► | ☰ |
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، تيم قريش، مولى لهم:
كان العرب العكاظيون لا يعدون من الشيء إلا ثلاثة ثم يكفون ولا يزيدون عليها شيئًا، وإن لحق بعد شيء مثل الثلاثة التي عدوا قبل ذلك لم يعدوه معه.
أشعر الشعراء في الجاهلية ثلاثة
قال أبو عبيدة: فاتفقوا على أن أشعر الشعراء في الجاهلية امرؤ القيس بن حجر الكندي، والنابغة زياد بن معاوية الذبياني، وزهير بن أبي سلمى المري، وهو حليف في بني مرة من غطفان ويقال إن أمه منهم. فاتفقت العرب على هؤلاء الثلاثة في الشعر ثم اختلفوا أيهم أشعر، فقال بعضهم: أشعر الثلاثة امرؤ القيس بن حجر هو أولهم، وهو الذي فتح لهم الشعر، فاستوقف وبكى في الديار وذكر ما فيها، ثم قال: دع ذا رغبة منه عن المنسبة فقال: فتبعت الشعراء أثره في هذا.
وهو أول من شبه الخيل بالعصا واللقوة والسباع والطير فشبهوها بهذه الصفات، فكان ما شبه بالعصا قوله:
بعجلزة قد أترز الجرى لحمها ** كميت كأنها هراوة منوال
وما شبه باللقوة - وهي العقاب - قوله:
كأني بفتحاء الجناحين لقوة ** على عجل منها أطأطئ شملال
وما شبه بالسباع قوله:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ** وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
وقال من فضل النابغة: هو أوضحهم كلامًا، وأقلهم منطقًا وحشوًا وأجودهم مقاطع، وأحسنهم مطالع، ولشعره ديباجة.
وإن شئت قلت: ليس بشعر مؤلف من تأتيه ولينه. وإن شئت قلت: صخرة لو رديت بها الجبال لأزالتها.
وقال الذين فضلوا زهيرًا: هو أمدح القوم وأشدهم أسر شعر.
قال أبو عبيدة: وسمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كان الفرزدق بن غالب يشبه بزهير في رصانة شعره وشدة أسره، وكان الأخطل يشبه بالنابغة الذبياني وكان جرير يشبه بالأعشى.
قال أبو عبيدة: أولئك الثلاثة شعراء الجاهلية وهؤلاء شعراء الإسلام، فشبهت اثنين باثنين من الأولين، وتركت واحدًا واخترت واحدًا، يعني تركه امرأ القيس، واجتلابه للأعشى، وذلك أنه شبه الفرزدق بزهير والأخطل بالنابغة وترك امرأ القيس واجتلب الأعشى فشبه جريرًا به.
قال أبو عمرو: وكان جرير أشبه بالأعشى منه بامرئ القيس، ومن شبه فحول الإسلام بفحول الجاهلية شبه جريرًا بالأعشى.
قال: وكان ذاك عند جرير؟ قال: نعم، كانا بازيين يصيدان ما بين العندليب إلى الكركي. والعندليب: البلبل، ضرب من العصافير.
قال أبو عبيدة: فزعمت علماء ربيعة أن طرفة بن العبد رابع القوم، واحتجوا بأن لبيدًا جعله الثاني.
قال أبو عمرو: وذلك أن لبيدًا مر بمجلس لبني نهد بالكوفة وهو يتوكأ على عكاز له، فلما جاوز أمروا فتى أن يلحقه فيسأله من أشعر العرب؟ فلحقه فقال: لبيد: الملك الضليل، يعني امرأ القيس بن حجر، فرجع الفتى فأخبرهم فقالوا: ألا سألته: ثم من؟ فرجع إليه فسأله: ثم من؟ فقال لبيد: ثم ابن عشرين. يعني طرفة بن العبد. وبهذا احتجت علماء ربيعة. فرجع فأخبرهم، فقالوا: سألته ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: ثم صاحب المحجن، يعني نفسه.
قال أبو عبيدة: فقال من يحتج عليهم: إنما قول لبيد اختيار لنفسه، كما يختار الرجل الفارس والشاعر، وليس كالمجتمع عليه. ثم جعل نفسه ثالثًا، وليس هناك، إنما شعره صفة خمر وصخر.
وقالوا: طرفة أجودهم واحدة، ولا يلحق بهؤلاء البحور، إنما يوضع من أصحابه، الحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، وسويد بن أبي كاهل، فقدموا الأعشى عليه لذلك، فذهبوا مذهبًا فقالوا: هو أكثر عدد طوال جياد، وأنظم للخمر والحمر، وأنسب وأمدح وأوفى، فسلك أساليب لم يسلكوها فجعله الناس رابعًا بأخرة. وأساليب: جمع أسلوب، وهو الطريق.
وجعلوا الطبقة الثانية: الحطيئة وأوس بن حجر ونابغة بني جعدة.
وقال قوم: بل لبيد مع هؤلاء الطبقة الثانية. فقال أبو عمرو ابن العلاء: وخداش بن زهير أشعر في عظم الشعر من لبيد إنما لبيد صاحب صفات. ثم اختلفوا في أوس والحطيئة والنابغة الجعدي.
قال أبو عبيدة: حدثنا يونس النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان أوس بن حجر شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير.
قال: فهو شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع، ليس في تميم أشعر منه في الجاهلية.
المقلون من الشعراء ثلاثة
قال: واتفقوا على أن المقلين ثلاثة: المسيب بن علس، وهو خال أعشى بني قيس بن ثعلبة، والمتلمس، وحصين بن الحمام المري، من بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان.
ثم اختلفوا بعد ذلك في المسيب والمتلمس.
أشعر الشعراء واحدة ثلاثة
واتفقوا على أن أشعر الشعراء في الجاهلية واحدة: طرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم.
قال: ونظيرهم في الإسلام: سويد بن أبي كاهل اليشكري.
أشعر شعراء الإسلام ثلاثة
قال: واتفقت العرب على أن أشعر شعراء الإسلام ثلاثة: الأخطل وجرير والفرزدق. ثم اختلفوا فيهم.
واتفقوا على أن الشعراء في الإسلام في تميم وتغلب.
وأن أشعر أهل المدن أهل يثرب، ثم عبد القيس، وأشعرهم الممزق. ثم ثقيف، وأشعرهم أمية بن أبي الصلت. وأشعر هؤلاء حسان بن ثابت.
المغلبون من الشعراء ثلاثة
المغلبون من الشعراء ثلاثة: نابغة بني جعدة غلبه أوس بن مغراء القريعي. وقال آخرون: بل غلبته ليلى الأخيلية حتى قالت له:
أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد ** للؤمك إلا وسط جعدة مجعلا
وتميم بن مقبل غلبه النجاشي في قوله:
إذا الله عادى أهل لؤم ودقة ** فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
والثالث راعىي الإبل غلبه جرير في قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ** فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
فهؤلاء المغلبون كانوا يجيبون فيغلبهم من ليس مثلهم في عظم الشعر، يريد أفضل الشعر.
الرجز
قال: وكان الرجز، يقول الرجل منه في الحرب إذا حضر وإذا شاتم أو فاخر البيتين والثلاثة ونحو ذلك، حتى كان العجاج أول من رفعه وشبهه بالشعر، وجعل له أوائل ومنسبة وذكر الديار ووصف ما فيها، وبكى على الشباب ووصف الرحلة وشبهها كما صنعت الشعراء في الشعر. فكان العجاج يشبه من الرجاز بامرىء القيس بن حجر من الشعراء.
أول الرجاز
قال: ثم اختلفوا في الرجاز كما اختلفوا في الشعراء فقالت بنو تميم: العجاج أولهم، ثم حميد بن مالك الأرقط، ثم رؤبة بن العجاج.
وقالت ربيعة: أولهم الأغلب، ثم أبو النجم، ثم العجاج. واحتجوا بأن العجاج قال:
إني أنا الأغلب أضحى قد نشر
قال أبو عبيدة: وإنما قال هذا البيت: حكيم بن معية، من ربيعة الجوع بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
قال: وإنما سموا ربيعة الجوع للؤمهم، وهم رهط الأريقط.
فرسان العرب ثلاثة
دريد بن الصمة الجشمي.
وعنترة بن شداد العبسي.
وعمرو بن معدي كرب الزبيدي.
وفارس قيس عامر بن الطفيل.
وفارس تميم عتيبة بن الحارث بن شهاب، صياد الفوارس وسم الفوارس.
وفارس ربيعة بسطام بن قيس الشيباني.
قال: فإذا قيل: فأين طريف بن تميم العنبري. قيل: ذلك إنما هو فارس عمرو.
وزيد الفوارس، فارس الرباب.
قال: ثم اختلفوا في بسطام وعتيبة وعامر حتى نعوا عليهم سقطاتهم.
فقال من يؤخر عامرًا: فر عن أخيه الحكم بن الطفيل يوم الرقم، وهو يوم يأجج، ويأجج: واد ينصب من مطلع الشمس.
وقال من يقدمه: فإنه لم يؤسر ولم يقتل.
وقال من يؤخر عتيبة: قتل يوم خو وفر عن ابنه حزرة يوم ثبرة، فذلك قول عتيبة:
نجيت نفسي وتركت حزره
نعم الفتى غادرته بثبره
لن يترك المرء الكريم بكره
يا لتميم غشيتني عبره
وقال من يؤخر بسطامًا: قتله عاصم بن خليفة الضبي يوم النقا وفر عن قومه يوم العظالى. وأسره عتيبة بن الحارث يوم غبيط المدرة، وفي ذلك يقول العوام بن شوذب أحد بني شيبان:
وإن يك في يوم الغبيط ملامة ** فيوم العظالى كان أخزى وألأما
وفر أبو الصهباء إذ حمس الوغى ** وألقى بأبدان السلاح وسلما
ولو أنها عصفورة لحسبتها ** مزنمة تدعو عبيدًا وأزنما
وقال في أسره:
قبح الإله عصابة من وائل ** يوم الأفاقة أسلموا بسطاما
كانت لهم بعكاظ ألأم فعلة ** جعلت على أفواهم قداما
وفيه يقول:
لو كنت في الجيش إذ مال الغبيط بهم ** ما أبت قبل أبى زيق ولم يؤب
أبو زيق: بسطام بن قيس كناه بابنه زيق وكان يكنى أبا الصهباء.
وقال من يذب عنه في يوم فراره: ما فر عن أخيه ولا ابنه. وقالت ربيعة: عدوا لعامر وعتيبة مثل: قتلى بسطام، قتل بجيرًا وعناقا ابني مليل اليربوعيين - من بني ثعلبة بن يربوع - وأسر أباهما أبا مليل - وكان سيد بني ثعلبة - وقتل عمارة بن عتيبة بن الحارث، ومالك بن حطان، وجرح أحيمر الثعلبي. فقالت بنو تميم: هؤلاء أحداث كانوا يتسرعون إليه فرادى فيقتلهم، وقد صار فخره بهؤلاء لعتيبة بن الحارث بأسره إياه. وقالوا: قتل أيضًا عتيبة يوم غول ابني هجيمة الكنديين فهما أيضًا من هؤلاء الأحداث.
وقالت تميم وربيعة لقيس: فمن قتل عامرًا ومن أسر؟ فقالت قيس: فمن قتل الخليفة وتآمر فهو سيد الناس، يريدون: أن الرئيس الضخم مثل الخليفة لا يقابل إذا اجتمع على شرف الرجل وشجاعته وجوده فلم يسأل عنه.
قال أبو عبيدة: كان عتيبة وبسطام عفيفين، وكان عامر عاهرًا، وكان عامر وبسطام سخيين لا يليقان شيئًا، وكان عتيبة بخيلًا ممسكًا، فلم تجتمع الخصال الثلاث من هؤلاء إلا في بسطام؛ فإنه كان شجاعًا سخيًا عفيفًا. وقد اشتركوا في الشرف. وقال ذو الغلصمة العجلي في الفرسان الثلاثة:
ألا أيها الراجي المؤمل عيشه ** ألا كل حي فوقها لذهاب
ألم تر بسطام بن قيس وعامرًا ** أثوا وابن آل الحارث بن شهاب
عتيبة صياد الفوارس عطله ** ظهور جياد بعدهم وركاب
وقال ذو الغلصمة أيضا:
ألا إن خير الناس إن كنت سائلًا ** قتيلان بسطام بن قيس وعامر
هما أخو الحرب الذي شاب بكرها ** غلام أخو حرث وآخر عاقر
وما خلفا يمشي على الأرض من فتى ** ولكن شبانًا عليها المآزر
ومطوهما وسم الأعادي عتيبة ** إذا ثار نقع والرماح شواجر
ولعتيبة يقول جرير بن الخطفي: منا أبو حزرة وسم الفرسان. وقال لعامر بن الطفيل:
أعامر بن طفيل في مركبه ** أو حارثًا يوم نادى القوم يا حار
وفي بسطام يقول الربعي:
تألى على ما في يديك كأنما ** رأيت ابن ذي الجدين عندك عانيا
يعني بسطاما. وفيه يقول:
أناس يفادى الجدي فيهم كأنما ** يفادى به بسطام بكر بن وائل
أجواد العرب في الجاهلية ثلاثة
حاتم بن عبد الله الطائي، وكعب بن مامة الإيادي ثم الحذاقي، وكلاهما آثر على نفسه.
والجواد هرم بن سنان بن أبي حارثة الذي يقول له زهير:
إن البخيل ملوم حيث كان ول ** كن الجواد على علاته هرم
هو الجواد الذي يعطيك نائله ** عفوًا ويظلم أحيانًا فيظلم
قال ابن خالويه: فيتظلم ويطلم غير معجمة.
وكان مما آثر حاتم على نفسه: أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة فلما كان بأرض عنزة ناداه رجل أسير فيهم: يا أبا سفانة، أكلني الإسار والقمل، قال: ويلك - والله ما أنا في بلاد قومي، ولا معي شيء، وقد أسأت بي إذ نوهت باسمي وما لك مترك، فساوم العنزيين به فاشتراه منهم، وقال: خلوا عنه وأنا أقيم مكانه في قيده حتى أؤدي فداءه، ففعلوا. وقال لرفيقه: عجل علي إذا أتيت أهلي فأتني بفدائه.
قال: وأتته امرأة بناب ومفصد ليفصدها فلبت في سبلتها، أي: منحرها فهتفت وقالت: إنما أردت لتفصدها. وفي رواية أنها لطمته فقال: لو غير ذات سوار لطمتني فذهبت مثلا، وقال في ذلك:
لا أفصد الناقة من أنفها ** لكنني أفصدها العاليه
ولحاتم يقول أوس بن حجر:
إني إلى حاتم رحلت ولم ** يدع إلى العرب مثله أحد
الهين اللين المخالطة ** في حيث أمسى وأصبح السعد
أمك حرمية مهذبة ** طابت له الأمهات والولد
وقال الفرزدق حين صافن عاصمًا العنبري وضلا:
فلما تصافنا الإداوة أجهشت ** إلي غضون العنبري الجراضم
وجاء بجلمود له مثل رأسه ** ليشرب ماء القوم بين الصرائم
على ساعة لو إن في القوم حاتمًا ** على جوده ضنت به نفس حاتم
الإداوة: المطهرة. الرواية: لضن بالماء حاتم بجعله بدلًا من الهاء.
