الرئيسيةبحث

العقيدة الحموية الكبرى/الصفحة الرابعة

وقال الإمام أبو عبد الله الحارث بن إسماعيل بن أسد المحاسبي في كتابه المسمى فهم القرآن قال في كلامه على الناسخ والمنسوخ:

وأن النسخ لا يجوز في الأخبار قال: لا يحل لأحد أن يعتقد أن مدح الله وصفاته ولا أسماءه يجوز أن ينسخ منها شيء. إلى أن قال: وكذلك لا يجوز إذا أخبر أن صفاته حسنة عليا أن يخبر بذلك أنها دنية سفلى فيصف نفسه بأنه جاهل ببعض الغيب بعد أن أخبر أنه عالم بالغيب وأنه لا يبصر ما قد كان ولا يسمع الأصوات ولا قدرة له ولا يتكلم ولا كلام كان منه وأنه تحت الأرض لا على العرش جل وعلا عن ذلك. فإذا عرفت ذلك واستيقنته: علمت ما يجوز عليه النسخ وما لا يجوز فإن تلوت آية في ظاهر تلاوتها تحسب أنها ناسخة لبعض أخباره كقوله عن فرعون: { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت } الآيات وقال: { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين }: وقال: قد تأول قوم: أن الله عنى أن ينجيه ببدنه من النار لأنه آمن عند الغرق وقال: إنما ذكر الله أن قوم فرعون يدخلون النار دونه وقال: { فأوردهم النار } وقال: { وحاق بآل فرعون سوء العذاب } ولم يقل بفرعون. قال: وهكذا الكذب على الله؛ لأن الله تعالى يقول: { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } كذلك قوله: { فليعلمن الله الذين صدقوا } فأقر التلاوة على استئناف العلم من الله عز وجل عن أن يستأنف علما بشيء لأنه من ليس له علم بما يريد أن يصنعه لم يقدر أن يصنعه - نجده ضرورة - قال: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } قال: وإنما قوله { حتى نعلم المجاهدين } إنما يريد حتى نراه فيكون معلوما موجودا؛ لأنه لا جائز أن يكون يعلم الشيء معدوما من قبل أن يكون؛ ويعلمه موجودا كان قد كان؛ فيعلم في وقت واحد معدوما موجودا وإن لم يكن وهذا محال. وذكر كلاما في هذا في الإرادة. إلى أن قال: وكذلك قوله: { إنا معكم مستمعون } ليس معناه أن يحدث له سمعا ولا تكلف بسمع ما كان من قولهم وقد ذهب قوم من أهل السنة أن الله استماعا في ذاته فذهبوا إلى أن ما يعقل من أنه يحدث منهم علم سمع لما كان من قول؛ لأن المخلوق إذا سمع حدث له عقل فهم عما أدركته أذنه من الصوت. وكذلك قوله: { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } لا يتحدث بصرا محدثا في ذاته وإنما يحدث الشيء فيراه مكونا كما لم يزل يعلمه قبل كونه. إلى أن قال: وكذلك قوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } وقوله: { الرحمن على العرش استوى } وقوله: { أأمنتم من في السماء } وقوله: { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }. وقال: { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } وقال: { تعرج الملائكة والروح إليه } وقال لعيسى: { إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا } الآية وقال: { بل رفعه الله إليه } وقال: { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته }. وذكر الآلهة: أن لو كان آلهة لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا حيث هو فقال: { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } أي طلبه وقال: { سبح اسم ربك الأعلى }. قال أبو عبد الله: فلن ينسخ ذلك لهذا أبدا. كذلك قوله: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } وقوله: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقوله: { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } وقوله: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } الآية فليس هذا بناسخ لهذا ولا هذا ضد لذلك. واعلم أن هذه الآيات ليس معناها أن الله أراد الكون بذاته فيكون في أسفل الأشياء أو ينتقل فيها لانتقالها ويتبعض فيها على أقدارها ويزول عنها عند فنائها جل وعز عن ذلك وقد نزع بذلك بعض أهل الضلال؛ فزعموا أن الله تعالى في كل مكان بنفسه كائنا كما هو على العرش؛ لا فرقان بين ذلك ثم أحالوا في النفي بعد تثبيت ما يجوز عليه في قولهم ما نفوه؛ لأن كل من يثبت شيئا في المعنى ثم نفاه بالقول لم يغن عنه نفيه بلسانه واحتجوا بهذه الآيات أن الله تعالى في كل شيء بنفسه كائنا ثم نفوا معنى ما أثبتوه فقالوا: لا كالشيء