الرئيسيةبحث

الجراز الدياني على المرتد القادياني

الجراز الدياني على المرتد القادياني
أحمد رضا خان الحنفي (1272 – 1340)
  ► 1340 هـ - هذا آخر ما ألفه الإمام في حياته من بين ألف مؤلف ☰  
بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال

حضرة العالم الجليل الشيخ الإمام أحمد رضا خان الحنفي حفظكم الله تعالى

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

لا شك أن لديكم كثرة هائلة من استفتاءات تستعجل الردود غير أن هذا استفسار مرسل إلى جنابكم المؤقر لأشد ما يكون من الضرورة فالرجاء أن تتفضلوا بإرسال الإجابة.

1- المطلوب توضيحه أن الله سبحانه وتعالى يقول { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } [النحل 20-21] .

فإن الآية الكريمة أفادت أن ما يعبد سوى الله تعالى مخلوق غير خالق، وميت غير حي. وعلى هذا فإن سيدنا عيسى عليه السلام ميت وليس حيا في السماء { كما اشتهر فيما بين المسلمين } لأن النصارى يعبدونه ويعتقدون فيه الألوهية.

2- روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ».

فالحديث قد دل كما هو بين أن سيدنا موسى وعيسى عليه نبينا وعليهما الصلاة والسلام تعبد قبورهما.

وقد راجعنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية امتثالا لأمر الله جل وعلا: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } [النساء: 59] فوجدناهما تؤكدان موت سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ووفاته، فلم لا نعتقده إذا من الأموات؟

أحقر خادم لجنابكم، مير خان القاردي الرضوي غفر له ربه.

3 محرم المحرم 1340 ه.

من بيلي بيت

الإجابة

نحمده ونصلي على رسوله الكريم أما بعد:

لا بد هنا من معرفة أمر بالغ في غية الأهمية قبل الشروع في الإجابة، فإنه لأهم من البحث والنقاش بألف مرة، وذلك أن الزائغين لهم حيلة كبيرة يلجئون إليها؛ حيث إنهم يجحدون الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، ثم يتنزلون إلى النقاش في مسألة خفيفة فيها مجال للاختلاف.

لا يخفى أن القادياني منكر لما علم من الدين بالضرورة من جهات شتى قد تتجاوز المئات، ثم يثير قضية حياة سيدنا عيسى رسول الله على نبينا الكريم وعليه صلوات الله وتسيلماته، ووفاته { متسترا بها عن عقائده الملعونة الجلية } بما أنها مسألة فرعية سهلة قد وقع فيها نوع من الاختلاف في المسلمين أنفسهم، ولا يترتب على إثباتها أو نفيها ضلال، فضلا عن كفر. ستأتي في الفائدة الرابعة أن عقيدة نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام مما قد أجمع عليه أهل السنة والجماعة.

ولن تنفع هؤلاء المرتدين مسألة وفاة المسيح البتة. هب أن الله جل وعلا قد أماته آنذاك؟! لكننا نتساءل هنا لما امتنع من هذا نزولُه؟ فإن الإنبياء إنما يموتون مؤقتا تحقيقا لما وعد الله عز وجل به { كل نفس ذائقة الموت } [آل عمران: 185] ، ثم ترد إليهم تلك الحياة الحقيقية الدنوية الجسمانية كما كانوا قبل مماتهم، وأنى تستحيل عودة الحي؟ قال رسول الله ﷺ: "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون"[1].

وعلى سبيل التنزل فليعترف المنحرفون أن وفاته عليه الصلوة والسلام كوفاة الآخرين { من عامة الناس } ، ومع تسليمنا هذا فما الذي يمنع عودته؟! وما الذي يحيلها؟! أما قول الله عز وجل { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [الأنبياء: 95] فإنها واردة في شأن قرية بعينها لا لجميع الأفراد عامة. حيث إن عودة بعض الأشخاص إلى هذه الدنيا بعد وفاتهم ثابتة بالقرآن العظيم كما قال الله عز وجل عن سيدنا عزير عليه الصلاة والسلام { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } [البقرة: 259] .

وقال الله عز وجل أيضا في قصة الطيور الأربعة لسيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا } [البقرة: 260] .

أجل، إن المشركين الملاعين الذين ينكرون البعث فإنهم يحيلونه، وإن مرزا القادياني أيضا يزعم مثلهم أن القدير عز جلاله عاجز عن إعادة الميت، كما ينشر كفره بلفظ صريح في كتابه "دافع البلاء" أن الله لا يستطيع أن يعيد إلى هذه الدنيا شخصا قد أفسدتها فتنته السابقة[2].

وقد رد الله عز وجل على أولئك المشركين وعلى هذا القادياني معًا فقال جل وعلا: { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } [ق: 15] لما أخبر النبي الصادق المصدوق ﷺ عن نزوله عليه السلام، ولما كان نزوله على المعنى الحقيقي الظاهر ممكنا ومقدورا فلا ينكره إلا ضال.

