→ فصل وجوب القضاء على من افطر لعذر شرعي | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصيام باب صوم التطوع صديق حسن خان القنوجي |
باب الاعتكاف ← |
يستحب صيام ست من شوال لحديث من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي أيوب . وفي الباب أحاديث . قال في الحجة البالغة : والسر في مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة ، تكمل فائدتها بالنسبة إلى أمزجة لم تتأم فائدتها بهم ، وإنما خص في بيان الفضيلة التشبه بصوم الدهر ، لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها ، وبهذه الستة يتم الحساب انتهى .
أقول : ظاهر الحديث أنه يكفي صيام ست من شوال ، سواء كانت من أوله أو من أوسطه أو من آخره ، ولا يشترط أن تكون متصلة به لا فاصل بينها وبين رمضان إلا يوم الفطر وإن كان ذلك هو الأولى ، ولأن الاتباع وإن صدق على جميع الصور ، فصدقه على الصورة التي لم يفصل فيها بين رمضان وبين الست إلا يوم الفطر الذي لا يصح صومه لا شك أنه أولى ، وأما أنه لا يحصل الأجر إلا لمن فعل كذلك فلا ، لأن من صام ستاً من آخر شوال فقد أتبع رمضان بصيام ست من شوال بلا شك وذلك هو المطلوب .
وتسع ذي الحجة لما ثبت عنه (ﷺ) من حديث حفصة عند أحمد والنسائي قالت : أربع لم يكن يدعهن رسول الله (ﷺ) صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وأخرجه أبو داود بلفظ كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس وقد أخرج مسلم عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله (ﷺ) صائماً في العشر قط وفي رواية لم يصم العشر قط وعدم رؤيتها وعلمها لا يستلزم العدم وأكد التسع يوم عرفة . وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي قتادة قال : قال رسول الله (ﷺ) : صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية
و أما صيام شهر محرم فلحديث أبي هريرة عند مسلم وأحمد وأهل السنن أنه (ﷺ) سئل أي الصيام بعد رمضان أفضل ؟ فقال : شهر الله المحرم وأكده يوم عاشوراء لما ورد فيه من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أنه (ﷺ) صامه وأمر بصيامه ثم قال : هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم ، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر وقد تقدم أنه يكفر سنة ماضية . وثبت في مسلم وغيره ، أنه لما أمر بصيامه قالوا يار سول : إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى فقال : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (ﷺ) قلت : وعليه أهل العلم ، واستحب أكثرهم أن يصوم التاسع والعاشر . وفي العالمكيرية : ويكره صوم يوم عاشوراء مفرداً انتهى . وفي الباب أحاديث أخرى أوردها الشيخ عبدالحق الحنفي الدهلوي فيما ثبت من السنة في أيام السنة .
أقول : أما شهر المحرم ، فلا ريب أنه قد خصه دليل صحيح ناطق بأنه أفضل الصيام المتطوع به ، ولم يعارضه في هذه الأفضلية إلا ما قيل في صوم يوم عرفة . وقد ذكر الجمع الماتن رح في شرح المنتقى
وشعبان لحديث أم سلمة أن رسول الله (ﷺ) لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلى شعبان يصل به رمضان أخرجه أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي . وفي الصحيحين من حديث عائشة ماكان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان ، كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله وفي لفظ وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان .
والإثنين والخميس لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسمل كان يتحرى صيام الإثنين والخميس أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه . وأخرج نحوه أبو داود من حديث أسامة بن زيد . وأخرجه ايضاً النسائي ، وفي إسناده مجهول مع أنه قد صححه ابن خزيمة . وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي (ﷺ) قال : تعرض الأعمال كل إثنين وخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم وفي صحيح مسلم أن النبي (ﷺ) سئل عن صوم يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه .
وأيام البيض لحديث أبي قتادة عند مسلم وغيره قال : قال رسول الله (ﷺ) : ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وصححه من حديث أبي ذر قال : قال رسول الله (ﷺ) : إذا صمت من الشهر ثلاثة ، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وفي الباب أحاديث . قال في الحجة البالغة : وقد اختلفت الرواية في اختيار تلك الأيام فورد يا أبا ذر إلخ ... وورد كان يصوم من الشهر السبت والأحد والإثنين ، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس . وورد من غرة كل شهر ثلاثة أيام . وورد أنه أمر أم سلمة بثلاثة أولها الإثنين والخميس ، ولكل وجه انتهى .
وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم لحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله (ﷺ) قال : صم في كل شهر ثلاثة أيام . قلت : فإني أقوى من ذلك ، فلم يزل يرفعني حتى قال : صم يوماً وأفطر يوماً ، فإنه أفضل الصيام ، وهو صوم أخي داود عليه السلام قال في الحجة البالغة : واختلفت سنن الأنبياء عليهم السلام في الصوم ، فكان نوح عليه السلام يصوم الدهر ، وكان داود عليه السلام يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان عيسى عليه السلام يصوم يوماً ويفطر يومين أو أياماً ، وكان النبي (ﷺ) في خاصة نفسه يصوم حتى يقال لا يفطر ، ويفطر حتى يقال لا يصوم ، ولم يكن يستكمل صيام شهر إلا رمضان ، وذلك أن الصيام ترياق ، والترياق لا يستعمل إلا بقدر المرض ، وكان قوم نوح عليه السلام شديدي الأمزجة ، حتى روي غنهم ما روي ، وكان عليه السلام ذا قوة ورزانة وهو قوله (ﷺ) وكان لا يفر إذا لا قى وكان عيسى عليه السلام ضعيفاً في بدنه فارغاً لا أهل له ولامال ، فاختار كل واحد ما يناسب الحال . وكان نبينا (ﷺ) عارفاً بفوائد الصوم والإفطار ، مطلعاً على مزاجه وما يناسبه ، فاختار بحسب مصلحة الوقت ما شاء .