في الشيء. قال: أبو عبد الله لنا قوله: { حتى نعلم } { فسيرى الله } { إنا معكم مستمعون } فإنما معناه حتى يكون الموجود فيعلمه موجودا ويسمعه مسموعا ويبصره مبصرا لا على استحداث علم ولا سمع ولا بصر. وأما قوله: { وإذا أردنا }: إذا جاء وقت كون المراد فيه. وإن قوله: { على العرش استوى } { وهو القاهر فوق عباده } الآية. { أأمنتم من في السماء } { إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } فهذا وغيره مثل قوله: { تعرج الملائكة والروح إليه } { إليه يصعد الكلم الطيب } هذا منقطع يوجب أنه فوق العرش فوق الأشياء كلها منزه عن الدخول في خلقه لا يخفى عليه منهم خافية؛ لأنه أبان في هذه الآيات أنه أراد أنه بنفسه فوق عباده؛ لأنه قال: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } يعني فوق العرش والعرش على السماء؛ لأن من قد كان فوق كل شيء على السماء في السماء وقد قال مثل ذلك في قوله: { فسيحوا في الأرض } يعني على الأرض؛ لا يريد الدخول في جوفها وكذلك قوله: { يتيهون في الأرض } يعني على الأرض؛ لا يريد الدخول في جوفها وكذلك قوله: { لأصلبنكم في جذوع النخل } يعني فوقها عليها. وقال: { أم أمنتم من في السماء } ثم فصل فقال: { أن يخسف بكم الأرض } ولم يصل فلم يكن لذلك معنى - إذا فصل قوله: { من في السماء } ثم استأنف التخويف بالخسف - إلا أنه على عرشه فوق السماء. وقال تعالى: { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } وقال: { تعرج الملائكة والروح إليه }. فبين عروج الأمر وعروج الملائكة ثم وصف وقت صعودها بالارتفاع صاعدة إليه فقال: { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } فقال: صعودها إليه وفصله من قوله إليه كقول القائل: أصعد إلى فلان في ليلة أو يوم وذلك أنه في العلو وإن صعودك إليه في يوم فإذا صعدوا إلى العرش فقد صعدوا إلى الله عز وجل وإن كانوا لم يروه ولم يساووه في الارتفاع في علوه فإنهم صعدوا من الأرض وعرجوا بالأمر إلى العلو قال تعالى: { بل رفعه الله إليه } ولم يقل عنده. وقال فرعون: { يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب } { أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى } ثم استأنف الكلام فقال: { وإني لأظنه كاذبا } فيما قال لي إن إلهه فوق السموات. فبين الله سبحانه وتعالى أن فرعون ظن بموسى أنه كاذب فيما قال: وعمد لطلبه حيث قاله مع الظن بموسى أنه كاذب ولو أن موسى قال: إنه في كل مكان بذاته لطلبه في بيته أو في بدنه أو حشه. فتعالى الله عن ذلك ولم يجهد نفسه ببنيان الصرح. قال أبو عبد الله: وأما الآي التي يزعمون أنها قد وصلها - ولم يقطعها كما قطع الكلام الذي أراد به أنه على عرشه - فقال: { ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } فأخبر بالعلم ثم أخبر أنه مع كل مناج ثم ختم الآية بالعلم بقوله: { إن الله بكل شيء عليم }. فبدأ بالعلم وختم بالعلم: فبين أنه أراد أنه يعلمهم حيث كانوا؛ لا يخفون عليه ولا يخفى عليه مناجاتهم. ولو اجتمع القوم في أسفل وناظر إليهم في العلو. فقال: إني لم أزل أراكم وأعلم مناجاتكم لكان صادقا - ولله المثل الأعلى أن يشبه الخلق - فإن أبوا إلا ظاهر التلاوة وقالوا: هذا منكم دعوى خرجوا عن قولهم في ظاهر التلاوة؛ لأن من هو مع الاثنين فأكثر؛ هو معهم لا فيهم ومن كان مع شيء خلا جسمه وهذا خروج من قولهم. وكذلك قوله تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } لأن ما قرب من الشيء ليس هو في الشيء ففي ظاهر التلاوة على دعواهم أنه ليس في حبل الوريد. وكذلك قوله: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } لم يقل في السماء ثم قطع - كما قال: { أأمنتم من في السماء } ثم قطع فقال: { أن يخسف بكم الأرض } - فقال: { وهو الذي في السماء إله } يعني إله أهل السماء وإله أهل الأرض وذلك موجود في اللغة تقول: فلان أمير في خراسان وأمير في بلخ وأمير في سمرقند؛ وإنما هو في موضع واحد ويخفى عليه ما وراؤه فكيف العالي فوق الأشياء لا يخفى عليه شيء من الأشياء يدبره فهو إله فيهما إذ كان مدبرا لهما وهو على عرشه وفوق كل شيء تعالى عن الأشباه والأمثال. ا هـ.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات قال في آخر خطبته:

فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه قولا واحدا وشرعا ظاهرا وهم الذين نقلوا عن رسول الله ﷺ ذلك حتى قال « عليكم بسنتي » وذكر الحديث وحديث « لعن الله من أحدث حدثا » قال: فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف - وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم إذ لم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء والصفات كما اختلفوا في الفروع ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا؛ كما نقل سائر الاختلاف - فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم وعامتهم؛ حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين؛ حتى نقلوا ذلك قرنا بعد قرن؛ لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر ولله المنة. ثم إني قائل - وبالله أقول - إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد وذكر الأسماء والصفات على خلاف منهج المتقدمين من الصحابة والتابعين فخاضوا في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار ولم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار وصار معولهم على أحكام هوى حسن النفس المستخرجة من سوء الظن به على مخالفة السنة والتعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس فتأولوا على ما وافق هواهم وصححوا بذلك مذهبهم: احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين ومأخذ المؤمنين ومنهاج الأولين؛ خوفا من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول الله ﷺ أمته ومنع المستجيبين له حتى حذرهم. ثم ذكر: أبو عبد الله خروج النبي ﷺ وهم يتنازعون في القدر وغضبه وحديث « لا ألفين أحدكم » وحديث « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » فإن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه؛ ثم قال: فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان؛ المعروفين بنقل الأخبار ممن لا يقبل المذاهب المحدثة. فيتصل ذلك قرنا بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة والأمانة الحافظين على الأمة ما لهم وما عليهم من إثبات السنة. إلى أن قال: فأول ما نبتدئ به ما أوردنا هذه المسألة من أجلها ذكر أسماء الله عز وجل في كتابه وما بين ﷺ من صفاته في سنته وما وصف به عز وجل مما سنذكر قول القائلين بذلك مما لا يجوز لنا في ذلك أن نرده إلى أحكام عقولنا بطلب الكيفية بذلك ومما قد أمرنا بالاستسلام له - إلى أن قال: - ثم إن الله تعرف إلينا بعد إثبات الوحدانية والإقرار بالألوهية: أن ذكر تعالى في كتابه بعد التحقيق بما بدأ من أسمائه وصفاته وأكد عليه السلام بقوله فقبلوا منه كقبولهم لأوائل التوحيد من ظاهر قوله لا إله إلا الله. إلى أن قال بإثبات نفسه بالتفصيل من المجمل. فقال: لموسى عليه السلام: { واصطنعتك لنفسي } وقال: { ويحذركم الله نفسه }. ولصحة ذلك واستقرار ما جاء به المسيح عليه السلام فقال: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } وقال عز وجل: { كتب ربكم على نفسه الرحمة }. وأكد عليه السلام صحة إثبات ذلك في سنته فقال: « يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي » وقال: « كتب كتابا بيده على نفسه: إن رحمتي غلبت غضبي » وقال: « سبحان الله رضا نفسه » وقال في محاجة آدم لموسى: « أنت الذي اصطفاك الله واصطنعك لنفسه »: فقد صرح بظاهر قوله: أنه أثبت لنفسه نفسا وأثبت له الرسول ذلك فعلى من صدق الله ورسوله اعتقاد ما أخبر به عن نفسه ويكون ذلك مبنيا على ظاهر قوله: { ليس كمثله شيء }.