قال: وكان مما آثر به كعب بن مامة على نفسه أنه أصحب رجلًا من النمر بن قاسط في سفر في شهر ناجر - وهو أشد الأشهر حرًا وإنما سمى ناجر لأن الإبل تنجر فيه، وهو أن تشرب فتمتلىء بطونها من الماء وأفواها يابسة - قال: فضلا فتصافنا ماءهما، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أصاب كعبًا قال كعب: اسق أخاك النمري، فيؤثره ويسقيه حتى أضر به العطش، فلما رأى ذلك استحث راحلته وبادر أن يموت حتى رفع له أعلام الماء فجعل يقول: رد كعب إنك وراد، فغلبه العطش فمات. وقال رجل من إياد يبكيه:
ما كان من سوقة أسقى على ظمإ ** خمرًا بماء إذا ناجورها بردا
من ابن مامة كعبٍ ثم عي به ** زو المنية إلا حرة وقدا
وافى على الماء كعب ثم قيل له ** رد كعب إنك وراد فما وردا
وذكر الفرزدق في كلمته فقال:
إذا قال كعب هل رويت ابن قاسط ** يقول له زدني بلال الحلاقم
وكنت ككعب غير أن منيتي ** تأخر عني يومها بالأصارم
قال: وكان كعب إذا جاوره جار فمات بعض أهله ولم يكن لحمته وداه. وإن هلك بعير له أو شاة أخلف عليه. ولم يكن أحد من الجيران هكذا. قال: فجاوره أبو دؤاد الإيادي الشاعر، وكان يفعل به ذلك.
قال أبو عبيدة: فإذا حمد جار لحسن جوار ضرب به المثل فقيل: جار كجار أبي دؤاد، وقال طرفة بن العبد:
إنى كفاني من جار هممت به ** جار كجار الحذاقي الذي اتصفا
وقال قيس بن زهير يمدح ربيعة بن فرط، أحد بني بكر ابن كلاب وكان جاوره أيام كانت بنو عبس في بني عامر:
أحاول ما أحاول ثم آوي ** إلى جار كجار أبي دؤاد
منيع وسط عكرمة بن قيس ** وهوب للطريف وللتلاد
وقال شاعر في الإسلام:
ما زلت عن حاتم وكعب وعن ** طلحة تلغي بذاك ما فعلوا
وتعتلي بالفعال شأوهم ** حتى بك اليوم يضرب المثل
وقال الكميت بن زيد لخالد بن عبد الله القسري:
ما أنت في الجود إن عدت فضائله ** ولا ابن مامة إلا البحر والوشل
أنسيتنا في الندى أسلاف أولنا ** فأنت في الجود فيمن بعدنا مثل
أجواد العرب في الإسلام
وأجواد العرب في الإسلام: من أهل المدينة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ومن أهل الكوفة أسماء بن خارجة الفزاري. وعكرمة بن ربعي الفياض، من تيم الله بن ثعلبة. وخالد بن عتاب بن ورقاء اليربوعي ثم الرياحي. ومن أهل البصرة طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وعبيد الله بن أبي بكرة ثم أمسك بأخرة. ومن أهل الشام خالد بن عبد الله بن أسيد.
رجليو العرب ثلاثة
الواحد رجلي: وهو الشديد العدو، وإنما يغير على رجليه.
المنتشر بن وهب الباهلي، وسليك بن عمير السعدي، وأمه سلكة، سوداء إليها ينسب، وأوفى بن مطر المازني، مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وكانوا لا يجارون شدا، وكان ربما جاع أحدهم فيعدو على الظبي حتى يأخذه بقرنه، وكانوا أدل من القطا، فكانوا إذا كان أيام من الربيع جعلوا الماء في بيض النعام مثقوبًا فبددوه، فإذا كان الصيف وانقطع الغزو وغزى أحدهم جاء حتى يقف على البيضة فيستثيرها.
قال أبو عبيدة: غزت بكر بن وائل بني تميم فأرسلوا طلائع لهم فرأت السليك، وكانوا جاءوا متجردين ليغيروا على بني تميم. فقالوا: إن علم هذا الخبيث أنذر قومه، فبعثوا إليه فارسين منهم على جوادين فلما هايجاه خرج يمحص كأنه ظبي فطارداه سحابة يومهما وقالا إذا كان الليل أعيا فسقط وقصر عن العدو فنأخذه، قال: فلما أصبحوا وجدوا أثره وقد عثر بأصل شجرة فيرى كمكان تلك وندرت قوسه وانحطمت، فوجدوا قصدة منها قد ارتزت في الأرض فقالا أخزاه الله ما أشده، فهما بالرجوع ثم قالا: لعل هذا كان من أول الليل ثم فتر، فتبعاه فإذا أثره متفاج - والمتفاج الذي فتح رجليه للبول، يقال للشاة إذا دنت ففتحت رجليها للحلب تفاجت الشاة - قد بال فرغًا في الأرض فخدها فقالا: ما له قاتله الله ما أشد متنه! والله لا نتبعه بعد هذا، فانصرفا، ونم إلى قومه فأخبرهم الخبر وأنذرهم الجيش فكذبوه لبعد الغاية، فقال:
يكذبني العمران عمرو بن جندب ** وعمرو بن سعد والمكذب أكذب
لعمرك ما ساعيت من سعي عاجز ** ولا نأنإ لو أنني لا أكذب
ثكلتكما إن لم أكن قد رأيتها ** كراديس يهديها إلى الحي موكب
كراديس فيها الحوفزان وحوله ** فوارس همام متى يدع يركبوا
تفاقدتم هل أنكرن من مغيرة ** مع الصبح يهديهن أشقر مغرب
قال أبو عبيدة: فأتاهم الجيش فأغاروا عليهم فعلموا عند ذلك أن سليكًا قد صدقهم. قال: وكان يقال له سليكا المقانب. فقال فرار الأسدي: وكان عرقب امرأته. فطلبه بنو عمها فهرب فبلغه أنهم يتحدثون إليها، فقال:
أزوار ليلى منكم يال برثن ** على الهول أمضى من سليك المقانب
يزورونها ولا أزور نساءهم ** ألهفي بأولاد النساء الحواطب
قال: وأما المنتشر الباهلي فإنه كان يغاور أهل اليمن فقتل مرة بن عاهان الحارثي، فقالت نائحته:
يا عين بكي لمرة بن عاهانا ** لو كان قاتله من غير من كانا
لو كان قاتله قومًا ذوي حسب ** لكن قاتله بهل بن بهلانا
فأغار المنتشر عليهم بعد هذا القول، فأخذ هذه المرأة التي قالت هذا الشعر فقرنها إلى بعيرين صادر ووارد فشقاها نصفين فقال:
ونحن شققناها اثنتين بجرمها ** وفريتها كلتيهما الرجل باليد
تركنا عليها مئزرًا آنييه ** على مصدر من قدقد أو مورد
وأسر صلاءة بن العنبر الحارثي فاتكًا فقال: أفد نفسك، فأبى فقال: لا والله ما يذر شارق إلا قطعت منك مفصلًا ما لم تفد، فقطعه أنملة أنملة وعضوًا عضوًا حتى أتى على نفسه، وكانت بنو الحارث تسمي المنتشر مجدعًا فطلبوه فلم يقدروا عليه حتى حج ذا الخلصة وهو بيت بالعبلاء كانت خثعم ومن وليهم من قيس وغيرهم يحجونه قال: وهو اليوم مسجد العبلاء، فحجه المنتشر مستترًا يسير بالليل ويكمن بالنهار، فدل الحارثيون عليه فزعمت باهلة أن بني نفيل بن عمر بن كلاب أجملوا فيه ودلوا عليه فانبهوا إلى ربيئته وهو نائم فجاوزه إليه فأخذوه سلمًا، فقالوا: والله لنقطعنك أعضاء كما فعلت بصلاءة، ولقي أبو قحافة أعشى باهلة معتمرًا من عمرة الحج فسأله: هل من جائبة خبر؟ قال: نعم أخذت بنو الحارث المنتشر فقطعوه، فقال أعشى باهلة يرثيه:
إني أتتني لسان لا أسر بها ** من علو لا عجب منها ولا سخر
تأتى على الناس لا تلوي على أحد ** حتى التقينا وكانت دوننا مضر
إما سلكت سبيلا كنت سالكها ** فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
لا يأمن الناس ممساه ومصبحه ** من كل أوب فإن لم يغز ينتظر
لا يغمز الساق من أين ولا وصب ** ولا يعض على شرسوفه الصفر
تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ** من الشواء ويروي شربه الغمر
لا يتأرى لما في القدر يرقبه ** ولا يزال أمام القوم يقتفر
قال أبو عبيدة: وحدثني سليمان بن مزاحم عن أبيه قال: خرج أوفى بن مطر وجابر الرزميان وشهاب الخزاعي يتأوبون فلقوا أعداءهم من بني أسد فشغل كل واحد منهم قرنه، فأجلت المعركة عن أوفى جريحًا، فقال أوفى لجابر: أقم علي حتى تنظر إلى ما يصير إليه أمري، قال: أنت ميت لا محالة، وليس لك درك أن تقتلني بنو أسد، قال: فإني أزحف حتى نلحق بعماية فنشرب من مائها ونأكل من خضرها، فقال جابر: والله ما ترك بنو أسد بعماية إلا أرضًا فضاء، قال أوفى: نلحق بقساس فقال: والله ما قساس عند بني أسد إلا حرملة، وأنت ميت لا محالة، فألحق فأحرز نفسي قال: فتركه ولحق بقومه فسألوه عن أوفى، فقال: قتل، وزحف أوفى إلى أحد الجبلين فأقام به حتى أفاق ثم أقبل إلى قومه وهو في أنفسهم قد قتل، فقال رجل منهم: لولا أن الموتى لا تنشر لأنبأتكم إن هذا أوفى، فنظر القوم فإذا هو أوفى، قال: وجابر في القوم، فانسل فأخبرني قراد بن العنبر الرزامي قال: والله ما ندري أين سقط، ولا من ولد إلى الساعة، استحياء من الكذبة حين أخبرهم أن أوفى قد قتل وأخبر أوفى أن جابرًا نعاه، فقال:
ألا أبلغا خلتي عامرًا ** بأن خليلك لم يقتل
تخطأت النبل أحشاءه ** وأخر يومي فلم يعجل
وإذ ما أتيت بني مازن ** فلا تفل رأسًا ولا تغسل
فليتك لم تك من مازن ** وليتك في البطن لم تحمل
وليت سنانك صنارة ** وليت رميحك من مغزل
تجاوزت جمران من ساعة ** وقلت قساس من الحرمل
وقلت عماية أرض فضاء ** فلأيًا أؤوب إلى معقل
قال: ثم إن أوفى غزا مع مجمع، وهو أبو وردان العكلي، فغنما فبينا أوفى راقد أخذ مجمع سلاح أوفى فجدعه بالسيف وأخذ ما غنما، فقال أوفى:
أبلغ أسيد والهجيم ومازنًا ** ما أحدثت عكل من الحدثان
يا قوم إني لو خشيت مجمعًا ** رويت منه صعدتي وسناني
وهلك أوفى.
أغربة العرب ثلاثة
وإنما سموا أغربة، لأن أمهاتهم سود.
عنترة بن شداد العبسي، وأمه زبيبة. وخفاف بن عمير الشريدي، من بني سليم، وأمه ندبة، وإليها ينسب. وسليك بن السلكة السعدي. وكانوا شعراء شجعة، فكان يقال لعنترة عنترة الفوارس، وهو الذي قتل ضمضمًا المري أبا حصين، وهرم في حرب داحس وغبراء، وإياهما عنى بقوله في كلمته الطويلة:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ** للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ** والناذرين إذا لم ألقهما دمي
إن يثلبا عرضي فإن أباهما ** جزر السباع وكل نسر قشعم
وهو القائل في حرب ابني بغيض، وكان من فرسانهم:
بكرت تخوفني الحتوف كأنني ** أصبحت من غرض الحتوف بمعزل
فأجبتها إن المنية منهل ** لا بد أن أسقى بذاك المنهل
فاقني حياءك لا أبالك واعلمي ** أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
إن المنية لو تمثل مثلت ** مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
إذا لا أبادر في المضيق فوارسي ** أو لا أوكل بالرعيل الأول
وكان قال له أبوه: كر عنترة، فقال: لا يحسن العبد الكر إلا الحلب والصر، قال: أنت عتيق، قال: وكان الرجل في الجاهلية إذا كان له ولد من أمة استعبده، قال: فكر وهو يقول:
كل امرء يحمى حره
أسوده وأحمره
والشعرات المشعره
الواردات مشفره
قال أبو عبيدة: وحدثني غير واحد من غطفان أن عنترة بعدما تأوب عبس إلى غطفان، وبعد يوم جبلة وحمل الدماء احتاج، وكان صاحب غارات فكبر وعجز عنها، وكان له بكر على رجل من غطفان فخرج قبله يتجازاه، فهاجت به رائحة من صيف نافحة وهي بين شرج وناظرة فأصابت الشيخ فهرأته فوجد ميتًا بينهما.
وخفاف الذي يقول:
يا هند يا أخت بني الصارد ** ما أنا بالباقي ولا الخالد
إن أمس لا أملك شيئًا فقد ** أملك أمر المنسر الحارد
المنسر: الجيش. والحارد: القاصد.
قال أبو عبيدة: وحدثني أبو بلال سهم بن أبي عباس بن مرداس قال: غزا معاوية بن عمرو الشريدي وهو أخو خنساء مرة فزارة ومعه خفاف بن ندبة، فاعتور معاوية هاشم ودريد ابنا حرملة المريان فاستطرد له أحدهما وشد عليه الآخر وقتله، فلما تنادوا قتل معاوية قال خفاف: قتلني الله إن رمت حتى أثأر به فشد على مالك بن حمار سيد شمخ بن فزارة فقتله وأنشأ يقول:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ** فعمدًا على عيني تيممت مالكا
وقفت له جلوى وقد خام صحبتي ** لأبني مجدًا أو لأثأر هالكا
أقول له والرمح يأطر متنه ** تأمل خفافًا إنني أنا ذالكا
قال أبو عبيدة: وحدثني منتجع بن نبهان، قال: كان السليك إذا كان الربيع استودع بيض النعام ماء ثم دفنه فإذا كان الصيف وانقطعت غارة الخيل - وكان أدل من القطاة - فيجئ حتى يقف على البيضة، وكان لا يغير على مضر إنما يغير على أهل اليمن فإذا لم يتيسر ذاك أغار على ربيعة، وكان يؤتي عبد الملك بن مويلك الخثعمي إتاوة من غنيمته على أن يجيزه فيجاوزه إلى من وراءهم من أهل اليمن فيغير عليهم، قال: فمر سليك قافلًا من غزوة فإذا بيت من خثعم أهله خلوف وفيه امرأة شابة بضة فسألها عن الحي فأخبرته فتسنمها ثم التحم المحبة، فبادرته إلى الماء فأخبرت القوم، فركب أنس بن مدرك الخثعمي فقتله، فقال عبد الملك: والله لأقتلن قاتله أو ليدينه، قال أنس: والله لا أديه، ابن أفال. ثم قال:
إني وقتلي سليكًا ثم أعقله ** كالثور يضرب لما عافت البقر
غضبت للمرء إذ نيكت حليلته ** وإذ يشد على وجعائها الثغر
إنا نقاسي بهامات بمجزرة ** لا يزدهيني سواد الليل والخمر
أغشى الحروب وسربالي مضعفة ** تغشى البنان وسيفي صارم ذكر
أوفياء العرب في الجاهلية ثلاثة
السموأل بن عاديا، والحارث بن ظالم المري، وعمير بن سلمى الحنفي.
