإفهامنا المعنى المراد وقد روينا عن ابن عباس ما حدثناه يحيى ابن عبد الرحمن بن مسعود حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي حدثنا وكيع بن الجراح أنبأنا الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء وهذا سند في غاية الصحة وهو أول حديث في قطعة وكعي المشهورة قال أبو محمد وأما الوطىء فهو هنالك كما عندنا ههنا لأنه ليس فيه مؤنة ولا استحالة وإنما هو التذاذ النفس بمداخلة بعض الجسد المضاف إليها لجسد آخر فقط وأما الجواب الثالث الإقناعي وهو موافق لأصولهم ولسنا نعتمد عليه فهو قدماء الهند قد ذكروا في كلامهم في الأفلاك والبروج ووجوه المطالع أنه يطلع مع كل وجه من وجوه البروج صور وصفوها وذكروا أنه ليس في العالم الأدنى صورة إلا وهي في العالم الأعلا قال أبو محمد وهذا إيجاب منهم أن هنالك ملابس ومشارب ومطاعم ووطئاً وأنهاراً وأشجارً وغير ذلك قال أبو محمد وعارضني يوماً نصراني كان قاضياً على نصارى قرطبة في هذا وكان يتكرر على مجلسي فقلت له أوليس فيما عندكم في الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه ليلة أكل معهم الفصح وفيها أخذ بزعمهم وقد سقاهم كأساً من خمر وقال إني لا أشربها معكم أبداً حتى تشربوها معي في الملكوت عن يمين الله تعالى وقال في قصة الفقير المسمى العاذار الذي كان مطرحاً على باب الغني تلحس الكلاب جراح قروحه وأن ذلك الغني نظر إليه في الجنة متكئاً في حجر إبراهيم عليه السلام فناداه الغني وهو في النار يا أبي يا إبراهيم ابعث إلى العاذار بشيء من ماء يبل به لساني وهذا نص على أن في الجنة شراباً من ماء وخمر فسكت النصراني وانقطع وأما التوراة التي بأيدي اليهود فليس ذكر لنعيم الآخرة أصلاً ولا لجزاء بعد الموت البتة قال أبو محمد وكذك الجواب في أكل أهل النار وشربهم سواء بسواء كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد والأرض أيضاً سبع طباق منطبقة بعضها على بعض كإطباق السموات لإخبار خالقنا بذلك وليس ذلك قبل الخبر في حد الممتنع بل في حد الممكن وذكر قوم قول الله تعالى. يوم تبدل الأرض غير الأرض والمسوات. فقلنا قول الله هذا حقاً وقد قال عز وجل. وفتحت السماء فكانت أبواباً. وقال عز وجل. يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن. وقال تعالى. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكةً واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها. وقال تعالى. إذا السماء انشقت. وقال تعالى. وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت. وقال تعالى. إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت. وقال تعالى. إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت. وقال تعالى. إن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما. وقال تعالى. كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وقال تعالى وذكر أهل الجنة. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ. فكل كلامه تعالى حق لا يجوز الاقتصار على بعضه دون بعض فصح يقيناً أن تبديل السموات والأرض إنما هو تبديل أحوالها لا إعدامها لكن إخلاؤها من الشمس والقمر والكواكب والنجوم وتفتيحها أبواباً وكونها كالمهل وتشققها ووهيها وانفطارها وتدكدك الأرض والجبال وكونها كالعهن المنفوش وتسييرها وتسجير البحار فقط وبهذا تتألف الآيات كلها ولا يجوز عن هذا أصلاً ومن اقتصر على آية التبديل كذب كل ما ذكرنا وهذا كفر ممن فعله ومن جمعها كلها فقد آمن بجميعها وصدق الله تعالى في كل ما قال وهذا يوجب ما قلنا ضرورة وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد قد أكملنا والحمد لله كثيراً الكلام على الملل المخالفة لدين الإسلام الذي هو دين الله تعالى على عباده الذي لا دين له في الأرض غيره إلى يوم القيامة وأوضحنا بعون الله تعالى وتأييده البراهين الضرورية على إثبات الأشياء ووجودها ثم على حدوثها كلها جواهرها وأعراضها بعد إن لم تكن ثم على أن لها محدثاً واحداً مختاراً لم يزل وحده لا شيء معه وأنه فعل لا لعلة وترك لا لعلة بل كما شاء لا إله إلا هو ثم على صحة النبوات ثم على صحة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ﷺ وأن ملته هي الحق وكل ملة سواها باطل وأنه آخر الأنبياء وملته آخر الملل فلنبدأ الآن بعون الله تعالى وتأييده في ذكر نحل المسلمين وافتراقهم فيها وبيان الحق في كل وبالله نستعين بسم الله الرحمن الرحيم قال الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه إذ قد أكملنا بعون الله الكلام في الملل فلنبدأ بحول الله عز وجل في ذكر نحل أهل الإسلام وافتراقهم فيها وإيراد ما شغب به من شغب منهم فيما غلط فيه من نحلته وإيراد البراهين الضرورية على إيضاح نحلة الحق من تلك النحل كما فعلنا في الملل والحمد لله رب العالمين كثيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال أبو محمد فرق المقرين بملة الإسلام خمسة وهم أهل السنة والمعتزلة والمرجئية والشيعة والخوارج ثم افترقت كل فرقة من هذه على فرق وأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسيرة من الاعتقادات سننبه عليها إن شاء الله تعالى ثم سائر الفرق الأربعة التي ذكرنا ففيها ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد وفيهم ما يخالفهم الخلاف القريب فأقرب فرق المرجئية إلى أهل السنة من ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه إلى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معاً وأن الأعمال إنما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط وأبعدهم أصحاب جهم بن صفوان والأشعري ومحمد بن كرام السجستاني فإن جهماً والأشعري يقولون أن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الصليب في دار الإسلام بلا تقية ومحمد بن كرام يقول هو القول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه وأقرب فرق المعتزلة إلى أهل السنة أصحاب الحسين بن محمد النجار وبشر بن غياث المريسي ثم أصحاب ضرار ابن عمرو وأبعدهم أصحاب أبي الهزيل وأقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة المنتمون إلى أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمزاني الفقيه القائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه والثابت عن الحسن بن صالح رحمه الله هو قولوا أن الإمامة في جميع قريش وتولى جميع الصحابة رضي الله عنهم إلا أنه كان يفضل علياً على جميعهم وأبعدهم الإمامية وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة أصحاب عبد الله بن يزيد الإباضي الفزاري الكوفي وأبعدهم الأزارقة وأما أصحاب أحمد بن حابط وأحمد بن مالوس والفضل الحراني والغالية من الروافض والمتصوفة والبطيحية أصحاب أبي إسماعيل البطيحي ومن فارق الإجماع من العجاردة وغيرهم فليسوا من أهل الإسلام بل كفار بإجماع الأمة ونعوذ بالله من الخذلان ذكر ما اعتمدت عليه كل فرقة من هذه الفرق مما اختصت به قال أبو محمد أما المرجئية فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية بهما والوعيد واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلفت غيرهم وأما المعتزلة فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في التوحيد وما يوصف به الله تعالى ثم يزيد بعضهم الكلام في القدر والتسمية بالفسق أو الإيمان والوعيد وقد يشارك المعتزلة في الكلام فيما يوصف الله تعالى به جهم بن صفوان ومقاتل بن سليمان والأشعرية وغيرهم من المرجئية وهشام بن الحكم وشيطان الطاق واسمه محمد بن جعفر الكوفي وداود الحواري وهؤلاء كلهم شيعة إلا أننا اختصصنا المعتزلة بهذا الأصل لأن كل من تكلم في هذا الأصل فهو غير خارج عن قول أهل السنة أو قول المعتزلة حاشا هؤلاء المذكورين من المرجئية والشيعة فإنهم انفردوا بأقوال خارجة عن قول أهل السنة والمعتزلة وأما الشيعة فعمدة كلامهم في الإمامة والمفاضلة بين أصحاب النبي ﷺ واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم وأما الخوارج فعمدة مذهبهم الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية بهما والوعد والإمامة واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم وإنما خصصنا هذه الطوائف بهذه المعاني لأن من قال إن أعمال الجسد إيمان فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وإن مؤمناً يكفر بشيء من أعمال الذنوب وإن مؤمناً بقلبه وبلسانه يخلد في النار فليس مرجئياً ومن وافقهم على أقوالهم ها هنا وخالفهم فيما عدا ذلك من كل ما اختلف المسلمون فيه فهو مرجيء ومن خالف المعتزلة في خلق القرآن والرؤية والتشبيه والقدر وأن صاحب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر لكن فاسق فليس منهم ومن وافقهم فيما ذكرنا فهو منهم وإن خالفهم فيما سوى ما ذكرنا مما اختلف فيه المسلمون ومن وافق الشيعة في أن علياً رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة الجور وإن أصحاب الكبائر مخلدون في النار وأن الإمامة جائزة في غير قريش فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون خالفهم فيما ذكرنا فليس خارجياً قال أبو محمد وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة فإنهم الصحابة رضي الله عنهم وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم قال أبو محمد وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلماً مثل طوائف من الخوارج غلوا فقالوا إن الصلاة ركعة بالغداة وركعة بالعشي فقط وآخرون استحلوا نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بني الإخوة وبنات بني الأخوات وقالوا إن سورة يوسف ليست من القرآن وآخرون منهم قالوا يحد الزاني والسارق ثم يستتابون من الكفر فإن تابوا وإلا قتلوا وطوائف كانوا من المعتزلة ثم غلوا فقالوا بتناسخ الأرواح وآخرون منهم قالوا إن شحم الخنزير ودماغه حلال وطوائف من المرجئية قالوا إن إبليس لم يسأل الله قط النظرة ولا أقر بأن خلقه من نار وخلق آدم من تراب وآخرون قالوا إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح وآخرون كانوا من أهل السنة ففعلوا فقالوا قد يكون في الصالحين من هو أفضل من الأنبياء ومن الملائكة عليهم السلام وأن من عرف الله حق معرفته فقد سقطت عنهم الأعمال والشرائع وقال بعضهم بحلول الباري تعالى في أجسام خلقه كالحلاج وغيره وطوائف كانوا من الشيعة ثم غلوا فقال بعضهم بالآهية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة بعده ومنهم من قال بنبوته وبتناسخ الأرواح كالسيد الحميري الشاعر وغيره وقالت طائفة بنبوة المغيرة بن أبي سعيد مولي بني بجلة وبنبوة أبي منصور العجلي وبزيع الحايك وبيان ابن سمعان التميمي وغيرهم وقال آخرون منهم برجعة علي إلى الدنيا وامتنعوا من القول بظاهر القرآن وقالوا إن لظاهره تأويلات فمنها أن قالوا السماء محمد والأرض أصحابه وأن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة أنها هي فلانة يعني أم المؤمنين رضي الله عنها وقالوا العدل والإحسان هو علي والخبث والطاغوت فلان وفلان يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وقالوا الصلاة هي دعاء الإمام والزكاة هي ما يعطي الإمام والحج القصد إلى الإمام وفيهم خناقون ورضاخون وكل هذه الفرق لا تتعلق بحجة أصلاً وليس بأيديهم إلا دعوى الإلهام والقحة والمجاهرة بالكذب ولا يلتفتون إلى مناظرة ويكفي من الرد عليهم أن يقال لهم ما الفرق بينكم وبين من ادعى أنه ألهم بطلان قولكم ولا سبيل إلى الانفكاك من هذا وأيضاً فإن جميع فرق الإسلام متبرئة منهم مكفرة لهم مجمعون على أنهم على غير الإسلام نعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد والأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطير في أنفسهم حتى أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً تعاظمهم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق وكان من قائمتهم ستقادة واستاسيس والمقنع وبابك وغيرهم وقيل هؤلاء رام ذلك عمار الملقب بخداش وابو سلم السراج فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله ﷺ واستشناع ظلم علي رضي الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام فقوم منهم أدخلوهم إلى القول بأن رجلاً ينتظر يدعى المهدي عنده حقيقة الدين إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار إذ نسبوا أصحاب رسول الله ﷺ إلى الكفر وقوم خرجوا إلى نبوة من ادعوا له النبوة وقوم سلكوا بهم المسلك الذي ذكرنا من القول بالحلول وسقوط الشرائع وآخرون تلاعبوا فأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة وآخرون قالوا بل هي سبع عشر صلاة في كل صلاة خمسة عشر ركعة وهذا قول عبد الله بن عمرو بن الحرث الكندي قبل أن يصير خارجياً صغرياً وقد سلك هذا المسلك أيضاً عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي فإنه لعنه الله أظهر الإسلام لكيد أهله فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان رضي الله عنه وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهم طوائف أعلنوا بالإلهية ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة قائلتان بالمجوسية المحضة ثم مذهب مردك الموبذ الذي كان على عهد أنوشروان ابن قيماد ملك الفرس وكان يقول بوجوب تأسي الناس في النساء والأموال قال أبو محمد فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوه عن الإسلام كيف شاؤا إذ هذا هو غرضهم فقط فالله الله عباد الله اتقوا الله في أنفسكم ولا يغرنكم اهل الكفر والإلحاد ومن موه كلامه بغير برهان لكن بتمويهات ووعظ على خلاف ما أتاكم به كتاب ربكم وكلام نبيكم ﷺ فلا خير فيما سواهما واعلموا أن دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا سر تحته كله برهان لا مسامحة فيه واتهموا كل من يدعوا أن يتبع بلا برهان وكل من ادعى للديانة سراً وباطناً فهي دعاوي ومخارق واعلموا أن رسول الله ﷺ لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة أو عم أو ابن عم أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعي الناس كلهم إليه ولو كتمهم شيئاً لما بلغ كما أمر ومن قال هذا فهو كافر فإياكم وكل قول لم يبن سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجاً عنما مضى عليه نبيكم ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم.

قال أبو محمد وقد أوضحنا شنع جميع هذه الفرق في كتاب لنا لطيف اسمه النصائح المنجية من الفضائح المخزية والقبايح المردية من أقوال أهل البدع من الفرق الأربع المعتزلة والمرجئية والخوارج والشيع ثم أضفناه إلى آخر كلامنا في النحل من كتابنا هذا وجملة الخير كله أن تلزموا ما نص عليكم ربكم تعالى في القرآن بلسان عربي مبين لم يفرط فيه من شيء تبياناً لكل شيء وما صح عن نبيكم ﷺ برواية الثقاة من أئمة أصحاب الحديث رضي الله عنهم مسند إليه عليه السلام فهما طريقتان يوصلانكم إلى رضى ربكم عز وجل ونحن نبتدي من هنا إن شاء الله تعالى في المعاني التي هي عمدة ما افترق المسلمون عليه وهي التوحيد والقدر والإيمان والوعيد والإمامة والمفاضلة ثم أشياء تسميها المتكلمون اللطائف ونورد كل ما احتجوا به ونبين بالبراهين الضرورية إن شاء الله تعالى وجه الحق من كل ذلك كما فعلنا فيما خلى بعون الله تعالى وتأييده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فأول ذلك الكلام في التوحيد ونفي التشبيه

قال أبو محمد ذهبت طائفة إلى القول بأن الله تعالى جسم وحجتهم في ذلك أنه لا يقوم في المعقول إلا جسم أو عرض فلما بطل أن يكون تعالى عرضاً ثبت أنه جسم وقالوا إن الفعل لا يصح إلا من جسم والباري تعالى فاعل فوجب أنه جسم واحتجوا بآيات من القرآن فيها ذكر اليد واليدين والأيدي والعين والوجه والجنب وبقوله تعالى وجاء ربك ويأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وتجليه تعالى وبأحاديث للجبل فيها ذكر القدم واليمين والرجل والأصابع والتنزل قال أبو محمد ولجميع هذه النصوص وجوه ظاهرة بينة خارجة على خلاف ما ظنوه وتأولوه قال أبو محمد وهذان الاستدلالان فاسدان أما قولهم أنه لا يقوم في المعقول إلا جسم أو عرض فإنها قسمة ناقصة وإنما الصواب أنه لا يوجد في العالم إلا جسم أو عرض وكلاهما يقتضي بطبيعته وجود محدث له فبالضرورة نعلم أنه لو كان محدثها جسماً أو عرضاً لكان يقتضي فاعلاً فعله ولا بد فوجب بالضرورة أن فاعل الجسم والعرض ليس جسماً ولا عرضاً وهذا برهان يضطر إليه كل ذي حس بضرورة العقل ولابد وأيضاً فلو كان الباري تعالى عن إلحادهم جسماً لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان ومكان هما غيره وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة وهذا كفر وقد تقدم إفسادنا لهذا القول وأيضاً فإنه لا يعقل البتة جسم إلا مؤلف طويل عريض عميق ونظارهم لا يقولون بهذا فإن قالوه لزمهم أن له مؤلفاً جامعاً مخترعاً فاعلاً فإن منعوا من ذلك لزمهم أن لا يوجبوا لما في العالم من التأليف لا مؤلفاً ولا جامعاً إذ المؤلف كله كيفما وجد يقتضي مؤلفاً ضرورة فإن قالوا هو جسم غير مؤلف قيل لهم هذا هو الذي لا يعقل حقاً ولا يتشكل في النفس البتة فإن قالوا لا فرق بين قولنا شيء وبين قولنا جسم قيل لهم هذه دعوى كاذبة على اللغة التي بها يتكلمون وأيضاً فهو باطل لأن الحقيقة أنه لو كان الشيء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسماً لأنه شيء وهذا باطل يتعين والحقيقة هي أنه لا فرق بين قولنا شيء وقولنا موجود وحق وحقيقة ومثبت فهذه كلها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من المسمى بذلك حق ولا مزيد وأما لفظة جسم فإنها في اللغة عبارة عن الطويل العريض العميق المحتمل للقسمة ذي الجهات السصت التي هي فوق وتحت ووراء وأمام ويمين وشمال وربما عدم واحدة منها وهي الفوق هذا حكم هذه الأسماء في اللغة التي هذه الأسماء منها فمن أراد أن يوقع شيئاً منها على غير موضوعها في اللغة فهو مجنون وقاح وهو كمن أراد أن يسمي الحق باطلاً والباطل حقاً وأراد أن يسمي الذهب خشباً وهذا غاية الجهل والسخف إلا أن يأتي نص بنقل اسم منها عن موضوعه إلى معنى آخر فيوقف عنده وإلا فلا وإنما يلزم كل مناظر يريد معرفة الحقائق أو التعريف بها أن يحقق المعاني التي يقع عليها الاسم ثم يخبر بعد بها أو عنها بالواجب وأما مزج الأشياء وقلبها عن موضوعاتها في اللغة فهذا فعل السوفسطائية الوقحاء الجهال الغابنين لعقولهم وأنفسهم فإن قالوا لنا إنكم تقولون أن الله عز وجل حي لا كالأحياء وعليم لا كالعلماء وقادر لا كالقادرين وشيء لا كالأشياء فلم منعتم القول بأنه جسم لا كالأجسام قيل لهم وبالله تعالى التوفيق. لولا النص الوارد بتسميته تعالى بأنه حي وقدير وعليم ما سميناه بشيء من ذلك لكن الوقوف عند النص فرض ولم يأت نص بتسميته تعالى جسماً ولا قام البرهان بتسميته جسماً بل البرهان مانع من تسميته بذلك تعالى ولو أتانا نص بتسميته تعالى جسماً لوجب علينا القول بذلك وكنا جينئذ نقول أنه لا كالأجسام كما قلنا في عليم وقد يرو حي ولا فرق وأما لفظة شيء فالنص أيضاً جاء بها والبرهان أوجبها على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى وقالت طائفة منهم أنه تعالى نور واحتجوا بقوله تعالى. الله نور السموات والأرض. قال أبو محمد ولا يخلو النور من أحد وجهين إما أن يكون جسماً وإما أن يكون عرضاً وأيهما كان فقد قام البرهان أنه تعالى ليس جسماً ولا عرضاً وأما قوله تعالى. الله نور السموات والأرض. فإنما معناه هدى الله بتنوير النفوس إلى نور الله تعالى في السموات والأرض وبرهان ذلك أن الله عز وجل أدخل الأرض في جملة ما أخبر أنه نور له فلو كان الأمر على أنه النور المضيء المعهود لما خبأ الضياء ساعة من ليل أو نهار البتة فلما رأينا الأمر بخلاف ذلك علمنا أنه بخلاف ما ظنوه قال أبو محمد ويبطل قول من وصف الله تعالى بأنه جسم وقول من وصفه بحركة تعالى الله عن ذلك إن الضرورة توجب أن كل متحرك فذو حركة وأن الحركة لمتحرك بها وهذا من باب الإضافة والصورة في المتصور لمصتور وهذا أيضاً من باب الإضافة فلو كان كل مصور متصوراً وكل محرك متحركاً لوجب وجود أفعال لا أوائل لها وهذا قد أبطلناه فيما خلا من كتابنا بعون الله تعالى لنا وتأييده إيانا فوجب ضرورة وجود محرك ليس متحركاً ومصور ليس متصوراً ضرورة ولابد وهو الباري تعالى محرك المتحركات ومصور المصورات لا إله إلا هو وكل جسم فهو ذو صورة وكل ذي حركة فهو ذو عرض محمول فيه فصح أنه تعالى ليس جسماً ولا متحركاً وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فقد قدمنا أن الحركة والسكون مدة والمدة زمان وقد بينا فيما خلا من كتابنا أن الزمان محدث فالحركة محدثة وكذلك السكون والباري تعالى لا يلحقه الحدث إذ لو لحقه محدثاً يقتضي محدثاً فالباري تعالى غير متحرك ولا ساكن وأيضاً فإن الجسم إنما يفعل آثاراً في الجسم فقط ولا يفعل الأجسام فالباري إذن تعالى على قول المجسمة إنما هو فاعل آثاراً في الأجسام فقط لا فاعل أجسام العالم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فإن قالوا فإنكم تسمونه فاعلاً وتسمون أنفسكم فاعلين وهذا تشبيه قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق لا يوجب ذلك تشبيهاً لأن التشبيه إنما يكون بالمعنى الموجود في كلا المتشبهين لا بالأسماء وهذه التسمية إنما هي اشتراك في العبارة فقط لأن الفاعل من متحرك باختيار أو باضطرار أو عارف أو شاك أو مريد أو كان باختيار أو ضمير أو اضطرار كذلك فكل فاعل منا فمتحرك وذو ضمير وكل متحرك فذو حركة تحركه وأعراض الضمائر انفعالات فكل متحرك فهو منفعل وكل منفعل فلفاعل ضرورة وأما الباري تعالى ففاعل باختيار واختراع لا بحركة ولا بضمير فهذا اختلاف لا اشتباه وبالله تعالى التوفيق وكذلك العرض ليس جسماً والجسم ليس عرضاً والباري تعالى ليس جسماً ولا عرضاً فهذان الحكمان لا يوجبان اشتباهاً أصلاً بل هذا عين الاختلاف لكن الاشتباه إنما يكون بإثبات معنى في المشتبهين به اشتبها ولو أوجب ما ذكرنا اشتباهاً لوجب أن يكون لشبه الجسم في الجسمية لأنه ليس عرضاً وإن يكون لشبه العرض في العرضية لأنه ليس جسماً فكان يكون جسماً لا جسماً عرضاً لا عرضاً معاً وهذا محال فصح أن بالنفي لا يجب الاشتباه أصلاً وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد ومن قال أن الله تعالى جسم لا كالأجسام فليس مشتبهاً لكنه الحد في أسماء الله تعالى إذ سماه عز وجل بما لم يسم به نفسه وأما من قال أنه تعالى كالأجسام فهو ملحد في أسمائه تعالى ومشبه مع ذلك قال أبو محمد وأما إطلاق لفظ الصفاة لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة ولا حفظ عن النبي ﷺ بأن لله تعالى صفة أو صفات نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ولو قلنا أن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة قال الله تعالى. إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن تتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى. قال أبو محمد وإنما اخترع لفظ الصفات المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدوة وحسبنا الله ونعم الوكيل. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.

