الرئيسيةبحث

الطين

الطين

الطين
المؤلف: إيليا أبو ماضي



نسي الطين ساعة أنه طين
 
حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى،
 
و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي،
 
ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير
 
الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا
 
جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي
 
في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني،
 
وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا
 
م حسان فإنّه غير جلمد
أأماني كلّها من تراب
 
و أمانيك كلّها من عسجد؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي
 
و أمانيك للخلود المؤكّد!؟
لا. فهذي و تلك تأتي و تمضي
 
كذويها. و أيّ شيء يؤبد؟
أيّها المزدهي. إذا مسّك السقم
 
ألا تشتكي؟ ألا تتنهد؟
و إذا راعك الحبيب بهجر
 
ودعتك الذكرى ألا تتوحّد؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
 
و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد؟
 
و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه؟
 
و ابتسامتك اللآلي الخرّد؟
فلك واحد يظلّ كلينا
 
حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا
 
و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي
 
لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها
 
حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها
 
و أنا مع خصاصتي لست أبعد
أنت مثلي من الثرى و إليه
 
فلماذا، يا صاحبي، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو
 
حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت، و لا ما
 
كنت، أو ما أكون، يا صاح، في غد
أفتدري؟ إذن فخبّر و إلاّ
 
فلماذا تظنّ أنّك أوحد؟
ألك القصر دونه الحرس الشا
 
كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا
 
فوقه، و الضباب أن يتلبّد
وانظر النور كيف يدخل لا
 
يطلب أذنا، فما له ليس يطرد؟
مرقد واحد نصيبك منه
 
أفتدري كم فيك للذرّ مرقد؟
ذدتني عنه، و العواصف تعدو
 
في طلابي، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد فيه مأوى
 
و طعاما، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي
 
أترجى، و منك تأبى و تجحد
ألك الروضة الجميلة فيها
 
الماء و الطير و الأزاهر و النّد؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي
 
شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره
 
لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي
 
أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري،
 
و لا فيك للغنى تتودّد
ألك النهر؟ إنّه للنسيم
 
الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به
 
في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري
 
في عروق الأشجار أو يتجعّد؟
كان من قبل أن تجيء؛ و تمضي
 
و هو باق في الأرض للجزر و المد
ألك الحقل؟ هذه النحل تجي
 
الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا
 
قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل
 
و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا
 
لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل؟ ما أنت أبهى من الور
 
دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز؟ و للبعوضة من خدّيك قوت
 
و في يديك المهند
أم غنيّ؟ هيهات تختال لولا
 
دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك
 
و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك
 
و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا؟
 
في أيّ دنيا يولد؟
ما الحياة التي تبين و تخفى؟
 
ما الزمان الذي يذمّ و يحمد؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى
 
من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ
 
حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ،
 
و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى
 
إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى
 
من كساء يبلى و مال ينفد