الرئيسيةبحث

الرد على أصناف النصارى

كتاب الرد على أصناف النصارى

علي بن ربن الطبري


قال الفقير إلى الله الراجي عفوه ومغفرته (علي بن ربن المهتدي)

الحمد لله رب العالمين، وصلواته على أنبيائه أجمعين، وآلهم الطيبين الطاهرين، وذريتهم تترا إلى يوم الدين، وهو حسبي (ونعم الوكيل)

أما بعد فإن من شأن كل ذي دين أن يفضل دينه [ولا] يحب دينا غيره. ولا سبيل إلى معرفة الأفضل من الأرذل إلا باختبار، ولا يكون الاختبار إلا بالعقل، ولولا العقل لما عرف أن لنا صانع ، وأنه إله واحد فرد صمد قديم أزلي، وأنه غلوب وهوب. ومن لم يستعمل العقل جهل، ومن جهل فقد ضل، ومن ضل فقد كفر. ولقد دعاني القديم من ذلك إلى أن ألفت كتابي هذا للتنصل من دين النصرانية، والإعذار والنصيحة للنصارى كافة، ولئلا يقول قائل منهم أو من غيرهم أني إنما تركت دين النصرانية، الذي كنت عليه من أول عمري إلى أن بلغت من العمر سبعين سنة، ورغبت في دين الإسلام الحنيفي، كي أبيع دنيا بدين أو سرورا بغرور. بل ما توخيت فيما ألفت من كتابي هذا إلا القربى إلى الله عز وجل، والإعذار والإنذار إلى كافة النصارى، ورجوت أن يكون ذلك على طريق النصيحة لهم، وإن كنت لا أشك أنهم يردون وجوههم عنه وآذانهم، وينقلبون ولا يقبلون، وأفوز بأجر الناصح المأجور، ويبوء من تأبى وذمني، بإثم المعاتب الموزور، وما ذلك بمانع أهل الشفقة والمحبة من تأدية الحق وإبداء العذر، وأن الرجل ربما دعته الشفقة والرأفة على ولده أن يسقه الأدوية المرة الكريهة المنتنة بل ربما اعتراه في جسده داء فقطع عضوا من أعضائه مخافة أن يسري في جسده كله فيهلكه، وما أيسر هلاك البدن، وهو الغم العاجل، وأما هلاك النفس فهو خسران الأجل كما قال المسيح عليه السلام لتلامذته (لا تخافوا قلة الأبدان بل اتقوا قلة الأنفس المكذبة المضلة)

وليس قصدي، فيما أتيت به وأثبته في كتابي هذا، رد على المسيح عليه السلام ولا على أهل حقه بل على من خالف المسيح والأناجيل وحرف الكلمات من صنوف النصارى. ولن يتصفح كتابي هذا مسلم إلا ازداد سرورا بالإسلام، ولن يقرأه نصراني إلا وقع بين أمرين عظيمين. إما مفارقة دينه، ومعاتبة سره، وإما الإعتاب على ما هو عليه، والشك فيه ما تبقى من عمره لما يتضح عنده من حجة العقل وصحة النقل إن شاء الله تعالى. وأنا ذاكر أولا دين الإسلام، ثم أسأل النصارى عن سبع مسائل سميتها المسكتات العواذل لأنها تسكت المسؤول المنصف وتبكته، ولأن النصارى إن وافقوني عليها خرجوا من دينهم الذي يدينون به، وإن خالفوني خالفوا التوراة والإنجيل. ثم أتبع هذه المسائل مسائل أخر تقوية للسبع الأول، وأذكر بعد ذلك سبعة أوجه من التناقض التي وجدتها في شريعة إيمانهم. ثم أذكر أصناف النصارى وما يلزم كل صنف من الحجة في مذهبه، وأشرح ما معنى الأبوة والبنوة والحلول، بوجه من البراهين لا مخرج لهم منها ولا محيد عنها، وأفسر بعون الله تعالى الكلمات التي تأولوها بخلاف معانيها (في الإنجيل) ، وأذكر التحريف والفساد الموجود فيها . فأنا أثبت جميع ما احتجوا به من كتبهم بالسريانية بعينها لئلا يشعر شاعر أو يحتج معاند إن شاء الله تعالى.