ثم قال: فعلى المؤمنين خاصتهم وعامتهم قبول كل ما ورد عنه عليه السلام بنقل العدل عن العدل حتى يتصل به ﷺ وإن مما قضى الله علينا في كتابه ووصف به نفسه ووردت السنة بصحة ذلك أن قال: { الله نور السماوات والأرض }.

ثم قال عقيب ذلك: { نور على نور } وبذلك دعاه ﷺ: « أنت نور السموات والأرض » ثم ذكر حديث أبي موسى: « حجابه النور - أو النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » وقال: سبحات وجهه جلاله ونوره نقله عن الخليل وأبي عبيد وقال: قال عبد الله بن مسعود: نور السموات نور وجهه. ثم قال: ومما ورد به النص أنه حي وذكر قوله تعالى: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }. والحديث: « يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ». قال: ومما تعرف الله إلى عباده أن وصف نفسه أن له وجها موصوفا بالجلال والإكرام فأثبت لنفسه وجها - وذكر الآيات.

ثم ذكر حديث أبي موسى المتقدم فقال في هذا الحديث من أوصاف الله عز وجل لا ينام موافق لظاهر الكتاب: { لا تأخذه سنة ولا نوم } وأن له وجها موصوفا بالأنوار وأن له بصرا كما علمنا في كتابه أنه سميع بصير. ثم ذكر الأحاديث في إثبات الوجه وفي إثبات السمع والبصر والآيات الدالة على ذلك. ثم قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلى عباده المؤمنين أن قال: له يدان قد بسطهما بالرحمة وذكر الأحاديث في ذلك ثم ذكر شعر أمية بن أبي الصلت.

ثم ذكر حديث: « يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رجله » وهي رواية البخاري وفي رواية أخرى يضع عليها قدمه.

ثم ما رواه مسلم البطين عن ابن عباس: أن الكرسي موضع القدمين وأن العرش لا يقدر قدره إلا الله.

وذكر قول مسلم البطين نفسه وقول السدي وقول وهب بن منبه وأبي مالك وبعضهم يقول: موضع قدميه وبعضهم يقول واضع رجليه عليه.

ثم قال: فهذه الروايات قد رويت عن هؤلاء من صدر هذه الأمة موافقة لقول النبي ﷺ متداولة في الأقوال ومحفوظة في الصدر ولا ينكر خلف عن السلف ولا ينكر عليهم أحد من نظرائهم نقلتها الخاصة والعامة مدونة في كتبهم إلى أن حدث في آخر الأمة من قلل الله عددهم ممن حذرنا رسول الله ﷺ عن مجالستهم ومكالمتهم وأمرنا أن لا نعود مرضاهم ولا نشيع جنائزهم فقصد هؤلاء إلى هذه الروايات فضربوها بالتشبيه وعمدوا إلى الأخبار فعملوا في دفعها إلى أحكام المقاييس وكفر المتقدمين وأنكروا على الصحابة والتابعين؛ وردوا على الأئمة الراشدين فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل. ثم ذكر: المأثور عن ابن عباس وجوابه لنجدة الحروري؛ ثم حديث الصورة وذكر أنه صنف فيه كتابا مفردا واختلاف الناس في تأويله.

