الله أحمد على نعمائه وأشكره على آلائه، وأصلي على أشرف الخلق محمد وآله وأسلم.
وبعد، فهذه تذكرة في علوم الحديث، يتنبه بها المبتدي ويتبصر بها المنتهي اقتضبتها من المقنع تأليفي. وإلى الله أرغب في النفع بها إنه بيده والقادر عليه.
أقسام الحديث ثلاثة: صحيح وحسن وضعيف.
فالصحيح ما سلم من الطعن في إسناده ومتنه.
ومنه المتفق عليه، وهو ما أودعه الشيخان في صحيحيهما.
والحسن ما كان إسناده دون الأول في الحفظ.
ويعمه والذي قبله اسم الخبر القوي.
والضعيف ما ليس واحدا منهما.
وأنواعه [1] زائدة على الثمانين:
المسند وهو ما اتصل إسناده إلى النبي ﷺ. [2]
والمتصل وهو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا ويسمى موصولا أيضا.
والمرفوع وهو ما أضيف إلى النبي ﷺ خاصة، متصلا كان أو غيره.
والموقوف وهو المروي عن الصحابة قولا أو فعلا أو نحوه، متصلا كان أو منقطعا.
والمقطوع وهو الموقوف على التابعي قولا أو فعلا. ويستعمل في غيرهم مقيدا فيقال وقفه فلان على عطاء مثلا ونحوه.
والمنقطع وهو ما لم يتصل إسناده من أي وجه كان.
والمرسل وهو قول التابعي وإن لم يكن كبيرا: قال رسول الله ﷺ...
ومنه ما خفي إرساله.
والمعضل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر. ويسمى منقطعا أيضا، فكل معضل منقطع ولا عكس.
والمعلق وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر.
والمعنعن وهو ما أتي فيه بلفظة "عن"، كفلان عن فلان. وهو متصل إن لم يكن تدليس وأمكن اللقاء.
والتدليس وهو مكروه لأنه يوهم اللقاء والمعاصرة بقوله قال فلان. وهو في الشيوخ أخف.
والشاذ وهو ما روى الثقة مخالفا لرواية الثقات.
والمنكر وهو ما تفرد به واحد غير متقن ولا مشهور بالحفظ.
والفرد وهو ما تفرد الراوي به عن جميع الرواة أو جهة خاصة كقولهم "تفرد به أهل مكة" ونحوه.
والغريب وهو ما تفرد به واحد عن الزهري وشبهه ممن يجمع حديثه.
فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمي عزيزا.
فإن رواه جماعة سمي مشهورا.
ومنه المتواتر وهو خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه.
والمستفيض وهو ما زاد رواته في كل مرتبة على ثلاثة.
والمعلل وهو ما اطلع فيه على علة قادحة في صحته مع السلامة عنها ظاهرا.
والمضطرب وهو ما يروى على أوجه مختلفة متساوية.
والمدرج وهو زيادة تقع في المتن ونحوه.
والموضوع وهو المختلق المصنوع، وقد يلقب بالمردود والمتروك وبالباطل وبالمفسَد.
والمقلوب وهو إسناد الحديث إلى غير راويه.
والعالي وهو فضيلة مرغوب فيها، ويحصل بالقرب من النبي ﷺ ومن أحد الأئمة في الحديث، وبتقدم وفاة الراوي والسماع.
والنازل وهو ضد العالي.
والمختلف وهو أن يأتي حديثان متعارضان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما على الآخر.
والمصحف وهو تغيير لفظ أو معنى، وتارة يقع في المتن وتارة في الإسناد. وفيه تصانيف.
والمسلسل وهو ما تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة. وقل فيه الصحيح.
والاعتبار وهو أن يروي حماد بن سلمة مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة.
والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة.
والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه.
وزيادة الثقات، والجمهور على قبولها.
والمزيد في متصل الأسانيد وهو أن يزاد في الإسناد رجل فأكثر غلطا.
وصفة الراوي المقبول وهو العدل الضابط. ويدخل فيه معرفة الجرح والتعديل، وبيان سن السماع وهو التمييز ويحصل له في خمس غالبا، وكيفية السماع والتحمل.
وكتابة الحديث وهو جائز إجماعا. وتصرف الهمة إلى ضبطه.