إن الحكم المستفاد من الآية الكريمة { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [الأنبياء: 95] ، وإن جعلناه عاما وشاملا للأفراد أيضا { مع أنها واردة في شأن قرية بعينها فإنه يختص ما إذا كان الموت حاصلا بعد استيفاء الأجل، أما إذا وقع الموت لأمر معين مخصوص قبل استيفائه فإنه لا يمنع الإعادة، بل الإعادة لازمة حينئذ لاستيفاء الأجل المتبقي. وقد وقع ذلك للآلاف فضلا عن واحد. قال الله تعالى: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم } [البقرة: 243] ، قال قتادة في تفسير هذه الآية: أماتهم عقوبة، ثم بعثوا ليتوفوا مدة آجالهم ولو جاءت آجالهم ما بعثوا.

4- لقد اختلف العلماء قديما وحديثا في مسألة حياة المسيح عليه السلام ووفاته، غير أن نزوله عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان وقتله الدجال اللعين لم يختلف فيه أحد من أهل السنة والجماعة، فإنه عقيدة نالت سند الإجماع. وهنا نتساءل: هل نفعت وفاة سيدنا المسيحِ القاديانيَ في إثبات عقيدته؟ وهل يمكن أن يكون وليد المغول { لأنه منحدر من قبيلة المغول } رسول الله ابن مريم البتول الذي خلق دون أب؟ وهل لديه ما يثبت أن المسلمين قبل ابتداعه في الدين كانوا يعتقدون أن عيسى عليه السلام لا ينزل بعينه بل سيولد مثيل له عليه أطلق "ابن مريم" وهو المعني بنزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام؟ ولما كان هذا الاعتقاد مناقضا لما عليه عامة المسلمين من اعتقاد نزول المسيح بعينه بلا تأويل فاتلوا: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } [النساء: 115] ، فإنها تفصح عن مآلهم.

إن إرادة مثل المسيح من "المسيح" تحريف في النصوص وذالك مع عادة اليهود، ولا يخفى أن التحريف في معنى النصوص من أكبر العون على الضلال. قال الله تعالى: { يحرفون الكلم عن مواضعه } [المائدة: 113] . واختلاق مثل هذه التأويلات تلاعب بنصوص الشريعة واستهزاء بها وإفساد للأحكام الربانية والإرشادات الإلهية.

ولو مشينا على هذا المنوال لأمكن أن يقال لكل شئ إذا ذكر ليس المراد هو نفسه إنما المقصود نظيره ومثيله. أليس هذا كما تفتري الطائفة الإباحية الملعونة بأن الصلاة والصوم ليسا فريضتين وكذالك الخمر والزنا ليسا محرمين، وإنما تلك أسماء لأناس صالحين أمرنا بحبهم وهذه أسماء لأشرار أمرنا بمعاداتهم؟!

ومع تسويغنا هذه التحريف الباطل على سبيل الافتراض، فمن أين يتسنى للمرتد القادياني أن يكون مثيل رسول الله[3]؟ وهل ظل من الممكن أن تخفى كفرياته وأكاذيبه ووقائحه وفضائحه وخباثاته ونجاساته وجرأته التي اشتهرت في أرجاء العالم؟ وهل في العالم عاقل أو متدين يعترف بإن إبليس يماثل جبريل عليه الصلاة والسلام؟!

ولنراجع على سبيل المثال بعض كفرياته من بين الآلاف المؤلفة في الرسائل التالية أسماؤها.

1 – السوء والعقاب على المسيح الكذاب.

2 – قهر الديان على مرتد بقاديان.

3 – نور الفرقان.

4 – باب العقائد والكلام، وغيرها من المؤلفات.

يتضح من خلالها أنه مكذب للأنبياء جهرة، وشاتم في جناب الرسل العظام بأفحش الشتائم، ومناقض للقرآن العظيم بطرق متعددة. ومن كان هذا شأنه فإنه يستحيل أن يكون مسلما، فضلا عن كونه مثيلا لرسول الله ﷺ.

ومن دهاء القاديانيين أنهم يهربون عن تكفير مسيلمتهم ويثيرون مسألة وفاة المسيح وحياته متعامين عن كفرياته الصريحة الملعونة.

إن رسول الله عيسى المسيح له ميزات شهيرة وخصائص جليلة ذكرها الله عز وجل في القرآن العظيم وهي كثيرة. فمنها أنه عليه السلام خلق بدون أب في بطن مريم العذراء البتول ليكون للناس آية. قال الله عز وجل: { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا } [مريم: 21] ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد تكلم فور ولادته كما قال الله عز وجل: { فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا } [مريم: 24] على قراءة { مَن تحتَها } بالفتح فيهما – الميم في من والتاء الأخيرة في تحتها – وتفسيره بالمسيح عليه الصلاة والسلام، وقد وجه الناس وهو في المهد، فيقول الله جل وعلا: { ويكلم الناس في المهد وكهلا } [آل عمران: 46] .

كما أكرمه الله عز وجل بالكتاب والنبوة وهو لا يزال في بطن أمه أو في حجرها، فقد قال الله عز وجل حكاية عنه عليه الصلاة والسلام: { قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا } [مريم: 30] .