والإسلام هو الإيمان بالله الحي الذي لا يموت الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل، إله إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وعيسى وسائر النبيين، وإله الخلق أجمعين، الذي لا ابتداء له ولا أنداد ولا أولاد ولا أتراب ولا أنساب ، وأنه خالق الأشياء كلها، لا من شيء ولا على حد، ولا مثال بل كيف شاء، وبأنه قال لها كوني فكانت على قدر واحد، وهو القدير الرؤوف الوهوب الذي لا يظلم مثقال ذرة، ولا يشبهه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الغالب الذي لا يغلب، والجواد الذي لا يبخل، والعالم الذي لا يجهل. لا يفوته ظلم ظالم، ولا تخفى عليه خافية، يعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها وكل له قانتون، وأن محمدا ﷺ نبيه ورسوله، وكذلك موسى، وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين، وسائر الأنبياء لا نفرق بين أحد من رسله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. وأن الأبرار لفي نعيم وأن الفجار لفي جحيم. فهذه شريعة أهل الإسلام ودينهم.

[المسائل السبع المسكتات]:

وأول المسائل المسكتات: أنا نسأل النصارى عن هذا التوحيد الذي شرحته، والإيمان الذي وصفته هل هو حق أم باطل؟ فإن قالوا حق، فالذي هم عليه باطل لأنهم يؤمنون بثلاثة آلهة، بل أربعة، وهم الأب والابن والروح القدس، وإنسان أزلي وهو يسوع المسيح. وحقيقة ذلك في شريعة إيمانهم التي أنا مفضح لها ومبدي سرها، وأنها تنطق بأن يسوع المسيح مخلوق وليس بخالق كما يقولون، فإن قالوا أن ما شرحت في التوحيد باطل، كفروا بما جاء به موسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم السلام، وكلهم موحد مخلص. قال الله تعالى لموسى عليه السلام في التوراة، وكل النصارى يشهدون بها: (إنني أنا الله - أهيا أسر أهيا - إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري إلى دهر الداهرين) [1] وقال في السفر الثاني ( أنا الرب إلاهك فلا تعبد إلاها غيري، ولا تسجد له، ولا تشبه بي شيئا مما في السماء ولا مما في الأرض ولا مما تحت الماء ) [2]

وقد كان يسوع المسيح – صلوات الله عليه- في الأرض، فمن قال إنه الله، فقد عصى الله.

وقال لموسى عليه السلام في تسبيح له (أنا الله-عز وجل- واعلموا أني أنا وحدي وأني أنا أميت وأحيي وأنا أسقم وأنا أشفي ولا ينجو مني ناج). وافتتح متى الإنجيل الأول فقال (كتاب مولود يسوع المسيح ابن إبراهيم ). [3] وهذا إقرار بأن الله قديم لا يتولد، فإن المتولد محدث، وليس الله محدثا بل هو محدث كل حادث. وقال متى تلميذ المسيح في الفصل الرابع من إنجيله إن رجلا قال للمسيح أيها الخير. فقال المسيح مجيبا له (لم سميتني خيرا ليس الخير إلا الله وحده). [4] وقال يوحنا في الفصل السادس عشر من إنجيله إن المسيح رفع بصره إلى السماء وتضرع إلى الله وقال (إن الحياة الدائمة، يجب للناس أن يعلموا أنك أنت الله الواحد الحق وأنك أنت أرسلت يسوع المسيح). [5] فهذا هو التوحيد المحض المصرح، والاعتراف بأنه مبعوث، وهذا إيمان المسيح وجميع الأنبياء عليهم السلام (لا ما افتراه ضلال النصارى ) اغترارا شديدا وجرأة على الله المجيد. فإن قال قائل منهم إن المسيح وإن كان وحد واعترف أنه مبعوث كما في الإنجيل فقد اعترف في غير موضع أنه الأزلي الخالق، فقد شنع على المسيح أقبح التشنيع ونسبه إلى التناقض باعترافه مرة بأن الله واحد وأنه مبعوث، وادعاؤه بعد ذلك أنه خالق أزلي. والمسيح بريء من ذلك، ومن نسبه إلى ما يليق بالعقل. لأن الإنجيل نطق أنه قال (إني لم أجئ أعمل لمشيئتي بل لمشيئة من أرسلني). [6] وقال متى تلميذ المسيح في إنجيله إن الشيطان دعا المسيح أن يسجد له وأراه ممالك الدنيا وزبررجدها وزخرفها ثم قال اسجد لي لأجعل هذا كله لك فقال المسيح عليه السلام (إنه مكتوب ألا تعبد إلا الرب إلاهك ولا تسجد لشيء سواه). [7]