وأقسام طرق الرواية وهي ثمانية: السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه والإجازة بأنواعها والمناولة والمكاتبة والإعلام والوصية والوجادة.
وصفة الرواية وأدائها، ويدخل فيه الرواية بالمعنى واختصار الحديث.
وآداب المحدث وطالب الحديث.
ومعرفة غريبه ولغته وتفسير معانيه واستنباط أحكامه.
وعزوه إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم.
ويحتاج في ذلك إلى معرفة الأحكام الخمسة، وهي الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة، ومتعلقاتها: من الخاص وهو ما دل على معنى واحد؛ والعام وهو ما دل على شيئين من جهة واحدة؛ والمطلق وهو ما دل على معنى واحد مع عدم تعيين فيه ولا شرط؛ والمقيد وهو ما دل على معنى مع اشتراط آخر؛ والمفصل وهو ما عرف المراد من لفظه ولم يفتقر في البيان إلى غيره؛ والمفسر وهو ما لا يفهم المراد منه ويفتقر إلى غيره.
والتراجيح بين الرواة من جهة كثرة العدد مع الاستواء في الحفظ ومن جهة العدد أيضا مع التباين فيه، وغير ذلك.
ومعرفة ناسخه ومنسوخه.
ومعرفة الصحابة وأتباعهم.
ومن روى من الأكابر عن الأصاغر، كرواية النبي ﷺ عن تميم الداري والصديق وغيرهما، ويلقب أيضا برواية الفاضل عن المفضول، ورواية الشيخ عن التلميذ كرواية الزهري ويحيى بن سعيد وربيعة وغيرهم عن مالك.
ورواية النظير عن النظير كالثوري وأبي حنيفة عن مالك حديث "الأيم أحق بنفسها من وليها".
ومعرفة رواية الآباء عن الأبناء، كرواية العباس عن ابنه الفضل، وعكسه. وكذا رواية الأم عن ولدها.
ومعرفة المدبج وهو رواية الأقران بعضهم عن بعض. فإن روى أحدهما عن الآخر ولم يرو الآخر عنه فغير مدبج.
ومعرفة رواية الإخوة والأخوات كعمر وزيد ابني الحطاب.
ومن اشترك عنه في الرواية اثنان تباعد ما بين وفاتيهما، كالسراج فإن البخاري روى عنه وكذا الخفاف وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون أو أكثر.
ومن لم يرو عنه إلا واحد من الصحابة فمن بعدهم، كمحمد بن صفوان لم يرو عنه غير الشعبي.
ومعرفة من عرف بأسماء أو نعوت متعددة، كمحمد بن السائب الكلبي المفسر.
ومعرفة الأسماء والكنى والألقاب.
ومعرفة مفردات ذلك ومن اشتهر بالاسم دون الكنية وعكسه.
ومن وافق اسمه اسم أبيه.
والمؤتلف والمختلف.
والمتفق والمفترق.
وما تركب منهما.
والمتشابه
والمنسوب إلى غير أبيه كبلال ابن حمامة.
والنسبة التي يسبق إلى الفهم منها شيء وهي بخلافه، كأبي مسعود البدري فإنه نزلها ولم يشهدها.
والمبهمات.
والتواريخ والوفيات.
ومعرفة الثقات والضعفاء ومن اختلف فيه منهم فيرجح بالميزان.
ومن اختلط في آخر عمره من الثقات وخرف منهم، فمن روى قبل ذلك عنهم قبل، وإلا فلا.
ومن احترقت كتبه أو ذهبت فرجع إلى حفظه فساء.
ومن حدث ونسي ثم روى عمن روى عنه.
ومعرفة طبقات الرواة والعلماء.
والموالي.
والقبائل والبلاد والصناعة والحلي.
آخر التذكرة وهي عجالة للمبتدي فيه ومدخل للتأليف السالف المشار إليه أولا، فإنه جامع لفوائد هذا العلم وشوارده ومهماته وفرائده. ولله الحمد على تيسيره وأمثاله.
قال مؤلفه رحمه الله:
- فرغت من تحرير هذه التذكرة في نحو ساعتين من صبيحة يوم الجمعة سابع عشرين جمادى الأولى عام ثلاث وستين وسبعمائة، أحسن الله بعضها وما بعدها في خير. آمين.
هامش