قد يفعل أصحابنا ذلك إذا كانت الزيادة مثبتة لحال المزيد عليه. وذلك كقولك في همز "أوائل": أصله "أواول" فلما اكتنفت الألف واوان وقربت الثانية منهما من الطرف ولم يؤثر إخراج ذلك على الأصل تنبيهاً على غيره من المغيرات في معناه ولا هناك ياء قبل الطرف منوية مقدرة وكانت الكلمة جمعاً ثقل ذلك فأبدلت الواو همزة فصار أوائل.
فجميع ما أوردته محتاج إليه إلا ما استظهرت به من قولك: وكانت الكلمة جمعاً فإنك لو لم تذكره لم يخلل ذلك بالعلة ألا ترى أنك لو بنيت من قلت وبعت واحداً على فواعل كعوارض أو أفاعل " من أول أو يوم أو ويح " كأباتر لهمزت كما تهمز في الجمع.
فذكرك الجمع في أثناء الحديث إنما زدت الحال به أنساً من حيث كان الجمع في غير هذا مما يدعو إلى قلب الواو ياء في نحو حقي ودلي فذكرته هنا تأكيداً لا وجوباً. وذكراك أنهم لم يؤثروا في هذا إخراج الحرف على أصله دلالة على أصل ما غير من غيره في نحوه لئلا يدخل عليك أن يقال لك: قد قال الراجز:
تسمع من شدانها عواولا |
وذكرت أيضاً قولك: ولم يكن هناك ياء قبل الطرف مقدرة لئلا يلزمك قوله:
وكحل العينين بالعواور |
ألا ترى أن أصله عواوير من حيث كان جمع عوار. والاستظهار في هذين الموضعين أعني حديث عواول وعواور أسهل احتمالاً من دخولك تحت الإفساد عليك بهما واعتذارك من بعد بما قدمته في صدر العلة. فإذا كان لا بد من إيراده فيما بعد إذا لم تحتط بذكره فيما قبل كان الرأي تقديم ذكره والاستراحة من التعقب عليك به. فهذا ضرب.
ولو استظهرت بذكر ما لا يؤثر في الحكم لكان ذلك منك خطلاً ولغواً من القول ألا ترى أنك لو سئلت عن رفع طلحة من قولك: جاءني طلحة فقلت: ارتفع لإسناد الفعل إليه ولأنه مؤنث أو لأنه علم لم يكن ذكرك التأنيث والعلمية إلا كقولك: ولأنه مفتوح الطاء أو لأنه ساكن عين الفعل ونحو ذلك مما لا يؤثر في الحال. فاعرف بذلك موضع ما يمكن الاحتياط به للحكم مما يعرى من ذلك، فلا يكون له حجم. وإنما المراعى من ذلك كله كونه مسندا إليه الفعل.
فإن قيل: هلا كان ذكرك أنت أيضاً هنا الفعل لا وجه له ألا ترى أنه إنما ارتفع بإسناد غيره إليه فاعلاً كان أو مبتدأ. والعلة في رفع الفاعل هي العلة في رفع المبتدأ وإن اختلفا من جهة التقديم والتأخير قلنا: لا لسنا نقول هكذا مجرداً وإنما نقول في رفع المبتدأ: إنه إنما وجب ذلك له من حيث كان مسنداً إليه عارياً من العوامل اللفظية قبله فيه وليس كذلك الفاعل لأنه وإن كان مسنداً إليه فإن قبله عاملاً لفظياً قد عمل فيه وهو الفعل وليس كذلك قولنا: زيد قام لأن هذا لم يرتفع لإسناد الفعل إليه حسب دون أن انضم إلى ذلك تعريه من العوامل اللفظية من قبله. فلهذا قلنا: ارتفع الفاعل بإسناد الفعل إليه ولم نحتج فيما بعد إلى شيء نذكره كما احتجنا إلى ذلك في باب المبتدأ ألا تراك تقول: إن زيداً قام فتنصبه -وإن كان الفعل مسنداً إليه- لما لم يعر من العامل اللفظي الناصبه.
فقد وضح بذلك فرق ما بين حالي المبتدأ والفاعل في وصف تعليل ارتفاعهما وأنهما وإن اشتركا في كون كل واحد منهما مسنداً إليه فإن هناك فرقاً من حيث أرينا.
ومن ذلك قولك في جواب من سألك عن علة انتصاب زيد من قولك: ضربت زيداً: إنه إنما انتصب لأنه فضلة ومفعول به فالجواب قد استقل بقولك: لأنه فضلة وقولك من بعد: "ومفعول به" تأنيس وتأييد لا ضرورة بك إليه ألا ترى أنك تقول في نصب "نفس" من قولك: طبت به نفساً: إنما انتصب لأنه فضلة وإن كانت النفس هنا فاعلة في المعنى. فقد علمت بذلك أن قولك: ومفعول به زيادة على العلة تطوعت بها. غير أنه في ذكرك كونه مفعولاً معنى ما وإن كان صغيراً. وذلك أنه قد ثبت وشاع في الكلام أن الفاعل رفع والمفعول به نصب وكأنك أنست بذلك شيئاً. وأيضاً فإن فيه ضرباً من الشرح. وذلك أن كون الشيء فضلة لا يدل على أنه لا بد من أن يكون مفعولاً به ألا ترى أن الفضلات كثيرة كالمفعول به والظرف والمفعول له والمفعول معه والمصدر والحال والتمييز والاستثناء. فلما قلت: ومفعول به ميزت أي الفضلات هو. فاعرف ذلك وقسه.