ضرب بالسموأل المثل في الجاهلية والإسلام. ضرب بالحارث بن ظالم في الإسلام. وكان الذي شهر وفاء السموأل أنه أجار قطين امرؤ القيس بن حجر وأدرعه وكراعه حين توجه إلى الروم فلما مات امرؤ القيس بأنقرة بعث ملك من ملوك غسان - وهو عمرو بن هند وهو ابن المنذر - إلى السموأل فيما استودعه امرؤ القيس فأبى أن يسلمه وبعث إليه جيشًا عليهم رجل من أهل بيته يقال له الحارث، وكان السموأل ينزل حصنًا يقال له الأبلق الفرد من أرض تيماء، فلما أحس بهم أغلق حصنه، وكان له ابن إما في سفر وإما في صيد، فجاء وهو لا يعلم أنه قد أطيق بأبيه فأخذه الحارث فقال: إن سلمت إلي الوديعة خليت عن ابنك وإلا قتلته، فأبى أن يسلمها فأخذ الحارث ابنه وصرعه ثم ناداه: أشرف فانظر فوالله لأقتله أو لتدفعن إلى الوديعة، فقال: الغدر طوق لا يبلى ولابني هذا إخوة وأنا أرجو أن يعقبنيه الله، فقتله، فقال السموأل:
وفيت بأدرع الكندي إني ** إذا عاقدت أقوامًا وفيت
بنى لي عاديا حصنًا حصينًا ** وماء كلما شئت استقيت
رفيعًا تزلق العقبان عنه ** إذا ما نابني ضيم أبيت
وأوصى عاديا قدمًا بأن لا ** تهدم يا سموأل ما بنيت
وكم من مخبر لي ليس يدري ** أورد لون جلدي أم كميت
والتقط رجل من كلب الأعشى فكتمه نفسه فحبسه واجتمع شرب عند الكلبي فيهم شريح بن عمرو، فعرف الأعشى، فقال: من هذا؟ قال: خشاش من الأرض التقطته، فقال: ما ترجو بهذا؟ ما لهذا فداء خل عنه، فخلى عنه، فأطعمه شريح وسقاه فلما أخذت فيه الكأس همهم فسمعه الكلبي يتزمزم بهجائه - والتزمزم تحريك الشفتين بالكلام - فأعاده في القيد، فقال الأعشى يهجوه:
بنو الشهر الحرام فلست منهم ** ولست من الكرام بني عبيد
ولا من رهط جبار بن قرط ** ولا من رهط حارثة بن زيد
وقال لشريح يرغبه في الوفاء واقتص عليه حديث السموأل ووفائه وادعى جوار شريح:
شريح لا تتركني بعد ما علقت ** حبالك اليوم بعد القد أظفاري
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ** في جحفل كسواد الليل جرار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله ** حصن حصين وجار غير غدار
فسامه خطتي خسف فقال له ** اعرضهما هكذا أسمعهما حار
فقال ثكل وغدر أنت بينهما ** فاختر فما فيهما حظ لمختاري
فشك غير طويل ثم قال له ** اقتل أسيرك إني مانع جاري
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ** رب كريم وبيض ذات أطهار
فقام معتمدًا إذا قام يقتله ** أشرف سموأل فانظر للدم الجاري
فاختار أدراعه كي لا يسب بها ** ولم يكن عهده فيها بختاري
وضربه الكميت بن زيد مثلا، فقال:
وفاء السموأل لا بل يزيد ** كما يفضلن الخميس الزعيما
وضربه أيضًا مثلًا، فقال:
وعقد السموأل للخائفين ** لجارك إن أنت أمنت جارا
وقال الفرزدق وضربه مثلًا لسليمان بن عبد الملك حين وفى ليزيد بن المهلب:
وفاء أخي تيماء إذ هو مشرف ** يناديه مغلولًا فتى غير جانب
أبوه الذي قال اقتلوه فإنني ** سأمنع جاري أن يسب به أبي
وإنا وجدنا الغدر أعظم سبة ** وأفضح من قتل امرئ غير مذنب
فأدى إلى آل امرؤ القيس بزه ** وأدراعه معروفة لم تغيب
وكان الذي شهر وفاء الحارث بن ظالم أنه لما قتل خالد بن جعفر في جوار الأسود بن المنذر اللخمي طلبه فهرب فدل الأسود على جارات الحارث من بلي، وقيل له: إنك لا تصيبه بشيء هو أشد عليه منهن إذ فاتك، فاستاقهن وأموالهن، فبلغ ذلك الحارث فكر من وجهه حتى سأل عنهن ومرعى إبلهن فدل عليهن فأتى الحارث موضعهن فإذا ناقة لهن يقال لها اللفاع كانت غزيرة يحلبها حالبان فلما رآها قال:
إذا سمعت حنة اللفاع ** فادعي أبا ليلى ولن تراعي
ذلك راعيك فنعم الراعي ** يجبك رحب الباع والذراع
منصلتًا بصارم قطاع
وقال:
أنا أبو ليلى وسيفي المعلوب ** هل يمنعن ذودك ضرب تشذيب
فعرف البائن كلامه فحبق، يعني ضرط، فقال: است البائن أعلم - والبائن الذي يقوم من الشق الأيمن، فذهبت مثلًا - خليا عنها، فخليا عنها، فجمع أموال جاراته فردها عليهن واستنقذهن وأموالهن، ثم انطلق فأخذ شيئًا من جهاز رحل سنان بن حارثة المري فأتى به أخته سلمى بنت ظالم ويقال سلمى امرأة من بني أسد وكانت عند سنان، وقد تبنت ابن الأسود فقال: هذا علامة بعلك فصنعي ابنك حتى آتيه، ففعلت فأخذه فقتله لما فعل بجاراته. ففي ذلك يقول الحارث بن ظالم:
قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما ** محارب مولاه وثكلان نادم
أخصيي حمار بات يكدم نجمة ** أتوكل جاراتي وجارك سالم
فإن تك أذواد أصبن وصبية ** فإن ابن سلمى رأسه متفاقم
علوت بذي الحيات مفرق رأسه ** وكان سلامي تحتويه الجماجم
فتكت به كما فتكت بخالد ** وهل يركب المكروه إلا الأكارم
وكان الذي شهر وفاء عمير أن رجلًا من السواقط - وكان السواقط من قبائل شتى، وسموا سواقط: لأنهم كانوا يأتون اليمامة في الأشهر الحرم للتمر والزرع، فإذا أدرك قضوا منه حاجتهم ثم رجعوا إلى بلدانهم، وإن لم يكن أدرك أقاموا حتى يدرك أو حتى تدخل الحرم، وكان مرارة بن سلمى يجيرهم وكان الرجل منهم يأتى الرجل من أهل اليمامة فيقول له: أجرني إلى أن أشخص، فيجيره ويكتب له على سهم: فلان جار فلان، ويدفعه إليه، فينصرف حيث شاء من اليمامة لا يعرض له أحد منهم، وكانوا يدعون السواقط - فأراد النعمان بن المنذر أن يجليهم عنها وبعث في ذلك، فمنعهم مرارة بن سلمى بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع من بني الدؤل بن حنيفة بن مجاعة بن مرارة، فقال أوس بن حجر يحض النعمان عليه:
زعم ابن سلمى مرارة أنه ** مولى السواقط دون آل المنذر
منع اليمامة حزنها وسهولها ** من كان ذا تاج رفيع المنخر
فكان رجل من السواقط من بني نفيل بن عمرو أتى قائد الجرباء وهي الكتيبة عمير بن سلمى بن عمرو بن مجمع بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة فقال: أجرني، فأجاره، وكتب له على سهم: فلان جار عمير، وكان مع الكلابي أخ له جميل فقال قرين بن سلمى له وهو أخو عمير: لا تقربن أبيات نسائنا، فوجده ذات يوم يتحدث إلى امرأته فرماه بسهم فأصماه.
وأما بنو حنيفة فزعموا أن الكلابي كانت امرأته أجمل النساء وكان قرين يتحدث إليها فوجد زوجها عندها فخاف قرين على المرأة فقتله، فانطلق أخو الكلابي وهو رجل من بني عمرو بن كلاب فضرب بيته على قبر سلمى أبي عمير جاره وقرين القاتل وعمير يومئذ ليس بشاهد فانطلق قرين إلى قتادة بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة فأخبره الخبر، فأتى الكلابي فأعطاه ما سأل من المال فأبى فخرج قرين من المحرقة وهي لبني يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة وهي البادية فلحق بجده أبي أمه السمين بن عمرو بن سيار بن عبيد بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة واتبعه عمير فحالوا بينه وبين أخيه فجاء السمين فقال: أحمقاء أنتم؟ ادفعوا إليه أخاه، فدفع قرين إليه فخرج به يقوده من الوتر حتى أتى به إلى المحرقة فأعطى الكلابي ما كان لقرين من مال وما سأله فأتى وجوه اليمامة فعرضوا عليه من المال ما سأل فأبى الكلابي، فربط عمير قرينًا إلى نخلة فقال: شأنك، وكلمت حسينة عميرًا ابنها أن لا يقتل أخاه فأبى فولى عنه، فقال عمير: أما إذ قتلته فاظعن عنا فليس لك في جوارنا خير، فظعن من اليمامة. وقالت حسينة حين لامت عميرًا في قتل أخيه فاعتذر إليها:
تعد معاذرًا لا عذر فيها ** ومن يقتل أخاه فقد ألاما
وقال رجل منهم:
قتلنا أخانا للوفاء بجارنا ** وكان أبونا قد تجير مقابره
وقال الكلابي في وفاء عمير:
وإذا استجرت من اليمامة فاستجر ** زيد بن يربوع وآل مجمع
وأتيت سلميًا فعذت بقبره ** وأخو الزمانة عائذ بالأمنع
وعلمت أني حين عذت بقبره ** نهشت يداي إلى صدى لم يسمع
وإلى صدى من يستجره عائذا ** ينصر وجاء إلى أشم ممنع
وأخذت بالحجر التي أنسأتها ** كانت إذا طبع امرئ لم يطبع
وبآل سلمى ومن يعدمهم ** تناش يداه إلى أعز الأرفع
وعلمت أني إن أخذت بحلبهم ** بهشت يداك إلى وحًا لم يصفع
أقرين إنك لو رأيت فوارسي ** بعمايتين إلى جوانب ضلفع
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن ** للغدر خائنة مغل الإصبع
فلو أن ما قدرت على رماحهم ** في يوم معركة إذا لم أجزع
أخشى بواد من قرين سورتي ** فاخشى بواد من شقي مولع
السموأل أسلم ابنه للقتل واختار الوفاء، وعمير أسلم أخاه للقتل واختار الوفاء، فلم نسمع بمثلهما.
جاور بنو سلامة - وهم أهل بيت من بني الهجيم بن عمرو - في بني جذيمة بن رواحة ولهم فيهم خؤولة فنزلوا بشرج فقتل رجل من بني عبس رجلا منهم، فتحمل الهجيميون متوجهين إلى قومهم وأخذ مساور ابن هند القاتل العبسي ثم اتبعهم حتى لحقهم بإراب فدفعه إلى رجل منهم يقال له عتاب فقتله بصاحبه فقال:
أبلغ سراة بني تميم إنني ** أعددت مكرمة ليوم سباب
وأخذت ثأر بني سلامة عنوة ** فدفعت ربقته إلى عتاب
وجنبته من أهل شرج عانيا ** حتى تحكم فيه أهل إراب
غدرت جذيمة غير أني لم أكن ** يومًا لألبس غدرة أثواب
أمرت جذيمة هفوة من رأيها ** وسفاهها ليغللوا أنيابي
قتلوا ابن أخيهم وجار بيوتهم ** من خينهم وسفاهة الألباب
وإذا فعلتم ذلكم لم تتركوا ** أحدًا يذود لكم عن الأحساب
فكانوا يهددونه ثم إنه أدركه ذمام من قومه فأخرج لهم مائة بعير دية لصاحبهم، فقال رجل منهم في ذلك وإنه أخرجها رهبة:
لا تجزع أبا الصمعاء وأدلج ** لسيفي بعد جارك بالمئينا
فبعث بها المساور إلى بني الهجيم لجاجة وضرارًا لما قال هذا فأقاد ووفى، فلم يسمع بجار مثله. قال المساور:
ولما أربدت أعناق كوم ** على أثباجها مثل الأروم
وقال ابن المغيرة لابن زيد ** أعينونا بأغفلة وكوم
لواها جدهم عنهم فخابوا ** وأحرزها جدود من تميم
جاور رجل من بني وبرة عبيد بن غاضرة العنبري بفلج فأغار عليه جميل أبو خشرم السلمي فأخذ إبله فركب عبيد حتى أتى جميلا فقرنه إلى بعير ثم حزمه على بكر فسلح على ظهره فآلى لا ينقلب حتى تأتي بجميع ما أخذت بأعيانه وأرهق نفسك فردها عليه بعينها، ففي ذلك يقول عبيد:
تقول ابنة الكلبي إذ حل أهلها ** جميعا بأعلى ذي أبان فلعلعا
لعمري لقد أوفى عبيدًا لجاره ** وزاد على كفل الوفاء فأترعا
فلا تحمداني بالوفاء فإنما ** تخيرتماني أهل فلج لأمنعا
قرنت أخا عون جميلا كأنما ** قرنت به بكرًا من الشول أفرعا
الرداد على من استغاث بهم ثلاثة
الحارث بن ظالم، وكان عياض بن ديهث أحد بني عمرو بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم جارًا لبني يربوع بن غيظ بن مرة وكان انتجع أرضهم لما أجدبت أرض بني تميم وكان ذا مال، فأجدبت بنو يربوع فانتهبوا ماله، فلما رأى ذلك أعلق دلوه ورشاءه ببكرة الحارث بن ظالم ورشائه ثم نادى: يا جارنا يا جارنا، فأتاه الحارث فقال: متى كنت جاري؟ إنما كنت جار بني يربوع، فقال: بلى هذه دلوي ورشائي معلقتين برشائك وعلقت معالقها وصر الجندب، أي: لا أقدر على النقلة من حر القيظ وهو مثل في شدة الأمر واستحكامه، فقال الحارث: إلا أكن عقدت لك فقد رأيتك عقدت لنفسك. وجعل عياض يقول:
مصبح جارات بني يربوع
جواثمًا كالحدإ الوقوع
يعدلن بين حرب رجوع
وبعد عساس المخض والنقيع
فقال له الحارث: إذا وردت إبلك فاحضر، فلما وردت سل سيفه فقال:
فكيف نجائي من عياض بن ديهث ** وقد شد عقدًا دلوه برشائيا
فقالت بنو يربوع: يا حارِ ما لك ولجارنا تدخل فيما بيننا وبينه؟ فقال: قد شد عقده بحبالي وشد علي الحياض، فجعل يحوزها ناقة ناقة وجملا جملا، حتى تقصاها فدفعها إلى عياض ثم ألحقه بقومه. فصار مثلًا في الوفاء مع السموأل ليس غيرهما. والأوفياء كثير. فضربه الفرزدق لوفاء سليمان بن عبد الملك لبني المهلب حين عاذوا به فقال:
لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه ** على كل جار جار آل المهلب
كما كان أوفى إذ ينادى ابن ديهث ** وصرمته كالمغنم المتنهب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ** وكان متى ما يسلل السيف يضرب
وما كان جارًا غير دلو تعلقت ** بحبليه في مستحصد القد مكرب
وضربه الفرزدق أيضا مثلًا لوفاء مالك بن المنذر العبدي فقال:
أعوذ ببشر والمعلى كليهما ** أبو منذر أوفى جوارًا وأكرم
من الحارث المنجي عياض بن ديهث ** فرد أبو ليلى له وهو أظلم
وما كان جارًا غير دلو تعلقت ** بعقد رشاء متنه لا تجذم
فرد أخا عمرو بن سعد بذوده ** جميعًا وهن المغنم المتقسم