وما وقعت قدمه الميمونة في بقعة من الأرض إلا غمرها البركات والنفحات وعمها الخيرات والحسنات، وذالك مما وصفه الله عز وجل على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام: { وجعلني مباركا أين ما كنت } [مريم: 31] .

وبخلاف كفريات هذا الطاغية القادياني فإنه يهذر في شأن سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام فيتفوه ب"أن فتنته السابقة قد أفسدت العالم بأسره"[4]، وقد أطلعه الله العالم الخبير غلى غيوبه وأظهره عليها كما ينطق بذلك القرآن الحكيم: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول } [الجن: 26-27] .

وخذ منها – على سبيل المثال – أنه عليه الصلاة والسلام كان ينبئ الناس عما يأكلون ويخزنون في بيوتهم وإن قاموا بذلك في أظلم غرفة وفي أخفى مخدع، فإنه كان ينكشف لديه ويتجلى كالمرآة المصقولة الصافية. كما يصرح بذلك القرآن العظيم على لسان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام: { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } [آل عمران: 49] .

وقد أكرمه الله عز وجل ورفعه بأن جعله ينسخ بعض أحكام التوراة، فقال الله عز وجل: { ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } [آل عمران: 50] .

وقد منحه الله عز وجل ووهب له القدرة على إبراء الأعمى الذي لا يرجى شفاؤه كما اختصه بإبراء الأبرص. قال الله عز وجل: { ويبرئ الأكمه والأبرص } [المائدة: 110] .

وأكرمه الله عز وجل بإحياء الموتى على يديه. يقول الله جل وعلا { وإذ تخرج الموتى } [المائدة: 110] ، وقال في موطن آخر على لسان سيدنا المسيح عليه السلام: { وأحيي الموتى بإذن الله } [آل عمران: 49] .

كما تفضل الله عز وجل وميزه بأنه عليه السلام كان يخلق من الطين طيرا ثم يحييها بنفخة منه فتطير في الجو. قال الله عز وجل وهو يمتن عليه: { وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني } [المائدة: 110] .

وظاهر جدا أن القادياني لم يكن ليقوم بشئ منه أصلا.. فمن أين له دعوة مثلية المسيح؟!

لعل غلام أحمد[5] هنا قد ساوره الهم واستولى عليه الخوف والذعر من أن يفاجئه سائل ويمسك بتلابيبه قائلا: إنك تدعي مثلية المسيح فهل لك أن تأتي بشئ مما ذكر من فعال المسيح عليه السلام؟!

وبما أنه أعلم بخفايا نفسه – أهل البيت أدرى بما في البيت – وبأنه كذاب ملوم شقي محروم من الرحمة الإلهية، فقد مهد لذلك تمهيدا، وضرب بالقرآن العظيم عرض الحائط وداس معجزات رسول الله ﷺ الجلية بأقدامه وقال بلفظ صريح: "لم تكن هذه كلها من المعجزات وإنما كانت شعوذة وسحرا، ولا أني كرهت هذه الأفاعيل لأتيت بها"[6]. وما أشبه هذه الدعوى الفارغة بادعاء أولئك المشركين الملاعين الذين كانوا يسترون عجزهم وخذلانهم بقولهم المشهور: { لو نشاء لقلنا مثل هذا } [الأنفال: 31] غير أننا لا نلتفت إليها. { ألا لعنة الله على الكافرين }

ومن أراد مزيد الاطلاع على شتائم مرزا في جناب سيدنا المسيح عليه السلام فعليه بكتابه "إزالة الأوهام" من صفحة 3-5، وفي نهاية الكتاب في الملحوظة الأخيرة من صفحة 151 إلى آخر صفحة 163 فإنه قد شتم هناك ملء الفم. وإن أردت أن تعرف خلاصة هذا كله فعليك برسالتي "قهر الديان على مرتد بقاديان". بيد أني سأنقل هنا في هذه العجالة بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر.

ففي الإزالة الملعونة { ص3 } "إن إحياء الجسم لا يساوي شيئا ولا يحمل أي قيمة". وفي ص4 في نفس المرجع المذكور: ألم تسلب قصة البُحيرة بهاء المعجزات المسيحية ورواءها. على ص151: كان المسيح مشعوذا عاطلا يخدع السذج والبسطاء من الناس، كان قد عكف على إتقان فن النجارة على يدي أبيه يوسف إلى مدة اثنين وعشرين عاما، وإن حرفة النجارة مما تشحذ العقل وتؤهله لاختراع الآلات والأجهزة. فإن بعض الطير تحلق في الفضاء بمعونة الآلات وتصنع ألاعيب كثير من هذا النوع في بمبي وكلكتة، ومن المحتمل أيضا أن تكون هذه الأفاعيل السحرية مرجعها اللهو واللعب دون الأمر الواقع. أما سلب الأمراض فإنه أيضا لا يعدو أن يكون قسما من أقسام الشعوذة { المسمريزم } ، ولم يخل العالم قط من أناس يطردون الأدواء بهذه الطرق، ولم يزل البُرص يبرأون بأدنى إشارة منهم. وإلى جانب ذلك فإن المسيح كان يتمتع بإلمام تام ومهارة فائقة في عمليات الشعوذة، وبذلك فلا يليق بأدنى اهتمام. ولولا أني استبشعتها لما ظللت أدنى من ابن مريم شأنا في هذه الأعاجيب، وإن هذه العملية مما يترتب على متعاطيها تأثير سيء ونتيجة سلبية في منتهى الخطورة، فإنها توهن وتعطل القوى الروحية في الإنسان. وهذا هو السر الكامن في أن المسيح كان ينفي الأدواء البدنية وكان قد فشل أو كاد يفشل في هداية الناس وتوطيد دعائم التوحيد في قلوبهم. وإنما كانت تظهر في تلك الطيور حياة خادعة وتحركات كاذبة. وقد تضاءلت قيمة المعجزات المسيحية أمام تلك البحيرة التي كانت طلسما للعجائب قبل أن يولد المسيح. وغاية ما هنالك أن هذه العجائب لا تعدو أن تكون لعبة كعجل السامري.