ثم قال: وسنذكر أصول السنة وما ورد من الاختلاف فيما نعتقده مما خالفنا فيه أهل الزيغ وما وافقنا فيه أصحاب الحديث من المثبتة - إن شاء الله -.

ثم ذكر الخلاف في الإمامة واحتج عليها وذكر اتفاق المهاجرين والأنصار على تقديم الصديق وأنه أفضل الأمة. ثم قال: وكان الاختلاف في خلق الأفعال هل هي مقدرة أم لا؟ قال: وقولنا فيها أن أفعال العباد مقدرة معلومة وذكر إثبات القدر. ثم ذكر الخلاف في أهل الكبائر ومسألة الأسماء والأحكام وقال: قولنا فيها إنهم مؤمنون على الإطلاق وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم.

وقال: أصل الإيمان موهبة يتولد منها أفعال العباد فيكون أصل التصديق والإقرار والأعمال وذكر الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه.

وقال: قولنا إنه يزيد وينقص.

قال: ثم كان الاختلاف في القرآن مخلوقا وغير مخلوق فقولنا وقول أئمتنا إن القرآن كلام الله غير مخلوق وإنه صفة الله منه بدأ قولا وإليه يعود حكما.

ثم ذكر الخلاف في الرؤية وقال: قولنا وقول أئمتنا فيما نعتقد أن الله يرى في القيامة وذكر الحجة.

ثم قال: اعلم رحمك الله أني ذكرت أحكام الاختلاف على ما ورد من ترتيب المحدثين في كل الأزمنة وقد بدأت أن أذكر أحكام الجمل من العقود. فنقول: ونعتقد: أن الله عز وجل له عرش وهو على عرشه فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته؛ كما قال: { الرحمن على العرش استوى } { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } ولا نقول إنه في الأرض كما هو في السماء على عرشه لأنه عالم بما يجري على عباده { ثم يعرج إليه }. إلى أن قال: ونعتقد أن الله تعالى خلق الجنة والنار وإنهما مخلوقتان للبقاء؛ لا للفناء. إلى أن قال: ونعتقد أن النبي ﷺ عرج بنفسه إلى سدرة المنتهى. إلى أن قال: ونعتقد أن الله قبض قبضتين فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار .

ونعتقد أن للرسول ﷺ حوضا ونعتقد أنه أول شافع وأول مشفع وذكر الصراط و الميزان و الموت وأن المقتول قتل بأجله واستوفى رزقه. إلى أن قال:

ومما نعتقد أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر؛ فيبسط يده فيقول: ألا هل من سائل الحديث وليلة النصف من شعبان وعشية عرفة وذكر الحديث في ذلك. قال: ونعتقد أن الله تعالى كلم موسى تكليما. واتخذ إبراهيم خليلا وأن الخلة غير الفقر؛ لا كما قال أهل البدع. ونعتقد أن الله تعالى خص محمدا ﷺ بالرؤية. واتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا. ونعتقد أن الله تعالى اختص بمفتاح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله « إن الله عنده علم الساعة } الآية.