ومخارق بن شهاب، وكان محرز بن المكعبر الضبي جارًا [لبني عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم]، ثم أحد بني السمين أغار على ماله ومال بني السيد ابن مالك فاستصرخهم فلم يصرخوه ولم يؤسيوه فقال لهم وردان من بني عدي بن جندب: اطلبوا إبله فردوها، فلما خاف محرز الفوت لحق بمخارق بن شهاب أحد بني خزاعي بن مازن فلقي مساحقًا فاستجاره فأجاره فأتى أخاه المخارق فقال: إني قد أجرت ابن المعكبر، فلامه وقال: كيف تجيره وترد عليه ما فئت به، ثم ضرب بعكاز معه الأرض، وقال: ما ذنبي إن كان مساحق أجار ابن المكعبر، ثم سأل ابن المكعبر على المسير فسير القوم وسيره منزلة لهم ومنزلة له، ثم يأتيهم من أمامهم يوم كذا، فنادى: يا آل مازن، فخرجوا في إثر البكريين حتى أتوهم من قدامهم فقاتلوهم فانهزموا وأخذوا ما كانوا ذهبوا به، وكان وردان يذمم بما صنعت بنو العنبر فلحق بمخارق فشد الوقيعة معه ورد مخارق على ابن المكعبر وبني ضبة ما كان ذهب به البكريون، وقال في ذلك:
أقول وقد بزت بتعشار سربة ** لوردان جد الآن فيها أو العب
ستعرفها ولدان ضبة كلها ** بأعيانها مردودة لم تغيب
حميت خزاعيًا وأفنا مازن ** ووردان يحمي عن عدي بن جندب
فعض الذي أبقى المواسى من أمه ** خفير رآها لم يشمر ويغضب
وقال ابن المكعبر يمدح مخارقًا ومساحقًا ابني شهاب:
لولا الإله ولولا نعمة سبقت ** وابنا شهاب عفى آثارها المور
إن الخزاعي من يعلق بذمته ** يفرج الأمر عنه وهو مسرور
أنقذتني من ذمار بعدما شرعت ** بيض الوجوه كما شيف الدنانير
إيها فداء لكم أمي وما ولدت ** لا مقرفون ولا سود عواوير
أوصى شهاب بنيه حين فارقهم ** ألا تكونوا كمن يطلى به القير
فقال له مخارق: لذاك خصصت وإنما ردتها لك مازن، فقال - فعمهم يذم بني العنبر:
أبلغ عديًا حين شطت بها النوى ** فليس لدهر الطالبين فناء
كسالى إذا أدعوهم غير منطق ** يلهى به المحروب وهو عناء
لهم ريثة تعلو صريمة أمرهم ** وللأمر يومًا راحة فقضاء
أخبر من لاقيت أن قد وفيتم ** ولو شئت قال المخبرون أساءوا
وإني لراجيكم على بطئ سعيكم ** كما في بطون الحاملات رجاء
فهلا سعيتم سعي عصبة مازن ** وهل كفلائي في الوفاء سواء
كأن دنانيرًا على قسماتهم ** وإن كان قد شف الوجوه لقاء
لهم أذرع باد نواشر لحمها ** وبعض الرجال في الحروب غثاء
زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي. أغارت بنو ضبة على إبل سبيع بن الخطيم التيمي فأتى زيدًا فشكى إليه ذلك فلبس لأمته وأخذ رمحه ونادى يا لذهل، فركبوا على آخذيها حتى انتزعها منهم فرد له المئر، فقال له سبيع:
إن ابن آل ضرار حين أندبه ** قدمًا سعى لك سعيًا غير مكفور
سالت عليه شعاب الجو حين دعا ** أنصاره بوجوه كالدنانير
إيهًا فداء لكم أمي وما ولدت ** فالحمد يبقى وناد الذم في حور
غدرة العرب ثلاثة
قيس بن عاصم البدغ، وكان من أغدر الناس، فجاوره ذبياني يتجر في أرض العرب فربطه وأخذ متاعه وشرب شرابه، حتى جعل يتناول النجم، فقال:
وتاجر فاجر جاء الإله به ** كأن عثنونه أذناب أجمال
ثم قسم صدقة النبي صلى الله عليه وآله في قومه فقال:
ألا أبلغا عني قريشًا رسالة ** إذا ما أتتهم مهديات الودائع
حبوت بما صدقت في العام منقرا ** وأيأست منها كل أطلس طامع
وعتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي، نزل به أنس بن مرداس السلمى في بني سليم فشد على أموالهم فأخذها وربط رجالهم حتى افتدوا، فقال عباس بن مرداس أخو أنس:
كثر الخناء وما سمعت بغادر ** كعتيبة بن الحارث بن شهاب
جللت حنظلة الدناءة كلها ** ودنست آخر هذه الأحقاب
وأخذتم أنسًا فما حاولتم ** بإسار جاركم بني الميقاب
والمساور من بني عدي، أصاب الناس سنة فخرج كدام وبدر ابنا حمراء الضبيان والمساور بن النعمان بن الجساس فاستجاروا نفرًا من الأكابر من بني تيم الله بن ثعلبة فأجاروهم فرعوا بلادهم حتى أحيت بلاد بني تميم، فرجعوا وقد وفوا لهم، ثم أصاب بلاد بكر بن وائل سنة فانتجع جيران كدام وبدر والمساور بلادهم فاستجاروهم فأجاروهم إلى أن تبسطهم سماء. فقال بدر: ليأخذ كل واحد منا ما أطاق، وإن الرجل منا لا يطيق جماعتهم وبلادنا شتى، ففعلوا، فانطلق كل رجل منهم بجيرانه، ثم إن كدامًا الضبي مر ذات يوم بجاره وهو يلوط حوضه فقنعه بالسوط، وقال: أحسن لوط حوضك. فقال البكري: متى كنت أتهم عليها؟ وبات المساور معرسًا بجارته - وكان يبتني بنسائهم - أي يزني ويأكل أموالهم ولا يدعهم يتحملون عنه - فلما أصبح زوجها أتى صاحبه فأخبره، فانطلقا إلى بدر فأخبراه ما أتى إليهما فأتاهما بدر فقال: ما صنعتم بجيرانكم وجيراني؟ فقال: وما لك وما لهم، نحن أعلم بجيراننا وأنت أعلم بجيرانك. قال: كذبتم وعهد الله، لقد عقدت لهم جميعًا، وتجمعت حلائب قومه فخليا عنهم، فقال بدر لهم: النجاء إلى أرضكم، وقال بدر في ذلك - يعني أباه وكان لامه -:
أبلغ أبا بدر إذا ما لقيته ** فعرضك محمود وجارك وافر
وفيت وفاء لم ير الناس مثله ** بتعشار إذ يحبو إلى الأكابر
حبوت بها بكر بن سعد وقد حبا ** كدام بأخرى رهطه والمساور
فمن يك مبنيًا به بنت جاره ** فإني امرؤ عن بنت جاري جافر
أقول لمن دلت حبالي وأوردت ** تعلم وبيت الله أنك صادر
كذاك منعت القوم أن يتقسموا ** بسيفى وغريان الأشاجع خادر
الباغون ثلاثة
وهم الذين أفرطوا فلم يظفروا بشيء وهدر ما طلبوا.
منهم الأصم بن أنس بن العباس صاحب الدثينة، ولطمه أبو جابر أحد بني عامر بن عكرمة بن قيس بن عيلان، وهم شرذمة حلفاء بني سليم بن منصور بن عكرمة، فقيل: اقتص، فقال: لا، إلا أن أقتل آل جابر عن آخرهم، فقام قبائل سليم دونهم فهدرت والله لطمته فقال:
ألا أبلغا رعلا وأفناء فالج ** بما لطمتني في المقامة عامر
بنى عامر هلا نهيتم سفيهكم ** أبا جابر سكران أو متساكر
ومنهم: زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وقتلت غني شأس بن زهير فقال زهير: لا أرضى حتى أقتل غنيًا عن آخرها، فأنبئ عن رباح بن ثعلبة بن الأعرج قاتل شأس أنه يأوي إلى ردهة، فبعث سرية من بني جذيمة يطلبونه فوقعوا عليه فقاتلوه حتى قتل الحصين بن أسيد ابن جذيمة وأصابته جراحة فخرج يستدمي حتى ورد على عجوز من عجز هوزان فلما رأته يستدمي قامت بنسعتها ترجو أن تأسره فنفحها فأشلها وقال:
ولأنت أجرأ من أسامة أو ** مني غداة تشلني الخيل
وإذا الحصين لدى الحصين كما ** عدل الغبيط وجاره الميل
ومنهم: عبد ملك بن مويلك قال: لا أرضى حتى أقتل أنس بن مدرك فارس خثعم وبجيلة حتى قتل أنس السليك بن السلكة، وكان يجيره عبد ملك فيؤتيه إتاوة فلم يصنع شيئًا، وأصحر له أنس وذهبت دماؤهم هدرًا.
الوافيات في الجاهلية ثلاث
خماعة بنت عوف الشيباني، وفكيهة من بني قيس بن ثعلبة، وأم جميل من دوس، وهم رهط أبي هريرة من أهل السراة.
وكان الذي ذكر من وفاء خماعة أن مروان بن زنباع بن جذيمة العبسي أغار على إبل لعمرو بن هند فطلب حتى انتهى إلى ماء لبني شيبان فنظر إلى أعظمها قبة فولجها، وهي قبة خماعة فاستجارها، فنادت في أهل بيتها فجاءوا وجاء الملك عمرو بن هند فقال: ادفعوا إلي، فقالوا: إن خماعة قد أجارته، فقال: قد أجارته؟ قال: فإني قد آليت أن لا أقلع عنه حتى يضع يده في يدي، فقال أبوها عوف بن محلم: يضع يده في يدي وأضع يدي في يدك تبر يمينك؟ قال: نعم، ففعل، فزعمت بكر بن وائل أن الملك قال يومئذ: لا حر بوادي عوف، وتأويل ذلك: أن العزيز به والذليل سواء.
وكان الذي ذكر من وفاء فكيهة أن السليك ابن السلكة غزا بكر بن وائل فلم يجد غفلة فكان ينتظر بها فرأوا أثر قدم لم يعرفوها فقالوا: والله إن هذا لأثر رجل يرد الماء، ما نعرفه فاقعدوا له وأمهلوه حتى يروي، فإذا روى فشدوا، ففعلوا فورد حتى قام قائم الظهيرة، حتى امتلأ وجعل يصب الماء على رأسه ووجهه، ففاعوا به فأثقله بطنه فعدى حتى ولج قبة فكيهة فاستجارها فأدخلته تحت درعها وجاءوا يتلونه فذبت عنه حتى انتزعوا خمارها، ونادت إخوتها وولدها فجاءوا عشرة فمنعوه، قال: وسمعت سنبلًا يقول: إن سليكًا كان يقول: كأني أجد سبد شعرها على ظهري حين أدخلتني تحت درعها، وقال سليك:
لعمر أبيك والأنباء تنمى ** لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أباها ** ولم ترفع لأسرتها شنارا
وكان الذي شهر ذكر وفاء أم جميل أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل أبا أزيهر الزهراني من أزد شنوءة وكان صهر أبي سفيان بن حرب، فلما بلغ ذلك قومه بالسراة وثبوا على ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري ليقتلوه، فسعى حتى دخل بيت أم جميل وعاذ بها، فضربه رجل منهم فوقع ذباب السيف على الباب، وقامت في وجوههم فذبتهم عنه ونادت قومها فمنعوه لها، ولما قام عمر بن الخطاب ظنت أنه أخوه فأتته بالمدينة فلما انتسبت عرف القصة فقال: إني لست بأخيه إلا في الإسلام وقد عرفنا منتك عليه، فأعطاها على أنها ابنة سبيل.
المنجبات في الجاهلية ثلاث
ماوية الدارمية، ولدت لقيطًا وحاجبًا وعلقمة بني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم.
وفاطمة بنت الحارث الأنمارية، أنمار بني بغيض بن ريث بن غطفان، ولدت الكملة من بني عبس ولم يوجد كان مثلهم غيرهم، ربيع الحفاظ وعمارة الوهاب وقيس الحفاظ وأنس الفوارس بني زياد، وكان يقال لعمارة دالق. قال المسيب في عمارة الوهاب:
جزى الله عني والجزاء بكفه ** عمارة قيس نضرة وسلاما
قال: وقيل لها: أي بنيك أفضل؟ قالت: الربيع، لا بل عمارة، لا بل أنس، ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل.
وأم البنين بنت عمرو بن عامر فارس الضحياء. ولدت عامرا ملاعب الأسنة. وطفيلا أبا عامر بن طفيل الخيل، ومعاوية معوذ الحكماء بني مالك بن جعفر بن كلاب.
وذكروا أن دغفلًا قال لمعاوية: لو كانت العرب تعد لأربعة لكان خبئية بنت رياح الغنوية. وجدة مالك بن عامر بن بشر بن عامر ملاعب الأسنة يقال إن خبئية أتاها آت في المنام فقال لها: أعشرة هدرة أحب إليك أو ثلاثة كعشرة؟ ثم أتاها في الليلة الثانية فقال لها مثل ذلك، فلما أصبحت قصت ذلك على بعلها جعفر بن كلاب فقال: إن عاد فقولي له: ثلاثة كعشرة فلما كان في الليلة الثالثة عاد فقال لها مثل ذلك ونهرها، فقالت: ثلاثة كعشرة فولدتهم كلهم بلا علامة، ابتكرت بخالد الأصبغ وأثنت بمالك الطيان ثم ربيعة الأحوص، فكان عجزتها، أي آخر ولدها.
فأما خالد فسمي الأصبغ لشامة كانت في مقدم رأسه، وكان يصبغها، وسمي مالك الطيان، لأنه كان طاوي البطن، وسمي ربيعة الأحوص لصغر عينيه كأنهما مخيطتان، فكان اثنان منهم من أرحاء هوازن خالد الذي يقال له: الصمة أبو دريد الجشمي.
قال أبو عبيدة: فصار مديحًا:
أبلغ هوازن أن سؤدد خالد ** لكم كعاد والغلام الأحمر
لم يعطني من تسعة قتلتهم ** إلا اللقاء فقلت خذه أو ذر
ثم كان رحاهم بعد الأحوص. وكان أرحاء هوازن خمسة من بني جعفر خالد، ثم عروة الرحال، ثم عتيبة بن عامر ملاعب الأسنة بن مالك بن جعفر حتى بعث النبي صلى الله عليه وآله وقد كبر، فتنازع عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بن الأحوص حين تنافرا.
والسادس مالك بن عوف النصري بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، اجتمعت عليه هوازن في يوم حنين.
جمرات العرب في الجاهلية ثلاث
بنو ضبة بن أد، وبنو نمير بن عامر، وبنو الحارث بن كعب، فطفئت منهم جمرتان وبقيت واحدة. طفئت ضبة لأنها حالفت فصارت ربة من الرباب، وطفئت بنو الحارث بن كعب لأنها حالفت فصارت إلى مذحج، وبقيت نمير لم تطفأ لأنها لم تحالف.
حروب العرب الطوال في الجاهلية ثلاث
حرب ابني قيلة وهم الأوس والخزرج، وكانت حتى بعث النبي صلى الله عليه وآله، فلما أسلموا اصطلحوا.
وحرب ابني وائل بكر وتغلب في مقتل كليب أربعين سنة.
وحرب ابني بغيض عبس وذبيان في مجرى داحس وغبراء كانت بينهم نحوًا من أربعين سنة، ثم حمل الحاملات دماءهم فبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وقد بقي على الحارث بن عوف المري من دمائهم فأهدره الإسلام، وللحارث يقول الأعشى:
والحارث الخير الذي ** جمع الجمالة والضبارة
أي: الكفالة. وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله خطب إليه ابنته فقال: لا أرضاها لك إن بها سوءًا، فبرصت ولم يكن برص، فتزوجها أرطاة بن عمه فولدت له شبيب بن البرصاء الشاعر.
أيام العرب العظام في الجاهلية ثلاثة
يوم جبلة، وهو أولهم، شهدت تميم إلا بني سعد، وأسد وذبيان إلا بني بدر بن عمرو الفزاري، والملكان ابنا الجون الكندي، وحسان ومعاوية اللخمي.
والثاني: يوم عبد يغوث بن وقاص الحارثي وتميم والرباب، والنبي ﷺ بمكة لم يهاجر بعد، وهو يوم الكلاب الثاني.
ويوم ذي قار شهده إياس بن قبيصة على الناس، وعلى الفرس خنابزين والهامرز وبكر بن وائل.