لقد رأيتم أيها المسلمون! فتأملوا الآن: هل هناك طعن أو إساءة أو إهانة فاتت من هذه الكلمات الملعونة؟ وهل هناك بذاءة لم توجه نحو جناب رسول الله[7]؟ وهل هناك تكذيب لم يلصقه هذا الكذاب بالآيات القرآنية؟ فإن هذه الجُميلات تحمل في طيها ثلاثا وثلاثين كفرية.

ومهما يكن من أمر فإنه قد اتضح الآن بما لا مزيد عليه أن هذا المرتد ليس كمثل المسيح، فشتان ما بينهما. فإن سيدنا عيسى عند المسلمين نبي مرسل وصاحب معجزات وآيات بينات، وهذا المرتد على عكسه مردود مطرود مرتد رهين الآفات[8]، ثم يزعم مع كل هذا أنه[9] – عليه السلام، معاذ الله – ساحر { مسمريزمي } عاطل ضعيف في القوى الروحانية، وهو نفسه مقدس مهذب صفوة هاد. ألا لعنة الله على الظالمين.

إن هذا الملعون قد عد هذه الأوصاف في زعمه للمسيح ونسبها إليه كذبا وزورا كما يكتب في كتابه "دفع البلاء" ص4 أن المسيح لم يتفوق صدقه على غيره في عهده، بل يحيى عليه السلام كان أفضل منه لأنه لم يكن يتعاطى الخمر ولم يسمع عنه قط أن عاهرة أو بغيا مسحت الطيب على رأسه بمكسبها النجس أو ألصقت سعرها ببدنه أو قامت أجنبية بخدمته[10]، ولذا خص الله عز وجل يحيى عليه السلام باسم الحصور في القرآن الكريم دون المسيح؛ لأن هذه الفضائح كانت مانعة من التسمية بذالك. وفي ملحق "أنجام آتهم" ص7: لعل حبه العاهرات ومؤانسته بهن ترجع إلى مشابهته لأجداده { أي أن عيسى لم يكن إلا كأحد منهم في هذه الفواحش } ، وإلا فلا يمكن أن يتصور من متقٍ أن يسمح لعاهرة شابة بأن تمسح رأسه بيدها النجسة أو تمس الطيب من مكسبها الخسيس أو تفرش شعرها على قدميه، فليتصور العاقل هنا مدى الانحراف في سيرته وكم كان معوجا في سلوكه!

وعلى صفحة7: والحق أنه لم تصدر منه معجزة. وعلى صفحة 7: وما كان بيده سوى المكر والخداع[11]، وإن أسرته أيضا كانت في غاية الطهر والعفة؛ لأن جداته الثلاث من الأب والأم كليهما كنّ من العاهرات المستأجرات، وقد خلق هذا من عروقهن ودمائهن.

فهذا خمسون كفرا.

إن هذا القادياني الدجال قد اتهم زورا وبهتانا رسول الله الصادق المسيح عيسى بن مريم بأنه جاهل شرير مكار غبي متأنث متفحش بذاء أبتر كذاب سارق ناقص في القوة العلمية والعملية، مختل العقل، لعان شقي خائن متبع للشيطان. وقد تقدم فيما سبق ثلاث كفريات وهي أن الله غير قادر على إعادته وأن المسيح فتنة وأن فتنته قد أفسدت العالم بأسره. فهذا سبعون كفرا.

ومع صرف النظر عن سبعين أو سبعين ألفا، فإن هذا الدجال المرتد قد وصف مسيحه المزعوم بأكثر من ثلاثين عيبا، من هنا أطالبه متحديا بأن يرضى لنفسه بعشرة منها فقط وأن يعترف بأنه لئيم معربد خادع خائن متأنث كذاب سارق بذاء متبع الشيطان ابن البغايا ووليد الزانيات وثمرة الزنا، فإنه إن قبل هذه العشرة ورضي بها لنفسه فلا شك إذن أنه مثل المسيح[12]، لكن حاشا لا كالمسيح رسول الله، بل كالمسيح القبيح الموهوم المزعوم الذي تخيله في خاطره الفاتر، ألا لعنة الله على الظالمين.