ونعتقد المسح على الخفين: ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ونعتقد الصبر على السلطان من قريش؛ ما كان من جور أو عدل. ما أقام الصلاة من الجمع والأعياد. والجهاد معهم ماض إلى يوم القيامة. والصلاة في الجماعة حيث ينادى لها واجب؛ إذا لم يكن عذر أو مانع والتراويح سنة؛ ونشهد أن من ترك الصلاة عمدا فهو كافر والشهادة والبراءة بدعة والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة؛ ولا ننزل أحدا جنة ولا نارا حتى يكون الله ينزلهم؛ والمراء والجدال في الدين بدعة. ونعتقد أن ما شجر بين أصحاب رسول الله ﷺ أمرهم إلى الله ونترحم على عائشة ونترضى عنها؛ والقول في اللفظ والملفوظ؛ وكذلك في الاسم والمسمى بدعة؛ والقول في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق بدعة.

واعلم أني ذكرت اعتقاد أهل السنة على ظاهر ما ورد عن الصحابة والتابعين مجملا من غير استقصاء؛ إذ تقدم القول من مشايخنا المعروفين من أهل الإبانة والديانة إلا أني أحببت أن أذكر عقود أصحابنا المتصوفة فيما أحدثته طائفة نسبوا إليهم ما قد تخرصوا من القول بما نزه الله تعالى المذهب وأهله من ذلك. إلى أن قال: وقرأت لمحمد بن جرير الطبري في كتاب سماه التبصير كتب بذلك إلى أهل طبرستان في اختلاف عندهم؛ وسألوه أن يصنف لهم ما يعتقده ويذهب إليه؛ فذكر في كتابه اختلاف القائلين برؤية الله تعالى؛ فذكر عن طائفة إثبات الرؤية في الدنيا والآخرة. ونسب هذه المقالة إلى الصوفية قاطبة لم يخص طائفة. فبين أن ذلك على جهالة منه بأقوال المخلصين منهم؛ وكان من نسب إليه ذلك القول - بعد أن ادعى على الطائفة - ابن أخت عبد الواحد بن زيد؛ والله أعلم بمحله عند المخلصين؛ فكيف بابن أخته. وليس إذا أحدث الزائغ في نحلته قولا نسب إلى الجملة؛ كذلك في الفقهاء والمحدثين ليس من أحدث قولا في الفقه؛ وليس فيه حديث يناسب ذلك؛ ينسب ذلك إلى جملة الفقهاء والمحدثين. واعلم أن لفظ الصوفية وعلومهم تختلف فيطلقون ألفاظهم على موضوعات لهم ومرموزات وإشارات تجري فيما بينهم فمن لم يداخلهم على التحقيق ونازل ما هم عليه رجع عنهم وهو خاسئ وحسير. ثم ذكر إطلاقهم لفظ الرؤية بالتقييد. فقال: كثيرا ما يقولون رأيت الله يقول. وذكر عن جعفر بن محمد قوله لما سئل: هل رأيت الله حين عبدته؟ قال رأيت الله ثم عبدته. فقال السائل كيف رأيته؟ فقال: لم تره الأبصار بتحديد الأعيان؛ ولكن رؤية القلوب بتحقيق الإيقان ثم قال: وإنه تعالى يرى في الآخرة كما أخبر في كتابه وذكره رسوله ﷺ. هذا قولنا وقول أئمتنا دون الجهال من أهل الغباوة فينا.

وإن مما نعتقده أن الله حرم على المؤمنين دماءهم وأموالهم وأعراضهم وذكر ذلك في حجة الوداع فمن زعم أنه يبلغ مع الله إلى درجة يبيح الحق له ما حظر على المؤمنين - إلا المضطر على حال يلزمه إحياء للنفس لو بلغ العبد ما بلغ من العلم والعبادات - فذلك كفر بالله وقائل ذلك قائل بالإباحة وهم المنسلخون من الديانة. وإن مما نعتقده ترك إطلاق تسمية العشق على الله تعالى وبين أن ذلك لا يجوز لاشتقاقه ولعدم ورود الشرع به. وقال: أدنى ما فيه إنه بدعة وضلالة وفيما نص الله من ذكر المحبة كفاية.