المسألة الثانية من المسكتات: أنا نسألهم عن ما وصف به المسيح نفسه هل يكون محقا في بعض ومبطلا في بعض؟ فإن قالوا "إنه محق في بعض ذلك، ومبطلا في بعضه" كفروا به وكذبوا بأخباره، وإن قالوا إنه محق في جميع ذلك، فقد أقروا بأنه مبعوث، وأنه مربوب، وأن الله واحد فرد كما قدمت وبينت من قوله، وهذا خلاف لما في شريعة إيمانهم التي تقول إنه إله حق من إله حق، فمن قال في المسيح بمثل ما قال في نفسه فهو المؤمن به، ومن قال فيه بخلاف ما وصف به نفسه فهو المخالف المغرور، لأن المسيح قال عن نفسه [في] ما حكاه عنه يوحنا في آخر إنجيله (ها أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). [8] وقال [متى] في الفصل الرابع من إنجيله أن المسيح قال لتلامذته (من قبلكم وآواكم فقد قبلني ، ومن قبلني فإنما يقبل من أرسلني، ومن يقبل نبيا باسم نبي فإنما يفوز بأجر من قبل النبي). [9] وقال يوحنا التلميذ في الفصل الخامس من إنجيله (إنني لم أجئ أعمل لمشيئة نفسي بل لمشيئة من أرسلني، ومشيئته أن لا أضيع شيئا مما وهبه لي). [10] فهذا الإقرار بأنه موهوب مبعوث وليس بجحود.

الثالثة من المسكتات: أنا نسألهم عن الأزلي الخالق هل يتغير عن حال قدمه وجوهريته وتخاف عليه الأمراض والموت أم لا؟

فإن قالوا إنه يتغير أو يموت، فقد مات إيمانهم، وكان قائل هذا القول كمن شبه الله تعالى بالأنعام، وكمن شبه المسيح بالكلاب والخنازير، وكمن شبه إشعياء النبي بالحمر والبقر في قوله في كتابه ( عرف الثور من اقتناه، والحمار مربط ربه، ولم يعرف بنو إسرائيل قدر ذلك.) [11]

وإن قالوا إن الأزلي الخالق لا يتغير ولا يموت، خالفوا شريعة إيمانهم، ومن خالفها كان عندهم كافرا بها، فإنها تقول (إن يسوع المسيح خالق غير مخلوق، وإنه إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وإنه قتل وصلب وأولم). [12] فإلههم إذا قد تغير ومات، وأنا موضح فساد هذه الشريعة وتناقضها، وأنها [لا] تثبت للحق بل تنتثر انتثارا ، وإذا صح فسادها فسد الإيمان، ومن أقام على إيمان فاسد أقام على غرر عظيم.

الرابعة من المسائل المسكتات: أنا نسألهم عن هذه الشريعة - التي لا اختلاف بين جماهيرهم فيها، ولا يتم لهم قربان إلا بها- هل هي حق من أولها إلى آخرها، أو باطل كلها أو بعضها حق وبعضها باطل؟ فإن قالوا بعضها حق وبعضها باطل، أبطلوا بعض الإيمان وكفروا به، وفي بطلان بعضه فساد كله، وإن قالوا هي حق من أولها إلى آخرها، فمفتتح [تلك العقيدة] يقول (إنما نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء، وصانع كل ما يرى، وما لا يرى)، فإن كان ذلك صحيحا فالمسيح إذا مخلوق مبعوث، لأنه لا يخلو أن يكون من الأشياء التي ترى أو من الأشياء التي لا ترى، فمن أيها كان فهو مخلوق، والله خالقه لقول شريعة الإيمان (إن الله خالق من يرى ومن لا يرى)، وإن احتج محتج وقالإن في آخر الشريعة بعينها ما يشهد لهم بأن المسيح هو أيضا إله حق من إله حق، وأنه خالق كل شيء، كان الجواب فيه، إن كان آخر شريعتهم موافقا لأولها فالأمر كما قلناه، وإن كان آخرها مخالفا لأولها فالشريعة إذا فاسدة متناقضة، وإذا فسدت الشريعة فسد الإيمان بها، وضل المؤمنون بها، ولا أعلم من الهثهاث والهث شيئا أشنع من أمة تقوم بين يدي إلهها فترفع أصواتها فتقول (نؤمن بأنك أنت الله الواحد وأنك خالق كل ما نرى وما لا نرى) ثم يقولون (نعم يا رب ونؤمن بإله آخر هو خالق الأشياء كلها مثلك) ولو خاطب رجل بمثل هذا الخطاب سيدا أو سلطانا لكان ذلك سخفا منه واستخفافا بقدرته فكيف بمن يخاطب بمثـل هذا القول الخلاق العليم تعالى الله عن مثل هذا القول.