أيها المسلمون، عليكم بهذه الفوائد السبعة التي ألقيتها عليكم، فشدوا بها أيديكم؛ فقد بان الآن واتضح لكم أكثر من وضوح الشمس في منتصف النهار أن إثارة القاديانيين – بعد كل هذه الكفريات – مسألة حياة المسيح ووفاته، إن هي إلا فرار من كفريات القادياني الجلية واشتغال بفضول الكلام الذي لا يجدي.

فإنه كان من حقنا بعد هذا أن لا نلتفت أصلا إلى هذه الشبهات الباطلة والمخادعات النجسة التي يثيرونها حول حياة رسول الله ووفاته، وليس هناك رد فيما أرى على هذه الاحتيالات والمكايد أفضل من زرهم بأن: اعترِفوا أولا بهذه الكفريات وكفّروا مرزا ثم توبوا وأسلموا وبعد كل هذا إن بدا لكم الاستفسار عن هذه المسئلة فإنا عنها مجيبون.

ومع غض البصر عن هؤلاء المرتدين فإنا نقوم بنسف هذه الشكوك وتلك الشبهات حفاظا على أحبابنا السنيين الذين استفسروا عن هؤلاء الأباطيل، وبالله التوفيق.

الشبهة الأولى

الموجهة نحو الآية الكريمة: { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } [النحل 20-21] .

أقول أولا: إن هذه الشبهة قد ورثها هؤلاء المرتدون من إخوانهم الكفار الذين سبقوهم بها منذ قرون، فإنه لما نزلت الآية الكريمة: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [الأنبياء: 98] قال المشركون مشككين فيها: ما حكم الملائكة وعيسى وعزير؟! إذن فإنهم ممن يُعبدون من دون الله؟ فكشف الله عز وجل عن مراده من الآية الكريمة وأبطل مزاعم هؤلاء الكافرين المجادلين بأن الآية إنما تبين مصير الأصنام، فقال تعالى: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } [الأنبياء: 101] .

وبالرغم من هذا البيان الواضح فقد ردد هؤلاء المرتدون تلك الشبهة الباطلة.

روى أبو دؤاد في كتاب الناسخ والمنسوخ كما روى الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم مع تصحيح المستدرك عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [الأنبياء: 98] قال المشركون: فالملائكة وعيسى وعزير يُعبدون من دون الله؟ فنزلت: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } [الأنبياء: 101] .

ثانيا: إن وصف { يَدعون من دون الله } [النحل: 20] إنما ينطبق على المشركين دون أهل الكتاب، فإن القرآن العظيم قد ميزهم عن المشركين حيث إن النكاح مع الكتابية جائز وذبيحتها حلال طاهرة بخلاف المشركة فإن النكاح منها باطل محض والذبيحة ميتة.

قال الله جل وعلا: { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } [البينة: 1] . وقال الله عز وجل: { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية } [البينة: 6] . وقال أيضا: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } [البقرة: 105] . وقال أيضا: { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون } [المائدة: 82] .وقال أيضا: { ٤ } اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } [المائدة: 5] .وقال عن المشركين: { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ } [البقرة: 221] . وبما أن القرآن العظيم قد أخرج النصارى من مفهوم { يدعون من دون الله } فبالتالي لا يندرج المسيح عليه السلام في عموم "الذين" في: { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } [النحل: 20] .

ثالثا: إن هذه السورة التي فيها الآية الكريمة المذكورة في الشبهة مكية، وقد قرأها القراء السبعة سوى عاصم الكوفي "تدعون" بناء على الخطاب بدل "يدعون" بياء الغيبة، وعلى هذا فالخطاب موجه أصالة إلى المشركين.

رابعا: إن الآية الكريمة نفسها تحمل في طيها دليلا ناطقا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بصفة عامة وسيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام بصفة خاصة لا يصدق عليهم هذا الوصف المذكور في الآية؛ حيث إن الله عز وجل قال: { أموات غير أحياء } ولم تقتصر على { أموات } فقط فإن ما يتبادر من كلمة { أموات } مجردا أنهم كانوا أحياء ثم لحقهم الموت، ولكن ما قيد كلمة "أموات" بوصف "غير أحياء" أفاد البتة معنى زائدا، أي هؤلاء أموات وجماد محض لم تسبقها الحياة قط، وما كان هذا المعنى ليصدق إلا على الأصنام والأوثان دون ذوات الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام.

ففي تفسير "إرشاد العقل السليم" حيث كان بعض الأموات مما يعتريه الحياة سابقا أو لاحقا كأجسام الحيوان والنطف التي ينشئها الله تعالى حيوانا احترز عن ذلك فقيل "غير أحياء" أي لا يتعريها الحياة أصلا فهي أموات على الإطلاق[13].