وربما أطلق هذه اللفظة من متأخري الأئمة من الفقهاء من لم يحقق النظر فيها فهي وهلة من فاضل وذلة عالم وإنما الحق في الدين ما جاء عن الله تعالى نصاً أو عن رسوله ﷺ كذلك أو صح إجماع الأمة كلها عليه وما عدا هذا فضلال وكل محدثة بدعة فإن اعترضوا بالحديث الذي رويناه من طرق عبد الله بن وهب عن عمرو ابن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الرجاء محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة عن عائشة رضي الله عنها في الرجل الذي كان يقرأ قل هو الله أحد في كل ركعة مع سورة أخرى وأن رسول الله ﷺ أمر أن يسأل عن ذلك فقال هي صفة الرحمن فأنا أحبها فأخبره عليه السلام أن الله يحبه فالجواب وبالله تعالى التوفيق إن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقوي قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد بن حنبل وأيضاً فإن احتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ على أصولهم لأنه خبر واحد لا يوجب عندهم العلم وأيضاً فلو صح لما كان مخالفاً لقولنا لأننا إنما أنكرنا قول من قال إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاته فأطلق لذلك على العلم والقدرة والقوة والكلام أنها صفات وعلى من أطلق إرادة وسمعاً وبصراً وحياة وأطلق أنها صفات فهذا الذي أنكرناه غاية الإنكار وليس في الحديث المذكور ولا في غيره شيء من هذا أصلاً وإنما فيه أن قل هو الله أحد خاصة صفة الرحمن ولم ننكر هذا نحن بل هو خلاف لقولهم وحجة عليهم لأنهم لا يخصون قل هو الله أحد بذلك دون القرآن ودون الكلام والعلم وغير ذلك وفي هذا الخبر تخصيص لقوله قل هو الله أحد وحدها بذلك وقل هو الله أحد خبر عن الله تعالى بما هو الحق فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن لمعنى أنها خبر عنه تعالى حق فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا وأيضاً فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه منه شيءٌ من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة قل هو الله أحد في كل ركعة مع سورة أخرى فلهذه الفضائح فلتعجب أهل العقول وأما الصفة التي يطلقون هم فإنما هي في اللغة واقعة على عرض في جوهر لا على غير ذلك أصلاً وقد قال تعالى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون. فأنكر تعالى إطلاق الصفات جملة فبطل تمويه من موه بالحديث المذكور ليستحل بذلك ما لا يحل من إطلاق لفظة الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع أصلاً ولا أثر عن السلف والعجب من اقتصارهم على لفظة الصفات ومنعهم من القول بأنها نعوت وسمات ولا فرق بين هذه الألفاظ لا في لغة ولا في معنى ولا في نص ولا في إجماع

القول في المكان والاستواء

قال أبو محمد ذهبت المعتزلة إلى أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان واحتجوا بقول الله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم. وقوله تعالى. ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. وقوله تعالى. ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. قال أبو محمد قول الله تعالى يجب حمله على ظاهره ما لم يمنع من حمله على ظاهره نص آخر أو إجماع أو ضرورة حس وقد علمنا أن كل ما كان في مكان فإنه شاغل لذلك المكان ومالىء له ومتشكل بشكل المكان أو المكان متشكل بشكله ولابد من أحد الأمرين ضرورة وعلمنا أن ما كان في مكان فإنه متناه بتناهي مكانه وهو ذو جهات ست أو خمس متناهية في مكانه وهذه كلها صفات الجسم فلما صح ما ذكرنا علمنا أن قوله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ونحن أقرب إليه منكم وقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم إنما هو التدبير لذلك والإحاطة به فقط ضرورة لانتفاء ما عدا ذلك وأيضاً فإن قولهم في كل مكان خطأ لأنه يلزم بموجب هذا القول أنه يملأ الأماكن كلها وأن يكون ما في الأماكن فيه الله تعالى الله عن ذلك وهذا محال فإن قالوا هو فيها بخلاف كون المتمكن في المكان قيل لهم هذا لا يعقل ولا يقوم عليه دليل وقد قلنا أنه لا يجوز إطلاق اسم على غير موضوعه في اللغة إلا أن يأتي به نص فيقف عنده وندري حينئذ أنه منقول إلى ذلك المعنى الآخر وإلا فلا فإذ صح ما قد ذكرنا فلا يجوز أن يطلق القول بأن الله تعالى في كل مكان لا على تأويل ولا غيره لأنه حكم بأنه تعالى في الأمكنة لكن يطلق القول بأنه تعالى معنا في كل مكان ويكون قولنا حينئذٍ في كل مكان إنما هو من صلة الضمير الذي هو النون والألف اللذان في معنا لا مما يخبر به عن الله تعالى وهذا هو معنى قوله هو معهم أينما كانوا وهو معكم أينما كنتم وذهب قوم إلى أن الله تعالى في مكان دون مكان وقولهم هذا يفسد بما ذكرنا آنفاً ولا فرق واحتج هؤلاء بقوله تعالى. الرحمن على العرش استوى.

قال أبو محمد وقد تأول المسلمون في هذه الآية تأويلات أربعة أحدها قول المجسمة وقد أبنا بحول الله فساده والآخر قالته المعتزلة وهو أن معناه استولى وأنشدوا قد استوى بشر على العراق قال أبو محمد وهذا فاسد لأنه لو كان ذلك لما كان العرش أولى بالاستيلاء عليه من سائر المخلوقات ولجاز لنا أن نقول الرحمن على الأرض استوى لأنه تعالى مستولٍ عليها وعلى كل ما خلق وهذا لا يقوله أحد فصار هذا القول دعوى مجردة بلا دليل فسقط وقال بعض أصحاب بن كلاب أن الاستواء صفة ذات ومعناه نفي الاعوجاج قال أبو محمد وهذا القول في غاية الفساد لوجوه أحدها أنه تعالى لم يسم نفسه مستوياً ولا يحل لأحد أن يسم الله تعالى بما لم يسم به نفسه لأن من فعل ذلك فقد ألحد في أسمائه حدود الله أي مال عن الحق وقد حد الله تعالى في تسميته حدوداً فقال تعالى. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. وثانيها أن الأمة مجمعة على أنه لا يدعو أحد فيقول يا مستوي ارحمني ولا يسمي ابنه عبد المستوي وثالثها أنه ليس كل ما نفي عن الله عز وجل وجب أن يوقع عليه ضده لأننا ننفي عن الله تعالى السكون ولا يحل أن يسمى الله متحركاً وننفي عنه الحركة ولا يجوز أن يسمى ساكناً وننفي عنه الجسم ولا يجوز أن يسمى سماماً وننفي عنه النوم ولا يجوز أن يسمى يقظاناً ولا منتبهاً ولا أن يسمى لنفي الانحناء عنه مستقيماً وكذلك كل صفة لم يأت بها النص فكذلك الاستواء والاعوجاج منفيان عنه معاً سبحانه وتعالى وتعالى الله عن ذلك لأن كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الإعراض والله قد تعالى عن الأعراض ورابعها أنه يلزم من قال بهذا القول الفاسد أن يكون العرش لم يزل تعالى الله عن ذلك لأنه تعالى علق الاستواء بالعرش فلو كان الاستواء لم يزل لكان العرش لم يزل وهذا كفر وخامسها أنه لو كان الاستواء لم يزل لكان العر لم يزل وهذا كفر وخامسها أنه لو كان الاستواء ههنا نفي الاعوجاج لم يكن لإضافة ذلك إلى العرش معنى ولكان كلاماً فاسداً لا وجه له فإن اعترضوا فقالوا إنكم تسمونه سميعاً بصيراً وأنه لم يزل كذلك فيلزمكم على هذا أن المسموعات والمبصرات لم تزل قلنا لهم وبالله تعالى نتأيد هذا لا يلزمنا لأننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه فنقول قال الله تعالى السميع البصير فقلنا بذلك أنه لم يزل وهو السميع البصير بذاته كما هو ولا نقول لا يسمع ولا يبصر فنزيد على ما أتى به النص شيئاً ونحن نقول أنه تعالى لم يزل سميعاً بصيراً بالمبصرات يرى المرئيات ويسمع المسموعات ومعنى هذا كله أنه عالم بكل ذلك كما قال تعالى. إنني معكما أسمع وأرى. وهذا كله معنى العلم الذي لا يقتضي وجوداً لمعلومات لم تزل لكن يعلم ما يكون أنه سيكون على حقيقته ويعلم ما هو كما هو ويعلم ما قد كان كما قد كان وهذا نجده حساً ومشاهدة وضرورة لأننا فيما بيننا قد نعلم أن زيداً سيموت وموته لم يقع بعد وليس هكذا قولهم في الاستواء لأنه مرتبط بالعرش فإن قالوا لنا فإذن معنى سميع بصير هو معنى عليم فقولوا أنه تعالى يبصر المسموعات ويسمع المرئيات قلنا وبالله تعالى التوفيق ما يمنع من هذا ولا ننكره بل هو صحيح لأن الله تعالى إنما قال أسمع وأرى فهذا إطلاق له على كل شيء على عمومه وبالله تعالى التوفيق والقول الرابع في معنى الاستواء هو أن معنى قوله تعالى على العرش استوى أنه فعل فعله في العرش وهو انتهاء خلقه إليه فليس بعد العرش شيء ويبين ذلك أن رسول الله ﷺ ذكر الجنات وقال فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن فصح أنه ليس وراء العرش خلق وأنه نهاية جرم المخلوقات الذي ليس خلفه خلاء ولا ملاء ومن أنكر أن يكون للعالم نهاية من المساحة والزمان والمكان فقد لحق بقول الدهرية وفارق الإسلام والاستواء في اللغة يقع على الانتهاء قال الله تعالى . فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً. أي فلما انتهى إلى القوة والخير وقال تعالى. ثم استوى إلى السماء وهي دخان. أي أن خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتب الأرض على ما هي عليه وبالله تعالى التوفيق وهذا هو الحق وبه نقول لصحة البرهان به وبطلان ما عداه فأما القول الثالث في المكان فهو أن الله تعالى لا في مكان ولا في زمان أصلاً وهو قول الجمهور من أهل السنة وبه نقول وهو الذي لا يجوز غيره لبطلان كل ما عداه ولقوله تعالى. ألا إنه بكل شيء محيط. فهذا يوجب ضرورة أنه تعالى لا في مكان إذ لو كان في المكان لكان المكان محيطاً به من جهة ما أو من جهات وهذا منتف على الباري تعالى بنص الآية المذكورة والمكان شيء بلا شك فلا يجوز أن يكون شيء في مكان ويكون هو محيطاً بمكانه هذا محال في العقل بعلم امتناعه ضرورة وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فإنه لا يكون في مكان إلا ما كان جسماً أو عرضاً في جسم هذا الذي لا يجوز سواه ولا يتشكل في العقل والوهم غيره البتة وإذا انتفى أن يكون الله عز وجل جسماً أو عرضاً فقد انتفى أن يكون في مكان أصلاً وبالله تعالى نتأيد وأما قوله تعالى. ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. فقوله الحق نؤمن به يقيناً والله أعلم بمراده في هذا القول ولعله عنى عز وجل السموات السبع والكرسي فهذه ثمانية أجرام هي يومئذ والآن بيننا وبين العرش ولعلهم أيضاً ثمانية ملائكة والله أعلم نقول ما قال ربنا تعالى ونقطع أنه حق يقين على ظاهره وهو أعلم بمعناه ومراده وأما الخرافات فلسنا منها في شيء ولا يصح في هذا خبر عن رسول الله ﷺ ولكنا نقول هذه غيوب لا دليل لنا على المراد بها لكنا نقول. آمنا به كل من عند ربنا. وكل ما قاله الله تعالى فحق ليس منه شيء منافياً للمعقول بل هو كله قبل أن يخبرنا به تعالى في حد الإمكان عندنا ثم إذا أخبر به عز وجل صار واجباً حقاً يقيناً وقد قال تعالى. الذين يحملون العرش ومن حوله. فصح يقيناً أن للعرش حملة وهم الملائكة المنقادون لأمره تعلاى كما نقول أنا أحمل هذا الأمر أي أقوم به وأتولاه وقد قال تعالى أنهم يفعلون ما يأمرون. وأنهم يتنزلون بالأمر وأما الحامل للكل والممسك للكل فهو الله عز وجل قال الله تعالى. إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده.