بيوتات العرب في الجاهلية ثلاثة
بيت في الحذيفة بن بدر وهو بيت قيس. وبيت في بني دارم وهم بنو زرارة بن عدس، وهو بيت تميم بن مر. وبيت في بني شيبان وهم آل ذي الجدين، وهم بيت ربيعة بن نزار. وقال حاتم بن عبد الله الطائي في بني بدر:
إن كنت كارهة معيشتنا ** هاتي فحلي في بني بدر
الضاربين لدى أعنتهم ** والطاعنين وخيلهم تجري
جاورتهم زمن الفساد فنع ** م الحي في السراء والضر
ودعيت في أولى الندى وقد ** نظروا إلي بأعين خزر
وقال حاتم لمالك بن الجون من كندة وأمه من بني بدر بن عمرو:
وإن أباك الجون لم يك غادرًا ** ولا من بني أتتك الغوائل
وقال الأنصاري لحذيفة بن بدر:
هممنا بالإقامة ثم سرنا ** مسير حذيفة الخير بن بدر
وقال زهير بن أبي سلمى لحصن بن حذيفة بن بدر ولم يفد جاهلي غير قومه وغيره:
ومن مثل حصن في الحروب ومثله ** لإنكار ضيم أو لأمر يحاوله
إذا حل أحياء الأحاليف حوله ** بذي لجب هداته وصواهله
حذيفة ينميه وبدر كلاهما ** إلى باذخ يعلو على من يطاوله
وقال الأعشى:
ليسوا بعدل حين تنس ** بهم إلى أخوي فزاره
حصن وبدر سيدي ** قيس بن عيلان الكثاره
وقال جرير لبني بدر:
جيئوا بمثل بني بدر وسؤددهم ** أو مثل أسرة منظور بن سيار
جعلهما سيدي قيس. وقال لبيد لبني فزارة:
متظاهر حلق الحديد عليهم ** كبني زرارة أو بني عتاب
يرعون منخرق اللديد كأنهم ** في العز أسرة حاجب وشهاب
قوم لهم عرفت معد كلها ** والفضل يعرفه ذوو الألباب
منخرق اللديد: بلد من بلاد بني كلاب كانت غني ترعى به حين بعث بنو أبي بكر بن كلاب بن جعفر إخوتهم. وقال الأعشى:
ويكون في الشرف المقا ** رن منقرًا وبني زراره
أبناء قوم قتلوا ** يوم القصيبة من أوراه
فجروا على ما عودوا ** ولكل عادات أماره
والعود يعصر ماؤه ** ولكل عيدان عصاره
وكان عمرو بن المنذر مضرط الحجارة قتل بني زرارة بأخيه مالك بن المنذر وكان أخاه لأمه، فلذلك ذكرهم الأعشى، وكان مسترضعًا في بني زرارة فقتل. فحض عمرو بن ملقط الطائي عليهم الملك فقال:
من مبلغ عمرًا بأ ** ن المرء لم يخلق صباره
الصبارة: الحجارة.
وحوادث الأيام لا ** تبقى لها إلا الحجاره
ها إن عجزة أمه ** بالسفح أسفل من أواره
تسفي الرياح خلال كش ** حية وقد سلبوا إزاره
فاقتل زرارة لا أرى ** في القوم أوفى من زراره
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله: وما لك ألا تكون عندك بنت حاجب، وكان حاجب رئيس بني تميم يوم النسار ويوم الجفار، وفي ذلك يقول بشر بن أبي خازم:
وأفلت حاجب تحت العوالي ** على شفاء تلمع في السراب
ولو أدركتم لعفرن خدًا ** كريمًا غير موتشب النصاب
وكان لقيط قبل ذلك رئيس بني تميم فأنجده ابنا الجون حسان والمنذر، وسنان بنو أبي حارثة المري في غطفان وبني أسد بن خزيمة يوم جبلة، ولم يعلم عكاظي على فداء ابن حاجب. وكان قيس بن مسعود ابن خالد استعمله كسرى بن هرمز أبرويز على أطراف العراقين وأعطاه خيلا وجعل له خراج الأبلة، وله يقول الأعشى:
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ** وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل
وقال طرفة بن العبد:
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد ** ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير وعادني ** بنون كرام سادة لمسود
وله يقول شهاب بن راشد اليشكري وأمه ظبية:
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ** أموف بأدراع ابن ظبية أم تذم
وقال الأعشى ليزيد بن مسهر الشيباني:
لئن قتلتم عميدًا لم يكم صددا ** لنقتلن به منكم فتمتثل
تلحم أبناء ذي الجدين سادتكم ** أرماحنا ثم تلقاهم فنعتزل
قال أبو عبيدة: وكان أبو عمرو المدني يعد مع هذه البيوتات بيت بني الديان من بني الحارث بن كعب، قال: والدليل على ذلك قول بخيل بن حبيب بن ورد بن حذيفة بن بدر لرجل من بني عمه يقال له معن:
يا معن ما ساميت من ساماني
بيت لآل دارم وافاني
وقال النجاشي يهجو حسان بن ثابت:
فلم أهجكم إلا لأني حسبتكم ** كرهط بن بدر أو كرهط بن معبد
فلما سألت الناس عنكم وجدتكم ** براذين شهبًا ربطت حول مذود
فإن شئتم نافرتكم عن أبيكم ** إلى من رضيتم من تهام ومنجد
لقد كان قينا ينفخ الكير حقبة ** كأن بخديه نفاضة إثمد
يقول: إنما أكفيائي أهل بيتين، أهل معبد بن زرارة وآل بدر.
قال أبو عمرو: فلما قدمت العراق وجدتهم يزيدون آل ذي الجدين، ولا أعلم في ربيعة بيتًا كبيت الجارود ولا أعرف لربيعة دارًا أمنع من البحرين، ولا أعلم رجلا أكرم من الحكم بن المنذر بن الجارود الذي يقول فيه مجنون بني الحرماز:
يا حكم بن المنذر بن الجارود
أنت الجواد بن الجواد المحمود
سرادق المجد عليك ممدود
نبت في الجود وفي جذم الجود
والعود قد ينبت في أصل العود
وأما الكلبي فكان يعد أولها بيت خندف في قريش.
المتنافرون في الجاهلية ثلاثة
عامر بن الطفيل، وعلقمة بن علاثة الجعفريان، وتنازعا في الرئاسة حين أهتر عامر بن مالك ملاعب الأسنة، فقال علقمة: أنا أحق بها منك، لأن الأحوص بن جعفر كانت له ولم تكن لأبيك، فقال عامر: أنا أحق بها منك، لأني أفضل منك. فتحاكما إلى هرم بن قطبة بن سنان الفزاري. فقال عامر بن الطفيل لعمه عامر بن مالك: أعني، فقال له: سبني يا ابن أخي، فأبى، فقال أبو براء: وأنا لا أسب عمي، وقال:
أمر أن أسب أبا شريح ** ولا والله أفعل ما حييت
ولا أهدي إلى هرم لقاحا ** فيحيا بعد ذلك أو يميت
فشخص بنو مالك بن جعفر مع عامر ومعه لبيد بن ربيعة. وشخص بنو الأحوص بن جعفر مع علقمة بن علاثة ومعه الحطيئة، ومع كل واحد منهما ثلاثمائة بعير، يعطي الحاكم منها مائة ويعقر مائة ويأكل هو أصحابه في الطريق مائة، فلما بلغ هرمًا دنوهما استخفى فجعلا يتهاتران،
فقال علقمة: أنا عفيف وأنت عاهر، وأنا ولود وأنت عاقر، وأنا أقرب إلى ربيعة، وكانت أمه منهم. فقال عامر:
فاخترتني بيشكر بن بكر
والنجيين أهل سيف البحر
وجمع عبد القيس أهل النمر
هذا أوان أخذت للنصر
وقال لبيد:
يا هرم بن الأكرمين منصبا
إن الذي يعلو عليها ترتبا
لخيرنا خالًا وعمًا وأبا
فطبق المفصل واغنم طيبا
وقال لبيد:
يا هرمًا وأنت خير عدل
هل توهنن حسبي وفضلي
وإن ولد الأحوص يومًا قبلي
ثم لحقت بانطلاق رسلي
قد علموا أنا خيار الطبل
فعن له السندري بن عيساء فقال:
إني لمن يسأل عني السندري
أنا الغلام الأحوصي الجعفري
وقال:
وهل فيكم يوم كيوم جبلة
يوم أتتنا أسد وحنظلة
والملكان والجموع أزفلة
كأنهم مهنوة مدجلة
نعلوهم بقضب منتخلة
لم تعد أن أفرش عنها الصقلة
وكان الأحوص رئيس هوازن وعبس وغني وباهلة يوم جبلة، فقال عامر: يا لبيد أما ترى إلى العبد؟ فقال: والله لا أجعل عرضي إلى ابن السوداء، وقال:
ولما دعاني عامر لأسبهم ** أبيت وإن كان ابن عيساء ظالما
لكيلا يكون السندري نديدنا ** واجعل أعمامًا عمومًا عماعما
وجعل الحطيئة يقول ولا يحقق:
وما ينظر الحكام في الفضل بعدما ** بدا واضح ذو غرة وحجول
فلما رأوا هرما لا يظهر توجهوا إلى عكاظ فلقي أعشى بني قيس عامرًا، فقال: ما الخطب يا أبا علي؟ فأخبره، وقال: إني قائل أبياتًا أتقول عليه وأزعم أنكما حكمتماني ثم وأنا واقف في سوق عكاظ أنشدها فينشدها قواعد أصحابك أن يعقروا الإبل ويحفظ الشعر، ففعل وغدا الأعشى فقال ورفع عقيرته، أي صوته بالغناء:
علقم لا لست من عامر ** الناقض الأوتار والواتر
سدت بني الأحوص لم تعدهم ** وعامر ساد بني عامر
ساد وألفى رهطه سادة ** وكابرًا سادوك عن كابر
من يجعل الجد الظنون الذي ** جنب صوب اللجب الماطر
مثل الفرات إذا ما طما ** يقذف بالبوصي والماهر
حكمتوه فقضى بينكم ** أبلج مثل القمر الزاهر
ولم يزد على هذه الأبيات، وشد أصحاب عامر فعقروا الإبل ونادوا: أعامر، ثم تفرقوا، وكان في سرعان أصحاب عامر فتى تقدم قبل القوم فأورد فريقًا على الماء وهو رافع عقيرته يقول:
علقم لا لست إلى عامر ** الناقض الأوتار والواتر
فسمعته مليكة بنت الحطيئة فوضعت البوغاء على رأسها وهتفت: واحرباه؟ هذا والله شعر أبي بصير، فلما توعد علقمة الأعشى وزاد فيها:
شاقتك من قتلة أطلالها.... إلى آخر القصيدة
وقال في كلمته التي فيها:
وما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ** وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
كلا أبويكم كان فرعا دعامة ** ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا
وأسلم هرم بن قطبة الفزاري فقال له عمر رحمه الله حين وفد عليه: لمن كنت حاكمًا؟ فقال: أعفني يا أمير المؤمنين فوالله لو أظهرت اليوم شيئًا لعادت الحكومة جذعة، قال: صدقت بهذا العقل حكمت بدر. قال: والله لناس يرون أنه قال لعلقمة: والله لبيان عامر أشهر منكم في العرب. وقال لعامر: أتنافر علقمة وأنت أعور عاقر، لا والله ما رآهما ولا رأياه، ولئن شئت لتسمعن قائلًا يقول: أنتما كركبتي الجمل الأدرم. ولو قال هذا لادعى كل واحد منهما أنه المعني ولتفانا جذماهما ولكنهما قد تهاترا ببابه فحكاه من لا يعلم عن من لا يعلم عن هرم. يقول: تنافر فنفر فلان فلانًا، والحاكم ينفر أفضلهما.
والقعقاع بن معبد بن زرارة. وكان خالد بن مالك النهشلي أراد حاجبًا حين دعا إلى المنافرة، وكان حاجب أحلم قومه فأبى، فبلغ ذلك القعقاع بن معبد فأتاه فقال: هلم إلي أنا أنافرك ودع الشيخ، فقال: أنافرك عن ندينا، فقال القعقاع: لا بل عن الآباء والأبدان. فقال خالد بن مالك: قم فتنافرا إلى ربيعة بن حذار الأسدي. فقال حاجب للقعقاع: يا ابن أخي قد كرهت ما صنعت ولكن هذه ثلاثمائة بعير فاركبها فأطعم واعقر واعبط للنفور مائة. وكانوا كذلك يفعلون في الجاهلية. فخرج القعقاع وتبعه أبو زرارة، وخرج خالد بن مالك وتبعه سلمى بن جندل بن نهشل، فتحاكما إلى ربيعة بن حذار، فجهد أن يتكافآ فأبيا، وكان عدلًا عاقلًا.
فقال النهشلي: أطعمت في جدب من أكل، وأعطيت يومًا من سأل، وطعنت فارسًا فشككت فخذيه. فقال القعقاع: جدي زرارة وعمي حاجب وأبي معبد. فقال ربيعة بن حذار:
إن السماح والندى والباع
فإن بهن جمع القعقاع
وقال: إني نفرت من كان جده زرارة وعمه حاجبًا وأبوه معبدًا.
فانطلق خالد بن مالك فأغار على إبل نفورة ربيعة فذهب بها وجاء بها إلى إبله، وكانا وضعا إبلهما في رحل امرأة ليرضيها بما حكم عليهما فأخذها من عندها.
وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر نافر زبان بن منظور بن سيار الفزاري إلى العز الكاهنة، كاهنة نجران، فرحلا إليها.
فقال زبان: أنا ابن منظور.
فقال عيينة: أنا ابن حصن.
فقال زبان: أنا ابن سيار.
فقال عيينة: أنا ابن حذيفة.
فقال زبان: أنا ابن عمرو.
فقال عيينة: أنا ابن بدر.
فقال زبان: أنا ابن جابر.
فقال عيينة: أنا ابن الجون.
فقال زبان: أنا أم عمرو.
فقال عيينة: عليه. فلم يرض، وكان يقال إن بدر بن عمرو ابن الجون الكندي، وإن عيينة لما اعتزى إلى الجون وكان معتليا لزبان، فلما ترك نسبه في بني فزارة وفخر بفخر غيره قالت: افتخرت بفخر ليس لك وتركت ما في يديك، فكأنما نفرت زبان، فطلب زبان المائة النفورة فقال عيينة: أنا أفضل منك نفسا وأبا ولكنها جارت، فقال زبان:
أتثلب حرة بقيت يداها ** عيينة تمنع اللخواء تفري
شربت المجد من غطفان حتى ** تفاخرني بزينة أم عمرو
ألما تعلمي أني كريم ** أغر لصلب سيار بن عمرو
فقال عيينة:
إنا لنعلم ما أبوك بجابر ** فالحق بأهلك من بني دودان
حالت بكم أمة لنضلة وابنه ** فسقت بزينتها أبا زبان
واعتزل جرول بن أوس الحطيئة فنفر عيينة فقال:
أبى لك آباء أبى لك مجدهم ** سوى المجد فانظر صاغرًا من تنافره
قبور أصابتها السيوف ثلاثة ** نجوم هوت في كل نجم مزابره
فقبر بأجبال وقبر بحاجر ** وقبر القليب أسعر الحرب ساعره
وشر المنايا هالك بين أهله ** كهلك الفتاة أيقظ الحي حاضره
بأجبال قبر بدر بن عمرو قتيل بني أسد. وبحاجر قبر حصن قتيل بني عقيل. وبقليب قبر حذيفة بن بدر، وهي بالهباءة قتيل بني عبس.