خامس: يقول الله عز وجل: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله } [آل عمران: 169] . وقال الله عز وجل في موطن آخر: { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } [البقرة: 154] . وإنه لمن المستحيل أن يوصف الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام بأنهم أموات – والعياذ بالله – مع أن الشهداء يحرم ويمتنع أن نحسبهم أمواتا بله النطق والحكم عليهم بالموت، فالأنبياء بلا شك أحياء غير أموات وليسوا أمواتا غير أحياء – والعياذ بالله – فإن الموت الذي يلحق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لوقت معين تحقيقا للوعد الإلهي: { كل نفس ذائقة الموت } [العنكوبت: 57] فإنه نازل بالشهداء أيضا لا محالة، ولما كان الشهداء مع تعرضهم لهذا الموت الآني أحياء غير أموات فإن الأنبياء أحياء غير أموات مائة ألف مرة فوق حياة الشهداء، بله أنهم أموات غير أحياء.

سادسا: فإن نص الآية الكريمة كما ترى قد ورد بصيغة المضارع، فقال الله تعالى: { هم يُخلقون } ولم يرد بصيغة الماضي فلم يقل "وهم قد خُلقوا"، ولا شك أن صيغة المضارع تدل على الاستمرار والتجدد وبالتالي تفيد الآية أنهم يُصنعون ويتجدد اختراعهم من حين لآخر، ولا يتنزل هذا الوصف إلا على الأصنام[14].

سابعا: لقد نفت الآية الكريمة خلق أي شيء عنهم وسلبت نسبة الخلق عنهم سلبا كليا كما يفهم من قوله تعالى: { لا يخلقون شيئا } . وقد أثبت القرآن العظيم خلق بعض الأشياء لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام بإن ربه ونسبه إليه فقال مخاطبا إياه: { وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني } [المائدة: 110] . وإن الإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلي، وعلى هذا فالآية لا تصدق على سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام لئلا يلزم وقوع التناقض في القرآن وهو مستحيل. عفوا من الخوض فيما لا ينبغي مع شأن القرآن العظيم والاسترسال في استئصال شبهتهم.

وإلى جانب ما سبق فإن "أموات" [مع مبتدئه المحذوف] إما تكون [من الموجّهات] قضية مطلقة عامة أو دائمة مطلقة، وعلى تسليم التقدير الثاني [دائمة مطلقة] فإن الإنس والجن والملك لا يمكن اندراجهم تحت هذا المعنى فإنهم أحياء بالفعل، وليسوا ممن دام عليهم الموت والجمود من الأزل إلى الأبد، وعلى تسليم الأول [مطلقة عامة] فإن مفاد الآية حينئذ جواز تعرضهم للموت مطلقا في أي قوت كان. وعلى هذا الافتراض يندرج تحت هذا المعنى عيسى والملائكة جميعا عليهم الصلوة والسلام، فإنه سيأتي وقت يموت فيه المسيح عليه الصلوة والسلام كما أن الملائكة أيضا سيموتون يوم القيامة، ولكنه لا يلزم من هذا وقوع الموت حالا وإلا فالملائكة مندرجة في معنى "يدعون من دون الله" بلا شك، ويلزم على هذا التقدير أن يكون الملائكة قد ماتوا وهذا باطل، ففي تفسير أنوار التنزيل: أموات حالا أو مآلا غير أحياء بالذات ليتناول كل معبود[15]. وفي تفسير "عناية القاضي": فالمراد ما لا حياة له سواء كان له حياة ثم مات كعزير أو سيموت كعيسى والملائكة عليهم الصلاة والسلام أو ليس من شأنه الحياة كالأصنام[16].

فليعلم المبطلون أن شبهتهم باطلة من كل وجه وما لها من قرار.

الشبهة الثانية

لعن الله اليهود والنصارى – أقول والمزرائية لعنا كبّارا.

أولا إن الإضافة في "انبيائهم" لا تفيد الاستغراق، فيح أن كل نبي من سيدنا موسى إلى سيدنا عيسى عليهم السلام قد جُعلت قبورهم مساجد، فإن دعوى الاستغراق باطلة كما لا تفيد اللام والإضافة معنى الاستغراق في قوله تعالى { وقتلهم الأنبياء بغير حق } [آل عمران: 181] فما كان كلهم من القتلة ولا كان كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الشهداء، فقد قال الله تعالى عن قتلهم الأنبياء عليهم الصلوة والسلام: { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } [البقرة: 87] . فلما لم يصح الاستغراق فإن إدخال المسيح عليه الصلاة والسلام وإقحامه في ذلك البعض زعم باطل ووهم مرفوض. ومعلوم أن جميع أنبياء اليهود أنبياء عند النصارى، ويكفي لصدق معنى الحديث أن نحمل أن اليهود والنصارى اتخذوا قبور بعض الأنبياء مساجد وما زاد على هذا فهو هوس من هؤلاء المرتدين. ولقد تعرض الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري لهذا الإشكال وأثار هذا الاعتراض قائلا أين أنبياء النصارى، إنما نبيهم الوحيد هو سيدنا عيسى ثم ليس له من قبر؟ ورد هذا الإشكال بنفس الوجه الذي ذكرناه بتوفيق الله تعالى، إلى أن قال أو المراد بالاتخاذ ما هو أعم من أن يكون ابتداعا أو اتباعا، فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود[17].