الكلام في العلم

قال الله عز وجل أنزله بعلمه. فأخبر تعالى أنه له علماً ثم اختلف الناس في علم الله تعالى فقال جمهور المعتزلة إطلاق العلم لله عز وجل إنما هو مجاز لا حقيقة وإنما معناه أنه تعالى لا يجهل وقال سائر الناس إن لله تعالى علماً حقيقة لا مجازاً ثم اختلف هؤلاء فقال جهم بن صفوان وهشام بن الحكم ومحمد بن عبد الله ابن سيرة وأصحابهم أن علم الله تعالى هو غير الله تعالى وهو محدث مخلوق سمعنا ذلك ممن جالسناه منهم وناظرناهم عليه وقالت طوائف من أهل السنة علم الله تعالى غير مخلوق لم يزل وليس هو الله ولا هو غير الله وقال الأشعري في أحد قوليه لا يقال هو الله ولا هو غير الله وقال في قول له آخر وافقه عليه الباقلاني وجمهور أصحابه أن علم الله تعالى هو غير الله وخلاف الله وأنه مع ذلك غير مخلوق لم يزل وقال أبو الهذيل العلاف وأصحابه علم الله لم يزل وهو الله وقالت طوائف من أهل السنة علم الله لم يزل وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى ولا نقول هو الله وكان هشام بن عمر القوطي أحد شيوخ المعتزلة لا يطلق القول بأن الله لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها ليس لأنه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون بل كان يقول إن الله تعالى لم يزل عالماً بأنه ستكون الأشياء إذا كانت قال أبو محمد فأما من أنكر أن يكون لله تعالى علم فإنهم قالوا لا يخلو لو كان لله تعالى علم من أن يكون غيره أو يكون هو هو فإن كان غيره فلا يخلو من أن يكون مخلوقاً أو لم يزل وأي الأمرين كان فهو فاسد فإن كان هو الله فالله علم وهذا فاسد قال أبو محمد أما نفس قولهم في أن ليس لله تعالى علم فمخالف للقرآن وما خالف القرآن فباطل ولا يحل لأحد أن ينكر ما نص الله تعالى عليه وقد نص الله تعالى على أنه له علماً فمن أنكره فقد اعترض على الله تعالى وأما اعتراضاتهم التي ذكرنا ففاسدة كلها وسنوضح فسادها إن شاء الله تعالى في إفسادنا لقول الجهمية والأشعرية لأن هذه الاعتراضات هي اعتراضات هاتين الطائفتين وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد احتج جهم بن صفوان بأن قال لو كان علم الله تعالى لم يزل لكان لا يخلو من أن لا يكون هو الله أو هو غيره فإن كان علم الله غير الله وهو لم يزل فهذا تشريك لله تعالى وإيجاب الأذلية لغيره تعالى معه وهذا كفر وإن كان هو الله فالله علم وهذا إلحاد وقال نسأل من أنكر أن يكون علم الله تعالى هو غيره فنقول أخبرونا إذا قلنا الله ثم قلنا إنه عليم فهل فهمتم من قولنا عليم شياء زايداً غير ما فهمتم من قولنا الله أم لا فإن قلتم لا أحلتم وإن قلتم نعم أثبتم معنى آخر هو غير الله وهو علمه وهكذا قالوا في قدير وقوي وفي سائر ما ادعوا فيه الصفات وقال أيضاً إننا نقول إن الله تعالى عالم بنفسه ولا نقول أنه قادر على نفسه فصح أن علمه تعالى هو غير قدرته وإذ هو غيرها فهما غير الله تعالى وقد يعلم الله تعالى قادراً من لا يعلمه عالماً ويعلمه عالماً من لا يعلمه قادراً فصح أن كل ذلك معان متغايرة واحتج بهذا كله أيضاً من رأى أن علم الله تعالى لم يزل وأنه مع ذلك غير الله تعالى وأنه غير قدرته أيضاً واحتج بآيات من القرآن مثل قوله تعالى. ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين. ومثل هذه قال أبو محمد من قال بحدوث العلم فإنه قول عظيم جداً لأنه نص بأن الله تعالى لم يعلم شيئاً حتى أحدث لنفسه علماً وإذا ثبت أن الله تعالى يعلم الآن الأشياء فقد انتفى عنه الجهل بها يقيناً فلو كان يوماً من الدهر لا يعلم شيئاً مما سيكون فقد ثبت له الجهل به ولابد من هذا ضرورة وإثبات الجهل لله تعالى كفر بلا خلاف لأنه وصفه تعالى بالنقص ووصفه يقتضي له الحدوث ولابد وهذا باطل مما قدمنا من انتفاء جميع صفات الحدوث عن الفاعل تعالى وليس هذا من باب نفي الضدين عنه كنفينا عنه تعالى الحركة والسكون لأن نفي جميع الضدين موجود عما ليس فيه أحدهما ولا كلاهما وأما إذا ثبت للموصوف بعض نوع من الصفات وانتفى عنه بعض ذلك النوع فلا بد ههنا ضرورة من إثبات ضده مثال ذلك الحجر انتفى عنه العلم والجهل وأما الإنسان إذا ثبت له العلم بشيء وانتفى عنه العلم بشيء آخر فقد وجب ضرورة إثبات الجهل له بما لم يعلمه وهكذا في كل شيء فإذا قد صح هذا فالواجب النظر في إفساد احتجاجهم فأما قولهم لو كان علم الله لم يزل وهو غير الله تعالى لكان ذلك شركاً فهو قول صحيح واعتراض لا يرد وأما قولهم لو كان هو الله لكان الله علماً فهذا لا يلزم على ما نبين بعد هذا إن شاء الله وجملة ذلك أننا لا نسمي الله عز وجل إلا بما سمى به نفسه ولم يسم نفسه علماً ولا قدرة فلا يحل لأحد أن يسميه بذلك وأما قولهم هل يفهم من قول القائل الله كالذي يفهم من قوله عالم فقط أو يفهم من قوله عالم معنى غير ما يفهم من قوله الله فجوابنا وبالله تعالى نتأيد أننا لا نفهم من قولنا قدير وعالم إذا أردنا بذلك الله تعالى إلا ما نفهم من قولنا الله فقط لأن كل ذلك أسماء أعلام لا مشتقة من صفة أصلاً لكن إذا قلنا هو الله تعالى بكل شيء عليم ويعلم الغيب فإنما يفهم من كل ذلك أن ههنا له تعالى معلومات وأنه لا يخفى عليه شيء ولا يفهم منه البتة أن له علماً هو غيره وهكذا نقول في يقدر وفي غير ذلك كله وأما قولهم أننا نقول أنه تعالى عالم بنفسه ولا نقول أنه قادر على نفسه فقد كذب من قال ذلك وإفك بل كل ذلك سواء وهو تعالى قادر على نفسه كما هو عالم بها ولا فرق بين ذلك وقد سقط عن هذا السؤال جملة وقد تكلمنا على تفصيل هذا السؤال بعد هذا ويلزمهم ضرورة إذ قالوا أنه تعالى غير قادر على نفسه أنه عاجز عن نفسه وإطلاق هذا كفر صريح وأما قولهم أنه قد يعلم الله تعالى قادراً من لا يعلمه عالماً ويعلمه عالماً من لا يعلمه قادراً فلا حجة في ذلك لأن جهل من جهل الحق ليس بحجة على الحق وقد نجد من يعلم الله عز وجل ويعتقد فيه أنه عز وجل جسم فليست الظنون حجة في إبطال حق ولا في تحقيق باطل فصح أن علم الله تعالى حق وقدرته حق وقوته حق وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى ولا العلم غير القدرة ولا القدرة غير العلم إذ لم يأت دليل بغير هذا لا من عقل ولا من سمع وبالله تعالى التوفيق وجهم بن صفوان سمرقندي يكنى أبا محرز مولى لبني راسب من الأزد وكان كاتباً للحارث بن شريح التميمي أيام قيامه بخراسان وظفر مسلم بن أحوز التميمي بجهم في تلك الأيام فضرب عنقه قال أبو محمد ومعنى كل ما جاء في القرآن من الآيات التي ذكروا هو ما نبينه إن شاء الله تعالى بحوله عز وجل وهو أنه لما أخبرنا الله عز وجل بأن أهل النار لوردوا لعادوا لما نهوا عنه وأخبرنا عز وجل بأنه يعلم متى تقوم الساعة وأخبرنا بما تقول أهل الجنة وأهل النار قبل أن يقولوا وسائر ما في القرآن من الأخبار الصادقة عما لم يكن بعد علمنا بذلك إن علمه تعالى بالأشياء كلها متقدم لوجودها ولكونها ضرورة وعلمنا أن كلامه عز وجل لا يتناقض ولا يتدافع وأن المراد بقوله تعالى حتى نعلم المجاهدين منكم وسائر ما في القرآن من مثل هذا إنما هو على ظاهره دون تكلف تأويل بل على المعهود وبيننا كقوله تعالى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى. إنما هو كله على حسب إدراك المخاطب ومعنى ذلك أي حتى نعلم من يجاهد منكم مجاهداً ونعلم من يصير منكم صابراً وهذا لا يكون إلا في حين جهادهم وحين صبرهم وأما قبل أن يجاهدوا ويصبروا فإنما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين وأنهم سيجاهدون ويصبرون فإذا جاهدوا علمهم حينئذٍ مجاهدين وإنما الزمان في كل هذا للمعلوم وأما علمه تعالى ففي غير زمان وليس ههنا تبدل علم وإنما يتبدل المعلوم فقط والعلم بكل ذلك لم يزل غير متبدل فإن قالوا متى علم الله زيداً ميتاً فإن قلتم لم يزل يعلمه ميتاً وجب أن زيداً لم يزل ميتاً وهذا محال وإن قلتم لم يعلمه ميتاً حتى مات فهذا قولنا لا قولكم فالجواب عن هذا أننا لا نقول شيئاً مما ذكر ولكننا نقول إن الله عز وجل لم يزل يعلم أنه سيخلف زيداً وأنه سيعيش كذا وكذا وأنه سيموت في وقت كذا فعلم الله تعالى بكل ذلك واحد لا يتبدل ولا يستحيل ولا زاد فيه تبدل الأحوال التي للمعلوم شيئاً ولا نقص منه عدمها شيئاً ولا أحدث له حدوث ذلك علماً لم يكن وإنما تغاير المعلومات لا العلم ولا العليم ولا القدرة ولا القدير والفرق بين القول متى علم الله زيداً ميتاً وبين القول متى علمت زيداً ميتاً فرق بين وهو أن علمي بأن زيداً مات هو عرض حدث في النفس بحدوث موت زيد وهو غير علمي بأن زيداً حي وأنه سيموت لأن علمي بأن زيداً سيموت إنما هو علم بأنه ستحدث حال مقتضية لموته يوماً ما لا علمنا بوجود الموت وعلمي بأن زيداً ميت علم بوجود الموت فهو غير العلم الأول وكلاهما عرض مخلوق في النفس وعلم الله تعالى ليس كذلك لأنه ليس هو شيئاً غير الله عز وجل ولو كان علم الله محدثا لوجب ضرورة أن يكون على حكم سائر المحدثات وبضرورة العقل نعلم أن العلم كيفية عرض والعرض لا يقوم البتة إلا في جسم ومحال أن يكون العلم محمولاً في غير العالم به فكان يجب من هذا القول بالتجسيم وهذا قول قد بطل بما قدمنا من البراهين على وجوب حدوث كل جسم وعرض فإن قال قائل علم الله تعالى عرض حادث في المعلوم قائم به لا بالباري عز وجل ولا بنفسه قلنا له وبالله تعالى التوفيق بنص القرآن علمنا أن الله عز وجل عنده علم الساعة وعلم ما لا يكون أبداً إن لو كان كيف كان يكون إذ يقول تعالى. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولقوله تعالى لنوح عليه السلام. إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. وأخبر تعالى أنهم مغرقون فلو كان علم الله تعالى عرضاً قائماً في المعلوم والمعلوم الذي هو الساعة غيرموجود بعد والعلم موجود بيقين فلا بد ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يكون المعلوم موجوداً لوجود العلم به وهذا باطل بضرورة الحس لأن المعلوم الذي ذكرنا معدوم فيكون معدوماً موجوداً في حين واحد من جهة واحدة أو يكون العلم الموجود قائماً بمعلوم معدوم فيكون عرض موجود محمولاً في حامل معدوم وهذا تخليط ومحال فاسد البتة وإنما كلامنا هذا مع أهل ملتنا المقرين بالقرآن وأما سائر الملل فليس نكلمهم في هذا لأنها نتيجة مقدمات سوالف ولا يجوز الكلام في النتيجة إلا بعد إثبات المقدمات فإن ثبتت المقدمات ثبتت النتيجة والبرهان لا يعارضه برهان فكل ما ثبت ببرهان فعورض بشيء فإنما هو شغب بلا شك وإن لم تصح المقدمات فالنتيجة باطلة دون تكلف دليل ومقدمات ما ذكرنا هي إثبات التوحيد وحدوث العالم ونقل الكواف لنبوة محمد ﷺ وللقرآن فإن ذكروا الآيات التي في القرآن مثل. لعله يتذكر أو يخشى لعلكم تؤمنون لعلكم تشكرون لعلكم تذكرون. ونحو ذلك فإنما هي كلها بمعنى لام العاقبة أي ليتذكر ولتؤمنوا وليشكروا وليتذكروا وليخشى على ظاهر الأمر عندنا من إمكان كل ذلك منا كما قال عز وجل. ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. وقال عز وجل. ثم لتكونوا شيوخاً. فهذا أيضاً على الإمكان ممن عاش والأول على الممكن من الناس عند الخطاب والدعاء إلى الله تعالى وكذلك كل ما جاء في القرآن بلفظة أو فإنما هو على أحد وجهين أما على الشك من المخاطبين لا من الله تعالى وأما بمعنى التخيير في الكل كقول القائل جالس الحسن أو ابن سيرين برهان ذلك ورود النص بأنه تعالى لا يضل ولا ينسى وأنه قد علم أن فرعون لا يؤمن حتى يرى العذاب وكما قال تعالى أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن وبهذا تتألف النصوص كلها فلم يبق لأهل القول بحدوث العلم إلا أن يقولوا أنه تعالى خلق شيئاً ما كان حاملاً لعلمه بالساعة قال أبو محمد وهذا من السخف ما هو من العلم لأن علم العالم لا يقوم بغيره ولا يحمله سواه هذا أمر يعلم بالضرورة والحس فمن ادعى دعوى لا يأتي عليها بدليل فهي باطلة فكيف إذا أبطلها الحس وضرورة العقل ويبين ما قلنا نصاً قوله تعالى حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل. عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. هذا مع قوله تعالى. وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا. فهذا نص قولنا أنه قد علم تعالى ما يفعلون وأخبر بذلك ثم مع هذا أخرج الخطاب بالمعهود عندنا بلفظ عسى وفينظر قال أبو محمد فإذقد صح ما ذكرنا فقد ثبت ضرورة أن قول القائل متى علم الله زيداً ميتاً سؤال فاسد بالضرورة لأن متى سؤال عن زمان وعلم الله تعالى ليس في زمان أصلاً لأنه ليس هو غير الله تعالى وقد مضى البرهان على أن الله تعالى ليس في زمان ولا في مكان وإنما الزمان والمكان للمعلوم فقط بما بينا وبالله تعالى التوفيق فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل. ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء. فقال إن من للتبعيض ولا يتبعض إلا محدث مخلوق ولا يحاط إلا بمخلوق محدث وقد نص الله تعالى أنه يحاط بما شاء من علمه فوجب أن علمه مخلوق لأنه محاط ببعضه وهو متبعض فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن كلام الله تعالى واجب أن يحمل على ظاهره ولا يحال عن ظاهره البتة إلا أن يأتي نص أو إجماع أو ضرورة حس على أن شيئاً منه ليس على ظاهره وأنه قد نقل عن ظاهره وأنه قد نقل عن ظاهره إلى معنى آخر فالانقياد واجب علينا لما أوحيه ذلك النص والإجماع لا يأتي إلا بحق والله تعالى لا يقول إلا الحق وكل ما أبطله برهان ضروري فليس بحق فإذ هذا كما قلنا وقد ثبت ضرورة أن علم الله تعالى ليس عرضاً ولا جسماً أصلاً لا محمولاً فيه ولا في غيره ولا هو شيء غير الباري عز وجل فبالضرورة نعلم أن معنى قوله عز وجل ولا يحيطون بشيء من علمه إنما المراد العلم المخلوق الذي أعطاه عباده وهو عرض في العالمين محمول فيهم وهو مضاف إلى الله عز وجل بمعنى الملك وهذا لا شك فيه لأنه لا علم لنا إلا ما علمنا قال الله عز وجل. وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. يريد تعالى ما خلق من العلوم وبثها في عباده كما قال الخضر لموسى عليهما السلام أني على علم من علم الله لا تعلمه أنت وأت على علم من علم الله لا أعلمه أنا وما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر قال أبو محمد فهذه إضافة الملك وكما قال تعالى في عيسى أنه روح الله وهذا كله إضافة الملك فهذا معنى قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وقد نفى الله تعالى الإحاطة من الخلق به فقال عز وجل ولا يحيطون به علماً قال أبو محمد ويخرج أيضاً على ظاهره أحسن خروج دون تأويل ولا تكلف فيكون معنى قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أي من العلم بالله تعالى وهذا حق لا شك فيه لأننا لا نحيط من العلم به تعالى إلا بما علمنا فقط قال تعالى ولا يحيطون به علماً فيكون معنى من علمه أي من معرفته فإن قالوا فما معنى دعائكم الله في الرحمة والمغفرة وهل يخلو أن يكون سبق علمه بالرحمة فأي معنى للدعاء فيما لا بد منه وهل هو إلا كمن دعي في طلوع الشمس غداً أو في أن يجعل إنساناً إنساناً أو في أن تكون الأرض أرضاً وإن كان سبق في علمه تعالى خلاف ذلك فأي معنى في الدعاء فيما لا يكون وهل هو إلا كمن دعى في أن لا تقوم الساعة أو في أن لا يكون الناس ناساً فيقال لهم وبالله التوفيق الدعاء عمل أمرنا الله تعالى به لا على أنه يرد قدراً ولا أنه يكون من أجله ما لا يكون لكن الله تعالى قد جعل في سابق علمه الدعاء الذي سبق في علمه قبوله يكون سبباً لما سبق في علمه كونه كما جعل في سابق علمه الغذا بالطعام والشراب سبباً لبلوغ الأجل الذي سبق في علمه البلوغ إليه وكذلك مساير الأعمال وقد نص تعالى على أنه تعالى يعلم آجال العباد قال تعالى. فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. ومع ذلك فقد جعل تعالى الأكل والشرب سبباً إلى استيفاء ذلك المقدار وكل ذلك سابق في علمه عز وجل والدعاء هكذا وكذلك التداوي على سبيل الطب ولا فرق وقد أخبرنا تعالى أنه يصلي على نبيه ﷺ وأمرنا مع ذلك بالدعاء بالصلاة عليه وقال تعالى قل رب احكم بالحق فأمرنا بالدعاء بذلك وقد علمنا أنه تعالى لا يحكم إلا بالحق فصح ما قلنا من أن الدعاء عمل أمرنا به فنحن نعمله حيث أمرنا عز وجل به ولا نعمله حيث لم نؤمر به والحمد لله رب العالمين فإذ قد بطل بعون الله تعالى وتأييده قول من قال إن علم الله تعالى هو غير الله تعالى وهو مخلوق فلنتكلم بعون الله تعالى وتأييده على قول من قال إن علم الله تعالى قال أبو محمد هذا قول لا يحتاج في رده إلى أكثر من أنه شرك مجرد وإبطال للتوحيد لأنه إذا كان مع الله تعالى شيء غيره لم يزل معه فقد بطل أن يكون الله تعالى كان وحده بل قد صار له شريك في أنه لم يزل وهذا كفر مجرد ونصرانية محضة مع أنها دعوىساقطة بلا دليل أصلاً وما قال بهذا أحد قط من أهل الإسلام قبل هذه الفرقة المحدثة بعد الثلاث ماية عام فهو خروج عن الإسلام وترك للإجماع المتيقن وقد قلت لبعضهم إذ قلتم أنه لم يزل مع الله تعالى شيء آخر هو غيره وخلافه ولم يزل معه فلماذا أنكرتم على النصارى إلا اقتصارهم على الثلاثة فقط ولم يجعلوا معه تعالى أكثر من ذلك فأمسكت عنه إن صرح بأن قولهم أدخل في الشرك من قول النصارى وقولهم هذا رد لقول الله عز وجل قل هو الله أحد فلو كان مع الله غير الله لم يكن الله أحد قال أبو محمد وما كنا نصدق من أن نتمي إلى الإسلام يأتي بهذا لولا أنا شاهدناهم وناظرناهم ورأينا ذلك صراحاً في كتبهم ككتاب السمناني قاضي الموصل في عصرنا هذا وهو من أكابرهم وفي كتاب المجالس للأشعري وفي كتب لهم أخر قال أبو محمد والعجب مع هذا كله تصريح الباقلاني وابن فورك في كتبهما في الأصول وغيرها بأن علم الله تعالى واقع مع علمنا تحت حد واحد وهذه حماقة ممزوجة بهوس إذ جعلوا ما لم يزل محدوداً بمنزلة المحدثات وكل ما أدخلناه على المنانية والنصارى ومن يبطل التوحيد فهو داخل على هذه الفرقة حرفاً بحرف فأغنانا أن نحيل على ذلك عن تكراره ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد هذا مع قولهم إن التغاير لا يكون غلا فيما جاز أن يوجد أحدهما دون الآخر قال أبو محمد وهذه غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان عليها لا من قرآن ولا سنة ولا معقول ولا لغة أصلاً وما كان هكذا فهو باطل ويلزمهم على هذا أن الخلق ليسوا غير الخالق تعالى لأنه لا يجوز أن يوجد الخلق دون الخالق فإن قالوا جايز أن يوجد الخالق دون الخلق قلنا نعم فمن أين لكم أن أحد التغاير هو أنه لا يجوز أن يوجد أحدهما أيهما كان دون الآخر وهذا ما لا سبيل لهم إليه ويلزمهم لزوماً لا ينفكون عنه إن الإعراض ليست غير الجواهر لأنه لا يجوز البتة ولا يمكن ولا يتوهم وجود أحدهما دون الآخر جملة ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد وحد التغاير الصحيح هو ما شهدت له اللغة وضرورة الحس والعقل وهو أن كل مسميين جاز أن يخبر عن أحدهما بخبر ما لا يخبر به عن الآخر فهما غيران لا بد من هذا وبالجملة ما لم يكن غير الشيء نفسه فهو غيره وما لم يكن غير الشيء فهو نفسه وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد فإذ قد بطل بعون الله تعالى وتأييده قول من قال إن علم الله تعالى هو غير الله ثم جعله مخلوقاً أو لم يزل فلنقل سائر الأقوال في هذه المسألة إن شاء الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال أبو محمد من قال إن علم الله تعالى لي هو الله تعالى ولا هو غيره ولكنه صفة ذات لم يزل فكلام فاسد محال متناقض يبطل بعضه بعضاً لأنهم إذ قالوا علم الله تعالى ليس هو الله فقد أوجبوا بهذا القول ضرورة أنه غيره ثم غيره ثم إذ قالوا ولا هو غيره فقد أبطلوا الغيرية وأوجبوا بهذا القول ضرورة أنه هو فصح أنه سواء قول القائل لا هو ولا غيره وقول القائل هو هو وهو غيره فإن معنى هاتين القضيتين واحد لا يختلف وكلا العبارتين باطل مناقض لا يعقل نفي وإثبات معاً وهذا تخليط الممرورين نعوذ بالله من الخذلان والعجب من احتجاج بعضهم في هذا الباطل بأن قال إن الطول ليس هو الطويل ولا هو غيره قال أبو محمد وهذا من أطم ما يكون من الجهل والمكابرة إذ لا يدري هذا القائل أن الطويل جوهر جسم قائم بنفسه حامل لطوله ولسائر أعراضه وإن الطول عرض من الأعراض محمول في الطويل غير قائم بنفسه فمن جهل أن المحمول غير الحامل وأن القائم بنفسه هو غير ما لا يقوم بنفسه فهو عديم حس وينبغي له أن يعلم قبل أن يهدر ونحن نريه الطين الطويل يدور فيذهب الطول والتربيع ويأتي التدوير والذي كان طويلاً باق بحسه فهل يخفى على سالم التمييز أن الذاهب غير الآتي وأن الفاني غير الباقي فبالضرورة نعلم أن الطول غير الطويل ثم نقول لمن تعلق بهذه العبارة الفاسدة أخبرونا هل يخلو كل اسمين متغايرين من أحد وجهين ضرورة لا ثالث لهما البتة أما أن يكون الاسمان واقعين معاً على شيء واحد يعبر بذينك الاسمين على ذلك الشيء الذي علق عليه وأما أن يكون الاسمان واقعين على شيئين اثنين يعبر بكل اسم منهما على حدته عن الشيء الذي علق عليه ذلك الاسم هذان وجهان لابد من أحدهما ضرورة لكل اسمين وأي هذين كان فهو مبطل لتخليط من قال لا هو ههو ولا غيره وقد زاد بعضهم في الشعوذة والسفسطة وإفساد الحقائق فأتى بدعوى فاسدة وذلك أن قال لا يكون الشيء غير الشيء إلا إذا أمكن أن ينفرد أحدهما عن الآخر قال أبو محمد وهذه دعوى مجردة بلا دليل فلو لم يكن إلا هذا لسقط هذا التمويه فكيف وهي قضية فاسدة لأنها توجب أن كلية الإعراض ليست غير كلية الجواهر لأنه لا سبيل إلى انفراد الجواهر عن الإعراض ولا انفراد الإعراض عن الجواهر فكفى فساداً بكل هذيان أدى إلى مثل هذا التخليط قال أبو محمد حد التغاير في الغيرين هو أن كل شيء أخبر عنه بخبر ما لا يكون ذلك الخبر في ذلك الوقت خبراً عن الشيء الآخر فهو بالضرورة غير ما لا يشاركه في ذلك الخبر وليس في كل ما يعلم ويوجد شيئان يخلوان من هذا الوصف بوجه من الوجوه وهذا مقتضى لفظة الغير في اللغة وبالله تعالى التوفيق مع أن هذا أمر يعلم بضرورة الحس والعقل وحد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر ولا بد وأيضاً فكل اسمين مختلفين لا يخبر عن مسمى أحدهما بشيء إلا كان ذلك الخبر خبراً عن مسمى الاسم الآخر ولابد أبداً فمسماهما واحد بلا شك فإذ قد صح فساد هذا القول فلنقل بعون الله تعالى في عبارة الأشعري الأخرى وهو قوله هو هو ولا يقال هو غيره فنقول أنه لم يزد في هذه العبارة على أن قال لا يقال في هذا شيء قال أبو محمد وهذا خطاءٌ لأنه لابد ضرورة من أحد هذين القولين فسقط هذا القول أيضاً إذ ليس فيه بيان الحقيقة وأما قول أبي الهذيل أن علم الله هو الله فإنه تسمية منه للباري تعالى باستدلال ولا يجوز أن يخبر عن الله تعالى ولا أن يسمى باستدلال البتة لأنه بخلاف كل ما خلق فلا دليل يوجب تسميته بشيء من الأسماء التي يسمى بها شيء من خلقه ولا أن يوصف بصفة يوصف بها شيء من خلقه ولا أن يخبر عنه بما يخبر به عن شيء من خلقه إلا أن يأتي نص بشيءٍ من ذلك فيوقف عنده فمن وصفه تعالى بصفة يوصف بها شيء من خلقه أو سماه باسم يسمي به شيء من خلقه استدلالاً على ذلك بما وجد في خلقه فقد شبهه تعالى بخلقه وألحد في أسمائه وافترى الكذب ولا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد وحتى وإن كان المعنى صحيحاً فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ وقد علمنا يقيناً أن الله عز وجل بنى السماء قال تعالى. والسماء بنيناها بأيد. ولا يجوز أن يسمى بناءً وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان وأنه تعالى قال. صبغة الله. ولا يجوز أن يسمى صباغاً وهكذا كل شيءٍ لم يسم به نفسه وليس يجب أن يسمى الله تعالى بأنه هو علمه وإن صح يقيناً أن له علماً ليس هو غيره لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وقد صح أن ذات الله تعالى ليست غيره وأن وجهه ليس غيره وأن نفسه ليست غيره وأن هذه الأسماء لا يعبر عنها إلا عنه تعالى لا عن شيء غيره تعالى البتة ولا يجوز أن يقال أنه تعالى ذات ولا أنه وجه ولا أنه نفس ولا أنه علم ولا أنه قدرة ولا أنه قوة لما ذكرنا من امتناع أن يسمى عالم يسم به نفسه عن رجل وأما علم المخلوقين فهو شيء غيرهم بلا شك لأنه يذهب ويعاقبه جهل والباري تعالى لا يشبهه غيره في شيءٍ من هذه الأشياء البتة بل هو تعالى خلاف خلقه في كل وجه فوجب أن علمه تعالى ليس غيره وقال تعالى ليس كمثله شيء قال أبو محمد فإن قال لنا قائل إذ العلم عندكم ليس هو غير الله تعالى وأن قدرته ليست غيره وأن قوته ليست غيره تعالى فأنتم إذاً تعبدون العلم والقدرة والقوة فجوابنا في ذلك وبالله تعالى التوفيق إننا إنما نعبد الله تعالى بالعمل الذي أمرنا به لا بما سواه ولا ندعوه كما أمرنا تعالى قال عز وجل. ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه. وقال تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. فنحن لا نعبد إلا الله كما أمرنا ولا نقول أننا نعبد العلم لأن الله تعالى لم يطلق لنا أن نطلق هذا اللفظ ولا أن نعتقده ثم نسألهم عنما سألونا عنه بعينه فنقول لهم أنتم تقرون أن وجه الله وعين الله ويد الله ونفس الله ليس شيء من ذلك غير الله تعالى بل ذلك عندكم هو الله فأنتم إذاً تعبدون الوجه واليد والعين والذات فإن قالوا نعم قلنا لهم فقولوا في دعائكم يا يد الله ارحمينا ويا عين الله ارضي عنا ويا ذات الله اغفري لنا فإياك نعبد وقولوا نحن خلق وجه الله وعبيد عين الله فإن جسروا على ذلك فنحن لا نجيز الإقدام على ما لم يأذن به الله ولا نتعدى حدوده فإن شهدوا فلا نشهد معهم. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه. والذي ألزمونا من هذا فهو لازم لهم لأنه سؤال رضوه وصححوه ومن رضي شيئاً لزمه ونحن لم نرض هذا السؤال ولا صححناه فلا يلزمنا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد وأجمع المسلمون على القول بما جاء به نص القرآن من أن الله تعالى سميع بصير ثم اختلفوا فقالت طائفة من أهل السنة والأشعرية وجعفر بن حرب من المعتزلة وهشام بن الحكم وجميع المجسمة نقطع أن الله سميع بسمع بصير ببصر وذهبت طوائف من أهل السنة منهم الشافعي وداود ابن علي وعبد العزيز بن مسلم الناني رضي الله عنه م وغيرهم إلى أن الله تعالى سميع بصير ولا نقول بسمع ولا ببصر لأن الله تعالى لم يقله ولكن سميع بذاته وبصير بذاته قال أبو محمد وبهذا نقول ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم يأت به نص لما ذكرنا آنفاً من أنه لا يجوز أن يخبر عنه تعالى ما لم يخبر عن نفسه واحتج من أطلق على الله تعالى السمع والبصر بأن قال لا يعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصير إلا ببصر ولا يجوز أن يسمى بصيراً إلا من له بصر ولا يسمى سميعاً إلا من له سمع واحتجوا أيضاً في هذا وما ذهبوا إليه من أن الصفات متغايرة بأنه لا يجوز أن يقال أنه تعالى يسمع المبصرات ولا أنه يبصر المسموعات من الأصوات وقالوا هذا لا يعقل قال أبو محمد وكل هذين الدليلين شغبي فاسدٌ أما قولهم لا يعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصر إلا ببصر فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق أما فيما بيننا فنعم وكذلك أصلاً لم نجد قط في شيء من العالم الذي نحن فيه سميعاً إلا بسمع ولا وجد فيه بصير إلا ببصر فإنه لم يوجد قط أيضاً فيه سمعي إلا بجارحة يسمع بها ولا وجد قط فيه عالم إلا بضمير فلزمهم أن يجروا على الله تعالى هذه الأوصاف وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وهم لا يقولون هذا ولا يستجيزونه وأما المجسمة فإنهم أطلقوا هذا وجوزوه وقد مضى نقض قولهم بعون الله وتأييده ويلزم الطائفتين كلتيهما إذا قطعوا بأن لله تعالى سمعاً وبصراً لأنه سميع بصير ولا يمكن أن يكون سميع بصير إلا إذا سمع وبصر لاسيما وقد صح النص بأن له تعالى عيناً وأعيناً أن يقولوا أنه ذو حدقة وناظر وطباق في العين وذو أشفار وأهداب لأننا نشاهد في العالم ولا يمكن البتة أن تكون عين الذي عين يرى بها ويبصر إلا هكذا وإلا فهي عين ذات عاهة أو كعيون بعض الحيوان التي لا يطبقها وكذلك لا يكون في المعهود ولا يمكن البتة أن يكون سميع في العالم إلا بإذن ذات صاماخ فيلزمهم أن يثبتوا هذا كله وإلا فقد أبطلوا استدلالهم وزودوا استشهادهم بالمعهود والمعقول فإن أطلقوا هذا كله تركوا مذهبهم وخرجوا إلى أقبح قول المجسمة مما لا يرضى به أكثر المجسمة وقد ذكرنا فساد قولهم قبل والحمد لله رب العالمين فإذا جوزوا أن يكون الباري تعالى سميعاً بصيراً بغير جارحة وهذا خلاف ما عهدوا في العالم وجوزوا أن يكون له تعالى عين بلا حدقة ولا ناظر ولا طباق ولا أهداب ولا أشفار وهذا أيضاً خلاف ما عهدوا في العالم فلا ينكروا قول من قال إنه سميع لا يسمع بصير لا يبصر وإن كان ذلك خلاف ما عهدوا في العالم على أن بين القولين فرقاً واضحاً وهو أننا نحن لم نلتزم أن نحل تسميته عز وجل قياساً على ما عهدنا بل ذلك حرامٌ لا يجوز ولا يحل لأنه ليس في العالم شيء يشبهه عز وجل فيقاس عليه قال الله تبارك وتعالى. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فقلنا نعم إنه سميع بصير لا كشيء من البصراء ولا السامعين مما في العالم وكل سميع وبصير في العالم فهو ذو سمع وبصر فالله تعالى بخلاف ذلك بنص القرآن فهو سميع كما قال لا يسمع كالسامعين وبصير كما قال لا يبصر كالمبصرين لا يسمي ربنا تعالى إلا بما سمي به نفسه ولا يخبر عنه إلا بما أخبر به عن نفسه فقط كما قال تعالى هو السميع البصير فقلنا نعم هو السميع البصير ولم يقل تعالى إن له سمعاً وبصرا فلا يحل لأحد أن يقول إن له سمعاً وبصراً فيكون قائلاً على الله تعالى بلا علم وهذا لا يحل وبالله تعالى نعتصم وأما خصومنا فإنهم أطلقوا أنه لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير في أنه ذو سمع وبصر فيلزمهم ضرورة أن لا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير في أنه ذو جارحة يسمع بها ويبصر بها ولابد ولولا تلك الجارحة ما سمي أحد من العالم سميعاً ولا بصيراً ولا أبصر أحد شيئاً فإن ذكروا قول الله تعالى. لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون. قلنا لهم وبالله التوفيق هذه الآية أعظم حجة عليكم لأن الله تعالى نص فيها على أنهم لم يروا بعيونهم ما يتعظون به ولا سمعوا بآذانهم ما يقبلونه من الهدى فلما كانت العيون والآذان لا ينتفع بها استحق الذم والنكال فلولا أن العين والأذن بهما يكون السمع والبصر ضرورة ولابد لا بشيء دونهما ما استحق الذم من رزق أذناً وعيناً سالمتين فلم يسمع بهما ويبصر ما يهتدي به بعون الله عز وجل له وما كان يكون معنى لذكر الله عز وجل العين والأذن في السمع والبصر بها لو جاز أن يكون سمع وبصر دونهما فبطل قولهم بالقرآن ضرورة وبالحس وبديهة العقل والحمد لله رب العالمين وأما ما موهوا به من قولهم أنه لولا أن له سمعاً وبصراً لجاز أن يقال أنه تعالى يسمع الألوان ويرى الأصوات فهذا كلام لا يطلق في كل شيءٍ على عمومه لأننا إنما خوطبنا بلغة العرب فلا يجوز أن نستعمل غيرها فيما خوطبنا به والذي ذكرتم من روية الأصوات وسماع الألوان لا يطلق في اللغة التي خوطبنا فيما بيننا فليس لنا أن ندخل في اللغة ما ليس فيها إلا أن يأتي بذلك نص فنقلبه على اللغة ثم نقول أنه لو قال قائل أنه تعالى سميع للألوان بصير بالأصوات بمعنى عالم بها لكان ذلك جائزاً ولما منع من ذلك برهان فنحن نقول سمعت الله عز وجل يقول كذا وكذا ورأينا الله تعالى يقول كذا وكذا ويأمر بكذا ويفعل كذا بمعنى علمنا فهذا لا ينكره أحد ولافرق بين هذا وبين ما سألوا عنه وأيضاً فإن الله عز وجل يقول. أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبض ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيءٍ بصير. وهذا عموم لكل شيءٍ كما قلنا فلا يجوز ن يخص به شيء دون شيء إلا بنص آخر أو إجماع أو ضرورة ولا سبيل إلى شيءٍ من هذا فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى. يعلم السر وأخفى. فصح أن بصيراً وسميعاً وعليماً بمعنى واحد ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق إنه تعالى بإجماع منا ومنكم هو السميع البصير وهو أحد غير متكثر ولا نقول إنه السميع للألوان البصير بالأصوات إلا على الوجه الذي قلنا وليس ذلك يوجب أن السميع غير البصير فالذي أردتم إلزامه ساقطه وإنما اختلفت معلوماته وإنما هو تعالى واحد وعلمه بها كلها واحد يعلمها كلها بذاته لا يعلم هو غيره البتة وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أتقولون أن الله عز وجل لم يزل سميعاً بصيراً قلنا نعم لم يزل الله تعالى سميعاً بصيراً عفواً غفوراً عزيزاً قديراً رحيماً وهكذا كل ما جاء في القرآن بكان الله كما جاء كان الله سميعاً بصيراً ونحو ذلك لأن قوله كان إخبار عنما لم يزل إذا أخبر بذلك عن نفسه لا عمن سواه فإن قالوا أتقولون لم يزل الله خالقاً خلاقاً رازقاً قلنا لا نقول هذا لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقاً خلاقاً رازقاً لكنا نقول لم يزل الخلاق الرزاق ولم يزل الله تعالى لا يخلق ولا يرزق ثم خلق ورزق من خلق وهذا يوجب ضرورة أنها أسماء أعلام لا مشتقه لأنه لو كان خالق ورازق مشتقين من خلق ورزق لكان لم يزل ذا خلق يخلقه ويرزقه فإن قيل فإن السميع والبصير والرحمن والرحيم والعفو والغفور والملك كل ذلك يقتضي مسموعاً ومبصراً ومرحوماً ومغفوراً له ومعفواً عنه ومملوكاً قلنا المعنى في سميع وبصير عن الله تعالى هو المعنى في عليم ولا فرق وليس ما يظن أهل العلم من أن له تعالى سمعاً وبصراً مختصين بالمسموع والمبصر تشبيهاً بخلقه سوى علمه لأن الله تعالى لم ينص على ذلك فيلزمنا أن نقوله ولا يجوز أن يخبر عن الله بغير ما أخبر عن نفسه لأن الله تعالى يقول. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فصح أنه تعالى سميع ليس كمثله شيء من السامعين بصير لا كمثل شيء من البصراء فإن قال قائل أتقولون أن الله عز وجل لم يزل يسمع ويرى ويدرك قلنا نعم لأن الله عز وجل قال. إنني معكما أسمع وأرى. وقال تعالى. وهو يدرك الأبصار. وقال تعالى. والله يسمع تحاوركما. وصح الإجماع بقول سمع الله لمن حمده وصح النص فما أذن الله لشيء اذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن فنقول إن يسمع ويرى وأسمع وأرى ويدرك كل ذلك بمعنى واحد وهو معنى يعلم ولا فرق وأما الاذن لنبي حسن الصوت فهي من الاذن بمعنى القبول كما يأذن الحاجب لمأذون له في الدخول وليس من الأذن التي هي الجارحة ولو كان كما تظنون لكان بصره للمبصرات وسمعه للمسموعات محدثاً ولكان غير سميع حتى سمع وغير بصير حتى أبصر ولم يدرك حتى أدرك وحاشا له تعالى من هذا فكل هذا بمعنى العلم ولا مزيد فإن قيل فإن الله تعالى يقول. وربك يخلق ما يشاء ويختار. قلنا نعم وخلق الله تعالى فعل له محدث له واختياره تعالى هو خلقه لا غيره وليس هذا من يسمع ويبصر ويرى ويدرك في شيء لأن معنى كل هذا ومعنى العلم سواء ولا يجوز أن يكون معنى يخلق ويختار ومعنى العلم وأما العفو والغفور والرحيم والحليم والملك فلا يقتضي شيء من هذا وجود مرحوم معه ولا معفو عنه مغفور له معه ولا مملوك محلوم عنه معه بل هو تعالى رحيم بذاته عفو بذاته غفور بذاته ملك بذاته مع النص الوارد بأنه تعالى كان كذلك وهي أسماء أعلام له عز وجل فإن ذكروا الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ ما بينهم وبين أن يروه إلا رداء الكبرياء على وجهه لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ففي هذا الخبر إبطال لقولهم لأن فيه أن الصر منته ذو نهاية وكل ذي نهاية محدود وكل محدود محدث وهم لا يقولون هذا لكن معناه أن البصر قد يستعمل في اللغة بمعنى الحفظ قال النابعة رأيتك ترعاني بعين بصيرة وتبعث حراساً علي وناظرا فمعنى هذا الخبر لو كشف تعالى الستر الذي جعل دون سطوته لأحرقت عظمته ما انتهى إليه حفظه ورعايته من خلقه وكذلك قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه ا الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات إنما هو بمعنى أن علمه وسع كل ذلك يعلم السر وأخفى ثم تريد بياناً بعون الله تعالى فنقول إن قولكم لا يعقل سميع إلا بسمع ولا بصير إلا ببصر فإن كان هذا صحيحاً يوجب أن يقال إن الله سمعاً وبصراً فإنه لا يعقل من له مكر إلا وهو ماكر ولا من كان من الماكرين إلا وهو ماكر ولا يعقل أحد مما يستهزىء إلا وهو مستهزىء ولا يعقل أحد ممن يكيد إلا وهو كياد ولا يعقل من له كيد ومكر إلاو هو كياد ومكار ولا يكون خادع إلا يسمى الخادع الخداع وذو خدائع ولا يعقل من نسي إلا وهو ناسٍ وذو نسيان هذا هو الذي لا سبيل إلى أن يوجد في العالم خلافه وقد قال تعالى. وأكيد كيداً. وقال تعالى. الله يستهزىء بهم. وقال تعالى. وهو خادعهم. وقال تعالى. أفأمنوا مكر الله. وقال تعالى. ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين. وقال تعالى. قل لله تعالى المكر جميعاً وقال تعالى. نسوا الله فنسيهم. وقال تعالى. سخر الله منهم فيلزمهم إذا سمعوا ربهم تعالى ووصفوا من طريق استدلالهم قياسهم وما شاهدوه في الحارض عندهم أن يسموه ماكراً فيقولوا يا ماكر ارحمنا ويسموا بينهم عبد الماكر وكذلك القول في الكياد والمستهزىء والخداع والناسي والساخر وإلا فقد تناقضوا وتلاعبوا بصفات ربهم تعالى وبدينهم فإن قالوا إن هذه الصفات ذمٌ وعيب وإنما نصفه عز وجل بصفات المدح لزمهم مصيبتان عظيمتان إحداهما إطلاقهم أن الله عز وجل أخبر عن نفسه في هذه الآيات بصفات الذم والعيب وهذا كفر والثانية أن يصفوا ربهم بكل صفة مدح وحمد فيما بينهم وإن لم يأت بها نص وإلا فقد تناقضوا وقصروا فيصفوه بأنه عاقل وأنه شجاع جلد سخي حسن الأخلاق نزيه النفس تام المرؤة كامل الفضائل ذو هيئة نبيل نعم المرء ويقولوا أنه تياه قياساً على أنه تعالى جبار متكبر ويقولوا أنه مستكبر فهو والمتكبر في اللغة سواء وذو تيه وعجب وذهوٍ ولا فرق بين هذا وبين المكر والكبرياء فيما بيننا فإن فعلوا هذا خرجوا عن الإسلام بالإجماع إلا أن يعذروا بشدة الجهل وظلمته وعماه وأن يفروا عن ذلك تركوا ما قد دانوا به من تسمية الله تعالى ووصفه بأن له سمعاً وبصراً وسائر ما وصفوه تعالى به بآرائهم الفاسدة مما لم يأت به نصٌ كقولهم قديم ومتكلم ومريد وأن له إرادة لم تزل وسائر ما اجترؤا عليه بغير برهان من الله عز وجل وأيضاً فإن هذه الصفات التي منعوا منها لأنها بزعمهم صفات ذم فإن السمع والبصر والحياة أيضاً صفات نقص لأنه أعراض دالة على الحدوث فيمن هي فيه فإن قالوا ليست لله تعالى كذلك قيل لهم ولا تلك الصفات أيضاً إذا أطلقتموها عليه أيضاً صفات ذم ولا فرق ولقد قال لي بعضهم إنما قلنا أن الله تعالى يكيد ويستهزىء ويمكر وينسى وهو خادعهم على معنى أنه تعالى يقارضهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمى بأسمائها فقلت لهم نعم هكذا نقول ولمن ننازعك في هذا فتستريح إليه بل قلنا لكم سموه تعالى مستهزئاً وكياداً وخداعاً وماكراً وناسياً وساخراً على معنى أنه مقارض لهم على هذه الأفعال منهم بجزاء يسمىبأسمائها كما قلتم في يكيد ويستهزىء وينسى وهو خادعهم سواء بسواء ولا فرق وقد قلتم إن الأفعال توجب لفاعلها أسماء فعلها فسكت خاسئاً وهذا ما لا انفكاك منه وبهذا وبما ذكرنا يعارض كل من قال إننا سمينا الله تعالى عالماً لنفي الجهل وقادراً لنفي العجز ومتكلماً لنفي الخرس وحياً لنفي الموت فإنهم لا ينفكون من هذا البتة وأما نحن فلولا النص الوارد بعليم وقدير وعالم الغيب والشهادة وقادر على أن يخلق مثلهم والحي لما جاز أن يسمى الله تعالى بشيءٍ من هذا أصلاً ولا يجوز أن يقال حي بحياة البتة فإن قالوا كيف يكون حي بلا حياة قلنا لهم وكيف يكون حي غير حساس ولا متحرك بإرادة ولا ساكن بإرادة هذا ما لا يعقل البتة ولا يعرف ولا يتوهم وهم يجرون عليه تعالى الحس ولا الحركة ولا السكون فإن قالوا إن تسمينا إياه حكيماً يغني عن عاقل وكريماً يغني عن سخي وجباراً متكبراً يغني عن متجبر ومستكبر وتياه وزاه وقوياً يغني عن شجاع وجلد قلنا هذا ترك منكم لما أصلتموه من إطلاق السمع والبصر والحياة والإرادة وأنه متكلم واحتجاجكم بأن من كان سميعاً فلابد له من سمع ومن كان بصيراً فلابد له من بصر ومن كان حياً فلابد له من حياة ومن كان مريداً فلا بد له من إرادة ومن كان له كلام فهو متكلم فأطلقتم كل هذا على الله عز وجل بلا برهان فإن ناب عندكم ما ورد به النص من حكيم وقوي وكريم ومتكبر وجبار عن عاقل وشجاع وسخي ومتجبر ومستكبر وتياه وزاه فلم تجيزوا أن تسموا الباري عز وجل بشيءٍ من هذا فكذلك فقولوا كما قلنا نحن إن سميعاً وبصيراً وحياً وله كلام ويريد يغني عن تجويز ذكر السمع والبصر والإرادة ومتكلم ولا فرق هذا علي أن قولكم إن قوياً يغني عن شجاع خطأ فرب قويٌّ غير شجاع وشجاع غير قوي وكذلك أيضاً كان الرحمن يغني عن رحيم والخالق يغني عن الباري وعن المصور فإن قالوا لا يجوز الاقتصار على بعض ما أتي به النص ولا يجوز التعدي إلى ما لم يأت به النص قلنا لهم قد اهتديتم ووفقتم لرشدكم ولقيتم ربكم تعالى بحجة ظاهرة في أنكم لم تتعدوا حدوده ولا ألحدتم في أسمائه ولا خالفتم ما أمركم به وبالله تعالى التوفيق مع أن الذي ألزمناهم هو ألزم لهم مما التزموه لأن بالضرورة نعلم نحن وهم أن الفعل لا يقوم بنفسه ولابد له ضرورة من أن يضاف إلى فاعله فلا بد أيضاً من إضافة الفاعل إليه على معنى وصفة بأن فعله هذا ما لا يقوم في العقل وجود شيء في العالم بخلاف هذه الرتبة وقد وجدنا في العلام أشياء كثيرة لا تحتاج إلى وصفها بصفة لتنفي عنها ضد تلك الصفة كالسماء والأرض لا يجوز أن يوصف منها شيء بالبصر لنفي العمي ولا بالعمي لنفي البصر فإذا لم نضطر إلى ذلك في وصف الأشياء فيما بيننا بطل قياسهم الباري تعالى على بعض ما في العالم وكان إطلاق شيءٍ من جميع الصفات على خالق الصفات والموصوفين أبعد وأشد امتناعاً إلا بما سمي به نفسه فنقر بذلك وندري أنه حق ولا نتعداه إلى ما سواه أفلا يستحي من التزم إذا وجد أشياء من العالم توصف بالحياة لنفي الموت وبالبصر لنفي العمي ولم يجر على قياسه هذا الفاسد من أن يأتي بتسميته مستهزئاً وكياداً وقد قال تعالى أنه يستهزىء ويكيد فهلا غذ وفقه الله تعالى للإمساك عن تصريف الفعل ها هنا جري على ذلك التوفيق فلم يزد على نص الله تعالى من سميع وبصير وحي شيا أصلاً ولكن التناقض سهل من لم يعتصم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ واستعمل رأيه وقياسه في دينه وفيما يجريه على الله تعالى نعوذ بالله من الضلال والخذلان وبهذا يبطل إلزام من أراد من المعتزلة إلزامنا أن نسمي الله تعالى مسياءً لخلقه السيئات وشرير الشرور لخلقه قال أبو محمد وقد شغب بعضهم فيما ادعوه من أن كل صفة أضافوها إلى الله تعالى فهو غير سائر صفاته بأن الله تعالى موصوف بأنه يعلم نفسه ولا يوصف بالقدرة على نفسه قالوا فلو كان العلم والقدرة واحداً لجريا في الإطلاق مجرى واحداً قال أبو محمد وقد بينا بطلان هذا في كلامنا قبل بعون الله عز وجل ونزيد بعون الله عز وجل فنقول وبه نتأيد التغاير إنما يقع في المعلومات والمقدورات لا في القادر ولا في العالم ولا شك عندنا وعندهم في أن العليم والقدير واحد وهو تعالى عليم بنفسه ولا يقال عندهم قدير على نفسه فإذا لم يوجب هذا الحكم أن يكون القدير غير العليم فهو غير موجب أن يكون العلم غير القدرة بلا شك ثم نقول لهم أخبرونا عن علم الله تعالى بحياة زيد قبل موته وبإيمانه قبل كفره هل هو العلم بكفره وموته أو هو غير العلم بذلك فإن قالوا إن العلم بموت زيد هو غير العلم بحياته وعلمه بإيمانه هو غير علمه بكفره لزمهم تغاير العلم والقول بحدوثه وهم لا يقولون هذا وإن قالوا علمه تعالى بإيمان زيد هو علمه بكفره وعلمه بحياة زيد هو علمه بموته قيل فإذا تغاير المعلوم تحت العلم لا يوجب تغاير العلم في ذاته عندكم فمن أين أوحيتم أن تغاير المعلوم والمقدور موجب لتغاير العلم والقدرة والحقيقة من كل ذلك أنه لا حقيقة أصلاً إلا الخالق تعالى وخلقه وأن كل ما لم ينص الله تعالى عليه من وصفه لنفسه ومن أسمائه فلا يحل لأحد أن يخبر عنه تعالى وأن كل ما نص الله عز وجل عليه من أسمائه وما أخبر به تعالى عن نفسه فهو حق ندين الله تعالى بالإقرار به ونعلم أن المراد بكل ذلك هو الله لا شريك له وأنها كلها أسماء يعبر بها عنه تعالى ولا يرجع منها شيء إلى غير الله تعالى البتة تعالى الله أن يكون معه شيء آخر غيره وأقر بعضهم بحضرتي أن مع الله تعالى سبعة عشر شيئاً متغايرة كلها قديم لم تزل وكلها غير الله تعالى ورأيت في كتاب لبعضهم أنها خمسة عشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وذكروا أن تلك الأشياء هي السمع والبصر والعين واليد والوجه والكلام والعلم والقدرة والإرادة والعزة والرحمة والأمر والعدل والحياة والصدق قال أبو محمد لقد قصروا من طريق النص ومن طريق العقل أيضاً عن أصولهم فأين هم عن النفس والجلال والإكرام والجبروت والكبرياء واليدين والأعين والأيدي والقدم والحمد والقوة فهذه كلها منصوص عليها كالعلم والقدرة وأين هم عن الحلم من حليم والكرم من كريم والعظمة من عظيم والتوبة من تواب والهبة من وهاب والقرب من قريب واللطف من لطيف والسعة من واسع والشكر من شاكر والمجد من مجيد والود من ودود والقيام من قيوم وهذا كثير جداً ويتجاوز أضعاف الأعداد التي اقتصروا عليها بتحكيمهم بالضلال والإلحاد في أسمائه عز وجل وقد زاد بعضهم فيما ادعوه من صفات الذات الاستوا والتكليم والقدم والبقاء ورأيت للأشعري في كتابه المعروف بالموجز أن الله تعالى إذ قال إنك بأعيننا إنما أراد عينين وبالجملة فكل من لم يخف الله عز وجل فيما يقول ولم يستحي من الباطل لم يبال بما يقول وقد قلنا أنه لم يأت نص بلفظ الصفة قط بوجه من الوجوه لكن الله تعالى أخبرنا بأن له علماً وقوة وكلاماً وقدرة فقلنا هذا كله حق لا يرجع منه إلى شيء غير الله تعالى أصلاً وبه تعالى نتأيد قال أبو محمد ويقال لمن قال إنما سمي الله تعالى عليماً لأنه له علماً وحكيماً لأن له حكمة وهكذا في سائر أسمائه وادعى أن الضرورة توجب أنه لا يسمى عالماً إلا من له علم وهكذا في سائر الصفات إذا قستم الغائب بزعمكم تريدون الله عز وجل على الحاضر منكم فبالضرورة ندري أنه لا علم عندنا إلا ما كان في ضمير ذي خواطر وفكر تعرف به الأشياء على ما هي عليه فإن وصفتم ربكم تعالى بذلك ألحدتم ولا خلاف في هذا من أحد وتركتم أقوالكم وإن منعتم من ذلك تركتم أصلكم في اشتقاق أسمائه تعالى من صفات فيه وأيضاً فإن عليماً وحكيماً ورحيماً وقديراً وسائر ما جرى هذا المجرى لا يسمى في اللغة إلا نعوتاً وأوصافاً ولا تسمى أسماء البتة وأما إذا سمي الإنسان حليماً أو حكيماً أو رحيماً أو حياً وكان ذلك اسماً له فهو حينئذ أسماء أعلام غير مشتقة بلا خلاف من أحد وكل هذه فإنما هي لله عز وجل أسماءً بنص القرآن ونص السنة والإجماع من جميع أهل الإسلام قال الله تعالى. ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون. وقال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى. وقال تعالى هو الله الذي لا غله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى. وقال رسول الله ﷺ إن لله تسعةً وتسعين اسماً ماية إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر ولم يختلف أحد من أهل الإسلام في أنها أسماء لله تعالى ولا في أنها لا يقال أنها نعوت له عز وجل ولا أوصاف الله ولو وجد في المتأخرين من يقول ذلك لكان قولاً باطلاً ومخالفة لقول الله تعالى ولا حجة في أحد في الدين دون رسول الله ﷺ فإذ لا شك فيما قلنا فليست مشتقة من صفة أصلاً ويقال لهم إذا قلتم إنها مشتقة فقولوا لنا من اشتقها فإن قالوا إن الله تعالى اشتقها لنفسه قلنا لهم هذا هو القول على الله تعالى بالكذب الذي لم يخبر به عن نفسه وقفوتم في ذلك ما لم يأتكم به علم وإن قالوا إن رسول الله ﷺ اشتقها قلنا كذبتم على رسول الله ﷺ أوحي بها إليه فقط فصح يقيناً أن القول بأنها مشتقة فرية على الله تعالى وكذب عليه ونعوذ بالله من ذلك وصح بهذا البرهان الواضح أنه لا يدل حينئذ عليم على علم ولا قدير على قدرة ولا حي على حياة وهكذا في سائر ذلك وإنما قلنا بالعلم والقدرة والقوة والعزة بنصوص أخر يجب الطاعة لها والقول بها ووجدنا المتأخرين من الأشعرية كالباقلاني وابن فورك وغيرهما قالوا إن هذه السماء ليست أسماء لله تعالى ولكنها تسميات له وأنه ليس لله إلا اسم واحد لكنه قول إلحاد ومعارضة لله عز وجل بالتكذيب بالآيات التي تلونا ومخالفة لرسول الله ﷺ فيما نص عليه من عدد الأسماء وهتك لإجماع أهل الإسلام عامهم وخاصهم قبل أن تحدث هذه الفرقة ومما أحدثه أهل الإسلام في أسماء الله عز وجل القيدم قال أبو محمد وهذا لا يجوز البتة لأنه لم يصح به نص البتة ولا يجوز أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه وقد قال تعالى. والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. فصح أن القديم من صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمى الله تعالى بذلك وإنما يعرف القديم في اللغة من القدمية الزمانية أي إن هذا الشيء أقدم من هذا بمدة مخصورة وهذا منفي عن الله عز وجل وقد أغنى الله عز وجل عن هذه التسمية بلفظة أول فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره وهو معنى أنه لم يزل وقد قلنا بالبرهان أن الله تعالى لا يجوز أن يسمى بالاستدلال ولا فرق بين من قال أنه يسمي ربه جسماً إثباتاً للوجود ونفياً للعدم وبين من سماه قديماً إثباتاً لأنه لم يزل ونفياً للحدوث لأن كلا اللفظتين لم يأت به نص فإن قال من سماه جسماً ألحد لأنه جعله كالأجسام قيل له ومن سماه قديماً قد ألحد في أسمائه لأنه جعله كالقدماء فإن قال ليس في العالم قدماء أكذبه القرآن بما ذكرنا وأكذبته اللغة التي بها نزل القرآن إذ يقول كل قائل في اللغة هذا الشيء أقدم من هذه وهذا أمر قديم وزمان قديم وشيخ قديم وبناء قديم وهكذا في كل شيء وأما نفي خلق الإيمان فهذا أعجب ما أتوا به وهل الإيمان الأفعل المؤمن الظاهر منه يزيد وينقص ويذهب البتة وهو خلق الله تعالى وهذه صفات الحدوث نفسها فإن قالوا أن الله هو المؤمن قلنا لهم نعم هو المؤمن المهيمن المصور فأسماؤه بذلك أعلام لا مشتقة من صفات محمولة فيه عز وجل تعالى الله عن ذلك إلا ما كان مسمى له عز وجل لفعل فعله فهذا ظاهر كالخالق والمصور فإن قلتم في هذا أيضاً أنها صفات لم تزل لزمكم أنه تعالى المصور بتصوير لم يزل قال أبو محمد وقال بعضهم إن قولنا سميع بسمع بصير ببصر حي بحياة لا يوجب تشابهاً ولا يكون الشيء شبهاً للشيء إلا إذا ناب منابه وسد مسده قال أبو محمد وهذا كلام في غاية السخافة لأنه دعوى بلا برهان لا من شريعة ولا من طبيعة وما اختلفت قط اللغات والطبائع والأمم في أن النسبة بين المشبهات إنما هو بصفاتها في الأجسام وبذواتها في الإعراض وقد قال الله تعالى. وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم. فليت شعري هل قال ذو مسكة من عقل أن الحمير والكلاب والخنافس تنوب منابنا أو تسدنا وقال تعالى حاكياً عن الأنبياء عليهم السلام أنهم قالوا. إن نحن إلا بشر مثلكم. فهل قال قط مسلم أن الكفار ينوبون عن الأنبياء ويسدون مسدهم وقال تعالى. كأنهن الياقوت والمرجان. فهل قال ذو مسكة من عقل إن الياقوت ينوب مناب الحور العين ويسد مسدهن ومثل هذا في القرآن كثير جداً وفي كلام كل أمة والعجب أنهم بعد أن أتوا بهذه العظيمة نسوا أنفسهم فجعلوا التشابه في بعض الأحوال يوجب شرع الشرائع قياساً وهذا دين لم يأذن به الله تعالى فهم أبداً في الشيء وضده والبناء والهدم ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد وحقيقة التماثل والتشابه هو أن كل جسمين اشتبها فإنما يشتبهان بصفة محمولة فيهما أو بصفات فيهما وكل عرضين فإنما يشتبهان بوقوعهما تحت نوع واحد كالحمرة والحمرة

