الرئيسيةبحث

الروح/المسألة الأولى/فصل تلقين الميت

فصل تلقين الميت

و يدل على هذا أيضا على ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن من تلقين الميت في قبره، ولو لا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثا، وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه اللّه فاستحسنه واحتج عليه بالعمل.
(و يروى) فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني [1] في معجمه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة الثانية، فإنه يستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك اللّه ولكنكم لا تسمعون، فيقول: أذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وأنك رضيت باللّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما: فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته، ويكون اللّه و رسوله حجيجه دونهما، فقال رجل: يا رسول اللّه فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء».
فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصل العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به وما أجرى اللّه سبحانه العادة قط بأن أمه طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولا وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل، وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر، ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه [2].
و قد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال: «سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل» [3].
فأخبر أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين.
و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا منصرفين [4]. و ذكر عبد الحق عن بعض الصالحين قال: مات أخ لي فرأيته في النوم فقلت: يا أخي ما كان حالك حين وضعت في قبرك؟ قال: أتاني آت بشهاب من نار، فلولا أن داعيا دعا لي لهلكت.
و قال شبيب بن شيبة: أوصتني أمي عند موتها فقال: يا بني إذا دفنتني فقم عند قبري وقل: يا أم شبيب قولي: لا إله إلا اللّه، فلما دفنتها قمت عند قبرها فقلت: يا أم شبيب قولي: لا إله إلا اللّه ثم انصرفت، فلما كان من الليل رأيتها في النوم فقالت: يا بني كدت أن أهلك لو لا أن تداركتني ب لا إله إلا اللّه، فقد حفظت وصيتي يا بني.
و ذكر ابن أبي الدنيا عن تماضر بنت سهل امرأة أيوب بن عيينة قالت: رأيت سفيان بن عيينة [5] في النوم فقال: جزى اللّه أخي أيوب عني خيرا فإنه يزورني كثيرا وقد كان عندي اليوم، فقال أيوب: نعم حضرت الجبان اليوم فذهبت إلى قبره.
و صح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة [6] وعوف بن مالك كانا متآخيين، قال صعب لعوف: أي أخي أينا مات قبل صاحبه فليتراءى له، قال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم، فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد أتاه قال: قلت: أي أخي، قال: نعم، قلت: ما فعل بكم؟
قال: غفر لنا بعد المصائب، قال: ورأيت لمعة [7] سوداء في عنقه، قلت: أي أخي ما هذا؟ قال: عشرة دنانير استسلفتها [8] من فلان اليهودي فهن في فرني فأعطوه إياها، واعلم أي أخي أنه لم يحدث في أهلي بعد موتي إلا قد لحق بي خبره، حتى هرة لنا ماتت منذ أيام، وأعلم أن ابنتي تموت إلى ستة أيام، فاستوصوا بها معروفا، فلما أصبحت قلت: إن في هذا لمعلما، فأتيت أهله فقالوا: مرحبا بعوف أ هكذا تصنعون بتركة إخوانكم لم تقربنا منذ مات صعب، قال: فاعتلت بما يعتل به الناس، فنظرت إلى الفرن فأنزلته، فانتشلت ما فيه، فوجدت الصرة التي فيها الدنانير، فبعثت بها إلى اليهودي فقلت: هل كان لك على صعب شيء؟ قال:
رحم اللّه صعبا كان من خيار أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هي له، قلت: لتخبرني، قال: نعم أسلفته عشرة دنانير فنبذتها إليه، قال: هي واللّه بأعيانها، قال: قلت: هذه واحدة. قال: فقلت: هل حدث فيكم حدث بعد موتة صعب؟ قالوا: نعم، حدث فينا كذا، حدث فينا كذا، قال: قلت: اذكروا، قالوا نعم، هرة ماتت منذ أيام، فقلت هاتان اثنتان.
قلت: أين ابنة أخي؟ قالوا: تلعب، فأتيت بها فمسستها فإذا هي مجموعة، فقلت: استوصوا بها معروفا فماتت في ستة أيام.
و هذا من فقه عوف رحمه اللّه [9]، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب ابن جثامة بعد موته، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها، من أن الدنانير عشرة وهي في الفرن، ثم سأل اليهودي فطابق قوله لما في الرؤيا، فجزم عوف بصحة الأمر فأعطى اليهودي الدنانير، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم، وهم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك ويقول: كيف جاز لعون أن ينقل الدنانير من تركة صعب وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام.