المرتشون في الحكومة في الجاهلية ثلاثة
ضمرة بن ضمرة النهشلي، وتحاكم إليه عباد بن أنف الكلب وسبرة ابن عمرو الأسديان، فاسترشى ضمرة عبادًا ونفره على سبرة، وأعطاه عباد عشرًا من الإبل، فقيل ذلك لسبرة فرجز به فقال:
أنا لمن يسأل عني سبره
ناك أباه ضمرة بن ضمره
في قفرة الهلباء أولى نظره
والأقرع بن حابس المجاشعي، تنافر إليه جرير بن عبد الله البجلي وخالد فمدحه جرير ورضخ له رضخة فنفره جريرًا على خالد.
ومروان بن زنباع العبسي، تحاكم إليه السفاح التغلبي وعمرو بن لأبي فارس مخلد من بني تيم الله بن ثعلبة، فأهدى إليه عمرو وأطعمه فنفره على السفاح، وكان السفاح أفضل منه، وكان على خيل سلمة بن الحارث يوم قتل أخاه شراحيل بن الحارث يوم الكلاب. وللسفاح يقول الأخطل:
وأخوهما السفاح ظمأ خيله ** حتى وردن جبى الكلاب نهالا
حكماء العرب العدول ثلاثة
هرم بن قطبة الذي يقول فيه الأعشى:
ولا إلى الهرمين في ** بيت الحكومة والصباره
والآخر خرن بن سنان.
ومعاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب. وكان النعمان بن المنذر اللخمي يجهز لطيمة له إلى عكاظ ويشتري له بها برودًا وحريرًا وما يكون فيها ويبعث معها خفيرًا، فبعث قرة بن هبيرة القشيري خفيرًا على من ليس في دينه في السنة التي عرب فيها النعمان من كسرى فاحتوى عليها حين هرب، فقالت بنو عقيل بن كعب إنها للملك، وقد احتويت عليه ونحن نخاف عاقبة الملوك بجنايتكم فأعطونا بعضه. فقالت بنو قشير بن كعب: ما أنتم وذاك؟ فاقتتلوا ووقعت بينهم دماء، ثم إنهم تراضوا بأحد بني أم البني؛ عامر وطفيل ابني مالك فأتوهما وهما غازيان فوجدوا معاوية بن مالك حاضرًا فقال: ما طلبتكم فإما أن أفصل وإما أن أحمل، فتحاكموا إليه فحكم بينهم ثم حمل عنهم فقال معاوية:
رأيت الصدع من كعب وكانت ** من الشنآن قد دعيت كعابا
سبقت بها قدامة أو سميرا ** ولو دعيا إلى مثل أجابا
سأحملها وتعقلها غني ** وأورث مجدها أبدًا كلابا
أعوذ مثلها الحكماء بعدي ** إذا ما الحق في الأشياع نابا
وكان يدعي معوذ الحكماء.
المدركو الأوتار في الجاهلية ثلاثة
سيف بن ذي يزن، وبيهس الفزاري، وقصير صاحب جذيمة.
فأما سيف بن ذي يزن فإنه لما غلب الأحبوش على اليمن وملكها فطال ذلك حتى توالدوا بها، أتى هرقل يستمده عليهم فوعده أن يفعل، فقال له نصحاؤه: تعين رجلًا ليس على أهل دينك يقتلهم لا تؤيسه ولا تطعمه فأريثه عنهم. فمكث عندهم تسع سنين حتى تركه ولحق بكسرى من أكاسرة فارس فأتى عاملًا من العرب غريبًا فكان ذريعته إليه حتى دخل عليه فلما دخل طأطأ رأسه، فقال الملك: إن هذا الأحمق يدخل من باب فوقه بكذا وكذا فيطأطئ رأسه، ففسر له ذلك فقال: إنما طأطأت رأسي لهمي إنه يضيق عنه كل شئ وشكا إليه وقال: إنما يكفيني من المدد قدر السماع وإذا وقعت في بلادي أتيتهم من الرجال بما شاءوا، فوعده أن يمده فقال له نصحاؤه: أتعمد إلى قوم من رعيتك وبلادك فتطوح في فلاة إنما تشرب الخيل والشفاه من أمثال عيون الديكة وبالحري إن هي أدفنت أن يهلك جيشك، فقال: لا أخلفه ما وعدته وأبى إلا أن يتم له على الوفاء، قالوا: قلنا هاهنا حيلة ويصدق الملك في شجونك أقوام قد استحقوا القتل وقوم قد أفسدوا في الأرض فتجمعهم وتمنعهم، واستعمل عليهم شيخًا قد نفد أجله، ثم تجمعهم في البحر فهو أهون للمؤنة، فإن هلكوا كنت قد كففت عن رعيتك شيئًا، وإن نجوا وظفروا كان ظفرهم لك، فذهب إلى شط دجلة فهيئت لهم السفن وحمل فيها ما يصلحهم ويصلح دوابهم وبعث إلى أصحابه في البلدان فجمع نحوًا من ألف ومائتين، وقدموا وقد هيئت لهم المراكب واستعمل عليهم شيخًا كبيرًا قد سقط حاجباه عل عينيه ودفع إليه حلة ديباج منسوجة بالذهب والجوهر ورايتين وقفازين وقلنسوة، وقال له: إذا ظفرت فارفع أهل البلد فاسألهم أهو ابن ملكهم كما قال، فإن كان كذلك فادفع إليه الحلة وجملة الخراج، وإن كان كاذبا فاقتله واجب الخراج حتى يأتيك أمري، فركب حتى إذا كانت بسيف أُرجان قال بعضهم: أنت غررتنا، وقالوا: احملوا سفنكم على هذا الجسر فاكسروها، ففعلوا وبقي معه سبعمائة أو أكثر قليلا، فلما بلغوا القليس وهو بناء بنته الحبشة يحجونه، قال زهرز: أين أنصارك الذين زعمت للملك أنك تأتي بهم إذا وقعت في أرضك؟ قال: إن كل قوم منهم وثبوا على من فيهم من الحبشة فشغلوهم عنك فقتلوهم، وبلغ قائد الحبشة الذي بصنعاء سيرهم فوجه إليهم عددًا كثيرًا فتلقوهم بصنعاء فقاتلهم وهرز وأصحابه، وقال وهرز: أروني رئيسهم فاسمتوا لي سمته بنشابه فإن في بصري ضعفًا، ورفع حاجبيه بحريرة، ففعلوا فرماه ففلق جبهته وهو على بعير، فلما خر انهزموا، وأخذ كل واحد ممن بقي عودًا أو خشبة أو ما وجدوا ووضعوه في أفواههم يستأمنون بذلك، ودخل آلاف حائطا أو بناء فأخذهم فقتلهم جميعا. وزعم أهل اليمن أن أنصار سيف قد كانت أتته ولولا ذلك ما قامت سبعمائة لستين ألف أو نحوها، ووثب كل قوم على من فيهم من الحبشة، فأبادوهم فلما دخل وهرز صنعاء دعاهم فقال: ما سيف فيكم؟ قالوا: ابن أملاكنا وأشرفنا أدرك لنا بثأرنا. فدفع إليه الحلة وخلاه والخراج والعمل ثم لم بلبث وهرز أن مات.
فبلغ كسرى أن سيفًا يتناول النساء فكتب إليه يعزم عليه الإقدام عليه ففعل. فقال: أيسرك أن تخلف بعقبك في حرمك؟ ففطن فقال: لست بعائد، فقال: ارجع إلى عملك. فرجع فلم يزل اليمن في يدي فارس حتى بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وباذان عامل أبروان عليها وفيروز ودادويه قائدان معه.
وقال أمية بن أبي الصلت في كلمة له لسيف:
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ** لجج في البحر للأعداء أحوالا
أتى هرقل وقد شالت نعامته ** فلم يجد عنده القلو الذي قالا
ثم انتحى نحو كسرى بعد تاسعة ** من السنين لقد أبعدت إيغالا
حتى أتى ببني الأحرار يحملهم ** حملا لعمري لقد أسرعت إرقالا
ومثل كسرى وباذان الجنود له ** ومثل وهرز يوم الجيش إضلالا
لله درهم من عصبة خرجوا ** ما إن رأينا لهم في الناس أمثالا
غلبًا جحا جحة بيضًا مرازبة ** أسدًا ترقص في الغيضات أشبالا
يرمون عن شدف كأنها غبط ** في زمخر يعجل المرمي إعجالا
أرسلت أسدًا على سود الكلاب فقد ** أمسى شريدهم في الأرض ضلالا
فاشرب هنيئًا عليك التاج مرتفقًا ** في رأس غمدان دارًا منك محلالا
قصر بناه أبوك القيل ذو يزن ** ما إن رأينا له في الأرض أشكالا
منطعًا بالرخام المستزاد له ** في كل ركن رأينا منه تمثالا
ثم أظلل الملء إذ شالت نعامتهم ** وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ** شيبًا بماء فعادا بعد أبوالا
أما بيهس فإن أقواما أربعة غزوا فأتوا على إخواته وأهل بيته وأسروه، فلما نزلوا بعض المنازل راجعين نحروا جزورًا فأكلوا وقالوا: ظللوا البقية، فقال بيهس: لكن بثبا لحم لا يظلل. وثبا موضع، فذهب مثلا، يعني أجساد من قتل من إخوته وقومه، فلطمه بعضهم وجعل يدخل رجله في يدي سرباله فقال بعضهم: لا تلبس هذا اللبس وعلمه كيف يلبس، وكانوا يرون أن به طوفة فقال: ألبس لكل دهر لبوسه، فلطمه بعضهم فقال بيهس: لو نكلت عن الأولى لم تعد الثانية. فقال بعضهم: إن مجنون بني فزارة ليتعرض للقتل فخلو عنه، فلما أتى أهله جعل نساؤه يتحفنه، فقال: يا حبذا التراث لولا الذلة، فاجتمع عليه الغم مع ما به من قلة العقل، وجعلت أمه تعاتبه فيشد عليه ذلك منها، فقالت: لو كان فيك خير لقتلت مع أهل بيتك، قال: لو كان الخيار إليك لاخترت، فجمع جمعا وغزا القوم ومعه خال له فوجدوهم في حفرة من الأرض فرماه خاله عليهم، وكان جسيمًا طويلًا وإنما سمي نعامة لذلك، فقاتل القوم وهو يقول: مكره أخوك لا بطل، فقتل القوم فأدرك بثأره. فقال المتلمس يضرب به المثل لقومه:
ومن حذر الأيام ماحز أنفه ** قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
ويروى: ومن طلب الأوتار، ورام الموت.
نعامة لما صرع القوم رهطه ** تبين في أثوابه كيف يلبس
وأما قصير فإن جذيمة الأبرش طمع أن يتزوج زباء الرومية فتشاور فاتفقوا له على أن يفعل ونهاه قصير، فخطبها فأجابته فلما أراد أن يهديها بعثت إليه أن ائتني فنهاه قصير قال: إن النساء يهدين إلى الأزواج، فعصاه وأقبل، فلما كان ببقة عاوده المشاورة فقال له: قد دنوت فامض إليها، ونهاه قصير فأبى، فلما دنا قال له: إنك عصيتني فإن تلقاك أهلها فرجعوا عنك فقد كذب ظني، وإن أقاموا ولم يرجعوا فإني معرض لك العصا، فرس كانت لجذيمة لا تجارى، فجعلوا يتلقونه ولا يرجعون، فعرض له العصا فلم ينته فقال قصير: ببقة قضي الأمر، فدخل عليها فأبرزت جهازها وقالت: [يا جذيمة] أذات عروس ترى؟ أما أنه ليس [من عدم] المواسي ولكنه شيمة أناسي، فقطعت راهشيه فنزفه الدم فمات.
ورجع قصير إلى عمرو بن جذيمة أو ابن أخته، فقال: حز أنفي وأظهر التهمة لي، ففعل فلحق بزباء، فقال: لقد لقيت هذا فيك فوقعت له منها منزلة فزين لها تجارة عيرا فأعطته مالًا لذلك، فكر كرتين، يزيده عمرو في السر مالًا فإذا رجع قال: هذا رمحي لك، ثم هيأ مسوحًا كالمسوح التي يحمل فيها الجص وهيأ الرجال وخرج بعمرو وقال: إن لها نفقًا إذا خافت خرجت منه ووصفه له فاقعد، فإذا مرت بك فاضربها، وكانت إذا دنت عيرها أشرفت، فلما دنا وقد أقام الرجال في المسوح مستلئمين في أيديهم أوكية أشرفت فقالت: إن العير لتحمل صخرًا أو تطأ في وحل يا قصير، فصنع لها رجزًا على هذا المعنى:
ما للجمال مشيها وئيدًا
أجندلًا يحملن أم حديدا
أم صرفانًا باردًا شديدا
أم الرجال قبضًا قعودا
فحلوا الأوكية فإذا هم قيام على أرجلهم فعرفت الشر فاستغاثت بالنفق، فضربها عمرو فقتلها. وزعم قوم أنها مصت خاتمها وقالت: بيدي لا بيد عمرو، وكانت لا تكلم بالعربية إلا أن يكون فُسِّر، ففي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي:
دعا بالبقة الأمراء يومًا ** جذيمة عصر ينجوهم ثبينا
فلم ير غير ما ائتمروا سواه ** فشد لرحله السفر الوضينا
فطاوع أمرهم وعصى قصيرًا ** وكان يقول لو نفع اليقينا
لخطيبتي التي غدرت وخانت ** وهن ذوات عائلة لحينا
فدست في صحيفتها إليه ** ليملك بضعها ولأن تدينا
فأردته ورغب النفس يردي ** ويبدي للفتى الحين المبينا
ففاجأها وقد جمعت تنوخًا ** على أبواب حصن مصلتينا
وقدمت الأديم لراهشيه ** وألفى قولها كذبًا ومينا
وحدثت العصا الأنباء فيه ** ولم نر مثل فارسها هجينا
فبات نساؤه عجلا عليه ** مع الويلات يعلن الرنينا
لهن إذا اقتبلن به نحيب ** كما يتجاوب الخلج الحنينا
خوامش للوجوه متوجات ** بدئن مفاجع وبه دهينا
ومن حذر المعاير والمخازي ** وهن المندبات لمن منينا
أطف لأنفه الموسى قصير ** ليجدعه وكان به ضنينا
فأهواها لمارنه فأضحى ** طلاب الوتر مجدوعا مشينا
فصادفت امرءا لم تخش منه ** مفارقة دما أمنت بأمينا
أتاها عركتين بما أرادت ** فأصبح عند ربته مكينا
وأبلاها كما حسبت نصيحا ** فملكت الخزائن والقطينا
فردته بضعفي ما أتاها ** ولم يكبل على المال اليمينا
فلما ارتد عنها ارتد صلتا ** يجر الموت والصدر الضغينا
أتتها العير تحمل ما دهاها ** وقنع في المسوح الدار عينا
مخاتلة ابنة الرومي زبا ** وظلل حملها الثبت الرصينا
فدس لها على الإنفاق عمرًا ** بشكته وما خشيت كمينا
فجللها عتيق الأثر عضبًا ** يصك به الحواجب والجبينا
فأضحت من مداينها كأن لم ** تكن زبا لحاملة جنينا
أغلى العرب فداء ثلاثة
حاجب بن زرارة بن عدس، وبسطام بن قيس الشيباني، وحبيش بن الدلف الضبي. وكان فداؤهم فيما يقول من المقلل مائتي بعير وثلاثمائة، والمكثر أربعمائة.
أما حاجب زرارة فإن زهدمًا العبسي أسره يوم جبلة وغلبه مالك ذو الرقيبة القشيري عليه.
أما حبيش بن الدلف الضبي فإن عامرًا ملاعب الأسنة بن مالك ابن جعفر بن كلاب أسره يوم قراقر.
وأما بسطام بن قيس فإن عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي أسره يوم غبيط المدرة.
جماجم العرب
كلاب وتميم وبكر ومذحج.