الكلام في الحياة

قال أبو محمد وقالوا أن الدليل أوجب أن الباري تعالى حي لأن أفعال الحكمة لا تقع إلا من الحي وأيضاً فإنه لا يعقل إلا حي أو ميت قلنا إمكان وقوع الفعل من الميت صح وقوعه من الحي ولابد ثم انقسم هؤلاء قسمين فطائفة قالت هو تعالى حي لا بحياة وطائفة قالت بل هو تعالى حي بحياة واحتجت أنه لا يعقل أحد حياً إلا بحياة ولم يكن الحي حياً إلا لأن له حياة ولولا ذلك لم يكن حياً قالوا ولو جاز أن يكون حياً لأن له حياة لكن لأنه فاعل فقط عالم قادر ولا يكون العالم القادر الفاعل إلا حياً قال أبو محمد وكلا القولين في غاية الفساد لاتفاق الطائفتين على أن سموا ربهم تعالى حياً من طريق الاستدلال إما لنفي الموت والجمادية عنه وإما لأنه فاعل قادر عالم ولا يكون الفاعل القادر العالم إلا حياً يلزمهم أن يطردوا استدلالهم هذا وإلا فهم متناقضون وإذا طردوا استدلالهم هذا لزمهم ولابد أن يقولوا أنه تعالى جسم لأنهم لم يعقلوا قط فاعلاً ولا حكيماً ولا عالماً ولا قادراً إلا جسماً فإذا لم يكن هذا دليلاً على أنه جسم فليس دليلاً على أنه حي وأيضاً فإن اتفاقهم على ما ذكرنا موجب على الطائفة الأولى أن يطردوا أيضاً استدلالهم وإلا فهو فاسد فنقول أنه لا يكون القادر العالم فيما بيننا إلا ذا حياة ولا يكون حياً إلا بحياة لا يعقل غير هذا أصلاً ويقال لهم ما الفرق بينكم وبين من عكس قولكم فقال إذا كان الحي لا يجب أن يقال أن له حياة من أجل أنه حي ولا أنه إذا كان حياً وجب أن يكون له حياة ولا أنه سمى الحي حياً لأن له حياة فكذلك لم يجب أن يكون الفاعل فاعلاً لأنه حي لكن لأن له فعلاً فقط ولا وجب أن يكون الفاعل فاعلاً لأنه عالم قادر لكن لأن له فعلاً وكذلك المؤلف لم يسم مؤلفاً لأن فيه تأليفاً ولا سمي الحكيم حكيماً لإحكامه الفعل ولا وجب المؤلف أن يكون محدثاً للتأليف الذي فيه على أن من قال بعض هذه القضايا فهو أصح قولاً ممن قال إن كون الحي حياً لا يقتضي بذلك الاستدلال أن يكون له حياة لأننا لم نجد قط حياً إلا بحياة ولا توهمنا ذلك إلا بالعقل ولا يتشكل في العقل البتة ولا يدخل في الممكن بدليل وقد وجدنا العنكبوت والنحل والخطاف تحكم أفعالها وبنائها بالطين وبالشمع مسدساً على رتبة واحدة وبالنسج ثم لا يجوز أن يسمى شيء منها حكيماً فإن قال إنما أقول أنه حي استدلالاً بأنه لا يموت والحي هو الذي لا يموت فقط كان قد أتى بأسخف قول وذلك يلزمه أن يقول أننا لسنا أحياء لأننا نموت وأنه لا حي في العالم لأن من قول هذا القائل أن الملائكة تموت فليس في العالم حي على قوله وقد أتى بعضهم بهذيان ظريف فقال قد وجدنا شيئاً فيه حياة وليس حياً وهو يد الإنسان ورجله قال أبو محمد ولقد كان ينبغي لمن هذا مقداره من الجهل أن يتعلم قبل أن يتكلم أما علم الجاهل أن الحياة إنما هي للنفس لا للجسد وأن الحي إنما هي النفس لا الجسد أما سمع قول الله عز وجل. فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وليت شعري لو عكس عليه هذا السخف فقيل له بل يد الإنسان حية ولا حياة فيها بماذا كان ينفصل من هذا الجنون المطابق لجنونه ثم إذ قد بطل قول هؤلاء فنقول بحول الله تعالى وقوته للطائفة الأخرى التي قالت أنه تعالى حي بحياة استدلالاً بالشاهد ما الفرق بينكم وبين من قال هو تعالى جسم لأن الأفعال لا تقع إلا من جسم فإنه على أصولكم لا يعقل إلا جسم وعرض فلما بطل إمكان الفعل من العرض صح وقوعه من الجسم فقط ولابد ولما صح أن العالم لا يكون إلا جسماً ذا ضمير صح أنه تعالى جسم ذو ضمير ولما صح أنه قادر والقادر لا يكون إلا جسماً صح أنه جسم فبأي شيء راموا الانفصال به عكس عليهم مثله سواء بسواء في استدلالهم وما التزموه لزمهم فإن قالوا أنه تعالى أخبر أنه حي ولم يخبر أنه جسم قلنا لهم وبالله التوفيق وإن الله تعالى لم يخبر بأن له حياة فإن قالوا إن الحي يقتضي أن له حياة قلنا لهم والحي يقتضي أنه جسم وهكذا أبداً فإن قالوا أنه تعال قال. وتوكل على الحي الذي لا يموت. فوجب أن يكون حياً بحياة قيل لهم وإن وجب هذا فقال تعالى. لا تأخذه سنة ولا نوم. فقولوا أنه تعالى يقظان فإن قالوا لم ينص تعالى على أنه يقظان قيل لهم ولا نص تعالى على أن له حياة فإن قالوا الحي يقتضي حياة قيل لهم ومن ليس نائماً ولا وسنان فهو يقظان ولا فرق ويقال لهم أخبرونا ماذا نفيتم عنه تعالى بإيجاب الحياة له أنفيتم عنه بذلك الموت المعهود والمواتية المعهودة أم موتاً غير معهود ومواتية غير معهودة ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن قالوا نفينا عنه الموت المعهود والمواتية المعهودة قلنا لهم إن الموت المعهود والمواتية المعهودة لا ينتفيان البتة إلا بالحياة المعهودة التي هي الحس والحركة والسكون الإراديان وهذا خلاف قولكم ولو قلتموه لأبطلنا قولكم بما أبطلنا به قول المجسمة وإن قالوا ما نفينا عنه تعالى إلا موتاً غير معهود ومواتية غير معهودة قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق هذا لا يعقل ولا يتوهم ولا قام به دليل ولا يجوز أن ينتفي ما ذكرتم بحياة يقتضيها اسم الحي المعقول وهكذا نقول في قولهم سميناه تعالى سميعاً لنفي الصمم وبصيراً لنفي العمى ومتكلماً لنفي الخرس فنسألهم هل نفيتم بذلك كله الخرس المعهود والصمم المعهود والعمى المعهود أم صمماً لا يعهد وعمى غير المعهود وخرساً غير المعهود فإن قالوا نفينا المعهود من كل ذلك قلنا إن الصمم المعهود لا ينتفي إلا بالسمع المعهود الذي هو بإذن سالمة والعمى المعهود لا ينتفي إلا بالبصر المعهود الذي هو حدقة سالمة والخرس المعهود لا ينتفي إلا بالكلام المعهود الذي هو صوت من لسان وحنك وشفتين فإن قالوا بل نفينا من كل من ذلك غير المعهود قلنا هذا لا يعقل ولا يتوهم ولا يصح به دليل ولا ينتفي بما أردتم نفيه به وأيضاً فإن الباري تعالى لو كان حياً بحياة لم يزل وهي غيره لوجب ضرورة أن يكون تعالى مؤلفاً مركباً من ذاته وحياته وسائر صفاته ولكان كثيراً لا واحداً وهذا إبطال الإسلام ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد وأما قولهم إنما خاطبنا الله بما نعقل ودعواهم أن في بديهة العقول أن الفاعل لا يكون إلا عالماً بعلم هو غيره حياً بحياة هي غيره قادراً بقدرة هي غيره متكلماً بكلام هو غيره سميعاً بسمع هو غيره بصيراً ببصر هو غيره فإنا نقول وبالله تعالى نتأيد أن هذه القضية كما ذكروا ما لم يقم برهان على خلاف ذلك ثم نسألهم هل عقلتم قط أو توهمتم ناراً محرقة تنبت في الشجر المثمر وهذه صفة جهنم التي أنكرتموها كفرتم وهل عقلتم قط طيراً حياً يؤكل دون أن يموت أو يعاني بنار وهذه صفة الجنة التي إن أنكرتموها كفرتم ومثل هذا كثير وإنما الحق أن لا نخرج عما عهدناه وما عقلناه إلا أن يأتي برهان فإن قنعوا بهذا القدر من الدعوى فليقنعوا بمثل هذا من المجسمة إذ قالوا إنما خاطبنا الله تعالى بما نفهم ونعقل لا بما لا يعقل وقد أخبرنا تعالى أن له عيناً ويداً ووجهاً وأنه ينزل ويجيء في ظلل من الغمام قالوا فكل هذا محمول على ما عقلنا من أنها جوارح وحركات وأنها جسم وأقنعوا به منهم أيضاً إذ قالوا أببديهة العقل وأوله عرفنا ووجب أنه لا يكون الفاعل إلا جسماً في مكان وبضرورة العقل علمنا أنه لا شيء إلا بجسم أو عرض وما لم يكن كذلك فهو عدم وإن ما لم يكن عرضاً فهو جسم والباري تعالى ليس عرضاً فهو جسم ولابد وأقنعوا بمثل هذا من المعتزلة إذ قالوا في إبطال الرؤية بضرورة العقل عرفنا أنه لا يرى إلا جسم ملون وما كان في حيز وإذ قالوا بضرورته وبديهته علمنا أن كل من فعل شيئاً فإنما يوصف به وينسب إليه فلو أنه تعالى خلق الشر والظلم لنسب إليه ووصف بهما واقنعوا بهذا من الدهرية إذ قالوا بضرورة العقل علمنا أنه لا يكون شيئاً إلا من شيء أو في شيء قال أبو محمد فكل طائفة من هذه الطوائف تدعي الباطل على العقول والحقيقة في هذا هو أن كل من ادعى في شيء ما أنه يعرف ببديهة العقل وضرورته وأوله أن ينظر في تلك الدعوى فإن كانت مما ترجع إلى الحواس المشاهدة فهي دعوى كاذبة فاسدة لأن العقول توجب أشياء لا تشكل في الحواس كالألوان التي لا يتوهمها الأعمى ولا يتشكلها بحاسة وهو موقن بها بضرورة عقله لصحة الخبر وتواتره عليها بوجودها وكالصوت الذي لا يتوهمه البتة ولا يشكله من ولد أصم أصلح وهو موقن بعقله بصحة الأصوات لتواتر الخبر عليه بصحتها وإن كانت تلك الدعوى ترجع إلى مجرد العقل دون توسط الحواس فهي دعوى صادقة وهذه الدعاوي التي ذكرنا عن الأشعرية والمجسمة والمعتزلة والدهرية فإنما غلطوا فيها لأنهم نسبوا إلى أول العقل ما أدركوه بحواسهم وقد قلنا أن العقل يوجب ولا بد معرفة أشياء لا تدرك بالحواس ولاسيما دعوى الدهرية فإنها تعارض بمثلها من أن بضرورة العقل وأوله علمنا أنه لا يمكن وجود جسم وعرض في زمان لا أول له وهذا هو الحق لا دعواهم التي عولوا فيها على ما شاهدوا بحواسهم فقط وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فيقال لهم إذا سميتموه حياً لنفي الموت والمواتية عنه تعالى وقادراً لنفي العجز وعالماً لنفي الجهل فيلزمكم ولابد أن تسموه حساساً لنفي الخدرعنه وسماماً لنفي الجسم عنه ومتحركاً لنفي السكون والجمادية عنه وعاقلاً لنفي ضد العقل عنه وشجاعاً لنفي الجبن عنه فإن امتنعوا من ذلك كانوا قد ناقضوا في استدلالهم في تسميتهم إياه حياً عالماً قادراً جواداً فإن قالوا أنه لا يجوز أن يسمى بشيء مما ذكرنا لأنه لم يأت به نص قيل لهم وكذلك لم يأت نص بأن له تعالى حياة ولا بأنه إنما سمي حياً عالماً قادراً لنفي أضداد هذه الصفات عنه لكن لما جاء النص بأنه تعالى يسمي الحي العالم القدير سميناه بذلك ولولا النص ما جاز لأحد أن يسمي الله تعالى بشيء م ذلك لأنه كان يكون مشبهاً له بخلقه لاسيما ولفظة الحي تقع في اللغة على العالم المميز بالحقائق قال تعالى. لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فأراد بالحي ها هنا العالم المميز بالإيمان المقر به وأيضاً فإنهم يدعون أنهم ينكرون التشبيه ثم يركبونه أتم ركوب فيقولون لما لم يكن الفعال عندنا إلا حياً عالماً قادراً وجب أن يكون الباري الفاعل للأشياء حياً عالماً قادراً وهذا نص قياسهم له على المخلوقات وتشبيهه تعالى بهم ولا يجوز عند القائلين بالقياس أن يقاس الشيء إلا على نظيره وأما أن يقاس الشيء على خلافه من كل جهة وعلى ما لا يشبهه في شيء البتة فهذا ما لا يجوز أصلاً عند أحد فكيف والقياس كله باطل لا يجوز وأيضاً فإن الحياة التي لا يعرف أحد بالعقل حياة غيرها إنما هي الحس والبركة الإرادية ولا يعرف أحد الحي إلا بالحساس المتحرك بإرادة وهذا أمر يعرف بالضرورة فمن أنكر ذلك فقد أنكر الحس والمشاهدة والضرورة وخرج عن أن يكلم فإن قال قائل منهم إن الموات قد يتحرك فلم يزد على أن أبان عن قوة جهله لأنه إنما قلنا الحركة الإرادية فإذا لم يفرق هذا الجاهل بين الحركة الإرادية والاضطرارية فينبغي له أن يتعلم قبل أن يتكلم وكل حركة ظهرت من غير حي فليست حركة إرادية له لكنها تحريك المحرك له إما الباري تعالى وإما من دونه ومما يبطل قولهم ضرورة أنه إنما سمي تعالى حياً لأنه عالم قادر وجودنا أحياء كثيرة ليسوا علماء ولا قادرين كالأطفال حين ولادتهم وكالنائم المستثقل وكالمخدور من المجانين وكضعاف الدود والصوداب وما لا ينتقل عن محله كالوصل وغيره وكالمريض من سائر الحيون فهذه كلها أحياء ليس شيء منها عالماً ولا قادراً فصح ضرورة أنه لا معنى للحياة يرتبط بالعلم والقدرة لكن الحق في ذلك أن بعض الأحياء عالم قادر وليس كل حي عالماً قادراً ولا سبيل إلى وجود حي غير حساس ولا متحرك بإرادة فإن ذكروا المغمى عليه فذلك عائد عليهم لأنه ليس عالماً ولا قادراً وأما الحس ففيه بالضرورة ولو جش جشاً قوياً لتألم ولأخبر بذلك عند انتباهه وكذلك الحس والحركة الإرادية باقيان لابد في بعض أعضاء المخدور والمغمى عليه ولابد وقد بينا الواجب في هذا وهو أنه لا يسمى الله عز وجل ولا نخبر عنه من طريق الاستدلال باسم يشاركه فيه شيء من خلقه ولا بخبر يشاركه فيه شيء من خلقه ولكننا نقول أنه تعالى لا يجهل شيئاً أصلاً وهذه صفة لا يستحقها أحد دونه تعالى ونقول لا يغفل البتة ولا يضل ولا يسهو ولا ينام ولا يتحير ولا ينحل ولا يخفى عليه متوهم ولا يعجز عن مسئول عنه ولا ينسى وكل هذا فلا يستحقه مخلوق دونه تعالى أصلاً ثم نقر بما جاء به القرآن والسنن كما جاء لا نزيد ولا ننقص منه ولا نحيله فنؤمن بأنه بخلاف المعهود فيما يقع عليه ذلك اللفظ من خلقه وأمالفظ الصفة في اللغة العربية وفي جميع اللغات فإنما هو عبارة عن معنى محمول في الموصوف بها لا معنى للصفة غير هذا البتة وهذا أمر لا يجوز إضافته إلى الله تعالى البتة إلا أن يأتي نص بشيء أخبر الله تعالى به عن نفسه فنؤمن به وندري حينئذ أنه اسم علم لا مشتق من صفة أصلاً وأنه خبر عنه تعالى لا يراد به غيره عز وجل ولا يرجع منه إلى سواه البتة والعجب كل العجب أنهم يسمون الله حياً لأنهم لم يجدوا الفعل يقع إلا من حي ثم يقولون أنه لا كالأحياء فعادوا إلى دليلهم فأفسدوه لأنهم إذا أوجبوا وقوع الفعل من حي ليس كالأحياء الذين لا تقع الأفعال إلا منهم فقد أبطلوا أن يكون ظهور الأفعال دليلاً على أنها من حي كما عهدوه وقد علمنا يقيناً أن القدرة من كل قادر في العالم فإنما هي عرض فيه وأن الحياة في الحي المعهود بضرورة العقل عرض فيه أيضاً وإن العلم في كل عالم في العالم كذلك وقد وافقونا على أن الباري تعالى بخلاف ذلك فإذ قد بطل أن يكون هذا موصوفاً بصفة القادر فيما بيننا والعالم منا التي لولاها لم يكن العالم عالماً والقادر قادراً فإن الفعل فيما بيننا لا يقع إلا من أهل تلك الصفة فقد بطل ضرورة أن يسمى الباري تعالى باسم قادر أو عالم أو حي استدلالاً بأن الفعل فيما بيننا لا يقع إلا من عالم قادر وإذ قد جوزوا وجود علم ليس عرضاً وحياة ليست عرضاً وهذا أمر غير معقول أصلاً فلا ينكر وجود حي لا بحياة وسميع لا بسمع وبصير لا ببصر وكل هذا خروج عن المعهود ولا فرق وإنما يستجاز الخروج عن المعهود إذ جاء به نص من الخالق عز وجل أو قام به برهان ضروري وإلا فلا ولم يأت نص قط بلفظ الحيا ولا الإرادة ولا السمع ولا البصر واحتج بعضهم في معارضة من قال إن الحي لا يكون إلا حساساً متحركاً بإرادة لأننا لم نشاهد قط حياً إلا حساساً متحركاً بإرادة فقال هذا المعترض إن من اتفق له أن لا يرى نباتاً إلا أخضر ولا أخضر إلا نباتاً فقطع بأن كل أخضر فهو نبات فقد أخطأ قال أبو محمد فأول ما يقال له قل هذا لنفسك في استدلالك بأنك لم تر قط فعالاً إلا حياً عالماً قادراً ولا فرق ثم نعوذ بعون الله تعالى إلى بيان ما شغبوا به مما لا يعرفون الفرق بينه وبين ما يقع عليه فنقول وبالله تعالى التوفيق أن الأعراض تنقسم إلى قسمين أحدهما ذاتي لا يتوهم بطلانه إلا ببطلان حامله كالحس والحركة الإرادية للحي وكذلك احتمال الموت للإنسان مع إمكان التمييز للعلوم والتصرف في الصناعات وما أشبه هذا ومن هذه الأعراض تقوم فصول الأشياء وحدودها التي تفرق بينها وبين غيرها من الأنواع التي تقع معها تحت جنس واحد فهذا القسم مقطوع على وجوده في كل ما وقع اسم حامله عليه والقسم الثاني غيري وهو ما يتوهم بطلانه ولا يبطل بذلك ما هو فيه كاجترار البعير وحلاوة العسل وسواد الغراب فإن وجد عسل مر وقد وجدناه لم يبطل بذلك أن يكون عسلاً وكذلك لو وجد غراب أبيض وقد وجد لم يبطل بذلك أن يكون غراباً فمثل هذا القسم لا يقطع على أنه موجود ولابد أبداً فهذا الفرق بين ما شغب به من النبات لأنه إن توهم النبات أحمر أو أصفر لم يبطل أن يسمى نباتاً ولكنه إن توهم أن يكون النبات غير نام من الأرض ولا متغذ برطوباتها منجذباً بحر الهواء ورطوبته فإنه لا يكون نباتاً أصلاً وأيضاً فقد قال بعضهم أنه قد يعرف الباري حياً من لا يعرفه حساساً متحركاً بإرادة قيل له وقد يعرفه حياً من لا يعرف أن له حياة وقد يعرفه جسماً من لا يعرفه مؤلفاً ولا محدثاً وليس توهم الجهال لما توهموه من الحماقات حجة على أهل العقول والعلوم والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد وبرهان ضروري وهو أن كل صفة في العالم فهي ضرورة ولابد عرض بين الطرفين أو أحد ذينك الطرفين وإما ذات ضد فحاملها بالضرورة قابل للأضداد فلا عالم في العالم إلا والجهل منه متوهم ولا قادر في العالم إلا والعجز منه متوهم ولا حي في العالم إلا والسكون والحركة والحس والحذر متوهمات كلها منه وقد علمنا أن الله تعالى أرحم الراحمين حقاً لا مجازاً من أنكر هذا فهو كافر حلال دمه وماله وهو تعالى يبتلي الأطفال بالجدري واواكل والجن والذبحة والأوجاع حتى يموتوا وبالجوع حتى يموتوا كذلك ويفجع الآباء بالأبناء وكذلك الأمهات والأحياء بعضهم ببعض حتى يهلكوا ثكلاً ووجداً وكذلك الطير بأولادها وليست هذه صفة الرحمة بيننا فصح يقيناً أنها أسماء لله سمى الله تعالى بها نفسه غير مشتقة من صفة محمولة فيه تعالى وحاشا له من ذلك فإن قالوا إن العالم القادر الحي الأول الرحيم بخلاف هذا قيل لهم صدقتم وهذا إبطال منكم لاستدلالكم بالشاهد بينكم على تسمية الباري وصفاته قال أبو محمد وأما وصفنا الباري تعالى بأنه الواحد الأول الحق الخالق من طريق الاستدلال فإنه لا يلزمنا في ذلك شيء مما ألزمناه خصومنا لأنه قد قام البرهان بأنه خالق ما سواه وليس في العالم خالق البتة بوجه من الوجوه وقد قام البرهان على أنه تعالى واحد لا واحد في العالم غيره البتة بوجه من الوجوه وكل ما في العالم فمتكثر باحتمال القسمة والتحري وقد قام البرهان على أنه تعالى الأول والأول في العالم البتة بوجه من الوجوه وكل ما في العالم ينافي الأول وقام البرهان بأنه تعالى الحق بذاته وإن كل ما في العالم فإنما هو محقق له تعالى وإنما كان حقاً بالباري جل وعز ولولاه لم يكن حقاً فهذا هو البرهان الصحيح الثابت الذي لا يعارض ببرهان البتة وهذا هو نفي التشبيه ثم إننا ننفي عن الباري تعالى جميع صفات العالم فنقول أنه تعالى لا يجهل أصلاً ولا يغفل البتة ولا يسهو ولا ينام ولا يحس ولا يخفى عليه متوهم ولا يعجز عن مسئول عنه لأننا قد بينا فيما خلا من كتابنا هذا أن الله تعالى بخلاف خلقه من كل وجه فإذ ذلك كذلك فواجب نفي كل ما يوصف به شيء مما في العالم عنه تعالى على العموم وأما إثبات الوصف أو التسمية له تعالى فلا يجوز إلا بنص ونخبر عنه تعالى بأفعاله عز وجل فنقول أنه تعالى محي الموتى ومميت الأحياء إلا أن لا يثبت إجماع في إباحة شيء من ذلك ولولا الإجماع على إباحة إطلاق بعض ذلك ها هنا لما أجزناه ونقول أنه تعالى بكل شيء عليم لم يزل كذلك والمعنى في هذا أنه لم يزل يعلم أنه سيخلق الأشياء على حسب هيئة كل مخلوق منها لا على أن الأشياء لم تزل موجودة في علمه معاذ الله من هذا ولكن نقول لم يزل تعالى يعلم أنه سيحدث كل ما يكون شيئاً إذا أحدثه على ما يكون عليه إذا كان وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد ونجمع إن شاء الله تعالى ها هنا بيان الرد على من أقدم أن يسمي الله تعالى بغير نص لكن بما دله عليه عقله وظنه أنه حسن ومدح أو استدلالاً بما سمى به تعالى نفسه أو تصريفاً من ذلك أو قياساً على ما شاهد من خلقه فنقول وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى سمى نفسه الرحمن الرحيم يغني عن ذلك قيل له نقضت أصلك لأن الحي يغنى على هذا عن أن يقال أن له حياة وأيضاً فإن الرحمن يغني عن الرحيم فإن قال قد وردالنص به قيل له صدقت ولا تتعد ما جاء به النص وامنع ما سواه وسمى نفسه العليم فسمه الداري الحبر الفهم الزكي العارف النبيل فكل هذا مدح ومعناه في اللغة بمعنى عليم ولا فرق وسمى نفسه الكريم فسمه السخي والجواد وسمى نفسه الحكيم فسمه الناقد العاقل وسمى نفسه العظيم فسمه الفخم الضخم وسمى نفسه الحليم فسمه المجتمل المتأني الصابر الصبور الصبار وأخبر أنه قريب فسمه الداني المجاور المياسر وسمى نفسه الواسع فسمه الرحب العريض وسمى نفسه العزيز فسمه الرئيس وأخبر أنه شاكر وشكور فسمه الحامد الحماد وسمنى نفسه القهار فسمه الظافر وسمى نفسه الآخر فسمه الثاني والتالي والخاتم وسمى نفسه الظاهر فسمه العارف والداري وسمى نفسه الكبير فسمه الرئيس والمتقدم وسمى نفسه القدير فسمه المطيق والمستطيع وسمى نفسه العلي فسمه العالي والرفيع والسامي وسمى نفسه البصير فسمه المعاين وسمى نفسه الجبار فسمه المتجبر الزاهي التياه وسمى نفسه المتكبر فسمه المستكبر المتعاظم المتنحي وسمى نفسه البر فسمه الزاكي المواصل وسمى نفسه المتعالي فسمه المتعظم المترفع وسمى نفسه الغني فسمه الموسر الملي المكثر الوافر وسمى نفسه الولي فسمه الصديق المصادق الوالي الحبيب وسمى نفسه القوي فسمه الجلد النجد الشجاع الجليد الشديد الباطش وسمى نفسه الحي وأخبر أن له نفساً فسمه المتحرك الحساس واقطع بأن له روحاً بمعنى النفس وسمى نفسه السميع البصير فسمه الشمام الذواق وسمى نفسه المجيد فسمه الشريف الماجد وسمى نفسه الحميد فسمه المحمد المحمود الممدوح الممدح وسمى نفسه الودود فسمه الواد المحب الحبيب الوديد وسمى نفسه الصمد فسمه المصمت وسمى نفسه الحق فسمه الصحيح الثابت وسمى نفسه اللطيف فسمه الخفيف وذكر تعالى أن له مكراً وكيداً فقل إن له دهاء ونكراً وحساً وثحيلاً وخدائع فهذا كله في اللغة وفيما بيننا سواء وسمى نفسه المتين فسمه الواضح البين اللائح البادي وسمى نفسه المؤمن فسمه المسلم المصدق وسمى نفسه الباطن فسمه الخفي الغائب المتغيب وسمى نفسه الملك والمليك فسمه السلطان وصح بالسنة أنه يسمى جميلاً فسمه قال أبو محمد فإن أبى من كل هذا نقض أصله وكذلك إن قال إن بعض ذلك يغني عن بعض لزمه إسقاط الحياة لأن الحي يغني عن ذكر الحياة على هذا الأصل ولزمه أن لا يقول أنه متكلم لأن الكلام مغن عن ذلك ولزمه أيضاً إسقاط السمع والبصر لأنه استغنى بالسميع والبصير ولزمه أيضاً إسقاط ما جاء به النص إذا كان بعضه يغني عن بعض والملك يغني عن مليك وأحد يغني عن واحد وجبار يغني عن متكبر وخالق يغني عن الباري وهكذا في سائر الأسماء فلم يبق إلا الرجوع إلى النصوص فقط فإذ قد صح هذا بيننا فلا يحل أن يسمى الله عز وجل القديم ولا الحنان ولا المنان ولا الفرد ولا الدايم ولا الباقي ولا الخالد ولا العالم ولا الداني ولا الرائي ولا السامع ولا المعتلي ولا العالي ولا المتبارك ولا الطالب ولا الغالب ولا الضار ولا النافع ولا المدرك ولا المبدىء ولا المعيد ولا الناطق ولا القادر ولا الوارث ولا الباعث ولا القاهر ولا الجليل ولا المعطي ولا المنعم ولا المحسن ولا الحكم ولا الحاكم ولا الواهب ولا الغفار ولا المضل ولا الهادي ولا العدل ولا الرضي ولا الصادق ولا المتطول ولا المتفضل ولا المان ولا الخير ولا الحافظ ولا البيدع ولا الإله ولا المجمل ولا المحيي ولا المميت ولا المنصف ولا بشيء لم يسم به نفسه أصلاً وإن كان في غاية المدح عندنا أو كان متصرفاً من أفعاله تعالى إلا أن نخبر عنه بكل هذا الذي ذكرنا بالإضافة إلى ما نذكر مع الوصف حينئذ والإخبار عن فعله تعالى فهذا جائز حينئذ فيجوز أن يقال عالم الخفيات عالم بكل شيء عالم الغيب والشهادة غالب على امره غالب على كل من طغى أو نحو هذا القادر على ما يشاء القاهر للملوك وارث الأرض ومن عليها المعطي لكل ما بأيدينا الواهب لنا كل ما عندنا المنعم على خلقه المحسن إلى أوليائه الحاكم بالحق المبدي لخلقه المعيد له المضل لأعدائه الهادي لأوليائه العدل في حكمه الصادق في قوله الراضي عمن أطاعه الغضبان على من عصاه الساخط على أعدائه الكاره لما نهى عنه بديع السموات والأرض إله الخلق محيي الأحياء والموتى مميت الأحياء والموتى المنصف ممن ظلم باني الدنيا وداحيها ومسويها ونحو هذا لأن كل هذا إخبار عن فعله تعالى وهذا مباح لنا بإجماع وهو من تعظيمه تعالى ومن دعائه عز وجل وليس لنا أن نسميه إلا بنص وكذلك نقول إن لله تعالى كيداً ومكراً وكبرياء وليس هذا من المدح فيما بيننا بل هو فيما بيننا ذم ولا يحل أن نقول أن لله تعالى عقلاً وشجاعة وعفة ودهاء وفهماً وذكاء وهذا غاية المدح فيما بيننا فبطل أن يراعي فيما يخبر به عن الله تعالى ما هو مدح عندنا أو ما هو ذم عندنا بل النص فقط وبالله تعالى التوفيق ومن البرهان على هذا أن رسول الله ﷺ قال إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة فلو كانت هذه الأسماء التي منعنا منها جائزاً أن تطلق لكانت أسماء الله تعالى أكثر من مائة ونيف وهذا باطل لأن قول رسول الله ﷺ مائة غير واحد مانع من أن يكون له أكثر من ذلك ولو جاز ذلك لكان قوله عليه السلام كذباً وهذا كفر ممن أجازه وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها فأسماؤه بلا شك كما هي داخلة فيما علمه آدم عليه السلام وتخصيص كلامه عليه السلام لا يحل فإذ ذلك كذلك فمن هو الذي اشتقها من الصفات فإن قالوا هو اشتقها كذبوا على الله تعالى جهاراً إذ أخبروا عنه بما لم يخبر به تعالى عن نفسه وهذا عظيم نعوذ بالله منه وهذه كلها براهين كافية لمن عقل وبالله تعالى التوفيق والحمد لله رب العالمين