ويكره صوم الدهر لحديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله (ﷺ) : لا صام من صام الأبد وهو في الصحيحين وغيرهما . وأخرج أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة من حديث أبي موسى عن النبي (ﷺ) قال من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه ولفظ ابن حبان ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين ورجاله رجال الصحيح . وهذه الأحاديث من أعظم الأدلة الدالة على أن صوم الدهر مخالف لهديه (ﷺ) ، لأنه نزل صوم صائم الدهر منزلة العدم في الحديث الأول ، وفي رواية لا صام من صام الدهر ولا أفطر والحديث صحيح ، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من نهيه (ﷺ) لابن عمرو لما أراد أن يصوم الدهر وقال له : لا تفعل وقال لما بغله عن المتكلفين في العبادة ، أنهم سألوا عن عبادته (ﷺ) فاستقلوها فقال أحدهم : أصوم ولا أفطر ، وقال الثاني : أقوم ولا أنام ، وقال الثالث : لا أنكح النساء ، فقال (ﷺ) : أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني وأما تقريره (ﷺ) لحمزة بن عمرو ، قال له يا رسول الله : أني أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : إن شئت كما أخرجه الشيخان وغيرهما ، فليس فيه دليل على صوم الدهر ، لأن السرد يصدق بصوم أيام متتابعة وإن كانت بعض سنة فضلاً عن أكثر منها . ومن جملة الوعيد لمن صام الدهر ، حديث أبي موسى المتقدم ، وهذا وعيد شديد ، ومن زعم أنه ترغيب في صوم الدهر فلم يصب .
وإفراد يوم الجمعة لحديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي (ﷺ) نهى عن صوم يوم الجمعة وفي رواية أن يفرد بصوم وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم وفي لفظ المسلم ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم وفي الباب أحاديث . قال الشافعي : يكره إفراد الجمعة . وفي العالمكيرية يستحب صوم يوم الجمعة بانفراده .
أقول : الأحاديث واردة بالنهي ، وحقيقة النهي التحريم إذا لم يصم يوماً قبله ولا يوماً بعده . وما روي عنه (ﷺ) من أنه كان يصومه ، لا يصلح لجعله قرينة صارفة لوجهين : الأول أنه لم ينقل أنه كان يصومه منفرداً ، بل الظاهر أنه كان يصومه على غير الصفة التي نهانا عنها . الثاني أن فعله لا يعارض قوله الخاص بالأمة كما تقرر في الأصول ، وعلى فرض عدم الاختصاص لقوله بالأمة بل شموله له ولهم ، فهو مخصص له من العموم ، وذلك لا يصلح قرينة صارفة للنهي عن معناه الحقيقي .
ويوم السبت لحديث الصماء بنت بسر عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والطبراني والبيهقي وصححه ابن السكن أن رسول الله (ﷺ) قال : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجر فليمضغه .
ويحرم صوم العيدين لحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله (ﷺ) أنه نهى عن صوم يومين : يوم الفطر ، ويوم النحر وقد أجمع المسلمون على ذلك .
وأيام التشريق لنهيه (ﷺ) عن الصوم فيها ، كما ثبت ذلك من طريق جماعة من الصحابة ، وقد سرد أحاديثه الماتن في شرح المنتقى .
وإستقبال رضمان بيوم أو يومين لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما قال : قال رسول الله (ﷺ) : لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه ويؤيده حديث أبي هريرة أيضاً عند أصحاب السنن ، وصححه ابن حبان وغيره مرفوعاً بلفظ إذا انتصف شعبان فلا تصوموا وفي الباب أحاديث والخلاف طويل مبسوط في المطولات .
أقول : وما زال الخلاف في هذه المسألة من عصر الصحابة إلى الآن ، وقد صارت مركزاً من المراكز التي يتغالى الناس في أمرها اثباتاً ونفياً ، ولم يحتج أحد منهم بأن النبي (ﷺ) كان يصومه ، وأما ما احتجوا به من العمومات الدالة على مشروعية مطلق الصوم واستحبابه ، فنحن نقول بموجبها ، ونقول هي مخصصة بأحاديث أمره (ﷺ) بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته ، أو إكمال العدة كما صح في جميع دواوين الإسلام وبأحاديث نهيه (ﷺ) عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وهو في الصحيح . بل ورد النهي عن صوم النصف الأخير من شعبان وقال عمار : من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم وهو صحيح ، بل قال ابن عبد البر : لا يختلفون في رفعه ، ولعل مراده أن له حكم الرفع ، لا أن القائل له هو النبي (ﷺ) ، فهذا إذا لم يصلح لتخصيص العمومات لم يصلح مخصص قط . ومن نظر إلى ما يقع من عوام المسلمين بل ومن بعض خواصهم في هذه الاعصار من البخاري على الصوم والإفطار بمجرد الشكوك والخيالات التي هي عن الشريعة بمعزل قضى العجب وبكى على الدين وانتظر القيامة .
الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصيام | |
---|---|
فرضية صيام رمضان | فصل ويبطل الصوم بالأكل والشرب عمدا لا مع النسيان | فصل وجوب القضاء على من أفطر لعذر شرعي | باب صوم التطوع | باب الاعتكاف |