الخامسة من المسائل المسكتات: أنا نسألهم عن المسيح هل هو الخالق الأزلي كما في شريعة إيمانهم أم هو إنسان مصطفى كما في شريعة إيماننا أم هو إله وإنسان كما قالت طوائف منهم؟ فإن قالوا هو إنسان مخلوق مبعوث، وافقوا المسلمين في شريعة إيمانهم، وإن قالوا بل هو إله خالق أزلي، خالفوا الإنجيلات وغيرها من الكتب، وكفروا بها. فقد قال متى في الفصل الثامن من إنجيله- يستشهد بنبوءة إشعياء-(بشأن) المسيح –عليه السلام- حين قال عن الله عز وجل (هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي ارتاحت له نفسي ها أنا ذا واضع روحي عليه ويدعو الأمم إلى الحق). [13] وهذا تصريح بحجة وإشعياء نبي وليس بمتهم، والمحتج بنبوته الإنجيل. فالعبد لا يكون إلاها والإله لا يكون عبدا كما وسمتموه، فتدبروا ذلك أيها النصارى. وقد قال مارقس التلميذ في إنجيله إن المسيح قال وهو على الخشبة (يا إلهي (لم) خذلتني). [14] وذلك آخر كلام تكلم به في الدنيا، وقال متى في الفصل العشرين من إنجيله إن المسيح تناول خبزة فكسرها وناول الحواريين كسرة وقال هذا لحمي وناولهم كأسا فيها مشروبا وقال هذا دمي. [15] ومن كان له لحم ودم فهو جسم، وكل جسم له طول وعرض وعمق، وما كان كذلك فهو مذروع موزون، والله جل جلاله لا يذرع ولا يوزن لأن كل مذروع متناه محدود، وكل متناه صائر إلى البلا والفساد، وقال لوقا في الفصل الثالث من إنجيله يصف المسيح عليه السلام إذ كان صبيا فيقول (إن الصبي كان يتربا في قامته وحكمته ويتزيد عند الله وعند الناس). [16] وقال في هذا الفصل (إن الصبي كان يتربا ويقوى بروح القدس، ويمتلئ حكمة، وكانت نعمة الله ظاهرة عليه). [17] ومحال أن يقول الأزلي الخالق إن له إلاها، ويقال فيه إنه إذ كان صبيا كانت نعمة إله أزلي آخر ظاهرة عليه. وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله أن المسيح قال لتلامذته (إن كلامي الذي سمعتموه هو كلام من أرسلني). [18]

وقال في هذا الفصل (إن أبي أجل وأعظم مني)، [19] وقال يوحنا في إنجيله عن المسيح (كما أمرني ربي فكذلك أفعل فقوموا نمضي (من هذا المكان) فإني أنا الكرم الحق وأبي هو الفلاح) [20] وقال في الفصل الرابع عن المسيح إنه قال (أسأل أبي أن يعطيكم فارقليط آخر) [21] (النور المضيء الذي لا يزل عن الطريق، [22] كيف يقال له كذا يقول[23] وهو يشهد لي وأنتم تشهدون[24] وأنا أنبئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالبيان) [25] وقال لوقا في آخر إنجيله إن المسيح دخل على تلامذته بعد أن قام من بين الموتى وهم مجتمعون في غرفة قد أغلقوا بابها فارتابوا به وارتاعوا منه وظنوا أنه روح من الأرواح قد ولج بابهم (وعلم المسيح وجلهم من ذلك من ذلك فقال لهم جسوني يا هؤلاء واعلموا أن الأرواح لا يكون لها لحم وعظم مثل ما تجدون لي من اللحم والعظم). [26] وقد علمنا أن اللحم والعظم مصنوعان وأن صانعهما ليس بجسم بل هو مبتدع الأجسام، فمن قال إن المسيح مربوب وأنه كان صبيا يذهب طولا وعرضا وأن من كان كذلك فليس بأزلي خالق بل مخلوق فقد وافق المسيح وتلامذته، ومن قال بخلاف ذلك فهو مخالف لهم أجمعين، ونحن الموافقون لله ولمسيحه، وقد يخرج عليهم من هذا القول كبيرة أخرى أزرى وأشنع من الأولى، وهي أن المسيح إن كان أزليا خالقا كما في شريعة إيمانهم لزمهم أن يجعلوا بعض الرب خالقا أزليا وعضا ميتا مخلوقا لأن المسيح مقر بأنه لحم ودم، فاللحم والدم إذا خالقان أزليان، وقد علمنا أنهما يتولدان على الأغذية والأشربة، وتلك الأغذية والأشربة أجزاء من أجزاء الدنيا فخالق الدنيا كلها جزء من أجزاء الدنيا، وذلك الجزء بعينه هو خالق نفسه أيضا لأنه جزء من الدنيا التي هو خالق كلها، فهذا أشنع ما يكون من البهتان وأبعد ما يكون من المعقول، ومن قبل ذلك ودان به جعل المخلوق خالفا والخالق مخلوقا كما بينا آنفا وذلك أنهم صيروا اللحم والدم خالقا أزليا والأزلي الخالق لحما ودما، وبهذا تنطق شريعة إيمانهم لقولها إن المسيح خالق غير مخلوق، ويلزمهم أشنع من هذه، وذلك: إن كان بعض الدنيا هو خالق جميع الدنيا، وبعض الشيء لا يكون موجودا إلا بعد وجود كله وما ليس بموجود، ولا معقول فهو لاشيء، فخالق الدنيا عندهم معدوم غير موجود، ومجهول غير معقول، وإذا كان خالقها غير موجود فهي إذا غير مخلوقة، وأظن أصحاب هذه الشريعة قصدوا إلى هذا المعنى بعينه لا إلى غيره، والمثل في ذلك قول من قال: إن جزءا من أجزاء الإنسان هو خالق الإنسان كله، وقد علمنا أن ذلك اللحم لم يكن قبل الإنسان، وما لم يكن قبل الإنسان فهو لاشيء.