الكلام في الوجه واليد والعين والجنب والقدم والتنزل والعزة والرحمة والأمر والنفس والذات والقوة والقدرة والأصابع

قال أبو محمد قال الله عز وجل. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

فذهبت المجسمة إلى الاحتجاج بهذا في مذهبهم وقال الآخرون وجه الله تعالى إنما يراد به الله عز وجل قال أبو محمد وهذا هو الحق الذي قام البرهان بصحته لما قدمنا من إبطال القول بالتجسيم وقال أبو الهذيل وجه الله هو الله قال أبو محمد وهذا لا ينبغي أن يطلق لأنه تسمية وتسمية الله تعالى لا تجوز إلا بنص ولكنا نقول وجه الله ليس هو غير الله تعالى ولا نرجع منه إلى شيء سوى الله تعالى برهان ذلك قول الله تعالى حاكياً عمن رضي قوله. إنما نطعمكم لوجه الله. فصح يقيناً أنهم لم يقصدوا غير الله تعالى وقوله عز وجل. أينما تولوا فثم وجه الله. إنما معناه فثم الله تعالى بعلمه وقبوله لمن توجه إليه وقال تعالى. يد الله فوق أيديهم. وقال تعالى. لما خلقت بيدي. وقال تعالى. مما عملت أيدينا أنعاماً. وقال. بل يداه مبسوطتان. وقال رسول الله ﷺ عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين فذهبت المجسمة إلى ما ذكرنا مما قد سلف من بطلان قولهم فيه وذهبت المعتزلة إلى أن اليد النعمة وهو أيضاً لا معنى له لأنها دعوى بلا برهان وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مدخل في قول المجسمة بل نقول إن هذا إخبار عن الله تعالى لا يرجع من ذكر اليد إلى شيء سواه تعالى ونقر أن لله تعالى كما قال يداً ويدين وأيدي وعين وأعيناً كما قال عز وجل. ولتصنع على عيني. وقال تعالى. فإنك بأعيننا. ولا يجوز لأحد أن يصف الله عز وجل بأن له عينين لأن النص لم يأت بذلك ونقول إن المراد بكل ما ذكرنا الله عز وجل لا شيء غيره وقال تعالى حاكياً عن قول قائل. قال يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. وهذا معناه فيما يقصد به إلى الله عز وجل وفي جنب عبادته وصح عن رسول الله ﷺ وكلتا يديه يمين وعن يمين الرحمن فهو مثل قوله. وما ملكت أيمانكم. يريد وما ملكتم ولما كانت اليمين في لغة العرب يراد بها الحظ للأفضل كما قال الشماخ إذا ما راية رفعت لمحمدٍ تلقاها عرابه باليمين يريد أنه يتلقاها بالسعي الأعلى كان قوله وكلتا يديه يمين أي كل ما يكون منه تعالى من الفضل فهو الأعلى وكذلك صح عن رسول الله ﷺ أنه قال أن جهنم لا تمتلىء حتى يضع فيها قدمه وصح أيضاً في الحديث حتى يضع فيها رجله ومعنى هذا ما قد بينه رسول الله ﷺ في حديث آخر صحيح أخبر فيه أن الله تعالى بعد يوم القياممة يخلق خلقاً يدخلهم الجنة وأنه تعالى يقول للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها فمعنى القدم في الحديث المذكور إنما هو كما قال تعالى. إن لهم قدم صدق عند ربهم. يريد سالف صدق فمعناه الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم ومعنى رجله نحو ذلك لأن الرجل الجماعة في اللغة أي يضع فيها الجماعة التي قد سبق في علمه تعالى أنه يملأ جهنم بها وكذلك الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال إن قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الله عز وجل أي بين تدبيرين ونعمتين من تدبير الله عز وجل ونعمه إما كفاية تسره وإما بلاء يأجره عليه والاصبع في اللغة النعمة وقلب كل واحد بين توفيق الله وجلاله وكلاهما حكمه عز وجل وأخبر عليه السلام أن الله يبدوا للمؤمن يوم القيامة في غير الصورة التي عرفوها وهذا ظاهر بين وهو أنهم يرون صورة الحال من الهول والمخافة غير التي يظنون في الدنيا وبرهان صحة هذا القول قوله ﷺ في الحديث المذكور غير الذي عرفتموه بها وبالضرورة نعلم أننا لم نعلم لله عز وجل في الدنيا صورة أصلاً فصح ما ذكرناه يقيناً وكذلك القول في الحديث الثابت خلق الله آدم على صورته فهذه إضافة ملكٍ يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصور عليها وكل فاضل في طبقته فإنه ينسب إلى الله عز وجل كما نقول بيت الله عن الكعبة والبيوت كلها بيوت الله تعالى ولكن لا يطلق على شيء منها هذا الاسم كما يطلق على المسجد الحرام وكما نقول في جبريل وعيسى عليهما السلام روح الله والأرواح كلها لله عز وجل ملك له وكالقول في ناقة صالح عليه السلام ناقة الله والنوق كلها لله عز وجل فعلى هذا المعنى قيل على صورة الرحمن والصور كلها لله تعالى هي ملك له وخلق له وقد رأيت لابن فورك وغيره من الأشعرية في الكلام في هذا الحديث أنهم قالوا في معنى قوله عليه السلام أن الله خلق آدم على صورته إنما هو على صفة الرحمن من الحياة والعلم والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيه وأسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه وجعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان لله كل ذلك قال أبو محمد هذا نص كلام أبي جعفر السمعاني عن شيوخه حرفاً حرفاً وهذا كفر مجرد لا مرية فيه لأنه سوى بين الله عز وجل وآدم في الحياة والعلم والاقتدار واجتماع صفات الكمال فيهما والله يقول ليس كمثله شيء ثم لم يقنعوا بها حتى جعلوا سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله عز وجل ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن سجودهم لله تعالى سجود عبادة ولآدم سجود تحية وإكرام ومن قال إن الملائكة عبدت آدم كما عبدت الله عز وجل فقد اشرك ثم زاد في الأمر والنهي لآدم على ذريته كما هو لله تعالى وهذا شرك لا خفاء به ولوددنا أن نعرف ما هي صفات الكمال التي ذكر هذا الإنسان أنها اجتمعت في آدم كما اجتمعت في الله عز وجل أن هذا الإلحاد والاستخفاف بالله تعالى لا ندري كيف تكلم وأنطق لسانه من يعرف أن الله تعالى لم يكن له كفواً أحد ووالله إن صفات الكمال في الملائكة لأكثر منها في آدم وإن صفات الاثنين التي شاركوا فيها آدم عليه السلام كصفات الجن ولا فرق بين الحياة والعلم والقوة والتناسل وغير ذلك فالكل على هذا على صورة الله تعالى هذا القول الملعون قائلة ونعوذ بالله من الضلال وكذلك ما صح عن النبي ﷺ عن يوم القيامة أن الله عز وجل يكشف عن ساق فيخرون سجداً فهذا كما قال الله عز وجل في القرآن. يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود. وإنما هو إخبار عن شدة الأمر وهو الموقف كما تقول العرب قد شمرت الحرب عن الأدب سامي الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا والعجب مما ينكر هذه الأخبار الصحاح وإنما جاءت بما جاء به القرآن نصاً ولكن من ضاق علمه أنكر ما لا علم له به وقد عاب الله هذا فقال. بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله. واختلف الناس في الأمر والرحمة والعزة فقال قوم هي صفات ذات لم تزل وقال آخرون لم يزل الله تعالى الله العزيز الرحمن الرحيم بذاته وأما الرحمة والأمر فمخلوقان قال أبو محمد والرجوع عند الاختلاف إنما هو إلى القرآن وكلام رسول الله ﷺ قال تعالى. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول. وكان أمر الله مفعولا. والمفعول مخلوق بلا خلاف وقال الله تعالى. والله غالب على أمره. وبلا شك في أن المغلوب عليه مخلوق وأنه غير الغالب عليه وقال تعالى. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. وهذا بيان جلي لا إشكال فيه على أن الأمر محدث وقد قال رسول الله ﷺ يحدث من أمره ما شاء فصح بيقين أن أمر الله تعالى محدث مخلوق وقال الأشعرية لم يزل الله تعالى آمراً لكل من أمره بما يأمره به إذا وجد قال أبو محمد وهذا باطل متيقن لأنه لو كان كذلك لكان الله تعالى لم يزل آمراً لنا بالصلاة إلى بيت المقدس لم يزل آمراً لنا بأن لا نصلي إلى بيت المقدس لكن إلى الكعبة فيكون آمراً بالفعل للشيء والترك له معاً وهذا تخليط جل الله تعالى عنه وأيضاً قاله يلزمهم في نهي الله تعالى عما نهى عنه أنه لم يزل لأنه لا فرق بين أمره تعالى وبين نهيه فإن قالوا بل نهيه محدث وأمره قديم قلنا لهم ما قولكم فيمن عكس عليكم فقال بل نهيه لم يزل وأما أمره فمحدث وكلا القولين تخليط وأيضاً فإنهم مقرون بأن القديم لا يتغير ولا يبطل وقد صحح أمره تعالى لنا بالصلاة إلى بيت المقدس ثم قد بطل الأمر بذلك وعدم وانقطع فلو كان أمره تعالى لم يزل لوجب أن لا يبطل ولا يعدم وهذا كفر مجرد ممن أجازه وإن قالوا إن أمره تعالى لنا بالصلاة إلى بيت المقدس باق أبداً لم يسقط ولا نسخ ولا بطل ولا أحاله تعالى بأمر آخر كفروا بلا خلاف والذي يدخل على هذا القول الفاسد أكثر من هذا وقال تعالى. قل الروح من أمر ربي. فلو كان الأمر غير مخلوق ولم يزل لكان الروح كذلك لأنه منه ومعاذ الله من هذا ولا خلاف بين المسلمين في أن أرواحهم مخلوقة وكيف لا يكون كذلك وهي معذبة في النار أو منعمة في الجنة وقال. يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً. وصح عن رسول الله ﷺ سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال أبو محمد والمربوب مخلوق بلا شك فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل. ألا له الخلق والأمر. ورام بهذا إثبات أن الخلق غير الأمر فلا حجة له في هذا لأن الله عز وجل قال. يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك. فقد فرق الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بين الخلق والتسوية والتعديل والتصوير ولا خلاف في أن كل هذا خلق مخلوق وقال تعالى. خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم. فعطف تعالى الرزق والإماتة والإحياء على الخلق بلفظة ثم فلو كان عطف الأمر على الخلق دليلاً على أن الأمر غير الخلق لوجب ولا بد أن يكون الرزق والإماتة والإحياء والتصوير كلها غير الخلق وغير مخلوقات وهذا لا يقوله مسلم فبطل استدلالهم على أن الأمر غير مخلوق لعطفه على الخلق وقد عطف تعالى جبريل على الملائكة فليس العطف على الشيء مخرجاً له عنه إذا قام برهان على أنه داخل فيه وقد قام برهان النص بأن أمر الله تعالى مخلوق وأنه قدر مقدور مفعول وأما إذا لم يأت برهان يدخل المعطوف في المعطوف عليه فهو غيره بلا شك هذا حكم اللغة وبالله تعالى التوفيق وأما العزة فقد قال الله تعالى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون. قال أبو محمد والمربوب مخلوق بلا شك وليس قوله تعالى. فلله العزة جميعاً. بموجب أن العزة لم تزل لأنه تعالى قال. فلله المكر جميعاً. وقال تعالى. قل لله الشفاعة جميعاً. وليس هذان النصان بلا خلاف موجبين أن الشفاعة غير مخلوق إلا أن ها هنا عزة ليست غير الله تعالى فهي غير مخلوقة وهي التي صح عن النبي ﷺ أن جبريل عليه السلام حلف بها فقال وعزتك في حديث خلق الجنة والنار قال أبو محمد ومن الباطل أن يحلف جبريل بغير الله عز وجل وأما الرحمة فقد قال رسول الله ﷺ أن الله خلق مائة رحمة فقسم في عباده رحمة واحدة فبها يتراحمون ورفع التسعة والتسعين ليوم القيامة يرحم بها عباده أو كما قال عليه السلام وهذا رفع للإشكال جملة في أن الرحمة مخلوقة ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن إدخال الله عز وجل الجنة من أدخله فيها برحمته تعالى وأن بعثته محمداً ﷺ رحمة لمن آمن به وكل ذلك مخلوق بلا شك وأما القدرة والقوة فقد قال عز وجل. ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة. وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي حدثنا القربري حدثنا محمد ابن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا معن بن عيسى حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الموال سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن قال أخبرني جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ﷺ يعلم أصحابه الاستخارة فذكر الحديث وفيه اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك قال أبو محمد والقول في القدرة والقوة كالقول في العلم سواء بسواء في اختلاف الناس على تلك الأقوال وتلك الحجاج ولا فرق وقولنا في هذا هو ما قلناه هنالك من أن القدرة والقوة لله تعالى حقاً وليستا غير الله تعالى ولا يقال هما الله تعالى وقال تعالى. كتب على نفسه الرحمة. وقال تعالى. ويحذركم الله نفسه. فنفس الله تعالى إخبار عنه لا عن شيء غيره أصلاً فإن ذكر ذاكر قول الله عز وجل حكاية عن عيسى عليه السلام أنه يقول لربه تعالى. تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. قلنا هذا على ظاهره وعلى الحقيقة لأن كل غيب فهو معلوم في علم الله العليم بكل شيء فجرى الكلام على ما يتخاطب به الناس مما لا يتوصلون إلى العبارة عما يريدون لا به وهذا معهود من القول أن يقول القائل نفس الشيء وحقيقته يراد بذلك الشيء لا ما سواه وكذلك القول في الذات ولا فرق فقوله عليه السلام ولا أعلم ما في نفسك إنما معناه بلا شك ولا أعلم ما عندك وما في علمك وصح عن رسول الله ﷺ أنه أخبر أن الله تعالى ينزل كل لية إذا بقي ثلث الليل إلى سماء الدنيا قال أبو محمد وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء وإن تلك الساعة من مظان القبول والإجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين وهذا معهود في اللغة تقول نزل فلان عن حقه بمعنى وهبه لي وتطول به علي ومن البرهان على أنه صفة فعل لا صفة ذات أن رسول الله ﷺ علق التنزل المذكور بوقت محدود فصح أنه فعل محدث في ذلك الوقت مفعول حينئذٍ وقد علمنا أن ما لم يزل فليس متعلقاً بزمان البتة وقد بين رسول الله ﷺ في بعض ألفاظ الحديث المذكور ما ذلك الفعل وهو أنه ذكر عليه السلام أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك وأيضاً فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق وأما من جعل ذلك نقلة فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده ولو انتقل تعالى لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان وهذه صفة المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله وعبده ﷺ إذا بين لقومه بنقلة القمر أنه ليس رباً فقال. فلما أفل قال لا أحب الآفلين. وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه تعالى الله عن هذا وكذلك القول في قوله تعالى. وجاء ربك والملك صفاً صفاً. وقوله تعالى. هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر. فهذا كله على ما بينا من أن المجيء والإتيان يوم القيامة فعل يفعله الله تعالى في ذلك اليوم يسمى ذلك الفعل مجيئاً وإتياناً وقد روينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال وجاء ربك إنما معناه وجاء أمر ربك قال أبو محمد لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل القرآن وفي سائر اللغات وفي وجود العقل وفي ضرورة الحس إلا أعراضاً محمولة في الموصوفين فإذا جوزوها غير أعراض بخلاف المعهود فقد تحكموا بلا دليل إذ إنما يصار إلى مثل هذا فيما ورد به نص ولم يرد قط نص بلفظ الصفات ولا بلفظ الصفة فمن المحال أن يؤتى بلفظ لا نص فيه يعبر به عن خلاف المعهود وقال تعالى. للذين لايؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم. ثم قال تعالى. فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون. فلو ذكروا الأمثال مكان الصفات لذكر الله تعالى لفظة المثل لكان أولى ثم قد بين الله تعالى غاية البيان فقال فلا تضربوا لله الأمثال وقد أخبر الله تعالى بأن له المثل الأعلى فصح ضرورة أنه لا يضرب له مثل إلا ما أخبر به تعالى فقط ولا يحل أن يزاد على ذلك شيء أصلاً وبالله تعالى التوفيق

