اعلم أن المعمول عليه في نحو هذا أن تنظر حال ما انتقل إليه لسانه. فإن كان إنما انتقل من لغته إلى لغة أخرى مثلها فصيحة وجب أن يؤخذ بلغته التي انتقل إليها كما يؤخذ بها قبل انتقال لسانه إليها حتى كأنه إنما حضر غائب من أهل اللغة التي صار إليها أو نطق ساكت من أهلها. فإن كانت اللغة التي انتقل لسانه إليها فاسدة لم يؤخذ بها ويؤخذ بالأولى حتى كأنه لم يزل من أهلها. وهذا واضح. فإن قلت: فما يؤمنك أن تكون كما وجدت في لغته فساداً بعد أن لم يكن فيها فيما علمت أن يكون فيها فساد آخر فيما لم تعلمه. فإن أخذت به كنت آخذا بفاسد عروض ما حدث فيها من الفساد فيما علمت قيل هذا يوحشك من كل لغة صحيحة لأنه يتوجه منه أن تتوقف عن الأخذ بها مخافة أن يكون فيها زيغ حادث لا تعلمه الآن ويجوز أن تعلمه بعد زمان كما علمت من حال غيرها فساداً حادثاً لم يكن فيما قبل فيها. وإن اتجه هذا انخرط عليك منه ألا تطيب نفساً بلغة وإن كانت فصيحة مستحكمة. فإذا كان أخذك بهذا مؤدياً إلى هذا رفضته ولم تأخذ به وعملت على تلقي كل لغة قوية معربة بقبولها واعتقاد صحتها. وألا توجه ظنة إليها ولا تسوء رأيا في المشهود تظاهره من اعتدال أمرها. وذلك كما يحكى من أن أبا عمرو استضعف فصاحة أبي خيرة لما سأله فقال: كيف تقول استأصل الله عرقاتهم ففتح أبو خيرة التاء فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة لأن جلدك! فليس لأحد أن يقول: كما فسدت لغته في هذا ينبغي أن أتوقف عنها في غيره لما حذرناه قبل ووصفنا. فهذا هو القياس وعليه يجب أن يكون العمل.