و نظير هذا الفقه الذي خصهم اللّه به دون الناس قصة ثابت بن قيس بن شماس [10]، وقد ذكرها أبو عمر بن عبد البر وغيره قال أبو عمر: أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، حدثنا سعيد بن عفير وعبد العزيز يحيى المدني، حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن ثابت بن قيس بن شماس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له: «يا ثابت أ ما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة». قال مالك: فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا.
(قال) أبو عمر: روى هشام بن عمار عن صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني قال: حدثتني ابنة ثابت ابن قيس بن شماس قالت، لما نزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [49:2] دخل أبو هابية وأغلق عليه بابه، ففقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأرسل إليه يسأله ما خبره؟ قال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي، قال: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير قال: ثم أنزل اللّه ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾[31:18] فأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل إليه فأخبره، فقال: يا رسول اللّه إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي. فقال: «لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة». قالت: فلما كان [يوم] [11] اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا وانكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين، فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه في منامه فقال له:
أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة [12] وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى دراعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله و سلم (يعني أبا بكر الصديق) فقل له: إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق. وفلان، فأتى الرجل خالدا فأخبره، فبعث إليّ الدرع فأتى بها، وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته، قال: ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه اللّه. انتهى ما ذكره أبو عمرو.
فقد اتفق خالد وأبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ الوصية بها وانتزاع الدرع ممن هي في يده بها وهذا محض الفقه.
و إذا كان أبو حنيفة وأحمد ومالك يقبلون قول المدعي من الزوجين ما يصلح دون الآخر بقرينة صدقه فهذا أولى.
و كذلك أبو حنيفة يقبل قول المدعي للحائط بوجود الآجر إلى جانبه وبمعاقد القمط [13].
و قد شرع اللّه حد المرأة بإيمان الزوج وقرينة تكون لها، فإن ذلك أظهر الأدلة على صد الزوج.
و أبلغ من ذلك قبل المقسم عليه في القسامة بإيمان المدعين مع القرينة الظاهرة من اللوث.
و قد شرع اللّه سبحانه قبول قول المدعين لتركة ميتهم إذا مات في السفر، وأوصى إلى رجلين من غير المسلمين فاطلع الورثة على خيانة الوصيين بأنهما يحلفان باللّه ويستحقانه وتكون إيمانهما أولى من إيمان الوصيين، وهذا أنزله اللّه سبحانه في آخر الأمر في سورة المائدة [14] وهي من آخر القرآن نزولا ولم ينسخها شيء وعمل الصحابة بعده. و هذا دليل أنه يقضى في الأموال باللوث [15] وإذا كان الدم يباح باللوث في القسامة فلأن يقضي باللوث وهو القرائن الظاهرة في الأموال أولى وأخرى.
و على هذا عمل ولاة العدل في استخراج السرقات من السراق حتى أن كثيرا ممن ينكر ذلك عليهم يستعين بهذا إذا سرق ماله.
و قد حكى اللّه سبحانه عن الشاهد الذي شهد بين يوسف الصديق وامرأة العزيز أنه حكم بالقرينة على صدق يوسف وكذب المرأة ولم ينكر اللّه سبحانه عليه ذلك بل حكاه عنه تقريرا له [16].
و أخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن نبي اللّه سليمان بن داود أنه حكم بين المرأتين اللتين تداعتا الولد للصغرى بالقرينة التي ظهرت له لما قال:
ائتوني بالسكين أشق، الولد بينكما فقالت الكبرى نعم رضيت بذلك للتسلي بفقد ابن صاحبتها وقالت الأخرى: لا تفعل هو ابنها فقضى به لها للشفقة والرحمة التي قامت بقلبها حتى سمحت به للأخرى ويبقى حيا وتنظر إليه [17].
و هذا من أحسن الأحكام وأعدلها وشريعة الإسلام تقرر مثل هذا وتشهد بصحته وهل الحكم بالقافة [18] وإلحاق النسب لها للاعتماد على قرائن الشبه مع اشتباهها وخفائها غالبا.
و المقصود أن القرائن التي قامت في رؤيا عوف بن مالك وقصة ثابت بن قيس لا تقصر عن كثير من هذه القرائن بل هي أقوى من مجرد وجود الآجر ومعاقد القمط وصلاحية المتاع للمدعي دون الآخر في مسألة الزوجين والصانعين وهذا ظاهر لإخفاء به وفطر الناس وعقولهم تشهد بصحته وباللّه التوفيق.
و المقصود جواب السائل وإن الميت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه ودعائه له أولى وأخرى.