وإن مما نعتقده: أن الله لا يحل في المرئيات وأنه المتفرد بكمال أسمائه وصفاته بائن من خلقه مستو على عرشه وأن القرآن كلامه غير مخلوق - حيث ما تلي ودرس وحفظ - ونعتقد أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا واتخذ نبينا محمدا ﷺ خليلا وحبيبا والخلة لهما منه على خلاف ما قاله المعتزلة: إن الخلة الفقر والحاجة. إلى أن قال: والخلة والمحبة صفتان لله هو موصوف بهما ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه وصفات الخلق من المحبة والخلة جائز عليها الكيف؛ فأما صفاته تعالى فمعلومة في العلم وموجودة في التعريف قد انتفى عنهما التشبيه فالإيمان به واجب واسم الكيفية عن ذلك ساقط.

ومما نعتقده أن الله أباح المكاسب والتجارات والصناعات وإنما حرم الله الغش والظلم وأما من قال بتحريم تلك المكاسب فهو ضال مضل مبتدع؛ إذ ليس الفساد والظلم والغش من التجارات والصناعات في شيء إنما حرم الله ورسوله الفساد؛ لا الكسب والتجارات؛ فإن ذلك على أصل الكتاب والسنة جائز إلى يوم القيامة وإن مما نعتقد أن الله لا يأمر بأكل الحلال ثم يعدمهم الوصول إليه من جميع الجهات؛ لأن ما طالبهم به موجود إلى يوم القيامة؛ والمعتقد أن الأرض تخلو من الحلال والناس يتقلبون في الحرام؛ فهو مبتدع ضال إلا أنه يقل في موضع ويكثر في موضع؛ لا أنه مفقود من الأرض.

ومما نعتقده أنا إذا رأينا من ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه؛ جائز أن يؤكل طعامه والمعاملة في تجارته؛ فليس علينا الكشف عما قاله. فإن سأل سائل على سبيل الاحتياط؛ جاز إلا من داخل الظلمة. ومن ينزع عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك: فالسؤال والتوقي؛ كما سأل الصديق غلامه؛ فإن كان معه من المال سوى ذلك مما هو خارج عن تلك الأموال فاختلطا فلا يطلق عليه الحلال ولا الحرام إلا أنه مشتبه؛ فمن سأل استبرأ لدينه كما فعل الصديق. وأجاز ابن مسعود وسلمان الأكل منه وعليه التبعة والناس طبقات والدين الحنيفية السمحة.

وإن مما نعتقد أن العبد ما دام أحكام الدار جارية عليه؛ فلا يسقط عنه الخوف والرجاء وكل من ادعى الأمن فهو جاهل بالله وبما أخبر به عن نفسه: { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } وقد أفردت كشف عورات من قال بذلك.

ونعتقد: أن العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه [ فيبقى ] على أحكام القوة والاستطاعة؛ إذ لم يسقط الله ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ومن زعم أنه قد خرج عن رق العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية والخروج إلى أحكام الأحدية المسدية بعلائق الآخرية: فهو كافر لا محالة؛ إلا من اعتراه علة أو رأفة؛ فصار معتوها أو مجنونا أو مبرسما وقد اختلط عقله أو لحقه غشية يرتفع عنه بها أحكام العقل وذهب عنه التمييز والمعرفة؛ فذلك خارج عن الملة مفارق للشريعة. ومن زعم الإشراف على الخلق: يعلم مقاماتهم ومقدارهم عند الله - بغير الوحي المنزل من قول رسول ﷺ - فهو خارج عن الملة ومن ادعى أنه يعرف مآل الخلق ومنقلبهم وعلى ماذا يموتون عليه ويختم لهم - بغير الوحي من قول الله وقول رسوله - فقد باء بغضب من الله. و الفراسة حق على أصول ما ذكرناه وليس ذلك مما رسمناه في شيء ومن زعم أن صفاته تعالى بصفاته - ويشير في ذلك إلى غير آية العظمة والتوفيق والهداية - وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة: فهو حلولي قائل باللاهوتية والالتحام وذلك كفر لا محالة.

