→ كتاب الجنائز | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الجنائز من السنن في الجنائز صديق حسن خان القنوجي |
فصل في وجوب غسل الميت على الاحياء ← |
من السنة عيادة المريض لأن الأحاديث في مشروعيتها متواترة . وقد جعلها الشارع من حقوق المسلم على المسلم . ففي الصحيحين . وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة . وتشميت العاطس وزاد المسلم النصيحة وزاد البخاري من حديث البراء نصر المظلوم وإبرار القسم .
وتلقين المختضر وهو في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة .
الشهادتين فوجب أن يحث على الذكر والتوجيه إلى الله تعالى لتفارق نفسه وهي في غاشية من الإيمان فيجد ثمرتها في معاده . ودليله حديث أبي سعيد الثابت في الصحيح عن النبي (ﷺ) قال : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله وفي الباب أحاديث .
وتوجيهه إلى القبلة لحديث عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال وقد سأله رجل عن الكبائر فقال هي تسع : الشرك والسحر وقتل النفس وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات وعقوق الوالدين وإستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم . وقد أخرج البغوي في الجعديات من حديث ابن عمر نحوه وفي إسناده أيوب بن عتبة وهو ضعيف . وقد إستدل بهذا على مشروعية توجيه المريض إلى القبلة ليموت إليها ، لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبلتكم أحياء وأمواتاً وفيه نظر لأن المراد بقوله أحياء عند الصلاة ، وبقوله أمواتاً في اللحد ، والمحتضر حي غير مصل ، فلا يتناوله الحديث وإلا لزم وجوب التوجه إلى القبلة على كل حي وعدم إختصاصه بحال الصلاة وهو خلاف الإجماع ، والأولى الإستدلال بما رواه الحاكم والبيهقي عن أبي قتادة أن البراء بن معرور أوصى أن يوجه إلى القبلة إذا احتضر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : أصاب الفطرة وقد اختلف الصفة التي يكون التوجه إلى القبلة عليها ، فقيل : يكون مستلقياً ليستقبلها بكل وجهه ، وقيل : على جنبه الأيمن وهو الأولى .
أقول : وهو الصفة التي يوجه عليها في قبره ، والصفة التي أمر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم النائم أن ينام عليها . ومن ذلك فعل البتول رضي الله عنها ، ولا وجه لإختيار الإستلقاء إلا وهم أنه أكمل .
وتغميضه إذا مات لحديث شداد بن أوس عند أحمد وابن ماجة والحاكم والطبراني والبزار قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيراً فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت وأخرج مسلم في صحيحه أن النبي (ﷺ) دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر .
وقراءة يس عليه لحديث اقرؤا على موتاكم يس أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان وصححه من حديث معقل بن يسار مرفوعاً وقد أعل . وقد أخرج نحوه صاحب مسند الفردوس من حديث أبي الدرداء وأبي ذر . وأخرج نحوه أيضاً أبو الشيخ في فضل القرآن من حديث أبي ذر وحده . قال ابن حبان في صحيحه : المراد بقوله اقرؤا على موتاكم يس من حضرته المنية لا الميت ، وكذلك لقنوا موتاكم لا إله إلا الله .
والمبادرة بتجهيزه إلا لتجويز حياته لما أخرجه أبو داود من حديث الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي (ﷺ) يعوده فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت فآذنوني به واعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله وأخرج أحمد والترمذي من حديث علي مرفوعاً بلفظ ثلاث لا يؤخرن : الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفؤاً وأما إذا كان يظن أنه لم يمت فلا يحل دفنه حتى يقع القطع بالموت كصاحب البرسام وغيره .
والقضاء لدينه لحديث إمتناعه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الصلاة على الميت الذي عليه دين حتى إلتزم بذلك بعض الصحابة والحديث معروف . وحديث نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة .
وتسجيته لما وقع من الصحابة من تسجية رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنه موته ببرد حبرة ، وهو في الصحيحين من حديث عائشة ، وذلك لا يكون إلا بجري العادة بذلك في حياته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .
ويجوز تقبيله لتقبيله صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان بن مظعون وهو ميت كما في حديث عائشة عند أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه . وفي الصحيح من حديثها وحديث ابن عباس أن أبا بكر قبل النبي (ﷺ) بعد موته .
وعلى المريض أن يحسن الظن بربه والأحاديث في ذلك كثيرة ولو لم يكن منها إلا حديث النهي عن أن يموت الميت إلا وهو حسن الظن بربه . وحديث المريض الذي زاره النبي (ﷺ) فقال : كيف تجدك فقال : أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال : ما اجتمعنا في قلب امرىء في مثل هذا الموطن إلا دخل الجنة أو كما قال .
ويتوب إليه والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في ذلك لا يتسع المقام لبسطها . وفي الصحيحين إن الله يفرح بتوبة عبده وأن باب التوبة مفتوح لا يغلق .
ويتخلص عن كل ماعليه ووجوب ذلك معلوم ، وإذا أمكن بإرجاع كل شئ لمن هو له من دين أو وديعة أو غصب أو غير ذلك فهو الواجب ، وإن لم يكن في الحال فالوصية المفصلة هي أقل ما يجب . وورد الأمر بالوصية وأنه لا يحل لأحد أن يبيت إلا ووصيته عند رأسه كما في الأحاديث الصحيحة .