سألت أبا علي رحمه الله فقلت: من أجرى المضمر مجرى المظهر في قوله أعطيتكمه فأسكن الميم مستخفاً كما أسكنها في قوله: أعطيتكم درهما كيف قياس قوله على قول الجماعة: أعطيته درهماً إذا اضمر الدرهم على قول الشاعر: له زجل كأنه صوت حاد إذا طلب الوسيقة أو زمير إذا وقع ذلك قافية فقال: لا يجوز ذلك في هذه المسألة وإن جاز في غيرها لا لشيء يرجع إلى نفس حذف الواو من قوله: كأنه صوت حاد لأن هذا أمر قد شاع عنهم وتعولمت فيه لغتهم بل لقرينة انضمت إليه ليست مع ذلك ألا ترى أنه كان يلزمك على ذلك أن تقول: أعطيتهه خلافاً على قول الجماعة: أعطيتهوه. فإن جعل الهاء الأولى روياً والأخرى وصلا لم يجز ذلك لأن الأولى ضمير والتاء متحركة قبلها وهاء الضمير لا تكون روياً إذا تحرك ما قبلها. فإن قلت: أجعل الثانية رويا فكذلك أيضاً لأن الأولى قبلها متحركة. فإن قلت: أجعل التاء روياً والهاء الأولى وصلا قيل: فما تصنع بالهاء الثانية أتجعلها خروجاً هذا محال لأن الخروج لا يكون إلا أحد الأحرف الثلاثة: الألف والياء والواو. فإذا أداك تركيب هذه المسئلة في القافية إلى هذا الفساد وجب ألا يجوز ذلك أصلاً. فأما في غير القافية فتتابعة جائز. هذا محصول معنى أبي علي فأما نفس لفظه فلا يحضرني الآن حقيقة صورته. وإذا كان كذلك وجب إذا وقع نحو هذا قافية أن تراجع فيه اللغة الكبرى فيقال: أعطيتهوه البتة فتكون الواو ردفاً والهاء بعدها روياً وجاز أن يكون بعد الواو روياً لسكون ما قبلها. ومثل ذلك في الامتناع أن تضمر زيداً من قولك: هذه عصا زيد على قول من قال: وأشرب الماء ما بي نحوه عطشٌ إلا لأن عيونه سيل واديها لأنه كان يلزمك على هذا أن تقول: هذه عصاه فتجمع بين ساكنين في الوصل فحينئذ ما تضطر إلى مراجعة لغة من حرك الهاء في نحو هذا بالضمة وحدها أو بالضمة والواو بعدها فتقول: هذه عصاه فاعلم أو عصا هو فاعلم على قراءة من قرأ خذوهو فغلوهو وفألقى عصاهو ونحوه. ونحو من ذلك أن يقال لك: كيف تضمر زيداً من قولك: مررت بزيد وعمرو فلا يمكنك أن تضمره هنا والكلام على هذا النضد حتى تغيره فتقول: مررت به وبعمرو فتزيد حرف الجر لما أعقب الإضمار من العطف على المضمر المجرور بغير إعادة الجار. وكذلك لو قيل لك: كيف تضمر اسم الله تعالى في قولك: والله لأقومن ونحوه لم يجز لك حتى تأتي بالباء التي هي الأصل فتقول: به لأقومن كما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فلا بك ما أبالي وكإنشاده أيضاً: رأى برقاً فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال ولا أغاما وكذلك لو قيل لك: أضمر ضارباً وحده من قولك: هذا ضارب زيداً لم يجز لأنه كان يلزمك عليه أن تقول: هذا هو زيداً فتعمل المضمر وهذا مستحيل. فإن قلت فقد تقول: قيامك أمس حسن وهو اليوم قبيح فتعمل في اليوم هو قيل: في هذا أجوبة: أحدها أن الظرف يعمل فيه الوهم مثلا كذا عهد إلي أبو علي رحمه الله في هذا. وهذا لفظه لي فيه البتة. والآخر أنه يجوز في المعطوف مالا يجوز في المعطوف عليه. ولا تقول على هذا: ضربك زيداً حسن وهو عمرا قبيح لأن الظرف يجوز فيه من الاتساع ما لا يجوز في غيره. وثالث: وهو أنه قد يجوز أن يكون اليوم من قولك: قيامك أمس حسن وهو اليوم قبيح ظرفا لنفس قبيح يتناوله فيعمل فيه. نعم وقد يجوز أن يكون أيضاً حالاً للضمير الذي في قبيح فيتعلق حينئذ بمحذوف. نعم وقد يجوز أن يكون أيضاً حالاً للضمير الذي في قبيح فيتعلق حينئذ بمحذوف. نعم وقد يجوز أن يكون أيضاً حالاً من هو وإن تعلق بما العامل فيه قبيح لأنه قد يكون العامل في الحال غير العامل في ذي الحال. نحو قول الله تعالى {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} فالحال ههنا من الحق والعامل فيه " هو " وحده أو " هو " والابتداء الرافع له. وكلاذينك لا ينصب الحال. وإنما جاز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها من حيث كانت ضرباً من الخبر والخبر العامل فيه غير العامل في المخبر عنه. فقد عرفت بذلك فرق ما بين المسئلتين. وكذلك لو قيل لك: أضمر رجلاً من قولك: رب رجل مررت به لم يحز لأنك تصير إلى أن تقول: ربه مررت به فتعمل رب في المعرفة. فأما قولهم: ربه رجلاً وربها امرأة فإنما جاز ذلك لمضارعة هذا المضمر للنكرة إذ كان إضماراً على غير تقدم ذكر ومحتاجاً إلى التفسير فجرى تفسيره مجرى الوصف له. فلما كان المضمر لا يوصف ولحق هذا المضمر من التفسير ما يضارع الوصف خرج بذلك عن حكم الضمير. وهذا واضح. نعم ولو قلت: ربه مررت به لوصفت المضمر والمضمر لا يوصف. وأيضاً فإنك كنت تصفه بالجملة وهي نكرة والمعرفة لا توصف بالنكرة. أفلا ترى إلى ما كان يحدث هناك من خبال الكلام وانتقاض الأوضاع. فالزم هذه المحجة. فمتى كان التصرف في الموضع ينقض عليك أصلاً أو يخالف بك مسموعاً مقيساً فالغه ولا يسمع من العربي الفصيح.