الحــياة
الحــياة المؤلف: إبراهيم ناجي |
جلستُ يوماً حين حلَّ المساءْ
وقد مضى يومي بلا مؤنسِ
أريح أقداماً وهتْ من عياءْ
وأرقب العالَم من مجلسي!
أرقبه! يا كَدّ هذا الرقيب
في طيب الكون وفي باطلهْ
وما يبالي ذا الخضم العجيبْ
بناظر يرقب في ساحلهْ
سيان ما أجهل أو أعلم
من غامض الليل ولغز النهارْ
سيستمر المسرح الأعظم
روايةً طالت وأين الستار
عييتُ بالدنيا وأسرارها
وما احتيالي في صموت الرمالْ!
أنشد في رائع أنوارها
رشداً فما أغنم إلا الضلالْ!
أغمضت عيني دونها خائفاً
مبتغياً لي رحمة في الظلامْ
فصاح بي صائحها هاتفاً
كأنما يوقظني من منامْ:
أنت امرؤٌ ترزح تحت الضنى
لم يبق منك الدهر إلا عنادْ!
وكل ما تبصره من سنا
يهزأ بالجذوة خلف الرمادْ!
وكل ما تبصره من قوى
تدوي دويّ الريح عند الهبوبْ
يسخر من مبتئس قد ثوى
يرنو إلى الدنيا بعين الغروبْ!
انظر إلى شتى معاني الجمالْ
منبثة في الأرض أو في السماءْ
ألا ترى في كل هذا الجلال
غير نذيرٍ طالعٍ بالفناءْ!
كم غادة بين الصبا والشبابْ
تأنقّ الصانع في صنعها
تخطر والأنظار تحدو الركاب
ولفظة الاعجاب في سمعها!
وربما سار إلى جنبها
مدّله ليس يبالي الرقيبْ
يمشي شديد العجب في قربها
إذا راح يوليها ذراع الحبيبْ!
وانظر إلى سيارة كالأجل
تخطف خطفاً لا تُبالي الزحامْ
هذا الردى الجاري اختراع الرجلْ
هل بعد صنع الموت شيءٌ يُرامْ!
وانظر إلى هذا القويّ الجسدْ
الباتر العزم الشديد الكفاحْ!
قد أقبل الليل فحيّ الجلد
في رجل يدأب منذ الصباحْ
أجبت: يا دنياي من تخدعين؟
إني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
مزّقتِ عن عيشي. هنيّ السنين
لأنني مزقتُ عنكِ القناعْ!
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضونْ
ويعبثُ الدهر بحلو الجنى
وتستر الصبغة إثم السنينْ!
وهذه السيارة العاتيهْ
وربما الجبار كالبرق سارْ
ما هي إلا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبها مثل شعاع النهارْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكي لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
كم صحتُ إذا أبصرت هذا الجهادْ
وميسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا ماذا يلاقي العبادْ
أكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدر الأرض إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا الله أطفالا!
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!