الكلام في المائية

قال أبو محمد ذهب طوائف من المعتزلة إلى أن الله تعالى لا مائية له وذهب أهل السنة وضرار بن عمر وإلى أن الله تعالى مائية قال ضرار لا يعلمها غيره قال أبو محمد والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن له مائية هي أنيته نفسها وأنه لا جواب لمن سأل ما هو الباري إلا ما أجاب به موسى عليه السلام إذ سأله فرعون وما رب العالمين ونقول أنه لا جواب ها هنا لا في علم الله تعالى ولا عندنا إلا ما أجاب به موسى عليه السلام لأن الله تعالى حمد ذلك منه وصدق فيه ولو لم يكن جواباً صحيحاً تاماً لا نقص فيه لما حمده الله واحتج من أنكر المائية بأن قال لا تخلو المائية من أن تكون هي الله أو تكون غيره فإن كانت غيره والمائية لم تزل فلم يزل مع الله تعالى غيره وهذا شرك وكفر قالوا وإن كانت هو هي وكنا لا نعلمها فقد صرنا لا نعلم الله عز وجل وهذا إقرار بأننا نجهله والجهل بالله تعالى كفر به وقالوا لو أمكن أن تكون له مائية لكانت له كيفية قال أبو محمد وهذا من جهلهم بحدودالكلام وبمواقع الأسماء على المسميات إذ مائية الشيء إنما هي الجواب في سؤال السائل بما هو وهذا سؤال عن حقيقة الشيء وذاته فمن أبطل المائية فقد أبطل حقيقة الشيء المسئول عنه بما هو لكن أول مراتب الإثبات فيما بيننا هي الأنبة وهي إثبات وجود الشيء فقط وهذا أمر قد علمناه وأحطنا به ولا يتبعض العلم بذلك فيعلم بعضه ويجهل بعضه ثم يتلو الالية التي هي جواب السائل بهل فيما بيننا السؤال بما هو وأما في الباري تعالى فالسؤال بما هو هو السؤال بهل هو والجواب في كليهما واحد فنقول هو حق واحد أول خالق لا يشبهه شيء من خلقه وإنما اختلفت الآنية والمائية في غير الله تعالى لاختلاف الأعراض في المسئول عنه وليس الله تعالى كذلك ولا هو حامل أعراضاً أصلاً ها هنا نقف ولا نعلم أكثر ولا ها هنا أيضاً شيء غير هذا إلا ما علمنا ربنا تعالى من سائر أسمائه كالعليم والقدير والمؤمن والمهيمن وسائر أسمائه وقد أخبر تعالى على لسان نبيه ﷺ أن له تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد قال تعالى ولا يحيطون به علماً قال أبو محمد وهذا كلام صحيح على ظاهره إذ كل ما أحاط به العلم فهو متناه محدود وهذا منفي عن الله عز وجل وواجب في غيره لوقوع العدد المحاط به في إعراض كل ما دونه تعالى ولا يحاط بما لا حدود له ولا عدد له فصح يقيناً أننا نعلم الله عز وجل حقاً ولا نحيط به علماً كما قال تعالى قال أبو محمد فالآلية في الله تعالى هي المائية التي أنكرها أهل الجهل بحقائق الأمور وبالقرآن وبالسنن نحمد الله عز وجل على ما من به علينا من تيسيرنا لاتباع كتابه وتدبره وطلب سنن نبينا محمد ﷺ والوقوف عندهما ومعرفتنا بأن العقل لا يحكم به على خالقه لكن يفهم به أوامره تعالى ويميز به حقائق ما خلق فقط وما توفيقنا إلا بالله وأما قولهم لو كانت له مائية لكانت له كيفية فكلام قوم جهال بالحقائق وقد بينا وبان لكل ذي عقل أن السؤال بما هو الشيء غير السؤال بكيف هو الشيء وأن المسئول عنه بإحدى اللفظتين المذكورتين غير المسئول عنه بالأخرى وأن الجواب عن إحداهما غير الجواب عن الأخرى وبيان ذلك أن السؤال بما هو إنما هو سؤال عن ذاته واسمه وأن السؤال بكيف هو إنما هو سؤال عن حاله وأعراضه وهذا لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى فلاح الفرق ظاهراً وبالله تعالى التوفيق

مسائل في السخط والرضا والعدل والصدق والملك والخلق والجود والإرادة والسخاء والكرم وما يخبر عنه تعالى بالقدرة عليه وكيف يصح السؤال في ذلك كله