قال: وجاء الإسلام وأربعة أحياء قد غلبوا الناس كثرة: شيبان بن ثعلبة، وجشم بن بكر، يعني بكر بن تغلب، وعامر بن صعصعة، وحنظلة بن مالك. فلما جاء الإسلام خمد حيان وطما حيان: بنو شيبان وعامر بن صعصعة، وخمد جشم وحنظلة.
الحمس
قريش وكنانة وخزاعة وعامر بن صعصعة. وكانوا لا يشتاءون ولا يقتاظون ولا يدخلون بيت مدر ولا يلبسون ثوبًا إلا حرميًا أيام الحج.
قال أبو عمرو بن العلاء: أُم كعب وكلاب وعامر بن ربيعة بن عامر مجد بنت تيم بن غالب الأردم من قريش، وبذلك تحمسوا، قال: وتحمسهم تشددهم في دينهم.
حكماء العرب ثلاثة
ذو الإصبع العدواني، وعامر بن الظرب العدواني، وجمة الدوسي، وأكثم بن صيفي التميمي الأسيدي، والأقرع بن حابس الدارمي ثم المجاشعي.
وحكم الجاهلية إلى الأقعر بن حابس. قال: وكان الحارث بن دوفن بن جلي بن أحمس بن صعصعة بن ربيعة بن الحارث هذا هو الأضجم حكم ربيعة في الجاهلية في زمانه قال:
قلوب الظلامة من وائل ** ترد إلى الحارث الأضجم
فإما تشاتأت منه السداد ** ومهما تشأ منهم تهضم
يزور العدو على نأيه ** بأربعن كالسدف المظلم
حلماء العرب
قيس بن عاصم المنقري، والأحنف بن قيس السعدي، ومعاوية بن أبي سفيان، وأسماء بن خارجة الفزاري، وعامر بن شراحيل الشعبي، وسوار بن عبد الله العنبري. ومن الموالي: عبد الله بن عون، لم يغضب ولم يسب إنسانًا قط.
الأرداف
بنو هرمي بن رياح، وإنما سموا الأرداف لأنهم كانوا يردفون الملوك. كان الملك إذا جلس أجلسه معه على سريره، ويسهم له من المرباع من كل غارة.
اللقاح
قريش، وهوازن، وتيم، والرباب، وحنيفة. وإنما سموا لقاحًا لأنهم لم يدينوا للملوك، قال:
بئس الخلائق بعدنا ** أولاد يشكر واللقاح
أحجار العرب
صخر وجندل وحجر وجرول، وهم بنو نهشل بن دارم، وأمهم تماضر بنت عطارد بن عوف.
البراجم
قيس وكلفة وظليم وعمرو وغالب، وهم بنو حنظلة، وإنما سموا البراجم لأنه أباهم قال: اجتموا وكونوا كبراجم يدي هذه. قال الفرزدق:
وإذا البراجم بالقروم تخاطرت ** حولي بأغلب مرة لا ينزل
اللهازم
بنو عجل، وتيم اللات بن ثعلبة. وإنما سموا اللهازم لأن أباهم قال: كونوا بمنزلة اللهزمتين إذا لم تساعد كل واحدة صاحبتها لم تقدر على مضغ شيء، فكونوا جميعًا تصطحبوا على العدو.
الرباب
عدي، وتيم، وعكل، وثور بنو عبد مناف بن أد بن طابخة.
الربائع
ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر، وهي ربيعة الجوع ويقال لهم: أستاه العير. وربيعة بن مالك بن حنظلة. وربيعة بن حنظلة رهط المغيرة وصخر ابني حبناء. وربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم بن مر، وهم الحباق، وهو نبز يغضبون منه. قال:
ليهن ربيعًا والحباق ومنقرًا ** وذبيان يربوع تراث تميم
الأثافي
سليم وهوازن أثفية، وغطفان أثفية، ومحارب وهي ألأمها أثفية.
الأقارع
قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، رهط المخبل السعدي الشاعر، وقريع بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف، منهم ثعلبة وفد مع الجارود، وقريع هذا هو ثعلبة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف، وقريع بن الحارث بن بشر بن عامر بن صعصة.
ضبيعات العرب
ضبيعة أضجم، وضبيعة بن ربيعة بن نزار، وضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة، وضبيعة بن عجل بن لجيم. قال:
قتلنا به خير الضبيعات كلها ** ضبيعة قيس لا ضبيعة أضجما
دهاة العرب
الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد الذي يقال له ابن أبي سفيان، ووردان مولى عمرو.
وكان أدهى هؤلاء قيس بن زهير بن جذيمة وأميمة بن الأشعر الكناني وروح بن زنباع الجذامي وعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وهو صاحب عمرو أيام النجاشي في جعفر وأصحابه. وقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: لولا أن سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن المكر والخديعة في النار» كنت من أمكر العرب.
عقماء العرب
عبد الله بن جدعان، وكلدة الذي يدعي الحارث أنه ابنه الثقفي، وعامر بن الطفيل الجعفري، وبسطام بن قيس بن مسعود الشيباني.
أعرق العرب في القتل
عمارة بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد، قتل عمارة وأبوه حمزة يوم قديد، قتلهما الإباضية، وقتل عبد الله بن الزبير بمكة الحجاج بن يوسف، وقتل الزبير بوادي السباع قتله أبو جرموز السعدي، وقتل العوام، قتله كنانة، وقتل خويلد، قتله بنو كعب بن عمرو بن هزاعة.
الذهلان
شيبان، وذهل بن ثعلبة، وهو ابن ربيعة بن نزار.
السعدان
سعد بن ضبة، وسعد بن زيد مناة بن تميم.
الأنكدان
مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، ويربوع بن حنظلة.
الشعثمان
إنما هو شعثم واحد.
الزهدمان
إنما هو زهدم واحد زهدم بن قطبة.
العمران
أبو بكر وعمر.
الأقرعان
الأقرع بن حابس.
المرثدان
إنما هو مرثد واحد.
الأجربان
عبس وذبيان. قال عباس بن مرداس:
أوفى عضادته اليسرى بنو أسد ** والأجربان بنو عبس وذبيان
الحليفان
أسد وغطفان.
العَمران
عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم.
الضمران
ضَمرة بن ضمرة النهشلي، قال الفرزدق:
وبالعمرين والضمرين نبني ** دعائم عزهن مشيدات
مفاخر العرب ثلاثة
قصيدة ابن حلزة، وقصيدة عمرو بن كلثوم.
مكارمها أربعة: السدانة، وربيع بن الأسود اليشكري صاحب القبر، وحجلة بجيلة.
ومن قصة ربيع بن الأسود اليشكري أنه كان أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله فقال: إن لي أرضًا باليمامة فإن أنا جعلتها وقفًا أيجري علي أجرها وأنا ميت، فأمضاها فقبره فيها.
من اجتمع عليه نزار
اجتمعت كلها على كليب في الجاهلية يوم السئوبان، وعلى عبد الله ابن الجارود العبدي يوم رستقباذ حين خرج على الحجاج. وابن الأشعث ابن قيس الكندي.
قال أبو عبيدة: فأما يزيد بن المهلب فإنه أعطى الناس، وهؤلاء لم يعطوا أحدًا شيئًا، قال: ولم يقدر تميمًا كلها إلا الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد ذهب فجاء بألف فيهم ابن عبد مناة من اليمن، وكانوا قد انتموا منهم إلى كسع، قالوا: تيم الله بن كسع ثم نمرة بن حمان ابن عبد العزى جاء بهم أيضًا. قال جرير:
لم تشكروا نمرًا إذ فككم نمر ** وابنا قريع من الحي اليمانينا
فانقادت تميم لزرارة بن عدس يوم شويحط يوم لقي قضاعة، وانقادت في الإسلام مضر كلها للأحنف بن قيس والمسور بن عباد والحريشي بن هلال بخراسان. الكلبي قال: ولد عبد المطلب عشرة يأكل الجذعة ويشرب الفرق يرد أنوفهم الماء قبل شفاههم، قال: وكان حرب بن أمية أول من سن مهور قريش اثنتي عشرة أوقية فلم تزل بذلك حتى جاء الله بالإسلام. وهو أول من أتى قريشا بالماء العذب ينقله إليهم، وكانوا قبل ذلك يشربونه من الآبار. ولم تكن قرشية تفك عنها درعها حتى يأذن لها حرب بن أمية. وكان أول من فتح الباب عند حضور الطعام، وكان يوقد للطواف في الليلة القرة.
قال: وكان سعيد بن العاص ساد قريشًا فقيل لابن عباس: وما بلغ من سؤدده؟ قال: كان إذا اعتم بعمامة لم يعتم بمثلها ولا على لونها، وكان إذا جلس لا يجلس معه أحد، فإذا احتبى لم يمر بين يديه، وإذا ركب لم يركب معه أحد. الكلبي قال: كان بعض ملوك العجم غزا معدًا فأحجموا عنه فانتدب منبه بن سعد أبو باهلة فدلف فإذا هو مع أصحابه في خلوة قد كفر في كهف عظيم، فأخذ برأس الغار فدخن عليهم فماتوا جميعا لم ينج منهم أحد، فسمي منبه أعصر.
والأعصر: الدخان. وكانت العرب تسمى غنيًا وباهلة ابني دخان. وقال منصور أبو سليم:
إنا وجدنا أعصر بن سعد
ميمن البيت رفيع المجد
أبارد الأسوار عن معد
يونس عن أبي عمرو بن العلاء وغيره من أهل العلم، قالوا: مضر الحمراء أهل العالية كنانة وأسد وهذيل ومن علا من قيس كانوا يتخذون قباب الأدم فسموا بها الحمراء، وكانت امرأة من بني سليط تزوجها رجل من عليا مضر فساقها إلى قومه فلما هلك عنها رجعت إلى أهلها بقبة لها فسميت الحمراء، فتزوجها عتيبة بن الحارث بن شهاب فولدت ربيعًا، ويقال له ربيع بن حمراء.
أبو عبيدة قال: تفخر مضر على الناس بتسع خصال: النبوة وبيت الله الحرام، والمهاجرين، والأنصار أنصارهم، والخلفاء، وافتتاح البلاد، وأمراء الثغور، وكل شريف من غير مضر فهم شرفوه، قال: وسأل معاوية ليلى الأخيلية عن مضر فقالت: فاخر بقريش، وكاثر بتميم، والق بقيس، قال: وسأل معاوية ليلى الأخيلية أيضًا عن مضر فقالت: قريش سادتها وقادتها، وقيس فرسانها وخطاطيفها، وتميم كاهلها وكرشها.
قال: وحدثني رجل من قريش بالمدينة أن رجلًا دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال له: ممن أنت؟ فقال: من مضر. فقال: أمن أئمتها؟ قال: لا. قال: فمن أعنتها؟ قال: لا. قال: فمن أركانها؟ قال: لا. قال: فمن لسانها؟ قال: نعم. قال: أنت من بني أسد بن خزيمة.
وزعم أبو اليقظان أن الحجاج سأل مثجور بن غيلان الضبي عن تميم، فقال: حنظلة أكرمها وفودًا وأخشنها خدودًا، وسعد أكثرها عديدا وأعظمها جدودا، وعمرو بن تميم أعظمها أحلامًا وأكثرها حكامًا، والرباب أكرمها صلاحًا وأحدها رماحا.
وذكر لي غير واحد عن الخنساء أنه قال كان حنظلة بن ربيعة بن أخي أكثم بن صيفي يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ادع قومك على أسمائهم، فقال: أين حنظلة الآسرون، أين سعد الأثرون، ثم سكت حتى ظننا أنه لا يتكلم ثم قال: أين الصميم، عمرو بن تميم. قال: وحدثني رجل من أهل الشام بالمدينة أن معاوية أيضًا قال لحنظلة أيضًا: ادع قومك على أسمائهم، فقال: أين حنظلة الأكرمون، أين سعد الأكثرون، أين عمرو الأخرصون.
قال أبو عبيدة: جمع فرسان من بني تميم من البطش والقوة ما لم تجمعه أحد من العرب منهم: زهير بن ذؤيب العدوي، وعباد بن حصين الحبطي، والحريش بن هلال القريعي، وشعبة بن ظهير، وطريف بن تميم العنبري، وغيرهم. ولهم يقول ابن عرادة:
فوارس مثل شعبة أو زهير ** ومثل العنبري مجربينا
وكان عتيبة بن الحارث بن شهاب أفرس هؤلاء وأشدهم بطشًا، قال أبو عمر المدني: كانت العرب تقول لو أن القمر سقط ما التقطه أحد إلا عتيبة لثقافته.
قال أبو عبيدة: قتله غلام من بني أسد يقال له ذؤاب وسببه أنه غزا بني أسد بن خزيمة فقاتله القوم حتى ظفر أو كاد فانتحى له ذؤاب وهو يومئذ شاب فرماه بكسرة رمح أو نيزك فأصاب بطنه فقتله وهزمت بنو يربوع، وذلك قول مالك بن نويرة:
تالله لا تنسى تميم عميدها ** وفارسها أخرى الليالي الغوابر
ثم غزوهم ثائرين فقتلوا ذؤابًا، قتله حليس بن عتيبة أخذه أسيرًا وضرب عنقه، وقيل: إنه المجشر بن عبد عمرو الغاضري، ورجلا آخر يقال له المسيب، وقال متمم يذكر قتل الشيعة:
أبأنا به من أكرم القوم شيعة ** وكنا متى ما نطلب الثأر نغضب
قال زرارة بن عدس لابنه لقيط: إنك لتجدب على إخوتك كأنك أتيت الملك فأعطاك مائة من الإبل وتزوجت إلى ابنة ذي الجدين، فقال: أوتلك هي النهية يا أبت، قال: نعم، قال: فوالله لا يصيب رأسي غسل حتى أبلغها، فأصاب ذلك. قال الكلبي: وكان زرارة يسمى رب معد، قال:
فهلا افتخرت اليوم إن كنت فاخرًا ** برب معد أو بسلمى بن جندل
قال: وكانت العرب تسمي بني عبد مناق بن دارم اللباب، وبني مجاشع السحاب لسخائهم، وبني نهشل الشهاب لشدة بأسهم. قال: فأنشدني الأخطل:
تاج الملوك وبيته في دارم ** إذ كان يربوع من الرعيان
يعني تاج حاجب بن زرارة حين رهن كسرى قوسه عن تميم وكانوا أجدبوا فوفد حاجب إلى كسرى فطلب إليه أن يأذن له ولقومه فيستظلوا في ظله ويعيشوا في أرضه، فقال كسرى: إني لا آمن أن تفسدوا في أرضي، فقال: أنا لك بأن لا يفعلوا، فقال: ومن لي بذلك، قال: أرهنك قوسي بما أحدثوا، فقال أحباؤه: طؤوه إنه لمجنون يرهن الملك عويدًا بما أفسد من أرضه، فقال كسرى: لا تفعلوا فإنه لم يرهن هذا العود إلا وفي نفسه أن يفي فارتهنها منه، وعاشوا تحت يديه حتى أجموا فوفى له قومه ووفى للملك.
