► | ☰ |
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني -الملقب بمالك الصغير- رحمه الله :
باب ما تنطق به الألسنة و تعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات
من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، وهوالعلي العظيم، العالم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير.
وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو بكل مكان بعلمه.
خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهوأقرب إليه من حبل الوريد، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى من أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة، كلم موسى بكلامه الذي هوصفة ذاته، لا خلق من خلقه، وتجلى للجبل فصار دكاً من جلاله.
وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد.
والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، كل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به ألا يعلم من خلق وهواللطيف الخبير، يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه، وقدره من شقي أوسعيد ، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أويكون لأحد عنه غنى، خالقا لكل شيء، ألا هو رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم.
الباعث الرسلَ إليهم لإقامة الحجة عليهم، ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه ﷺ، فجعله آخر المرسلين، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً، وانزل عليه كتابه الحكيم، وشرع بدينه المستقيم، وهدى به الصراط المستقيم.
وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت، كما بدأهم يعودون.
وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا على مشيئته، إن الله لا يغفر أن يشرك به ولكن يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن عاقبه الله بناره أخرجه منها بإيمانه، فأدخله في جنته، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته.
وأن الله سبحانه قد خلق الجنة وأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهي التي هبط منها آدم نبيه وخليفته في أرضه بما سبق في سابق علمه، خلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته، وكتبه، ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته.
وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابهم، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولائك يصلون سعيراً.
وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم.
والإيمان بحوض رسول الله ﷺ، ترده أمته، لا يظمأ من شرب منه، ويذاذ عنه من بدل وغير.
وأن الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، ويزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقصانها، فيكون بها النقص وبها الزيادة، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة، وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة.
وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين.
وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون، يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وأن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم، ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم، وان ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه.
وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله ﷺ وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.
والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.
واتباع السلف الصالح ، واقتفاء آثارهم ، والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدين، وترك كل ما أحدثه المحدثون.
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليماً كثيراً.