هامش

  1. وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 45 قال: وفي إسناده جماعة لم أعرفهم، وقال ابن حجر في (أمالي الأذكار): حديث غريب.
  2. ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) 1/ 523: فهذا حديث لا يصح رفعه، ولكن قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللّه: فهذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان ابن فلانة، اذكر ما فارقت عليه الدنيا: شهادة أن لا إله إلا اللّه، فقال: ما رأيت أحدا فعل ذلك إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان فقال ذلك، وكان أبو المغيرة يروي فيه عن بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان ابن عياش يروي فيه. قلت: يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أبي أمامة، وقد ذكر سعيد بن منصور في سننه عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس عنه، فكانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه (ثلاث مرات) يا فلان: قل ربي اللّه، وديني الإسلام، نبيي محمد، ثم ينصرف.
  3. أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز (3/ 550) برقم 3220 عن عثمان بن عفان قال: كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل».
  4. وأخرج البخاري بنحوه في كتاب الجنائز باب الميت يسمع خفق النعال وفي باب ما جاء في عذاب القبر (2/ 113)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز باب المسألة في القبر وباب مسألة الكافر برقم 2051 و2053 وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز باب المشي في النعل بين القبور برقم 3231 ولفظه: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب- يعني ابن عطاء- عن سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم».
  5. هو أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي الحافظ نزيل مكة سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار، قال الشافعي: لو لا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أحد أعلم بالتفسير من ابن عيينة، وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحو أن سبعة آلاف حديث ولم يكن له كتب، وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة وله أحد وتسعون سنة.
  6. الصعب بن جثامة له صحبة ورواية.
  7. اللمعة بوزن الرقعة: هي قطعة من النبت إذا أخذت في اليبس.
  8. يُقال: استسلف منه دراهم وتسلف فأسلفه أي أخذ منه مالا على سبيل القرض.
  9. هو عوف بن مالك الأشجعي ممن شهد فتح مكة، توفي سنة ثلاث وسبعين.
  10. خطيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
  11. زيادة على المطبوع ولعل الصواب ما أثبتناه.
  12. البرمة: هي القدر.
  13. هي الخشب التي تكون على ظاهر الخصب أو باطنه، يشد إليها حرادي القصب أو رؤوسه.
  14. وهي قوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ۝106فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ۝107ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ۝108﴾ [5:106—108]
  15. اللوث بالفتح: البنية الضعيفة غير الكاملة.
  16. وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [12:26]
  17. ذكر ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية أنه استدل برضا الكبرى بذلك، وأنها قصدت الاسترواح إلى التأسي بمساواة الصغرى في فقد ولدها وشفقة الرضى عليه، وامتناعه عن الرضا بذلك دل على أنها أمه، وأن الحامل لها على امتناع من الدعوى، ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها اللّه في قلب الأم، فاتضحت وقويت هذه القرينة عنده، حتى قدمها على إقرارها، فإنه حكم به لها مع قولها: هو ابنها، وهذا هو الحق.
    قال النووي: قال العلماء: يحتمل أن داود عليه السلام قضى به للكبرى لشبه رآه فيها، أو أنه كان في شريعته ترجيح الكبرى أو لكونه كان في يدها، فكان ذلك مرجحا في شرعه، وأما سليمان عليه السلام فتوصل بطريق من الحيلة والملاطفة إلى معرفة باطنة القضية، فأوهمها أنه يريد قطعه ليعرف من يشق عليها قطعه فتكون هي أمه، فلما أرادت الكبرى قطعه عرف أنها ليست أمه، فلما قالت الصغرى ما قالت عرف أنها أمه، ولم يكن مراده أنه يقطعه حقيقة، وإنما أراد اختبار شفقتها ليتميز له الأم، فلما تميزت بما ذكر عرفها، ولعله استقر الكبرى فأقرت بعد ذلك للصغرى فحكم بالإقرار بمجرد الشفقة المذكورة.
  18. ومن ذلك أن ابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: «هل مسحتما سيفيكما»؟ قالا: لا، قال: «فأرياني» فلما نظر فيهما قال لأحدهما: «هذا قتله» وقضى له بسلبه.