السادسة من المسائل المسكتات: [أنا] نسألهم عن المسيح هل كان في بلد من البلدان، وفي زمان من الأزمنة أم لا؟. فإن قالوا: إنه لم يكن في بلد ولا [في] زمان، فقد خالفوا الإنجيل، فإن متى التلميذ يقول في أول إنجيله: إن المسيح ولد في بيت لحم المنسوب إلى يهوذا، وإنه ولد في أيام هيرودس الملك ، [27] ويقول لوقا في إنجيله إنه وجد في المعلف مقموطا، [28] وقتل في أيام فيلاطوس الملك، [29] ومن كان في زمان من الأزمنة وفي مكان من الأمكنة فالزمان أبدا قبله والأمكنة كانت محيطة به، وما كان كذلك فهو مخلوق، ومتى ثبت أن المسيح مخلوق بطلت شريعة إيمانهم التي تقول: إنه إله حق من إله حق، وإنه خالق كل شيء. لأن الزمان شيء من الأشياء المخلوقة، والزمان قبل يسوع المسيح الذي خلق الأشياء كلها فكيف يجوز أن يكون الزمان قبل خالق الزمان والمكان محيط بمبتدع المكان؟ وهذا من أشنع ما يكون من العائط والبهتان، والمولود الذي ولد في زمان وحصره مكان فهو إنسان ابن إنسان، وعبد ابن أمة، وفي هذا نقض الشريعة، وإبطال الدين (...) وقطعت حججهم ومعاذيرهم فيما اختلقوا.

السابعة من المسائل المسكتات: أني وجدت يوحنا التلميذ يقول في الفصل الخامس من إنجيله ( كما كان الأب حياة في جوهره فكذلك أعطى الابن حياة في قوته). [30] وقال يوحنا التلميذ أيضا في الفصل الخامس من إنجيله إن المسيح قال: ( إني لو كنت أنا الشاهد لنفسي على صحة دعواي لكانت باطلا ولكن غيري يشهد لي)[31] (وأنا أشهد لنفسي ويشهد لي أبي الذي أرسلني.) [32]

هامش

  1. الخرووج 3: 15
  2. الخروج 20: 3-4، التثنية 5: 7-8،
  3. متى 1: 1
  4. متى 19: 17، مرقص 10: 18، لوقا 18: 19.
  5. يوحنا 17: 3
  6. يوحنا 6: 38
  7. متى 4: 10، لوقا 4: 8
  8. يوحنا 20: 17
  9. متى 10: 41
  10. يوحنا 6: 38-39
  11. إشعياء 1: 3
  12. عقيدة نيقية
  13. متى 12: 18
  14. متى 27: 46، مرقس 15: 34
  15. متى 26: 28، مرقس 14: 24، لوقا 22: 20، 1 كورنثوس 11: 25
  16. لوقا 1: 80، 2: 40، 2: 52
  17. لوقا 2: 52
  18. يوحنا 14: 24
  19. يوحنا 14: 28
  20. يوحنا 14: 31 – 15: 1
  21. يوحنا 14: 16
  22. يوحنا 14: 17
  23. يوحنا 16: 13
  24. يوحنا 15: 26-27
  25. ر يوحنا 14: 26، 16: 13
  26. لوقا 24: 39
  27. متى 2: 1
  28. لوقا 2: 7
  29. لوقا 23: 24
  30. يوحنا 5: 26
  31. يوحنا 5: 31-32
  32. يوحنا 8: 18