قال أبو محمد نقول لم يزل الله تعالى عالماً بأنه سيسخط على الكفار وسيرضى على المؤمنين وسيعذب بالنار من عصاه وسينعم بالجنة من أطاعه وسيعدل إذا حكم وسيصدق إذا أخبر ولم يزل عالماً بأنه سيخلق ما يخلق وأنه رب ما يخلق من العالمين ومالك كل شيء ويوم الدين وأن له ملك كل ما يخلق لأن كل ما ذكرنا يقتضي وجود كل ما علق به وكل ما علق به محدث لم يكن ثم كان ولم يزل تعالى عليماً بكل ذلك وأنه سيكون كل ما يكون على ما هو كائن عليه إذا كونه وأما الإرادة فقد أثبتها قوم من صفات الذات وقالوا لم تزل الإرادة ولم يزل الله تعالى قال أبو محمد وهذا خطأ لبرهانين ضروريين أحدهما أن الله تعالى لم ينص على أنه مريد ولا على أن له إرادة وقد قدمنا البرهان فيما سلف من كتابنا على أنه لا يجوز أن يشتق لله أسماء ولا صفات وأوردنا من ذلك أنه لا يقال أنه تعالى متبارك ويقال تبارك الله ولا يقال أنه مستهزىء ويقال الله يستهزىء بهم ولا أنه عاقل وكذلك لا يجوز أن يقال أنه تعالى باق ولا دائم ولا ثابت ولا سخي ولا جواد لأنه تعالى لم يسم به نفسه لكن يقال المتعالي كما قال تعالى ويقال هو الكريم الغني ولا يقال الموسر ويقال هو القوي ولا يقال الجلد ويقال لم يزل ولا زال هو الأول والآخر والظاهر والباطن ولا يقال هو الخفي ولا الغائب ولا البارز ولا المشتهر ويقال هو الغالب على أمره ولا يقال هو الظافر والمعني في كل ما ذكرنا من اللغة واحد فمن أطلق عليه تعالى بعض هذه الصفات والأسماء ومنع من بعضها فقد ألحد في أسمائه عز وجل وأقدم إقداماً عظيماً نعوذ بالله من ذلك وأيضاً فإن الإرادة من الله تعالى لو كانت لم تزل لكان المراد لم يزل بنص القرآن لأن الله عز وجل قال. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فأخبر تعالى أنه إذا أراد الشيء كان وأجمع المسلمون على تصويب قول من قال ما شأ الله كان والمشيئة هي الإرادة فصح بما ذكرنا صحة لا شك فيها أن الواجب أن يقال أراد الله كما قال تعالى إذا أراد شيئاً ونقول أنه تعالى يريد ما أراد ولا يريد ما لم يرد كما قال تعالى. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وقال تعالى. أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم وإذا أراد الله بقوم سوءًا. وقال تعالى. فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً. فنحن نقول كما قال الله تعالى أراد ويريد ولم يرد ولا يريد ولا نقول أن له إرادة ولا أنه مريد لأنه لم يأت نص من الله تعالى بذلك ولا من رسوله ﷺ ولا جاء ذلك قط من أحد من السلف رضي الله عنهم أجمعين ولا بحدود الكلام وحقائق مائيات المخلوقات وكيفياتها فهم يتبعون ما ترآى لهم ويقتحمون المهالك بلا هدىً من الله عز وجل نعوذ بالله من ذلك وقد قال تعالى. ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. فنص تعالى على أن من لم يرد ما اختلف فيه إلى كتابه وإلى كلام رسوله ﷺ وإلى إجماع العلماء من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ولا من سلك سبيلهم بعدهم فلم يعلم ما استنبطه بظنه ورأيه وليس ننكر المحاجة على القصد إلى تبيين الحق وتبينه بل هذا هو العمل الفاضل الحسن وإنما ننكر الإقدام في الدين بغير برهان من قرآن أو سنة أو إجماع بعد أن أوجبه برهان الحس وأول بديهة العقل والنتائج الثابتة من مقدماته الصحيحة من صحة التوحيد والنبوة فإذا ثبتا بما ذكرنا فضرورة العقل توجب الوقوف عند جميع ما قاله لنا الرسول الذي بعثه الله تعالى إلينا وأمرنا بطاعته وأن لا يعترض عليه بالظنون الكاذبة والآراء الفاسدة والقياسات السخيفة والتقليد المهلك فإن قال قائل وما الذي يمنع من أن نقول لم يزل الله مريداً لما أراد كونه إذا كونه قلنا وبالله تعالى التوفيق يمنع من ذلك أن الله عز وجل أخبر نصاً بأنه إذا أراد شيئاً كونه فكان فلو كان تعالى لم يزل مريداً لكان لم يزل ما يريد وهذا إلحاد ويقال لهم أيضاً وما الفرق بينكم وبين من عكس قولكم فقال لم يزل الله تعالى غير مريد لأن يخلق حتى خلق وهذا لا انفكاك منه قال أبو محمد ولو أن قائلاً يقول أن الخلق هو المراد كونه من الله تعالى فهو مراد الله تعالى وهو الإرادة نفسها وأنه لا إرادة له إلا ما خلق لما أنكرنا ذلك وإنما ننكر قول من يجعل الإرادة صفة ذات لم تزل لأنه يصف الله تعالى بما لم يصف الله تعالى به نفسه وقول من يجعلها صفة فعل وأنها غير الخلق لأنه يلزمه أن تلك الإرادة إما مرادة مخلوقة وإما غير مرادة ولا مخلوقة فإن قال هي مرادة مخلوقة قيل له أهي مرادة بإرادة هي غيرها ومخلوقة بخلق هو غيرها أم لا بإرادة ولا بخلق فإن قال هي مرادة بلا إرادة أتى بالمحال الذي يبطله العقل ولم يأت به نص فيلزمه الوقوف عنده وكذلك قوله مخلوقة بغير خلق وإن قال هي مرادة بإرادة هي غيرها ومخلوقة بخلق هو غيرها لزمه في إرادة الإرادة وخلق خلقها ما ألزمناه في الإرادة وفي خلقها وهكذا أبداً وهذا يوجب وجود محدثات لا نهاية لعددها وهذا هو قول الدهرية الذي أبطله الله تعالى بضرورة العقل والنص على ما بينا في صدر كتابنا وبالله تعالى التوفيق فإن قال إن الإرادة ليست مرادة ولا مخلوقة أتى بقول يبطله ضرورة العقل لأن القول بإرادة غير مرادة ولا مخلوقة أتى بقول يبطله ضرورة العقل لأن القول بإرادة غير مرادة محال غير موجود لا بحس فيما بيننا ولا بدليل فيما غاب عنا فهو قول بمجرد الدعوى فهو باطل ضرورة وكذلك يلزمه إن قال أنها محدثة غير مخلوقة ما يلزم من قال أن العالم محدث لا محدث له وقد تقسم بطلان هذا القول بالبراهين الضرورية وبالله تعالى التوفيق وأما تسمية الله عز وجل جواداً سخياً أو صفته تعالى بأن له تعالى جوداً وسخاءً فلا يحل ذلك البتة ولو أن المعتزلة المقدمين على تسمية ربهم جواداً يكون لهم علم بلغة العرب أو بحقيقة الأسماء ووقوعها على المسميات أو بمعاني الأسماء والصفات ما أقدموا على هذه العظيمة ولا وقعوا في الائتساء بالكفار القائلين أن علة خلق الله تعالى لما خلق إنما هي جودة حتى أوقعهم ذلك في القول بأن العالم لم يزل ولكن المعتزلة معذورون بالجهل عذراً يبعدهم عن الكفر ولا يخرجهم عن الإيمان لا عذراً يسقط عنهم الملامة لأن التعلم لهم معروض ممكن ولكن لا هادي لمن أضل الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد والمانع من ذلك وجهان أحدهما أنه تعالى لم يسم بذلك نفسه ولا وصف به نفسه ولا يحل لأحد أن يتعدى حدود الله لاسيما فيما لا دليل فيه إلا النص فقط والوجه الثاني أن الجود والسخاء في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى وبها نتفاهم مرادنا إنما هما لفظان واقعان على بذل الفضل عن الحاجة لا يعبر بلفظ الجود والسخاء إلا عن هذا المعنى وهذا المعنى مبعد عن الله عز وجل لأنه تعالى لا يحتاج إلى شيء فيكون له فضل ببذله فيسمى ببذله له سخياً وجواداً ويوصف من أجل بذله بجود وسخاءٍ أو يكون بمنعه بخيلاً أو شحيحاً أو موصوفاً ببخل أو شح قال أبو محمد ولا يختلف اثنان من كل من في العالم في أن امرءًا له ماء عذب حاضر لا يحتاج إليه وطعام عظيم فاضل لا حاجة به إليه ورأى رجلاً من عرض الناس أو عبداً من عبيده يموت جوعاً وعطشاً فلم يسقه ولا أطعمه فإنه في غاية البخل والشح والقسوة والظلم والله تعالى يرى كثيراً من عباده وأطفالاً من أطفالهم لا ذنب لهم وهم يموتون جوعاً وعطشاً وعنده مخادع السموات وخزائن الأرض ولا يرحمهم بنقطة ماء ولا لقمة طعام حتى يموتوا كذلك ولا يوصف من أجل ذلك بشح ولا بخل ولا ظلم ولا قسوة بل هو أرحم الراحمين والرحيم الكريم والذي لا يظلم ولا يجور كما سمى نفسه فبطل قياسهم الفاسد في الصفات الغائب عندهم على الشاهد وبطل أن يوصف الله عز وجل بشيءٍ من ذلك وليس لأحد أن يحيل الأسماء اللغوية عن موضعها في اللغة إلا أن يأتي نص بإحالة شيءٍ من ذلك فيوقف عنده ومن تعدى هذا الحكم فإنه مبطل للتفاهم كله نعم وللحقائق بأسرها إلا أنه لا يعجز أحد عن أن يسمي الباطل حقاً والحق باطلاً وأن يحيل الأسماء كلها عن مواضعها وهذا خروج عن الشرائع والمعقول ولكننا نقول أنه كريم كما قال تعالى ولا يبعد عنا أن تسمى نعم الله على عباده على عباده كرماً وأن الله تعالى كريماً نستحسن إطلاق ذلك ونسميها أيضاً فضلاً. قال الله تعالى. ذلك فضل الله. وقد ثبت النص بأن له تعالى كرماً وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد أنا إبراهيم بن أحمد أنبأنا الفربري أنا البخاري قال لي خليفة بن خياط أنا يزيد بن زريع أنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك وعن معتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال لا يزال يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قد قد بعزتك وكرمك قال أبو محمد وقد اضطرب الناس في السؤال عن أشياء ذكروها وسألوا هل يقدر الله تعالى عليها أم لا واضطربوا أيضاً في الجواب عن ذلك قال أبو محمد ونحن مبينون بحول الله وقوته وجه تحقيق السؤال عن ذلك وتحقيق الجواب فيه دون تخليط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فنقول وبالله تعالى التوفيق أن السؤال إذا حقق بلفظ يفهم السائل منه مراد نفسه ويفهم المسئول مراد السائل عنه فهو سؤال صحيح والجواب عنه لازم ومن أجاب عنه بأن هذا سؤال فاسد وأنه محال فإنما هو جاهل بالجواب منقطع متسلل عنه وأما السؤال الذي يفسد بعضه بعضاً وينقض آخره أوله فهو سؤال فاسد لم يحقق بعد وما لم يحقق السؤال عنه فلم يسأل عنه وما لم يسأل عنه فلا يلزم عنه جواب على مثله فهاتان قضيتان جامعتان وكافيتان في هذا المعنى لا يشذ عنهما شيء منه إلا أنه لابد من جواب ببيان حوالته لا على تحقيقه ولا على تشكله ولا على توهمه وبالله تعالى التوفيق ثم نحد المسئول عنه في هذا الباب بحدٍ جامع بحول الله تعالى وقوته فيرتفع الإشكال في هذه المسألة إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق وبه نتأيد أن الشيء المسئول عنه في هذا الباب إن كان إنما سأل السائل عن القدرة على إحداث فعل مبتدأ أو على إعدام فعل مبتدأ فالمسئول عنه مقدور عليه ولا تحاشى شيئاً والسؤال صحيح والجواب عنه بنعم لازم وإن كان المسئول عنه ما لا ابتدأ له فالسؤال عن تغييره أو إحداثه أو إعدامه سؤال متفاسد لا يمكن السائل عنه فهم معنى سؤاله ولا تحقيق سؤاله وما كان هكذا لا يلزم الجواب عنه على تحقيقه ولا على تشكله لأن الجواب عن التشكل لا يكون إلا عن سؤال وليس ها هنا سؤال أصلاً ثم نقول وبالله تعالى نتأيد أن من الواجب أن نبين بحول الله تعالى وقوته ما المحال وعلى أي معنى تقع هذه اللفظة وعما ذا يعبر با عنه فإن من قام بشيء ولم يعرف تحقيق معناه فهو في غمرات من الجهل فنقول وبالله تعالى نتأيد إن المحال ينقسم أربعة أقسام لا خامس لها أحدها محال بالإضافة والثاني محال في الوجود والثالث محال فيما بيننا في بنية العقل عندنا والرابع محال مطلق فالمحال بالإضافة مثل نبات اللحية لابن ثلاث سنين وإحباله امرأة وكلام الأبله الغبي في دقائق المنطق وصوغه الشعر العجيب وما أشبه هذا فهذه المعاني موجودة في العالم ممن هي ممكنة منه ممتنعة من غيرهم وأما المحال في الوجود فكانقلاب الجماد حيواناً والحيوان جماداً أو حيواناً آخر وكنطق الحجر واختراع الأجسام وما أشبه هذا فإن هذا كله ليس ممكناً عندنا البتة ولا موجوداً ولكنه متوهم في العقل متشكل في النفس كيف كان يكون لو ن وبهذين القسمين تأتي الأنبياء عليهم السلام في معجزاتهم الدالة على صدقهم في النبوة وأما المحال فيما بيننا في بنية العقل فكون المرء قائماً قاعداً لا قاعداً معاً وسائر ما لا يتشكل في العقل فيما يقع فيه التأثير لو أمكن فيما دون الباري عز وجل فهذه الوجوه الثلاثة من سأل عنها أيقدر الله تعالى عليها فهو سؤال صحيح مفهوم معروف وجهه يلزم الجواب عنه بنعم إن الله قادر على ذلك كله إلا أن المحال في بنية العقل فيما بيننا لا يكون البتة في هذا العالم لا معجزة لنبي ولا بغير ذلك البتة هذا واقع في النفس بالضرورة ولا يبعد أن يكون الله تعالى يفعل هذا في عالم له آخر وأما المحال المطلق فهو كل سؤال أوجب على ذات الباري تغييراً فهذا هو المحال لعينه الذي ينقض بعضه بعضاً ويفسد آخره أوله وهذا النوع لم يزل محالاً في علم الله تعالى ولا هو ممكن فهمه لأحد وما كان هكذا فليس سؤالاً ولا سأل سائله عن معنى أصلاً وإذا لم يسأل فلا يقتضي جواباً على تحقيقه أو توهمه لكن يقتضي جواباً بنعم أو لا لئلا ينسب بذلك إلى وصفه تعالى بعدم القدرة الذي هو العجز بوجه أصلاً وإن كنا موقنين بضرورة العقل بأن الله تعالى لم يفعله قط ولا يفعله أبداً وهذا مثل من سأل أيقدر الله تعالى على نفسه أو على أن يجهل أو على أن يعجز أو أن يحدث مثله أو على إحداث ما لا أول له فهذه سؤالات تفسد بعضها بعضاً تشبه كلام الممرورين والمجانين وكلام من لا يفهم وهذا النوع لم يزل الله تعالى يعلمه محالاً ممتنعاً باطلاً قبل حدوث العقل وبعد حدوثه أبداً وأما المحال في العقل وهو القسم الثالث الذي ذكرنا قبل فإن العقل مخلوق محدث خلقه الله تعالى بعد أن لم يكن وإنما هو قوة من قوى النفس عرض محمول فيها أحدثه الله تعالى وأحدث رتبه على ما هي عليه مختاراً لذلك تعالى وبضرورة العقل نعلم أن من اخترع شيئاً لم يكن قط لا على مثال سلف ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه لكن اختار أن يفعله فإنه قادر على ترك اختراعه قادر على اختراع غيره مثله أو خلافه ولا فرق بين قدرته على بعض ذلك وبين قدرته على سائره فكل ما خلقه الله تعالى محالاً في العقل فقط فإنما كان محالاً مذ جعله الله تعالى محالاً وحين أحدث صورة العقل لا قبل ذلك فلو شاء تعالى أن لا يجعله محالاً لما كان محالاً وكذلك من سأل هل يقدر الله تعالى على أن يجعل شيئاً موجوداً معدوماً معاً في وقت واحد أو جسماً في مكانين أو جسمين في مكان وكل ما أشبه هذا فهو سؤال صحيح والله تعالى قادر على كل ذلك لو شاء أن يكونه لكونه ومن البرهان على ذلك ما نراه في منامنا مما لا شك أنه محال في حال اليقظة ممتنع يقيناً ونراه في منامنا ممكناً محسوساً مرئياً ببصر النفس مسموعاً بسمعها فبالضرورة يدري كل ذي حس أن الذي جعل المحال ممكناً في النوم كان قادراً على أن يوجده ممكناً في اليقظة وكذلك من سأل هل الله تعالى قادر على أن يتخذ ولداً فالجواب أنه تعالى قادر على ذلك وقد نص عز وجل على ذلك في القرآن قال الله تعالى. لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء. وكذلك قال تعالى. لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين. قال أبو محمد ومن لم يطلق أن الله عز وجل يقدر على ذلك وحسن قوله بأن قال لا يوصف الله بالقدرة على ذلك فقد قطع بأن الله عز وجل لا يقدر إذ لا واسطة فيمن يوصف بالقدرة على شيء ما ثم وصف في شيء آخر بأنه لا يقدر عليه فقد خرج من أنه لا يقدر عليه وإذا وجب أن لا يقدر فقد ثبت أنه عاجز ضرورة عما لا يقدر عليه ولابد ومن وصف الله تعالى بالعجز فقد كفر وأيضاً فإن من قال لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال فقد جعل قدرته سبحانه وتعالى متناهية وجعل قوته عز وجل منقطعة محدودة وملزومة بذلك ضرورة أن قوته تعالى متناهية عرض وأنه تعالى فاعل بطبيعة فيه متناهية وهذا تحديد للباري عز وجل وكفر به مجرد وادخال له في جملة المخلوقين ومعنى قولنا أن الله تعالى يقدر على المعدوم وعلى المحال إنما هو ما نبينه إن شاء الله تعالى وهو أن سؤال السائل عن المحال وعن المعدوم وهو بلا شك سؤال موجود مسموع ملفوظ به فجوابنا له هو أنا حققنا أن الله تعالى قادر على أن يخلق لذلك اللفظ معنى يوجده وهذا جواب صحيح معقول وهذا قولنا وليس إلا هذا القول وقول على الأسواري الذي يقول أن الله تعالى لا يقدر على غير ما علم أنه يفعله جمله وأما من خالفنا وخالف الأسواري فلا بد له من الرجوع إلى قولنا أو الوقوع في قول الأسواري وإن زعم لأنه متى ما وصف الله تعالى بالقدرة على شيء لم يفعله من إبراء مريض أو خلق شيء أو تحريك شيء ساكن فإنه قدر وصفه بالقدرة على إحالة علمه وتكذيب حكمه وتكذيب حكمه وهذا هو المحال فقد قال بقولنا ولا بد أو بقول الأسواري ولابد وأما كل سؤال أدى إلى القول في ذاته عز وجل فإننا نقول إن كل ما سأل عنه سائل لا نحاشي شيئاً فإن الله تعالى قادر عليه غير عاجز عنه إلا أن من السؤالات سؤالات لا يستحل سماعها ولا يستحل النطق بها ولا يحل الجلوس حيث يلفظ بها وهي كل ما فيها كفر بالباري تعالى واستخفاف به أو بنبي من أنبيائه أو بملك من ملائكته أو بآية من آياته عز وجل قال عز وجل. أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم. وقال عز وجل. قال أبو محمد ولو أن سائلاً سالنا هل الله قادر على أن يمسخ هذا الكافر قرداً أو كلباً لقلنا نعم ولو أنه أراد أن يسألنا هذا السؤال فيمن يلزمنا تعظيمه من ملك أو نبي أو صاحب نبي أو مسلم فاضل لم يحل لنا الاستماع إليه ولكنا قد أجبناه جواباً كافياً بأن الله تعالى قادر على كل ما يسأل عنه لا نحاشى شيئاً فمن تمادى بعد هذا الجواب الكافي فإنما غرضه التشنيع فقط والتمويه وهذان من دلائل العجز عن المناظرة والانقطاع والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد والناس في هذا الباب على أقسام فمبدؤها من الطرف قول من قال لا يوصف الله تعالى بالقدرة على غير ما يفعل وهو قول على الأسواري أحد شيوخ المعتزلة واعلموا أنه لابد لكل من منع من أن يقدر الله تعالى على محال أو على شيء مما يسال عنه السائل فلابد ضرورة من المصير إلى هذا القول وظهور تناقضه وتفاسد قوله وخروجه إلى المحال البحث الذي فر عنه بزعمه على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى قال أبو محمد وقد قالت طائفة بمعنى هذا القول إلا أنها استشنعت عبارة الأسواري فقالت إن الله تعالى قادر على كل شيء ولكن إن سألنا سائل فقال أيقدر الله تعالى على أمر كذا مع تقدم علمه بأنه لا يكون قالوا فالجواب أنه تعالى لا يوصف بالقدرة على ذلك قال أبو محمد وهذا الإخفاء لأنهم أوجبوا قدرته وأعدموها على شيء واحد وهو الباطل بلا خفاء وقالت طائفة إن الله تعالى قادر على غير ما فعل إلا أنه لا يوصف بالقدرة على أصلح مما فعل بعباده وهو قول جمهور المعتزلة وقالت طائفة أن الله تعالى قادر على غير ما فعل إلا أنه لا يقدر على الظلم ولا على الجور ولا على اتخاذ الولد ولا على إظهار معجزة على يد كذاب ولا على شيء من المحال ولا على نسخ التوحيد وهذا قول النظام وأصحابه والأشعرية وإن كانوا مختلفين في مائية الظلم وقالت طائفة أن الله تعالى قادر على غير ما فعل وعلى الجور والظلم والكذب إلا أنه لا يقدر على المحال مثل أن يجعل الشيء معدوماً موجوداً معاً وقائماً قاعداً معاً أو في مكانين معاً وهذا قول البلخي وطوائف من المعتزلة قال أبو محمد والذي عليه أهل الإسلام كلهم ومن سلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم قبل أن تحدث هذه الضلالات وهذا الإقدام الشنيع الذي لولا ضلال من ضل به ما انطلقت ألسنتنا به ولا سمحت أيدينا بكتابته ولكنا نحكيه حكاية الله ضلال من ضل فقال المسيح ابن الله والعزير ابن الله ويد الله مغلولة والله فقير ونحن أغنياء وإذ قال للإنسان اكفر وكما أنذر رسوله ﷺ بأن الناس لا يزالون يتساءلون فيما بينهم حتى يقولوا هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله فقول أهل الإسلام عامتهم وخاصتهم قبل ما ذكرنا هو أن الله تعالى فعال لما يشاء وعلى كل شيء قدير وبهذا جاء القرآن وكل مسئول عنه وإن بلغ الغاية من قال أبو محمد وقال لي بعضهم إن القرآن إنما جاء بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ونحن لا ننكر هذا وإنما نمنع من أن يوصف الله تعالى بالقدرة على ما لا يشاء وبالقدرة على ما ليس بشيء فقلت له قد قال الله تعالى يرزق من يشاء ويقدر فعم عز وجل ولم يخص فلا يحل لأحد تخصيص قدرته تعالى أصلاً وقال تعالى. قل إن الله قادر على أن ينزل آية. وقال تعالى. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين. وقال تعالى. إنا لقادرون على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون. وقال تعالى. ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون. وقال تعالى. أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى. وقال تعالى عن نوح النبي ﷺ أنه قال. استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً. مع قوله تعالى. إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. وقال تعالى. قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم. وقال تعالى. عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن. فهذا نص على أن يفعل خلاف ما سبق في علمه من هدى من علم أنه لا يهديه ومن تعذيب من علم أنه لا يعذب أبداً وتبديل أزواج قد علم أنه لا يبدلهن أبداً وكل هذا نص على قدرته على إبطال علمه الذي لم يزل وعلى تكذيب قوله الذي لا يكذب أبداً ومثل هذا في القرآن كثير فمن أعجب قولاً وأتم ضلالة ممن يوجب بقوله إن الله تعالى كذب وأنه تعالى مع ذلك غير قادر على الكذب مع قوله تعالى. عند مليك مقتدر. وقال تعالى. هو العليم القدير. وقوله تعالى. وكان الله عليماً قديراً. فأطلق تعالى لنفسه القدرة وعم ولم يخص فلا يجوز تخصيص قدرته بوجه من الوجوه قال أبو محمد فإن قال قائل فما يؤمنكم إذ هو تعالى قادر على الظلم والكذب والمحال من أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فتبطل الحقائق كلها ولا تصح ويكون كلما أخبرنا به كذباً قال أبو محمد وجوابنا في هذا هو أن الذي أمننا من ذلك ضرورة المعرفة التي قد وصفها الله تعالى في نفوسنا كمعرفتنا أن ثلاثة أكثر من اثنين وأن المميز مميز والأحمق أحمق وأن النخل لا يحمل زيتوناً وأن الحمير لا تحمل جمالاً وأن البغال لا تتكلم في النحو والشعر والفلسفلة وسائر ما استقر في النفوس علمه ضرورة وإلا فليخبرونا ما الذي أمنهم ما ذكرنا ولعله قد كان أو سيكون ولا فرق فإذ قد صح إطباق كل من يقر بالله من جميع الملل أن هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه مع موافقته أكثر المخالفين لنا على أن هذا كله فإن الله تعالى قادر عليه ولكن لا يفعله فالذي أمنهم من أنه تعالى يفعله هو الذي أمننا من أن نفعل ما قالوا لنا فيه لعله قد فعله أو سيفعله ولا فرق وإن هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه وأنه تعالى لا يجور ولا يكذب وبالضرورة الموجبة علمنا القول بحدوث العالم وبأن له صانعاً لا يشبهه لم يزل وبان ما ظهر من الأنبياء عليهم السلام فمن عنده تعالى وأن تلك المعجزات موجبة تصديقهم وهم أخبرونا أن الله تعالى لا يكذب ولا يظلم وأنه تعالى قد أخبرنا بأنه قد تمت كلماته صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وأنه تعالى قادر وليس كل ما يقدر عليه يفعله فإن كان السائل من هذا متديناً بدين الإسلام أو النصارى أو اليهود أو المجوس أو الصابئين أو البراهمة أو كل من يدين بأن الله حق فإنهم مجمعون على أنه تعالى لا يكذب ولا يظلم وكل من نفى الخالق فليس فيهم أحد يقول أنه يظلم أو يكذب فقد صح إطباق جميع سكان الأرض قديماً وحديثاً لا نحاشي أحداً على أن الله تعالى لا يظلم ولا يكذب فلو لم يكونوا مضطرين إلى القول بهذا لوجد فيهم ولو واحد يقول بخلاف ذلك ومن المحال أن تجتمع طبائعهم كلهم على هذا إلا لضرورة وضعها الله عز وجل في نفوسهم كضرورتهم إلى معرفة ما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وأيضاً فنقول لمن سأل هذا السؤال أيمكن أن يكون إنسان في الناس قد توسوس وأوهمته ظنونه الكاذبة وتخيله الفاسد وهوسه أن الأشياء على خلاف ما هي عليه وأن الناس على خلاف ما هم عليه ويتصور عنده هذا الظن الفاسد أنه حق لا يشك فيه أم ليس يمكن أن يكون هذا في العالم فإن قالوا لا يمكن أن يكون هذا في العالم أتوا بالمحال البحت وكابروا وإن قالوا بل هو ممكن موجود في الناس كثير من هذه صفته قيل لهم فما يؤمنكم من أن تكونوا بهذه الصفة ونقول لمن يؤمن بالله العظيم منهم أيقدر الله تعالى على أن يجيل حواسك كما فعل بصاحب الصفراء الذي يجد العسل مراً كالعلقم وبصاحب ابتداء الماء النازل في عينيه فيرى خيالات لا حقيقة لها وكمن في سمعه آفة فهو يسمع طنيناً لا حقيقة له أم لا يقدر فإن قالوا يقدر قيل له فما يؤمنك من أنك بهذه الصفة فإن قال إن كل من يحضرني يخبرني بأن لست من أهل هذه الصفة قيل له وهكذا يظن ذلك الموسوس ولا فرق فإنه لابد أن يقول إني أرى أني بخلاف هذه الصفة ضرورة وعلماً يقيناً قلنا له بمثل هذا سواء بسواء أمنا أن يكون الله يظلم أو يكذب أو يحيل طبيعة لغير نبي يفعل المحال مع قدرته على ذلك ولا فرق قال أبو محمد ويقال لجميع هذه الفرق حاشا من قال بقول علي الأسواري هل شنعتم على علي الأسواري لأنه إذا وصف الله تعالى بأنه لا يقدر على غير ما فعل فقد وصفه تعالى بالعجز ولابد فلا بد من نعم فيقال لهم فإن هذا نفسه لازم لكم في قولكم بأنه لا يقدر على الظلم والكذب ولا على المحال ولا على نفسه لازم لكم في قولكم بأنه لا يقدر على الظلم والكذب ولا على المحال ولا على نفسه أولاً أصلح مما فعل بعباده ضرورة لا ينفكون من ذلك فإن قلتم إن هذا لا يلزمنا قيل لكم ولا يعجز علي الأسواري عن أن يقول أيضاً إن هذا لا يلزمني وهذا لا انفكاك منه ويقال لهم إذا أخبر ﷺ أنه سيقيم الساعة وسيميت زيداً يوم كذا يقدر أن لايميته في ذلك اليوم وعلى أن يميته قبل ذلك اليوم أم لا فإن قالوا لا لحقوا بقول الأسواري وإن قالوا نعم أقروا أنه يقدر على تكذيب قوله وهذا هو القدرة على الكذب التي أبطلوا ونسألهم أيضاً إذ أمرنا الله تعالى بالدعاء ومنه ما قد علم أنه لا يجيب الداعي به هل أمرنا بالدعاء من ذلك فيما لا يستطيع ولا يقدر عليه أم فيما يقدر عليه فإن قالوا فيما لا يقدر عليه لحقوا بالأسواري وأوجبوا على الله تعالى القول بالمحال إذ زعموا أنه أمرنا بأن نرغب إليه في أن يفعل ما لا يقدر عليه تعالى الله عن ذلك وإن قالوا بل فيما يقدر عليه أقروا أنه يقدر على إبطال علمه والذي يدخل هذا الذي هو الكفر المجرد من إبطال دلائل التوحيد وإبطال حدوثه العالم وخلاف الإجماع غير قليل فإن قال علي الأسواري لا يلزمني إثبات العجز بنفي القدرة بل أنفي عنه الأمرين جميعاً كما قلتم أنتم أن نفيكم عنه تعالى الحركة لا يلزمه السكون ونفي السكون لا يلزمه الحركة كما تنفون عنه الضدين جميعاً من الشجاعة والجبن وسائر الصفات التي نفيتموها وأضدادها قال أبو محمد فنقول وبالله التوفيق إن هذا تمويه ضعيف لأننا نحن في نفي هذه الصفات عنه تعالى جارون على سنن واحد وفي نفي جميع صفات المخلوقين عنها كلها وأنتم قد أثبتم له قدرة على أشياء ونفيتم عنه قدرة على غيرها فوجب ضرورة إثبات العجز عنه في الأشياء التي وصفتموه بعدم القدرة عليها وأما نحن فلو وصفناه بالشجاعة في شيء أو بالحركة في وجه ما أو وصفناه بالعقل في شيء ما ثم نفينا عنه هذه الصفات في وجه آخر للزمنا حيث وصفناه بشيء منها نفي ضدها وللزمنا حيث نفينا عنه ضدها أن نثبتها له ولابد كما فعلنا في الرحمة والسخط فإننا إذا وصفناه بالرحمة لأبي بكر الصديق فقد نفينا عنه عز وجل السخط عليه وإذا نفينا عنه لأبي جهل فقد أثبتنا له بذلك السخط عليه وهذا برهان ضروري فإن موه مموه فقال ألستم تقولون أن الله تعالى لا يعلم الحي ميتاً فهل تثبتون له بنفي العلم ها هنا الجهل قلنا له وهذا أيضاً تمويه آخر بل أوجبنا له بذلك العلم حقاً لأننا إذا نفينا عنه العلم بخلاف ما الأشياء فقد أثبتنا له تعالى العلم بحقيقة ما الأشياء وهل ها هنا شيء يجهل أصلاً وإنما الجهل بشيء حق الجاهل به فقط قال أبو محمد وقد قلنا لمن ناظرنا منهم أنكم تنسبون لله تعالى علماً لم يزل فأخبرونا هل يقدر الله تعالى على أن يميت اليوم من علم أنه لا يميته إلا غداً وهل يقدر ربكم على أن يزيل الآن بنية عن مكان قد علم أنها لا تزول عنه إلا غداً وعلى رحمة من مات مشركاً مع قوله تعالى أنه لا يرحمه أصلاً أم لا يقدر على ذلك فقال لنا منهم قائل أن الله تعالى قادر على ذلك فقلنا له قد أقررتم أنه يقدر على إحالة علمه الذي لم يزل وعلى تكذيب كلامه وهذا إبطال قولكم صراحاً وقال منهم قائلون أنه تعالى قادر على ذلك ولو فعله لكان قد سبق في علمه أنه سيكون كما فعل فقلنا لهم لم نسألكم إلا هل يقدر على ذلك مع تقدم علمه أنه لا يكون فضجروا ها هنا وانقطعوا ولجأ بعضهم إلى القطع بقول علي الأسوري في أنه لا يقدر على ذلك فقلنا لهم إذا كان تعالى لا يقدر على شيء غير ما فعل ولا على نقل بنية عن موضعها فهو إذاً مضطر مجبر وذو طبيعة جارية على سنن واحد نعم ويلزم الأسواري ومن قال بقوله إن استطاعة الله ليست قبل فعله البتة وإنما هي مع فعله ولابد لأنه لو كان مستطيعاً قبل الفعل لكان قادراً على أن يفعل في الوقت الذي علم أنه لا يفعل فيه وهذا خلاف قوله نصاً وهو يقول إن الإنسان مستطيع قبل الفعل فهو أتم طاقة وقدرة من الله تعالى ويلزمه أيضاً القول بحدوث قدرة الله تعالى ولابد إذ لو كانت قدرته لم تزل لكان قادراً على الفعل قبل أن يفعل ولابد وهذا خلاف قوله وهذا كفر مجرد إذ يقول إن الإنسان قادر على غير ما علم الله تعالى أن يفعله والله تعالى لا يقدر على ذلك فإن هؤلاء جمعوا إلى تعجيز ربهم القول بأنهم أقوى منه وهذا على أشد ما يكون من الكفر والشرك والحماقة قال أبو محمد وكلهم يقول بهذا المعنى لأن جميعهم يقول إن كل مخلوق فهو قادر على كل ما يفعله من اتخاذ ولد وحركة وسكون وغير ذلك وأن الباري تعالى لا يقدر على شيء من ذلك وهذا كفر وحش جداً قال أبو محمد وسألناهم أيضاً فقلنا لهم أتقرون أن الله تعالى لم يزل قادراً على أن يخلق أم تقولون أنه لم يزل غير قادر على أن يخلق ثم قدر فقول كل من لقينا منهم وقول جميع أهل الإسلام أن الله عز وجل لم يزل قادراً على أن يخلق قال أبو محمد وهم وجميع أهل الإسلام منكرون على من قال من أهل الإلحاد أن الله تعالى لم يزل خالقاً قاطعون بأن لم يزل يخلق محال متفاسد قال أبو محمد صدقوا في ذلك إلا أنهم إذا أقروا أن قول من قال أنه لم يزل يخلق محال وأقروا أنه لم يزل قادراً على ذلك فقد أقروا بصحة قولنا وأنه تعالى قادر على المحال ولابد من هذا أو الكفر والقول بأنه تعالى لم يزل غير قادر والحمد لله على هداه لنا إلى الحق قال أبو محمد وسألناهم أيضاً فقلنا لهم هل يجوز عندكم أن يدعي الله تعالى في أن يفعل ما لا يقدر على سواه أو في أن لا يفعل ما لا يقدر على فعله فإن قالوا نعم أتوا بالمحال وإن قالوا لا يجوز ذلك قيل لهم فقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه فنقول رب احكم بالحق ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وهو عندكم لا يقدر على الحكم بغير الحق ولا أن يحملنا ما لا طاقة لنا به قال أبو محمد ومن عجائب الدنيا أنهم يسمعون الله تعالى يقول. وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله وأن الله ثالث ثلاثة وأن الله هو المسيح بن مريم والله فقير ونحن أغنياء ويد الله مغلولة وكمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر. ولا يشك مسلم في أن هذا كله كذب فأي حماقة أشنع من قول من قال إن الله قادر على أن يقول كل ذلك حاكياً ولا يقدر أن يقوله من غير أن يقول ما قيل هذه الأقوال من إضافتها إلى غيره وهذا قول يغني ذكره وسخافته عن تكلف الرد عليه قال أبو محمد ثم سألناهم فقلنا لهم من أين علمتم أن الله تعالى لا يقدر على الكذب أو المحال أو الظلم أو غير ما فعل فلم تكن لهم حجة أصلاً إلا أن قالوا لو قدر على شيء من ذلك لما أمنا أن يكون فعله أو لعله سيفعله فقلنا لهم ومن أين أمنتم أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فلم تكن لهم حجة أصلاً إلا أن قالوا لأنه لا يقدر على فعله قال أبو محمد فحصل من هذا أن حجتهم أنه تعالى لا يقدر على الظلم والكذب والمحال وغير ما فعل أنه لا يقدر على شيء من ذلك فاستدلوا على قولهم بذلك القول نفسه وهذه سفسطة تامة وحماقة ظاهرة وجهل قوي لا يرضى به لنفسه إلا سخيف العقل ضعيف الدين فلا بد ضرورة من أن يرجعوا إلى قولنا في أنه بالضرورة علمنا أنه تعالى لا يفعل شيئاً من ذلك كما قال أبو محمد وأما نحن فإن برهاننا على صحة قولنا أن البرهان قد قام على أنه تعالى لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من الأشياء والخلق عاجزون عن كثير من الأمور والعجز من صفة المخلوقين فهو منفي عن الله عز وجل جملة وليس في الخلق قادر بذاته على كل مسئول عنه فوجب أن الباري تعالى هو الذي يقدر على كل مسئول عنه وكذلك الكذب والظلم من صفات المخلوقين فوجب يقيناً أنهما منفيان عن الباري تعالى فهذا هو الذي آمننا من أن يظلم أو يكذب أو يفعل غير ما علم أنه يفعله وإن كان تعالى قادراً على ذلك وقلنا لهم أيضاً إذا كان عز وجل لا يوصف بالقدرة على إبطال علمه فكان لا يوصف بالقدرة على أمانته اليوم من علم أنه لا يميته إلا غداً لأنه لا قدرة له على ذلك ولو كان له على ذلك قدرة لوصف بها فإذا جاء غد فأماته فله قدرة على إماتته حينئذٍ فقد حدثت له قدرة بعد أن لم تكن وهذا يوجب أن قدرته تعالى حادثة وهذا خلاف قولهم قال أبو محمد وفي هذا أيضاً محال آخر وهو أنه إذا حدثت له قدرة بعد أن لم تكن فمن أحدثها له أهو أحدثها لنفسه أم غيره أحدثها له أم حدثت بلا محدث فإن قالوا هو أحدثها لنفسه سئلوا بلا قدرة أحدث لنفسه القدرة أم بقدرة أخرى فإن قالوا أحدث لنفسه قدرة بلا قدرة أتوا بالمحال وإن قالوا بل بقدرة اثبتوا قدرة لم تزل بخلاف قولهم وإن قالوا غيره أحدثها له أو حدثت بلا محدث لحقوا بقول الدهرية وكفروا وفي قولهم هذا من خلاف المعقول وخلاف القرآن وخلاف البرهان ما يضيق به نفوس المؤمنين والحمد لله على معافاته لنا مما ابتلاهم به وقالوا لو فعل تعالى كل ذلك كيف كان يسمى فقلنا هذا سؤال سخيف عما لا يكون أبداً وهو كمن سأل لو طار الإنسان كم ريشة كانت تكون له وما أشبه هذا من الحماقة المأمون كونها وتسمية الباري تعالى إليه لا إلينا وبالله تعالى التوفيق وقال أبو الهذيل العلاف إن لما يقدر الله تعالى عليه كلاً وآخراً كماله أول فلو خرج آخره إلى الفعل ولا يخرج لم يكن الله تعالى قادراً على شيء أصلاً ولا على فعل شيءٍ بوجه من الوجوه وقال عبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي ما نعلم أحداً يعتقد هذا اليوم إلا يحيى بن بشر الأرجاني وادعى أن أبا الهذيل تاب عن هذا القول قال أبو محمد وهذا كفر مجرد لا خفاء به لأنه يجوز على ربه تعالى الكون في صفة الجماد أو المخدور المفلوج مع صحة الإجماع على خلاف هذا القول الفاسد مع خلافه للقرآن ولموجب العقل وبديهته كذا عنده وأظنه لقد شبهه تعالى بالمخلوقين قال أبو محمد وأما الأسواري فجعل ربه تعالى مضطراً بمنزلة الجماد ولا فرق ولا قدرة له على غير ما فعل وهذه حال دون حال البق والبراغيث وأما أبو الهذيل فجعل قدرة ربه تعالى متناهية بمنزلة المختارين من خلقه وهذا هو التشبيه حقاً وأما النظام والأشعرية فكذلك أيضاً وجعلوا قدرة ربهم تعالى متناهية يقدر على شيءٍ ولا يقدر على آخر وهذه صفة أهل النقص وأما سائر المعتزلة فوصفوه تعالى بأنه لا نهاية لما يقدر عليه من الشر وأن قدرته على الخير متناهية وهذه صفة شر وطبيعة خبيثة جداً نعوذ بالله منها إلا بشر بن المعتمر فقوله في هذا كقول أهل الحق وهو أن لا تتناهى قدرته أصلاً والحمد لله رب العالمين