ونعتقد أن الأرواح كلها مخلوقة. ومن قال إنها غير مخلوقة فقد ضاهى قول النصارى - النسطورية - في المسيح وذلك كفر بالله العظيم. ومن قال: إن شيئا من صفات الله حال في العبد؛ أو قال بالتبعيض على الله فقد كفر؛ والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ولا حال في مخلوق؛ وأنه كيفما تلي وقرئ وحفظ: فهو صفة الله عز وجل؛ وليس الدرس من المدروس ولا التلاوة من المتلو لأنه عز وجل بجميع صفاته وأسمائه غير مخلوق ومن قال بغير ذلك فهو كافر.

ونعتقد أن القراءة الملحنة بدعة وضلالة. وأن القصائد بدعة. ومجراها على قسمين: فالحسن من ذلك من ذكر آلاء الله ونعمائه وإظهار نعت الصالحين وصفة المتقين فذلك جائز وتركه والاشتغال بذكر الله والقرآن والعلم أولى به وما جرى على وصف المرئيات ونعت المخلوقات فاستماع ذلك على الله كفر واستماع الغناء والربعيات على الله كفر والرقص بالإيقاع ونعت الرقاصين على أحكام الدين فسق وعلى أحكام التواجد والغناء لهو ولعب.

وحرام على كل من يسمع القصائد والربعيات الملحنة - الجائي بين أهل الأطباع - على أحكام الذكر إلا لمن تقدم له العلم بأحكام التوحيد ومعرفة أسمائه وصفاته وما يضاف إلى الله تعالى من ذلك؛ وما لا يليق به عز وجل مما هو منزه عنه فيكون استماعه كما قال: { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } الآية.

وكل من جهل ذلك وقصد استماعه على الله على غير تفصيله فهو كفر لا محالة فكل من جمع القول وأصغى بالإضافة إلى الله فغير جائز إلا لمن عرف بما وصفت من ذكر الله ونعمائه وما هو موصوف به عز وجل مما ليس للمخلوقين فيه نعت ولا وصف؛ بل ترك ذلك أولى وأحوط والأصل في ذلك أنها بدعة والفتنة فيها غير مأمونة على استماع الغناء.

والربعيات بدعة وذلك مما أنكره المطلبي ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمن لا يعرفون في الدين ولا لهم قدم عند المخلصين. وبلغني أنه قيل لبشر بن الحارث: إن أصحابك قد أحدثوا شيئا يقال له القصائد. قال مثل أيش؟ قال مثل قوله: اصبري يا نفس حتى تسكني دار الجليل فقال: حسن وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال قلت ببغداد فقال كذبوا - والله الذي لا إله غيره - لا يسكن ببغداد من يستمع ذلك. قال أبو عبد الله: ومما نقول - وهو قول أئمتنا - إن الفقير إذا احتاج وصبر ولم يتكفف إلى وقت يفتح الله له كان أعلى فمن عجز عن الصبر كان السؤال أولى به على قوله ﷺ: « لأن يأخذ أحدكم حبله » الحديث ونقول: إن ترك المكاسب غير جائز إلا بشرائط موسومة من التعفف والاستغناء عما في أيدي الناس؛ ومن جعل السؤال حرفة - وهو صحيح - فهو مذموم في الحقيقة خارج. ونقول: إن المستمع إلى الغناء والملاهي فإن ذلك كما قال عليه السلام: « الغناء ينبت النفاق في القلب » وإن لم يكفر فهو فسق لا محالة. والذي نختار: قول أئمتنا: إن ترك المراء في الدين والكلام في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق ومن زعم أن الرسول ﷺ واسط يؤدي وأن المرسل إليهم أفضل: فهو كافر بالله ومن قال بإسقاط الوسائط على الجملة فقد كفر. ا هـ.