ثانيا: ثم قدم الإمام الموصوف رحمه الله تعالى حلا آخر لهذا الإشكال[18]، وقال: لقد وقع هنا في هذه الرواية اقتصار، وبيانه أن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد والنصارى اتخذوا قبور صالحيهم مساجد، ولذا اقتصر الحديث المروي عن أبي هريرة في صحيح البخاري على اسم اليهود فقط في باب قبور الأنبياء ولم يتعرض للنصارى، وإليك نص الحديث. أن رسول الله ﷺ قال: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد[19]. وعلى ذلك فقد وقع الاقتصار على الصالحين فقط دون الأنبياء عندما ذكر النصارى، قال رسول الله ﷺ: أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور. ولما كان الأمر شاملا لليهود والنصارى جميعا في الحديث المروي عن جندب رضي الله عنه في صحيح مسلم جمع الأنبياء والصالحين كليهما فقال: سمعت النبي ﷺ قال: ألا ومن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.

ومن هنا قد تبين أن جمع الطرق دائما يوضح معنى الحديث.

ثالثا: أقول ما أبشع دهاؤهم وما أدهى مكرهم وخداعهم! فإنه ليس المقصود هو إثبات قبر سيدنا عيسى فحسب[20]، بل هناك سر مهم قصد من ورائه، وهو أن القادياني كان يدعي النبوة وكان كذابا، وقد بلغ كذبه إلى أقصى مدى، وكان من أكاذيبه البيضاء الفاضحة تنبؤاته عن عقد محمدي بيجوم وولادة ابن سيكون بين الأنبياء قمرا[21]، وإخباره قبل الأوان بعدم تعرضه هو وزوجته القاديانية لوباء الطاعون. ولا يخفى على عاقل أن اجتماع الكذب والنبوة من المستحيلات. وقد افتضحت أكاذيبه وانكشف عواره وسوأته أمام العقلاء ومن هنا دبر هذه الحلية وفكر أن يتهم الأنبياء بالكذب فتستقر نبوة هذا الكذاب القادياني، كما مهّد هذه المقدمة في رسالته "إزالة الأوهام" ص639 قائلا: لقد كذب أربعمائة نبي في إخبارهم بالغيب في عصر واحد. ولم يدر هذا المسكين أن قوله هذا قد جر عليه أربعمائة كفرية في وهلة واحدة لأن تكذيب كل نبي منفردا كفر واحد – وقد كذّب أربعمائة نبي – بل انصبت وانهالت عليه عشرات الملايين من الكفريات، فإن تكذيب نبي تكذيب لجميع أنبياء الله عز وجل. يقول المولى تعالى: { كذبت قوم نوح المرسلين } [الشعراء: 105] . وبناء على هذا المنطق القرآني يكون قد كذب أربعمائة، كلًّا على حدة. فإذا كان عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرين ألفا[22] فقد تضاعف كفره وبلغ إلى ستة وأربعين مليونا وست مائة ألف. أما إذا كان عددهم مائتين وأربعة وعشرين ألفا[23] فقد تضاعف كفره حينئذ إلى تسعة وثمانين مليونا وستمائة ألف كفرية، ولم يكتف هؤلاء المرتدون بهذا بل أرادوا أن يسقطوا هاوين بأنفسهم إلى الدرك الأسفل من قعر سحيق، إما بأنفسهم أو بتعليم شيخهم، فحاولوا تكذيب سيد المرسلين ﷺ وعليهم أجمعين – والعياذ بالله – واختلقوا معنى هذا الحديث وحرفوه ليوهما أن اتخاذ النصارى قبر عيسى عليه السلام مسجا كذب محض صريح فإنهم لا يعترفون بقبر المسيح البتة بله اتخاذه مسجدا. وإنما يعنون من هذا اللف والدوران – أذلهم الله – أن المصطفى ﷺ قد وقع الكذب في خبره، فإذا جاء نبينا القادياني الكاذب فما المانع؟ إذا لم يكن هذا مرام هؤلاء القاديانيين المرتدين وغايتهم فليخبروا وليجيبوا! هل يعترف النصارى بقبر المسيح عليه الصلاة والسلام وهل يعلمون أين قبره[24]؟ وهل هناك مسيحي واحد اتخذ قبره مسجدا كما أخبر بذلك سيدنا المصطفى ﷺ على حد زعمهم؟ وهل لذلك المسجد وجود على وجه الأرض؟ وهل لهؤلاء المسيحيين من أثر على هذه المعمورة؟ فإن لم تجيبوا ولن تجيبوا فاعترفوا أنكم افتريتم معنى هذا الحديث لتلصقوا الكذب بجناب محمد رسول الله ﷺ ووقعتم في وعيد الله الجبار القهار { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا } . [الأحزاب: 57] ألا لعنة الله على الظالمين. هل ذقتم حلاوة الاستدلال من الحديث على موت سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام؟ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. والله أعلم.

