هذا باب ظاهره -إلى أن تعرف صورته- ظاهر التناقض،إلا أنه مع تأمله صحيح. وذلك أن يقل الشيء وهو قياس ويكون غيره أكثر منه إلا أنه ليس بقياس.
الأول قولهم في النسب إلى شنوءة: شنئي فلك -من بعد- أن تقول في الإضافة إلى قتوبة: قتبي، وإلى ركوبة: ركبي، وإلى حلوبة: حلبي، قياساً على شنئي. وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة لمشابهتها إياها من عدة أوجه: أحدها أن كل واحدة من فعولة وفعيلة ثلاثي، ثم إن ثالث كل واحدة منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه، ألا ترى إلى اجتماع الواو والياء ردفين، وامتناع ذلك في الألف، وإلى جواز حركة كل واحدة من الياء والواو مع امتناع ذلك في الألف، إلى غير ذلك. ومنها أن في كل واحدة من فعولة وفعيلة تاء التأنيث. ومنها اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد، نحو أثيم وأثوم، ورحيم ورحوم، ومشي ومشو، ونهي عن الشيء ونهو.
فلما استمرت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار، جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة، فكما قالوا: حنفي قياسا قالوا: شنئي أيضا قياسا.
قال أبو الحسن: فإن قلت: إنما جاء هذا في حرف واحد -يعني شنوءة- قال: فإنه جميع ما جاء. وما ألطف هذا من القول من أبي الحسن! وتفسيره أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف، والقياس قابله، ولم يأت فيه شيء ينقضه. فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء، وكان أيضاً صحيحاً في القياس مقبولاً، فلا غرو ولا ملام.
وأما ما هو أكثر من باب شنئي، ولا يجوز القياس عليه، لأنه لم يكن هو على قياس فقولهم في ثقيف: ثقفي، وفي قريش: قرشي، وفي سليم: سلمي، فهذا وإن كان أكثر من شنئي فإنه عند سيبويه ضعيف في القياس. فلا يجيز على هذا في سعيد سعدي، ولا في كريم كرمي.
فقد برد في اليد من هذا الموضع قانون يحمل عليه، ويرد غيره إليه. وإنما أذكر من هذا ونحوه رسوماً لتقتدى، وأفرض منه آثاراً لتقتفى، ولو التزمت الاستكثار منه لطال الكتاب به، وأمل قارئه. واعلم أن من قال في حلوبة: حلبي قياساً على قولك في حنيفة: حنفي، فإنه لا يجيز في النسب إلى حرورة حرري، ولا في صرورة صرري، ولا في قوولة قولي. وذلك أن فعولة في هذا محمولة على فعيلة، وأنت لا تقول في الإضافة إلى فعيلة إذا كانت مضعفة أو معتلة العين إلا بالتصحيح، نحو قولهم في شديد: شديدي، وفي طويلة: طويلي، استثقالاً لقولك: شددي وطولي. فإذا كانت فعولة محمولة على فعيلة، وفعيلة لا تقول فيها مع التضعيف واعتلال العين إلا بالإتمام، فما كان محمولاً عليها أولى بأن يصح ولا يعل. ومن قال في شنوءة: شنئي فأعل، فإنه لا يقول في نحو جرادة وسعادة إلا بالإتمام: جرادي وسعادي. وذلك لبعد الألف عن الياء "و" لما فيها من الخفة. ولو جاز أن يقول في نحو جرادة: جردي، لم يجز ذلك في نحو حمامة وعجاجة: حممي ولا عججي، استكراهاً للتضعيف، إلا أن يأنس بإظهار تضعيف فعل، ولا في نحو سيابة وحوالة: سيبي ولا حولي، استكراهاً لحركة المعتل في هذا الموضع. وعلة ذلك ثابتة في التصريف، فغنينا عن ذكرها الآن.