وتاج عطارد ابنه، وقال مسكين:
كفانا حاجب كسرى وقومًا ** هم البيض الجعاد ذوو السبال
وسار عطارد حتى أتوه ** فأعطوه المنى غير انتحال
هما حبيا بديباج كريم ** وياقوت يفصل بالمحال
أبو عبيدة قال: حدثني يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة بن عدس قال: خرجت فإذا أنا برجل على بعير وحوله عشرة بنين له يدفعون عنه الناس، فدنوت منه فقلت: ممن الرجل؟ قال: رجل من مهرة من ساكني البحر، فوليت فناداني: أن ما لك دنوت ثم وليت؟ قلت: لست من قومي ولا أعرفك ولا تعرفني. قال: إن كنت من كرام العرب فإني أعرفك. فأنفت فرجعت فقلت: إني من كرام العرب. فقال: ممن أنت؟ قلت: من مضر. قال: فمن الفرسان أنت أم من الأرحاء؟ فعلمت أنه أراد بالفرسان قيسًا وبالأرحاء خندفًا فقلت: بل من الأرحاء. قال: أنت امرؤ من خندف. قلت: أجل. قال: فمن الأزمة أنت أم من الروابي؟ فعلمت أنه أراد بالأزمة خزيمة، والروابي بني أد بن طابخة، فقلت: بل من الروابي. قال: أنت امرؤ من بني أد بن طابخة. فقلت: أجل. قال: أفمن الهوازن أنت أم من الصميم؟ فعلمت أنه أراد بالصميم تميمًا، وبالهوازن الرباب وما والاها، فقلت: بل من الصميم. قال: فأنت امرؤ من تميم. قلت: أجل. قال: فمن الأكثرين أنت أم من الأقلين؟. أم من إخوتهم الآخرين؟ فعلمت أنه أراد بالأكثرين بني زيد، وبالأقلين بني عمرو وإخوتهم الآخرين: بني الحارث، قلت: بل من الأكثرين. قال: أنت امرؤ من بني زيد. قلت: أجل. قال: أفمن البحور أم من السحاب؟ فعلمت أنه أراد بالبحور: بني سعد، وبالسحاب: بني حنظلة. قلت: من السحاب. قال: أنت امرؤ من بني حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن الشهاب أنت أم من اللباب؟ فعلمت أنه أراد بالشهاب نهشلًا ومجاشعًا، وباللباب بني عبد الله بن دارم، قلت: من اللباب. قال: أنت امرؤ من دارم. قلت: أجل. قال: أفمن البطون أنت أم من الأخلاف؟ قلت: بل من البطون. قال: أنت يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة بن عدس، وكانت لأبيك امرأتان فأيتها أمك.
أبو عبيدة قال: سئل أبو عمرو بن العلاء أي قيس أذكر فأنشد الفرزدق:
ومن يك عن قيس بن عيلان سائلًا ** ففي غطفان عز قيس وخيرها
هم حاملوها والفوارس منهم ** وفاتكهم منها ومنها بدورها
عبد الله بن بدر السهمي قال: أخبرني أبي قال: قال لي معن ابن زائدة: ما فاخرت رجلًا قط إلا فخرته بفرسان بني شيبان غير رجل واحد من قيس فإنه فاخرني فلم ينتصف واحد من صاحبه، فلما طال الفخار بيني وبينه قال: يا أبا الوليد هاهنا كلمة لعلها أن تفصل بيني وبينك، فقلت: هاتها، قال: أخبرني عن الرجل إذا كان فارسًا شجاعًا كيف يقال، كأنه من فرسان قيس، أو كأنه من فرسان بني شيبان؟ قال: لا بل يقال: كأنه من فرسان قيس، فأقررت فتفرقنا. وتحقيق ذلك قول مروان بن أبي حفصة القرشي:
ألم تر قيسًا لا تزال حليفة ** يرى فيهم يومًا أغر محجلًا
معاقلنا قيس ولم نر مثلهم ** لمن يبتغي حزن المعاقل معقلا
فوارس ما من جمع قوم يراهم ** لدى مأزق إلا استخف فأجفلا
يشيط على أرماحهم كل معلن ** على عادة يغشى الوغي غير أعزلا
إذا أنجدتنا قيس عيلان بالفتى ** فلسنا نبالي بعدها من تخذلا
إذا خطر العبسي بالرمح في الوغى ** سقاه دمًا حتى يعل وينهلا
وكان فيهم فارس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العباس بن مرادس السلمي، وكان فيهم رجل كان ربع الإسلام وهو عمرو بن عبسة، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم امرأتين ميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب أم المساكين.
قال أبو عبيدة: كان منهم خمسة رؤساء توالوا في الجاهلية، كان بدر بن عمرو رئيس القوم وقائدهم، وله يقول حاتم طي:
النازلون بكل معترك ** والطاعنون وخيلهم تجري
ثم كان حذيفة بن بدر رئيس القوم وله يقال:
لأصرفن إلى حذيفة مدحتي ** لفتى العشي وفارس الأحزاب
ثم كان حصن بن حذيفة رئيس الأحلاف أسد وغطفان، وغزا عكاظ وكانت له سبعون غارة في الجاهلية، ولهم يقول النابغة:
هم الدرع التي استلأمت فيها ** إلى أهل النسار وهم مجني
وهم وردوا الجفار على تميم ** وهم أصحاب يوم عكاظ إني
شهدت لهم مواطن صالحات ** أتيتهم بحسن الظن مني
أبو عمرو المدني: قال رجل من أهل الحجاز أثق به إن دغفلا العلامة قال: لنا عشر خصال يوم السلات ويوم خزازي ويوم ذي قار والبحرين واليمامة وشاطئ الفرات، ووفدت وفود العرب إلى كسرى وليس فيهم بسطام بن قيس فبعث إليه بجائزته إلى بيته، ولنا "لا حر بوادي عوف" و "أعز من كليب وائل". وهوذة ذو التاج الكلبي قال: حدثني خراش بن إسماعيل العجلي قال: كانت لقيس بن مسعود حظيرة له فيها مائة من الإبل للأضياف كلما نحر ناقة أعاد مكانها فيها أخرى، ففيه يقول الشماخ:
دافع بألبانها عنكم كما دفعت ** عنهم لقاح بني قيس بن مسعود
وفي قيس بن خالد يقول طرفة:
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد ** ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
قال: وقال دغفل: كانت الجاهلية للأيامن، والإسلام لمضر، والفتن لربيعة.
وسمعت أبا عمرو والمدني يقول بالمدينة: لا والله ما كان يوم نفاق قط إلا ذهبت ربيعة فيه بالصوت والنجدة، لعل ما يكون ذلك إلا كذلك، ثم أنشدني:
وكنا حسبنا كل سوداء تمرة ** ليالي لاقينا جذامًا وحميرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ** ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
ليالي لقينا من ربيعة عصبة ** يقودون شعثًا في الأعنة ضمرا
سقيناهم كأسًا سقونا بمثلها ** ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
قال أبو عبيدة: وأنشدني أبو عمرو بن العلاء لأبي المهوش:
منعت ربيعة بالأسنة منكم ** تمر العراق وما يلذ الحنجر
أبو عبيدة قال: حدثني سلام بن أبي خيرة عن سعيد عن قتادة: أن يزيد بن عبد الملك لما قدم العراق قال: أخبرني عن أهل العراق فقد رأيتهم، فقلت: أخبرك عنهم بما علمت، كان اليماني يأتيني في الجاهلية فأرده فأعرف الحياء في قفاه فلا يعود، وكان التميمي يجيئني في الحاجة فأرده فيعود إلى كأنني لم أرده، وكان الربعي يجيئني في الحاجة فأرده فأعرف الوعيد في قفاه.
أبو عمرو المدني: أن رغلة بن الفرزدق الأسود بن شريك الشيباني دخل على عبد الملك بن مروان ففخر بقومه، فذكر أنه ليس في بكر بن وائل مثلهم، فقال عبد الملك: فأين أنت من بني قيس بن ثعلبة إن منهم لحيين ما يزيدك عليهم حيان، عمرو بن مرثد في الجاهلية وبنو مسمع في الإسلام.
وحدثني أبو جعفر الكوفي وغيره: أن حمادًا الرواية كان ذات يوم قاعدًا في نفر من بكر بن وائل وتميم فتنازعوا الحديث فقال هؤلاء: قتلنا منكم، وقال هؤلاء: قتلنا منكم، قال: فأطرق حماد ثم قال لبني تميم: أتجيئون بثلاثة أسميتهم لكم من فرسان مضر قتلتهم بكر بن وائل. أحدهم زيد الفوارس الضبي، قتيل المسلبين من بني تيم الله بن ثعلبة. والثاني طريف بن تميم العنبري قتيل حمصية الشيباني. والثالث علقمة بن زرارة قتيل أشيم بن شراحيل.
أبو عبيدة قال: غزا زيد الفوارس بن حصين بن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن بجالة بن ذهل بن بكر بن سعد بن حنبة بكر بن وائل في الرباب وسعد، وزعمت بكر بن وائل أنهم كانوا [في غارة] فألح عليهم أبو عمرو المسلب وأخوه عمرو فقتلاه، فانهزمت سعد والرباب، فقال قيس بن عاصم في كلمة له على لسان منفوسة بنت زيد وكانت عند قيس:
لقد غادر السعدي حزمًا ونائلًا ** لدى جبل الأمرار زيد الفوارس
فتى كان يقري الضيف في قمع الذرى ** ويؤمن من سرح عند المحابس
أبو عبيدة قال: كان فرسان العرب تقنع عكاظ، فكان أول من وضع القناع طريف بن تميم العنبري، وكان فارسًا شاعرًا فأتاه حمصيصة بن جندل بن قتادة الشيباني فجعل يتأمله، فقال له طريف: ما لك تشد النظر إلي، إني لأرجو أن أقتلك، وكانت العرب لا تقتل في الأشهر الحرم، فتعاهدا لئن تلاقيا بعد يومهما في غير الأشهر الحرم لا يفترقان حتى يقتل أحدهما صاحبه، أو يقتل دونه، فقال طريف:
أوكلما وردت عكاظ قبيلة ** بعثوا إلى عريفهم يتوسم
ولكل بكري إلى عداوة ** وأبو ربيعة شانئ ومحلم
لا تنكروني أنني أنا ذاكم ** شاك سلاحي في الحوادث معلم
تحتي الأغر وفوق جلدي نثرة ** زغف ترد السيف وهو مثلم
قال: فالتقوا بعد بمبايض، وهو ماء قريب من أرض بني تميم وعلى بكر هانئ بن مسعود، فالتقى طريف وحمصيصة فقتله حمصيصة فذلك قوله:
ولقد دعوت طريف دعوة جاهل ** سفها وأنت بمنظر قد تعلم
فأتيت حيا في الحروب محلهم ** والجيش باسم أبيهم يستهزم
فوجدتهم يرعون حول ديارهم ** بسلًا إذا هاب الفوارس أقدموا
وإذا اعتزوا بأبي ربيعة أقبلوا ** بكتائب دون السماء تلملم
سلبوك درعك والأغر كليهما ** وبني أسيد أسلموك وخضم
قال: وأما أشيم بن شراحيل فإنه قتل علقمة بن زرارة في بعض وقعاته فشد لقيط بن زرارة بعد ذلك على أشيم فقتله، فقال في ذلك:
إن تقتلوا منا غلامًا فإننا ** أبأنا به مأوى الصعاليك أشيما
قتلت به خير الضبيعات كلها ** ضبيعة قيس لا ضبيعة أضجما
وآليت لا آسى على هلك هالك ** ولا فقد مال بعدك اليوم علقما
تناوله بشر بن عمرو بضربة ** على النحر بلت جيب سرباله دما
جدعنا به أنف اليمامة كلها ** فأصبح عرنين اليمامة أخشما
فأجابه عمرو بن شراحيل أخو أشيم:
ألا أبلغا عني لقيطًا رسالة ** فما أنت أما ذكرك اليوم علقما
لقد علم الأقوام أن أخاكم ** كفاه أخونا حين أقدما
فأقسم لو لاقيته غير محرم ** لألحقك الماضي أخيك علقما
وقمع قماص الرباب بطعنة ** لها عاند يشفي صدى من تخيما
أبو اليقظان قال: نافر رجل من بني ذهل بن ثعلبة رجلًا من بني شيبان بن ثعلبة إلى أعشى همدان فقال الأعشى: لست منفردًا واحدًا منكما، ولكن سأسألكما فقولا في ذلك ما يبين، من أيكما كان المثنى بن حارثة الذي افتتح السواد وساد في الجاهلية والإسلام وبلغ عطاؤه ألفين وخمسمائة؟ قال الشيباني: منا. قال: فمن أيكما عوف بن النعمان الذي كان يدعى الخيار في الجاهلية لوفائه وبلغ عطاؤه ألفين وخمسمائة؟ قال الشيباني: منا. قال: فمن أيكما مصقلة بن هبيرة الذي أعتق في غداة سبعمائة؟ قال الشيباني: منا. قال: فمن أيكما قطبة بن زرارة الذي أغار على الأبلة وما وليها؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما علباء بن الهيثم صاحب راية ربيعة وكندة يوم المل وعزل الأشعث بن قيس؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما حسان بن محدوج المقتول يوم الجمل ومعه راية ربيعة وكندة؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما مجزأة بن ثور بشر المسلمين بنفسه يوم الأهواز وفتحها الله على وجهه؟ قال الذهلي: منا. قال فمن أيكما شقيق بن ثور الذي ساد قومه أربعين سنة فأول رافد بنفرية أهل العراق؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما سويد بن منجوف الذي كان أعظم العرب وفادة وأحسنهم شفاعة وخير شريف قوم ليتيم وأرملة؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما مرئد بن ظبيان الذي هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوهب له أسرى بكر بن وائل وكتب معه كتابًا إليهم أن أسلموا تسلموا؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما بشير ابن الخصاصية المهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما خالد بن المعمر الذي حقن الله به دماء ربيعة؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما حضين بن منذر صاحب راية صفين؟ قال الذهلي: منا. قال: فمن أيكما عبد الله بن الأسود المهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال الذهلي: منا. قال: فضجر الشيباني وقال: حفت علي. قال: هو كما أقول لكما فإن كنت حفت فأخروا صاحبكم من حيث طرحه صاحبكم، يعني بذلك الحارث بن وعلة الذهلي، وقيس بن مسعود بن خالد الشيباني. وكان كسرى أطعم قيسا السواد على أن يكفيه العرب. قال: فأتاه الحارث بن وعلة فاستجداه فلم يعطه شيئًا فأغار على بعض السواد فانتهبه، فكتب كسرى إلى قيس بن مسعود: زعمت أنك تكفيني العرب جئني بهذا الرجل؟ فلم يقدر عليه فحبسه في سجنه حتى مات.
أبو عبيدة عن أبي عمرو قال: قال عبد الملك بن مروان: حي من أشعر الناس وأجود الناس وأنكح الناس: إياد، فأما الشاعر فأبو داؤد، وأما الجواد فكعب بن مامة، وأما الآخر فابن الغز.
أبو الحسن المدائني قال: سئل الشعبي عن اليمن فقال: سيفها قضاعة وفرسانها همدان ولسانها مدحج وملوكها كندة، ولكل قوم قريش وقريش اليمن الأنصار.
عوانة بن الحكم الكلبي قال: قال محمد بن عمير الرازي: ما سموت إلى غاية شرف إلا نازعنيها رجل من مذحج حتى تمنيت هلاك مذحج فلما تذللت مذحج يعلم الله تمنيت الموت لزيد الوضيع وتشرفهم وتذلل أهل الفضل وسقوطهم.
الأصمعي قال: قيل لرجل من بني الحارث بن كعب: كيف قويتم على محاربة العرب، قال: لم نكن قليلا فنتخاذل، ولا كثيرا فنتكل، ولا نبدأ أحد بظلم، ونصبر بعد صبر الناس.
قال: وذكر ابن سمعان قال: أقبل نفر من الأنصار حتى وقفوا على دغفل بعد ما عمي فقال: من القوم؟ قالوا: أشراف اليمن؟ قال دغفل: أهل ملكها القديم وحسبها العميم كندة؟ قالوا: لا. قال: فأهل شرفها المذكور وبيتها المعمور آل ذي يزن؟ قالوا: لا. قال: فالطوال قضبا الممحصون نسبا بنو عبد المدان؟ قالوا: لا. قال: فأقودها للزحوف وأحزمها للعيوف وأضربها بالسيوف رهط عمرو بن معدي كرب؟ قالوا: لا. قال: فأطيبها فناء وأعجلها قراء رهط حاتم؟ قالوا: لا. قال: فالقائلون بالعدل الغارسون للنخل والمطعمون في المحل الأنصار؟ قالوا: نعم.
- تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.