تمت

هامش

  1. العلامة جلال الدين السيوطي – شرح الصدور – ص87 ط أكاديمية الخلافة. سوات.
  2. مزرا القادياني – دفع البلاء ص 34 ط ربوة.
  3. ادعى القادياني أنه رسول الله وأنه المسيح وأنه المهدي ...
  4. مرزا القادياني، دافع البلاء – ص 34 ط ربوة.
  5. مرزا لقب واسمه الحقيقي غلام أحمد أي عبد أحمد فقد سمّي عبدا للرسول محمد ثم ادعى أنه مثيله! فاعتبروا يا أولي الأبصار.
  6. غلام أحمد القادياني، إزالة الأوهام – ط رياض الهند.
  7. المسيح
  8. قال الغلام القادياني: «أثناء مرضي بالسكري كنت أحيانا أتبول مائة مرة في اليوم و بعد أن دعوت جاءني هذا الإلهام: "و الموت إذا عسعس"» – كتاب الوحي القادياني تذكرة ص382. ووصفت زوجته نصرة جيهان اللحظات الأخيرة من حياته وإعداد مرحاض الطواريء بجانب سريره فقالت: «بعد فترة قصيرة انتابته نوبة أخرى لكن هذه المرة كان ضعفه شديد جدا بحيث لم يستطع الذهاب إلى الحمام. فقمت بالترتيبات قرب السرير حيث جلس هو هناك لقضاء حاجته، ثم نهض و استلقى على السرير ثم قمت بتدليك قدميه. لكن ضعفه كان شديدا جدا، و بعد ذلك أصابته نوبة أخرى ثم استقاء. و بعد أن انتهى من القيء حاول أن يستلقي لكن ضعفه هذه المرة كان أكثر بحيث لم تحمله يداه فانقلب على ظهره و ضرب رأسه بخشب السرير"» – كتاب سيرة المهدي الجزء الأول ص11. ومن هذياناته التي ادعى أنها وحي قوله يصف ولادة نفسه ذاتيا استعاريا: «فأجاءه المخاض إلى جذع النخلة قال يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا» – كتاب الوحي القادياني تذكرة ص71
  9. أي المسيح ابن مريم
  10. يشير إلى بعض ما ورد في الإنجيل المحرف بحق المسيح عليه الصلاة والسلام.
  11. يتابع الغلام الكذاب افتراءه على المسيح الحق.
  12. لأنه ادعى أنه مثل المسيح.
  13. محمد بن محمد العمادي – تفسير أبي السعود ج5 ص106.
  14. أطال المؤلف في الرد وفي بعض ما قاله نظر، وكان يكفيه أن يقول إنما العبرة أنهم يدعون أمواتا بمعنى أنهم ميتون، والإله لا يموت، فلا يستحقون العبادة والدعاء. قال تعالى مخاطبا رسوله – والآية نزلت قبل وفاته –: { إنك ميت وإنهم ميتون } أي إنك ستموت وسيموتون.
  15. عبد الله بن عمر البيضاوي – أنوار التنزيل، ط مصر ص 455.
  16. حاشية شهاب الشهيرة باسم عناية القاضي ج5 ص322.
  17. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت ج1 ص444.
  18. أي ابن حجر، وواضح أن الحديث يحرم أيضا اتخاذ قبور من يعتقد أنهم صالحين أو أولياء مساجد وأماكن عبادة بطريق الأولى.
  19. محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ط مجتبائي ج1 ص62.
  20. للغلام الكاذب كتاب ادعى فيه أن المسيح صلب ولم يمت بل هرب إلى الهند وعاش وقبر فيها.
  21. فإنه كان قد تنبأ بأن زوجته ستنجب ذكرا يكون قمرا بين الأنبياء يتبرك به الملوك والسلاطين، ونشر هذا التكهن الفاضح في الصحف، ومن المستظرف جدا أنها أنجبت أنثى، ثم قام بنشر اعتذاره عن كذبه، ولكن طمأن الناس في نفس الوقت إلى انتظار الحمل القادم فأنجبت ذكرا، غير أنه لم يعش إلا عامين، فقبض فلم يتحقق أمل مرزا ولم يتبرك الملوك والسلاطين بملابسه ولم يكن قمرا للأنبياء. وهكذا انكشفت سوأته بين أعين الناس في وصح النهار. كما تكهن كعادته المستمرة بإبرام عقد نكاحه مع محمدي بيجوم إحدى بناتق أقاربه وادعى نزول الوحي بذلك. ولا يخلو من طرافة أنه وقع خلاف وحيه الشيطاني فتزوجت مع سلطان محمد. من مقدمة العلامة عبد الحكيم شرف القادري في مستهل مجموعة الرسائل في الرد على المرزائية ص7-8.
  22. كما روى أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي ذر وهؤلاء وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة.
  23. كما في رواية على ما في شرح العقائد النسفية للتفتازاني. قال خاتم الحفاظ لم أقف عليهما من المؤلف رحمه الله تعالى.
  24. هناك عدة أماكن اليوم ادعى الضلال أنها قبر عيسى وبعضهم يتخذونها أماكن عبادة، وصدق رسول الله ﷺ.